دراسات قانونية

بحث قانوني حول أثر الحكم بعدم الدستورية في حماية الحقوق والحريات السياسية

كتبت : المحامية مروة ابو العلا

 

دور الحكم بعدم الدستورية في حماية الحقوق والحريات السياسية في قضاء المحكمة الدستورية العليا في مصر :

تضمن الدستور المصري النص على العديد من الحقوق السياسية كالحق في الترشيح والانتخاب وإبداء الرأي في الاستفتاء ، والحق في تأسيس الاحزاب السياسية والانضمام إليها وغيرها من الحقوق السياسية الاخرى . وقد تراوح التنظيم الدستوري لتلك الحقوق بين الإجمال والتفصيل ، فأحياناً يتناول المشرع الدستوري تنظيم بعض الحقوق السياسية تنظيماً مفصلا واحياناً اخرى يكتفي بوضع بعض المبادئ والضوابط العامة ويترك للمشرع تنظيم الحق المعني في إطارها شريطة الا يؤدي هذا التنظيم الى إهدار الحق او الانتقاص منه بما يفرغه من مضمونه(1). ولقد كان مجال الحقوق والحريات السياسية من اكثر المجالات التي برزت فيها اعتداءات السلطة التشريعية تحت ستار تنظيمها بما يخالف أحكام الدستور . وفي هذا المضمار أدت المحكمة الدستورية العليا دوراً محورياً وبارزاً في حماية الحقوق والحريات السياسية للمواطنين ورد افتئات السلطة التشريعية عليها ، من خلال ارسائها للعديد من المبادئ والضوابط التي يتعين على المشرع التزامها حال تنظيمه للحقوق والحريات العامة ، ومنها أن القواعد التي يضعها المشرع تنظيما للحقوق العامة – ومنها الحقوق السياسية – يتعين الا تؤدي إلى مصادرتها او الانتقاص منها ، والا تخل القيود التي يفرضها القانون في مجال هذا التنظيم بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة المنصوص عليها في المادتين 8 ، 40 من الدستور (2).

أولاً : حق الانتخاب والترشيح .

بالنسبة لحق الانتخاب والترشيح ، فقد نصت المادة (62) من الدستور المصري النافذ لعام 1971 على ان ” للمواطن حق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي والاستفتاء وفقاً لأحكام القانون ومساهمته في الحياة العامة واجب وطني ” مما يفيد أن هذه الحقوق السياسية المنصوص عليها في هذه المادة ، عدها الدستور من الحقوق العامة التي حرص على كفالتها وتمكين المواطنين من ممارستها لضمان إسهامهم في اختيار قياداتهم وممثليهم في إدارة دفة الحكم ورعاية مصلحة الجماعة ، على أساس ان حقي الانتخاب والترشيح هما حقان متكاملان لا تقوم الحياة النيابية بدون أيهما ولا تتحقق للسيادة الشعبية أبعادها الكاملة إذا هما افرغا من المضمون الذي يكفل ممارستهما ممارسة جدية وفعالة (3). ولقد حرصت المحكمة الدستورية العليا على كفالة الحق في الانتخاب والترشيح لجميع المواطنين، سواء أكانوا من بين المنتمين للأحزاب السياسية أم كانوا من المستقلين ، وسواء كان ذلك في مجال الانتخابات التشريعية أم في مجال الانتخابات المحلية . ومن بين الأحكام المهمة في هذا الصدد حكمها الصادر في 16 مايو 1987 ، والتي طلب المدعي الحكم فيها بعدم دستورية المواد الخامسة مكررا والسادسة ” فقرة 1 ” والسابعة ” فقرة 1 ” من القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب المعدل بالقانون رقم 114 لسنة 1983 لما تضمنته تلك المواد من قصر الحق في الترشيح لعضوية مجلس الشعب على المنتمين إلى الأحزاب السياسية من دون غيرهم بما يعني حرمان طائفة من المواطنين وهم غير المنتمين إلى الأحزاب السياسية من حق كفله لهم الدستور في المادة (62) منه ، وهو الامر الذي يخل بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة المنصوص عليهما في المادتين 8 ، 40 من الدستور (4). ولقد قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية المواد سالفة الذكر لحرمانها طائفة من المواطنين – وهم غير المنتمين إلى الأحزاب السياسية – من حق كفله لهم الدستور . كما أكدت المحكمة من خلال حكمها هذا على بعض المبادئ الرئيسية كانت أساساً بعد ذلك لحكم مماثل بعدم دستورية قانون انتخابي آخر جاء بعده ، ومن أهم هذه المبادئ :

-” إن الحقوق السياسية المنصوص عليها في المادة (62) من الدستور ، ومن بينها حق الترشيح الذي عنى به الدستور بالنص عليه صراحة مع حقي الانتخاب وإبداء الرأي في الإستفتاء ، اعتبرها الدستور من الحقوق العامة التي حرص على كفالتها وتمكين المواطنين من ممارستها ، وان القواعد التي يضعها المشرع العادي لا يجوز عن طريق تنظيم تلك الحقوق ان تنتهي إلى الانتقاص منها او مصادرتها .

-” ان مؤدى المواد الخامسة مكررا ، والسادة فقرة (1) ، والسابعة عشرة من القانون رقم (38) لسنة 1972 المعدل بالقانون رقم (114) لسنة 1983 المطعون عليها ، أن المشرع حين نص على أن يكون إنتخاب أعضاء مجلس الشعب عن طريق الانتخاب بالقوائم الحزبية ، وما استتبع ذلك من النص على اعتبار صورة قائمة الحزب الذي ينتمي اليه المرشح المثبت بها إدراج أسمه فيها شرطاً حتمياً لقبول طلب تشريحه ، يكون قد قصر حق الترشيح لعضوية مجلس الشعب على المنتمين إلى الاحزاب السياسية ، وحرم بالتالي غير هؤلاء من ذلك الحق دون مقتضى من طبيعته ومتطلبات مباشرته .

-” ولما كان حق الترشيح من الحقوق العامة التي كفلها الدستور للمواطنين في المادة (62) منه ، ومن ثم ، فإن حرمان طائفة معينة من هذا الحق ينطوي على إهدار لأصله ، كما ينطوي على إخلال بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة لدى القانون ، ويشكل بالتالي مخالفة للمواد (8 ، 40 ، 62) من الدستور .

-” إن تنظيم المشرع لحق المواطنين في الترشيح لا يعني إطلاق سلطته – أي المشرع – لكي يتحلل من الضوابط الدستورية وصولاً إلى هدم الحق نفسه او الانتقاص منه . ان تنظيم المشرع لحق المواطنين في الترشيح لا ينبغي له أن يعصف بهذا الحق أو ينال منه على نحو ما فعلته النصوص المطعون فيها ، إذ تعرضت لحقوق عامة كفلها الدستور وحرمت منها طائفة من المواطنين فجاوز المشرع دائرة تنظيم الحقوق إلى إهدارها ، الأمر الذي لا يسمح به الدستور ، ومن ثم حكمت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية النصوص المطعون فيها لمخالفتها للدستور ” (5).

ثانياً : حق تأسيس الأحزاب السياسية والانضمام اليها .

اما عن الحق في تأسيس الأحزاب السياسية والانضمام اليها ، فيمكن القول انه بعد ان كان النظام السياسي المصري يقوم على فكرة التنظيم السياسي الواحد ممثلا في الاتحاد الاشتراكي العربي ، تطورت الأوضاع والأحداث بشكل أدى إلى الابتعاد عن فكرة التنظيم السياسي الواحد والاستعاضة عنه بنظام تعدد الأحزاب ، إذ تم تعديل المادة الخامسة من الدستور بموجب التعديل الدستوري في 22 مايو 1980 ليصير نصها على النحو الآتي ” يقوم النظام السياسي في جمهورية مصر العربية على أساس تعدد الاحزاب وذلك في إطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور . وينظم القانون الاحزاب السياسية”(6).

وقد حاول المشرع – تحت ستار التنظيم – أن يفرغ النص على التعددية من مضمونه بحيث يجعل من التعددية أمراً صورياً عن طريق تضمين القانون المنظم للأحزاب لعدد من الشروط التعسفية بما يحول بين بعض المواطنين وممارسة هذا الحق ، بيد أن المحكمة الدستورية العليا وقفت ضد كل المحاولات الرامية إلى إهدار هذا الحق او النيل منه مقررة انه اذا كان للمشرع تنظيم الحرية الحزبية إلا أن هذا التنظيم لا يجوز أن يصل إلى إهدارها او النيل منها (7). ومن أحكامها المهمة في هذا الصدد حكمها الصادر في 7 مايو 1988 ، والتي طعن فيها بعدم دستورية البندين الثاني والسابع من المادة الرابعة من القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية . وتتلخص وقائع هذه القضية ان أحد المواطنين بصفته وكيلاً عن طالبي تأسيس الحزب الناصري قد تقدم إلى لجنة شؤون الأحزاب السياسية ، التي انشأها القانون المذكور اعلاه ، طالباً تأسيس الحزب الناصري . إلا أن اللجنة رفضت طلبه هذا لسببين ” أولهما ” ، أن البرنامج المقترح للحزب الناصري لا يتميز تميزاً ظاهراً عن برنامج حزب التجمع الوطني التقدمي ، ومن ثم ، يكون طلب التأسيس مخالفاً للبند ثانياً من القانون رقم (40) لسنة 1977 بتنظيم الأحزاب الذي يتطلب ذلك ، وثاني هذه الاسباب ، ان أحد مؤسسي الحزب الناصري كان قد وقع على بيان يتضمن الدعوى إلى تحبيذ اتجاهات تتعارض مع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية ، وبالتالي يكون طلب التأسيس لهذا الحزب مخالفاً للبند السابع من القانون رقم (4) لسنة 1977 لاشتراطه الا يكون من بين مؤسسيه أو قياداته من تتوافر ضده أدلة جدية على قيامه بالدعوة لمبادئ أو أعمال تتعارض مع معاهدة السلام بين مصر واسرائيل (8).وقد طعن مقدم الطلب امام المحكمة الدستورية العليا على البندين الثاني والسابع من المادة (40) من القانون المذكور ، مقرراً أن حكم المادة سابعاً ينطوي على مصادرة لحرية التعبير عن الرأي بالمخالفة لنص المادة (47) من الدستور . وهو ما أيدته فيه المحكمة الدستورية العليا إستناداً إلى المادة الخامسة من الدستور والمعدلة بتاريخ 22 مايو 1980 – المقررة بان يقوم النظام السياسي في مصر على أساس تعدد الأحزاب – . اما بالنسبة للبند الثاني من المادة (40) من القانون والتي تتطلب التمايز في برامج الأحزاب وأساليبها في تحقيق برامجها ، فإن هذا الشرط يتصف بالعمومية والتجريد ويراعي الصالح العام ويقوم على شروط موضوعية وينطبق على جميع المواطنين بما لا يؤدي إلى مصادرة حق أي منهم أو الانتقاص منه ، ولا يخل بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة ، وبالتالي فإن البند ثانياً من المادة (4) لا يخالف نصوص الدستور (9). وقد أرست المحكمة الدستورية العليا بمقتضى هذا الحكم المبادئ الدستورية الآتية :

-” ان حرية الرأي هي من الحريات الأساسية التي تحتمها طبيعة النظام الديمقراطي وتعد ركيزة لكل حكم ديمقراطي سليم ، إذ يقوم هذا النظام في جوهره على مبدأ أن ” السيادة للشعب وحده ، وهو مصدر السلطات ” ، وهو ما أكده الدستور القائم بالنص عليه في المادة الثالثة منه .. ولا شك ان مبدأ السيادة الشعبية يقتضي أن يكون للشعب – ممثلا في نوابه أعضاء السلطة التشريعية – الكلمة الحرة فيما يعرض عليه من شئون عامة ، وأن يكون للشعب أيضاً باحزابه ونقاباته وأفراده رقابة شعبية فعالة يمارسها بالرأي الحر والنقد البناء.

-” تعد حرية الرأي ضرورة لازمة لمباشرة الحقوق السياسية وإمكان المساهمة بهذه الحقوق العامة في الحياة السياسية مساهمة فعالة كحق تكوين الأحزاب السياسية وحق الانضمام اليها وحق الانتخاب والترشيح وابداء الرأي في الاستفتاء .

-” وإذ كانت حرية الرأي تعد من الدعامات الأساسية التي تقوم عليها النظم الديمقراطية الحرة .. ، فقد غدت من الأصول الدستورية الثابتة في كل بلد ديمقراطي متحضر وحرصت على توكيدها الدساتير المصرية المتعاقبة . وقررها الدستور القائم بالنص في المادة 47 منه على أن ” حرية الرأي مكفولة ، ولكل انسان التعبير عن رأيه .. ” ولئن كان الدستور قد كفل بهذا النص ” حرية التعبير عن الرأي ” بمدلوله الذي جاء عاماً مطلقاً ليشمل الرأي في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية الاجتماعية ، فإنه مع ذلك قد خص حرية الآراء السياسية برعاية أوفى لما لها من ارتباط وثيق بالحياة السياسية وبسير النظام الديمقراطي في طريقه الصحيح .

-” لما كان ذلك وكان البند [ سابعاً ] من المادة الرابعة من القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية فيما تضمنه من اشتراط ” الا يكون بين مؤسسي الحزب أو قياداته من تقوم أدلة جدية على قيامه بالدعوة أو المشاركة في الدعوة أو التحبيذ أو الترويج بأية طريقة من طرق العلانية لمبادئ أو اتجاهات أو أعمال تتعارض مع معاهدة السلام بين مصر واسرائيل التي وافق عليها الشعب في الاستفتاء بتاريخ 20 أبريل سنة 1979 ” ، لما كان مؤدى هذا النص هو حرمان فئة من المواطنين من حقهم في تكوين الأحزاب السياسية حرماناً أبدياً وهو حق كفله الدستور حسبما يدل عليه لزوماً نص المادة الخامسة منه ، وقد رتب النص المطعون عليه – في شق منه – هذا الحرمان على أخذ هؤلاء الاشخاص بارائهم التي تتعارض مع معاهدة السلام بين مصر واسرائيل سالفة الذكر ، فان هذا النص يكون قد انطوى على اخلال بحريتهم في التعبير عن الرأي وحرمانهم مطلقاً ومؤبداً من حق تكوين الأحزاب السياسية بما يؤدي إلى مصادرة الحق وإهداره ويشكل بالتالي مخالفة للمادتين 5 و 47 من الدستور ” (10). وانتهت المحكمة في حكمها هذا إلى عدم دستورية البند [ سابعاً ] من المادة الرابعة من القانون المشار اليه .

ومن أحكام المحكمة الدستورية العليا في مجال حماية حق تأسيس الأحزاب السياسية والانضمام اليها ، انظر :

القضية رقم 56 لسنة 6 قضائية ” دستورية ” ، جلسة 21/6/1986 ، مجموعة أحكام م.د.ع ، ج3 ، ص 353 وما بعدها . القضية رقم 49 لسنة 6 قضائية ” دستورية ” ، جلسة 4/4/1987 ، مجموعة أحكام م.د.ع ، ج4 ، ص 19 وما بعدها

دور الحكم بعدم الدستورية في حماية الحقوق والحريات السياسية في القضاء الدستوري العراقي :

ان جميع الدساتير العراقية التي أخذت بالرقابة القضائية على دستورية القوانين – بل وحتى تلك التي لم تأخذ بهذه الرقابة – ، دأبت على إدراج الحقوق والحريات السياسية كالحق في الانتخاب والترشيح في صلبها . الا ان المشرع كثيراً ما كان يعمد إلى افراغ النصوص الدستورية المتعلقة بالحقوق والحريات السياسية ، على وجه الخصوص ، من محتواها . ولم تؤد المحكمة المختصة بالرقابة القضائية على دستورية القوانين أي دور في التصدي لافتئات السلطة التشريعية على هذه الحقوق والحريات ، على النحو الذي سيتم بيانه فيما يأتي :

أولاً : وفقا للقانون الأساسي العراقي لسنة 1925 .

في القانون الأساسي العراقي لعام 1925 نصت المادة السادسة والثلاثون على ان ” يتألف مجلس النواب بالانتخاب بنسبة نائب واحد عن كل عشرين الف نسمة من الذكور ” . كما نصت المادة الثانية والاربعون على أن ” لكل رجل عراقي اتم الثلاثين من العمر ولم يكن له احد الموانع المنصوص عليها في المادة (30) ان ينتخب نائباً ” . وقد عمدت القوانين الانتخابية المنظمة لحق الانتخاب وحق الترشيح إلى تقييده ، فقانون انتخاب النواب لسنة 1924 جعل حق الانتخاب مقيداً بشرط الثروة التي يحوزها المواطن (م3/ف7) . اما قانون انتخاب النواب رقم 11 لسنة 1946 ، فقد الزم المرشح ان يودع لصندوق القضاء مبلغ مائة دينار كتأمينات ويكون هذا المبلغ ايراداً لبلدية القضاء فيما اذا لم يحصل المرشح على 10% من اصوات المنطقة ، وكان هذا المبلغ يشكل في حينه حاجزاً ومانعاً من ترشيح عدد من ممثلي الطبقات ذوي المستوى الاقتصادي الضعيف لجسامة المبلغ في تلك المرحلة (1). وقد سار بذات الاتجاه مرسوم انتخاب النواب رقم 6 لسنة 1952 (م 36/ ف1) وكذلك قانون أنتخاب النواب رقم 53 لسنة 1956 (م 26/ف1) . ونصت المادة الثانية عشر من القانون الأساسي على ان ” للعراقيين حرية ابداء الرأي والنشر والاجتماع وتأليف الجمعيات والانضمام اليها ضمن حدود القانون ” . وقد خضعت الأحزاب السياسية للأحكام نفسها المتعلقة بالجمعيات في ما يتعلق بشرط التأسيس وغيرها . وعند دراسة القوانين المنظمة لهذا الحق يتضح انها عمدت إلى تقييده في أضيق الحدود ، فقد منحت هذه القوانين (قانون تأليف الجمعيات لعام 1922 ، الذي ألغي بموجب المادة 29 من مرسوم الجمعيات رقم 19 لسنة 1954 ، الذي ألغي ، بموجب المادة 1 من قانون الجمعيات رقم 63 لسنة 1955) (2) ، السلطة التنفيذية سلطة البت في تأسيس الجمعيات (ومنها الأحزاب السياسية) ، وبذلك يكون تأسيس الجمعية أو الحزب متوقفاً على أذن السلطة التنفيذية ، فليس هناك مادة دستورية تحدها أو هيئة قضائية تملك صلاحية تقييدها (3). نخلص من ذلك إلى انه على الرغم من إقرار القانون الأساسي العراقي للحقوق والحريات السياسية للمواطنين إلا ان المشرع في تنظيمه لهذه الحقوق قد افرغها من مضمونها اما بإهدارها أو بالانتقاص منها . ولم تؤد المحكمة العليا دورها المنشود في حماية هذه الحقوق والحريات من خلال أحكامها بعدم الدستورية. وهذا شكل بطبيعة الحال نقطة سوداء في جبين المشروعية وسيادة القانون .

ثانياً : وفقاً لدستور 21 أيلول 1968 المؤقت .

اما دستور 21 أيلول 1968 المؤقت ، فقد أقر هو الآخر الحقوق والحريات السياسية للمواطنين ومنها حق الانتخاب إذ نصت المادة 40 على ان ” الانتخاب حق للعراقيين ينظمه القانون ، ومساهمتهم في الحياة العامة واجب وطني ” . كما نظم الدستور حق تكوين الأحزاب السياسية والانضمام اليها بموجب المادة 33 منه ، إذ جاء فيها ” حرية تكوين الجمعيات والنقابات بالوسائل المشروعة وعلى أسس وطنية مكفولة في حدود القانون ” . وعلى الرغم من ان دستور 1968 قد كفل حق تأسيس الأحزاب السياسية من خلال كفالته للحق في تأسيس الجمعيات ، ونظم قانون الجمعيات رقم 1 لسنة 1960 أحكامه ، الا انه لم تؤسس أية أحزاب سياسية في ظل هذا الدستور . ولم تمارس المحكمة الدستورية العليا التي أنشئت في ظل هذا الدستور اختصاصها بالرقابة على دستورية القوانين للأسباب التي ذكرت في موضع سابق من البحث . وبالتالي فان هذه النصوص الدستورية المتعلقة بكفالة الحقوق والحريات السياسية قد بقيت حبراً على ورق .

ثالثاً : وفقاً لقانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لسنة 2004.

اما قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لسنة 2004 ، فقد نصت المادة الثالثة عشرة منه في الفقرة ج ” .. ، كما أن الحق بحرية تشكيل النقابات والأحزاب والانضمام اليها وفقاً للقانون ، هو حق مضمون ” ، والمادة العشرون نصت على أن ” أ. لكل عراقي تتوفر فيه الشروط المنصوص عليها في قانون الانتخاب ان يرشح نفسه للانتخابات ويدلي بصوته بسرية في انتخابات حرة ، مفتوحة ، عادلة ، تنافسية ودورية . ب. لا يجوز التمييز ضد أي عراقي لأغراض التصويت في الانتخابات على أساس الجنس أو الدين أو المذهب أو العرق أو المعتقد أو القومية أو اللغة أو الثروة أو المعرفة بالقراءة والكتابة ” . وبذلك يكون قانون إدارة الدولة العراقية قد كفل بنصوصه أهم الحقوق والحريات السياسية من خلال إدراجها في صلبه . إلا انه نظراً لقصر المدة التي تم فيها نفاذ هذا الدستور فان المحكمة الاتحادية العليا التي أنشئت بموجبه لم تتمكن من ممارسة دورها في حماية هذه الحقوق والحريات.

رابعاً : وفقاً لدستور جمهورية العراق لسنة 2005.

اما عن الحقوق والحريات السياسية في دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ، فقد نصت المادة 20 منه على أن ” للمواطنين رجالا ونساءً ، حق المشاركة في الشؤون العامة ، والتمتع بالحقوق السياسية ، بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح ” . كما نصت المادة 39 منه على ان ” اولاً – حرية تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية ، او الانضمام اليها ، مكفولة ، وينظم ذلك بقانون ، ثانيا – لا يجوز أجبار أحد على الانضمام الى أي حزب أو جمعية أو جهة سياسية ، أو أجباره على الاستمرار في العضوية فيها ” . ونأمل ان تتخذ المحكمة الاتحادية العليا خطوات ايجابية فعالة في كفالة هذه الحقوق والحريات السياسية من خلال أحكامها بعدم الدستورية .

ثانياً : حق الترشيح .

وفيما يتعلق بحق الترشيح ، فقد حدد الدستور الأمريكي الشروط الواجب توافرها في كل من المرشح لعضوية مجلس النواب (المادة الأولى / الفقرة الثانية) ، والمرشح لعضوية مجلس الشيوخ (المادة الأولى / الفقرة الثالثة) ، والمرشح لمنصب الرئيس (المادة الثانية / الفقرة الأولى)، وتكاد تكون هذه الشروط منحصرة في شروط السن ، والاقامة ، والمواطنة . وقد أضيف اليها شرط آخر بموجب الفقرة الثالثة من التعديل الرابع عشر للدستور هو أن لا يكون قد أشترك في تمرد أو عصيان ضد الولايات المتحدة أو قدم مساعدة أو تسهيلات لاعدائها . وقد أرست المحكمة الاتحادية العليا العديد من المبادئ المهمة وهي بصدد تصديها للقضايا المتعلقة بحق الترشيح ، لعل من ابرزها :

– قانون أية ولاية يضعف من قدرة الشخص ليصبح مرشحاً لمنصب عام بسبب عنصره ، هو قانون غير دستوري لانتهاكه التعديل الرابع عشر والخامس عشر . [ قضية Georgia v. United States (1973) ، وقضية Gomillion v. Light foot (1960) ] (16). الدستور يحظر على الولايات من إملاء مرشحين معينين بصورة مباشرة ، أو تقديم تشجيع غير رسمي لهم ، أو تقديم تسهيلات لهم ، أي التمييز في المعاملة بين الاشخاص المرشحين اعتماداً على أساس العنصر . [ قضية Hamm v. Virginia State Bd. Of Elections (1964) ، وقضية Tancil v. Woolls (1964) ] (17).

– الولاية لا تستطيع ان تخصص في ورقة الاقتراع أي من المرشحين أسود وايهم أبيض لان مثل هذا التخصيص يثبت بسهولة أسلوب التمييز العنصري [ قضية Anderson v. Martin (1964) ] (18). إن شرط وجوب دفع رسم الترشيح هو غير دستوري لانه يخالف فقرة الحماية المتساوية في التعديل الرابع عشر لاسيما اذا ما تم تطبيقه على المرشحين الفقراء . [ قضية Carter v. Bullock (1972) ، وقضية Lubin v. Panish (1974) ] (19). ليس ثمة علاقة منطقية بين تملك الشخص ملكية خاصة وبين قدرته على فهم قضايا مجتمعة. فوضع الشخص الاقتصادي وعدم تملكه ملكية خاصة لا يعكس بالضرورة افتقاره إلى المعرفة بالقضايا العامة او بقضايا مجتمعة – تقدمه ورفاهيته – . [ قضية Turner v. Fouche (1970) ، وقضية Quinn v. Millsap (1989) ] (20).

ثالثاً : حق تأسيس الأحزاب السياسية والانضمام اليها .

وفيما يتعلق بالحق في تأسيس الأحزاب السياسية (21) والانضمام اليها ، فان دستور الولايات المتحدة الأمريكية لم يشر أبداً إلى الأحزاب السياسية (22). علماً بان أول نشأة للأحزاب يشار اليها في الولايات المتحدة الأمريكية في النصف الأول من القرن التاسع عشر . ومعلوم ان نظام الحزبين هو المعتمد فيها ويتجلى تطبيقه بوجود الحزبين الرئيسيين الجمهوري والديمقراطي في الحكم سواء على مستوى رئاسة الجمهورية ام على مستوى الانتخابات التشريعية فيها (23). وهناك بطبيعة الحال أحزاب سياسية اخرى بجانب الحزبين الرئيسيين فهناك الاشتراكيون ، والعمال الاشتراكيون . وعلى الرغم من الأسس الديمقراطية التي قام عليها الدستور الأمريكي إلا أن القائمين على السلطة في الولايات المتحدة ، ونتيجة لتخوفهم من الشيوعية أثر قيام الثورة البلشفية في روسيا ، لجأوا إلى المشرع العادي من أجل إصدار تشريعات مناهضة للحزب الشيوعي . وقد صدرت بالفعل قوانين عديدة في هذا الشأن ، منها القانون الاتحادي الصادر في عام 1940 والذي يطلق عليه ” قانون تسجيل الاجانب ” أو ” قانون سميث ” ، وقانون ” تافت هارتلي ” الصادر في عام 1941 ” ، وقانون ” حماية الأمن الداخلي ” الصادر في عام 1950 ، وقانون ” الرقابة على الشيوعية ” الصادر في عام 1954 وهو القانون الذي وضع الحزب الشيوعي خارج حماية القانون (24). ويلاحظ ان موقف المحكمة الاتحادية العليا في أمريكا تجاه هذه التشريعات ، قد مر بمرحلتين :

المرحلة الاولى : في هذه المرحلة أنكرت المحكمة الاتحادية العليا الاتجاهات التشريعية المناهضة للحزب الشيوعي ، حيث رأت ان وضع العراقيل امام النشاط السلمي للحزب الشيوعي ينطوي على انتهاك خطير لمبادئ العدالة والمبادئ الديمقراطية التي أرساها الدستور الأمريكي .

وقد تجلى موقفها هذا في حكمها الصادر في قضية Saenderman والذي أكدت فيه ” أن العضوية في الحزب الشيوعي لا تتناقض مع الولاء للولايات المتحدة والمتعلق بمبادئها الدستورية ” (25).

اما المرحلة الثانية : فقد بدأت مع ازدياد حدة التوتر في العلاقات الأمريكية – السوفيتية إبان الحرب الباردة ، حيث عدلت المحكمة الاتحادية العليا عن موقفها السابق واتخذت موقفاً معاكساً تماماً أقرت بموجبه موقف المشرع الأمريكي المناهض للشيوعية وللحزب الشيوعي باعتبار ان اعضائه يعملون لمصلحة حكومة معادية اضراراً بمصالح الولايات المتحدة (26).

إغلاق