دراسات قانونية

دراسة قانونية موجزة حول عيوب الاستفتاء الشعبي

على الرغم من المزايا والإيجابيات السابقة التي يحققها الاستفتاء الشعبي بوصفه ممارسة حقيقية للديمقراطية شبه المباشرة وتعبيراً صادقاً عن الرأي العام ، فإنه لا يخلو من العيوب التي يبرزها معارضوه ويجعلون منها دافعاً لعدم الاخذ به وسوف نتوقف في اهم العيوب التي ذكرها أغلب فقهاء القانون الدستوري تقريباً(1).بعدة نقاط وهي كالاتي :

الاولى : صعوبة الحكم على موضوعات الاستفتاء نظراً لانعدام الكفاءة اللازمة لدى اغلبية الشعب المستفتي .

الثانية : زيادة أعباء المواطنين .

الثالثة : عدم اتاحة الوقت الكافي لدراسة مواضيع الاستفتاء .

الرابعة : ارتفاع نسبة المتغيبين عن الاقتراع على الاستفتاء .

الخامسة : النيل من هيبة البرلمانات .

السادسة: صورية مشاركة الشعب نظراً لتزييف عملية الاستفتاء .

السابعة : الجمود وصعوبة التغيير نظراً لخضوع الجماهير لأراء المحافظين .

الثامنة: زيادة الاعباء المالية للدولة .

الاولى : صعوبة الحكم على موضوعات الاستفتاء نظراً لانعدام الكفاءة اللازمة :

لدى أغلبية الشعب المستفتي النقد الرئيسي لنظام الاستفتاء الشعبي يتمثل في عجز المستفتين عن تقدير وتقويم الموضوعات التي تكون محلاً للاستفتاء الشعبي نظراً لزيادة تعقدها وتضمنها للكثير من الجوانب الفنية والعلمية التي تتطلب من المستفتي فهمها فهماً دقيقاً وادراك اثارها قبل التفكير بالاجابة بـ (نعم أو لا ) ، وهذا الامر غير متيسر في الحقيقة غالباً للمواطن العادي وان توافر للبرلماني المتخصص وللمتخصصين بصفة عامة(2). فعلى سبيل المثال كم من المقترعين الفرنسيين كان ممتلكاً المعرفة الفنية التي تؤهله للحكم موضوعياً على دستور 1946 حيث ان تلك المعرفة هي امر متطلب وضروري جداً لان افتقارها سيؤثر سلباً في تصويتات المستفتين فتأتي تلك التصويتات متأثرة بالاهتمامات العاطفية غير العقلانية والمبتعدة لدرجة كبيرة عن العقل ، ومن ثم لا تفسر الموافقات غير العقلانية الا ضمن اطار الجهل بحقيقة تلك الموضوعات نظراً لصياغتها الفنية المعقدة(3). لذلك فنجاح هذا النظام لا يضمن الا في الدول التي قضت على الامية وبلغت درجة متقدمة من الحضارة والمدنية(4). ومع ذلك يرى مؤيدوا الاستفتاء ان الحل لا يكمن في استبعاد هذا النظام في الدول التي تفتقر شعوبها الى الوعي السياسي و إنما بالاستعانة بأصحاب الخبرة من اعضاء البرلمان لصياغة وثيقة الدستور التي تكون محلاً للاستفتاء(5). لكون اعضاء البرلمان اقدر من المواطن العادي على وزن تلك المسائل خاصةً في الدول التي لن تصل شعوبها الى المستوى الفكري والثقافي الذي يؤهلها لتفهم المشاكل الدستورية ومناقشاتها(6).ومع ذلك يرى البعض ان القول بعدم قدرة وصلاحية اغلبية المواطنين في الحكم على الامور المهمة والمعقدة التي تكون محلاً للاستفتاء هو قول غير وارد اليوم وان كان صحيحاً بالامس حيث ان وعي الشعب بتقدم مستمر فلم تعد امور الدولة وأسرارها بمنأى عن اطلاع الشعب نظراً لانتشار التعليم ومبدأ الاقتراع العام اليوم(7). ونحن نؤيد هذا الرأي حيث ان واقعنا الحالي يؤكد هذ القول متمثلاً بما شهده القرن العشرون من انتشار واسع للثقافة والتعليم بجميع المراحل والمجالات فضلاً عن ثورة الاتصالات المعاصرة التي تجسدت اخيراً بالانترنيت حيث انها اسهمت الى حد كبير في ارتفاع نضج الشعب السياسي عن طريق تبادل المعلومات والخبرات وسهولة المواصلات التي سهلت انتقال الاشخاص بسرعة فائقة من بلد الى اخر ومن ثم التمكن من الاطلاع على افكار تلك الشعوب وثقافاتها عن طريق الاحتكاك بها بشكل مباشر ولكن ومع ذلك ما زالت هناك دول تعاني من الجهل والامية وعدم الوصول الى الدرجة المقبولة من الوعي والنضج السياسين .ومن الجدير بالذكر ان نشير الى ان صعوبة الحكم على موضوع الاستفتاء لا تنحصر في حالة صياغة ذلك الموضوع بصياغة فنية وانما تظهر كذلك في حالة انتفاء صفة البساطة عن الموضوع والتي تبرز في حالة تضمن الموضوع عدة مسائل في وقت واحد بحيث يصعب على المواطن أبداء الرأي فيها جميعاً بكلمة واحدة وهي ( نعم او لا)(8).كما قد تبرز الصعوبة كذلك في حالة تداخل السؤال وتعقيده وتضمنه اكثر من مسألة في وقت واحد(9). كما ان محدودية الاجابة بـ (نعم أو لا ) وعدم وضع الاختيارات قد تزيد من الصعوبة إذ ان اغلب المسائل لا يمكن ان تحل بـ (نعم أو لا ) لذلك فمن الافضل ان يطلب من المقترع الاختيار بين عدة حلول(10). وتعقيباً على محدودية الاجابة بـ (نعم أو لا ) يرى البعض ان جوهر نظام الاستفتاء يقتضي المفاضلة بين الرفض و القبول بالنسبة الى موضوعه ، كما ان هذا ليس وقفاً على الاستفتاء فقط بل ان الغالب ان تكون مناقشة القانون في البرلمانات بالتصويت عليه بكلمتي موافق أو غير موافق ، فالتصويت لا يكون صحيحاً اذا صاحبه تحفظ أو تجزئة ولكن هذا لا يمنع ان يكون للمستفتي حق تجزئة الموضوع المطروح عليه في الاستفتاء أو حق طرح بديل لموضوع الاستفتاء(11). في حين يرى آخرون ان تحديد الاجابة بـ (نعم أو لا ) وعدم اتاحة الفرصة امام المستفتي لتعليل الاجابة بالموافقة أو الرفض يعد من عيوب نظام الاستفتاء الشعبي لأن ذلك ينفي عن الاستفتاء صفته الديمقراطية ويجعله من اقسى انواع الانظمة القمعية لكونه يلجم أي نقاش ويقضي على كل ما ينتج من نقاشات الافكار التي هي في حقيقة الامر جوهر الديمقراطية(12). ويمكن القول أن تحديد الاجابة بـ (نعم أو لا ) سوف يقيد ارادة المستفتين والحل الأسلم يكمن في تعدد الاختيارات امام المستفتين لكونه اكثر تعبيراً عن ارادتهم ولكن يشترط ان تتضمن تلك الاختيارات جميع الاحتمالات التي ترد في ذهن المستفتي لكي تاتي معبرة عن ارادته وافكاره تعبيراً دقيقاً .

الثانية : زيادة اعباء المواطنين :

ان تكرار استفتاء المستفتين في المسائل العامة يزيد من اعبائهم ويعطل اعمالهم ويضيع وقتهم وهذا سوف ينعكس سلباً على حضور المستفتين ، وسوف تقابل تلك الاستفتاءات بالإحجام والامتناع عن المشاركة فيها(13). فلا يرجح المستفتون الذهاب الى مراكز الاقتراع عن الذهاب الى اعمالهم للحصول على لقمة العيش التي باتت صعبة الحصول خاصة في الدول الفقيرة . يضاف الى ذلك ان الاستفتاءات المتكررة سوف تضيف عبئاً سياسياً جديداً على اعباء المواطنين السياسية الاخرى المتمثلة بالانتخابات المختلفة والتي لو نظر اليها بشكل معمق لوجد ان المواطنين لم يحسنوا القيام بها الى اليوم سواء من حيث الحرص على حضورها أو الحرص على اختيار الاختيارات الصحيحة خاصة وان أغلب الاختيارات تبنى الى اليوم على اساس الاعتبارات الشخصية غير الموضوعية(14). نظراً للدور الذي تؤديه المصالح الشخصية نتيجة لتآثيرات وتوجيهات قوى المال التي تؤدي دوراً كبيراً في المجتمع فالإستنكافية هي مصدر ألم للديمقراطية ولكنها تبرز في حالة مطالبة الناخبين بالقيام بما هو خارج عن طاقة احتمالهم فعلى سبيل المثال في سويسرا عام 1952 تم تكريس (8) اسابيع (ثمانية ايام أحد) لاستفتاء الشعب في المواضيع الاتية : (الدفاع المدني ، الدفاع العسكري ، الضرائب على رأس المال ، الصناعة الفندقية ، التطور الزراعي ، التمتع بالامتياز لصناعة السيكار ، المحافظة على رقابة الاسعار ، التمويل في الحبوب)(15). وبصراحة ان تصويت المستفتي السويسري على جميع هذه الموضوعات يخرج عن اطار طاقة احتماله .فلو القي الضوء على الاعباء السياسية التي يتحملها الناخب السويسري لوجدت كثيرة جداً لان ممارسة الحقوق السياسية في سويسرا تتطلب من الناخب السويسري ان يشارك في انتخابات الجمعيات التشريعية على المستوى الفدرالي ومستوى الولايات والبلديات فضلاً عن المشاركة في انتخابات بعض الموظفين والقضاة هذا بالنسبة الى الانتخابات(16).اما بالنسبة الى الاستفتاءات فيطلب من الناخب المشاركة في الاستفتاء الدستوري الاجباري الذي يتم على مستوى الاتحاد والولايات وعلى الاستفتاء التشريعي الاختياري الذي يتم على مستوى الاتحاد والاجباري على مستوى الولايات فضلاً عن حق الاقتراح الذي يتقرر للناخب(17).وفي ضوء كل تلك الاعباء يلاحظ ازدياد تغيب المقترعين ازدياداً كبيراً . فعلى سبيل المثال في الاستفتاء الذي تم في 29/11/1981 في سويسرا حول انتظام الضرائب لوحظ ان نسبة المصوتين في الاستفتاء بلغت 29.8 % وهي نسبة قليلة جداً قياساً الى مجموع المستفتين في الشعب السويسري(18).فإذا كان هذا هو الوضع يلاحظ في سويسرا وهي دولة متقدمة وعريقة في الديمقراطية فما هو الحال اذن في الدول الفقيرة التي ينشغل مواطنوها انشغالاً كاملاً في العمل لسد احتياجاتهم الضرورية . لذلك يرى مؤيدو الاستفتاء ان هذا العيب يمكن تلافيه عن طريق قصر الاستفتاء على المسائل المهمة فقط(19). ويمكن القول بصحة هذا الرأي لان هذا العيب لا يعيب الاستفتاء بذاته وانما يعيب اساءة استعماله لذلك ينبغي تنظيم استعماله لان السلاح الذي يكثر إشهاره تقل هيبته .

الثالثة :عدم اتاحة الوقت الكافي لدراسة مواضيع الاستفتاء :

ان عملية طرح موضوعات الاستفتاء على الشعب لا تسبقها في اغلب الاحيان مدد زمنية كافية تتيح للشعب دراسة مواضيع الاستفتاء بصورة دقيقة ومفصلة(20). وهذا ينعكس على موافقات المستفتين فتأتي الموافقات صورية لا تمت للحقيقة بصلة(21).حيث ان المشاركة السياسية في الاستفتاء لا تعني أي شيء إذا كانت مقتصرة على تسجيل رأي المواطنين في المسألة موضوع الاستفتاء دون الإحاطة بالدراسة المسبقة لهذا الموضوع من قبل المواطنين وتلك الدراسة لا تتأتى الا من القراءة والتفكير والمناقشة التي تحتاج في الواقع الى بعض الوقت .ونشير الى أن انصار الاستفتاء يرون أن هذا الانتقاد لا يوجه في الحقيقة الى نظام الاستفتاء بذاته وانما يوجه الى القائمين عليه حيث انه لا يتعلق بقلب الاستفتاء وانما بكيفية اجرائه لذلك يمكن تلافيه بمنح المهلة الزمنية الكافية لدراسة المواضيع بصورة دقيقة ومفصلة(22).وهذا ما حدث في استفتاء الشعب المصري في 23 يونيو . حزيران 1956 حول مشروع دستور 16 يناير. كانون الثاني 1956 حيث استفتي الشعب بعد (5) اشهر من اعلان مشروع الدستور(23). وهذه في الواقع مدة كافية للإحاطة بموضوع الدستور بشكل مفصل ودقيق .

الرابعة : ارتفاع نسبة المتغيبين عن الاقتراع على الاستفتاء :

ان تقييم الاستفتاء الشعبي يتأثر الى حد كبير بتغيب وإحجام عدد كبير من المستفتين عن الإدلاء بآرائهم . حيث يثار الشك في مدى تعبير آراء المستفتين الحاضرين عن آراء الغائبين عن التصويت فنادراً ما تأتي آراء الحاضرين موافقة لآراء الغائبين(24). وبذلك تكون نتائج الاستفتاء صورية لعدم تعبيرها عن الارادة الحقيقية لافراد الشعب . ولكن ومع ذلك فلا ضير من عدم اشتراك نسبة بسيطة من الافراد لا تجاوز 25 % بالنسبة الى أصوات المقترعين وهذه النسبة تتحقق عادة في دول الديمقراطيات الغربية وقد تقل او تزيد عنها قليلاً(25).فعلى سبيل المثال بلغت نسبة الغياب في استفتاء 28/9/1958 الفرنسي 15.1 % من نسبة المصوتين(26). وانخفاض الغياب في هذه الدول يعود غالباً الى تقدمها وارتفاع مستوى وعي شعوبها كما ان تغيب هذه النسبة قد يكون لا سباب خارجة عن ارادة ناخبيها ، اما في العديد من دول العالم الثالث فتتزايد نسبة الغياب لدرجة كبيرة قد تجاوز النصف ومع ذلك يلاحظ ان حكومات هذه الدول تتعمد بشكل دائم ومستمر الى اخفاء هذه النسبة والادعاء بارتفاع نسبة المشتركين الى 80% او 90% لذلك فاستفتاءات هذه الدول تأتي وهمية وغير معبرة عن الارادة الشعبية(27).ولكن الامل يبقى معلقاً على تقدم الوعي الديمقراطي لشعوب هذه الدول ومن ثم تزايد إقبالها على المشاركة السياسية وهو امر لا يتحقق الا بضمان حرية الرأي.

ويرجع التغيب عن التصويت لعدة اسباب هي :

1-الكسل وعدم اهتمام المستفتين بالمسائل العامة(28). نتيجة لانخفاض مستوى وعيهم وثقافتهم وهذا يبرز بشكل خاص في البلاد المتخلفة حيث انهم لا يقدرون مدى أهمية اصواتهم .

2-غياب حماس المستفتين بسبب خمول المعركة الاستفتائية وخاصة في البلاد الدكتاتورية.

3-تعدد الاتجاهات وتناقضها قد تشتت المستفتي وتجعله يتحير بين هذا الاتجاه او ذاك وخاصة عندما يتعلق الامر بموضوع صعب ومعقد يصعب على المواطن العادي البت فيه.

4-عدم اهتمام المواطنين بالمشاركة بالاقتراعات العامة نتيجة لأنتماءاتهم الاجتماعية والمهنية وتقاليدهم المحلية(29).

5-تكرار وإعادة التصويت بشكل دائم ومستمر سوف ينعكس سلباً على حضور المستفتي نظراً للتعب والملل الذي يصيبه.

6-انعدام ثقة المستفتين في نتائج الاستفتاء نظراً لما يشاع من تزييف وتلاعب بتلك النتائج وبشكل خاص في بعض الدول النامية(30). والدول التي تنتهج حكوماتها نظام التصويت الاجباري وفرض عقوبات على المتغيبين من دون عذر مشروع لتضمن مشاركة جميع المستفتين وإعلان النتائج وفقاً لرغبتها(31).

الخامسة : النيل من هيبة البرلمانات :

ان اللجوء الى الاستفتاءات الشعبية مع وجود البرلمانات يقلل من هيبة المجالس البرلمانية ونفوذها(32) كما أنه ينعكس على اهتمام هذه المجالس فيما تصدره من تشريعات فيقل اهتمامها بهذه التشريعات نظراً لشعور أعضائها بأن المسؤولية موزعة على جهات أخرى غير مقتصرة عليهم(33) . فضلاً عن أن الرأي النهائي لما يتخذونه من مشاريع لا يعود اليهم وإنما الى عامة الشعب(34). لكن على الرغم من صحة هذا القول فإن الاستفتاء الشعبي يعيد السيادة الفعلية للأمة بعد أن كانت اسمية(35).ويمكن القول لا ضير من هذا العيب لأن الاستفتاء الشعبي يؤكد مبدأ سيادة الشعب ، فالشعب هو مالك السيادة وصاحب المصلحة الحقيقية لما يتخذه البرلمان من تشريعات لذلك فالأجدر أن يمارس الشعب سلطاته بنفسه في مباشرة القضايا المهمة والمصيرية نظراً لاستحالة مباشرته لهذه السلطات في جميع القضايا في الواقع، كما أن اعضاء البرلمان ماهم إلا نواب ينوبون عن الشعب في مباشرة بعض السلطات ولذلك يجب تغليب مصلحة الشعب حتى ولو أدى تحقيق تلك المصلحة الى النيل من مكانة البرلمانات .هذا ونضيف أن نظام الاستفتاء الشعبي بنظر مؤيديه لا يتعارض ولا يقضي على البرلمانات في الواقع بل يحتويها ويقوم سلوكها فيما يحقق مصلحة الشعب لكونه يعطيها فرصة قيادة الاتجاهات المتقابلة في الاستفتاء ومن ثم ظهور أعضائه كرجال دولة وزعماء ، كما إنه يزيد قيمة التشريعات لكونه يوجب على أعضاء البرلمان مراعاة الدقة المتناهية والقيام بجميع الشروحات اللازمة للشعب فيما يتخذونه من تشريعات برلمانية(36) .

السادسة : صورية مشاركة الشعب نظراً لتزييف عملية الاستفتاء :

تزداد الشكوك في جدية الاستفتاءات ونزاهتها كلما أظهرت النتائج ارتفاع نسبة الموافقين خاصة إذا تعلقت موضوعات الاستفتاء بنصوص قوانين وبنود معاهدات مثلاً تحتاج الى فهمها فهماً صحيحاً . حيث تأتي تلك النتائج بنسب تقارب الاجماع يستحيل على العقل تقبلها لصعوبة تحققها في الواقع نظراً لتباين الناس تبايناً كبيراً من حيث الطبائع والآراء والاتجاهات والمصالح بحيث يستحيل جمعهم على كلمة أو موقف واحد(37) لقوله تعالى : ((اللهُ يحكمُ بَينكمُ يَومَ القَيامَة فيما كُنتم فيه تَختلِفونَ))(38). ، وقوله تعالى :(( ولو شَاءَ رَبُكَ لجعلَ الناسَ أُمةً واحدَةً ولا يَزَالوُنَ مُختَلِفينَ))(39). وارتفاع نسبة الموافقات الشعبية تفسر غالباً من قبل البعض ضمن إطار احتمالين وهما :-

1-تزييف إرادة المستفتين وذلك بالضغط عليها بمختلف الوسائل والأساليب في سبيل التصويت وفقاً لما ترغبه الحكومة فيأتي تصويت المستفتي بدافع الخوف من الحكومة وسلطتها فيما تلحقه به من الأذى في شخصه أو ماله أو أهله(40) .

2-أو بتزييف نتائج الاستفتاء وذلك بالتلاعب بتلك النتائج من قبل السلطات المنظمة لعملية الاستفتاء بمختلف الوسائل والأساليب كملء الصناديق باستمارات مزيفة أو إبدال الصناديق بصناديق أخرى مملوءة باستمارات مؤيدة لسلطة الحكومة وغيرهما من أساليب التزييف الاخرى وارتفاع نسبة الموافقات غالباً ما تلاحظ بالعديد من دول العالم الثالث والدول غير الديمقراطية حيث ترتبط ظاهرة التزييف بالممارسة الديمقراطية في العديد من هذه الدول ، بحيث يصعب تصور رفض الشعب لما يعرض عليه من استفتاءات لسببين اثنين :-

3-سيطرة الدولة على وسائل الاعلام وتوجيهها للاتجاه المؤيد للإجابة بنعم .

4-عدم احترام صوت المواطن وتشويه نتائج الاستفتاء(41) .

وهذه الظاهرة لا تقتصر في هذه البلاد على الاستفتاءات الشعبية وإنما تمتد لتشمل الانتخابات البرلمانية خلافاً للدول الديمقراطية(42). حيث يستطيع الشعب أن يرفض ما يطرح عليه من مسائل في الاستفتاءات الشعبية التي تتم في هذه البلاد ومثال ذلك رفض بعض الشعوب الأوربية الانضمام الى الاتحاد الأوربي في استفتاء عرض عليها عام 1995 كما أن نسب الموافقة في استفتاءات هذه الدول تصل غالباً الى 60%(43) .والسبب في ذلك يكمن في ارتفاع وعي شعوب هذه الدول حيث تأتي آراؤها على وفق اسس ومبررات معقولة خلافاً للدول غير الديمقراطية وبعض دول العالم الثالث حيث يقتصر دور شعوبها على السكوت وقبول كل شيء وأي شيء تعرضه عليها السلطة أما بدافع الخوف منها أو نتيجة لواقع التخلف والجهل الذي تعيشه هذه الدول لذلك يسهل على السلطة تزوير الاستفتاءات التي تتم فدور الشعب في هذه الاستفتاءات يكون بأغلب الأحيان أقرب الى التصديقات الشعبية من الاستفتاءات الشعبية .

السابعة : الجمود وصعوبة التغيير نظراً لخضوع الجماهير لآراء المحافظين :

ان الاستفتاءات الشعبية تأتي نتائجها غالباً مقاومة لأي تجديد أو تغيير ، نظراً لتأثر الشعب العادي بآراء رجال الدين والمحافظين التي ترفض دائماً التجديدات والتغييرات حيث أن هذا التأثير ينعكس بدوره على نتائج الاستفتاء(44) .وهذا ما أثبتته أغلب الاستفتاءات السويسرية التي جاءت رافضة لكل مشاريع الاصلاحات فعلى سبيل المثال بقيت سويسرا البلد الديمقراطي الوحيد الذي رفض إعطاء النساء حق التصويت لعدة سنوات(45). نتيجة لرفض الشعب السويسري إعطاء هذا الحق في الاستفتاءات التي تمت ولكن ذلك الرفض لا يعود الى كون الشعب السويسري نفسه محافظاً بل لأن هذا التغيير لم يكن ملائماً للسياسات المحافظة التي تتبناها الحكومة(46).

الثامنة : زيادة الأعباء المالية للدولة :

ان نظام الاستفتاء الشعبي يؤدي الى ارهاق ميزانية الدولة(47) نظراً لما يتطلبه من إعدادات وتحضيرات تكلف الدولة مبالغ طائلة وتكاليف إعداد المطبوعات الخاصة بالاستفتاء وما يتطلبه من أدوات تستخدم في عملية الاستفتاء وتكاليف إعداد المؤتمرات والندوات التي يعقدها الوزراء وكبار المسؤولين في الدولة ويضاف الى ذلك الأجور والمكافأت التي تصرف على القائمين بالاستفتاء(48). كما ونشير الى أن إرهاق ميزانية الدولة لا يتأتى من تلك التكاليف لوحدها وإنما ترهق الميزانية كذلك نظراً لما يحدثه الاستفتاء من ضرر بالانتاج القومي حيث تتعطل جميع الأعمال في ذلك اليوم حتى وان لم يتقرر كعطلة رسمية(49). لذلك وتلافياً لهذه الأعباء المالية الكبيرة نوصي بالأخذ بالاستفتاء في القضايا والامور المهمة فقط .وفي الختام يمكن القول ان هذه العيوب يمكن تداركها وتجنبها بسهولة لأنها تنصب في الغالب على إجراءات ممارسة الاستفتاء وليس على مضمونه ومحتواه .

إغلاق