دراسات قانونية
بحث قانوني موجز حول حصانة المنظمة الدولية ومقاضاتها
مقاضاة المنظمة و حصاناتها
المؤلف : هديل صالح الجنابي
الكتاب أو المصدر : مسؤولية المنظمة الدولية
من الطبيعي جداً ان يفكر اي شخص في الحقوق وليس في الواجبات، وبما اننا كنا وما نزال نبحث في مسؤولية المنظمة الدولية فمن الطبيعي ان نجد اشارات واضحة تدل على حقها في المطالبة بالتعويض عن الضرر الواقع عليها، وقد اثير فعلاً هذا الامر امام محكمة العدل الدولية، ولكن عندما تكون هناك حقوق تكون هناك واجبات ايضاً، وفي حالة الاخفاق في اداء هذه الواجبات يكون من الممكن ان تُطالب المنظمة بالتعويض ايضاً، إذ ان المسؤولية تشتق من السلطة، صحيح ان المنظمة لا تملك سلطات تساوي سلطات الدول فهي لا تملك جيشاً او معدات عسكرية يمكن عن طريقها ان تفرض رغباتها، ولا تمارس التجارة – الا في اطار ضيق جداً – وليس لها شعب يتوجب عليها حماية مصالحهُ، وليس لها اقليم تفرض عليه سلطتها – عدا بعض الاقاليم التي تديرها من اجل المجتمع الدولي وليس تحت عنوان السيادة – ولكل ما تقدم، ولكون مدى السلطات التي تملكها اقل بكثير من تلك التي تملكها الدول، فإن مدى المسؤولية المحتملة سيكون اصغر من ذلك الخاص بالدولة، كما ان فرصة ايقاعها للضرر اقل، وكذلك الحال بالنسبة الى الدعاوى المرفوعة ضدها، لذلك فإن مناقشة مسؤولية المنظمة الدولية قد تكون تخمينية في بعض الاحيان، لذلك سنحاول في هذا الموضوع ان نعالج جانباً من جوانب مسؤولية المنظمة الدولية، والذي يتعلق بكيفية تحريك دعوى ضد المنظمة الدولية، ولأجل تغطية الموضوع من كافة الجوانب سنعالجه في مطلبين وعلى النحو الآتي:
المطلب الأول: قاعدة استنفاذ طرق التقاضي الداخلي والمنظمة الدولية
عند مناقشة العلاقة بين القاعدة العامة لاستنفاذ طرق التقاضي الداخلي وقانون المنظمات الدولية نجد ان هذه العلاقة تتبلور في صورتين، الصورة الاولى تظهر من خلالها المنظمة الدولية بوصفها مدعية في مواجهة شخص اخر من اشخاص القانون الدولي الذي ينسب اليه العمل غير المشروع – وهذه الصورة تخرج عن نطاق دراستنا – اما الصورة الثانية فهي التي تكون فيها المنظمة الدولية الطرف المدعى عليه فهل هناك متسع لتطبيق قاعدة استنفاذ طرق التقاضي الداخلي ولاسيما بعد ان دافع (Eagelton) عن ضرورة تطبيق القاعدة عندما تظهر المنظمة طرفاً مدعياً، وذلك في السنة التالية لصدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية حول قضية تعويض الاضرار، وبعد التأكيد على عقلانية القاعدة ومزاياها عند تطبيق قانون المسؤولية، كما انه لايوجد سبب يمنع اتباع القاعدة اذ انها سترفع العبء عن كاهل المنظمة الدولية، وتعطي المنظمة المدعى عليها فرصة التعويض، واصلاح الضرر من دون تحريك لدعوى المسؤولية، وقد دعم الكثير من الكتّاب هذا الرأي، وفي قضية التعويـض عن الاضـرار (1949) اقـر نائب الامين العـام السيد (A. Feller) (بأنه يجب افساح المجال لتطبيق القاعدة اذا كان ذلك ممكناً) (1).
كما اشترط (Brownlie) ان يكون العمل الدبلوماسي الذي تقوم به دولة ما تعرض احد رعاياها لعمل ظالم اضر به قامت به منظمة دولية يشكل خرقاً للقانون الدولي لاحقاً كاستنفاذ طرق التقاضي الداخلي، وقبل الدخول اكثر في تفصيلات هذا الموضوع لابد من الاشارة الى ان المنظمة الدولية تقف في موقف المدعى عليه اما امام شخص عادي (فرد) او ان يكون المتضرر موظفاً دولياً لدى المنظمة ذاتها وثمة فروق بين هاتين الحالتين، وهو ما سنحاول ايضاحه فيما يأتي:
فإذا كان المتضرر فرداً عادياً فإنه يجب التفرقة بين حالتين، الاولى حالة عدم وجود اتفاق دولي بين المنظمة الدولية والدولة المدعية بصدد تسوية المنازعات، ففي هذه الحالة لا يمكن الزام الشخص المتضرر باللجوء الى الوسائل الداخلية للمنظمة قبل تحريك الدعوى الدولية، وذلك لانعدام عنصر الإلزام القانوني، وكذلك لاتوجد اي رابطة بين الفرد والمنظمة تبرر خضوعه الى وسائلها الداخلية، ويذهب الاستاذ الغنيمي الى المعنى ذاته فيقول (ان قاعدة وجوب استنفاذ طرق التقاضي الداخلية ترتبط باعتبارات عملية تتعلق بتجنب تكرار المطالبات عن طريق الحماية الدبلوماسية ويكون الاجانب قد ربطوا انفسهم بالنظام المحلي، واعتبارات سياسية تتمثل بالمحافظة على سيادة الدولة ومن الواضح ان الاعتبارين غير متوافرين بالنسبة الى المنظمات الدولية).
(2) اما في حالة وجود اتفاق مسبق بين المنظمة الدولية والدولة المدعية بصدد تسوية المنازعات التي قد تنشأ بين الطرفين، فالرأي الراجح في هذه الحالة يذهب الى وجوب استنفاذ المتضرر الى طرق التسوية المدرجة في الاتفاق قبل قيام دولة المتضرر بتحريك دعوى المسؤولية، وهذه الوسائل قد تكون ادارية او قضائية، كما قد تكون تابعة لا حدى الدول كدولة المقر التي ابرم العقد بموجب تشريعها الداخلي، وقد تكون محكمة تحكيم.(3) وقد حظيت القاعدة باهتمام معهد القانون الدولي في دورة زغرب لعام 1971 من خلال عملها حول موضوع “شروط تطبيق القواعد الانسانية للنزاع المسلح على المنازعات التي قد تشترك فيها قوات الامم المتحدة”، اذ تم التأكيد على قاعدة استنفاذ طرق التقاضي الداخلي من خلال مسودة المادة (8) وقد اشار (Rolin) الى ضرورة تطبيق القاعدة مع الاخذ بعين الاعتبار التغيرات الضرورية الواجب ادخالها على القاعدة لتتلاءم مع مسؤولية الامم المتحدة، وبعد طرح، مسودة القرار للتصويت تم تبنيه بأغلبية (39) صوت مع امتناع واحد عن التصويت، وقد نصت المادة (8) من القرار على الآتي: (ان الامم المتحدة مسؤولة عن الضرر الذي تسببه قواتها نتيجةً لانتهاك القواعد الانسانية للنزاع المسلح، ويجب ان يتم لجوء الاشخاص المتضررين الى هيئات مؤلفة من اشخاص يتسمون بالنزاهة والحياد، وتشكل هذه الهيئات بموجب الانظمة والقواعد الصادرة عن الامم المتحدة او من خلال الاتفاقيات التي تبرمها المنظمة مع الدولة المعنية او تنشأ بقرار ملزم صادر عن المنظمة، وعند قبول الدولة التي يعد الشخص المتضرر من رعاياها باختصاص هذه الهيئات، فلن تقوم الدولة المدعية بأي عمل ضد الامم المتحدة ما لم يكن الشخص المتضرر قد قام باستنفاذ جميع طرق التسوية المتاحة وذلك من خلال الهيئات سالفة الذكر).(4)
ويتضح مما تقدم ان تطبيق قاعدة استنفاذ طرق التقاضي الداخلي في هذه الحالة يتوقف على وجود اتفاق مسبق بين طرفي النزاع، هذا اذا كان الطرف الثاني فرداً عادياً، اما اذا كان الطرف الثاني موظفاً دولياً، اي ان يتعرض الموظف الدولي لعمل غير مشروع صادر عن المنظمة الدولية او احد أجهزتها فيكون الموظف هو المدعي والمنظمة الدولية مدعى عليها، فالأمر في هذه الحالة يختلف تماماً، فمن المعلوم ان اي موظف دولي يتمتع بجملة من الصلاحيات والاختصاصات التي يستخدمها بدوره من اجل تحقيق اهداف ومقاصد المنظمة، ومن ثم فكان لزاماً على المنظمة الدولية ان توفر له الحماية اللازمة ليعمل في جو يسوده الطمأنينة والاستقرار، وربما تحقق هذا الامر او جانب منه من خلال الحصانات والامتيازات التي تمنح للموظف الدولي، اما الجانب الاخر من الحماية اللازم توفيرها له فيتمثل في الحماية من تعسف الادارة الدولية للمنظمة او سوء تقديرها، ولاجل تحقيق هذا الامر فقد تم إنشاء اجهزة داخل المنظمات الدولية ذات طبيعة ادارية وقضائية تتكفل بتسوية المنازعات التي تثور بين الموظف الدولي والمنظمة، وذلك لانعدام الامكانية في اللجوء الى القضاء الوطني لدولة المقر اما بسبب اتفاقية المقر او بسبب الحصانة القضائية للمنظمة الدولية ذاتها في مواجهة القضاء الوطني لدولة المقر، وهكذا فإن حالة تضرر الموظف الدولي تثير الجدل حول امكانية تطبيق قاعدة استنفاذ طرق التقاضي على مستويين الاول بوصفها شرطاً ضرورياً لتدخل دولة الموظف لاجل حمايته دبلوماسياً، والثاني بوصفها شرطاً سابقاً على قبول الدعوى امام الجهة القضائية المختصة داخل المنظمة ذاتها.
ففي المستوى الاول لا يمكن للدولة المدعية حماية مواطنها الذي يعمل موظفاً دولياً في المنظمة الدولية، الا اذا كان الاخير قد استنفذ جميع الوسائل الادارية والقضائية لا صلاح الضرر الناجم عن العمل غير المشروع المنسوب الى المنظمة، فلا يحق للدولة المدعية طبقاً للقانون الدولي العام ان تتدخل لحماية مواطنها الموظف الا بعد استنفاذه لجميع طرق التقاضي المتاحة، وذلك لإتاحة الفرصة امام المنظمة لا صلاح الضرر على المستوى الداخلي، والحيلولة دون مساءلتها دولياً، والتقليل من اسباب المنازعات الدولية، ولكي تتجنب المنظمة الاساءة الى موقفها وعلاقتها مع غيرها من اشخاص القانون الدولي (5)، وغني عن البيان ان القواعد العامة تقضي باستبعاد القاعدة عند عدم فاعلية الوسائل الداخلية للمنظمة وعجزها عن اصلاح الضرر، ولكن خضوع الموظف لقضاء المنظمة لا يتأسس على نظرية الاختصاص القضائي وانما على الرابطة الوظيفية.(6)
اما المستوى الثاني فيتمثل باستنفاذ الموظف الدولي للوسائل الداخلية للمنظمة كشرط سابق على قبول دعواه امام الجهة القضائية المختصة التابعة للمنظمة ذاتها، ويختلف هذا النوع من الاستنفاذ عن القاعدة العامة حيث تقع المشكلة التي نحن بصددها الان بالكاملة ضمن مدى قانون المنظمة، كما انها تتعلق او تختص بشروط خدمة الموظفين الدوليين في المنظمات الدولية، ففي الحالات السابقة يفترض تطبيق القاعدة وجود اكثر من نظام قانوني واحد بحيث يعد استنفاذ وسائل النظام القانوني الاول شرطاً اساسياً لاعمال النظام القانوني الثاني، في حين ان الحالة المطروحة تفترض العكس حيث ان القاعدة ستكون مطلوبة ومطبقة ضمن نظام قانوني واحد، وهو النظام القانوني للمنظمة الدولية وهو اقرب الى صنف القانون الاداري للمنظمات منه الى صنف القانون الدولي، وهو القانون الذي يحكم الوظيفة الدولية، ويشتمل هذا النظام على نوعين من السبل لتسوية المنازعات التي تثور بين الموظف والمنظمة، النوع الاول يتضمن السبل الادارية التي تتمثل في حق التظلم، الذي يقدم اما الى السلطة الرئاسية او الى اللجان الادارية المتخصصة مثل هيئة الاستنئاف المشتركة بالامانة العامة للامم المتحدة، ولجنة التظلمات في ظل منظمة الدول الامريكية والمجلس الاستئنافي في ظل منظمة اليونسكو، ولكن هذه السبل الادارية المطروحة قد تكون وسائل غير ناجعة لاصلاح الضرر لافتقارها الى الطابع القانوني فهي وسائل ذات طبيعة ادارية بحتة، تعتمد الى حد كبير على التقدير، كما انها مكونه من الموظفين انفسهم، وهم لذلك اشخاص غير مستقلين، والاهم من ذلك كله هو ان اختصاص هذه اللجان هو اختصاص استشاري فقط اما القرار النهائي فهو للسلطة الرئاسية، كما ان هذه اللجان تشكل عن طريق التعيين لا عن طريق الانتخاب، وهذا الامر لايقدم الضمان اللازم للتقاضي المتمثل في الاستقلال والحيــاد.(7)
اما النوع الثاني فيتضمن السبل القضائية، ويتمثل في القضاء الاداري الدولي للمنظمات الدولية، ويتمتع هذا القضاء بصلاحية النظر في دعاوي الموظفين ضد المنظمة الدولية واصدار الاحكام الملزمة بموجب القانون، وهذا السبيل يمثل الضمانة الحقيقية للموظف الدولي، لانه مكون من قضاة مستقلين في الراي يتسمون بالحياد والنزاهة، وتأتي امكانية مناقشة قاعدة الاستنفاذ في الانتقال بين المستويين سالفي الذكر، اذ ان قانون المحاكم الادارية للمنظمات الدولية ينص على ذلك، من ذلك نص المادة (7) من قانون المحكمة الادارية للامم المتحدة (UNAT)، والتي تختص بشروط قبول الشكاوى اذ تنص هذه المادة على انه (1- لن يتم التطبيق مالم يكن الشخص المعني قد قدم النزاع الى هيئة دعاوي مشتركة منصوص عليها في ضوابط الموظفين وقامت الاخيرة بتقديم رأيها الى الامين العام، الا اذا كان الامين العام والطالب بالاشتراك قد اتفقا على تقديم الطلب مباشرةً الى المحكمة الادارية)(8)، كما تنص المادة (1) من نظام الخدمة في الامم المتحدة على انه (سوف يقوم الامين العام بوضع آلية ادارية لمشاركة الموظفين لمعالجة الالتماس المقدم من قبل الموظفين الاعضاء ضد قرار اداري تعسفي او ضد اي عمل انضباطي)(9)، كما بينت المحكمة موقفها من قاعدة الاستنفاذ ومدى اصرارها على الالتزام بتطبيقها في جملة من القضايـا منها قضية (Kahale) الحكم رقم (165) في 20 تشرين الاول 1972 القضية رقم (153)، فقد ردت المحكمة الدعوى لانها وجدت ان المدعي فشل في اتخاذ الخطوة الاولى فلم يقدم التماسه الى مجلس مشترك ولم يوجه رسالة الى الامين العام وعليه لم يكن هناك اي اساس للدعوى، وكذلك في قضية (Hilpern) مع وكالة الامم المتحدة لاغاثة اللاجئين الفلسطينيين في قضية الشرق الادنى الحكم رقم (65) في 7 كانون الاول 1956 القضية رقم (60)، وفي قضية (salvinelli) القرار رقم (126) في 13 آيار 1969 القضية رقم (121)، ردت المحكمة دعاوى المدعين وذلك لتخلف قاعدة الاستنفاذ التي تعد ركناً اساسياً يجب توفره لتحريك الدعوى في نظر المحكمة الادارية للامم المتحــدة.(10)
وقد سارت المحكمة الادارية لمنظمة العمل الدولية على النهج ذاته فقد نصت المادة (7) من النظام الاساسي للمحكمة على انه (1- لن يتم استلام اية شكوى مالم يكن القرار المطعون فيه نهائياً والشخص المعني قد استنفذ كافة الوسائل الاخرى)(11)، هذا وقد قامت المحكمة بأعمال هذا النص في مناسبات عديدة نذكر منها قضية (Tewfik) يونسكو في قرار المحكمة رقم (196) في 13 تشرين الثاني1972 اذ ردت المحكمة الدعوى، واشارت الى ان دعوى المتقدم لا يمكن قبولها لانها وجدتها مناقضة للمبدأ المتعلق باستنفاذ اجراءات الالتماس الداخلية، كما ان المحكمة سبق ان اكدت ضرورة اعمال قاعدة الاستنفاذ من خلال عدد من الدعاوي نذكر منها دعوى (Ambrozy) فاو في القرار رقم (119) في 18 اذار 1968، وكذلك في دعوى (ozorio) منظمـة الصحـة العالمية القرار رقم (185) في 8 تشرين الثاني 1971، ودعـوى (Mcmullan) ضد اليونسكـو في قرارها رقم (146) في 26 ايار 1970 (12). ان الهدف من القاعدة هو التقليل من عدد المنازعات القضائية بين المنظمة الدولية والعاملين فيها، وذلك من خلال طرحها اولاً على اجهزة ادارية منشئة اصلاُ لغرض وضع الحلول لهذا النوع من المنازعات، ولكن تطبيق القاعدة انفة الذكر في هذا المجال لا يعد عرفياً اوتلقائياً وانما يشترط وجود نص في نظام المحكمة الادارية يقضي بتطبيقها، ويحدد فترة زمنية معنية يتم خلالها تقديم المطالبات.
وسنحاول ايضاح ما تقدم من خلال قانون جمعية الاقتصاد الاوربية وقاعدة الاستنفاذ، اذ تعد تجربة الجمعية الاقتصادية الاوربية تجربة غير مسبوقة، فالغرض من انشائها هو خلق سوق مشتركة يؤثر عملها مباشرةً على مواطني الجمعية فهي اكثر من اتفاقية تخلق التزامات متبادلة بين الاطراف المتعاقدة، لانها تشكل نظاماً جديداً في القانون الدولي، فلفائدتها قامت الدول بالحد من حقوقها السيادية، ولو ان ذلك قد جاء في ميادين محددة، فهذا التشريع لا يضع حقوقاً ولا يفرض التزامات على الدول فحسب بل على الافراد ايضاً وبدرجة متساوية، فالاوراق المقدمة في مؤتمر غرينوبيل 1973، ومؤتمر بروكسل 1975، كلاً منها يتناول وسائل المعالجة الممنوحة للافراد بموجب قانون الجمعية الاقتصادية الاوروبية، والمعاهدة الاوربية لحقوق الانسان، وكليتهما تستبعد تطبيق قاعدة الاستنفاذ، وقد اكدت ذلك محكمة العدل التابعة للجمعية من خلال قضية (Humblet) ضد بلجيكا، وذلك حين حرك موظف في الجمعية دعوى ضد دولته على اساس ان السلطات المحلية البلجيكية قد خرقت شرط الاعفاء الضريبي، وقد واجهت المحكمة سؤالين الاول يخص امكانية قبولها الدعوى والامر يرتبط تحديداً باستطاعة الفرد تحريك الدعوى بالاستناد الى المادة (16) من بروتوكول امتيازات وحصانات الجمعية، وكذلك باستطاعته تحريك الدعوى قبل استنفاذ طرق التقاضي الداخلي، وقد جاء في حكمها الصادر في 16 كانون الاول 1960 (ان نص المادة 16 لم يتضمن اية اشارة الى الاجراء الواجب اتباعه قبل تقديم الدعوى الى السلطة القضائية المختصة في الجمعية وقد كان نص المـادة واضحاً بمعنى ان كل شخص يعد نفسه متضرراً من جراء تفسير او تطبيق البروتوكول يمكنه تقديم النزاع الى المحكمة دونمـا حاجة الى تطبيق قاعدة الاستنفاذ).(13)
الا ان الاعفاء من تطبيق القاعدة لا يقلل باي شكل من الاشكال من اهميتها، التي دفعت اعضاء مجلس العصبة الى دراستها، فقد شكل المجلس لجنة ثلاثية تتكون من نواب كلاً من: “اسبانيـا، وايطاليـا، والنرويـج” وذلك لدراسـة امكانيـة تطبيـق القاعـدة في قضيـة (Finnish Vessels) وكان النزاع بين كلاً بين كلاً من بريطانيا وفلنده يدور حول امتناع بريطانيا عن تقديم تعويضات لملاك السفن الفلندية لادعائها بان هؤلاء الملاك لم يستنفذوا وسائل الطعن المتاحة التي وضعها القانون الانجليزي والتي كانت في متناول ايديهم، هذا وقد قام مجلس العصبة بتناول موضوع النزاع في جلسة ايلول عام 1931، وجلسة كانون الثاني 1932، ولم تجد اللجنة الثلاثية ان النزاع يمكن ان يؤدي الى قطع حالة السلم، ولم تجد ان الدول المتنازعة ملزمة بقبول الحسم التحكيمي او القضائي بموجب المادة (13) من ميثاق العصبة، ولذلك رأت اللجنة مصالحة الطرفين، واحالة قضية تطبيق قاعــدة الاستنفـاذ الى التحكيم، وفي 9 ايار 1934 قدم المحكـم (Algot Bagge) تعليقه الشهير حول القضية والذي اكد من خلاله على ان ملاك السفن قد استنفذوا في الحقيقة كافة وسائل الطعن المتاحة لهم(14)،وقد تم التعامل مع القاعدة في مناسبات اخرى عديدة في اطار عصبة الامم. وقد كانت هذه القاعدة موضع نقاش ايضاً من قبل الجمعية العامة للامم المتحدة وهي بصدد وضع مسودة قراراها المتعلق بالسيادة الدائمية على الموارد الطبيعية، والذي تم تبنيه في 17 كانون الاول 1973، والذي تؤكد الفقرة (3) منه على (ان تطبيق مبدأ التأميم الذي تقوم به الدول تعبيراً عن سيادتها حتى تؤمن مواردها الطبيعية، يعني ضمناً ان كل دولة مخولة بتقدير او تحديد مقدار التعويض الممكن دفعه وكيفية الدفع، اما الخلافات التي قد تظهر فيمكن تسويتها بانسجام مع التشريع الوطني لكل دولة، وعلى كل دولة ان تقوم باتخاذ التدابير اللازمة).(15)
ومن كل ما تقدم يظهر لنا بجلاء ان هذا النوع من الاستنفاذ المطبق في اطار قانون المنظمات الدولية – او بعبارة ادق – في ضمن المحاكم الادارية التابعة للمنظمات الدولية، في تطور مستمر، الا ان هذا التطور الحاصل سيسجل لصالح نظام تسوية المنازعات الخاص بالمنظمات الدولية، لا لصالح القاعدة بوصفها شرطاً من شروط الحماية الدبلوماسية، وذلك لاختلافهما من حيث الاساس والطبيعة، ومن اكبر الشواهد على حركة التطور المستمر دفاع الاستاذ (Andre Gros) عن الرأي القائل بأنه يجب ان يكون هناك نوع من التعويض القضائي ضد القرارات الصادرة عن المنظمات الدولية على غرار الاجراء الفرنسي في تجاوز السلطة “excess of power” او الغاء القرار، او الالغاء والتعويض معاً، وذلك من خـلال مناظـرة حول الموضـوع جرت في جمعيـة (Grotius) عام 1950، وقد ظهرت اثناء النقاش اشارات صريحة الى قاعدة الاستنفاذ، وبعد مرور سبع سنين تمت مناقشة الموضوع من قبل معهد القانون الدولي(16)، الامر الذي يبين اهمية القاعدة في اطار قانون المنظمات الدولية والدليل على ذلك حركة التطور المستمرة والسريعة التي اصابت القاعدة ضمن هذا الاطار.
المطلب الثاني: مقاضاة المنظمة وتسوية منازعتها
اصبح عالم اليوم مليئاً بالمنظمات الدولية التي تعمل على نطاق عالمي او على نطاق اقليمي، اذ انها تفعل اشياء كثيرة، لم يكن من المتوقع ان تكلف بها عندما انشئت المنظمات اول عهدها، فهي مكلفة الان بمهام علمية واجتماعية، وسياسية، واقتصادية، وبيئية، الا ان هذه المنظمات المختلفة بمهامها المتعددة هذه تخضع الى القانون الدولي العام، والذي يتضمن مبدأ عاماً غاية في الاهمية ينص على ان “الوحدة القانونية تكون مسؤولة عن تعويض الاضرار التي تسببها” وهكذا فان المبدأ قد يجعل امكانية مسائلة المنظمة الدولية عن الافعال غير المشروعة مسائلة قضائية امراً ممكن الحدوث وان اصطدام ببعض العقبات التي من اهمها حصانات المنظمة، كما يمكن اللجوء الى مسائل اخرى بهدف تسوية المنازعات التي تكون المنظمة طرفاُ فيها، والتي تتدرج من اتفاق الطرفين على تسوية مناسبة وصولاُ الى طلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية، ولاجل معالجة الموضوع من جوانبه كافة فلا بد من مناقشته في فرعين وعلى النحو الاتي:
الفرع الأول: مقاضاة المنظمة
مر بنا انه قد ترتب على ثبوت الشخصية القانونية للمنظمة الدولية جملة من الآثار، ومن اهمها ثبوت الشخصية القانونية للمنظمة الدولية في النظم القانونية الداخلية لكافة الدول الاعضاء، وغير الاعضاء المعترفة بالمنظمة، ويترتب على ذلك جملة من الحقوق للمنظمة الدولية منها حق المنظمة في التعاقد والتملك والتقاضي(17)، كما ان الشخصية القانونية للمنظمات الدولية تعطيها حق المطالبة بالتعويض عن الاضرار التي قد تلحق بها او بموظفيها وهذا هو الجانب الايجابي في مسؤولية المنظمة، الا انها في الوقت نفسه تكون مسؤولة عن الافعال غير المشروعة الصادرة عنها او عن احد موظفيها، وهو الجانب السلبي للمسؤولية، وهذا يعني ان المنظمة قد تكون مدعية في دعوى المسؤولية كما يمكن ان تكون مدعى عليها في دعاوي يرفعها اخرون، وهو امر وضحته محكمه العدل الدولية في رأيها الاستشاري المتعلق بالتعويض عن الاضرار.
الا ان حق المنظمة في التقاضي ليس حقاً مطلقاً بل هو حق مرتبط بجملة من الامور منها ان يكون موضوع الدعوى داخلاً ي اختصاصات المنظمة، وان يكون قابلاً للعرض امام القضاء الداخلي، كما ان حصانة المنظمة ضد التقاضي لا تعيق حقها في اللجوء الى الإجراءات القانونية المتفق عليها لحل النزاع كأن يكون ذلك باللجوء الى القضاء الوطني، فالمقصود بالحصانة القضائية عدم اختصاص محاكم الدول الاعضاء في المنظمة او غير الاعضاء فيها بالنظر في الدعاوي التي ترفع ضد المنظمة الدولية ما لم يكن هناك اتفاق او شرط في عقد أبرمته المنظمة يعطي المحكمة هذا الاختصاص اما نطاقها فيشمل المنازعات التي قد تنشأ بين احدى الدول والمنظمة، والمنازعات التي تثور بين المنظمة وموظفيها ذلك انها تتعلق بالنظام الداخلي للمنظمة والمنازعات الناشئة عن العقود التي تبرمها المنظمة، وكذلك عن الحوادث التي تتسبب بها المنظمة كحوادث السير.(18)
وعلى هذا الاساس تقدمت الامم المتحدة بشكوى ضد حكومة الولايات المتحدة الامريكية في عام 1950 للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحق بها نتيجةً لفقدها لشحنة البان تم شحنها نيابةً عن اليونسيف في سفينة تابعة للحكومة الامريكية، كما حكمت احدى المحاكم الفرنسية على شخصين ارتكبا غشاً تجاه اليونسيف بدفع تعويض الى الاخيرة عن الضرر الذي لحق بها.(19) وبما اننا ما نزال في اطار القانون الوطني فلا بد من ان ننظر الى هذه المسألة من زاوية اخرى مبينين مدى امكانية مقاضاة المنظمة الدولية امام القضاء الوطني ولاسيما ان القاعدة هنا هي ” حصانة المنظمة القضائية” ما لم تتنازل هي عن هذا الحق وترفع الحصانة عن المنظمة في حدود ذلك التنازل، فكما هو معلوم ان هذه الحصانات والامتيازات مقررة اصلاً لاجل تيسير عمل المنظمة بغية تحقيق اهدافها.
وقد تضمنت المادة الثانية من الاتفاقية العامة لامتيازات وحصانات الامم المتحدة هذا المعنى فقد نصت على ان (2- تتمتع هيئة الامم المتحدة واموالها وموجوداتها اينما كانت وفي حوزة ايً كائن او جهة كانت للصيانة من اي شكل من اشكال التعقيبات القانونية ما عدا قضايا معينة تكون الهيئة قد صرفت فيها النظر بصورة خاصة وقطعية عن صيانتها غير انه من المفهوم ان صرف النظر عن الصيانة في اية قضية كانت لا يتناول التدابير الاجرائية).(20)
نستنتج من كل ما تقدم ان مسألة مقاضاة المنظمة امام المحاكم الوطنية غير ممكنة الا اذا صدرت عن المنظمة موافقة صريحة، واياً كان موضوع الدعوى سواء تعلق بأمر يطلب من المنظمة تنفيذه كان تكون تعاقدت لشراء شيء ما او تعلق الامر باخلاء مبنى، او تعلق باجبارها على القيام بعلم او تقديم معلومات او دفع مبلغ تحت يدها من حق موظف، كما لو رفعت دعوى من قبل زوجة احد موظفي الامم المتحدة تطالب فيها الامم المتحدة بان تدفع له راتب زوجا السابق لسداد ديون لها عليه، علماً ان الزوج لا يزال حياً ويتقاضى راتباً لقاء عمله في المنظمة، فالحصانة تغطي هذه الدعوى سواء كان الزوج يعمل كموظف في المنظمة ذاتها او في اي جهاز من اجهزتها الفرعية، وسواءً تعلقت الدعوى بمعلومات رسمية خاصةً بالمنظمة او كانت مرفوعة ضد احد موظفيها او ضد طرف ثالث ويراد اقحام المنظمة في الدعوى، ويلاحظ ان المحاكم تحترم حصانة المنظمة الدولية وعدم خضوعها للقانون الوطني، ولكن اذا كانت المنظمة الدولية شخصاً قانونياً فيجب ان توفر الاجراءات التي يستطيع الاخرون من خلالها اقامة دعاواهم ضدها، وهو الامر الذي اشار اليه الدكتور (Feller) في تصريحه امام المحكمة بأن (الامم المتحدة وفي بعض الامثلة تمارس نفس الحقوق الاجرائية التي من خلالها ترفع دولة معينة دعوى دولية ضد دولة اخرى وتشمل هذه الحقوق القيام بالمفاوضات، والتبادل الدبلوماسي، والاتفاق على التحكيم، والحسم القضائي، كل هذه الامور متاحة للمنظمة وفقاً للقانون الدولي، الا ان العمل بها يتطلب ان تكون المنظمة هي المدعيــة).(21)
اما اذا كانت المنظمة هي المدعى عليه، فالامر مختلف، فالمنظمة لا تمثل امام القضاء وفي حال رفعت دعوى ضدها، فاءنها ترسل بمذكرة مكتوبة الى وزارة خارجية الدولة المعنية تطالبها باتخاذ ما يلزم لاخطار الجهاز المختص بأن الدعوى لا يمكن نظرها امام القضاء بسب حصانة المنظمة، فلا يبقى امام المدعى الا وسيلة استنفاذ طرق التقاضي الداخلي، اما اذا كان المدعي موظفاً في المنظمة ففي هذه الحالة، تكتفي المنظمة بالتذكير بأن هناك جهات داخل المنظمة تختص بالفعل في مثل هذه الدعاوي.(22) ومن الجدير بالذكر ان دساتير بعض المنظمات الدولية تتضمن نصوصاً تشكل خروجاً على ما سبق طرحه، من ذلك المادة (7) في قسمها الثالث من دستور البنك الدولي للأنشاء والتعمير، والمادة (6) من ميثاق وكالة التنمية الدولية (IDA) والمادة (6) من ميثاق مؤسسـة التمويل الدولية (FC)(23)، اذ في كل ما تقدم ذكره من مواد هناك اشارة الى امكانية مقاضاة المنظمة امام المحاكم المختصة للدول الاعضاء.(24)
ومن الجدير بالذكر ان الحصانة الممنوحة للمنظمة الدولية ضد التقاضي لا تعني بأي شكل من الاشكال اعفاءً من المسؤولية، بل هي مجرد عائق اجرائي يمنع مقاضاتها. اما مسؤولية المنظمة الدولية على الصعيد الدولي –اي امام القضاء الدولي– فستجابه بقيد مهم الا وهو المادة (34) من النظام الاساسي لمحكمة العدل الدولية، اذ ان المادة تنص على ان (للدول وحدها الحق في ان تكون طرفاً في الدعاوي التي ترفع للمحكمة)، وبالاستناد الى ما تقدم لا يجوز للافراد او الهيئات الخاصة او العامة، ولا المنظمات الدولية ان ترفع دعاوي امام المحكمة دفاعاً عن مصلحة فرد او هيئة خاصة او عامة تابعة لها، فعلى الرغم من ثبوت شخصيتها القانونية التي اكدتها محكمة العدل الدولية في (11) نيسان 1949، الا انه لا يجوز لها ان تكون طرفاً في دعوى امام المحكمة، وذلك لان نص المادة (34) صريح بهذا الشأن، كما لا تملك اية دولة حق اللجوء الى المحكمة، وانما يقصر النظام الاساسي هذا الامر على ثلاث فئات من الدول وهي، فئة الدول الاعضاء في الامم المتحدة اذ عد نص المادة (93) في فقرته الاولى جميع اعضاء الامم المتحدة بحكم عضويتهم اطرافاً في النظام الاساسي للمحكمة، اما الفئة الثانية فتشمل الدول المنضمة الى النظام الاساسي للمحكمة من دون ان تكون اعضاء في الامم المتحدة وقد نصت المادة (93) في فقرتها الثانية على ان انضمام هذه الدول يكون بشروط تحددها الجمعية العامة بناءً على توصية صادرة عن مجلس الامن وقد حددت الجمعية العامة هذه الشروط بقرار صدر عنها في (11) كانون الاول 1946، اما الفئة الثالثة والاخيرة فتشمل الدول التي ترغب في التقاضي امام المحكمة من دون ان تكون عضواً في الامم المتحدة او في النظام الاساسي للمحكمة فقد نصت المادة (35) من النظام الاساسي للمحكمة في فقرتها الثانية على ان (يحدد مجلس الامن الشروط التي يجوز بموجبها لسائر الدول الاخرى ان تتقاضى الى المحكمة…)، هذا وقد حدد مجلس الامن هذه الشروط بقراره الصادر في (15) تشرين الاول 1946.(25) وهكذا يظهر جلياً انه ليس بمقدور المنظمة الدولية التقاضي امام محكمة العدل الدولية، لكن ذلك لا يمنعها من التقدم بطلب رأي استشاري من المحكمة الا ان ذلك مقصور على المنازعات القضائيــة.(26) ولكن بعد اتساع نشاط المنظمات الدولية وزيادة المنازعات المترتبة على ذلك، لم يعد لمسألة التفريق بين المنظمة والدولة ما يبررها، الامر الذي يدعو الى اعادة النظر في المادة المذكورة، كما ان المنظمات اصبحت تلجأ الى وسائل اخرى لحل مشاكلها مثل طلب رأي استشاري من محكمة الدول الدولية او اللجوء الى التحكيم.
الفرع الثاني: تسوية المنازعات التي تكون المنظمة طرفاً فيها
تتمتع المنظمة الدولية … بحصانة ضد التقاضي، وهذا الامر يسري على موظفيها – في حدود معينة – ولكن هذا لا يعني تضييع حقوق الغير المتضرر بأي شكل من الاشكال، لذلك فإن اتفاقيات المقر، واتفاقيات مزايا وحصانات المنظمات الدولية درجت على اعتماد وسائل مناسبة تضمن من خلالها حقوق الاخرين من اي اعتداء قد يقع عليها. ومن ذلك الاتفاقية العامة لمزايا وحصانات الامم المتحدة اذ نصت في فصلها الثامن الذي جاء بعنوان “فض المنازعات” ان على هيئة الامم المتحدة النظر في طريقة مناسبة لتسوية المنازعات وذلك من خلال المادة (29)(27)، اذ قد تتحمل المنظمة المسؤولية في مواجهة دولة عضو او غير عضو في المنظمة او امام منظمة دولية اخرى، وعند نشوب اي نزاع بين المنظمة واي شخص اخر يتم اللجوء اولاً الى احكام الاتفاق الذي ينظم عمل المنظمة مع الطرف الثالث الذي ثار النزاع في مواجهته، اما في حالة عدم احتوائه على احكام كفيلة بحل النزاع ففي هذه الحالة يتم الرجوع الى القواعد القانونية العامة في القانون الدولي هذا وقد جاءت المادة (29) من الاتفاقية العامة لمزايا وحصانات الامم المتحدة بتصنيف للمنازعات التي يمكن ان تكون المنظمة طرفاً فيها فنصت على الآتي:
(أ- لفض المنازعات الناشئة بسبب التعاقد والمنازعات الاخرى المتعلقة بالقانون الخاص والتي تكون هيئة طرفاً فيها.
ب- لفض المنازعات التي يكون احد موظفي الهيئة الذي يتمتع بالحصانة بحكم مركزه الرسمي طرفاً فيها ولم يكن الامين العام قد رفع عنه الحصانة).(28)
وهكذا تتنوع سبل حل المنازعات ووسائلها وتختلف من منظمة الى اخرى، الا ان اهم هذه السبل هي انشاء لجان المطالبات للنظر في الادعاءات المقدمة ضد المنظمة الدولية، وهو ما نصت عليه اغلب الانظمة التي تنظم عمل قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، اذ تتكون اللجنة من ثلاثة اعضاء يتم اختيار العضو الاول من قبل الامين العام اما الثاني فتختاره حكومة الدولة المضيفة اما الثالث فيشترك في اختياره كلً من الامين العام وحكومة الدولة المضيفة اما في حالة الفشل في الاتفاق لاختيار العضو الثالث، فان رئيس محكمة العـدل الدولية سيقوم بتعيينـه، وقد نصت المادة (29) فقرة (ج) من الاتفاق المعقود بين الامم المتحدة وكندا حول تمويل قوات حفظ السلام في قبرص الموقع في نيويورك (21) شباط 1966 على انشاء لجنة مطالبات لحل النزاعات الناجمة عن افعال القوات او اعضائها، كما قد تقوم المنظمة الدولية بعقد اتفاقيات محددة لتسوية مطالبات معينة تقوم على اساس الضرر الناجم عن العمل غير المشروع لموظفي المنظمة من ذلك الاتفاق الذي عقد بين كلً من الامم المتحدة والحكومة البلجيكية حول تعويض رعايا بلجيكيين في الكونغو عام 1965، والاتفاق المعقود بين الامم المتحدة والجمهورية العربية المتحـدة حول اضرار نجمت عن حوادث المركبـات عام 1960.(29)
كما يمكن ان تلجأ المنظمة الدولية الى وسائل اخرى لحل المنازعات، فعند استحالة التوصل الى حل القضية المطروحة، او لم تكن المفاوضات بين الامين العام والدولة ذات العلاقة ذات جدوى، غالباً ما يتم احالة النزاع الى التحكيم، وهو من اهم وسائل فض المنازعات التي تكون المنظمة الدولية طرفاً فيها، وتتكون لجنة التحكيم من ثلاثة محكمين، يتم اختيار المحكم الاول من قبل الامين العام، اما الثاني فيتم اختياره من قبل الدولة المعنية، اما الثالث فاختياره يكون عن طريق ترشيح يشترك فيه كل من المحكمين اما في حالة عدم اتفاقهما على الترشيح، فانه يتم ترشيحه من قبل رئيس محكمة العدل الدولية وهذا الاجراء سيؤدي الى حسم الخلاف، اذ ان القرار التحكيمي هو قرار نهائي وملزم(30)، كما يمكن ان تلجأ المنظمة الى محكمة العدل الدولية فقد سمحت المادة (65) من النظام الاساسي لمحكمة العدل الدولية للمحكمة بأن تفتي في اي مسألة قانونية بناءاً على طلب اية هيئة رخص لها الميثاق بذلك، اذ نصت هذه المادة على الآتي-
(1- للمحكمة ان تفتي في اي مسألة قانونية بناءاً على طلب اية هيئة رخص لها ميثاق الامم المتحدة باستفتائها او حصل الترخيص لها بذلك طبقاً لاحكام الميثاق المذكور.
2- الموضوعات التي يطلب من المحكمة الفتوى فيها تعرض عليها في طلب كتابي يتضمن بياناً دقيقاً للمسألة المستفتى فيها وترفع به كل المستندات التي قد تعين على تجليتها).
كما جاءت المادة (96) من ميثاق الامم المتحدة لتسير على ذات النهج فقد نصـت على انه (1- لاي من الجمعية العامة او مجلس الامن ان يطلب الى محكمة العدل الدولية افتاءه في اي مسألة قانونيــة.
2- ولسائر فروع الهيئة والوكالات المتخصصة المرتبطة بها ممن يجوز ان تأذن لها الجمعية العامة بذلك في اي وقت ان تطلب ايضاً من المحكمة افتاءها فيما يعرض لها من المسائل القانونية الداخلة في نطاق اعمالها).
وبالاستناد الى ما تقدم نصت المادة (30) من الاتفاقية العامة لمزايا وحصانات الامم المتحدة على ان (يرفع كل خلاف في تفسير او تطبيق هذه الاتفاقية امام محكمة العدل الدولية مالم يتفق الطرفان في حالة معينة على اللجوء الى طريق اخر للتسوية واذا حدث خلاف بين هيئة الامم المتحدة من جهة وبين احدى الدول الاعضاء من جهة اخرى فيطلب ابداء الرأي القانوني وفقاً للمادة (96) من الميثاق والمادة (65) من قانون المحكمة ويكون قرار المحكمة في ذلك نهائياً وملزماً للطرفيــن).(31)
اما الموظفون الدوليون العاملون في المنظمة فهؤلاء يقسمون الى قسمين والاول يتضمن الموظفين الذين لا يتمتعون بحصانة عن الفعل المرتكب وهؤلاء سيكون وضعهم كأي فرد عادي،اما القسم الثاني فيضم الموظفين الذي يتمتعون بتلك الحصانة فلاجل كفالة حقوق الغير وضمان احترامها تتم معالجة الامر بوسائل عديدة اولها التنازل عن تلك الحصانة، او بالتفاوض والاتصال بحكومة الدولة المعنية من اجل الوصول الى اتفاق تسوية، او اتخاذ اجراءات ادارية من قبل الامين العام لمنع حدوث هذه الاعمال مجدداً، او حتى اتخاذ اجراءات تأديبية تجاه الموظف المعني، ومن ثم وباستخدام احدى هذه الوسائل تتم التسوية.(32)
الا ان بعض المنظمات ذهبت الى ما هو ابعد من ذلك، فقد قام بعضها بوضع الية قضائية ملزمة فض نزاعات المسؤولية عن افعال موظفيها غير المشروعة، اذ توجب المادة (215) من اتفاقية السوق الاوربية المشتركة (تطبيق مبادئ القانون العامة للدول الاعضاء في تحديد اي تعويض عن الضرر الذي قد نجم خلال تنفيذ تعليمات الاتحاد وتعطي المادة (178) الاختصاص في نظر مثل هذه الدعاوى لمحكمة العدل الاوربية).(33)
__________________
1-A. A. Cancado Trindade، Exhaustion of Local remedies and The Law of international organizations، Revue droit international، Mars، 1979، p.83.
2- د محمد طلعت الغنيمي- الغنيمي الوسيط في قانون السلام (القانون الدولي وقانون الامم وقت السلم) – المعارف بالاسكندرية – 1993– ص304.
3- لمياء عبد الحسين الخياط– قاعد استنفاذ طرق التقاضي الداخلية – رسالة ماجستير مقدمة الى كلية القانون جامعة بغداد – العراق – 1999- ص215.
4-A. A. Cancado Trindade، o.P. cit، P. 86.
5- M. Perez Conzalez، oP. cit، P. 69.
6- J.E.S. Fawcett، The exchaustion of local remedies: subiance of procedure، The British year book of international law، 1945، P. 456.
7- لمياء عبد المحسن – مصدر سابق – ص218 – 219.
8- B. O. LLuyomade، Dual Clam and the Local Remedies Rule in International Law، Revue Egyptienne de Droit International، Vol.32، 1976، p.177.
9- A. A. Cancado Trindade، op.cit، P. 87.
10- A. A. Cancado Trindade، op.cit، PP.88-97.
11- Ibid، P.92.
12- Ibid، PP. 92. 94.
13- A. A. Cancado Trindade، op.cit، P.100.
14- A. A. Cancado Trindade، op.cit، P.104.
15- I bid، P. 107.
16- A. A. Cancado Trindade، op.cit، P.109.
17- د. محمد سامي عبد الحميد- قانون المنظمات الدولية (النظرية العامة – الامم المتحدة) – الكتاب الاول – الطبعة الثالثة – مؤسسة الشباب الجامعي – مصر – 1972– ص72–73.
18- د. عبد العزيز محمد سرحان- دور محكمة العدل الدولية في تسوية المنازعات الدولية وإرساء مبادئ القانون الدولي العام (مع تطبيق على مشكلة الشرق الاوسط) – الطبعة الثانية – اسم المطبعة غير موجود – مصر – 1986– ص209.
19- د. احمد ابو الوفا- المنظمات الدولية وقانون المسؤولية الدولية – المجلة المصرية للقانون الدولي – العدد (51) لسنة 1995– ص78.
20- د. محمد يوسف علوان– القانون الدولي العام (وثائق ومعاهدات) – تنشر بدعم الجامعة الاردنية – الاردن – 1978 – ص474.
21- C. E agleton، op. cil، P. 403.
22- د. احمد ابو الوفا– مصدر سابق – ص 83.
23- د. احمد ابو الوفا– مصدر سابق – ص 86.
24- اما اذا كانت الامم المتحدة هي المدعية.
فلقد تبنت الامانة العامة في قرارها رقم (365) الصادر في 1/12/ 1949 وعلى اساس توصيات الامين العام بهذا الخصوص اجراءات تحريك دعوى المسؤولية وعلى النحو الاتي:
أ- تخويل الامين العام برفع دعوى المسؤولية ضد حكومة الدولة العضو او غير العضو المسؤولية لغرض الحصول على التعويض المطلوب، والمتعلقة بالضرر الذي لحق بالمنظمة، وقد تحال المسألة الى التحكيم عندما يتعذر حلها عن طريق المفاوضات.
ب- تخويل الامين العام لاتخاذ خطوات او ان يتفاوض في كل قضية خاصة بالاتفاقات الضرورية لاصلاح الفعل.
ج- بطلب من الامين العام ان يقدم تقريراُ سنوياً عن دعاوى الاضرار التي تحدث اثناء خدمته والاجراءات المتخذة بشأنها.
C. E agleton، op. cit. P. 407.
25- د. مفيد شهاب- سند ونطاق حصانات وامتيازات الموظفين الدوليين – المجلة المصرية للقانون الدولي – العدد (43) لسنة 1982– ص 347.
26- نفس المصدر السابق– ص 346.
27- د. محمد يوسف علوان- القانون الدولي العام (وثائق ومعاهدات) – نشر بدعم الجامعة الاردنية – الاردن – 1978– ص478.
28- نفس المصدر السابق – ص478.
29- ثابت محمد عبد الله– مسؤولية الموظف الدولي في مجال الوظيفة الدولية – رسالة ماجستير مقدمة الى كلية القانون في جامعة بغداد – العراق – 2001 – ص109–110.
30- Mahnoudh H. Arsanjani – Claims against International Organizations، The yale Journal of world Public Order، volume 7، Namber2، spring، 1981. P. 172.
31- د. محمد يوسف علوان– مصدر سابق – ص478.
32- Mahnoush H. Arsanjani، op. cit ، p. 173.
33- ثابت محمد عبد الله – مصدر سابق – ص112.