دراسات قانونية
بحث ودراسة قانونية حول الرقابة البرلمانية على أعمال السلطة التنفيذية
الرقابة البرلمانية :
ان الرقابة التي يباشرها البرلمان على اعمال السلطة التنفيذية هي المهمة الرئيسية الثانية التي يضطلع بها بعد التشريع ، ذلك ان البرلمان يمثل ارادة الشعب ويعبر عن رغباته ، وفي هذا الصدد يشير الاستاذ Andre Hauriou الى ( ان البرلمان قبل كل شيء جمعية مراقبين ومهمته وربما الاكثر اهمية من التصويت على القوانين اجبار الحكومة عن طريق الاسئلة والاستجوابات والتصويت على سحب الثقة ومناقشة الموازنة او بغيرها من الوسائل على تبرير تصرفاتها امام الجمهور وعلى عرض اسباب سياستها على الرأي العام ، وتبرير قراراتها، وعلى الافصاح عن عزمها بصدد هذه المشكله او تلك ، وبما ان هذه الرقابة تتم في وضح النهار وبواسطة اجراءات تقتضي النشر ، فهي ضمانة لحقوق الافراد وكفالة حرياتهم(1)) . مما تقدم يبدو ان الرقابة البرلمانية على اعمال السلطة التنفيذية تتخذ اربعة مظاهر وعلى النحو الآتي :
1. السؤال : يراد به حق عضو البرلمان في الاستفسار من الوزارة او الوزير المختص بقصد الوقوف على معلومات صحيحة في مسألة يجهلها العضو او بقصد لفت نظر الحكومة الى امر من الامور ، والسؤال البرلماني لا يتعدى العضو السائل والوزير الموجه اليه السؤال ، فلا يترتب عليه دخول شخص ثالث في مناقشة الموضوع ، اذ ليس من طبيعة السؤال ان يثير مناقشة عامة او يؤدي الى طرح الثقة بالوزارة ، فاذا كانت المعلومات التي قدمها الوزير كافية في نظر العضو الذي وجه السؤال كان له الاكتفاء بها والا كان له دون غيره ان يستوضح الوزير على بقي غامضا عليه او ان يرد عليه بايجاز مرة واحدة ، وتوجية السؤال حق شخصي للنائب السائل فله ان يتنازل عنه اذا ما اراد ذلك(2).
2. الاستجواب : ان الاستجواب اعم واشمل من السؤال ، ويقصد به حق عضو البرلمان في ان يطلب من الوزير المختص بيانات عن سياسة الدولة العامة او عن نقطة معينة فيها(3).هذا ويجوز توجية الاستجواب بخصوص أي عمل تقوم به السلطة التنفيذية على ان لا يتعارض ذلك مع احكام الدستور او يمس شخص رئيس الدولة لذلك لا يعتبر الاستجواب كالسؤال حقا شخصيا لمقدمه ، فاذا تنازل عنه جاز لغيره من النواب ان يحل محله فيه ويستمر بمناقشته من دون ان تكون هناك حاجة الى اثارته مجددا(4). نظرا لخطورة الاستجواب وماقد يترتب عليه من نتائج ، فأن الدساتير التي تنص عليه تقرر منح الوزير وقتا للتفكير واعداد الجواب ، اذ لاتتم المناقشة الا في جلسة لاحقة للجلسة التي يطرح فيها الاستجواب كما ان المناقشة العامة لا تتم الا في جلسة اخرى يحددها المجلس بعد الاستماع لجواب الوزير(5).
3. التحقيق : يقصد به حق البرلمان في اجراء التحقيق في مسألة او مسائل معينه داخلة في حدود اختصاصه . وقد يتولى التحقيق البرلمان بأكمله وهذا غير شائع وقد يعهد به الى احد لجانه الدائمة او الى لجنة خاصة ينتخبها المجلس من بين اعضائه لهذا الغرض . وللجنة التحقيق البرلماني حق الاطلاع على جميع المستندات واستدعاء الموظفين المختصين واستشارة خبراء في الموضوع واحضار الشهود وطلب جميع الإيضاحات التي تراها ضرورية للتحقيق، ويجوز للبرلمانات بموجب انظمتها الداخلية في بعض الدول منح اللجان التحقيقية سلطات حاكم تحقيق فتحلف الشهود والخبراء اليمين وتوقع العقوبات الجزائية على من يتخلف منهم او يمتنع عن اداء الشهادة ، وعلى اللجنة التحقيقية بعد الانتهاء من التحقيق ان تقدم تقرير الى البرلمان عن نتيجة اعمالها ، واستنادا الى هذا التقرير يتخذ البرلمان قراره النهائي للبت في موضوع التحقيق البرلماني . ولا بد من الاشارة الى ان التحقيق البرلماني لا يتعارض ومبدأ الفصل بين السلطات ذلك ان البرلمان عندما يجري تحقيقا في اعمال الحكومة الادارية او في امور مطروحة على القضاء لا يهدف الى احلال نفسه محل السلطة التنفيذية او السلطة القضائية ، لذلك فهو لا يتخذ قرار هو من اختصاص هاتين السلطتين ولا يتعرض لامر من امورها بالاضافة او التعديل بل تقتصر مهمته على سن تشريع جديد بقصد سد نقص او تعديل تشريع قديم او اثارة المسؤولية الوزارية عند تحققه من وجود نقص او سوء تصرف (6).
4. المسؤولية السياسية للوزارة امام البرلمان : يقصد بها مسؤولية الوزارة او الوزير عن عمل يتصل بالسياسة العامة للوزارة ، والمسؤولية السياسية قد تكون تظامنية او فردية ، فالاولى تشمل الوزارة بكامل هيئتها وهي تنشأ عندما تكون المسؤولية متعلقة بالسياسة العامة للوزارة او اذا كان العمل المنشئ لها صادرا عن رئيس الوزراء ، اما المسؤولية السياسية الفردية فأنها تكون خاصة بشؤون وزارة واحدة او اكثر او مصلحة من مصالحها ونتيجة هذا النوع من المسؤولية لا تنصب على الوزارة بكامل هيئاتها وانما على وزير واحد او عدد من الوزراء(7).هذا ويترتب على المسؤولية السياسية التضامنية والفردية اذا ثبتت سحب الثقة من الوزارة او الوزير ومن ثم على الوزارة او الوزير الاستقالة . ومن الجدير بالذكر ان البرلمانات تختلف في مدى رقابتها تبعا لاختلاف النظام السياسي في الدولة ، فهي تتسع في الانظمة البرلمانية عنها في الانظمة الرئاسية ، وفي دول الاحزاب المتعددة عنها في دولة الحزب الواحد وفي الدول المتقدمة عنها في الدول النامية(8).
________________________
1- عثمان عبد الملك – ضمانات حقوق الانسان في الكويت بين النظرية والتطبيق – بحث مقدم الى ندوة تدريس حقوق الانسان التي نظمتها جامعة الزقازيق بدعوة من منظمة اليونسكو من 14-16 كانون الاول / 1978 – ص30
2- وايت ابراهيم -وحيد رأفت – القانون الدستوري-المطبعة العصرية- القاهرة – 1937 – ص414
3- عبد الله اسماعيل البستاني – مساهمة في اعداد الدستور الدائم وقانون الانتخاب – بغداد – 1960 – ص223
4- شمران حمادي – مصدر سابق – ص80
5- صالح جواد كاظم -علي غالب العاني – مصدر سابق – ص71
6- شمران حمادي – مصدر سابق – ص82
7- شمران حمادي – مصدر سابق – ص82 وما بعدها
8- محمد محمد بدران – مصدر سابق – ص55
الرقابة البرلمانيه في القانون الأساسي العراقي لعام1925 :
تبدو رقابة البرلمان لاعمال السلطة التنفيذية في مظاهر متعدده : –
اولا / السؤال : – نصت المادة (54) من القانون الأساسي على أن (لكل عضو من اعضاء مجلس الامة أن يوجه الى الوزراء اسئله واستيضاحات ، وتجري المناقشة فيها وفي اجوبتها على الوجه الذي يبين في النظام الداخلي لكل مجلس بعد مرور ثمانية ايام على الاقل من يوم توجيهها وذلك في غير حالة الاستعجال او موافقة الوزير) ، وقد بين النظام الداخلي لكل من مجلس النواب ومجلس الاعيان المعنى الذي قصده المشرع من حق السؤال ، فنصت المادة (105) من النظام الداخلي لمجلس النواب على أن ( يستعمل النواب حقوقهم المذكورة في المادة (54) من القانون الأساسي وذلك اما بالسؤال وهو طلب معلومات عامة عن مسألة ما مع مراعاة الايجاز والتصريح) (1). كذلك حدد النظام الداخلي لمجلس النواب في المواد (106 114) اجراءات تقديم السؤال وطبيعته ، وكذلك فعل النظام الداخلي لمجلس الاعيان في المواد ( 48 53 ). ويتبين من هذه المواد كما اوضحنا سابقاً إن السؤال البرلماني لا يتعدى عضو البرلمان السائل والوزير المسؤول ، فلا يترتب عليه دخول شخص ثالث في الموضوع ، اذ ليس في طبيعة السؤال البرلماني أن يثير مناقشة او يطرح مسألة الثقة بالوزارة ، بل المقصود فقط الوقوف على معلومات صحيحه في مسألة يجهلها عضو البرلمان او لم يتمكن من الوقوف عليها بنفسه او لفت نظر الحكومه الى امر من الامور ، فأذا كانت المعلومات التي قدمها الوزير كافية في نظر العضو السائل كان له الاكتفاء بها والا يحق له دون غيره أن يستوضح الوزير على ما بقي غامضاً ، هذا ولم يحدد القانون الأساسي ولا النظام الداخلي لمجلس الامة اجراءات خاصة لتقديم السؤال ، لذلك يكفي العضو الذي يريد توجيه السؤال الى احد الوزراء أن يكتبه بايجاز ويوقع عليه ويقدمه الى رئيس المجلس ، وعليه فقط أن يصرح في طلبه أن كان يريه الاجابه شفوياً او تحريرياً، وعلى الوزير المختص الاجابه عن السؤال الموجه اليه لتمكين اعضاء البرلمان من الرقابة على اعمال الوزراء ، الا أن المادة (110) من النظام الداخلي لمجلس النواب نصت على انه (يحق للوزير أن لا يرد على السؤال الموجه اليه بداعي كتمان الامر رعاية للمصلحه العامة(2)).
ثانيا / الاستجواب : – نص القانون الأساسي العراقي على حق الاستجواب في المادة (54) منه ، ويلاحظ أن المادة استخدمت اصطلاح (الاستيضاح) وليس (الاستجواب) . تجدر الاشارة الى أن الاستجواب لا يقبل من أي عضو الا اذا صادق المجلس على قبوله ، وقد نص القانون الأساسي ورغبة منه في حماية الوزارات من القرارات المفاجئة على حق الوزراء في طلب تأجيل المناقشة لمدة (8) أيام في حالة طلب الاقتراع على عدم الثقة ، فيترتب على ذلك أن اقل فترة تمضي من تاريخ ايداع الاستجواب وتاريخ التصويت على عدم الثقة بالوزارة هي عند استخدام الوزارة حقها في التأجيل او أستخدام مجلس النواب حقه في الاستعجال (16) يوم ، لانه لا ينظر في الاستجواب الا بعد مرور (8) ايام على الاقل من تقديمه ولا يقترع على عدم الثقة الا بعد مرور (8) ايام اخرى من تمام المناقشة في الاستجواب ، الا انه يمكن أن تطرح مسألة الثقة بالوزاره بطريقة اصلية لا كنتيجة للاستجواب وفي هذه الحالة لا تملك الوزارة الا مدة (8) ايام (3).
ثالثا / التحقيق : – لم ينص القانون الأساسي على حق اجراء التحقيق ، الا أن النظام الداخلي لمجلس النواب قد اشار اليه في المادة (123) منه ( للمجلس عند الاقتضاء أن يأمر بالتحقيق النيابي ويعين للقيام به لجنه لا يقل عددها عن الخمسة ولا يزيد على الخمسة عشر اذا تحقق وقوع حوادث سياسية هامة او اعمال ادارية تعرض حالة البلاد الاقتصادية والسياسية الى خطر اوما يخل بسلامة الانتخابات او بحرية الافراد) ، وتقدم اللجنة بموجب المادة (124) تقريراً بأعمالها ونتائج تحقيقاتها الى المجلس ليقرر مايراه بهذا الشأن والملاحظ أن لجان التحقيق هذه تتمتع احياناً ببعض سلطات قاضي التحقيق بناء على نص صريح ، فتستدعي الشهود وتحلفهم اليمين وتوقع بعض العقوبات مثل عقوبة شهادة الزور وهذا يخالف القاعدة العامة التي تحصر عمل البرلمان بين جدرانه ، لذلك ينبغي للخروج عن هذه القاعدة وجود نص صريح ، ومثل هذا النص لا وجود له في ظل القانون الأساسي (4).
رابعا / المسؤولية السياسيه للوزارة امام البرلمان : – نصت المادة السادسه والستون على أن ( وزراء الدولة مسؤولون بالتضامن امام مجلس النواب عن الشؤون التي تقوم بها الوزارات ومسؤولون بصورة منفردة عن الاجراءات المتعلقة بوزارة كل منهم وما يتبعها من الدوائر …).يتضح من النص المتقدم أن تحريك المسؤولية السياسية منح لمجلس النواب فقط دون مجلس الاعيان ، وهذا يمثل اتجاها سليما طالما أن مجلس النواب هو الذي يتعرض للحل ، فلو منح مجلس الاعيان القدرة على ممارسة المسؤولية السياسية لاصبح متفوقاً على الوزارة ما دامت لا تملك القدرة على حله (5). وبموجب المادة (66) يستطيع مجلس النواب بأكثرية عدد اعضاءه الحاضرين سحب الثقة من الوزارة بأكملها او من احد الوزراء وفي الحالة الاولى على الوزارة الاستقاله اما في الحالة الثانية فعلى الوزير أن يستقيل . ولكن بالرغم من أن المادة (66) مكنت مجلس النواب من تحريك المسؤولية السياسية للوزاره بسهولة كبيرة ، وهيأت له الضمانات الضرورية لذلك ، الا أن واقع الحال اظهر عجز مجلس النواب عن ممارسة هذه المسؤولية في الوقت الذي غالت فيه الوزارة من حل مجلس النواب ، فقد كان اكثار الوزارات من حل مجلس النواب من الاسباب التي اعجزت هذا المجلس عن اداء وظيفته الرقابية ذلك أن اغلب الوزارات عمدت فور تأليفها الى حل مجلس النواب القائم اما تنفيذا لرغبة الملك او لتكوين اغلبية خاصة لها في مجلس النواب او للتخلص من العناصر المعارضة في هذا المجلس . وهكذا اصبحت المجالس النيابية خاضعة للوزارات وعمدت الى كسب رضائها بدل محاسبتها ، حتى اصبحت مسؤولة امام الوزارة بدل أن تكون سائلة لها ، لذلك نجد أن تاريخ النظام البرلماني في العراق لم يشهد أن قرر مجلس النواب اجراء التصويت على الثقة بأية وزارة ولم يحاول في أي اجتماع من اجتماعاته تحويل استيضاح ما الى تصويت على الثقة بالرغم من أن جلسات المجلس لم تخل في اغلب الاحيان من توجيه النقد وابداء الاعتراضات بل والهجوم القاسي على الوزارة في بعض الاحيان ، الا أن ذلك يقف عند حد عدم تحريك المسؤولية السياسية للوزارة (6). وفي المقابل تمكن كل من الملك ومجلس الاعيان من جعل الوزاره مسؤولة من الناحية الواقعية امامها ، فالمسؤولية السياسية تحولت اذن من يد مجلس النواب الى يد الملك ومجلس الاعيان ، وقد استطاع مجلس الاعيان فعليا من ممارسة هذا الدور من خلال تعطيل اعمال الوزارة المعروضة عليه ، عندها تضطر الى الاستقالة خاصة وان الوزارة لا تملك اية سلطة تمكنها من التأثير عليه كسلطة الحل (7).
___________________________
1- المادة (47) من النظام الداخلي لمجلس الاعيان .
2- حسن ابو السعود سيف – مصدر سابق – ص 340 وما بعدها .
3- حسن ابو السعود سيف – مصدر سابق – ص 347 .
4- عبد الله اسماعيل البستاني – مصدر سابق – ص224 .
5- فائز عزيز أسعد- مصدر سابق- ص225 و234
6- لم يكن عجز مجلس النواب عن تحريك المسؤولية السياسية للوزارة راجعاً الى حله فقط بل الى سبب اخر لايقل اهمية وهو اسناد الملك للوزارات وما نتج عنه من تهيب مجلس النواب من حجب الثقة عن الوزارة المتمتعة بثقة الملك ، فكما أن ثقة الملك كانت اساس اختيار رؤوساء الوزارات ، فأن هذه الثقة كانت اساس بقائهم . فائز عزيز اسعد – مصدر سابق – ص 236 و 241
7- فائز عزيز أسعد- مصدر سابق- ص233وما بعدها.
الرقابة البرلمانية التي تمارس على القرارات التي يتخذها رئيس الجمهورية في فرنسا استناداً للمادة 16 من دستور 1958 :
تضمن نص المادة 16 على اجرائين دستوريين من شأنهما ان يؤديا الى قيام رقابة برلمانية عند تطبيق رئيس الجمهورية هذا النص واستخدامه للسلطات الاستثنائية التي تخولها له وهذان الإجراءان هما اجتماع البرلمان من تلقاء نفسه وبقوة القانون وعدم جواز حل الجمعية الوطنية من قبل رئيس الجمهورية وبالرغم من ذلك فاننا نرى بان الفقه الفرنسي انقسم الى اتجاهين وذلك فيما يخص وجود الرقابة البرلمانية من عدمه .
الاتجاه الاول : ذهب الى عدم وجود أي رقابة برلمانية على تطبيق المادة 16 حيث لا يجوز للبرلمان ان يمارس دوره المعتاد الذي يمارسه في الظروف المعتادة وقد استند هذا الرأي الى ما جرى عليه العمل بالفعل عند تطبيق المادة 16 سنة 1961 حيث قرر رئيس الجمهورية الجنرال ( ديجول ) ان العلاقات بين الحكومة والبرلمان يجب ان تسير على النحو المقرر في الظروف العادية طالما لم يتعلق الامر بإجراءات متخذة استناداً للمادة 16 وهذا يعني انكار كل اختصاص تشريعي او رقابي للبرلمان على اجراءات المادة 16 وتاكيداً لمضمون راي الرئيس ويجول رفض رئيس الجمعية الوطنية اقتراحاً قدمه عدد من اعضاء الجمعية الوطنية في 2/9/1961 مطالبين فيه توجيه اللوم للحكومة حيث برر رئيس الجمعية الوطنية هذا الرفض بقوله انه طالما ان رئيس الجمهورية لا يملك حق حل الجمعية الوطنية خلال فترة تطبيق المادة 16 فان الجمعية الوطنية لا يحق لها بالمقابل توجيه اللوم للحكومة وفي تقديرنا بان ما ذهب اليه رئيس الجمعية الوطنية في هذا الراي غير صحيح حيث لا يوجد سند له في نص المادة 16 (1).
الاتجاه الثاني : ويرى اصحاب هذا الاتجاه بأهمية وفاعلية الرقابة البرلمانية على سلطات المادة (16) حيث ان البرلمان يستطيع ان يناقش الإجراءات التي اتخذها رئيس الجمهورية بناءً على نص المادة 16 ولكنه لا يملك ان يلغي هذه الاجراءات ويعتبر الفقيه ( ديفرجيه ) ان رقابة البرلمان هي الوسيلة الأكثر فعالية على سلطات الرئيس في المادة 16 وان رئيس الجمهورية لن يمكنه التخلص من رقابة البرلمان الذي ينعقد بقوة القانون اذا ما أساء استخدام سلطاته الاستثنائية(2) . ومن الملاحظ بان هذه الرقابة لا تتم بطريقة مباشرة حيث ان رئيس الجمهورية غير مسؤول سياسياً أمام البرلمان وفقاً للمادة 19 من دستور سنة 1958 وعلى ذلك فالبرلمان لا يملك مناقشته فيما اتخذه من إجراءات وتدابير استثنائية استناداً لتطبيق المادة 16 ولذلك فان هذه الرقابة تتم بطريقة غير مباشرة عن طريق الاستجواب الذي يقدم لرئيس الوزراء مما يؤثر في رئيس الجمهورية باعتباره رئيس السلطة التنفيذية . واخيراً فان البرلمان اذا ما وجد بان رئيس الجمهورية قد اسرف في استخدام السلطات الاستثنائية بلا مبرر فانه يوجه له تهمة الخيانة العظمى ويذهب الفقيه ( فيدل ) الى ان فكرة الخيانة العظمى فكرة مطاطة ولذلك فان البرلمان كثيراً ما يتردد قبل ان يستخدم هذا السلاح وخاصة في الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد ومع ذلك فان هذه الوسيلة تصلح لمنع رئيس الجمهورية من ان ينحرف في استخدامه لسلطاته الاستثنائية المنصوص عليها في المادة 16 انحرافا خطيرا يضر البلاد كالتخابر مع الدولة الاجنبية لاحتلال بلاده (3) . من كل ما تقدم يتضح بان الاتجاه القائل باستبعاد الرقابة البرلمانية على تطبيق المادة 16 لا سند له ولا يصلح التمسك به لا من وجهة النظر القانونية ولا حتى الديمقراطية .
________________
1- د . محمد شريف اسماعيل سلطان الضبط الاداري في الظروف الاستثنائية – مرجع سابق – ص194 .
2- د . احمد سلامة بدر الاختصاص التشريعي لرئيس الدولة في النظام البرلماني – مرجع سابق – ص558- 559 .
3- د . محمد شريف اسماعيل – سلطات الضبط الاداري في الظروف الاستثنائية – مرجع سابق – ص194 .
الرقابة البرلمانية في دستور 16 تموز 1970 :
نصت المادة ( 47 ) من دستور16 تموز 1970 المؤقت على ان (يتألف المجلس الوطني من ممثلي الشعب في مختلف قطاعاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويتم تشكيله وتحدد طريقة العضوية وسير العمل فيه وصلاحياته بقانون خاص يسمـى قانون المجلس الوطني ) ، كما نصت المادة (55- الفقرة/ب ) من الدستور المؤقت على ان (للمجلس الوطني دعوة أي عضو من اعضاء مجلس الوزراء للاستيضاح منه واستجوابه). وفي ضوء ما تقدم صدر قانون المجلس الوطني رقم ( 55 ) لسنة 1980 ، وقد تناول في المادة ( 47 الفقرة/ خامسا سادسا سابعا ) الاختصاصات الرقابية للمجلس ، وعند دراسة هذه النصوص، نجد ان القانون خول المجلس الوطني مناقشة سياسة الدولة العامة الداخلية والخارجية ، كذلك دعوة أي عضو من اعضاء مجلس الوزراء للاستيضاح منه او الاستفسار او استجوابه وفقا لا حكام النظام الداخلي للمجلس(1). كذلك خول قانون المجلس الوطني اقتراح اعفاء أي عضو من اعضاء مجلس الوزراء من منصبه وفقا لأحكام الدستور والنظام الداخلي للمجلس(2). ونظرا للتعديلات الكثيرة التي طرأت على قانـون المجلس الوطني رقـم( 55) لسنة 1980 (3). فقد الغي هذا القانون وصدر قانون جديد عرف بقانون المجلس الوطني رقم (26) لسنة 1995 ، وقد خصص هذا القانون الفصل الثاني من الباب الثالث منه للاختصاصات الرقابية للمجلس ، فقد أجازت المادة ( 57 اولا ) من القانون للمجلس الوطني دعوة أي عضو من اعضاء مجلس الوزراء للاستيضاح او الاستفسار منه وفقا لأحكام النظام الداخلي للمجلس ، أما الفقرة ثانيا من المادة المذكورة فانها ضمنت لكل عضو من أعضاء المجلس الوطني الحق في أن يوجه عن طريق رئيس المجلس سؤالا شفويا او تحريريا الى أي عضو من أعضاء مجلس الوزراء يستوضح فيه عن قرار اتخذه او تصرف او موقف صدر منه يتعلق بسياسته او شؤون وزارته شريطة ان لايكون السؤال متعلقا بموضوع معروض على القضاء ، أما المادة (58) من القانون فانها اجازت للمجلس عند الاقتضاء ان يرفع الى رئيس الجمهورية رأيه في ضوء النتائج التي توصل اليها عن طريق سؤال أي عضو من اعضاء مجلس الوزراء وفق احكام المادة (57) من القانون كما اجاز القانون بموجب المادة (57) للمجلس الوطني استجواب أي عضو من اعضاء مجلس الوزراء وفقا لأحكام النظام الداخلي للمجلس(4). وللمجلس عند الاقتضاء ان يرفع الى رئيس الجمهورية رأيه في ضوء النتائج التي توصل اليها وفق أحكام المادة (57) من القانون ( المادة/ 58 ) كذلك نصت المادة ( 59 / اولا ) من القانون على ان لرئيس الجمهورية ان يطلب من المجلس الوطني ولجانه المختصة القيام بتفتيش دوائر الدولة والقطاع الاشتراكي والمختلط عند الاقتضاء بصورة كلية او جزئية وبالصورة التي يراها المجلس مناسبة ، وكذلك استدعاء رئيس مجلس الوزراء او اي من الوزراء او أي موظف في الدولة للتحقيق معه عن القضية التي أحيل من اجلها على المجلس والتحري عن الحقيقة ، و للمجلس استنادا الى الفقرة (ثانيا) من المادة (59) وفي ضوء النتائج التي توصل اليها ان يوصي بما هو مناسب بحق الاشخاص الذين تثبت مسؤوليتهم ، بما في ذلك إعفاؤهم من المسؤولية او طردهم او احالتهم على التقاعد او احالتهم على المحاكم المختصة لمحاكمتهم وفق القانون . مما تقدم يبدو ان رأي المجلس الوطني في ضوء النتائج التي توصل اليها هو بمثابة التوصية غير الملزمة لرئيس الجمهورية وان سلطته في ذلك سلطة تقديرية ، وعليه فان رقابة المجلس الوطني تكون محدودة لأن اثرها يتوقف على مصادقة رئيس الجمهورية .
______________________________
1- (نصت المادة ( 94 – أولا ) من النظام الداخلي للمجلس الوطني ( لكل عضو من اعضاء المجلس الوطني ان يوجه عن طريق رئيس المجلس سؤالا شفويا أو تحريريا الى أي عضو من اعضاء مجلس الوزراء ، يستوضح فيه عن اقدام الوزير على تصرف أو اتخاذه قرار معين أو موقف ازاء قضية معينة تتعلق بسياسة الوزارة . على ان لايكون السؤال متعلقا بأمر معروض على القضاء ) ، كما نصت المادة (97) على ان لكل عضو من اعضاء المجلس الوطني ان يوجه استجوابا تحريريا الى أي عضو من اعضاء مجلس الوزراء عن طريق رئيس المجلس الوطني يطلب فيه من الوزير المختص ان يبين السياسة التي يتبعها أو الموقف الذي يتخذه ازاء مسألة معينه أو عن الاهمال أو التقصير المنسوب الى الوزارة ، ويجب ان يحضى طلب الاستجواب بتأييد عشرة من اعضاء المجلس من اجل اقراره .
2- نصت المادة (97) من الداخلي للمجلس الوطني ( سابعا – اذا اسفر التصويت عن رفض الاستجواب فتعتبر المسألة منتهية وفي حالة تأييد المجلس للاستجواب بأغلبية ثلثي عدد أعضائه ، فيعتبر هذا التأييد اقتراحا بإعفاء الوزير المختص من منصبه . ثامنا – يبلغ رئيس المجلس الوطني قرار المجلس بنتيجة التصويت الى رئيس الجمهورية ) .
3- استنادا الى قرار مجلس قيادة الثورة رقم (115) لسنة 1988 تم توسيع الاختصاصات الرقابية للمجلس الوطني ، فقد نص القرار على ما يأتي :
أولا / بأمر من رئيس الجمهورية يجوز للمجلس الوطني ولجانه المختصة ما يلي :
1-تفتيش دوائر الدولة والقطاع الاشتراكي عند الاقتضاء بصورة كلية أو جزئية وبالصيغة التي يراها المجلس مناسبة .
2- استدعاء رئيس الوزراء والوزراء أو أي موظف في الدولة لاستجوابه عن القضية التي تقتضي الاستجواب والتحري عن الحقيقة .
ثانيا / للمجلس ان يوصي في ضوء النتائج التي يتوصل اليها بالفقرتين ( 1 و 2 ) من أولا من هذا القرار بما هو مناسب بحق الاشخاص الذين تثبت له مسؤولياتهم عن القضية موضوع التفتيش و الاستجواب بما في ذلك سحب الثقة منهم أو طردهم أو احالتهم على التقاعد أواحالتهم على المحاكم المختصة لمحاسبتهم وفق القانون .
4- نصت المادة( 128) من النظام الداخلي للمجلس الوطني لكل عضو من أعضاء المجلس الوطني أن يوجه استجوابا تحريريا الى أي عضو من اعضاء مجلس الوزراء عن طريق رئيس المجلس يطلب فيه من الوزير المختص ان يبين السياسة التي يتبعها أو الموقف الذي يتخذه ازاء مسألة معينة أو عن الاهمال أو التقصير المنسوب الى الوزارة ويجب أن يحظى طلب الاستجواب بتأييد عشرة أعضاء، كما نصت المادة المذكورة اذا أسفر التصويت على رفض الاستجواب فتعتبر المسألة منتهية وفي حالة تأييد المجلس للاستجواب بأغلبية ثلثي عدد أعضائه فيعتبر هذا التأييد اقتراحا بإعفاء الوزير المختص من منصبه و يبلغ رئيس المجلس الوطني قرار المجلس بنتيجة التصويت الى رئيس الجمهورية .
الرقابة البرلمانية التي تمارس على القرارات التي يتخذها رئيس الجمهورية في مصر استناداً للمادة 74 من دستور 1971 :
المادة 16 من الدستور الفرنسي لسنة 1958 قد نصت صراحة بان الجمعية الوطنية تجتمع بقوة القانون وعلى العكس من ذلك فان الدستور المصري قد سكت في المادة 74 عن مثل هذه الضمانات رغم ضعفها الا ان الامر لم يقف عند هذا الحد وهنا يرى الدكتور سامي جمال الدين(1)( بانه بالرغم من عدم نص المادة 74 على ضرورة اجتماع مجلس الشعب أثناء تطبيق المادة 74 فان هذا الاثر يترتب رغم ذلك بمعنى انه اثناء تطبيق المادة 74 فان البرلمان ينعقد بنص الدستور وسندنا في ذلك هو ضرورة تفسير المادة 74 على اساس ربطها بالمادة 102 ) التي تقضي بوجوب دعوة مجلس الشعب للانعقاد في دورة اجتماع غير عادية في حالة الضرورة ويتساءل الدكتور يحيى الجمل(2)عن دور المجلس ازاء القرارات التي يتخذها رئيس الجمهورية استنادا الى المادة 74 ويستمر متسائلا اذا اتخذ الرئيس قرارات هي بطبيعتها مما يدخل في نطاق التشريع وتكون تلك القرارات بطبيعة الحال لازمة لمواجهة المخاطر التي تهدد الوحدة الوطنية او سلامة الوطن او مؤسساته الدستورية فهل يملك مجلس الشعب ان يطالب بالنظر في هذه الاجراءات لا قرارها او عدم إقرارها ؟ ويجيب عن ذلك بقوله نعتقد بان ذلك غير ممكن والا ضاعت كل حكمة من المادة 74 تلك المادة التي يمكن تكييفها بانها نوع من التفويض الدستوري المباشر لرئيس الجمهورية في فترات الازمان الخطيرة والتي لا تحتاج الى إجراءات خاصة كما هو الحال في المادة 108 حيث ان واضعي الدستور قد قرروا ان حالة الضرورة وما تحقق من مخاطر قد تصل الى ابعد من الصورة التي واجهتها المادة 108 . لذلك نشارك كل من الدكتور يحيى الجمل والدكتور سامي جمال الدين الرأي بان مجلس الشعب ليس من حقه وفي ظل العمل بالمادة 74 ان يصدر قرارات بالموافقة او بعدمها على ما يتخذه رئيس الجمهورية من إجراءات لازمة لمواجهة المخاطر التي أشارت اليها تلك المادة ولكن عدم وجود مثل هذا الحق لا يمنع من وجود الحق في المناقشة واخيراً فأننا نرى ومن حيث المبدأ فانه لا يوجد ما يمنع البرلمان ( مجلس الشعب ) من ان يمارس دوراً رقابيا على أعمال الحكومة وذلك طبقاً لنصوص واحكام الدستور الا ان هذه الرقابة اذا تعلقت بأعمال رئيس الجمهورية فهي بالغة الضعف في الظروف العادية وتستمر كذلك في الظروف الاستثنائية فالدستور لم يقرر من الطرق المباشرة لرقابة رئيس الجمهورية سوى ما يتعلق بالاتهام بالخيانة العظمى طبقاً للماد 85 وهي رقابة تقع على شخص رئيس الجمهورية لا على أعماله وبذلك فهي ليست فعالة في مواجهة لوائح الازمات الخاصة ذاتها(3) .
____________________
1- د . سامي جمال الدين – لوائح الضرورة – مرجع سابق – ص 213 – 215 .
2- د . احمد سلامة بدر الاختصاص التشريعي لرئيس الدولة في النظام البرلماني – مرجع سابق – ص501 .
د . يحيى الجمل – نظرية الضرورة – مرجع سابق – ص211 .
3- د . احمد سلامة بدر الاختصاص التشريعي لرئيس الدولة في النظام البرلماني مرجع سابق ص558- 559 .
د . سامي جمال الدين – لوائح الضرورة – مرجع سابق ص 211 – 212 .
المؤلف : حسن ضياء حسن الخلخالي
الكتاب أو المصدر : نظرية الضرورة كاستثناء على مبدا سمو الدستور
المؤلف : مروج هادي الجزائري
الكتاب أو المصدر : الحقوق المدنية والسياسية وموقف الدساتير العراقية منها