قصص واقعية
أثر إتفاقية التبادل الحر على صناعة الأدوية
تعتبر العلاقات المغربية الأمريكية علاقات قديمة، إذ تحضر معطيات تاريخية وسياسية تجعل من المغرب حليفا أساسيا للولايات المتحدة الأمريكية، فالمغرب كان أول بلد اعترف باستقلال أمريكا سنة 1120ﻫ/1776م، مثلما كان أول بلد يوقع معها اتفاقية صداقة وملاحة وتجارة سنة 1200ﻫ/1786م ، وبمرور الزمن تعددت مجالات التعاون المغربي الأمريكي إلا أن السمة الظاهرة هي أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين هيمنت على التعاون الاقتصادي الذي ظل باهتا على الرغم من مثانة العلاقات البينية .
لكن هذا الوضع تغير مع بداية القرن الماضي حيث أضحت العلاقة بين البلدين علاقة اقتصادية بامتياز إذ تم إبرام اتفاقية إطار تعاون للتجارة والاستثمار في 16 مارس 1995، كما تم التوقيع على اتفاقية إطار تنص على تأسيس مجلس مغربي أمريكي للتجارة والاستثمار في 8 أبريل 2000، ليأتي بعد ذلك التوقع على اتفاقية التبادل الحر في 15 يونيو 2004. وبذلك يكون المغرب أول بلد إفريقي وثاني بلد عربي –بعد الأردن- يوقع الاتفاقية هذا النوع .
تتميز هذه الاتفاقية بكونها جاءت عامة، حيث شملت اثني عشر قطاعا، همت كل من الفلاحة، وتجارة الخدمات، وولوج الأسواق، والقضايا الجمركية والتعاون الجمركي، والنسيج، وحقوق الملكية الفكرية، والصفقات العمومية، والمجال الاجتماعي، والشغل، والقضايا القانونية، و الاستثمار، والبيئة. والجدير بالذكر أن المفاوضات المتعلقة باتفاق التبادل الحر لم تخلوا من التوترات الظاهرة التي طالت أربع ملفات على الخصوص: القطاع الفلاحي، وقطاع النسيج، والقطاع الثقافي تم قطاع الأدوية، فبالنسبة لهذا الأخير فقد أثار جدالا قويا نظرا لاحتمال انهياره في حال تطبيق المقتضيات الخاصة بالملكية الفكرية، مما قد تكون له انعكاسات مباشرة على أثمنه الأدوية، ففي هذا الجانب حمل الاتفاق مخاطر فعلية رغم تبرير ذلك بكون ما تم اعتماده هو ما سبق للمغرب قبوله في إطار المنظمة العالمية للتجارة .
عموما إن الخوض في موضوع صناعة الأدوية يثير العديد من الإشكالات، ويفرز الكثير من التساؤلات، لعل أهمها معرفة هل من شأن إخضاع مجال الأدوية للحماية عن طريق مقتضيات اتفاقية التبادل الحر تقديم خدمة جليلة للصحة العمومية وإنعاش الصناعة الصيدلية الوطنية؟ أم أن فيه فقط إفادة للشركات الأمريكية العملاقة المحتكرة لصناعة الأدوية، خاصة إذا علمنا أن ثلث الأدوية العالمية تروج في الولايات المتحدة الأمريكية، بينما 4% فقط تباع في القارة الإفريقية، وأن 6 شركات من أصل 10 التي تبيع المواد الصيدلية الأكثر ربحا في العالم هي شركات أمريكية ؟.
ألن يكون لتشديد الحماية على صناعة الأدوية أي تأثير على الأدوية المستنسخة المتداولة في المغرب؟ وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تستطيع تحمل مستويات مرتفعة لحماية صناعة الأدوية بمقتضى حقوق الملكية الصناعية، فهل يستطيع المغرب تحمل مثل هذه المستويات؟
وما مدى أخلاقية إخضاع مجال الأدوية لبراءة الاختراع؟ وهل تعتبر براءة الاختراع في المحال الصيدلي براءة من نوع خاص لها خصوصياتها وآلياتها التي تميزها عن نظيرتها، أم أن هذه الخصوصية لا تطغى على القواسم المشتركة بينها وبين باقي البراءات؟
للإجابة عن هذه الأسئلة، قررنا أن نتناول هذا الموضوع في ثلاث نقط، وذلك على الشكل التالي:
أولا- مدى أخلاقية إخضاع مجال الأدوية للحماية بمقتضى براءة الاختراع.
ثانيا- تشديد الحماية على صناعة الأدوية بمقتضي حقوق الملكية الصناعية.
ثالثا- الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية المحتملة على صناعة الأدوية.
أولا- مدى أخلاقية إخضاع مجال الأدوية للحماية بمقتضى براءة الاختراع:
جرت العادة في كثير من الدول النامية على إهمال حماية براءة اختراع الأدوية، أو توفير حماية محدودة لها، وقد كان المغرب من بين هذه الدول، حيث كان المبدأ المهيمن في ظل ظهير 23 يونيو 1916 المنظم لحقوق الملكية الصناعية هو عدم قابلية الاختراعات الواردة على العقاقير الطبية والمركبات الصيدلية للاستفادة من براءات الاختراع، وقد كان التبرير المعتمد آنذاك في هذا الشأن هو الحفاظ على الصحة العمومية من كل محاولة احتكار من طرف الخواص كيفما كانت صفتهم، أي أن الاعتقاد كان سائدا بأن من شأن الحصول على براءة الاختراع في المجال الصيدلي والطبي أن يتحول إلى وسيلة لاستئثار بعض الأشخاص واستحواذهم على صناعة الأدوية وتسويقها مع ما قد يترتب عن ذلك من مساس بصحة المرضى وسلامتهم، وقد استثنى الظهير المذكور من هذا المنع الطرق والأساليب والأجهزة المستعملة لتحضير هذه الأدوية والتي تبقى اختراعات قابلة لاستصدار البراءة شأنها شأن باقي الاختراعات .
إلا أن الأمور تغيرت بصدور القانون رقم 97/17 المتعلق بحماية حقوق الملكية الصناعية ، الذي جاء استجابة لمقتضيات الاتفاق حول جوانب حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بالتجارة ، حيث أضفى ولأول مرة حمايته على الأدوية والمواد الصيدلية، وهكذا نصت الفقرة الثانية من المادة 21 منه على أنه: “يمكن كذلك أن يشمل الاختراع تركيبات صيدلة أو منتجات صيدلية أو أدوية كيفما كان نوعها بما فيها الطرائق والأجهزة المستعملة للحصول عليها “.
وبذلك لم تعد هذه الحماية مقتصرة فقط على طرق ووسائل صنع المنتجات الصيدلية بل تعدتها إلى الجزيئات المصنوع منها الدواء أو المستحضر الطبي نفسه، مما يعني أن المقصود بالمجال الصيدلي في ظل هذا القانون هو مجاله الواسع، أي كل المنتجات والمواد الكيميائية، بسيطة أو مركبة، وكذا الآلات الطبية أو الجراحية أو العلاجية أو التشخيصية، التي يكون لها دور جراحي أو علاجي أو تشخيصي للأمراض.
أما مناهج العلاج الجراحي أو الطبي لجسم الإنسان أو الحيوان وكذا مناهج تشخيص الأمراض، فتبقى مقصية من مجال الحماية القانونية عن طريق البراءات اعتبارا لطغيان الجانب النظري المحض عليها وعدم قابليتها للتطبيق الصناعي وذلك بصريح عبارة المادة 25 من نفس القانون .
الشيء الذي يعتبر بمثابة قفزة نوعية وجريئة وثورة جذرية في نظرة المشرع المغربي للقطاع الطبي والصيدلي. لكن هل من شأن إخضاع مجال الأدوية للحماية عن طريق البراءة تقديم خدمة جليلة لقطاع الصحة العمومية بالمغرب، وإنعاش الصناعة الصيدلية الوطنية، أم أن فيه إفادة فقط لشركات الأجنبية المحتكرة لهذه البراءات؟ خصوصا إذا علمنا أنه تحت وطأة هاجس تحقيق مردودية مالية كبيرة، فقد أصبحت المختبرات العالمية تتنافس فيما بينها للاستحواذ على أكبر عدد ممكن من براءات الاختراع المرتبطة بالأدوية الباهظة الثمن.
ما يجب التأكيد عليه بهذا الشأن، هو أن موضوع إخضاع الأدوية والمنتجات الصيدلية لحماية براءات الاختراع أثار جدالا ونقاشا منقطع النظير، ليس فقط على صعيد وطني بل على صعيد دولي، ذلك أن هناك اتجاهان:
الاتجاه الأول : يرى ضرورة الاكتفاء بحماية الطرق المستعملة في تصنيع الأدوية عن طريق البراءة على غرر ما فعل ظهير 1916 دون أن تتعداه إلى المنتجات الطبية والصيدلية في حد ذاتها. ويبرر هذا الاتجاه موقفه بكون قطاع الأدوية له ارتباط وطيد بمجال الصحة العمومية وبالتالي فإن كل تعسف من طرف صاحب البراءة في كيفية إنتاجه أو استغلاله لاختراعه وفي كيفية تفسيره لسلطة الاستئثار الناجمة عن البراءة سيترتب عنه بالضرورة إضرار بصحة وسلامة وحياة أفراد المجتمع.
كما أن حماية حق براءة اختراع الأدوية يؤدي إلى ارتفاع أسعار الأدوية مما يبعدها عن متناول الناس في البلدان النامية، خاصة إذا علمنا أن المغرب يوفر 80% من حاجياته من الدواء، 30% منها أدوية مستنسخة ، والأدوية المستنسخة أرخص سعرا من قرينتها التي تحمل أسماء تجارية وتتمتع
ببراءة اختراع، مما يعني أن اتساع سوق الأدوية المستنسخة يوفر لمزيد من الناس الحصول على هذه الأدوية ولاسيما من سكان الدول النامية.
والتطبيق الصارم لحق براءات الاختراع من خلال قواعد منظمة التجارة العالمية المسطرة في اتفاقية (ADPIC) وتلك المسطرة في الفصل (15) من اتفاقية التبادل الحر سيؤثر بالسلب على طاقة التصنيع المحلي للأدوية وسيغلق مصدر الأدوية المستنسخة المبتكرة العالية الجودة التي يعتمد عليها المغرب، والمبالغة في أسعار الأدوية سيمنع المغاربة وغيرهم في الدول النامية من الحصول على الأدوية الأساسية، مما يهدد حقهم في الحياة والصحة بل وينتهكه في بعض الحالات. لهذا رفضت بعض الأنظمة المقارنة إخضاع هذا المجال لديها لبراءات الاختراع كما هو حال البرازيل والهند وتركيا.
أما الاتجاه الثاني: فيرى – على العكس من ذلك – أنه من الضروري و اللازم تمديد حماية براءات الاختراع إلى الأدوية والمنتجات الصيدلية على اعتبار أنه لا فرق بين حماية الطريقة أو الوسيلة وحماية المنتج ذاته، فضرورة تشجيع البحث العلمي وتطويره للوصول إلى أدوية ناجحة وطرق علاجية أفضل، كلها أمور لا تتعارض بل تتماشى مع ضرورة حماية هذا المجال عن طريق براءات الاختراع، خاصة وأن الحصول على براءة اختراع في المجال دقيق وتقني كالمجال الصيدلي يتطلب بالإضافة إلى المجهود الفكري، رصد إمكانيات مالية هامة ومدة زمنية ليست بالهينة . وأن من شأن التدخل في التمتع بحقوق براءة الاختراع أن يؤثر بالسلب على حصول الناس على الأدوية الأساسية لأن هذه الشركات ستقلل من الميزانية المخصصة لأبحاث وتطوير الأدوية الأساسية الهامة لبلدان العالم الثالث، كما يمكن أن يشجع ظاهرة التزييف والتقليد مع ما تحمله في طياتها من مخاطر عدم الاهتمام بجودة المنتج.
لكن الواقع يعكس خلاف ذلك حيث أن الهاجس المالي للشركات المتعددة الجنسية وللمختبرات الدولية أصبح هو المسيطر على حساب الاعتبارات البشرية والأخلاقية ، خاصة إذا علمنا أن نسبة ميزانية شركات الصناعات الدوائية المخصصة للأبحاث والتطوير قليلة ولا تتناسب مع نسبة الميزانية المخصصة للقطاعات الأخرى وخاصة قطاع التسويق.
كما أن كثير من الأبحاث الدوائية وعمليات تطوير الأدوية تجري ميدانيا في معامل ومختبرات القطاع العام وبتمويل حكومي، أضف إلى ذلك أن بعض شركات الأدوية الكبرى تنفق معظم ميزانيتها المخصصة للأبحاث و تطوير الأدوية على الأبحاث “المأمونة” التي تمارس على تركيبات ثبت أنها مربحة، وعلى الحالات المربحة لا الحالات التي تهدد الحياة ( كأدوية السمنة ومحاربة التجاعيد بدلا من أدوية أمراض القلب مثلا) ، بالإضافة إلى أن هذه المختبرات أصبحت تستثمر أكثر في الأدوية الباهظة الثمن من جهة، والتي لها أسواق ومستهلكين خارج العالم الثالث من جهة أخرى، أي أنها أصبحت تبحث بالأساس على نوعية المستهلكين الذين لهم القدرة المالية الكافية للوصول إلى تلك الأدوية، فقد توقفت العديد منها مثلا عن إنتاج وتطوير أدوية متعلقة بداء الملاريا المنتشر في دول استوائية معروفة بفقرها الشديد وقلة دخل ومردودية ساكنيها، لأنها على علم مسبق بأن رقم معاملاتها و مبيعاتها المحتملة في هذه الدول لن يغطي تكاليف ومصاريف استثمارها .
هذا يعني أن بإمكان هذه الشركات خفض أرباحها، بخفض أسعار الأدوية الحاصلة على امتياز التصنيع دون التقليل من الإنفاق على الأبحاث الدوائية، كما يعني ذلك أيضا أن استخدام الأدوية المستنسخة لن يكون غلبا العامل الحاسم فيما إذا كانت شركات الأدوية ستقوم بتطوير أدوية جديدة لمعالجة الأمراض التي تصيب بلدان العالم الثالث.
وإذا كانت الأدوية المستنسخة تمكن من خفض أسعار الأدوية الأصلية بعد انتهاء مدتها، فإن ذلك يشكل حافزا أمام مختبرات الأدوية على البحث عن منتوج جديد مما ينشط حركة البحث، والدليل على ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر الأولى من ناحية البحث العلمي في مجال الأدوية، تعتبر أول مستهلك للأدوية المستنسخة .
مما يدفعنا إلى الاعتقاد بأن إخضاع مجال الأدوية لنظام براءات الاختراع يمكن أن يشكل حاجزا أمام حصول الفقراء على الأدوية، في حين يمكن أن تشكل الأدوية المستنسخة متنفسا لهم.
ثانيا- تشديد الحماية على صناعة الأدوية بمقتضي حقوق الملكية الصناعية:
تمديد البراءة:
نصت المادة 22 من قانون 97/17 المتعلق بحماية حقوق الملكية الصناعية على أنه:”يعتبر قابلا لاستصدار البراءة كل اختراع جديد يستلزم نشاطا إبداعيا، ويكون قابلا للتطبيق الصناعي” هذه المادة جاءت مطابقة لصياغة الفقرة الأولى من المادة 27 من اتفاقية (ADPIC) حيث جاء فيها:”…تتاح إمكانية الحصول على براءات اختراع لأي اختراعات، سواء أكانت منتجات أم عمليات صناعية، في كافة ميادين التكنولوجيا، شريطة كونها جديدة وتنطوي على”خطوة إبداعية” وقابلة للاستخدام في الصناعة…” لكن بالرجوع إلى المادة 15-9-2 من اتفاقية التبادل الحر بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية نجدها تنص على:”يتيح كل طرف من الطرفين براءات اختراع للاختراعات التي تتعلق بالنباتات والحيوانات.
إضافة إلى ذلك، يؤكد الطرفان على أن براءات الاختراع متوفرة لأية استعمالات أو طريقة استخدام جديدة لمنتوج معروف، بما في ذلك الاستعمالات الجديدة لمنتوج معروف تستخدم لمعالجة الإنسان والحيوان”.
وهكذا فإن اتفاقية التبادل الحر مددت معايير البراءة إلى منتوجات معروفة سابقا لاستعمالات ثانوية مثل دواعي جديدة للاستعمال وهذا يضع معايير دنيا لاستحقاق البراءة تؤدي إلى الحصول على براءات مشكوك فيها وغير ثابتة.
كما أن القواعد العامة المنظمة للنطاق المادي للاختراع تؤكد أن الاختراعات التي يمكنها الاستفادة من الحماية القانونية هي تلك المتعلقة بالمنتجات والطرائق والتطبيقات الجديدة وكل الوسائل المعروفة للوصول إلى نتيجة غير معروفة بالنسبة إلى حالة تقنية، وذلك بصريح عبارة المادة 21 من ق 97/17. وما يهمنا من كل هذه الحالات هو التطبيق الجديد لوسائل معروفة للوصول إلى نتيجة جديدة، فبالرجوع إلى مجال الأدوية يلاحظ أن التشريعات المقارنة دأبت على عدم الاعتداد بمثل تلك القاعدة العامة، وبالتالي عدم قابلية استفادة التطبيق العلاجي الجديد من الحماية القانونية عن طريق البراءة، فنطاق الاستفادة من حماية براءة الاختراع ينبغي أن يبقى منحصرا في أول خاصية علاجية له من دون أن تتعداه إلى تطبيقات لاحقة، أي أن كل اكتشاف لخصائص جديدة لنفس الدواء المحمي قانونا لا يشكل في حد ذاته تطبيقا جديدا قابلا لتمديد حماية براءة الاختراع إليه . لكن اتفاقية التبادل الحر ذهبت إلى العكس من ذلك عندما نصت ” براءات الاختراع متوفرة لأية استعمالات أو طريقة استخدام جديدة لمنتوج معروف، بما في ذلك الاستعمالات الجديدة لمنتوج معروف تستخدم لمعالجة الإنسان والحيوان” وبذلك تكون قد مددت من حماية براءة الاختراع إلى كل اكتشاف لخصائص جديدة لنفس الدواء المحمي سابق .
كما أن المغرب من خلال هذه الاتفاقية تخلى عن حقوقه الثابتة في استثناء النباتات والحيوانات من قابلية الحصول على البراءة، حيث نصت الفقرة الثالثة من المادة27 من (ADPIC) على أنه:”يجوز للبلدان الأعضاء أن تستثني من قابلية الحصول على براءة الاختراع ما يلي:
أ-………………………………..
ب-النباتات والحيوانات……………..” وهو نفس ما تبناه المشرع المغربي في المادة 24 من قانون 97/17.
وهكذا فإن اتفاقية التبادل الحر وسعت من نطاق حماية براءة الاختراع بأن وسعت من معايير منحها، كما مددت براءة الاختراع إلى مجالات كانت مستثنيات من نطاق الحماية كالنباتات والحيوانات وذلك حتى تتفق هذه الاتفاقية مع مصالح المشروعات الأمريكية الكبيرة التي تعتمد بصفة أساسية على علم الهندسة الوراثية في إنتاج أصناف جديدة من النباتات و الحيوانات .
تمديد فترة الحماية من قبل البراءة:
بالرجوع إلى المادة 15-9-7 من اتفاقية التبادل الحر نجدها تنص على أنه: “بناء على طلب من مالك براءة الاختراع، يعدل كل طرف من الطرفين مدة حماية براءة الاختراع للتعويض عن أي تأخير غير معقول ينشأ عن مسطرة منح براءة الاختراع. ولأغراض هذا الاتفاق يشمل “التأخير غير المعقول” على الأقل تأخيرا في إصدار براءة الاختراع لمدة تتجاوز أربع سنوات من تاريخ تقديم الطلب، أو سنتين بعد تاريخ إيداع طلب فحص الطلب لدى ذلك الطرف، أي التاريخين يكون لاحقا يطبق. لا تحسب في تحديد مدة ذلك التـأخير الفترات التي تستغرقها الدعاوى التي يرفعها مقدم الطلب” .
لتأتي المادة 15-10-3 لتنص على أنه: “بالنسبة لبراءات الاختراع التي تشمل المنتوجات الصيدلية، ينص كل طرف من الطرفين على تمديد مدة البراءة قصد تعويض مالكها عن أي تخفيض غير معقول للمدة الفعلية للبراءة ناتج عن مسطرة الموافقة على التسويق”.
وهكذا فإن اتفاقية التبادل الحر مددت فترة حماية براءات الاختراع، نظريا، إلى أبعد من 20 سنة التي كانت تشترطها اتفاقية (ADPIC)، وذلك في حالة تأخر الهيئة المكلفة بالملكية الصناعية في منح سند البراءة لمدة تفوق أربع سنوات من تاريخ إيداع طلب براءة الاختراع، أو في حالة تأخر الترخيص بعرض الدواء في السوق أو ما يعرف بشهادة ، ويساوي هذا التمديد عدد الأيام المنصرمة بعد تاريخ الأربع سنوات في الحالة الأولى، وبعد تاريخ انتهاء الأجل المحدد للحصول على رخصة العرض في السوق في الحالة الثانية.
هذا ما أكده المشرع المغربي في قانون 05-31 الذي عدل وتمم بموجبه قانون 97-17 وذلك في إطار ملائمة هذا الأخير مع اتفاقية التبادل الحر بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية، حيث نصت المادة 17-1 على أنه:” استثناءا من أحكام البند أ) من المادة 17 أعلاه، تمدد مدة حماية براءة الاختراع وفقا لأحكام الفقرة الثانية بعده إذا سلمت براءة الاختراع بعد مدة أربع سنوات ابتداء من تاريخ إيداع طلب براءة الاختراع لدى الهيئة المكلفة بالملكية الصناعية، مع مراعاة أحكام المادة 42 بعده.
تساوي مدة تمديد براءة الاختراع عدد الأيام المنصرمة بين تاريخ انتهاء مدة أربع سنوات المشار إليها في الفقرة الأولي أعلاه والتاريخ الفعلي لتسليم براءة الاختراع المذكور.
يضمن تمديد مدة حماية براءة الاختراع في السجل الوطني للبراءات”.
وأضافت الفقرة الأولى من المادة 17-2 من نفس القانون على أنه:” استثناءا من أحكام البند أ) من المادة 17 أعلاه، تمدد مدة حماية براءة اختراع منتوج صيدلي خاضع، بصفته دواء لترخيص بعرضه في السوق طبقا للمقتضيات التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل في هذا الشأن، بناء على طلب من مالك براءة الاختراع أو وكيله بعد أداء الرسوم المستحقة، بفترة تساوي عدد الأيام المنصرمة من تاريخ انتهاء الأجل المحدد للحصول على رخصة العرض في السوق والتاريخ الفعلي لتسليمها “.
هناك من يجد هذا التمديد أمر منطقي ، تفرضه مصالح الأطراف التي تكون قد بذلت من الجهد الفكري والمالي ما يقتضي إيفاءه بمدة استغلال معقولة، خصوصا وأن أصحاب هذه الحقوق يرون بأن مدة 20 سنة تبدو بالنسبة لصناعة الأدوية جد نظرية، فالمدة الفاصلة بين تسجيل البراءة وبداية الاستغلال التجاري للدواء يمكن أن تتراوح بين 10 و 13 سنة، وهكذا فإن الاستغلال ألاستئثاري الفعلي للدواء يقتصر على مدة 7 سنوات، وكل الدراسات في هذا المجال أكدت أن مدة 7 سنوات من الاستغلال ألاستئثاري و 10 سنوات في أحسن الأحوال، تعتبر غير كافية لتمكن الشركات من استرجاع ما تكبدته من مجهودات فكرية واستثمارية . وقد أكدت دراسة أمريكة أنه يلزم على الأقل 12 سنة من الاستغلال ألاستئثاري التجاري للدواء حتى يحقق 8% من الأرباح المتوقعة، وهي نسبة تظل غير كافية بالنسبة لهذه الشركات، خصوصا وأن نفس الدراسة أكدت أن تكلفة بحت وتطوير دواء جديد تقتضي ما بين 200 و 400 دولار أمريكي .
لذلك طالب البعض بأن تكون بداية انطلاق مدة الحماية من يوم الحصول على الترخيص بالولوج إلى الأسواق (AMM)، وليس من تاريخ إيداع البراءة، أو أن تتم إطالة مدة البراءة، وعلى ما يبدوا أن الاقتراح الثاني هو الذي تبنته اتفاقية التبادل الحر بشكل ضمني.
وفي مقابل ذلك نجد اتجاها أخر يعارض تمديد مدة براءة الاختراع ويعتبر ذلك ضربة قاضية لصناعة الأدوية المستنسخة بالمغرب ، خصوصا وأن شركات الأدوية تلجأ إلى طرق عدة من أجل الزيادة في مدة استغلال البراءة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
المطالبة ببراءة اختراع جديدة لحماية طريقة صناعة المنتج ذاته تخالف –قليلا أو كثيرا- الطريق التي تحمي البراءة الأولى.
المطالبة ببراءة أو براءات اختراع تحمي أشكالا مغايرة من المستحضرات الصيدلية لذات المنتج الدوائي فتنال كل براءة جديدة 20 سنة من الحماية تضاف إلى فترة الحماية التي سبق التمتع بها. فعلى سبيل المثال نجد أنه قد تم تقديم 50 براءة اختراع تخص حماية أساليب تشيد مادة الأموبرازول .
استصدار براءة اختراع تتعلق بتشييد المادة الفعالة (Principe actif) تخص العمليات التشكيلية والشكل الصيدلي من أقراص، أو أقراص طويلة المفعول، أو أمبلولات.
إضافة بعض المواد الفعالة أو الاستطبابات إلى الدواء بهدف تمديد فترة الحماية و احتكار السوق.
والنتيجة لذلك يحصل تراكم العشرات بل المئات من براءات الاختراع المتتالية من الناحية الزمنية بدون إلزام قانوني لاستعمالها مما يؤدي إلى تمديد فترة الاحتكار لصالح مالك براءات الاختراع. وأيضا حصول ما يشبه المتاهة تعترض منتجي الأدوية المستنسخة الذين يصبحون غير قادرين على تمييز ما هو محمي وما هو غير محمي نظرا لأن براءة الاختراع تصبح غير متصلة بعبوة دوائية واحدة أو صنف دوائي واحد بل تحمي مجالا أوسع من الأصناف أو الأشكال الدوائية المختلفة. مما يؤدي إلى عدم طرح الأدوية المستنسخة، في مقابل ارتفاع أسعار الأدوية الأصلية إضافة إلى ما تسببه إطالة مدة البراءة من ارتباك في تحديد مدة إنهاء براءة الاختراع .
ربط براءة الاختراع بالترخيص بالتسويق:
في المغرب كما في غالبية البلدان، يبقى تقنين تسويق المنتوجات الصيدلية مفصولا وغير مرتبط بتقنين حقوق الملكية فكلاهما مرتبط بمؤسسات مختلفة، فالأولى من اختصاص مديرية الأدوية بوزارة الصحة، بينما الثانية مرتبطة بالمكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية التابع لوزارة التجارة والصناعة.
لكن بالرجوع إلى المادة 15-10-4 نجد أن الاتفاقية قد أقامت ربطا بين براءة الاختراع ورخصة التسويق، حيث نصت على أنه:”بالنسبة لأي منتوج صيدلي جديد استصدرت عنه براءة اختراع، إذا كان أحد الطرفين يمنح موافقة أو يتلقى طلبا لتسويق منتوج صيدلي على أساس معلومات قدمت سابقا وتتعلق بسلامة و فعالية منتوج صيدلي، بما في ذلك دليل على موافقة سابقة على تسويقه، من جانب أشخاص غير الشخص الذي قدم سابقا هذه المعلومات، فإن ذلك الطرف:
يجب أن يضع ضمن إجراءات مسطرة الموافقة على التسويق تدابير قصد تجنب أن يقوم الأشخاص المذكورون بتسويق منتوج محمي بموجب براءة الاختراع، خلال مدة حماية هذه البراءة إلا بموافقة أو قبول من مالك البراءة.
إذا كان يسمح بتقديم طلبات حماية براءة الاختراع التي تشمل هذا المنتوج، ينص هذا الطرف على إخطار مالك براءة الاختراع بهوية أي شخص آخر يقدم مثل هذا الطلب لتسويق منتوجه خلال مدة حماية براءة الاختراع التي تم إبلاغها إلى السلطة التي تمنح الموافقة، أو حددتها تلك السلطة”.
وبذلك تكون هذه الاتفاقية قد قلصت من “احتياطات بولار” المتضمنة في مدونة الأدوية والصيادلة لمصنعي الأدوية المستنسخة ، حيث سمحت لهم هذه الاحتياطات بتسجيل منتجاتهم قبل انتهاء مدة البراءة الأصلية حتى يتمكنوا من القيام بالاختبارات السريرية لإثبات المطابقة الحيوية مع الدواء الأصلي ، وبذلك يمكن صنع مستنسخات منه فور انتهاء مدة البراءة . هذا الاستثناء في الحقوق الخاصة لمالك البراءة تم إدخاله للولايات المتحدة الأمريكية عبر قانون هاتش-وكسمان في سنة 1984، وذلك في محاولة لإقامة توازن ما بين مصالح صناعة الأدوية المستنسخة ومنتجي الأدوية الجديدة، حيث يساعد هذا القانون على الرفع من إنتاج الأدوية المستنسخة عبر تسهيل ولوجها للسوق في حين يمكن لمنتجي الأدوية الأصلية تمديد براءتهم في بعض الحالات إلى ما بعد 20 سنة.
من هنا يظهر لنا أن اتفاقية التبادل الحر احتفظت بالشق الذي يخدم منتجي الأدوية الأصلية من قانون هاتش-وكسمان دون ذلك المتعلق بالرفع من إنتاج الأدوية المستنسخة عبر بتسهيل ولوجها إلى الأسواق مما يعكس تحيز واضحا للشركات الكبرى المتعددة الجنسية والمختبرات العالمية المنتجة للبراءات.
الاستيراد الموازي:
الاستيراد الموازي هو عملية يجري بموجبها استيراد أحد الدول لأحد المنتوجات المحمية ببراءة اختراع من بلد آخر، تكون تلك المنتوجات أرخص ثمن فيها، على أساس أن صاحب براءة الاختراع قد حصل على مقابل لمنتجه عندما باعه للمرة الأولى.
ويعتبر الاستيراد الموازي حلا للبلدان النامية التي ليست لديها بنية تحتية تتيح لها تصنيع الأدوية المستنسخة باستخدام التراخيص الإجبارية، خاصة وأن الترخيص الإجباري غالبا ما يقتصر على الاستخدام المحلي مما يحدد من مجال الاستيراد الموازي ، وعلى الأساس النظري، فتلك الدول مسموح لها بمنح تراخيص إجبارية لاستيراد الأدوية، لكن العقبة التي كانت مطروحة هنا هي أن اتفاقية (ADPIC) لم تسمح بالاستيراد الموازي للأدوية المستنسخة بل فقط الأدوية ذات الاسم التجاري المحمي ببراءة اختراع، مما يغلق الباب أمام مصدر رخيص من الأدوية.
وتأتي اتفاقية التبادل الحر مع لتزيد الطين بله، حيث نصت المادة 15-9-4 على أنه:”ينص كل طرف من الطرفين أن الحق الإستئثاري لمالك براءة الاختراع لمنع استيراد أي منتوج محمي ببراءة اختراع أو أي منتوج ناتج عن طريقة محمية ببراءة اختراع، بدون موافقة مالك براءة الاختراع، لن يكون محدودا ببيع أو توزيع ذلك المنتوج خارج أراضيه”.
حيث منعت هذه المادة الاستيراد الموازي للمنتوجات المسجلة الذي سمحت به المادة 28 من (ADPIC)، وأعطت لصاحب البراءة سلطة واسعة في تحديد هذا المنع، وبذلك تكون قد سدت الباب أمام استيراد الأدوية بثمن زهيد من البرازيل والهند عوضا عن الولايات المتحدة الأمريكية.
حماية البيانات غير المفصح عنها:
نصت اتفاقية التبادل الحر على حماية البيانات غير المفصح عنها لمدة خمس سنوات – على الأقل- بالنسبة للمنتوجات الصيدلية ، وعشر سنوات بالنسبة للمنتوجات الكيمائية التي تستخدم لأغراض زراعية و اتفاقية التبادل الحر بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية ذلك وفقا للمادة 15-10-1 منها التي نصت على أنه:” إذا كان أحد الطرفين يشترط للموافقة على تسويق منتوج صيدلي جديد أو منتوج كيميائي يستخدم لأغراض زراعية تقديم:
بيانات قصد تحيد ما إذا كان استعمال هذا المنتوج لا يشوبه أي خطر وأنه فعال، أو
دليلا على موافقة سابقة على المنتوج في أراضي أخرى يقتضي تقديم هذه المعلومات،
لا يسمح ذلك الطرف لأشخاص ينتمون لطرف ثالث، لا يملك موافقة من الشخص الذي قدم المعلومات، أن يسوق المنتوج على أساس الموافقة التي منحت للشخص الذي قدم تلك المعلومات لمدة خمس سنوات على الأقل بالنسبة للمنتوجات الصيدلية وعشر سنوات على الأقل بالنسبة للمنتوجات الكيميائية التي تستخدم لأغراض زراعية اعتبارا من تاريخ موافقة ذلك الطرف. ولأغراض هذه الفقرة، المنتوج “الجديد” هو المنتوج الذي يتوفر على عنصر كيميائي جديد لم يكن موضوع موافقة سابقة في أراضي ذلك الطرف” .
فبعد أن يتوصل مختبر إلى دواء جديد، ويقوم بإيداعه لدى المكتب المغربي للملكية الصناعية للحصول على براءة الاختراع، إذا استفت جميع الشروط يحصل المختبر على سند الملكية، وتبعا لذلك حماية لمدة 20 سنة تبدأ من تاريخ الإيداع.
إلا أن الحصول على براءة الاختراع يعتبر غير كاف لتسويق الدواء بالمغرب إذ يلزم الحصول على ترخيص الولوج إلى الأسواق (AMM) من طرف مديرية الأدوية بوزارة الصحة، هذه الأخيرة تستلزم إيداع ملف يتضمن بيانات بشأن الدواء تتعلق بالمحافظة على صحة المواطنين، حيث تطلب نتائج الاختبارات الخاصة بالدواء التي أجريت على الحيوان ثم لإنسان، والتي تتضمن عدم سمية الدواء وعدم وجود أثار جانبية خطيرة وفعالية الدواء لعلاج أعراض المرض، هذا ما يطلق علية البيانات غير المفصح عنها، حيث يمنع على وزارة الصحة الكشف عن ذلك الملف خلال مدة الحماية، وبالتالي فإن المختبرات المغربية ستكون ملزمة بانتظار المدة المحددة للحماية براءة الاختراع وهي 20 سنة –دون احتساب التمديد- تم المدة المحددة لحماية البيانات غير المفصح عنها، والتي تقدر ب 5 سنوات على الأقل بالنسبة للمواد الصيدلية، حتى تتمكن من استنساخ الدواء. مما يشكل طريقة أخرى لإقامة احتكار بالنسبة لمنتوج دوائي جديد بشكل منفصل عن البراءة بل وحتى في حالة غياب براءة. وقد كان من المنطقي أن تنص الاتفاقية على أن حماية البيانات المودعة لدى وزارة الصحة تنقضي بانقضاء مدة حماية البراءة.
من هنا يظهر لنا أن اتفاقية التبادل الحر بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية فيما يخص صناعة الأدوية،قد جاءت بمستويات عالية من الحماية بمقتضى حقوق الملكية الصناعية، فإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها دولة متقدمة تستطيع تحمل مثل هذه المستويات من الحماية، خصوصا وأنها سعت إلى تمرير معظمها، فإن المغرب وصناعته الدوائية لا يستطيع تحمل مثل هذه المستويات من الحماية. فهل ما يتوقعه المغرب من مصالح اقتصادية يوازي ما سيفقده المغاربة من حق في دواء وصحة سليمة؟
إذا كانت النقطة السالفة تتعلق بالجانب القانوني والتشريعي للاتفاقية، فإننا من خلال النقطة التالية سنحاول إلقاء نظرة عن المميزات والسلبيات المتوقعة للاتفاقية على الجانب الاقتصادي والاجتماعي للاتفاقية على صناعة الأدوية بالمغرب.
ثالثا- الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية المحتملة على صناعة الأدوية:
ربما مازال الوقت مبكرا للجزم بما يمكن أن تحمله الاتفاقية من انعكاسات اقتصادية أو اجتماعية على صناعة الأدوية بالمغرب، لكن هذا لم يمنع من توقع بعض هذه الآثار التي تضاربت بشأنها الآراء بين مِؤيد يعترها إيجابية ومعارض لا يرى فيها إلا السلبيات:
الإيجابيات المتوقعة للاتفاقية
بالرغم من التحديات التي سيواجهها المغرب عند تطبيقه لاتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة الأمريكية، فإنه في مقابل ذلك يتوقع البعض بعض الإيجابيات التي يمكن تلخيصها في ما يلي:
تشجيع الابتكار والاكتشاف، حيث أن تشديد الحماية بمقتضى هذه الاتفاقية لحقوق الملكية الصناعية، يشجع شركات الأدوية الأمريكية على رفع ميزانيتها المخصصة للبحت وتطوير الأدوية الجديدة، مما يزيد من قدرتها على الإبداع وتسويق اختراعاتها في المغرب.
المساعدة على نقل التكنولوجيا: ستؤدي هذه الاتفاقية إلى تيسير الحصول على توقيع العديد من اتفاقات التصنيع المشتركة بين شركات الأدوية الأمريكية والمغربية، مما سيؤدي إلى نقل الخبرات على المستوى الفني والتجاري إلى هذه الأخيرة.
منع الاتجار في البضائع المقلدة: لعل من أكبر اهتمامات هذه الاتفاقية هي إلزام المغرب على التخلص والقضاء على سوق البضائع المقلدة وتضيق نطاق استيراد مثل هذه البضائع .
التأثير على التجارة والاستيراد التصدير: حيث من المتوقع أن تضع هذه الاتفاقية الكثير من المسؤوليات على شركات الأدوية –سواء منها الأمريكية أو المغربية- مند التفكير في طرح منتجاتها في أسواق الطرف الأخر، وعلى مستوي التزامها بحقوق الملكية الصناعية وكيفية حماية منتجاتها وما يجب عليها لتجتنب الوقوع تحت طائلة الجزاء.
تحسين الحالة العامة للمواطنين المغاربة من خلال حصولهم على منتجات دوائية جديدة بجودة عالية.
إيقاف هجرة الأدمغة من المغرب إلى البلدان الصناعية الكبرى: نظرا لغياب القوانين التي تمس إنتاجهم الفكري، نظرا لتوفر الفرص المنشودة في بلادهم.
2) السلبيات المتوقعة للاتفاقية:
يبدي المعرضون للاتفاقية العديد من السلبيات التي يرون أن الاتفاقية تتسبب فيها أو لا تعالجها بصورة جيدة، كما يلي:
بسبب تمديد مدة حماية البراءة، تم تضيق الخناق على صناعة الأدوية المستنسخة، الأرخص ثمنا، مما سيؤدي إلى رفع أسعار الأدوية التي تحمل براءة اختراع، حيث يذكر أحد التقارير أن أسعر الأدوية في الأردن ارتفعت بنسبة 20% وهي مرشحة للارتفاع أكثر عند توقيعها لاتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة الأمريكية, كما تعادل بعض أدوية ضغط الدم في الأردن 8 أضعاف الأدوية المشابهة في مصر التي لم تنظم للاتفاقية . الشيء الذي لن ينحصر تأثير على توفير الصحة بل سينعكس سلبا على قدرة المغرب على توفير الخدمات الأساسية، مثل التعليم ومستوى الرعاية المقدمة للفئات الخاصة كالمعوقين والأطفال والمسنين .
هذا الجدول يعكس الفرق بين أسعار الأدوية التي تحمل براءات اختراع ونظيرتها المستنسخة .
2 اعتماد الصناعة الدوائية في المغرب على الصناعة التشكيلية والتقليدية ومحدودية رأس المال المستثمر وقصر عمرها، الأمر الذي سيضعف قدرتها على منافسة الأدوية التي تحمل براءات اختراع، خاصة في ظل القيود الإضافية التي فرضتها الاتفاقية، ومن حيث جدواها الاقتصادية وفوائدها المستقبلية المتوقعة التي ستنخفض وبشكل واضح ما لم يتم تبني الإستراتيجية الملائمة لمواجهة هذه القيود الجديدة .
3 فرضت الاتفاقية حربا غير عادلة بين الدين يملكون والدين لا يملكون، وجدت من قدرة المغرب على مجارات التكنولوجيا الدوائية الحديثة لتوفير دواء فعال وبسعر معقول لمواطنيه، خاصة وأن الميزانية التي يخصصها المغرب للبحث هي جد ضئيلة مقارنة بتلك المخصصة في الولايات المتحدة الأمريكية.
4 إطلاق يد صاحب البراءة وإعطاءه قوة احتكارية مطلقة تنصرف على كافة أوجه الاستغلال التجاري، وسيواجه المستهلك المغربي هذه المشكلة بغض النظر على السياسات البديلة، فإذا اتجهنا نحو التصنيع بموجب امتيازات، فإن هذه الامتيازات لن تكون هبة مجانية، كذلك الأمر بالنسبة للاستيراد الموازي الذي أصبح مقيدا بموجب هذه الاتفاقية، الشيء الذي يجعل من صاحب البراءة المنتج الوحيد والمحتكر الأول، وهكذا فمهما تعددت أوجه البدائل المقترحة فإن النتيجة الرئيسية ستكون ارتفاع أسعار الأدوية بالنسبة للمواطن في غياب البديل.
5 المقتضيات التي جاءت بها اتفاقية التبادل الحر مددت مدة حماية براءة الاختراع لما يفوق 20 سنة، وحددت حماية البيانات الغير مفصح عنها في خمس سنوات، بمعنى أن تصنيع الأدوية المستنسخة لا يمكن أن يتم إلا بعد مضي 20 سنة من تاريخ الاكتشاف، وبعد مضي 5 سنوات بالنسبة للمنتوج الذي يتم اشتقاقه من المنتوج الأصلي وهذا الأمر يحد من تنافسية المغرب ويطرح إشكالية استيراد الأدوية بثمن زهيد من البرازيل والهند عوضا عن الولايات المتحدة الأمريكية .
6 التشديد في الحماية يعطي-على العكس مما هو متوقع- نتائج عكسية، حيث يتم خرق هذه الحماية وعدم الالتزام بمقتضياتها. ونعطي مثالا عن ذلك الأزمة الدوائية الدولية التي تفجرت مؤخرا حيت غالت شركة الشركات الكبرى التي تتحكم في صناعة أدوية الإيدز، وهي للعلم أدوية لا تقضي على الفيروس المسبب للمرض، وإنما فقط توقف نشاطه، إذا اتخذت بجرعات يومية لمدة سنة، في رفع أسعارها . هذا إذا علمنا أن دخل الفرد في كل الدول الإفريقية، متدني إلى حد أنه لا يكفي لسد الاحتياجات اليومية الضرورية للأسرة، فلنا أن نتخيل معاناة مرضى الإيدز الذين يعرفون أن هناك أدوية يمكن بواسطتها وقف نشاط الفيروس الخطير المسبب للمرض ومع ذلك لا يستطعون شراءها .
أيا كان الأمر، فهناك حقيقة واحدة مؤكدة، ألا وهي أن اتفاقية التبادل الحر ستغير عمل الصناعات الدوائية المغربية، وأنها ستؤدي إلى ارتفاع أسعار الأدوية، مما سيكون له تأثير سيئ المغاربة وحقهم في العلاج، سواء فور تطبيق الاتفاقية أو على المدى البعيد، وما سيحدث في المستقبل نتيجة لهذه الاتفاقية على كل من أسواق الدواء والصناعة الدوائية وميزان المدفوعات للأدوية واستهلاك الأدوية من قبل المستفيدين والسياسات الدوائية والأنظمة القانونية، لن يغير هذه الحقيقة بل على العكس من ذلك سيؤكدها.