دراسات قانونية
بحث و دراسة حول موقف الدول العربية من القضاء على التمييز ضد المرأة
تطبيقات الالتزام بالقضاء على التمييز ضد النساء في الدول العربية
سرور طالبي المل
المؤتمر الدولي السنوي الأول حول حقوق الإنسان في الأنظمة الدستورية العربية، الواقع والمأمول
تنظيم مركز دراسات وبحوث حقوق الإنسان بجامعة أسيوط / مصر. 2006
لقد جاءت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، مثل ما يدل عليه اسمها، من أجل القضاء على التمييز ضد النساء وتحقيق المساواة بينها وبين الرجال في كافة المجالات.
ويعتبر القانون أكثر الأدوات تعبيراً عن سياسات الحكومات، فهو الذي يعكس موقف الدول من بعض حقوق المرأة. وعلى هذا الأساس أوجبت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة على الدول الأطراف فيها باتخاذ بعض الإجراءات والتدابير لتعديل تشريعاتها الوطنية التمييزية وجعلها متطابقة مع أحكام هذه الاتفاقية من أجل تحقيق المساواة الكاملة بين النساء والرجال.
نريد من خلال هذا المقال إلقاء الضوء على التدابير التي اتخذتها الدول العربية من أجل القضاء على التمييز ضد النساء، وقبل الحديث عن هذه التدابير لابأس أن نتوقف عند مفهوم المساواة بين النساء والرجال.
1. مفهوم المساواة بين النساء والرجال:
مع حلول النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وتحديدا في الفترة التي شهدت نهاية حروب طويلة وشرسة خاضتها دول أوروبية، برزت اهتمامات حضارية وإنسانية متعددة على الصعيد العالمي ككل. والمسيرة الدولية لتحقيق المساواة، سواء بين النساء والرجال، بين الأعراق اللغات أو الأديان، الآراء السياسية أو الأصل القومي أو الاجتماعي… هي واحدة من هذه الاهتمامات الحضارية كما هي في حد ذاتها معركة طويلة ومتعبة.[1]
وعلى حد تعبير بعض الكتاب فإن تحقيق المساواة بين النساء والرجال هي طريقة لمواكبة العصر وهي من مؤشرات التحضر، لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام، ما هي مراحل اعتراف المجتمع الدولي بالالتزام بتحقيق المساواة بين الجنسين، أو بعبارة أخرى ما هو الإطار القانوني لمبدأ المساواة بين الجنسين؟
1.أ/ الإطار القانوني لمبدأ المساواة بين الجنسين:
في عام 1945 أصبحت المساواة بين النساء والرجال مبدءا مقبولا من قبل كافة دول المجتمع الدولي بمجرد أن أصبح من أهم المبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة.
بالفعل، لقد كان ميثاق الأمم المتحدة أول وثيقة دولية تكرس المساواة بين النساء والرجال إذ تنص ديباجته في الفقرة 2: ” إن شعوب الأمم المتحدة وإذ صممت على التأكيد على إيمانها بالحقوق الأساسية للإنسان وعلى الكرامة المتأصلة في الإنسان، وعلى المساواة بين النساء والرجال”. كما أكدت على هذا المبدأ كل من المادة 1 فقرة 3، المادة 55 و56 من هذا الميثاق.
وفي 1948، سنة صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أعيد التركيز على مبدأ المساواة بين النساء والرجال في المادة الأولى منه التي تنص: “يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق..”. وتضيف المادة الثانية: “لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان دون أي تمييز.. كالتمييز بسبب الجنس.”
ووراء هذا الاعتراف الدولي “الخجول” والعام بالمساواة بين النساء والرجال، كان مصير النساء الكفاح والسعي لسنوات طويلة من أجل تكريس حقوقهن في كل المجالات والاعتراف لهن بخصوصيتهن الناتجة عن الحمل والحاجة إلى حماية خاصة ومراقبة صحية أكثر من الرجال.
وعلى هذا الأساس بدأت تتبلور فكرة تبني اتفاقيات دولية تحمي حقوق المرأة على وجه التحديد، بحيث كانت من أهم انشغالات لجنة وضعية المرأة التابعة للأمم المتحدة، هو ترسيخ مبدأ المساواة في قواعد القانون الدولي وجعله التزاما من الالتزامات الدولية.
فكانت اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة التي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 ديسمبر/كانون أول 1952، أول وثيقة دولية صادرة عن الأمم المتحدة، تلزم الدول الأطراف فيها قانونيا باحترام المساواة بين الرجال والنساء في المجال السياسي.[2]
وفي سنة 1957، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية جنسية المرأة المتزوجة، وانصبت هذه الاتفاقية على القضاء على التمييز ضد النساء في مجال الجنسية، بحيث لم يكن النساء يتمتعن بنفس الحقوق كالرجال في هذا المجال.
كما صدر عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم “اليونسكو” بتاريخ 14 ديسمبر /كانون الأول 1960، اتفاقية تحظر التمييز في مجال التعليم وتجعل المساواة بين الذكور والإناث في التعلم التزاما أساسيا.
وفي سنة 1962، صدرت اتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى للزواج من أجل تحقيق المساواة بين الزوجين في إطار الأسرة وجعل القوانين الوطنية أكثر عدلا في هذا المجال.
كما أعيد النص على الالتزام بتحقيق المساواة بين الجنسين في العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية السياسية والاقتصادية الاجتماعية والثقافية في 16 ديسمبر/كانون أول 1966، بحيث تنص المادة 2 فقرة 1 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (تقابلها المادة 2 فقرة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية الاجتماعية والثقافية): ” تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها، دون أي تمييز بسبب .. الجنس..”.
أما في سنة 1979، فلقد تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والتي تعتبر باكورة أعمال لجنة حقوق الإنسان بحيث أصبحت أهم وثيقة دولية تحمي النساء وتكرس لهن كافة حقوقهن في كل المجالات.
وعلى مستوى منظمة العمل الدولية، فمن جملة 162 اتفاقية صادرة عن هذه المنظمة، هناك 12 اتفاقية تتعلق بالمرأة بصفة رئيسية أو ثانوية، ستة منها تهدف إلى تكريس مبدأ المساواة والقضاء على أشكال التمييز في الشغل، وهي:
الاتفاقية رقم 19 بشأن المساواة في المعاملات (حوادث الشغل) الصادرة سنة 1925؛
الاتفاقية رقم 10 بشأن المساواة في الأجور الصادرة سنة 1951؛
الاتفاقية رقم 111 حول التمييز في مجال الاستخدام والمهنة الصادرة سنة 1958؛
الاتفاقية رقم 118 بشأن المساواة في المعاملات (الضمان الاجتماعي) الصادرة سنة 1962؛
الاتفاقية رقم 151 بشأن العلاقات المهنية في الوظيفة العمومية الصادرة سنة 1978؛
الاتفاقية رقم 156 بشأن إتاحة الفرصة والمعاملة المتساوية للعمال من الرجال والنساء من ذوي المسؤولية العائلية الصادرة سنة 1981.
1.ب/ تعريف المساواة بين الجنسين:
عرفت اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 111 حول التمييز في مجال الاستخدام والمهنة الصادرة سنة 1958، التمييز في المادة الأولى منها على أنه: ” يشمل كل تفرقة، إقصاء أو تفضيل على أساس الجنس تكون من بين أثاره إحباط أو توهين المساواة في الفرص أو المعاملة في مجال العمل والتوظيف.”
أما المادة الأولى من اتفاقية منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم “اليونسكو” لسنة 1960، والمتعلقة بحظر التمييز في مجال التعليم، فلقد أعطت للتميز نفس التعريف بإضافة عبارة “إذلال” بحيث تنص على أنه: ” يشمل كل تفرقة، إقصاء، إذلال أو تفضيل على أساس (..) الجنس، ويكون موضوعه أو من بين أثاره إحباط أو توهين المساواة في المعاملة في مجال التعليم..”.
أما اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة فلقد أعطت تعريفا أشمل للتمييز بحيث تنص المادة الأولى منها: ” يعنى مصطلح “التمييز ضد المرأة” أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس ويكون من آثاره أو أغراضه، توهين أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر، أو توهين أو إحباط تمتعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها، بصرف النظر عن حالتها الزوجية وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل.
انطلاقا من هذه المواد، فإن تحقيق المساواة بين النساء والرجال مرهونا بالقضاء على كل أشكال التمييز ضد النساء، فالمساواة مرتبطة إلى حد بعيد بالالتزام بالقضاء على التمييز ضد النساء في كافة أشكاله وفي جميع المجالات.
وعلى هذا الأساس، يمكن تعريف المساواة بين الجنسين على أنها اعتراف للنساء بكافة الحقوق والحريات الأساسية التي يتمتع بها الرجال في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر، وكذا الاعتراف لهن بالحق في ممارسة هذه الحقوق مثلهن مثل الرجال.
وتستوجب المساواة بين النساء والرجال معاملة النساء بنفس الأسلوب الذي يعامل به الرجال من دون أي تمييز، لأن المساواة بين الجنسين تستوجب النظر إلى النساء كأفراد في المجتمع يتمتعن بكرامة متأصلة فيهن.
ووفقا لديباجة اتفاقية المرأة فقرة 7، فإن ” التمييز ضد المرأة يشكل انتهاكا لمبدأي المساواة في الحقوق واحترام كرامة الإنسان، ويعد عقبة أمام مشاركة المرأة، على قدم المساواة مع الرجل، في حياة بلدهما السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ويعوق نمو رخاء المجتمع والأسرة، ويزيد من صعوبة التنمية الكاملة لإمكانات المرأة في خدمة بلدها والبشرية”.
فالتمييز ضد النساء يؤدي إلى التحيز الاجتماعي والثقافي وكذا حرمان المرأة من حقوقها الإنسانية الأساسية، بما فيها حقوقها في الحماية القانونية والمساواة في المعاملة في العمل والتعليم وحرية التنقل والتعبير. كذلك يمنع المرأة من تحقيق استقلالها الاقتصادي. [3]
لذا أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة على ضرورة تنشئة الشباب بروح السلام والعدالة والحرية، والفهم والاحترام المتبادل، من أجل: ” تعزيز الحقوق المتساوية لكل الكائنات البشرية ولكل الأمم”.[4] كما كان الشعار الرسمي للذكرى الخمسين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو: “كل حقوق الإنسان للجميع”.[5]
ومن جهة أخرى، اعتبر إعلان مؤتمر قمة الأمم المتحدة للألفية في سبتمبر 2000، المساواة بين الجنسين حق من حقوق الإنسان الأساسية، وهي في بالغة الأهمية في محاربة الفقر والجوع والأمراض، وكركائز للتنمية المستدامة الحقيقية. [6]
2. وسائل تحقيق المساواة بين النساء والرجال:
بمجرد انضمام الدول إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ينشأ الالتزام بالقضاء على التمييز ضد النساء، لذا سنخصص الفقرة التالية لدراسة هذا الالتزام مبينين طبيعة الإجراءات التي يجب أن تتخذها هذه الدول.
2.أ/ الالتزام بالقضاء على التمييز ضد النساء:
تشكل النساء نصف البشرية، فلا يمكن التعدي على حقوق نصف البشرية وتعريضها للتميز، لأن قضية المرأة هي قضية البشرية بأسرها[7]، من هنا تتجلى أهمية الكفاح من أجل تحقيق المساواة بين النساء والرجال والقضاء على التمييز ضدهن في كافة المجالات، لكي لا يكون مستقبلنا حسب البعض امتدادا للتخلف.[8]
إن مبدأ عدم التمييز في التمتع بحقوق الإنسان، وخاصة المساواة في الحقوق بين الرجال والنساء، يشكل مبدأ أساسياً في القانون الدولي لحقوق الإنسان ويرد في المجموعة الكاملة للقانون والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
ولقد نشأ الالتزام بالقضاء على التمييز ضد النساء بمجرد اعتراف المجتمع الدولي للنساء بالحق في المساواة في التمتع بالحقوق والحريات الأساسية وكذا ممارستها.
وفي هذا المعنى، تعتبر المادة 55 والمادة 56 من ميثاق الأمم المتحدة، بأن الدول الأطراف في الأمم المتحدة قد قبلت بالالتزام المعنوي والقانوني بتصحيح التمييز بين النساء والرجال في المجالات التي لا تتوفر فيها المساواة بينهم. فتنص المادة 55 على أنه: ” رغبة في تهيئة دواعي الاستقرار والرفاهية الضروريين لقيام علاقات سلمية وودية بين الأمم مؤسسة على احترام المبدأ الذي يقضي للشعوب بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، تعمل الأمم المتحدة على:
ج) أن يشبع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء. ومراعاة تلك الحقوق والحريات”.
وتنص المادة 56 على أنه: ” يتعهد جميع الأعضاء بأن يقوموا منفردين أو مشتركين بما يجب عليهم من عمل بالتعاون مع الهيئة لإدراك المقاصد المنصوص عليها في المادة الخامسة والخمسين”.
ومعنى هذا النص جد واضح حسب الدكتور أحمد أبو الوفاء، إذ هو يتضمن التزامات قانونية جازمة من أجل احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. دليل ذلك الألفاظ التي استخدمها. مثل “يتعهد” ” أن يقوموا منفردين أو مشتركين بما يجب عليهم من عمل”، ” لإدراك المقاصد المنصوص عليها في المادة الخامسة والخمسين “.[9]
ووفقا للمادة الثانية فقرة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: “تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد، إذا كانت تدابيرها التشريعية أو غير التشريعية القائمة لا تكفل فعلا إعمال الحقوق المعترف بها في هذا العهد، بأن تتخذ، طبقا لإجراءاتها الدستورية ولأحكام هذا العهد، ما يكون ضروريا لهذا الإعمال من تدابير تشريعية أو غير تشريعية.
واستنادا لهاتين الوثيقتين الدوليتين فإن الدول الأطراف فيهما قد تعهدت وقبلت بالالتزام المعنوي باتخاذ تدابير تشريعية أو غير تشريعية تكفل تحقيق المساواة بين النساء والرجال أو تصحح التمييز القائم بينهم في المجالات التي لا تتوفر فيها المساواة بينهم بمجرد الانضمام إلى هاتين الوثيقتين الدوليتين.
كما يرد هذا المبدأ في كل صك دولي وإقليمي رئيسي آخر من صكوك حقوق الإنسان[10]، وينطبق على جميع الظروف دون استثناء لأنه جوهري جداً لدرجة أنه يشكل أحد الحقوق التي لا يمكن إلغاؤها (الانتقاص منها) تحت أي ظرف من الظروف المنصوص عليها في المادة 4(1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص:
” في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تتهدد حياة الأمة، والمعلن قيامها رسميا، يجوز للدول الأطراف في هذا العهد أن تتخذ، في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع، تدابير لا تتقيد بالالتزامات المترتبة عليها بمقتضى هذا العهد، شريطة عدم منافاة هذه التدابير للالتزامات الأخرى المترتبة عليها بمقتضى القانون الدولي وعدم انطوائها على تمييز يكون مبرره (لاسيما) الجنس.”
أما اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، فإنها ترتكز بصورة محددة على القضاء على التمييز ضد النساء، إلا أن طريقة نصها على هذا الالتزام كان أقل حدة مقارنة مع ميثاق الأمم المتحدة والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية اللذان استعملا على التوالي عبارة “الالتزام المعنوي والقانوني” و” التعهد “.
فتنص المادة الثانية من اتفاقية المرأة : ” تشجب الدول الأطراف جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وتتفق على أن تنتهج، بكل الوسائل المناسبة ودون إبطاء، سياسة تستهدف القضاء على التمييز ضد المرأة. “
لكن بالرجوع إلى المادة 24 من نفس الاتفاقية، نجد بأن الدول الأطراف فيها قد تعهدت باتخاذ جميع التدابير اللازمة لتطبيق الحقوق المعترف بها في هذه الاتفاقية بحيث تنص: ” تتعهد الدول الأطراف باتخاذ جميع ما يلزم من تدابير على الصعيد الوطني تستهدف تحقيق الإعمال الكامل للحقوق المعترف بها في هذه الاتفاقية.
وفي العموم، تعكس المادة 2 حقيقة أنه يُقصد بالتصديق على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ضمان الحقوق التي تكفلها الاتفاقية لجميع من هم ضمن ولاية الدولة الطرف.[11]
ويؤكد إعلان وبرنامج عمل بكين للعام 1995 “ما لم يُعترف على نحو تام بالحقوق الإنسانية للمرأة، كما حددتها الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، خاصة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وتتم حمايتها وتطبيقها وتنفيذها وإنفاذها على نحو فعال فإن هذه الحقوق ستظل حبراً على ورق.” [12]
وفي مؤتمر قمة الأمم المتحدة للألفية في سبتمبر 2000، تعهد زعماء دول العالم من بينهم زعماء أغلبية الدول العربية، على بذل الجهد لتحقيق محليا وفي كل البلدان الأعضاء في الأمم المتحدة، بقدوم العام 2015، طائفة من الغايات والأهداف الإنمائية للألفية من بينها القضاء على التمييز ضد المرأة. [13]
وعلى هذا الأساس أصبح الالتزام بالقضاء على التمييز ضد النساء بالنسبة للدول الأطراف في اتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة، لاسيما الدول العربية، التزاما اتفاقي، كونه ناتج عن هذه الاتفاقية من جهة، وتعهدا محددا زمنيا يجب الوفاء به بحلول عام 2015 بموجب مؤتمر قمة الأمم المتحدة للألفية.
2.ب/ إجراءات القضاء على التمييز ضد المرأة:
إذا كانت الحماية الدولية لحقوق الإنسان أمرا ضروريا، فانه مما لا جدال فيه أن فاعليتها تتوقف – في نهاية المطاف- على الإجراءات التي تتخذها كل دولة على الصعيد الداخلي، ومن الناحية الواقعية، للوفاء بالتزاماتها.
يعتبر التشريع من أهم المؤشرات لقياس مدى التقدم في تحقيق المساواة بين الجنسين أم لا، خاصة وأنه لا يمكن تطبيق الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان مباشرة على إقليم الدول الأطراف فيها في الكثير من الحالات وفي أغلبية الأنظمة القانونية الدولية.
وعلى هذا الأساس تبرز ضرورة اتخاذ الدول الأطراف في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، بعض الإجراءات التشريعية من أجل النص في قوانينها الداخلية على الالتزامات المنصوص عليها في هذه الاتفاقيات.[14]
وفيما يخص اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، فقد ذكرت مجموعة من الإجراءات يجب أن تتخذها الدول الأطراف فيها من أجل القضاء على التمييز ضد المرأة.
وفي هذا الإطار تنص المادة الثانية منها: ” تشجب الدول الأطراف جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وتتفق على أن تنتهج، بكل الوسائل المناسبة ودون إبطاء، سياسة تستهدف القضاء على التمييز ضد المرأة، وتحقيقا لذلك تتعهد بالقيام بما يلي:
(أ) إدماج مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في دساتيرها الوطنية أو تشريعاتها المناسبة الأخرى، إذا لم يكن هذا المبدأ قد أدمج فيها حتى الآن، وكفالة التحقيق العملي لهذا المبدأ من خلال التشريع وغيره من الوسائل المناسبة،
(ب) اتخاذ المناسب من التدابير، تشريعية وغير تشريعية، بما في ذلك ما يناسب من جزاءات، لحظر كل تمييز ضد المرأة،
(ج) فرض حماية قانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل، وضمان الحماية الفعالة للمرأة، عن طريق المحاكم ذات الاختصاص والمؤسسات العامة الأخرى في البلد، من أي عمل تمييزي،
(د) الامتناع عن مباشرة أي عمل تمييزي أو ممارسة تمييزية ضد المرأة، وكفالة تصرف السلطات والمؤسسات العامة بما يتفق وهذا الالتزام؛
(هـ) اتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة من جانب أي شخص أو منظمة أو مؤسسة،
(و) اتخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريعي منها، لتغيير أو إبطال القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزا ضد المرأة،
(ي) إلغاء جميع الأحكام الجزائية الوطنية التي تشكل تمييزا ضد المرأة.
وفي هذا المعنى، ورد في الحصيلة النهائية للمؤتمر العالمي لحقوق الإنسان بفيينا، الجزء الثالث: ” يحث المؤتمر العالمي الحكومات على أن تدرج في قوانينها المحلية المعايير الواردة في الصكوك الدولية لحقوق الإنسان وعلى أن تعزز الهياكل والمؤسسات الوطنية وأجهزة المجتمع التي تلعب دورا في تعزيز وحماية حقوق الإنسان.”
انطلاقا مما سبق، فإنه يقع على عاتق الدول الأطراف في اتفاقية المرأة اتخاذ مجموعة من التدابير بعضها تشريعية والبعض الأخر غير تشريعية.
فيما يخص التدابير التشريعية فهي تتمثل في إدماج مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في كل التشريعات الوطنية لاسيما أسمى وثيقة قانونية في الدولة، أي الدستور لما تكون نصوصه غير متطابقة مع الاتفاقية أو ناقصة كعدم تضمنه على نص قانوني صريح يضمن المساواة على أساس الجنس.
كما تشمل هذه الإجراءات إلغاء جميع الأحكام الجزائية الوطنية التمييزية وتغيير أو إبطال القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزا ضد المرأة، أبعد من ذلك على الدول الأطراف في هذه الاتفاقية تقرير جزاءات على كل من يخرق هذا المبدأ.
أما فيما يخص التدابير غير التشريعية فهي تتمثل في كفالة التحقيق العملي لمبدأ المساواة بين النساء والرجال، وضمان تصرف السلطات والمؤسسات العامة بما يتفق وهذا الالتزام.
كما يستدعي لتحقيق ذلك، تأمين حماية قانونية وفعالة للمرأة عن طريق المحاكم، من خلال إصلاح نظام العدالة والنظام القضائي لكي تفتح أمامها إمكانية الحصول على حقوقها.[15]
وفي هذا المعنى يقول الدكتور أحمد أبو الوفاء ” لا جرم أن احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية يجب أن يتم ليس فقط من الناحية القانونية وإنما أيضا من الناحية الواقعية والفعلية. ذلك أن حقوق الإنسان هي في نفس الوقت، أمر مقدس في ذاته يجب مراعاته دائما، وهي أمر نافع يجب عدم المساس به أبدا. كما أن الإنسان يجب ألا يضطهده غيره، وإنما يجب إلى حد ما أن يكون متحررا من سلطة الآخرين. الأمر الذي يعني أن الإنسان يجب أن يكون موضوع اهتمام لا يعرف التوقف وأولوية أسمى لا تعرف الكلل، ولا يشوبها أدنى ملل.”[16]
أبعد من ذلك، يجب التأكيد على أن التمييز بالنسبة لاتفاقية المرأة لا يقتصر على أعمال من الحكومات أو باسمها، فالمادة 2 في فقرتها (هـ) من هذه الاتفاقية تطالب الدول الأطراف باتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة من جانب أي شخص أو منظمة أو مؤسسة.
وحسب منظمة العفو الدولية، فإنه بموجب القانون الدولي العام واتفاقيات معينة لحقوق الإنسان، من بينها اتفاقية المرأة، يمكن مساءلة الدول عن الأعمال الخاصة أيضاً إذا لم تتصرف بالجدية الواجبة لمنع انتهاكات الحقوق أو لاستقصاء ومعاقبة جرائم العنف وتقديم تعويض. [17]
وتضيف المادة 4 من هذه الاتفاقية بأنه ” لا يعتبر اتخاذ الدول الأطراف تدابير خاصة مؤقتة تستهدف التعجيل بالمساواة الفعلية بين الرجل والمرأة تمييزا بالمعنى الذي تأخذ به هذه الاتفاقية، ولكنه يجب ألا يستتبع، على أي نحو، الإبقاء على معايير غير متكافئة أو منفصلة، كما يجب وقف العمل بهذه التدابير متى تحققت أهداف التكافؤ في الفرص والمعاملة، كما لا يعتبر اتخاذ الدول الأطراف تدابير خاصة تستهدف حماية الأمومة، بما في ذلك تلك التدابير الواردة في هذه الاتفاقية، إجراء تمييزيا.”
يستخلص من هذه المادة ولو ضمنيا بأن عدم التمييز والمساواة بين النساء والرجال لا تحقق العدل بالضرورة ، لذا تسمح هذه الاتفاقية في حالات محددة، للدول الأطراف فيها باتخاذ تدابير خاصة تستهدف التعجيل بالمساواة الفعلية بين الرجل والمرأة، على أن تكون هذه التدابير مؤقتة بحيث يجب وقف العمل بها بمجرد تحقق أهداف التكافؤ في الفرص والمعاملة بين النساء والرجال.
وفي تفسير اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة لهذه المادة، لاحظت بأن: “وضع النساء لن يتحسن طالما لم يتم التصدي الفعال للأسباب الكامنة وراء التمييز ضد المرأة، وعدم مساواتها بالرجل. ويجب النظر إلى حياة النساء والرجال بطريقة قرينية، واتخاذ تدابير لتحقيق تحول حقيقي في الفرص والمؤسسات والأنظمة، بحيث لا تعود قائمة على نماذج سلطوية وأنماط حياتية حددها الذكور عبر التاريخ”.[18]
أما المادة 5 من هذه الاتفاقية فإنها توضح الأهداف المتوخاة من خلال اتخاذ هذه التدابير والمتمثلة في تحقيق ما يلي:
(أ) تغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة، بهدف تحقيق القضاء على التحيز والعادات العرفية وكل الممارسات الأخرى القائمة على الاعتقاد بكون أي من الجنسين أدنى أو أعلى من الآخر، أو على أدوار نمطية للرجل والمرأة،
(ب) كفالة تضمين التربية العائلية فهما سليما للأمومة بوصفها وظيفة اجتماعية، الاعتراف بكون تنشئة الأطفال وتربيتهم مسؤولية مشتركة بين الأبوين على أن يكون مفهوما أن مصلحة الأطفال هي الاعتبار الأساسي في جميع الحالات.
ومن أجل دراسة التقدم الذي أحرزته الدول الأطراف في هذه الاتفاقية فيما يخص القضاء على التمييز ضد المرأة، أنشئت لجنة مراقبة تنفيذ هذه الاتفاقية، وهي لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة.[19]
ووفقا للمادة 18 من هذه الاتفاقية، تتعهد الدول الأطراف فيها بالتقديم لهذه اللجنة تقارير عن التدابير المختلفة التي اتخذتها لإنفاذ أحكامها، وعن التقدم المحرز بهذا الصدد، وذلك في غضون سنة من بدء نفاذ الاتفاقية بالنسبة للدولة المعنية وكذلك كل أربع سنوات، وكلما طلبت اللجنة ذلك، وعلى الدولة أن توضح في تقاريرها العوامل والصعاب التي تؤثر على مدى الوفاء بالالتزامات المقررة في الاتفاقية. وتقوم اللجنة بفحص هذه التقارير وإعداد ملاحظاتها بهذا الخصوص.
3. مدى التزام الدول العربية بتحقيق المساواة بين الجنسين:
إن الالتزام بالقضاء على التمييز ضد المرأة من أجل تحقيق مساواة حقيقية بين كل من الرجال والنساء وفقا لما جاء في اتفاقية المرأة أو غيرها من الوثائق الدولية التي استعرضناها، خاصة منهاج عمل بيجين ثمرة المؤتمر الرابع حول النساء، هو مجرَد حبر على ورق إذا لم تلتزم به فعلا حكومات الدول، لاسيما العربية من خلال مراجعة قوانينها.
لم تقبل الكثير من الدول العربية الارتباط بنص المادة الثانية من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة نتيجة لما تحتوي عليه من التزام واضح وصارم بالقضاء على التمييز ضد المرأة بالوسائل التي سبق وأن بيناها، فتحفظت على هذه المادة كما سنرى:
3.أ/ تحفظ الدول العربية على الالتزام بالقضاء على التمييز ضد المرأة:
لقد تحفظ على المادة الثانية من اتفاقية المرأة كل من الجزائر ومصر والجماهيرية الليبية والمغرب وتونس والعراق وسوريا والبحرين.
ففيما يخص الجزائر فهي تقبل تطبيق ترتيبات هذه المادة بشرط أن لا تخالف بنود قانون الأحوال الشخصية الجزائري.
أما جمهورية مصر العربية فهي كذلك على استعداد لتنفيذ ما جاء بفقرات هذه المادة لكن بشرط ألا يتعارض ذلك مع الشريعة الإسلامية.
نفس الشيء بالنسبة للجماهيرية الليبية التي تشترط من أجل تطبيق هذه المادة الأخذ بالحسبان القواعد المبطلة المنصوص عليها من قبل الشريعة الإسلامية، فيما يخص الحصة التي يجب أن يتحصل عليها كل وارث من النساء أو الرجال من تركة الأشخاص المتوفون.
أما المغرب فلقد أصدر إعلانا يعتبر فيه نفسه “قابل تطبيق ترتيبات هذه المادة على شرط أن لا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية خاصة وأن بعض الترتيبات في قانون الأحوال الشخصية المغربي تعطي للنساء حقوقا مختلفة عن الحقوق الممنوحة للزوج، وهذه الحقوق لا يمكن مخالفتها أو تعديلها لأنها منبثقة من أحكام الشريعة الإسلامية التي من بين ما تسعى إليه تحقيق التوازن بين الأزواج من أجل الحفاظ وتقوية الروابط العائلية.”[20]
كما أعلنت تونس بأنها لن تتخذ وفقا لهذه الاتفاقية أي قرار إداري أو تشريعي مخالفا لمقتضيات الفصل الأول من الدستور التونسي. وبالرجوع إلى الدستور التونسي نجد المادة الأولى منه تنص على أن “..الإسلام دين الدولة”، فمن هذا المنطلق فإن تحفظ تونس على هذه المادة مثل تحفظات الدول التي سبقتها، مرتبط بأحكام الشريعة الإسلامية.
أما العراق، فإنه لا يعتبر نفسه مرتبط بالفقرة (و)و(ي) فقط من هذه المادة، أي غير مرتبط بالالتزام باتخاذ تدابير لتغيير أو إبطال القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزا ضد المرأة، وكذا إلغاء جميع الأحكام الجزائية الوطنية التي تشكل تمييزا ضدها، من دون أن يربط ذلك بالشريعة الإسلامية أو بقانونه الداخلي كما فعلت الدول العربية الأخرى.
نفس الشيء بالنسبة لسوريا بحيث تحفظت على كل فقرات هذه المادة من دون إعطاء مبرر أو توضيح لذلك.
وأخيرا البحرين الذي هو الآخر يقبل تطبيق هذه المادة في الحدود المنصوص عليها من قبل الشريعة الإسلامية.
نستخلص من هذه التحفظات بأن الدول العربية ترفض بصفة عامة تعميم الالتزام بتحقيق المساواة بين النساء والرجال على كافة المجالات، فمنذ انعقاد المؤتمرات الدولية حول حقوق الإنسان، لاسيما مؤتمر القاهرة للسكان والتنمية لسنة 1994، اتحدت مع باقي الدول الإسلامية من أجل إيجاد بديل لمبدأ المساواة بين الجنسين ولقد توصلوا إلى تغييره بمبدأ الإنصاف بين الجنسين، فهل هذا ممكن؟
3.ب/ الإنصاف كبديل لمبدأ المساواة بين الجنسين:
يرى البعض في الإنصاف الطريقة المثلى لتحقيق العدالة، أبعد من ذلك فهم يعتبرونه العدل بحد ذاته خاصة وأنه يطبق العدالة حسب الحالات ومعطيات محددة يجنبنا تطبيق القوانين بطريقة مجردة وعامة لأنه يعتمد على السلطة التقديرية.
وعلى هذا الأساس فإن النساء في الدول العربية حسب أنصار هذا الرأي، لسن في وضعية المساواة ولكن هن في منظور النظام القانوني السائد، في وضعية إنصاف. [21]
وخلال المؤتمر الدولي الرابع للمرأة ببيجين سنة 1995، أوضح وفد إيراني بأنه رغم تساوي النساء مع الرجال فيما يخص الحقوق الأساسية وفي الكرامة، تبقى مسؤولياتهم وأدوارهم مختلفة وهذا يستلزم إيجاد نظام يحقق للنساء الإنصاف ويأخذ في الحسبان أولويات واحتياجات النساء الخاصة.
واستجابة لمطالب الدول العربية الإسلامية، نص إعلان المؤتمر الدولي الرابع حول النساء في الفقرة 38 : ” تلتزم حكومات الدول المشتركة في هذا المؤتمر بإقرار هذا البرنامج العمل وترجمته على أرض الواقع آخذين بالحسبان الإنصاف بين الجنسين..”.
وتضيف الفقرة 195(د): “على الحكومات والمؤسسات العمومية والقطاعات الخاصة، الأحزاب السياسية والنقابات والمؤسسات الخيرية والأجهزة الإقليمية وتحت الإقليمية والمنظمات غير الحكومية والدولية والمؤسسات التعليمية…منح النساء والرجال تكوين يعني بالإنصاف بين الجنسين من أجل ترقية علاقات العمل التمييزية واحترام الاختلافات التي قد توجد في طريقة العمل أو الإدارة.”[22]
ولكن في المقابل يقول أنصار المساواة بأن الإنصاف بمثابة معرقل لتحقيق المساواة بين الجنسين، ورغم تقبله والنص عليه مؤخرا في المؤتمرات الدولية لحقوق الإنسان، فإنه يمس بأسس ومبادئ حقوق الإنسان، لاسيما مبدأ عدم المساس وعدم التصرف وعدم قابلية حقوق الإنسان للتجزئة.[23]
أبعد من ذلك، فهم يعتبرون الإنصاف لا يحقق العدل بالضرورة لأنه يرتكز على معطيات غير قانونية، ويؤدي هذا حسب اعتقادهم إلى معاملة تمييزية غير متساوية من جهة، ومن جهة أخرى تعتبر المساواة قطعية وقانونية وهي منظمة ومحددة من قبل المشرع وفقا لمعايير مجردة.[24]
ومن هذا المنطلق، فإن قاعدة الإنصاف حتى ولو كانت مجردة من كل اعتبارات تمييزية وتريد الضمان للنساء كافة حقوقهن. فإنها بمجرد عموميتها وعدم النص عليها في قواعد قانونية محددة يترك مجالا واسعا للسلطة التقديرية وبالتالي للتمييز ضد المرأة.
كما يعتبر أنصار المساواة بأن تحقيق العدالة عن طريق الإنصاف أمرا نسبيا لأن مفهوم العدل مرتبط بقيم الجماعة وبخصوصياته الثقافية والحضارية، بحيث إذا منحنا النساء حقوقهن على أساس مبدأ الإنصاف فإنهن سيحرمن من الكثير من الحقوق التي لا تعترف لهن بها التقاليد والعادات والثقافة التي يعشن فيها.
وعلى هذا الأساس يعتبر هذا الفريق الإنصاف بأنه وسيلة بيد الدول التي لها تقاليد وثقافات تمييزية وتعتبر نفسها متميزة دينيا، لتبرر عدم منح النساء حقوقهن وتكون بذلك قد مست بمبادئ عالمية حقوق الإنسان.
وحسب منظمة هيومن رايتس ووتش التي تناضل ضد تجريد المرأة من آدميتها وتهميشها؛ فإن:” تعزيز المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والكرامة الإنسانية، وكذا السعي لإحقاق حقوق المرأة، هو نضال عالمي يستند إلى حقوق الإنسان وسيادة القانون، ويقتضي منا جميعاً التكاتف والتضامن للتخلص من التقاليد والأعراف والممارسات والقوانين المضرة بالمرأة والمجحفة بحقوقها؛ وهو كفاح من أجل حرية المرأة كي تتمتع بكامل حقوقها الإنسانية ومساواتها مع الرجل دون اعتذار أو استئذان. وهذا النضال من أجل الحقوق الإنسانية للمرأة يجب أن يدور محوره أساساً حول التأكيد على أهمية حياة المرأة في كل مكان وزمان، ومؤدى هذا في الواقع الفعلي هو التحرك من أجل وضع حد للتمييز والعنف الذي تقاسيه المرأة.[25]
وحسب اعتقادنا، لا تحقق المساواة بين النساء والرجال في بعض الحالات العدل بالضرورة، نظرا للاختلاف القائم بين النساء والرجال في أمور كثيرة راجعة أغلبيتها لطبيعة كل واحد منهما، وكما رأينا لقد اعترفت المادة 4 من اتفاقية المرأة بهذه الحقيقة ولو ضمنيا.
ومن أجل هذا أضم صوتي إلى صوت هذا الفريق لا من أجل المطالبة بتطبيق مبدأ المساواة بحذافيره، وإنما لطلب تحديد وتوضيح القواعد القانونية التي تكفل للنساء حقوقهن في الدول العربية، من دون الاستدلال بالثقافات والتقاليد المحلية لتجنيب النساء من الوقوع في التمييز ضدهن.
3. الإجراءات التي اتخذتها الدول العربية من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين:
لقد امتثلت العديد من الدول للالتزام بالقضاء على التمييز ضد المرأة وقامت بتعديل قوانينها أو دساتيرها، بحيث أكثر من ثلثي دول العالم أغلبيتهم من دول أمريكا اللاتينية قامت بتعديل تشريعاتها بطريقة تتماشى مع أحكام الاتفاقية من أجل تحسين وصول النساء إلى الثروة، وللتعلم ولتلقي العناية الصحية اللائقة بهن، وكذا تقوية أدوارهن في إطار أسرهن.
ونأخذ كمثال على هذه الدول فرنسا التي عدلت دستورها بحيث أصبح يضمن للنساء حق الترشح لمناصب سياسية أو الجمهورية التشيكية التي وضعت قانونا للأحوال الشخصية يمنح النساء والرجال حقوقا وواجبات متساوية في إطار الأسرة.
ومع هذا تجد بعض الدول الأوروبية لم تنص دساتيرها صراحة على مبدأ المساواة بين النساء والرجال مثل الدانمرك فلندا والليكسنبورغ[26]، فماذا عن التزام الدول العربية بتحقيق المساواة بين النساء والرجال خاصة وأن تحفظت أغلبيتها على المادة الثانية من اتفاقية المرأة؟
تتباين مكانة المرأة في الدول العربية تباينا واسعا من مجتمع إلى آخر. وخلال العقد الماضي نفذت معظم الدول العربية إصلاحات خاصة تتعلق بحقوق المرأة، وأظهرت حساسية متزايدة إزاء قضايا المساواة بين الرجال والنساء.
ولقد ساهم انتقال السلطة إلى جيل جديد من القادة في عدة نظم ملكية عربية في التأكيد على حقوق المرأة في هذه الدول. فقد وصلت في السنوات القليلة الماضية أجيال جديدة إلى الحكم في البحرين والأردن والمغرب وعمان وقطر وسوريا والإمارات، وأظهرت التزاما بحقوق المرأة وبإصلاح القوانين والتشريعات.[27]
ورغم تحفظ أغلبية الدول العربية على المادة 2 من اتفاقية المرأة فإن أكثرية الدساتير العربية تضمن مبدأ المساواة أمام القانون بلغة واضحة تقضي بأن كل “الناس” أو “المواطنين” سواسية أمام القانون.[28]
أضف إلى ذلك، هناك حركة تعديلات خجولة ومتفرقة تقوم بها هذه الدول من وقت إلى آخر، يمكن التوسع فيها في النقطة التالية في حدود المعطيات التي تمكنا من الحصول عليها، مقسمين الدول العربية حسب موقعهم الجغرافي خاصة وأن طريقة تطبيق واحترام حقوق المرأة في الدول العربية تختلف من منطقة إلى أخرى.
تحقيق المساواة بين الجنسين في دول شمال إفريقيا:
وسوف ندرس تحت هذا العنوان الإجراءات التي اتخذتها كل من الجزائر، مصر الجماهيرية الليبية، المغرب وتونس من أجل القضاء على التمييز ضد المرأة:
تحقيق المساواة بين الجنسين في الجزائر: [29]
فيما يخص الجزائر ووفقا لتقريرها الدوري الثاني للجنة المعنية بحقوق الإنسان[30]، فإنها قد ألغت القوانين التمييزية ضد النساء بمجرد حصولها على استقلالها. وتنص المادة 29 من الدستور الحالي على أن كل المواطنين متساوين في الحقوق والواجبات والقوانين تحميهم بنفس القدر.
كما أن القوانين المدنية الجنائية والإدارية والقانون التجاري متطابقين مع الدستور ومحترمين لمبدأ المساواة بين الجنسين.
وحسب هذا التقرير دائما، اتخذت الجزائر عدة تدابير تشريعية لاسيما بعد انعقاد المؤتمر العالمي الرابع حول النساء في بيجين، كما أحدثت عدة مناصب خاصة بالنساء وهيئات تهتم بوضعية النساء ومجلس وطني للنساء.
ومع هذا يعترف الممثل الرسمي أمام هذه اللجنة بأن المساواة بين النساء والرجال غير مطبقة ومحترمة على أرض الواقع وهذا راجع بالدرجة الأولى إلى العادات والتقاليد.
تحقيق المساواة بين الجنسين في مصر:
تنص المادة 40 من الدستور المصري: ” المواطنون لدى القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس..”
وعلى صعيد العمل التشريعي، ساهم انضمام مصر لاتفاقية المرأة إلى مبادرة المشرع المصري بإصدار التشريعات المواءمة لها سواء بتعديل التشريعات السارية أو استحداث تشريعات جديدة، ولقد تم ذلك سواء بالمراحل السابقة على التصديق على الاتفاقية من جانب مصر وفى أحوال أخرى بعد التصديق عليها.
فقد قام المشرع المصري بتعديل العديد من التشريعات لتوأم مع هذه الاتفاقية منها على سبيل المثال التعديلات الحاصلة بقانون الأحزاب السياسية والانتخاب والعقوبات والطوارئ والقوانين المتعلقة بالأحوال المدنية والعمل والعاملين المدنيين بالدولة. [31]
وحسب البعض لقد حصلت المرأة داخل المجتمع المصري على كثير من الحقوق حتى وصل الحال إلى أن نسمع بعض الرجال ينادون بمساواة الرجل بالمرأة، لكن على أرض الواقع خاصة فيما يتعلق بكيفية ممارسة هذه الحقوق فإن المرأة المصرية تعاني من تمييز ضدها.[32]
وفي هذا الإطار اعترفت ممثلة مصر أمام اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد النساء، بأنه في بعض الحالات يكون من الصعب بما كان تطبيق القوانين المصرية، التي تكرس المساواة بين النساء والرجال نظرا لبعض التقاليد التي لازالت متمسكة بها بعض القرى والمدن في مصر مثل الصعيد.[33]
وعلى هذا الأساس طلبت هذه اللجنة من مصر وضع برامج توعية موجهة إلى كافة فئات المجتمع لاسيما الرجال واتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل تغيير التصرفات والاعتقادات المبنية على اعتبارات تمييز بين الجنسين، لاسيما عن دور ومسؤوليات الرجال والنساء من خلال أولا تغيير النظرة إلى النساء عن طريق وسائل الإعلام كمرحلة مبدئية. [34]
تحقيق المساواة بين الجنسين في الجماهيرية الليبية:
يكرس الدستور والميثاق الأخضر الليبي مبدأ المساواة بين الجنسين بصريح العبارة ، كما أن القوانين الليبية تحمي حقوق كل الليبيين من دون تمييز بين النساء والرجال في مجال التعليم، الصحة الحياة الاجتماعية الثقافية والمهنية والسياسية، أبعد من ذلك فهي تضمن إجراءات لتطبيق وضمان هذه الحقوق.
ولقد شهدت القوانين الليبية في المرحلة ما بعد 1970 موجة من التعديلات والإصلاحات من أجل الحد من التمييز ضد النساء في مجال العمل وفي إطار الحقوق الاجتماعية الأساسية، كما ألغيت كل القوانين التمييزية، ومع هذا تبقى هناك بعض التمييز في مجالات محددة خاصة في إطار الأسرة.[35]
ومن هذا المنطلق اعتبرت المحكمة العليا الليبية مبدأ المساواة بين الجنسين مبدءا أساسيا ودستوريا وسمحت للنساء اللواتي يتعرضن إلى تمييز من أي نوع برفع دعاوى أمام المحاكم.[36]
ولقد شجعت لجنة القضاء على التمييز ضد النساء الجماهيرية الليبية على الإجراءات القانونية التي اتخذتها من أجل دمج المرأة الليبية في كل مجالات التنمية لاسيما التربية وقوات الجيش.[37]
ووفقا لممثل الجماهيرية الليبية أمام لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة، فإنه لا يجب اعتبار كل تفرقة أو تمييز بين أدوار الرجال والنساء من الناحية الموضوعية تمييزا ضد النساء، كما أنه يرفض التفسير الحرفي لاتفاقية المرأة. ومن هذا المنطلق يبرر تحفظات الدول الإسلامية على المادة 2 من هذه الاتفاقية.[38]
تحقيق المساواة بين الجنسين في المغرب: [39]
يكرس الدستور المغربي مبدأ المساواة بصفة عامة من دون الإشارة بصريح العبارة إلى المساواة على أساس الجنس بحيث تنص المادة 5 من الدستور المغربي: “جميع المغاربة سواء أمام القانون”.
أما في المجال السياسي فتنص المادة 8 من هذا الدستور على أن ” الرجل والمرأة متساويان في التمتع بالحقوق السياسية” وهذا هو النص الدستوري الوحيد المتعلق بحظر التمييز بين الجنسين.
كما تنص المادة 13 من الدستور المغربي على أن “التربية والشغل حق للمواطنين على السواء”، وفي هذا الإطار لا يتضمن تشريع العمل المغربي أي حكم يجيز أي شكل من أشكال التمييز بين الرجل والمرأة بحيث يتمتع جميع العاملين على قدم المساواة بنفس الحقوق، خاصة وأن المغرب قد انظم إلى اتفاقيتي منظمة العمل الدولية رقم 100 و111 المتعلقتين على التوالي بالمساواة في الأجور وعدم التمييز في الاستخدام والمهن.
وعلى هذا الأساس، عدل قانون العمل المغربي مؤخرا، بحيث أصبح يحظر ممارسة التمييز بسبب الجنس بين العمال لأنه منافيا لمبدأ تكافؤ فرص العمل وممارسة المهن، فتنص المادة 8 منه: “يحظر التمييز في حق العمال على أساس … الجنس.. مما قد يكون من شأنه إلغاء المساواة في الفرص أو إساءة المعاملة في مجال العمالة أو المهنة، خاصة فيما يتعلق بالتوظيف أو تسيير العمل أو توزيعه والتدريب المهني والأجور والترقية …”
ولتطبيق هذه المساواة أنشئت هيئة تفتيش العمل المعنية برصد تطبيق أحكام قانون العمل، وهذه الرقابة منوطة أيضا بضباط الشرطة القضائية.
ومنذ انضمام المغرب إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في يونيه/حزيران 1993 انتهجت المغرب سياسة تقضي على التمييز ضد المرأة. وفي نفس السنة أنشأت وزارة خاصة بحقوق الإنسان، تشكل وضعية المرأة أحد شواغلها الرئيسية.
ولقد عقدت هذه الوزارة منذ إنشائها عدة اجتماعات عمل مع المنظمات النسائية، ووضعت على إثرها إستراتجية عمل ترمي إلى تعزيز حقوق المرأة في جميع الميادين، بالتعاون مع الإدارات الوزارية المعنية.
كما كانت قضايا المرأة فيما مضى تعتبر قضايا اجتماعية، لكن النهج الحالي يفضل ربط وضع المرأة بحقوق الإنسان.
وتشكل المساواة بين الرجل والمرأة حسب التقرير الدوري الرابع للمغرب إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، أحد الأهداف الكبرى للمغرب، ويجب أن تكون الإجراءات الملائمة لتحقيقها قائمة على مبادئ الشريعة السلامية والصكوك الدولية التي صدق عليها المغرب. [40]
تحقيق المساواة بين الجنسين في تونس:
لقد أدخلت تونس على تشريعاتها مند 1987 مجموعة من التعديلات لصالح النساء، فكان أول انجاز قامت به في هذا الاتجاه، هو قانون الأحوال الشخصية الذي نظم الأسرة من جديد على أساس المساواة القانونية.
ولقد كانت القوانين التونسية مند 1956 قد بدأت بتحضير الظروف الملائمة لتكريس المساواة الفعلية بين النساء والرجال على أرض الواقع في المجالات السياسية، الاقتصادية والاجتماعية.[41]
وتتصدر تونس جميع الدول العربية من حيث أنها أكثر دولة تقدمية في قضايا المرأة. وأدت الإصلاحات المتتابعة لقانون الأحوال الشخصية التونسي إلى تحقيق مساواة كاملة تقريبا بين الجنسين.
كما التزمت الحكومة التونسية بإدماج المرأة في التنمية البشرية من خلال الاهتمام بتحقيق المساواة بين الجنسين، وعلى الرغم من أنه ما يزال هناك مجال لتحسين مركز المرأة في المجتمع التونسي، فان سجل الحكومة في هذا الصدد يساعد على التفاؤل بمزيد من التحسن مستقبلا، وفقا لبرنامج الأمم المتحدة لإدارة الحكم في الدول العربية. [42]
·تحقيق المساواة بين الجنسين في دول الشرق الأوسط:
وسوف ندرس تحت هذا العنوان الإجراءات التي اتخذتها كل من الأردن وسوريا من أجل القضاء على التمييز ضد المرأة:
تحقيق المساواة بين الجنسين في الأردن:
لقد كرس الدستور الأردني المساواة بصفة عامة من دون تحديد المساواة بين الجنسين بحيث تنص المادة 6: ” الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وان اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين.”
واستدراكا لهذا النقص، ينص الميثاق الوطني الأردني في الفصل الأول الفقرة الثامنة: “الأردنيين رجالا ونساء أمام القانون سواء، لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وان اختلفوا في العرق واللغة والدين.” كما أكد هذا الميثاق في الفصل الثاني البند 3 فقرة (د) المتعلق بدولة القانون والتعددية السياسية، على تحقيق المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص بين المواطنين رجالا ونساء دون تمييز.
أبعد من ذلك، يعتبر الميثاق الأردني المرأة شريكة للرجل في تنمية المجتمع الأردني وتطويره مما يقتضي حقها الدستوري والقانوني في المساواة.[43]
وفيما يخص القوانين والأنظمة الأردنية، فلقد سوت بين النساء والرجال بصفة عامة وأعطت للمرأة الأردنية كافة حقوقها، فقانون الأحوال المدنية الأردني مثلا يؤكد على المساواة بين المرأة والرجل، ومع هذا ورغم تكريس الدستور الأردني لمبدأ المساواة بين جميع المواطنين، لم تنعكس تلك المساواة بعد بالكامل على جميع القوانين الوطنية. [44]
لكن تدرس الحكومة الأردنية حاليا عدة تعديلات تشمل قانون الضمان الاجتماعي وقانون التقاعد المدني، وقانون الجنسية، واللائحة المدنية للتأمين الصحي، ومشروع قانون جديد للأحوال المدنية.
ومنذ عام 1992، تم تعديل التشريع المتصل بحق المرأة في الأملاك المؤجرة، وتنقيح تشريع العمل من أجل زيادة حماية المرأة من إنهاء خدمتها بسبب الحمل، وكذلك لتوفير الاستحقاقات المتعلقة بالأمومة، بما في ذلك إجازة الأمومة.
وفي هذا الإطار شددت ممثلة الأردن أمام لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة على أن الإصلاح التشريعي يسرع الخطى بفضل ما أبداه الملك الراحل حسين والملك عبد الله الثاني من إرادة سياسية على مستوى عال لإجراء ذلك الإصلاح واتخاذ تدابير ضمن السياسة العامة من أجل المرأة.
أما على أرض الواقع فتدل التقارير عن الأردن على استمرار التمييز ضد المرأة الأردنية في العديد من مجالات حياتها كما يبقى العنف ضد النساء مشكلة رئيسية في جميع أنحاء الأردن. [45]
كما تنتقد اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة الأردن من حيث عدم نص كل قوانينه على المساواة بين النساء والرجال، حتى وإذا كان الميثاق الوطني الأردني ينص على ذلك، فإنه لا يعتبر وثيقة قانونية ملزمة ومن أجل ذلك تطلب هذه اللجنة من السلطات الأردنية وضع قوانين تحقق المساواة للنساء وتعتبر الممارسات الثقافية التمييزية بحق المرأة غير قانونية كما تدعو اللجنة الحكومة إلى التشجيع على إدخال تعديل دستوري لإدراج المساواة بين الجنسين في المادة 6 من الدستور بشكل يعكس تماما المادة 1 من اتفاقية المرأة في الدستور.
أضف إلى ذلك عبرت اللجنة على قلقها إزاء القانون الجنائي الأردني، خاصة على المادة 340 منه التي لا تجرم الرجل الذي يقتل أو يجرح زوجته أو إحدى أقربائه في حالة الدفاع عن الشرف.[46]
ولكن في المقابل ذكرت ممثلة الأردن أمام اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة، أن الإستراتيجية الوطنية للمرأة لعام 1993 قد اعتمدت برنامج للعمل الوطني لتنفيذ منهاج عمل بيجين.
ويدل إدراج المنظور “الجنساني” مؤخرا في خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للفترة 1999-2003 عن طريق إدراج القضايا المتعلقة بالمرأة في جميع القطاعات التي تغطيها الخطة، على التزام الحكومة الأردنية بمنهاج عمل بيجين.
تحقيق المساواة بين الجنسين في لبنان: [47]
نصت الفقرة “ب” من مقدمة وثيقة الوفاق الوطني التي أقرها النواب اللبنانيون في لقائهم في مدينة الطائف المملكة العربية السعودية، بتاريخ 22/10/ 1989: ” لبنان ملتزم بمواثيق منظمة الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإن الدولة تجسد هذه المبادئ في جميع الحقوق والمجالات دون استثناء.[48]
كما نصت هذه المقدمة على أن لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية تقوم على احترام الحريات العامة وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل.
وتضيف المادة 7 من الدستور اللبناني: ” كل اللبنانيين سواء لدى القانون وهم يتمتعون على السواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دون ما فرق بينهم.”
ولعل أوسع مخالفات تنال مبدأ المساواة بين المرأة والرجل في المجال المدني في لبنان، هي عدم تمتع المرأة اللبنانية المتزوجة بأهلية ممارسة التجارة دون رضا زوجها الصريح أو الضمني وفقا للمواد 11-14 من القانون التجاري.
ولقد لعبت منظمات حقوق المرأة في لبنان الدور الرئيسي في حث الحكومة اللبنانية على التصديق على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وفي متابعة تنفيذها.
فوضعت الحكومة “خطة العمل الوطني” للفترة 1997-2000 الهادفة إلى تحسين وضع المرأة في لبنان وتمكين النساء ومواجهة التمييز الاجتماعي من خلال مشروعات متنوعة، بما فيها تقديم قروض خاصة وصغيرة للنساء الفقيرات.
كما شكلت لجنة لشؤون المرأة للإشراف على تنفيذ هذه الخطة ومن أجل تحسين وضع النساء، وهي لجنة حكومية التزامها تحقيق المساواة الكاملة بين الرجال والنساء، تهدف إلى ضمان حقوق الإنسان بالنسبة للنساء، وزيادة فرص توفير العيش الكريم والآمن للنساء.
ولقد قامت هذه اللجنة بتنفيذ برنامج تثقيف وطني لتعليم النساء حقوقهن ولتقديم صور اجتماعية جديدة عن المرأة.
تحقيق المساواة بين الجنسين في سوريا:
حكم حزب البعث العربي الاشتراكي سوريا منذ العام 1963. وقد شجع الحزب، الذي يستخدم النساء كقاعدة سياسية مساندة له، على تحقيق المساواة بين الجنسين فنص دستور سوريا على المساواة بين الرجال والنساء.
ولقد تم إصلاح عدة قوانين مدنية في السنوات الثلاثين الماضية بهدف تحقيق المساواة بين الذكور والإناث. ولكن العديد من هذه الإصلاحات لم تطبق لان التقاليد الاجتماعية تمنع تطبيق القوانين التشريعية أو الوضعية.
ولقد شملت المساواة بين الجنسين في سوريا حتى في مجال مشاركة النساء في حمل السلاح، ففي السبعينات كان يتم تجنيد النساء في القوات المسلحة على نطاق واسع، وكانت تلك القوات تضم وحدة مظليات خاصة. وفي الوقت نفسه، تبقى سوريا بلدا إسلاميا ملتزما بقوة التقاليد الدينية. [49]
إلا أن قانون العقوبات السوري يحوي بنوداً تنطوي على تمييز ضد المرأة، بحيث يسمح بوقف تنفيذ العقوبة القانونية على مرتكب جريمة الاغتصاب إذا ارتضى الزواج من ضحيته، كما يتيح استعمال الرأفة مع مرتكبي ما يُسمى بجرائم “الشرف”، مثل الاعتداء على قريباتهم من النساء بالضرب أو القتل بدعوى سوء السلوك الجنسي؛ وتُعاقب المرأة الزانية بضعف عقوبة الرجل الزاني.[50]
ومن أجل ذلك طالبت الحركة النسائية السورية بتعديل القوانين التي تميز الرجل عن المرأة في البلاد، ولكن أثارت هذه المطالبة حفيظة العلماء المسلمين حين تتعلق بقضايا نصت عليها أحكام الشريعة الإسلامية، إلا أن قانونيين سوريين أكدوا أن القانون السوري ينطوي على بعض التمييز ضد المرأة في قضايا لا تتعلق بالأحكام الشرعية. [51]
وفي أعقاب مؤتمر بكين شكلت الحكومة السورية “اللجنة الوطنية لمتابعة شؤون المرأة ما بعد بكين”، ولقد تولت هذه اللجنة إعداد تقارير للأمم المتحدة حول تقدم سوريا نحو المساواة بين الجنسين، ورفعت التوصيات إلى الحكومة السورية حول هذه المسألة ولاحظت هذه اللجنة ضرورة العمل على تنفيذ أفضل للإصلاحات التي تم تدوينها قانونيا. [52]
تحقيق المساواة بين الجنسين في الدول الخليجية:
وسوف ندرس تحت هذا العنوان الإجراءات التي اتخذتها كل من البحرين والكويت وعمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات من أجل القضاء على التمييز ضد المرأة:
تحقيق المساواة بين الجنسين في البحرين[53]:
لقد نص الدستور البحريني صراحة على المساواة بين الرجال والنساء بحيث تنص المادة (18) منه على ما يلي : “الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، ويتساوي المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أوالدين أو العقيدة”.
كما تنص القوانين البحرينية على تكافؤ الفرص في مجالات الرعاية الصحية والاجتماعية والتعليم والعمل.
ولكن في الواقع نادرا ما يتم تنفيذ هذه القوانين بحيث ما تزال المرأة عرضة للكثير من التمييز من جانب أصحاب العمل من حيث الأجور والتوظيف. [54]
أما ميثاق العمل الوطني فلم تذكر فيه المساواة بين الجنسين صراحة عندما ينص : “جميع المواطنين متساوون أمام القانون فيما يتعلق بحقوقهم وواجباتهم دون تمييز على أساس السلالة أو الأصل أو اللغة أو الدين أو المعتقد”، ونتساءل في هذا المقام إذا كان غياب ذكر المساواة بين النساء والرجال في هذه المادة قد جاء سهوا أم عن قصد؟
وفي العموم ورغم أن القوانين السارية في مملكة البحرين لا تسوغ التمييز أياً كان نوعه، إلا أن المجتمع يعاني من مشكلة التمييز بسبب الأعراف الاجتماعية والسياسة الاستعمارية السابقة التي فرقت بين الطوائف والأعراق على طريقة فرق تسد.[55]
كما تعاني المرأة البحرينية من التمييز حيث يتردد أصحاب الأعمال عن توظيفها بحجة أن ذلك قد يعرضه للخسارة في حالة الحمل والولادة. أضف إلى ذلك، يحجم أرباب العمل عن توظيف النساء في بعض مجالات العمل التي تتطلب العمل بنظام الدورات.
و في 22 أغسطس/ آب 2001 أعلن الأمير الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة تشكيل “المجلس الأعلى للمرأة” في البحرين مهمته إسداء النصح للحكومة بخصوص شؤون المرأة. ويتألف هذا المجلس من 14 خبيرا برئاسة الشيخة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة زوجة الأمير.
ووضعت وزارات التعليم والصحة والعمل والشؤون الاجتماعية والجمعيات النسائية خططا سنوية وخمسية تهدف إلى تحسين وضع المرأة وتقدمها.
كما نشطت المنظمات غير الحكومية في البحرين بشأن قضية العنف ضد المرأة، ووضعت خطاً هاتفياً ساخناً في متناول النساء اللواتي يتعرضن للانتهاكات للاتصال به، وتسعى منظمات غير حكومية أخرى إلى فتح ملاجئ للنساء والعاملات المنـزليات اللواتي يتعرضن للانتهاكات. [56]
وعلى هذا الأساس رتبت هذه الجهود البحرين في مصاف الدول العربية الأكثر تقدما في مجال قضايا المرأة والمساواة بين الجنسين. [57]
تحقيق المساواة بين الجنسين في الكويت:
إن موقف المشرع الكويتي من المساواة أقل وضوحاً في الدستور الكويتي فبينما تنص النسخة العربية من المادة 29 على أن الناس سواسية في الكرامة الإنسانية وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الأصل أو اللغة أو الدين أو “الجنس”. وتستخدم لفظة الجنس و التي يمكن أن تفسر على أنها تعني النوع الاجتماعي أو العرق، إلا أن النسخة الإنجليزية الرسمية للدستور ترجمتها إلى “العرق”.
ففي النسخة الإنجليزية الرسمية، تنص المادة 29 من الدستور الكويتي على أن “الناس سواسية في الكرامة الإنسانية وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب العرق أو الأصل أو اللغة أو الدين”.
ولقد أعربت اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة عن قلقها إزاء استمرار وجود التمييز ضد المرأة في مختلف القوانين ودعت الكويت “إلى اتخاذ خطوات عاجلة لدمج تعريف التمييز ضد المرأة الوارد في المادة الأولى من الاتفاقية في قانونها الوطني.[58]
كذلك حثت اللجنة الكويت على اتخاذ جميع التدابير الضرورية لجعل تشريعاتها الوطنية متماشية مع مبادئ الاتفاقية ونصوصها وإلغاء الفروق فيما يتعلق بالحقوق والمسؤوليات بين النساء والرجال وتحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين.[59]
تحقيق المساواة بين الجنسين في سلطنة عمان:
تنص المادة 17 من دستور سلطنة عمان على أن “المواطنون جميعهم سواسية لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللون أو اللغة أو الدين أو المذهب أو الموطن أو المركز الاجتماعي”.
تعتبر عُمان واحدة من أكثر الدول تقدمية في منطقة الخليج بالنسبة إلى حقوق المرأة، وهي تبرز كنموذج لبقية بلدان الخليج، بحيث تمنح جميع القوانين والأنظمة العمانية القائمة النساء فرصا متكافئة في مجالات التجارة العمل والخدمة المدنية والضمان الاجتماعي.[60]
ومنذ السبعينات شجعت الحكومة العُمانية بقوة تعليم الإناث فجاءت نتائج هذا التشجيع مثيرة للإعجاب. ولكن مع هذا ما تزال مشاركة المرأة في قوة العمل منخفضة، كما يتواصل التمييز ضد المرأة في بعض المجالات.
وفي تقييمها للإنجازات الوطنية والتحديات المتعلقة بالالتزامات التي قُدِّمت في المؤتمر العالمي الرابع للمرأة الذي عقد في بيجين (بكين) في العام 1995، أقرت عمان بأن التمييز القائم على النوع الاجتماعي في القانون والمجال القانوني يظل يشكل تحدياً يجب معالجته. [61]
تحقيق المساواة بين الجنسين في قطر:
أما بالنسبة لقطر فتنص المادة 35 من الدستور القطري على أن “الناس سواسية لدى القانون ولا تمييز بينهم في ذلك على الإطلاق بسبب الجنس أو العرق أو اللغة أو الدين”.
ولقد قام الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بتحسين وضع المرأة بحيث بادر منذ توليه الحكم سنة 1995، إلى إطلاق عملية الانتقال إلى الديمقراطية بمشاركة نسائية كاملة، ودعا إلى إعطاء دور أكبر للإناث في الحياة العامة.
وعلى الرغم من ارتباط النساء القطريات العميق بالتقاليد، فإنهن يخطين خطوات مثيرة للإعجاب نحو تحقيق المساواة مع الرجال.[62]
أضف إلى ذلك، فقد باشر المجلس الأعلى لشئون الأسرة في قطر بتنفيذ برامج تهدف إلى نشر الوعي وتثقيف المرأة حول حقوقها القانونية. [63]
· تحقيق المساواة بين الجنسين في لمملكة العربية السعودية:
أما المملكة العربية السعودية فإنه لا يوجد في دستورها فقرة صريحة تتعلق بحظر التمييز بسبب الجنس[64]، بحيث يلتزم قانونها الأساسي الصمت إزاء قضية المرأة ولا يحتوي على أية إشارة إلى المرأة أو المساواة.
وحسب منظمة العفو الدولية فإن المملكة العربية السعودية “يداها ملوثان بالدم” فيما يخص وضعية النساء السعوديات أو الأجانب المقيمات فيها، لكونهن ضحايا عدم تمييز مشرع وسببه التقاليد.[65]
ولقد تعرضت المملكة العربية السعودية لعدة انتقادات من دول غربية كثيرة على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية فيما يخص انتهاكات لحقوق الإنسان بصفة عامة ولحقوق المرأة بصفة خاصة على أراضيها، لكن لم تتقبل المملكة هذه الانتقادات واعتبرت بأن أي إصلاح سيتم على مستوى حقوق الإنسان، لا بد أن يكون من الداخل، أي من قبل النظام السعودي، رافضة أي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية للملكة.[66]
وتتصدى الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في السعودية لقضايا العنف ضد المرأة بشكل متزايد، وقد زاولت أنشطة وأقامت حلقات دراسية حول العنف المنـزلي والتوعية بحقوق الإنسان الرامية إلى خلق ثقافة لحقوق الإنسان.
ومع هذا ومن بين التطورات الإيجابية الأخيرة التي عرفتها المملكة هو المبادرة بـ “الحوار الوطني” الذي حظي بتغطية إعلامية واسعة، والذي يشمل التركيز على حقوق المرأة. [67]
· تحقيق المساواة بين الجنسين في الإمارات:
تنص المادة 25 من دستور الإمارات العربية المتحدة على أن جميع الأفراد لدى القانون سواء، ولا تمييز بين مواطني الاتحاد بسبب الأصل أو الموطن أو العقيدة الدينية أو المركز الاجتماعي.
يتسم هذا النص الدستوري بالغموض والعمومية، ولا تذكر فيه تحديداً المساواة بين الرجال والنساء.
أضف إلى ذلك، ووفقا لما صدر عن منظمة العفو الدولية[68]، لم تضع الإمارات حتى الآن خططاً لتعديل قوانينها المحلية للقضاء على التمييز بموجب المادة 2(و).
الخلاصة:
بعد دراستنا لتحفظات الدول العربية على الالتزام بالقضاء على التمييز ضد النساء، ولمدى التزام هذه الدول بتحقيق المساواة بين الجنسين، توصلنا إلى الاستنتاجات الآتية:
-لقد تحفظ على المادة الثانية من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة كل من الجزائر ومصر والجماهيرية الليبية والمغرب وتونس والعراق وسوريا والبحرين، ويرجع السبب في ذلك إلى رفضهم بصفة عامة تعميم الالتزام بتحقيق المساواة بين النساء والرجال على كافة المجالات؛
-لقد تحفظت هذه الدول التسع على هذه المادة بحجة عدم تطابقها مع أحكام الشريعة الإسلامية؛
-رغم تحفظ أغلبية الدول العربية على المادة 2 من اتفاقية المرأة فإن أكثرية الدساتير العربية تضمن مبدأ المساواة أمام القانون بلغة واضحة تقضي بأن كل “الناس” أو “المواطنين” سواسية أمام القانون.
-لا يوجد في الدستور اللبناني والسوري والمغربي والتونسي فقرة صريحة تتعلق بحظر التمييز بسبب الجنس، أما باقي الدول العربية فلقد نصت صراحة على المساواة بين النساء والرجال في دساتيرها.
-إن قوانين مختلف الدول العربية في المجال السياسي والمدني بصفة عامة، لا تقييم تمييزا بين النساء والرجال، لكن على أرض الواقع فإن وضعية النساء في الدول العربية جد مزرية ويرجع بعض الكتاب ذلك إلى الرجال السياسيين الذين لا يؤمنون بحقوق المرأة وبالمساواة بين الجنسين، ويستعملونها فقط من أجل إضفاء نوع من التجديد على خطبهم السياسية من أجل جلب اهتمام أكبر عدد ممكن من المعجبين.
كما أنه من الصعب التأكد من مدى تطبيق وإلزامية تلك القوانين، من جهة، ومن جهة أخرى تجد النساء في الدول العربية نفسها محرومة من حقوقها المشروعة بحكم العادة والتقاليد والأعراف وهو حرمان أصبح قاعدة في معظم المجتمعات. وعليه نقترح ما يلي:
أن تنص دساتير كل من الأردن ولبنان وسوريا والمغرب وتونس والإمارات على المساواة بين الجنسين صراحة، لكي يكون لهذا المبدأ أساسا دستوريا يضفي على تطبيقه الصفة الإلزامية؛
تعديل أو إلغاء القوانين والأنظمة والعادات والممارسات الحالية التي تشكل تمييزاً ضد المرأة، وعلى سبيل التحديد:
– تعديل قوانين العقوبات التي تحتوي على مواد تصوغ التمييز ضد النساء، كالسماح بوقف تنفيذ العقوبة القانونية على مرتكب جريمة الاغتصاب إذا ارتضى الزواج من ضحيته، أو إتاحة استعمال الرأفة مع مرتكبي ما يُسمى بجرائم “الشرف”، أو تُعاقب المرأة الزانية بضعف عقوبة الرجل الزاني…
– تعديل القوانين التي تنظم المجال السياسي، كقوانين الانتخابات أو الأحزاب السياسية أو ما إلى ذلك، بحيث تصبح تعترف صراحة للنساء بالحق في الانتخاب وفي الترشح وفي شغل مناصب عامة في الدولة.
[1] تغادير بيضون، المرأة والحياة الاجتماعية في الإسلام، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت 1985، ص 5، راجع كذلك:
Marie Ève Bernier, l’utilisation des réserves pour maintenir le statu quo dans les rôles traditionnels: une analyse, mémoire de maîtrise en droit privé, Université du Québec à Montréal, novembre 2004, p1.
[2] Nation Unies, recueil des traités, volume 193, p.135, voir aussi: Nations Unies, département de l`information, ABC des Nations Unies, New York, 1995, pp. 211-212.
[3] منظمة العفو الدولية، دول مجلس التعاون الخليجي: المرأة تستحق الاحترام والكرامة 11 مايو/أيار 2005، عن شبكة الإنترنت، http://www.amnesty-arabic.org
[4] أنظر المبدأ رقم (1) من الإعلان الخاص بإشراب الشباب مثل السلام والفهم والاحترام المتبادل بين الشعوب، والذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1965، بقرارها رقم 37 ـ 2.
[5] المفوضية العليا لحقوق الإنسان، حقوق الإنسان، الذكرى الأربعين لمنظمة الأمم المتحدة، رقم 1، 1997 ـ 1998، ص 15.
[6] فريدة غلام إسماعيل، الأهداف الإنمائية للألفية وتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، 8 يوليو/ أيلول 2004، عن شبكة الانترنت: http:// www.un.org/arabic/
[7] أنظر رسالة الأمين العام السابق للأمم المتحدة الدكتور بطرس بطرس غالي إلى النساء، بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للنساء في 8 مارس / آذار 1993، أنظر:
Nations Unies, promotion de la femme, notes pour l’orateur, département de l’information, avril 1995, p 1.
[8] Mohammed Harbi, éditorial dans SOU’AL, les femmes dans le monde arabe, revue quadrimestrielle n°4, édité par l’association pour le développement de la culture et de la science dans le tiers monde, Paris 1983, p 8.
[9] د. أحمد أبو الوفاء، الحماية الدولية لحقوق الإنسان في إطار منظمة الأمم المتحدة والوكالات الدولية المتخصصة،المرجع السابق، ص 25.
[10] تنص المادة الأولى من الميثاق العربي لحقوق الإنسان، تحت عنوان الحقوق والحريات الأساسية: ” تتعهد كل دولة طرف في هذا الميثاق بأن تكفل لكل إنسان موجود على أراضيها وخاضع لسلطتها حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة فيه دون أي تمييز بسبب (..) الجنس ..”.
[11] منظمة العفو الدولية ، تحفظات على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة: تقويض حماية المرأة من العنف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا http://www.ara.amnesty.org
[12] إعلان وبرنامج عمل بكين، المؤتمر العالمي الرابع للمرأة، 15 أيلول / سبتمبر 1995:
Nations Unies, A/CONF.177/20/Add.1, paragraphe 218.
[13] فريدة غلام إسماعيل، الأهداف الإنمائية للألفية وتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، 8 جويليا/ أيلول 2004، عن شبكة الانترنت: http:// www.un.org/arabic/
[14] راجع مؤتمر بيجين + 5، عن شبكة الانترنيت: http://www.Women-machreq-maghreb.com/arabic/publications.htm
[15] راجع د. محمد السيد سعيد، نحو رؤية إستراتجية جديدة للحركة العربية لحقوق الإنسان، مجلة سواسية، العدد السابع والثامن، أيار/كانون ثاني 1996، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ص 24.
[16] د. أحمد أبو الوفاء، الحماية الدولية لحقوق الإنسان في إطار منظمة الأمم المتحدة والوكالات الدولية المتخصصة، مجموعة محاضرات ألقيت في المعهد الدولي لحقوق الإنسان خلال الدورة رقم 36 والتي نظمها المعهد في مدينة ستراسبورج ـ فرنسا خلال شهر يوليو/ تموز 2005، ص 12.
[17] منظمة العفو الدولية، دول مجلس التعاون الخليجي: المرأة تستحق الاحترام والكرامة 11 مايو/أيار 2005، المرجع السابق.
[18] التوصية العامة رقم 25 الصادرة عن لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة، الفقرة 1 من المادة 4 (التدابير الخاصة المؤقتة)، يناير/كانون الثاني 2004، الفقرة 10.
[19] أنظر المادة 17 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
[20] لقد تحفظ المغرب على هذه المادة كذلك فيما يخص انتقال العرش الملكي.
[21] A. Lalande. Vocabulaire technique et critique de la philosophie, 9ème édition, 1962, p.295
[22] Nations Unies, rapport de la quatrième conférence mondiale sur les femmes Beijing (chine) 4-15 septembre 1995, para. 195 (d), p102.
[23] Hafidha Chekir, Universalité et spécificité: autour des droits des femmes en Tunisie, communication présentée lors de la table ronde sur le libéralisme, républicain – les droits de la femme issue du foulard islamique, 21Novembre 2001, Université de Ferrara, Département des Sciences juridiques.
[24] Ch .Delphy, Égalité, équivalence et équité : 1a position de l’Etat français au regard du droit international. Nouvelles questions féministes, vol. 1, n. 6, 1995, p.5
[25] منظمة هيومان رايتس ووتش، النضال من أجل الحقوق الإنسانية للمرأة، 2003: http://www.hrw.org/arabic/info
[26] Anne-Sophie Divanon, traités/conventions, concernant les droits des femmes, Parlement Européen, direction générale des études, document de travail, Série Droits des Femmes, FEMM 108 FR, Luxembourg, janvier 1999, p 59-79.
[27] برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، برنامج إدارة الحكم في الدول العربية: المرأة في الحياة العامة.
[28] فاتح سميح عزام، ضمانات الحقوق المدنية والسياسية في الدساتير العربية، دراسة مقارنة، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، 1995، ص 47- 51.
[29] أنظر بحثنا لنيل شهادة الماجستير، حماية حقوق المرأة في التشريعات الجزائرية مقارنة مع اتفاقيات حقوق الإنسان – الظروف العادية- جامعة الجزائر، كلية الحقوق، نوفمبر/تشرين ثاني 2000، ص 4-55.
[30] Algérie, deuxième rapport périodique soumis par les Etats parties en vertu des articles 16 et 17 du pacte additif, 22 mai 2000, voir aussi, rapport initial de l’Algérie au comité pour l’élimination de la discrimination à l’égard des femmes, CEDAW/C/DZA/1 et corr.1 et add.1, le 27 janvier 1999, paragraphes 44-58.
[31] المستشار سناء سيد خليل الوضعية القانونية للاتفاقيات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان بالنسبة للدستور والقوانين المصرية الأخرى، http://www.ladis.com/
[32] الدكتورة نجوى مجدي مجاهد هل تساوت حقوق المرأة بالرجل في مجتمعاتنا الشرقية؟ أغسطس/آب 2004.
[33] Troisième, quatrième et cinquième rapports périodiques combinés de la République arabe d’Égypte (CEDAW/C/EGY/3 et CEDAW/ C/EGY/4 et 5) à ses 492e et 493e séances le 19 janvier 2001 (voir CEDAW/C/SR. 492 et 493). Para 318.
[34] المرجع السابق فقرة 332- 335.
[35] منظمة العفو الدولية، عن شبكة الانترنيت: http://www.fraternet.com/femmes/art21
[36] Observations finales du Comité sur l’élimination de la discrimination à l’égard des femmes, Jamahiriya arabe libyenne, Jamahiriya. 12/04/94. 126. le rapport initial de la Jamahiriya arabe libyenne (CEDAW/C/LIB/1 et Add.1) à ses 237e et 240e séances, tenues les 19 et 21 janvier 1994 (voir CEDAW/C/SR.237 et 240), para. 140-141.
[37] Op cit. para. 177-178.
[38] Observations finales du Comité sur l’élimination de la discrimination à l’égard des femmes, Jamahiriya arabe libyenne, Jamahiriya. 12/04/94. 126. le rapport initial de la Jamahiriya arabe libyenne (CEDAW/C/LIB/1 et Add.1) à ses 237e et 240e séances, tenues les 19 et 21 janvier 1994 (voir CEDAW/C/SR.237 et 240).
[39] اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، التقرير الدوري الرابع للمغرب وفقا للمادة 40 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، CCPR/C/115/add.1 ، 15 أكتوبر/تشرين أول 1997، فقرة 36-45.
[40] اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، التقرير الدوري الرابع للمغرب وفقا للمادة 40 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، المرجع السابق.
[41] Observations finales du Comité sur l’élimination de la discrimination à l’égard des femmes, contre Tunisie, A/50/38, para. 218-277.
[42] برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، برنامج إدارة الحكم في الدول العربية، موجز عن تونس.
[43] أنظر التقرير الأولي للأردن أمام اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة، (CEDAW/C/JOR/1)، 10 نوفمبر/تشرين ثاني 1997.
[44] أنظر تعليق اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة على التقريرين الأول والثاني المقدمين من الأردن (CEDAW/C/JOR/1) و (CEDAW/C/JOR/2) في جلساتها 448 و 449 و 456 المعقودة في 20 و 26 يناير/ كانون الثاني 2000 (انظر CEDAW/C/SR.448 و 449 و 456، فيما يتعلق بإعمالها لالتزاماتها تجاه اتفاقية القضاء علي جميع أشكال التمييز ضد المرأة وقد ورد نص هذا التعليق في الوثيقة A/55/38.
[45] برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، برنامج إدارة الحكم في الدول العربية، موجز عن الأردن.
[46] أنظر تعليق اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة على التقريرين الأول والثاني المقدمين من الأردن، المرجع السابق، أنظر كذلك برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، برنامج إدارة الحكم في الدول العربية، موجز عن الأردن.
[47] برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، برنامج إدارة الحكم في الدول العربية، موجز عن لبنان.
[48] الجمعية اللبنانية لحقوق الإنسان، حالة حقوق الإنسان في لبنان، بيروت 1992، ص 8 و9.
[49]برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، برنامج إدارة الحكم في الدول العربية، موجز عن سوريا، راجع كذلك مسعود عكو الظلم القانوني للمرأة في الدول العربية نوفمبر/تشرين ثاني2004: http://www.amanjordan.org/aman_studies/wmcomments.php
[50] هيومن رايتس ووتش ، منظمة مراقبة حقوق الإنسان التقرير العالمي 2005.
[51] مسعود عكو الظلم القانوني للمرأة في الدول العربية تشرين ثاني2004:
http://www.amanjordan.org/aman_studies/wmcomments.php
[52]برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، برنامج إدارة الحكم في الدول العربية، موجز عن سوريا.
[53] تقرير أوضاع حقوق الإنسان في البحرين خلال 2001- 2002 aldemokrati.org، راجع كذلك: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، برنامج إدارة الحكم في الدول العربية، موجز عن البحرين، راجع كذلك مسعود عكو الظلم القانوني للمرأة في الدول العربية نوفمبر/تشرين ثاني2004: http://www.amanjordan.org/aman_studies/wmcomments.php
[54]برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، برنامج إدارة الحكم في الدول العربية، موجز عن البحرين.
[55] تقرير أوضاع حقوق الإنسان في البحرين خلال 2001- 2002 aldemokrati.org
[56] منظمة العفو الدولية، دول مجلس التعاون الخليجي: المرأة تستحق الاحترام والكرامة 11 مايو/أيار 2005، المرجع السابق.
[57] تقرير أوضاع حقوق الإنسان في البحرين خلال 2001- 2002 aldemokrati.org
[58]لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة، التعليقات الختامية: الكويت: UN Doc. CEDAW/C/2004/I/CRP.3/Add.4/Rev. 1، الفقرة الأولى.
[59] تقرير المقرر الخاص المعني بالعنف ضد المرأة، لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة، التعليقات الختامية: الكويت، UN Doc. CEDAW/C/2004/I/CRP.3/Add.4/Rev. 1، الفقرة الأولى.
[60] برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، برنامج إدارة الحكم في الدول العربية، موجز عن عُمان. عن شبكة الانترنت:
http://www.pogar.org/arabic/contries/index.
[61] منظمة العفو الدولية، دول مجلس التعاون الخليجي: المرأة تستحق الاحترام والكرامة 11 مايو/أيار 2005، المرجع السابق.
[62] برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، برنامج إدارة الحكم في الدول العربية، موجز عن قطر. أنظر كذلك: MacMag-Glip –Beijing +5 : http://www.macmag-glip.org/events&workshops-nationality.htm
[63] منظمة العفو الدولية، دول مجلس التعاون الخليجي: المرأة تستحق الاحترام والكرامة 11 مايو/أيار 2005، المرجع السابق.
[64] فاتح سميح عزام، ضمانات الحقوق المدنية والسياسية في الدساتير العربية، دراسة مقارنة، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، 1995، ص 47- 51.
[65] منظمة العفو الدولية، عن شبكة الانترنيت: http://www.fraternet.com/femmes/art21
[66] أنظر تصريحات المسئولين السعوديين بتاريخ 9 يونيو/حزيران 2005.
[67] منظمة العفو الدولية، حرمان المرأة السعودية من حقها في التصويت، عن شبكة الإنترنيت، http://www.amnesty-arabic.org
[68] منظمة العفو الدولية، دول مجلس التعاون الخليجي: المرأة تستحق الاحترام والكرامة 11 مايو/أيار 2005، المرجع السابق.