دراسات قانونية
بحث ودراسة حول ضوابط تنفيذ الحكم بعدم الدستورية بالنسبة للمراكز القانونية
كيفية تنفيذ الحكم بعدم الدستورية بالنسبة للمراكز القانونية المستقبلية في مواجهة الكافة :
يقصد بالكافة جميع الاشخاص الطبيعية والاعتبارية من الأغيار . اما عن تنفيذ الحكم بعدم الدستورية بالنسبة للمراكز القانونية في مواجهة الكافة . فسيتم بيانه فيما يأتي :
في مصر نجد أن الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نص تشريعي يلزم السلطات العامة والكافة . ….، اما الزامه للكافة فمقتضاه التزام هؤلاء الكافة بترتيب تصرفاتهم القانونية على أساس الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بعدم الدستورية والا استطاع المضرور الحصول من القضاء على حكم ببطلان التصرفات المترتبة بالمخالفة لحكم المحكمة الدستورية العليا ، هذا من جانب ، ومن جانب اخر فانه لا يجوز للكافة الدفع بعدم دستورية نص سبق وقضي بعدم دستوريته ، ومثل هذا الدفع يتعين ان يقابل بالرفض من محكمة الموضوع ، وحتى بفرض وصول المسالة الدستورية إلى المحكمة الدستورية العليا فسيكون مصير هذه الدعوى هو القضاء بعدم قبولها لسابقة الفصل فيها (1). ومثال ذلك حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في 21/12/1985 حيث تقول فيه المحكمة ” حيث أن الوقائع على ما هو بين من صحيفة الدعوى وسائر الاوراق يتحصل في أن المدعي كان قد أقام الدعوى رقم 6228 لسنة 1981 مدني كلي جنوب القاهرة طالباً الحكم بإلزام المدعى عليهم الأربعة الاخرين متضامنين بأن – يدفعوا له مبلغ 12681.390 جنيهاً قيمة ما تم الاستيلاء عليه من حقه في الشركات المؤممة بمقتضى القرارات بقوانين أرقام 17 ، 118 لسنة 1960 و 50 لسنة 1963 وبجلسة 3 نوفمبر سنة 1981 دفع المدعي بعدم دستورية القرار بقانون رقم 134 لسنة 1964 بتعويض أصحاب أسهم ورؤوس أموال الشركات والمنشآت المؤممة وفقاً لأحكام القوانين أرقام 117 ، 118 ، 119 لسنة 1961 تعويضاً أجمالياً ، فصرحت له المحكمة برفع دعواه الدستورية فأقام الدعوى المماثلة .
وحيث أن هذه المحكمة سبق أن قضت بتاريخ 2 مارس 1985 في الدعوى رقم 1 لسنة 1 قضائية ” دستورية” بعدم دستورية القرار بقانون رقم 134 لسنة 1964 بتعويض أصحاب أسهم ورؤوس أموال الشركات والمنشآت التي آلت ملكيتها إلى الدولة وفقاً لأحكام القوانين أرقام 117 ، 118 ، 119 لسنة 1961 والقوانين التالية لها تعويضا أجمالياً ونشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بتاريخ 31 مارس 1985 ، وحيث أن الفقرة الاولى من المادة (17) من الدستور قد نصت على ان تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح ، كما قضت المادة 178 من الدستور بأن تنشر في الجريدة الرسمية الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا في الدعاوى الدستورية … ونصت المادة (49/1) من قانون المحكمة الدستورية الصادرة بالقانون رقم 48 لسنة 1979 على أن أحكام المحكمة في الدعاوى الدستورية … ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة ، مؤدى ذلك أن الأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية وهي بطبيعتها دعاوى عينية توجه الخصومة فيها إلى النصوص التشريعية المطعون عليها بعيب دستوري تكون لها حجية مطلقة ، بحيث لا يقتصر أثرها على الخصوم في الدعاوى التي صدرت فيها ، وانما ينصرف هذا الأثر إلى الكافة يلتزم بها جميع سلطات الدولة سواء أكانت هذه الأحكام قد أنتهت إلى عدم دستورية النص التشريعي المطعون فيه أم إلى دستوريته ورفض الدعوى على هذا الأساس وذلك لعموم نصوص المادتين 175 ، 178 من الدستور والمادة (49/1) من قانون المحكمة المشار اليه ولأن الرقابة القضائية على دستورية القوانين التي أختصت بها المحكمة الدستورية العليا دون غيرها هي رقابة شاملة تمتد إلى الحكم بعدم دستورية النص فتلغي قوة نفاذه أو إلى تقرير دستوريته وبالتالي سلامته من العيوب وأوجه البطلان لما كان ذلك وكان المستهدف من هذه الدعوى هو الفصل في مدى دستورية القرار بقانون رقم 134 لسنة 1961 بتعويض أصحاب أسهم رؤوس أموال الشركات والمنشآت التي آلت ملكيتها إلى الدولة وفقاً لأحكام القوانين أرقام 117 ، 118، 119 ، لسنة 1961 والقوانين التالية لها تعويضاً إجمالياً ، وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بعدم دستوريته على ما سلف بيانه . وكان قضاؤها هذا له حجية مطلقة حسمت الخصومة بشأن عدم دستورية هذا القرار بقانون حسماً قاطعاً مانعاً من نشر أي طعن يثور من جديد بشأنه، فإن المصلحة في الدعوى الماثلة تكون منفية وبالتالي يتعين الحكم بعدم قبول الدعوى … ” (2).
وفي الولايات المتحدة الأمريكية … تنفيذ الكونكرس والسلطة التنفيذية والقضائية لحكم المحكمة الاتحادية العليا ، اما إلزامه للكافة من الأشخاص الطبيعية والاعتبارية ، فيعني عدم جواز الدفع بعدم الدستورية أو اللجوء إلى القضاء عن طريق أوامر المنع أو إصدار الحكم التقريري مستقبلاً بشأن قانون سبق وان حكمت المحكمة الاتحادية العليا بعدم دستوريته لأن حكمها هذا يشكل سابقة قضائية ، يوجب مبدأ حجية السوابق القضائية المتبع في الولايات المتحدة الأمريكية ، التزام جميع المحاكم الأدنى به ، وهذا يعني انه حتى لو لجأ الافراد الى القضاء بصدد قانون قضي بعدم دستوريته من قبل المحكمة الاتحادية العليا فان المحاكم الأدنى بل وحتى المحكمة الاتحادية العليا نفسها ستلزم بما قضت به في حكمها السابق بصدد ذات القانون (3). ويشير روبرت أ. كارب ورونالد ستيدهام (4). إلى ان هنالك فريقاً من الافراد ينخرط بعمق في تنفيذ السياسات القضائية وقرارات المحكمة العليا ، وهؤلاء هم الالاف من الرجال والنساء الذين يشكلون مجالس المدارس في ارجاء الولايات المتحدة الأمريكية كافة. وهنالك مجالان رئيسيان من مجالات السياسة يبرزان بوصفهما المسؤولين عن تورط اعضاء مجالس المدارس في خصومة كبرى وهم يواجهون المهمة المحتومة المتعلقة بتنفيذ سياسة وقرارات المحكمة الاتحادية العليا .
المجال الأول : عندما حكمت المحكمة الاتحادية العليا عام 1954 في قضية Brown v. Board of Education of Topica ، والمتعلق بموضوع مهم في المجتمع الأمريكي ، وهو التمييز العنصري ، حيث أدان المبدأ الشهير ” متساوون ولكن منفصلون ” Equal but Separate الذي كان قد تقرر منذ زمن سابق عام 1896 ، في قضية Plessy v. Fergouson ، فلقد كان هذا المبدأ مخالفاً لشرط المساواة في الحماية امام القوانين (5). الوارد في التعديل الدستوري الرابع عشر . لذا قررت المحكمة العليا في قضية Brown بان الفصل بين الاجناس لا مكان له في المدارس الحكومية ، كانت مجالس المدارس ومشرفو المدارس ، بالتضامن مع القضاة الجزئيين الفيدراليين، هم الذين تحملوا مشقة تنفيذ هذا القرار . ولقد أثر دورهم على حياة الملايين من تلاميذ المدارس والآباء والأمهات ودافعي الضرائب في كل مكان من أمريكا .
والمجال الثاني : الذي تطلب تدخل مجالس المدارس في التنفيذ هو سياسات المحكمة الاتحادية العليا وقراراتها الخاصة بوضع الدين في المدارس الحكومية . ففي قضية Engel v. Vitale (1962)(6) ، أعلنت المحكمة الاتحادية العليا عدم دستورية مطلب لولاية نيويورك بان صلاة مكتوبة بمعرفة مسؤولي الولاية تقرأ يومياً في المدارس الحكومية . ولقد ردت بعض المناطق التعليمية على القرار بالمطالبة بدلاً من ذلك اما بقراءة من الإنجيل أو بالصلاة الربانية . وكان منطقهم هو بما أن الولاية لم تكتب لا الصلاة الربانية ولا الإنجيل ، فانهم لا يكونون متعدين على سياسة المحكمة . وبعد مضي عام على ذلك ، أطاحت المحكمة الاتحادية العليا بهذه الممارسات الجديدة مشيرة الى أن انتهاك النصوص الدستورية يتمثل في تبني النشاط الديني وان تحديد هذا الانتهاك لم يعتمد على ما إذا كانت الولاية قد قامت بكتابة الصلاة (7).
ولقد استمرت بعض المناطق التعليمية في التهرب من تنفيذ أحكام المحكمة الاتحادية العليا ، إن لم يكن نصها ، من خلال المطالبة بفترة صمت وتأمل يمكن للتلاميذ أن يصلّوا خلالها إذا أرادوا . ولقد أعلنت المحكمة الاتحادية العليا في قضية Wallace v. Jaffree في 4 يونيو 1985 (8). أن قانون التأمل الصامت لولاية آلاباما لاغٍ لأن التلاميذ كانوا يعلمون بأنهم يمكنهم استغلال هذا الوقت في أداء الصلاة . وهذا التصرف قيل انه يحتضن الدين ” كممارسة مفضلة ” بالمخالفة للدستور . كل من هذين المجالين من مجالات السياسة يشمل أساساً المواطنين بصفاتهم الشخصية – مسؤولي مجالس المدارس – في تنفيذ قرارات هي مثار للجدل والتي قد لا يكونون مدركين لابعادها تمام الإدراك ولا متفقين معها . فعدم فهم قرارات الصلاة في المدارس والتي أصدرتها المحكمة الاتحادية العليا قادت ، على سبيل المثال ، بعض المناطق التعليمية إلى عدم اتخاذ أي اجراء تنفيذي بالمرة ، في حين قامت مجالس مدارس أخرى بفرض حظر تام على كل الأنشطة الدينية في المدارس (9). اما في العراق فان القانون الأساسي العراقي لعام 1925 ، قد رتب في المادة (86) منه حكم الإلغاء على القانون المخالف لاحكام الدستور اعتباراً من تاريخ صدور الحكم . ولاشك ان ترتيب حكم الالغاء يفيد ضمناً ترتيب اثاره بالنسبة لجميع السلطات العامة في الدولة وللكافة من الأشخاص الطبيعية والاعتبارية . وقد بحثنا في المطلب السابق كيفية تنفيذه بالنسبة للسلطات العامة ، اما تنفيذه بالنسبة للكافة فيعني التزام جميع الاشخاص الطبيعية والاعتبارية بترتيب تصرفاتهم القانونية على أساس الحكم الصادر من المحكمة العليا بعدم الدستورية . ولابد من التنويه هنا إلى انه أصلاً لايثار موضوع تنفيذ حكم المحكمة العليا من قبل الكافة ، أي عدم لجوئهم إلى القضاء مستقبلا لتقرير عدم الدستورية أو دستورية التشريع مجدداً ، ذلك لأنه بموجب القانون الأساسي العراقي يكون للحكومة وحدها الحق في تحريك رقابة المحكمة العليا على دستورية القوانين ، فالمحكمة العليا لا تستطيع النظر في دستورية قانون ما إلا بإرادة ملكية تصدر بموافقة مجلس الوزراء (المادة 83 من القانون الأساسي) ، ولا يكون للافراد الحق في الطعن مباشرة امام المحكمة العليا بعدم دستورية قانون كما لا يجوز لهم إثارة مثل هذا الدفع امام المحاكم العادية – على رأي أغلبية الفقه في العراق (10).
وفي دستور 1968 المؤقت نصت المادة (87) منه على ان تشكل بقانون محكمة دستورية عليا ويكون قرارها ملزماً . أي ملزماً لجميع السلطات العامة في الدولة وللكافة من الأشخاص الطبيعية والاعتبارية وذلك لورود النص مطلقاً والمطلق يؤخذ على إطلاقه . كما ان المادة (6/1) من قانون المحكمة الدستورية العليا رقم (159) لسنة 1968 رتبت حكم الإلغاء على القانون المخالف لأحكام الدستور ، وحكم الإلغاء يفيد ضمناً ترتيب اثاره قبل جميع السلطات العامة والكافة من الأغيار . والتزام الكافة بحكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية قانون أو بعض مواده لمخالفته للدستور ، مقتضاه التزامهم بترتيب جميع تصرفاتهم القانونية على أساس هذا الحكم ، والا استطاع المتضرر الحصول من القضاء على حكم ببطلان التصرفات المترتبة بالمخالفة لحكم المحكمة الدستورية العليا . اما قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لسنة 2004 ، وفي المادة (44 / د) منه، جعل قرارات المحكمة الاتحادية العليا – ومن بينها قراراتها بعدم الدستورية – ملزمة ، أي ملزمة لجميع السلطات العامة في الدولة وللكافة من الأشخاص الطبيعية والاعتبارية ، كما منحت المحكمة مطلق السلطة بتنفيذ قراراتها والتي من ضمنها اصدار قرار بازدراء المحكمة وما يترتب على ذلك من اجراءات ، وهذا يعني ان على جميع السلطات العامة والأشخاص ان يلتزموا بحكم المحكمة الاتحادية العليا ومنها حكمها بعدم الدستورية وتنفيذه . فعلى الافراد ترتيب جميع تصرفاتهم القانونية بشكل لا يتعارض مع حكم المحكمة والا استطاع المتضرر الحصول على حكم ببطلان التصرفات المترتبة بالمخالفة لهذا الحكم ، كما ان المحكمة قد تستصدر قراراً بازدراء المحكمة وما يترتب على ذلك من اجراءات.
اما دستور جمهورية العراق لسنة 2005 النافذ ، فقد نصت المادة (94) منه على ان ” قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة ” . ولا ندري هل اراد المشرع الدستوري ان تكون قرارات المحكمة الاتحادية العليا ملزمة للسلطات العامة فقط من دون الاشخاص الطبيعية والاعتبارية ، ام انه يقصد ضمناً إلزامها للكافة من الاشخاص ايضاً على أساس ان واجب الالتزام بأحكام المحكمة الاتحادية العليا ومنها أحكامها بعدم الدستورية ملزمة للافراد من باب أولى طالما اعتبرها ملزمة لكافة السلطات العامة في الدولة . ونعتقد ان التفسير الثاني أصوب وأقرب إلى الحقيقة ، لكن كان الأجدر بالمشرع ان يأتي بنص المادة واضحاً وصريحاً بهذا الشأن وذلك بان يكون على الوجه الآتي : ” قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة لجميع السلطات العامة وللكافة ” .