دراسات قانونية
ميثاق المرافق العمومية (بحث قانوني)
ميثاق المرافق العمومية بالمغرب: الرهانات والتحديات
عزالدين بالعربي
باحث في القانون العام
مقدمة :
تعتبر المرافق العمومية من اهم المؤسسات التي تقدم خدمات للمواطنين وهي تتميز بديمومة عملها طبقا لمبدأ استمرارية المرفق العام واشباع الحاجيات التي لا تستقيم الحياة الا بها ، واذا كانت المرافق العمومية تتنوع بتنوع الخدمات التي تسديها للمرتفقين ، فان طريقة ادارتها ايضا تتعدد حسب نص القانون رقم 00/78 لسنة 2002 والمغير والمتمم بقانون 08/17 لسنة 2009 ؛ بين التدبير المباشر، الى التفويت مرورا بالوكالة المباشرة او المستقلة او الامتياز اواي طريقة من طرق التدبير المفوض… اما الميثاق الذي جاء به دستور 2011 والذي يهم اسس ومبادئ حكامة تدبير هذه المرافق ورفع مستوى جودة خدماتها وتحسين تدبيرها .
فان مفهوم الميثاق يفيد الالتزام بالعقد الموجود بين طرفين او اكثر يحدد فيه حقوق والتزامات الاطراف، وهنا المرفق اي من يمثله بالسهر على تدبيره من جهة والمرتفقين من جهة اخرى . حيث قال الله تعالى في وصف عقد الزواج مثلا بقوله تعالى : ( واخذنا منهم ميثاقا غليظا) . كما يفيد الميثاق ايضا العهد والاتفاق الجماعي، أي التوافق العام بين الاطراف المختلفة ، وقد ياخذ شكل وثيقة سياسية(1) او اجتماعية …ويعتمد الميثاق “الاخلاقي “خاصة ، عدة مبادئ اساسية وهي ؛ العدل ، الامانة ، الاحترام ، المساواة ، الثقة ، التكامل احترام السرية والخصوصية .
وهذه المبادئ باعتبارها تعد الاسمى حتى من القانون وقواعده العامة ….وهي تهم ايضا العلاقة التي تجمع بين المرفق والمرتفقين . بعد هذه التوطئة المختصرة يبقى ضرورة تحديد اهم الاشكاليات التي يتم معالجتها في هذا البحث ، وتهم بالاساس اشكالية رئيسية اضافة الى عدة اسئلة اخرى تحوم حول الموضوع المدروس .
الى أي حد يمكن لميثاق المرافق العمومية الذي نص عليه دستور 2011 ان يجيب عن الاشكالات ويعالج الاختلالات التي تهم التدبير العمومي بشكل عام والرفع من فعالية اداء المرافق العمومية بشكل خاص ؟
ومع كون ميثاق المرافق العمومية لم يتم اعداده بعد، بل حتى مجرد الحديث عنه لا من الجانب الرسمي ولا حتى الاكاديمي ما يجعل مسالة اعداده ليست ذات اولوية ضمن اجندات المؤسسات الرسمية حتى لا نقول الحكومة ؛ لأنه قد يسند امر القيام بذلك الى جهة غير حكومية ، كالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي على سبيل المثال لا الحصر، او هيئة اخرى محايدة ، وعبر منهجية تتبنى فتح نقاش عمومي وتنظيم لقاءات وطنية وجهوية تتضمن ورشات مفتوحة تشارك فيها هيئات رسمية ومدنية وادارية واجتماعية واقتصادية …ولهذا تطرح عدة اسئلة نفسها وبالحاح، اهمها : ما هي الجهة التي ستتكلف باعداد هذا الميثاق؟ وعبر اية منهجية في سبيل ذلك؟ وما هي الاليات الجديدة التي سيعتمدها الميثاق للرفع من حسن تدبير المرافق العمومية ؟، وما الغاية من هذا الميثاق ؟، وهل يتقاطع مع باقي المواثيق الموجودة كميثاق الوطني لاعداد التراب، والميثاق الاجتماعي ، وهل سيتكامل مع ميثاق اللاتمركز المنتظر اعداده قريبا مواكبة لتفعيل اسس الجهوية المتقدمة …؟.
وغيرها من الاسئلة الاخرى التي تفرض نفسها في هذا الحيز …
وسيتم تناول هذا الموضوع وفق التصميم التالي :
المبحث الاول : ميثاق المرافق العمومية ؛ السياق والدواعي .
المبحث الثاني : وظائف واهداف الميثاق مقارنة مع تجربة فرنسا .
المبحث الاول : ميثاق المرافق العمومية ؛ المفهوم ، السياق، الدواعي .
لم يكن نص الدستور الجديد على ميثاق للمرافق العمومية ناتج من فراغ ، بل جاء ليجيب على عدة تحديات تواجه تدبير المرافق العمومية سواء الوطنية او المحلية ، محاولا تجاوز الوضعية المتأزمة لهذه المرافق ومعالجة الاختلالات التي تعيشها ، اعتبارا لكون تلبية الحاجيات الاساسية العامة التي تتم عبر المرافق العمومية سواء الوطنية او المحلية خاصة تلك الخدمات التي لا يمكن للحياة ان تستمر ولا ان تستقيم بدونها، والمرتبطة اساسا بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية فضلا عن كونها حقوق تعزز حس المواطنة وتضمن ظروف العيش الكريم الذي هو مطلب انساني في المقام الاول.
وقبل تناول صلب الموضوع لا بد من تحديد بعض المفاهيم المرتبطة بالموضوع المدروس؛ في المطلب الاول.
المطلب الاول : الاطار المفاهيمي لميثاق المرافق العمومية
اذا كانت عملية تدبير المرافق العمومية تميزت بوجود اشكالية اداء وظيفتها بشكل سيلم، وعرفت عدة انتقادات ، ما حدا بالمسؤولين الى تفويض تدبير بعضها الى الخواص للخروج من الازمة التي تعيشها ، فان الاسلوب الجديد لقي ايضا انتقادات عدة . وقبل الوقوف على كل ذلك ، لا بد من الوقوف عند بعض المصطلحات والمفاهيم لتحديد معانيها بداية .
اذا كان الميثاق كمصطلح يهم شكلا من اشكال الاتفاق التعاقدي سواء كان سياسي ام اقتصادي او اجتماعي …فان المهم هو انه يعد وثيقة مكتوبة يحدد فيها حقوق والتزامات اطراف الاتفاق بعد نقاش وتفاوض ، ويكون مؤسسا على مبادئ تتفق الاطراف على احترامها والاحتكام اليها. (2)
أما مفهوم المرفق العام فيصعب حصر تعريف محدد له ، فهناك من يعتبره نشاطا يهدف لتحقيق مصلحة عامة او اشباع حاجة عامة للجمهور . ويجب توفر ثلاث عناصر فيه وتهم ؛ ـ هدف المرفق من نشاطه . ـ ارتباطه بالادارة ورقابتها. ـ وامتيازات السلطة العامة .
أما انواع المرافق من حيث النشاط فهي متنوعة قد تكون؛ ادارية اقتصادية ، تجارية ، خدمية … أما من حيث نطاق نشاطها هي اما وطنية او محلية . كما انها من حيث استقلاليتها فتكون لها شخصية معنوية عامة واخرى غير معترف لها بذلك. ثم مدى ضرورة انشائها تكون الزامية حين يلزم نص قانوني او جهة عليا بانشاء مرفق معين، اواختيارية للادارة سلطة تقديرية في ذلك وهو الاصل …
والاهم هو ان هذه المرافق تحكمها مبادئ اهمها ؛ ضمان استمراريتها في اداء وظيفتها تلبية لحاجات السكان، المساواة بين المنتفعين، ثم مبدا قابلية المرفق العام للتغيير، اضافة الى اعمال مبدا الحياد(3)
وعرفت أغلب المرافق عدة تطورات همت طريقة تدبيرها ان لم يكن تفويتها من الاساس عبر نظام الخوصصة، وان كان الاخير هم مؤسسات وشركات وطنية، فان الاسلوب الجديد في تدبير المرافق العمومية خاصة المحلية تم اخضاعها لنظام التدبير المفوض. وهو الواقع اليوم في المدن الكبرى والذي هم بالاساس المرافق الحضرية من ماء الشروب والكهرباء والإنارة العمومية والنقل الحضري وتطهير السائل والنظافة.
بعد هذا التمهيد العام سيتم الان الوقوف على واقع المرافق العمومية الذي يعد من اهم الدواعي لتنصيص الدستور على هذا الميثاق في اطار سياق معين؛ في المطلب الثاني .
المطلب الثاني : واقع المرافق العمومية بالمغرب (السياق والدواعي )
عرفت المرافق العمومية عدة تحولات قبل ان تصل الى ما هي عليه، في البداية كانت اشد الارتباط بمصالح الدولة من حيث التنظيم والتسيير، ومع فتح المجال امام اشراك الخواص في تدبيرها ، وبعد عجز الدولة عن القيام بوظائفها المتزايدة بدات عملية الخوصصة ثم تلتها تفويض بعض المرافق الحيوية للخواص من اجل تدبيرها نظرا لما كانت تعيشه من ازمة التدبير وضعف المردودية ، وبلوغها مستوى الافلاس من الجانب المالي والاداري؛ لما عرفته من سوء التدبير وضخامة التبذير المالي والزمني ، ولذالك جاء الميثاق الجماعي لسنة 2002 يمنح للمجالس المنتخبة حق تفويض تدبير هذه المرافق للشركات الخاصة الاجنبية خاصة في المدن الكبرى ، او لاشخاص عامة ،
الى جانب طرق اخرى لتدبير المرافق سواء بشكل مباشر وكالة مستقلة او الامتياز م 39 من الميثاق الجماعي . الى جانب نصه على نوع من الشراكة مع الخواص عبر خلق شركة الاقتصاد المختلط وا لتي اصبحت تسمى بشركة التنمية المحلية في تعديل الميثاق سنة 2009 . بل ان بعض المدن دخلتها التجربة في غياب أي نص قانوني مؤطر للعملية كحال الدار البيضاء والرباط اواخر التسعينات القرن الماضي ثم طنجة بداية القرن 21 . اما القانون المؤطر للتدبير المفوض لم يصدر الا سنة 2006
وقد منح القانون السلطة التنظيمية للجماعات الترابية ف 140 من دستور2011 ، وبهذا يتم تنظيم داخلي للمرافق المحلية وذلك تفعيلا لمبدا التسيير الديمقراطي ف 135 والتدبير الحر ف 136من دستور 2011 ( 4). لكن ربما المشكل او الاشكالية همت بالاضافة الى الوسيلة المختارة في تدبير المرافق الحيوية جانب اخر وهو غياب المراقبة والمحاسبة بسبب غياب النص القانوني الواضح في تحديد المسؤوليات بين السلطة المحلية والسلطة المنتخبة لكون العقود المبرمة لا يسري عليها قانون التدبير المفوض الصادر سنة 2006 ، لان كل عقود التدبير المفوض تم ابرامها قبل هذا التاريخ بكثير .
وهنا تطرح مسالة مدى استفادة التدبير المحلي من اليات التدبير المفوض ، كما برزت اليات جديدة يمكن ان تعالج اختلالات النمط السابق في تدبير المرافق العمومية بوجود امكانية الاستفادة من القطاع الخاص والاستثمار فيه عبر الشراكة المباشرة بين الجماعات الترابية والقطاع الخاص (5) . كما ان اليات انشاء مجموعات التجمعات الحضرية يمكن ان يشكل مخرجا لتجاوز الوضع المتازم لوضعية المرافق االعمومية المحلية(6) خاصة في المدن الكبرى . اضافة لوجود الية اخرى منفتحة على القطاع الخاص وتشركه في تدبير المرافق المحلية وهي شركة التنمية المحلية م40/42 وتهم انشطة تجارية صناعية اقتصادية ، رغم ان القانون لم يقدمها كالية لتدبير المرافق العمومية المحلية وترك امرها للمجالس الجماعية (7).
وهي تعتبر مؤسسة خاصة تخضع لقواعد العامة المطبقة على الشركات التجارية، قانون شركات المساهمة، و تساهم الجماعة في راسمالها ب34 في المائة كنسبة ادنى، مع وجوب ملكية الهيئات العامة اغلبية راسمالها م 36 من الميثاق الجماعي (8). وتخضع لمراقبة التسيير من قبل المجلس الجهوي للحسابات (9)، ويبقى دور شركة التنمية المحلية يتجاوز انعاش الاقتصاد المحلي لتعتبر الية فعالة لتطوير اداء الجماعت المحلية على مستوى تدبير المرافق العمومية الجماعية وجعلها قادرة على التدبير الاقتصادي والاستفادة من طرق تدبير المقاولات الخاصة من شانه تاهيل بنيات الجماعات المحلية لتصبح قادرة على تدبير المشاريع التنموية والمرافق الكبرى بنفس المنطق (10) .
المبحث الثاني : الادوار والوظائف المنتظرة من ميثاق المرافق العمومية (مقارنة بالنموذج الفرنسي).
اذا كان دستور 2011 يشكل دعامة اساسية في ارساء حكامة التسيير والتدبير، واقرار مبدا المسؤولية يقابله المحاسبة ، ثم تحديد حقوق وحريات المواطنين، فان الغاية والهدف من الميثاق هو تجميع هذه المبادئ وترتيبها وتفصيلها وتضمينها في وثيقة واحدة ملزمة قانونيا واخلاقيا وتحدد الواجبات والحقوق كل المتدخلين سواء القائمين على تدبير المرافق العمومية او المرتفقين والمتعاقيدن وغيرهم … ضمانا لحسن الاداء، وحماية للحقوق، وتعزيزا لمفهوم المواطنة
اذن ما الدور المنتظر من اقرار هذا الميثاق الذي نص عليه الدستور الجديد وما الادوار التي ينتظر منه ان يؤديها .هذا ما سيتم تفصيله في المطلب الاول قبل الوقوف على بعض التجارب المقارنة في هذا المجال؛ المطلب الثاني .
المطلب الاول : ادوار ووظائف ميثاق المرافق العمومية .
سيتم التطرق في هذا المطلب عن بعض الادوار واهم التي يمكن للميثاق ان يؤديها(الفرع الاول) اضافة الى المرحلة التي ستواكب اعداد هذا الميثاق (الفرع الثاني ).
الفرع الاول : الاشكالات التي سيجيب عنها الميثاق.
لعل الوظيفة الاساسية للميثاق، تهم ضمان استمرارية خدمات المرافق الحيوية والمساواة في الاستفادة منها تحقيقا للمصلحة العامة واشباعا لحاجيات السكان في احترام تام لحقوق المرتفقين، وحفظ كرامتهم، مما يدعم شعور المواطنة والاحساس بالامان والاستقرار، وهي اسمى الغايات من وجود أي تنظيم دا خل الدولة . لكن هذا الامر كاد ان يغيب عن شعور المواطنين بسبب الازمة الخانقة التي تتخبط فيها أغلب المرافق، وتراكم مشاكل بنيوية منذ سنوات، خاصة المرافق المحلية في المدن الكبرى التي اخذت بنظام التدبير المفوض لمرافقها . لكن الميثاق ايضا جاء ليعزز مسؤولية القائمين على هذه المرافق وضمان المحاسبة عند الاخلال بواجبهم المهني او انحراف سلوكهم مع المرتفقين والمرفق نفسه، وذلك تفعيلا لمبدا دستوري يهم ربط المسؤولية بالمحاسبة .
وفي هذ االسياق تضمن دستور 2011 بابا خاصا نص على مبادئ الحكامة الجيدة. اضافة الى اعمال مبدا الحياد التام، والنزاهة، وخدمة المصلحة العامة، وتتبع ملاحظات وتظلمات المرتفقين . ثم الزامها بتقديم الحساب عن تدبيرها للاموال العامة والمراقبة والتقييم، مع الزام المرتبطين بالمرافق العمومية وظيفيا التصريح بممتلكاتهم واصولهم المحازة عند تسلم مهامهم وخلالها وعن الانتهاء منها . وبهذا فالباب 12 الخاص بالحكامة الجيدة؛ جاء لتعزيز مجتمع متضامن وضامن للمساواة والعدالة . وهذا يجعل وجود ميثاق خاص بالمرافق العمومية الى جانب النصوص القانونية العامة التي تنظمها له نعكاس هام سيساهم للرقي بتدبير الشان العام المحلي من خلال تركيزه على تحديد قواعد الحكامة المتعلقة بتسيير الجماعات الترابية(11)، وكذا المؤسسات العامة والمرافق المحلية والوطنية.
وتهم اهم مبادئ المنتظرة في الميثاق؛ المشاركة، الشفافية، حسن الاستجابة للحاجيات، التوافق، الفعالية، الرؤية الاستراتيجية …وبهذا فصدور الميثاق سيساهم في وضع متقدم لتعزيز حكامة المرافق العمومية (12) . ..
الفرع الثاني : مواكبة مرحلة اعداد الميثاق .
اذا كان ميثاق المرافق العمومية الذي نص عليه دستور 2011 يهم التدبير اللامركزي في جانب كبير كالجماعات الترابية
و هيئاتها والمرافق التي تنشئها، فانه ايضا هناك دعوة لاعداد ميثاق اخر قد يوازي الاول ويتكامل معه وهو المتعلق باللاتمركز بهدف تعضيد الجهات والجماعات والعمالات والاقاليم باجهزة ادارية حكومية تتمتع فيها بهامش المبادرة وسلطة التقرير في صالح التنمية المندمجة. كما يجب مقاربة اللاتمركز بارتباط مع تقييم انماط وادوات تدخل الدولة وتنسيقها وتدبيرها بشكل امثل بما فيها مصالح ومؤسسات لامركزية ووكالات مختصة قطاعيا وترابيا، وشراكة مع القطاع العام والخاص ومرافق عامة المفوضة للخواص(13) . حيث مواكبة اللامركزية بالاتمركز لتحقيق اهداف الجهوية الموسعة .
وحتى ياتي الميثاق المنتظر في صالح خدمة المجتمع والمصلحة العامة، فانه يجب ان يساهم جميع الفاعلين والمتدخلين في صياغته، ولهذا لابد من ان تتضمن بنود الميثاق ما يلي :
ـ اعتماد تمثيلية جمعيات المرتفقين ضمن اللجن المكلفة بتدبير المرافق العمومية المحلية خاصة المسيرة بالتدبير المفوض .
ـ اعتماد مجالس تشاورية وتشاركية محلية تشمل كافة تمثيلية المجتمع المدني والنخب والكفاءات المحلية والفاعلين الاقتصاديين والتنمويين وممثلي جمعيات الاحياء او السكنية والاعلام المحلي .
ـ اعتماد ميثاق تشاركي محلي لحسن التدبير واخلاقيات المرفق العام المحلي .
ـ اعتماد تخطيط استراتيجي تشاركي يراعي العمل بنصوص تنظيمية تحترم مناهج واليات تشاركية ..
ـ الحق في الحصول على المعلومة المرتبطة بالتدبير الجهوي والمحلي وتداولها في جو شفاف خاصة المتعلقة بالصفقات العمومة والسياسات والقرارات التنموية الجهوية والمحلية . اعتماد مقاربة تشاركية نوعية في التدبير بمشاركة جمعيات نسائية واطفال وجمعيات ذوي الاحتياجات الخاصة
ـ اعتماد الية الاستفتاءات المحلية تنظمها نصوص تنظيمية تحدد نطاقها وشروط استعمالها .
ـ ااعتماد مواقع تفاعلية على الانترنيت من قبل الجماعات لخلق تواصل محاين للقضايا المحلية ولرصد اراء المواطنين والساكنة وممثلي المجتمع المدني والجمعيات .
ـ تفعيل وتمتين استراتيجية الشراكة والتعاون مع العمل الجمعوي جهويا ومحليا وتكون الية رئيسية في كل القرارات التنموية . (14 )
يجب ان يسبق هذا الميثاق اصدار مدونة عامة للمرافق العمومية تجمع كافة النصوص القانونية المشتتة التي تنظم هذه المرافق .
لكن ما هي مبررات تنصيص الدستور على الميثاق؛ هل هي سياسية ام قانونية، اقتصادية ام اجتماعية …؟
وهل سيشكل الميثاق الجانب القانوني لمبادئ الحكامة الجيدة التي تهم تدبير المرافق العمومية، وسيفصلها بشكل واضح رفعا للغموض والتعويم وصيانة لحقوق المرتفقين وضمانا لتطبيق مبادئ حسن التدبير القائمة على الشفافية والمحاسبة والاهتمام الحقيقي بالصالح العام . كما سيحدد نوع العلاقة بين المرفق والمدبر له والمرتفقين، حيث ينتظر ان يشكل هذا الميثاق الفلسفة العامة والجديدة في تنظيم وتدبير المرافق العمومية وتوضيح حقوق وواجبات جميع الاطراف فيها .
هذا ما سيتم تناوله في المطلب الثاني .
المطلب الثاني : ميثاق المرافق العمومية بين النموذج الفرنسي وافاق النموذج المغربي
يمكن اجراء مقارنة بين ميثاق المرافق العمومية المعمول به في فرنسا( الفرع الاول )، ومن خلاله استشراف النموذج المغربي المنتظر (الفرع الثاني).
الفرع الاول : ميثاق مرافق الخدمات العمومية بفرنسا
تبنت فرنسا العمل بهذا الميثاق منذ سنة 1993 باعتباره ميثاق وطني، ومنذ سنة 2002 اعدت ميثاقا خاصا بالخدمات العمومية المحلية .
فالنموذج الفرنسي ارتكز اساسا على مبدئ وقواعد محددة انطلاقا من علاقة الميثاق بالدستور، حيث تعد الخدمات العمومية وسيلة لتحقيق شعار الجمهورية الفرنسية وهو المساواة، الحرية، الاخاء . لان المصالح الاساسية للامة ترتكز على مفهوم التضامن الوطني خاصة عبر ضمان وجود الخدمات العامة ، لتوفير الاداء الفعال للخدمات العمومية وفق المبادئ الحقيقية لاستمرارية وصول الخدمات للجميع والمساواة في التوزيع والحياد على المستوى الوطني. و همت تلك المبادي والقواعدالتي نص عليها الميثاق ؛ تعريف الجودة والخدمة ومراقبة الخدمات ، المسؤولية الاخلاقية ، متطلبات الاستمرارية والمساواة في الولوج ، المرونة .
كما يهدف الميثاق الى تحديد المبادئ والاهداف التي ينبغي ان تدعم الهيئات العامة والمدنية لاتخاذ قرار بشان ترتيبات انشاء وادارة خدماته العامة .
مبادرة وطنية تهم تقييم العمل العام وفق المبادئ الاساسية . يشمل الميثاق جميع الجهات الفاعلة والشركاء في الخدمات العامة …اكدها الموقعون على الميثاق لها قيمة الزامية وهي مرجعية لاعمالهم . دعوة الفاعلين في الخدمات العمومية المحلية لتنفيذ بشكل اضح بنود الميثاق وفق ما يرونه انسب ، بناء علاقات عبر شراكة مستدامة ومسؤولة بين الجهات الفاعلة ، ضمان الشفافية في التكاليف ، تطوير النقاش حول الخيارات الرئيسية بناءا على تقييم مستقل وتعددي .
أما دور السلطة في التنظيم فيهم ؛ تحديد مهام الخدمات العمومية المحلية ووضع القواعد العامة المنظمة بموجب القوانين النافذة بالتشاور مع مختلف اصحاب المصلحة . تقييم الاحتياجات لتلبية تحديثها بانتظام . ضمان حرية اختيار اساليب الادارة وشروط تنظيمها.
في حالة تفويض تدبير ادارة او مرفق عام اختيار نتيجة المنافسة العادلة والفعالة لاختيار افضل عطاء . وجود مرصد وطني للخدمات العامة يحدد المؤشرات العامة . يتم جمع المعلومات الاقتصادية والتقنية اللازمة لمقارنة الاداء ثم تجهيزها ونشرها من قبل المرصد الخدمات العمومية المحلية عبر مختلف تقنيات المعلوميات والاتصال …. ويبقى اهم بنود هذا الميثاق نصه على العناصر التالية ؛ ـ لكل شخص الحق في الحصول على الخدمات العامة … ـ الامر متروك للدولة فيما يخص ضمان توفير لجميع المواطنين الخدمات العامة وجودتها . ـ تقوم المبادئ الاساسية للخدمات العامة على اساس المساواة في الولوج الاستمرارية والحياد .
الفرع الثاني : استشراف ميثاق المرافق العمومية انطلاقا من تقريرالمجلس الاقتصادي
والاجتماعي حول الميثاق الاجتماعي
تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي اعدته اللجنة الدائمة المكلفة بالقضايا الاجتماعية والتضامن تحت عنوان “من اجل ميثاق اجتماعي جديد ؛ معايير يجب احترامها واهداف ينبغي التعاقد بشانها .”
يثير عنوان التقرير ملاحظة مهمة وهي هل ايضا الميثاق الخاص بالمرافق العمومية سيعمل على تحديد معايير ويلزم الاطراف باحترامها ثم تضمينه اهداف ويدعوا للتعاقد بشانها على غرار الميثاق الاجتماعي الجديد ؟
جاء في خطاب تنصيب المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي 21/2/2011 النص على ضرورة العمل “لبناء مجتمع قوي ومتضامن “، ولن يتحقق ذلك الا بتعزيز الثقة في فعالية الادارة .
كما نص التقرير على ان دستور 2011 يشكل فرصة لرفع تحديات ؛ ـ احترام تام لسلطة القانون لتحقيق العدالة الاجتماعية .
ـ الحد من الفوارق الاجتماعية والترابية التي تظهر تفاوتا كبيرا في الولوج للخدمات الاساسية .
ـ الارتقاء بالرفاه الاجتماعي وتهم سياسة تنموية وضمان نجاحها عبر احترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية .
هناك ضرورة ملحة لربط المسؤولية بالمحاسبة والسعي لتحقيق الفعالية والجودة على مستوى التدبير العمومي . كما ان ارساء حكامة عمومية فعالة وذات مردودية يفرض التحلي بحس عال من الاخلاق والشفافية والتفاني في خدمة الشان العام .
اهداف المرجعية واطارها …؛ ـ تعزيز الحكامة ، المسؤولية والتنمية والامن الاقتصادي والديمقراطية الاجتماعية .
ـ وتشتمل الرجعية على اطار توجيهي لصياغة وتنفيذ وتقييم مجموع السياسات الاجتماعية العمومية والخاصة .
ـ وتضع ايضا توجهات للتشاور والحوار الاجتماعي والمدني والمفاوضة وابرام التعاقدات الجماعية بين الفاعلين والمنخرطين في خلق الانسجام الاجتماعي وتحقيق تنمية البلاد .
ـ كما تشكل المرجعية دليلا لصياغة القوانين والمساطر وتطبيقها .
المعنيون بالمرجعية ؛ ـ السلطات العامة ضامن رئيسي لمقتضيات المرجعية القانونية لكن النهوض بها وتحقيق اهدافها يقع على عاتق المجتمع بكل مكوناته.
تدابير المرجعية تتضمن 39 مبدأ وحق اساسي وملزم ويتفرع عنها 92 هدف اجرائي يستند الى 250 مؤشر للتتبع وقياس التقدم ، وتمت هيكلتها في ست محاور متكاملة ، اهمها ؛ 1 ـ الولوج للخدمات الاساسية والرفاه الاجتماعي … 3ـ الادماج واشكال التضامن . 4 ـ الحوار الاجتماعي والمدني والتعاقدات . 5 ـ حماية البيئة . 6ـ الحكامة ، المسؤولية والتنمية والامن الاقتصادي والديمقراطية الاجتماعي .
وتشكل المحاور الاولى ؛ القاعدة الضرورية للتماسك الاجتماعي ، اما المحور السادس هو ذو طابع افقي يحدد الشروط والمسارات التي تمكن من تحقيق التدابير التي تتضمنها هذه المرجعيات .
الولوج للخدمات الاساسية يهم ؛ الصحة ، الشغل ، التعليم ، السكن ، التنقل ، الحماية القانونية ، العدالة ، الحماية الاجتماعية ، الاعلام .
الادماج واشكال التضامن ؛ حق تكافؤ الفرص ، المساواة بين الجنسين ، الحد من الاقصاء الاجتماعي .
الحكامة والامن الاقتصادي ؛ تهم حكامة المرافق العمومية والبرامج الاجتماعية ، التوطين الترابي لاعداد وادارة التنمية الاقتصادية .
غاية الميثاق الاجتماعي ؛ مبدا قيام المجلس الاقتصادي والاجتماعي كونه مؤسسة الحكامة التنموية الجيدة . ـ التقدم الاجتماعي يتطلب نهج حكامة مسؤولة لصياغة الميثاق . ـ هناك لجنة دائمة بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي من ضمن اختصاصها؛ حكامة المرافق العمومية . حيث الدستور يكرس الطابع الاساسي لاحترام القانون ف 36/37 .
في المحور السادس من التقرير اهداف تهم ؛ دعم احترام الشرعية ( ف36/37من الدستور) باعتماد مؤشرات ؛ ـ عقوبات ضد انحراف نشاط الادارات والهيئات العمومية وعقوبات تهم مخالفات استعمال المال العام وابرام الصفقات وتدبيرها .
ـ قياس ثقة في القوانين وتطبيقها …اضافة الى اهداف منع تضارب المصالح وضمان احترام قواعد المنافسة (ف 36 ، من الدستور) ثم محاربة الرشوة ومنع كل انواع الشطط في استعمال السلطة .
الزامية المحاسبة ؛ .. فالزامية المسؤولية من المبادئ الاساسية للديمقراطية وشرط ضروري لشفافية وحسن سير المؤسسات العمومية .. (ف 145 من الدستور ) يؤكد اجبارية المحاسبة والمسؤولية والشفافية.
ـ التاسيس لمبدا المحاسبة والزاميتها عند ممارسة السلطة، او تحمل مسؤولية تدبير المال العام والمقاولات العمومية ، واهم مؤشراتها ؛ وجود اطار تنظيمي خاص بالزامية نشر تقارير الانشطة ، وجود مراقبة خارجية مستقلة ، حسابات التوظيف والنتائج .
فإرساء المحاسبة يهم منع تضارب المصالح واحترام ميثاق للاخلاقيات مؤشرها هو؛ وجود اطار تشريعي وتنظيمي خاص بضرورة المحاسبة لمنع تضارب المصالح واحترام الاخلاقيات ، ما يؤسس لضمان ؛ جودة وحكامة المرافق العمومية والبرامج الاجتماعية .
ـ ضمان المساواة في الولوج للمرافق العمومية وحسن سيرها فهما شرطان اساسيان للتماسك الاجتماعي يتطلبان مستوى كافي من الشفافية وفعالية الاليات المخصصة لتوجيه انشطة هذه المرافق وتقييمها.
ضرورة ان تقدم الخدمات ذات منفعة عامة ضمانات حول جودتها ومصداقيتها واستمراريتها ونزاهة تدبيرها سواء كانت مقدمة من طرف مؤسسات عامة او المفوتة لها .
ـ الزامية المحاسبة المفروضة على الهيئات التنفيذة عبر خضوع انظمة المراقبة الداخلية واداء هياكل الحكامة بالمؤسسات العمومية والبرامج الاجتماعية للتقييم من قبل هيئات مستقلة وذات مصداقية حيث نص (ف 157/159 من الدستور ) على استقلالية الهيئات المكلفة بمراقبة مدى تفعيل قواعد الحكامة في التسيير العمومي .
ـ تعميم الزامية اعلام الاطراف المعنية و/او استشارتها ، بمؤشرات تهم ؛ وجود تقارير منشورة من قبل الهيئات والمؤسسات العمومية تتعلق بظروف التنفيذ، واراء الاطراف وكيفية تلقيها ومعالجتها (المرتفقون الجمعيات المتعاونون ) .
من توصيات المحور التاسع والثلاثون من التقرير ؛ التوطين الترابي لعملية اعداد وادارة التنمية الاجتماعية نجد العناصر التالية:
ـ تشجيع وضع ميثاق المرافق العمومية الذي يحدد مجموع قواعد الحكامة الجيدة تتعلق بتسيير الادارة العمومية والجهات والجماعات الترابية والاجهزة العمومية (ف 157 من الدستور ).
ـ اعطاء مضمون اجتماعي للجهوية الموسعة باعتبارها رافعة للحداثة والتجديد في مجال الحكامة الترابية عبر لا مركزية تحديد الحاجيات واللاتمركز والتعاقد في مجال تطبيق برامج ومشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتقييم البرامج …
إن الميثاق الخاص بالمرافق العمومية قد يعتمد شكل تحديد مجموعة من المؤشرات من اجل ضمان فعالية الخدمات العمومية وايضا تقرير مبادئ وقواعد ومعايير الحكامة الجيدة داخل الادارات بهدف التغلب على التعقيد في المساطر والقطع مع الممارسات المنافية للشفافية والجودة في تقديم الخدمات العمومية للمواطنين…
(محاماة نت)