دراسات قانونية
بحث ودراسة قانونية حول صفة كل من الجاني والمجني عليه عند المفاجأة بجريمة الزنا
صفة الجاني في حالة المفاجأة بالزنى :
إن قانون العقوبات العراقي النافذ قد اشترط في المادة (409) منه صفة خاصة بالجاني، وهو ان يكون زوجاً للمجنى عليها أو محرماً لها، إذ نصت المادة المذكورة على (…من فاجأ زوجته أو إحدى محارمه…). وسيتم بحث المقصود بالزوج والحالات التي لاتتوفر فيها صفة الزوج، مع بيان موقف القوانين المقارنة من صفة الجاني، وذلك في ثلاثة فروع.
الفرع الأول : المقصود بالزوج :
يقصد بالزوج الشخص الذي يرتبط بعلاقة زواج بامرأة تحل له شرعاً(1). وقد عرفت المادة(3/1-احوال شخصية) الزواج بأنه عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعاً غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل(2). والزواج ينعقد بإيجاب –يفيد لغة او عرفا- من احد العاقدين وقبول من الآخر ويقوم الوكيل مقامه (المادة/4-احوال شخصية) ولا اهمية بعد ذلك ان يكون الزواج موثقاً من محكمة شرعية(3). أو مجرد زواج عرفي، على أنه يلزم أن تكون العلاقة الزوجية قائمة بين الجاني والمجنى عليها وقت ارتكاب جريمة القتل او الاعتداء وفقاً لقواعد قانون الاحوال الشخصية لكي يستفيد الزوج من أحكام المادة (409) عقوبات. ولا يختلف الحال إذا كان طرفا العقد مسلمين أو مسيحيين أو هو مسلم وهي كتابية(4). وبما أن قانون العقوبات العراقي قد اشترط ان يكون الجاني زوجاً أو محرماً، لذلك يمكن القول بأن العذر المخفف لا يّعد متوفراَ إذا كان الجاني امرأة، كزوجة المجنى عليه أو الأم أو الشقيقة لأن القانون العراقي لم يعطِ الحق بالتخفيف إلى الزوجة أو القريبة الأنثى بل أشترط ان يكون الجاني رجلاً وهو زوج المجنى عليها أو احد محارمها، فإذا فوجئت زوجة بزوجها أو أم بأبنتها في حالة تلبس بالزنى أو الوجود في فراش واحد مع أخرى أو آخر وارتكبت جريمة القتل أو الاعتداء في الحال، فأنها لا تستفيد من التخفيف المنصوص عليه (409) عقوبات وتُسأل عن جريمة قتل أو اعتداء عادية، ولكن يمكن عّد ارتكاب الزوجة أو الأم أو الشقيقة للجريمة في هذه الحالة قد تم لبواعث شريفة وتخفف عقوبتها بموجب المادة (130) عقوبات.
الفرع الثاني : حالات لا تتوفر فيها صفة الزوج :
لا يستفيد من العذر المخفف من لا تتوفر فيه صفة الزوج، كمن يرتبط مع المجنى عليها بعلاقة معينة بغير عقد الزواج، كما لو كان خطيباً او عشيقاً(5) أو كان يعيش مع المرأة بدون عقد زواج رسمي او عرفي. فالخطبة لاتعتبر عقداً (المادة 3/3- أحوال شخصية)، وبالتالي فالخطيب لا يّعد زوجاً لأن ما يربطه بخطيبته ليس عقد زواج، وبذلك فالخطيب لا يستفيد من العذر المخفف أن اقدم على قتل خطيبته حال مفاجأته بتلبسها بالزنى أو الوجود في فراش واحد مع شخص آخر، وكذلك العشيق أو من يعيش مع امرأة بدون عقد زواج شرعي، إذ لايوجد لديهم عقد زواج يمنحهم صفة الزوج، ويُسأل كل منهم عن جريمة قتل أو اعتداء عادية خالية من هذا العذر المخفف. وكذلك الشأن فيمن نكح زوجة غيره(6) أو معتدته(7) أو فيمن عقد نكاحه على إحدى محارمه(8) أو نكح خامسة فوق اربع(9) أو جمع بين المرأة واختها(10)، ثم فوجئ بالمعقود عليها في ذروة الاثم مع غيره فاقدم على قتلها هي او شريكها او هما معاً. وعلة عدم انطباق النص في هذه الاحوال ظاهرة فأن ما يربط الرجل بالمرأة ليس عقداً معتبراً، فهو لايّعد في الشرع ولا في القانون زوجاً لها بل هو أجنبي عنها ولذلك فأن قتله اياها (او الاعتداء عليها) يوجب عقابه بمثل ما يعاقب به غيره من القتلة الآخرين، فالزواج يصح شرعاً وينتج اثره في التخفيف متى استوفى شرائطه(11).
______________________
[1]- نصت المادة (12) من قانون الاحوال الشخصية العراقي رقم (188 لسنة 1959) على أنه (يشترط لصحة الزواج ان تكون المرأة غير محرمة شرعاً على من يريد التزوج بها).
2- يعرف الزواج شرعاً بأنه عقد يفيد حل استمتاع الرجل بأمرأة لم يمنع من العقد عليها مانع شرعي. ينظر محمد زيد الابياني، شرح الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية، ج1، مكتبة النهضة، بيروت-بغداد، بلا سنة طبع،ص4.
3- نصت المادة (10-احوال شخصية) على أنه (يسجل عقد الزواج في المحكمة المختصة بدون رسم في سجل خاص وفقاً لشروط معينة). وقد قضي بأنه (يّعد عقد الزواج المسجل في محكمة الأحوال الشخصية حجة منحها القانون قوة التنفيذ). قرار محكمة استئناف واسط بصفتها التمييزية، رقم 199/ت/تنفيذ/2002 في 25/8/2002. مجلة العدالة، مرجع سابق، ع4، 2002، ص89.
4- نصت المادة (17-أحوال شخصية) على أنه (يصح للمسلم أن يتزوج كتابية ، ولا يصح زواج المسلمة من غير المسلم).
5- قضت محكمة التمييز في العراق بالمصادقة على حكم ببراءة متهم في قضية تتلخص وقائعها بأن المدعو (ك) خطف البنت (و) البالغة من العمر (20) عاماً من محل اقامتها بسوق الشيوخ وبرأته المحكمة من جريمة الخطف لتحقق الرضا وانتفاء الاكراه وبقي يعاشر المزبورة، غير أنها ملته وعاشرت المدعو (هـ)، فاقام عليهما المدعو (ك) دعوى زنى منتحلاً صفة الزوج فقررت المحكمة رد دعواه إذ لم تجد أي مبرر قانوني يجعل من العشيق زوجاً له حق رفع دعوى زنى لعدم وجود عقد شرعي بينهما. القرار رقم 426/ج/53 في 1/4/1953. اشار إليه د. عباس الحسني و كامل السامرائي، مرجع سابق، المجلد الثاني، ص422. هامش رقم 1.
6- قضت محكمة التمييز في العراق بأنه (يكون الزواج الثاني باطلاً ويحكم بالتفريق إذا كانت الزوجة وقت اجرائه بعصمة زوج آخر). القرار رقم 128/شرعية /64 في 26/2/1964. اشار إليه باقر الخليلي، تطبيقات قانون الاحوال الشخصية، مطبعة الارشاد، بغداد، 1964، ص48.
7- الدليل على حرمة نكاح المعتدة قوله تعالى(والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) سورة البقرة-الآية/228. وقوله تعالى (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب اجله) سورة البقرة- الآية /235. أي لا يبرم عقد الزواج الا بعد انقضاء العدة. ينظر حسين علي الأعظمي، أحكام الزواج، ط1، شركة الطبع والنشر الأهلية المحدودة، بغداد، 1949، ص55.
8- ينظر نص المادة (12-أحوال شخصية)
9- قال تعالى (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) سورة النساء-الآية/3. وفي هذا الاطار قضت محكمة التمييز في العراق بأنه (إذا كان لزوج اربع زوجات معقود عليهن بالعقد الدائمي وتزوج خامسة بالعقد الدائمي ايضا فيكون العقد الأخير باطلاً لأنه ممنوع شرعاً). القرار رقم 508/شرعية/63 في 4/12/1963. اشار إليه ابراهيم المشاهدي، المبادئ القانونية في قضاء محكمة التمييز في قسم الاحوال الشخصية، مطبعة اسعد، بغداد، 1989، ص150.
10- قال تعالى (وإن تجمعوا بين الإختين) سورة النساء-الآية /23. وقول الرسول الكريم محمد (r) (لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على ابنة اخيها ولا على ابنة اختها فإنكم إن فعلت ذلك قطعتكم ارحامكم) لذلك لا يجوز للرجل ان يتزوج احداهن على امرأته سواء كانت تحت نكاحه حقيقة أو حكماً كما إذا كانت في العدة، إذ يعد زواجاً باطلاً ويجب التفريق. لمزيد من التفاصيل ينظر حسين علي الأعظمي، مرجع سابق، ص52.
11- ينظر د. عوض محمد، مرجع سابق، ص113. د. محمد زكي أبو عامر، مرجع سابق، ص542.
صفة المجنى عليه في حالة المفاجأة بالزنى :
إن المجنى عليه في حالة المفاجأة بالزنى، إما أن تكون الزوجة أو إحدى المحارم.
وسيتم بحث ذلك في الفرعين الآتيين:
الفرع الأول : الزوجة :
ليس كل علاقة بالمرأة يمكن وصفها بأنها علاقة زوجية، لذلك سيتم بحث المقصود بالزوجة، وأثر وقوع الطلاق في قيام العذر القانوني المخفف، خاصة إذا حصلت المفاجأة بالزنى بعد وقوع الطلاق بأنواعه وخلال مدة العدة.
اولاً- المقصود بالزوجة :
إن زوجة المرء هي من ارتبطت معه بعقد نكاح شرعي، أي هي المرأة التي تزوجها الرجل بعقد. ولا يشترط ان يكون هذا العقد رسمياً بل ان العقد العرفي(1) يكفي لكي تّعد المرأة زوجة، وحيث لا يوجد العقد فلا تّعد المرأة زوجة، وبذلك تخرج الخطيبة والعشيقة ومن تعاشر آخر معاشرة الأزواج بدون عقد زواج شرعي، من صفة الزوجة. وكذلك الحال إذا كان عقد الزواج فاسداً أو باطلاً(2) فلا تقوم به الرابطة الزوجية وقد نصت المادة (6/احوال شخصية) على انه لا ينعقد عقد الزواج إذا فقد شرطاً من شروط الانعقاد أو الصحة، المنصوص عليها في المادة نفسها. إن المرجع في تعريف الزوجة والزواج هو قانون الاحوال الشخصية للجاني، فبالنسبة للشريعة الاسلامية تكتسب الزوجية بالعقد الصحيح النافذ وتظل قائمة حقيقة أو حكماً ما بقي العقد دون انفصام وتنتهي بالطلاق البائن(3) دون الطلاق الرجعي(4) ما لم تنقضي عدتها(5)، فالطلاق الرجعي لا ينهي العقد ولا يفك رباط الزوجين حتى تنقضي مدة العدة(6). إن العلاقة الزوجية تتوفر قانونا متى تم اجراء العقد صحيحاً واستوفي شروط انعقاده وصحته، فالقانون لم يشترط لقيام صفة الزوجية إن يكون الزوج قد دخل بالزوجة، لذلك يمكن القول ان الشخص الذي يرتكب جريمة قتل او اعتداء ضد المرأة التي عقد عليها شرعا وغير الداخل بها، وشريكها او كليهما معاً حال المفاجأة بالتلبس بالزنى او الوجود في فراش واحد، فأنه يستفيد من العذر المخفف. ولما كانت المجنى عليها يجب أن تكون زوجة لذلك لا يتوفر العذر المخفف ان وقعت الجريمة ضد سواها.
ثانياً- اثر وقوع الطلاق في قيام العذر:
إن الطلاق هو رفع قيد الزواج بايقاع من الزوج أو الزوجة إن وكلت به أو فوضت أو من القاضي ولا يقع الطلاق الا بالصيغة المخصوصة له شرعاً (المادة/34/1-احوال شخصية). وينقسم الطلاق باعتبار وقوعه إلى قسمين(7)، هما : الطلاق الرجعي والطلاق البائن. يكون الطلاق رجعياً إذا وقع بطلقة واحدة أو اثنتين(8)، ولا ينحل به الزواج قبل مضي مدة العدة، وطول هذه المدة تّعد الزوجية قائمة حكماً وللزوج الحق في مراجعة مطلقته في أي وقت يشاء اثناء هذه المدة، فلو حدث إن مارست المرأة المطلقة طلاقاً رجعياً فعلاً جنسيا غير مشروعاً وكان ذلك في اثناء مدة العدة تعد زانية وتسأل جنائياً عن هذه الجريمة، اما إذا انقضت مدة العدة ولم يراجعها زوجها فأن المرأة تسترد حريتها، فأن مارست الفعل الجنسي لا تعد مرتكبة لجريمة الزنى(9). ولما كانت الزوجية قائمة حكماً خلال مدة العدة في الطلاق الرجعي، فبذلك يمكن القول معه بتوفر العذر المخفف إذا ارتكب الزوج جريمة القتل أو الاعتداء في هذه المدة حال المفاجأة بالتلبس بالزنى او وجود المجنى عليها في فراش واحد مع الشريك. أما الطلاق البائن وهو ما تنحل به الرابطة الزوجية في الحال، فهو على نوعين(10):
الطلاق البائن بينونة صغرى(11)، وهو ما جاز فيه للزوج التزوج بمطلقته بعقد جديد، فهو يزيل الملك لا الحل(12).
والطلاق البائن بينونة كبرى، وهو ما حرم فيه على الزوج التزوج من مطلقته التي طلقها ثلاثا متفرقات ومضت عدتها، فهو يزيل الملك والحل معاً.
والتساؤل الذي يرد هنا فيما إذا وقع الطلاق البائن بنوعيه بين الزوج وزوجته، فهل يمكن القول بتوفر العذر المخفف إذا فوجئ الزوج بمطلقته وخلال مدة العدة بتلبسها بالزنى او الوجود في فراش واحد مع آخر واقدم على قتلهما او الاعتداء عليهما أو احدهما!
للإجابة على ذلك نقول، إن قانون العقوبات العراقي قد نص في المادة (378/2) منه على أنه (…ويبقى حق الزوج في تحريك دعوى الزنى الذي ترتكبه زوجته إلى انتهاء اربعة اشهر بعد طلاقها). وهذا يعني ان المطلقة تّعد مرتكبة لجريمة الزنى إذا تم الفعل اثناء مدة العدة التي بينتها المادة (48-احوال شخصية) ولحين انتهاء اربعة اشهر من تاريخ الطلاق. وبصدد الاستفادة من العذر المخفف إذا ارتكبت جريمة القتل أو الاعتداء حال المفاجأة بالزنى خلال مدة الاربعة اشهر، فإن المسألة فيها خلاف في الفقه العراقي. فقد ذهب اتجاه إلى ان العذر القانوني يظل قائماً لمصلحة الزوج إلى انتهاء اربعة اشهر بعد طلاق الزوجة طبقا للمادة (378/2) عقوبات عراقي(13).بينما ذهب اتجاه آخر إلى ان العـذر يظل قائما خلال مدة الطـلاق الرجعـي كما يمكن للزوج تحريك دعوى الزنى، بخلاف الطلاق البائن بنوعيه إذ لا يمكن للزوج بعده ان يتمتع بالعذر(14)، فالمادة (378/2) عقوبات لم تنص على استمرار الحالة الزوجية إلى انتهاء اربعة اشهر بل اقتصرت على تحريك دعوى الزنى ولا يجوز القياس عليها(15) فيجب ان ينحصر تطبيقها في تلك الحالة فقط، لكنه لما كانت عدة الطلاق الرجعي في الشريعة الاسلامية هي ثلاثة قروء(16) تتراوح مدتها بين الشهرين والثلاثة شهور أو بوضع الحمل ان كانت الزوجة حاملاً وقت الطلاق وعلى ذلك قد تنقضي العدة في اقل من اربعة اشهر، لذا يجب ان يقتصر تطبيق المادة (409) عقوبات على الرجل الذي يّعد ما زال زوجاً وفقاً لأحكام الشريعة وقانون الاحوال الشخصية، ومن ثم لا يسري العذر المخفف على من يقتل زوجته المطلقة بعد اكمال عدتها ولو كان قبل انتهاء مدة الاربعة اشهر الوارد في المادة (378/2) عقوبات(17). ونعتقد ان الزوج الذي يفاجأ بمطلقته متلبسة بالزنى خلال مدة الاربعة اشهر من تاريخ وقوع الطلاق بأنه يستفيد من العذر المخفف ان ارتكب جريمة القتل او الاعتداء حال هذه المفاجأة لأن نص المادة (378/2) عقوبات جاء مطلقاً ولم يحدد نوع معين من الطلاق ان كان بائناً أم رجعيا، ولما كانت هذه المادة تخص فعل الزنى، فأن المفاجأة تحصل بارتكاب هذا الفعل ايضاً وبذلك لا نجد قياساً لحالة على أخرى. هذا وان منح العذر القانوني للزوج يتطابق مع الحكمة من تشريع العدة بعد الطلاق إذ “ان الهدف من تحديد هذه المدة بأربعة اشهر هو تقريبها من مدة العدة وفقاً للشريعة الاسلامية بغيـة التأكد من براءة الرحم أو من الحمل ونسب الجنين إلى الزوج أو إلى شخص آخر(18). ويتجه الفقه في مصر إلى انه يجب التفرقة بين الطلاق الرجعي والطلاق البائن، فارتكاب الفعل اثناء عدة الطلاق الرجعي يكوّن جريمة الزنى ويكون لمطلق الزوجة طلب محاكمتها لأن الطلاق الرجعي لايرفع أحكام الزواج ولا يزيل ملك الزوج قبل انقضاء العدة(19). وتطبيقاً لذلك فأن من طلق زوجته طلاقاً رجعياً ثم فاجأها خلال مدة العدة متلبسة فقتلها يستفيد من العذر المخفف(20)، وهو ما يذهب اليه الفقه في الاردن(21). اما في حالة الطلاق البائن فأن الزوج لا يكون له سبيل على زوجته ولو حصل الزنى خلال ايام العدة لانتهاء صفة الزوجية، وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض المصرية بأنه (ان الزوجة إذا ما ارتكبت الفعل في المدة التي كانت فيها بائنة فأنها لا ترتكب بذلك الزنى)(22)، وعليه فالمطلق طلاقاً بائناً والمطلق عليه طلقة بائنة فلا يعد أي منهما بعد الطلاق أو التطليق زوجاً ولا يحق له التمسك بالعذر المخفف(23).
الفرع الثاني : إحدى المحارم :
لم يقتصر قانون العقوبات العراقي في المادة (409) منه على كون المجنى عليها هي الزوجة فقط، كما هو الحال في قانون العقوبات المصري والمغربي، بل شمل فضلاً عن الزوجة إحدى المحارم. وقد نص قانون العقوبات السوري واللبناني والاردني واليمني على ان تكون المجنى عليها فضلا عن الزوجة، احدى اصول الجاني أو فروعه او اخواته. وقوانين اخرى قد عينت هذه المحارم على وجه التحديد، كقانون العقوبات الليبي إذ حددها بالبنت والأخت والأم. ولما كانت جريمة الزنى لا تتحقق الا في حالة قيام الزوجية، أي يفترض ان تكون المجنى عليها متزوجة، لذا فأن هذا قد لا يتحقق بالنسبة للمحارم، إذ قد يكن متزوجات أو غير متزوجات، كأخ يفاجأ بأخته غير المتزوجة متلبسة بالفعل الجنسي فيقتلها، ففي هذه الحالة لا يمكن وصف ما ارتكبته المجني عليها على انه زنى. لذلك يذهب اتجاه في الفقه إلى ان المشرع العراقي في المادة (409) عقوبات يكون قد تراجع ان لم يكن قد تناقض في حصر معنى الزنى بالمتزوجين كما فعلت المادة (377) منه بالمقارنة مع اباحة الافعال الجنسية بين غير المتزوجين إذا بلغوا سن الرشد ومارسوا الفعل بالرضا وذلك عندما شمل المادة (409) المذكورة بلفظ الزنى افعال الفاحشة التي ترتكبها زوجة الفاعل أو احدى محارمه بنحو مطلق تضمن المتزوجات وغير المتزوجات(24). بينما يذهب اتجاه اخر إلى ان الزنى في هذه الحالة لا يفهم بمعناه الضيق في القانون الوضعي وأنما بمعناه الواسع المعلوم اخلاقياً واجتماعياً(25). ونعتقد أن نص المادة (409) عقوبات على عبارة (التلبس بالزنى) وحدها-كما فعل ذلك قانون العقوبات الاردني في المادة (340) منه- لا تكفي للدلالة على الأفعال التي يمكن ان ترتكبها أي من المجنى عليهن، أي من كانت منهن الزوجة أو كانت من المحارم الباكرات، لذلك نعتقد أنه لا بد من ايراد عبارة إلى جانب العبارة السابقة في النص تفيد شمول غير المتزوجات ان ارتكبن الفاحشة(26)، كما لو كان النص (…في حالة تلبسها بالزنى أو افعال الفاحشة…). ومن القوانين التي فعلت ذلك، قانون العقوبات السوري في المادة (548) منه بإيراده عبارة (…جرم الزنى المشهود او في صلات جنسية فحشاء…) واللبناني في المادة (562) منه والليبي في المادة (375) منه بإيرادهما عبارة (…في جرم الزنى المشهود او في حالة الجماع غير المشروع…). ان الجماع غير المشروع او الصلات الجنسية الفحشاء لا يفترض زواج أي من طرفيه بغير زميله في الجماع ولم ير الشارع الاكتفاء بالنص على الزنى المشهود لأن العذر يفترض في بعض صوره على ان المجنى عليها غير متزوجة(27). وعلى أية حال فأن لفظ المحارم هي من وضع الشارع العثماني وقد اقتفى القانون البغدادي اثره في ذلك(28)، ومن ثم قانون العقوبات العراقي النافذ. والملاحظ ان كلمة المحارم قد وردت في المادة (409) عقوبات بصورة مطلقة ولم يحدد المقصود منها، فهل هو نص عام شامل لجميع القريبات من المحارم النسبية والمحارم السببية، أم يشمل محارم معينة، خاصة وأن المحارم من النساء التي جاءت بها الشريعة الاسلامية كثيرة؟ وللإجابة على ذلك لا بد من بيان الحرمة في قانون الاحوال الشخصية، ثم بيان موقف محكمة التمييز في العراق بصدد المقصود بلفظة المحارم الوارد في المادة (409) عقوبات، ثم حرمة ابنة العم.
اولاً- الحرمة في قانون الاحوال الشخصية:
الحرمة صفة في المرأة إذا وجدت فيها فلا يجوز العقد عليها. وقد بينت المادة (13) احوال شخصية بأن اسباب التحريم قسمان مؤبدة ومؤقتة. فالمؤبدة هي القرابة والمصاهرة(29) . الرضاع، والمؤقتة هي الجمع بين زوجات يزدن على اربع وعدم الدين السماوي والتطليق ثلاثة وتعلق حق الغير بنكاح او عدة وزواج احد المحرمين مع قيام الزوجية بالاخرى. أن المحارم بالقرابة او النسب التي ترجع إلى صلة الدم، كصلة الرجل بأخته او ابنته هي حرمة مؤبدة لقوله تعالى(حرمت عليكم امهاتكم وبناتكم واخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت) (30). ويمكن اجمال الاصناف المحرمة من النساء بالقرابة (النسب) التي ترجع إلى رابطة الدم حسب التفصيل الذي اوردته المادة(14) احوال شخصية:
أصول الرجل من النساء، الأم والجدة وأن علت.
فروع الرجل من النساء، البنت وبنت البنت وبنت الأبن وإن نزلت.
فروع أبويه من النساء، الأخت وبنت الأخت وبنت الأخ.
فروع اجداده وجداته من النساء، وتشمل عمته وعمة أصوله (كعمة أبيه) وخالته وخالة أصوله (كخالة أبيه). اما المحرمات بالمصاهرة، كصلة الرجل بأخت زوجته أو زوجة أبيه، وهي اما مؤبدة أو مؤقتة. والمحرمات بالمصاهرة حرمة مؤبدة فهن اربع، إذ يحرم على الرجل ان يتزوج بنت زوجته التي دخل بها وأم زوجته التي عقد عليها وزوجة اصله وأن علا وزوجة فرعه وأن نزل (المادة/15) احوال شخصية. وقد قال تعالى (ولا تنكحوا ما نكح ابائكم من النساء الا ما قد سلف أنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلا)(31)، وقوله تعالى عطفاً على المحرمات من النساء (وأمهات نسائكم وربائبكم اللآتي في حجوركم من نسائكم اللآتي دخلتم بهن فأن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل ابنائكم الذين من اصلابكم)(32). والمحرمات بالمصاهرة حرمة مؤقتة، كأخت الزوجة وزوجة الأخ. وكل من تحرم بالقرابة والمصاهره تحرم بالرضاعة الا فيما استثني شرعاً (المادة /16) احوال شخصية. وقد وردت عدة اراء في الفقه العراقي بصدد نوع الحرمة المطلوبة في (المادة/409) عقوبات. فقد ذهب جانب من الفقه إلى ان الحرمة هنا حرمة النسب، وان واضع القانون لم يقصد من تعبير المحارم الا المحارم النسبية، وهذا هو الذي يتفق مع غرض المشرع ونظرته إلى الاستفزاز الذي اخذت هذه المادة حكمها منه، ولا شك ان هذه الرابطة هي من اقوى الروابط التي تربط الشخص بأهله، إذ القرابة بالمصاهره هي اضعف شأناً من القرابة التي اساسها الدم، وهذا يتفق مع روح العدالة والمنطق والعقل السليم(33). وقد جاء النص الإنكليزي لقانون العقوبات البغدادي One of his female relation وكلمة relation تستعمل في اللغة الإنكليزية للدلالة على الأقارب النسبية أي الاقارب الذين تربطهم بالشخص رابطة الدم لا المصاهرة لأن الحرمة السببية لا يلحق عارها قريبها، ولذلك لا يسري العذر على من يقتل اخت زوجته ولا يستفيد منه(34). وبذلك تخرج المحرمات بالمصاهرة والرضاع بموجب هذا الاتجاه من حكم المادة (409) عقوبات. ويذهب اتجاه آخر في هذا الفقه إلى ان حكمة النص لا تكفي لاقتصار لفظة المحارم على المحارم النسبية خاصة وأن لفظة المحارم جاءت مطلقة والمطلق يجري على اطلاقه الا إذا ورد نص على تخصيصه واقتصاره، وبذلك فالنص عاماً يشمل جميع القريبات المحارم بدون تفريق فلا محل لتقييد كلمة المحارم بالمحارم النسبية دون المحارم السببية- وذلك اخذاً بقاعدة الاصلح للمتهم – ولأن الحكمة قائمة في الحالتين فقد يكون زنى ام الزوجة او اختها افضع اثرا في نفس الزوج من زنى ابنة اخيه مثلا(35). ويرى جانب من الشراح ان القرابة نسبا كالقرابة مصاهرة حسبما يقرره القانون المدني(36).
ثانياً- موقف محكمة التمييز في العراق:
يمكن استخلاص موقف محكمة التمييز في العراق من المقصود بلفظة المحارم الواردة في المادة (409) عقوبات بكونها المحارم النسبية ام المحارم السببية، من خلال التطبيقات القضائية بما صادقت عليه او قضت به هذه المحكمة من أحكام. فقد قضت محكمة التمييز في العراق بالمصادقة على حكم بإدانة متهم بالسجن لمدة ست سنوات بموجب المادة (405) عقوبات وبدلالة المادة (132/2) منه لارتكابه جريمة قتل المجنى عليه (م) المصري الجنسية اثناء مشاهدته للأخير في داخل غرفة منام زوجة شقيقه التي تشغل غرفة من نفس داره، والذي كان قد اختلى معها في وقت متأخر من الليل وفي وضع مريب(37). كما قضت باعتبار قتل المتهم لعشيق زوجة اخيه عندما فوجئ به وهو يزني بها بأنه انتقاما ولا يدخل في مرتبة الباعث الشريف الذي يكمن بغسل العار(38). فالمتهم قد قتل عشيق زوجة اخيه ولم تشمله محكمة التمييز بالعذر المخفف الوارد في المادة (409) عقوبات، ولما كان التخفيف الوارد في هذه المادة يتوفر في حالة القتل او الاعتداء على الزوجة او احدى المحارم وعشيقها، احدهما او كليهما، فبذلك يمكن القول إن زوجة الأخ ليست من المحارم المقصودة في هذه المادة، وبالتالي فأن لفظة المحارم ليست مطلقة. وهو ما قالت به محكمة التمييز في قرار لها(39) (بأن زوجة الأخ لا تّعد شرعاً من محارم أخ زوجها إذ المقصود بالمحارم ان تكون المرأة محرم على المتهم ان يتزوجها، فلا يسوغ له قتلها غسلا للعار إذ حكمها حكم أية امرأة متزوجة من أجنبي عن المتهم). وقد وضحت محكمة التمييز الامر اكثر في قرار اخر(40) لها بالقول (…وليس المقصود بذلك ان تكون المرأة مما لايجوز للمتهم ان يتزوجها وقت ارتكاب الجريمة لأنها على ذمة زوج اخر لأن حكم زوجة الأخ هو حكم أية امرأة متزوجة من أجنبي وتضبط متلبسة بجريمة الزنى…). كما قضت محكمة التمييز (بأن المجنى عليها هي شقيقة زوجة المتهم وهي من المحارم السببية وليست النسبية)(41)، وعرفت العائلة النسبية في قرار اخر لها (بأنها هي العائلة التي يجمعها اصل مشترك، وان قانون الاحوال الشخصية قد فرق بين القرابة والمصاهرة والرضاع (المادة/13) منه ونص على ان اسباب الارث هي القرابة والنكاح الصحيح (المادة/86) منه وحدد الوارثين بالقرابة وكيفية توريثهم وهم من يجمعهم اصل مشترك (المادة/89) منه)(42). وبذلك يمكن تحديد موقف محكمة التمييز من المقصود بلفظة المحارم الوارد في المادة (409) عقوبات بأنها المحارم النسبية التي يجمعها اصل مشترك بسبب رابطة الدم وليست المحارم السببية التي تنشأ بسبب المصاهرة. وبالتالي فأن المحارم سواء كانت بالمصاهرة او بالرضاع، ليست هي المقصودة بالنص ولا يحكم بتوفر العذر المخفف ان حصلت جريمة قتل او اعتداء ضد أيا من هذه المحارم حال المفاجأة بالزنى او الوجود في فراش واحد مع الشريك. ونعتقد ان ما ذهبت إليه محكمة التمييز هو الذي ينسجم مع هدف المشرع الكريم، ونؤيد الرأي الأول في الفقه العراقي الذي سبق ذكره بأن المقصود بالمحارم هي المحارم النسبية لأنها حرمة تنصب في اطار العائلة التي تجمعها رابطة الدم والتي تنشأ بالانسان منذ ولادته، وليست الحرمة التي اوجدتها رابطة اخرى لاحقة على نشوء الانسان، لذلك فأن وشائج القربى في الحالة الاولى لا تنتهي الا بوفاة المرأة كالبنت او الاخت أو الأم. أما المحارم السببية فأنها تصبح بعيدة بعد انفصام الرابطة الزوجية التي اوجدتها ويكون لها هناك من يستفزه تدنيسها للشرف من اهلها ومحارمها. لذلك نعتقد ان هناك ضرورة لأن تضاف كلمة (النسبية) بعد كلمة المحارم الواردة في نص المادة (409) عقوبات لغرض منع الاجتهاد او الاختلاف في التطبيقات القضائية. كما نعتقد انه لا فرق بين ان تكون قرابة الاشخاص المذكورين في النص للمجنى عليها قرابة شرعية او غير شرعية، كما لو فوجئ الاب بمشاهدة ابنته من زواج غير شرعي في حالة تلبس بالزنى، فالعذر المخفف يعد متوفراً ان ارتكبت جريمة القتل او الاعتداء في هذه الحالة، وقد قضت محكمة التمييز في العراق بأنه(إذا كان المدعى عليه يعاشر المدعية معاشرة الازواج ويساكنها في مسكن واحد فينسب الاولاد الذين يولدون خلال مدة المعاشرة إلى المدعى عليه)(43).
ثالثاً- حرمة ابنة العم :
ان ابنة العم ليست من المحارم حسب الشريعة الاسلامية والقانون العراقي، وبذلك فهي غير مشمولة بنص المادة (409) عقوبات. ولكن هناك من يذهب إلى ضرورة شمول ابنة العم بحكم المادة المذكورة لأن مفاجأة ابن العم لأبنة عمه متلبسة بالزنى او مشاهدتها لها في فراش واحد مع عشيقها، فهذا المنظر يستفزه استفزازاً عنيفاً يحمله في الحال على قتلها مدفوعا بعامل الغضب والهياج والرغبة الملحة في الثأر لشرفه المثلوم(44)، لما يفرضه العرف في مثل هذه الحالة وكان الاجدر مراعاة هذه الناحية عند صياغة النص لما لابنة العم من مكانة بالنسبة لشرف العائلة وخاصة في المجتمع الريفي(45). وهناك من يذهب ابعد من ذلك فيقول بأن عدم انطباق العذر المخفف هو موقف لا مبرر له فمن يشاهد ابنة عمه في حالة تلبس بالزنى مع عشيقها فأن الأمر لا يختلف عن مشاهدة الأخت في نفس الوضع، لذلك يرى شمولها بالنص، بل ويجد ان القضاء العراقي يشمل ابنة العم بأحكام نص المادة (409) عقوبات سداً للنقص التشريعي(46). ولكن لم نعثر على قرار للقضاء العراقي يشمل به القاتل لأبنة عمه بالتخفيف بموجب احكام المادة (409) عقوبات لأنها ليست من المحارم. ونعتقد ان القانون يشمل الجاني القاتل لأبنة عمه بعذر قانوني مخفف آخر إذا وقع القتل غسلاً للعار الا وهو الباعث الشريف المنصوص عليه في المادة (128/1) عقوبات وتحدد عقوبة الجاني بموجب المادة (130) منه وتطبيقاً لذلك قضت محكمة التمييز في العراق بأنه (إذا قتل المتهم ابنة عمه لممارستها البغاء فتخفف عقوبته استدلالاً بالمادة (130) عقوبات)(47). وبذلك يكون القانون العراقي قد خص المحارم النسبية بميزة خاصة عن غيرها من المحارم والاقارب . وأن القانون العراقي يأخذ بنظر الاعتبار الظروف الاجتماعية والتقاليد السائدة في المجتمع إذ ان ارتكاب أبنة العم للرذيلة يلحق عارها بأبن عمها كما يلحقه عار اخته، فالقانون ينسجم مع تقاليد الشرف التي اعتاد الناس عليها لذلك فهو يخفف العقاب عن الجاني استناداً لأحكام الباعث الشريف إن ارتكب جريمته ضد أبنة عمه التي ثبت سوء سلوكها، وتطبيقاً لذلك قضت محكمة التمييز في العراق بأن (قتل المتهم لأبنة عمه قد وقع بباعث شريف إذا كانت المجنى عليها قد هربت من دار اهلها مع عشيقها ثم تزوجت من دون موافقة اهلها مما يجلب العار لاسرتها حسب التقاليد السائدة في بيئتها)(48).
____________________________
1 – قضت محكمة التميز في العراق بأنه (يصح اثبات عقد الزواج بالبينة الشخصية). رقم القرار 1692/شرعية/74 في17/12/1974. مجموعة الأحكام العدلية،ع1، س6، 1975، ص123.
2- ينظر في بطلان عقد الزواج في قانون الاحوال الشخصية العراقي، د. رياض خليل جاسم، جريمة التوصل إلى عقد زواج باطل في قانون العقوبات العراقي-دراسة مقارنة (رسالة دكتوراه)، ط1 مطبعة غسان، بغداد، 2001، ص88 وما بعدها.
3- الطلاق البائن قسمان:
أ- بينونة صغرى- وهي ما جاز فيه للزوج التزوج بمطلقته بعقد جديد.
ب-بينونة كبرى – وهي ما حرم فيه على الزوج التزوج من مطلقته التي طلقها ثلاثا متفرقات ومضت عدتها. (المادة /38/2-احوال شخصية).
4- الطلاق الرجعي: وهو ما جاز للزوج مراجعة زوجته اثناء عدتها من دون عقد وثبتت المراجعة بما يثبت به الطلاق. (المادة/38/1-احوال شخصية).
5- ينظر المادة (48) احوال شخصية في تفاصيل مدة العدة.
6- ينظر د. محمد نوري كاظم، مرجع سابق، ص116. جميل الاورفه لي، مرجع سابق، ص340.
7- ينظر د. حامد عبد الستار، أحكام الاسرة في الفقه الاسلامي، ط1، مطبعة الجامعة، بغداد، 1986، ص58.
8- يملك الزوج على زوجته ثلاث طلقات. (المادة/ 37/1-احوال شخصية).
9- ينظر د. عبد الخالق النواوي، جريمة الزنى، مرجع سابق، ص11.
10- ينظر حسين علي الأعظمي، مرجع سابق، ص134 وما بعدها.
11- نصت المادة (45-احوال شخصية) على انه (يعتبر التفريق في الحالات الواردة في المواد (40 و 41 و 42 و 43) طلاقاً بائناً بينونة صغرى).
12- يراد بالحل : جواز التزوج بالمطلقة مرة أخرى قبل ان تتزوج آخر ولكن بعقد ومهر جديدين. أما الملك: فيراد به أنه يجوز للمطلق في هذه الحالة ان يستمتع بامرأته المطلقة بأي نوع من انواع الاستمتاع. ينظر د. حامد عبد الستار، مرجع سابق، ص69.
13- ينظر د. حميد السعدي، مرجع سابق، ج3، ص236. فخري عبد الرزاق الحديثي، الاعذار القانونية المخففة، مرجع سابق، ص157. علي السماك، مرجع سابق، ج3، ص366.
14- ينظر د. عباس الحسني، شرح قانون العقوبات العراقي وتعديلاته- القسم الخاص، المجلد الثاني، مطبعة العاني، بغداد، ص57. سعدية محمد كاظم، مرجع سابق، ص157.
15- ينظر عبد الحميد احمد شهاب، مرجع سابق، ص101.
16- عدة الطلاق والفسخ للمدخول بها ثلاثة قروء. (المادة /48/1) احوال شخصية.
17- ينظر د. محمد نوري كاظم، مرجع سابق، ص116-117.
18- ينظر د. عبد الأمير العكيلي، أصول الاجراءات الجنائية في قانون أصول المحاكمات الجزائية، ج1، مطبعة المعارف، بغداد، 1975، ص173. عبد الجبار العريم، شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية، ج1، مطبعة المعارف، بغداد، 1950، ص96.
19- ينظر د. محمود محمود مصطفى، شرح قانون العقوبات- القسم الخاص، مرجع سابق، ص338. جندي عبد الملك ، مرجع سابق، ج4، القاهرة، 1941 ، ص72.
20- ينظر د. محمود نجيب حسني، قانون العقوبات – القسم الخاص، مرجع سابق، ص134.
21- ينظر د. عادل عبد ابراهيم، الاستفزاز في قانون العقوبات الاردني، مجلة دراسات قانونية، بيت الحكمة، ع2، س3، بغداد، 2001، ص66.
22- نقض 16 ديسمبر سنة 1930، اشار إليه محمود احمد عمر، مرجع سابق، ج2، ط1، 1934، رقم 129، ص155.
23- ينظر د. عوض محمد، مرجع سابق ، ص114.
24- ينظر د. ضاري خليل محمود، تفاوت الحماية الجنائية، مرجع سابق، ص47.
25- ينظر د. حميد السعدي، مرجع سابق، ج3، ص238.
26- قال تعالى في سورة النساء- الآية /15 (واللآتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن اربعة منكم). والفاحشة في اللغة عبارة عن كل فعل تعظم كراهيته في النفوس ويقبح ذكره في الالسنة، فهي الفعلة القبيحة. وفي هذا الموضع قصد بها الزنى. ينظر احمد فتحي بهنسي، السياسة الجنائية في الشريعة الاسلامية، مرجع سابق، ص10.
27- ينظر د. محمود نجيب حسني، الاعتداء على الحياة في التشريعات الجنائية العربية، مرجع سابق، ص173. د. محمد الفاضل، قانون العقوبات- القسم الخاص، مرجع سابق، ص483.
28- ينظر رشيد عالي الكيلاني، مرجع سابق، ص367.
29- المصاهرة: العلاقة التي تنشأ بالزواج.
30- سورة النساء- الآية/23.
31- سورة النساء- الآية /22.
32- سورة النساء- الآية/23.
33- ينظر د. فخري عبد الرزاق الحديثي، قانون العقوبات-القسم الخاص، مرجع سابق، ص169. رشيد عالي الكيلاني، مرجع سابق، ص370، جبرائيل البنا، مرجع سابق، ص70. علي السماك، مرجع سابق، ج3، ص368. عبد الحميد احمد شهاب، مرجع سابق، ص103.
34- ينظر سلمان بيات، مرجع سابق، ج3، ص333.
35- ينظر د. حميد السعدي، مرجع سابق، ج3، ص237. د. عبد الستار الجميلي، مرجع سابق، ص395. د. عباس الحسني، مرجع سابق، المجلد الثاني، ص58. جميل الاورفه لي، مرجع سابق، ص340. د. عادل سيد فهيم، مرجع سابق، ص205. سعدية محمد كاظم، مرجع سابق، ص157.
36- ينظر د. واثبة داود السعدي، قانون العقوبات-القسم الخاص، مرجع سابق، ص74.
37- القرار رقم 28/موسعة ثانية /91 في 16/6/1991. اشار إليه علي محمد ابراهيم الكرباسي، مرجع سابق، ع10، السنة 1992، ص9.
38- القرار رقم 988/جنايات أولى/86-87 في 26/4/1987. مجموعة الأحكام العدلية، ع1 و2، لسنة 1987، ص112.
39- القرار رقم 729/جنايات/68 في 15/5/1968. اشار اليه د. عباس الحسني وكامل السامرائي، مرجع سابق، المجلد الأول ، ص191. وبنفس المعنى القرار رقم 111/هيئة عامة ثانية /76 في 24/7/1976. مجموعة الأحكام العدلية ، ع3 ، س7، 1976، ص192.
40- القرار رقم 143/جنايات /67 في 12/3/1967. اشار اليه د. عباس الحسني وكامل السامرائي، مرجع سابق، المجلد الأول، ص193.
41- القرار رقم 280/هيئة عامة/98 في 12/7/1999. اشار اليه علي محمد ابراهيم الكرباسي، مرجع سابق، العدد91 لسنة 2002، ص15.
42- القرار رقم 87/هيئة عامة/82-83 في 4/10/1983. اشار اليه ابراهيم المشاهدي، مرجع سابق، ج1، 1996، ص29.
43- القرار رقم 229/شخصية/76 في 16/3/1976. مجموعة الأحكام العدلية، ع1، س7، 1976، ص91.
44- ينظر علي السماك، مرجع سابق، ج3، ص374.
45- ينظر د. محمد نوري كاظم، مرجع سابق، ص117.
46- ينظر د. ماهر عبد شويش، مرجع سابق، ص207.
47- القرار رقم 2968 /جنايات/ 74 في 16/1/1975. مجموعة الأحكام العدلية، ع1، س6، 1975، ص236.
48- القرار رقم 342/جنايات/79 في 18/9/1979. مجموعة الأحكام العدلية، ع3، س10، 1979، ص79.
شروط المفاجأة المبررة لعذر التخفيف :
إن المفاجأة التي تبرر تخفيف العقاب على الجاني – زوجاً أو محرماً- يجب أن تكون قد تمت بتحقق واقعة الزنى، وأن يكون ارتكاب القتل أو الاعتداء قد تم في زمن هذه المفاجأة.
الشرط الأول: المفاجأة بتحقق واقعة الزنى:
إن المفاجأة بتحقق واقعة الزنى تحصل عندما يفاجأ الزوج إو المحرم بتلبس زوجته أو إحدى محارمه بالزنى، وقد يحصل أن تتفاجأ الزوجة بتلبس زوجها بالزنى.
أولاً- مفاجأة الزوج أو المحرم بتلبس زوجته أو إحدى محارمه بالزنى:
تتحقق المفاجأة بواقعة الزنى في هذه الحالة، حينما يكون الزوج أو المحرم واثقاً كل الثقة من نقاء سلوك زوجته واستئثاره بها لنفسه، وحينما يكون واثقاً من عفة محارمه عن ارتكاب الرذيلة، ومع ذلك يفاجأ وهو غافل بوجود زوجته أو إحدى محارمه في حالة تلبس بالزنى أو الوجود في فراش واحد مع الشريك. فلا يكفي مجرد كون الزوجة (أو إحدى المحارم) سيئة السلوك ولو بأعترافها (1). أما إذا كان الجاني يساوره الشك في سلوك زوجته أو إحدى محارمه فيحتال لقطع هذا الشك باليقين فيرقبها عن كثب ثم يهبط عليها على حين غفلة فإذا بها غارقة في الأثم فتصح شكوكه، ففي هذه الحالة تتحقق المفاجأة، إذ ليس من شأن الشك أن ينفيها(2)، فالشك لا يقوم مقام اليقين في استبعاد المفاجأة(3)، إذ ثمة اختلاف بين ما كان الزوج (أو المحرم) يعتقده وهو الشك في سلوك زوجته (أو إحدى محارمه) وما شاهده وهو اليقين من الخيانة (أو ارتكاب الرذيلة) وبهذا الاختلاف تتحقق المفاجأة(4). وقد قضت محكمة النقض المصرية في واقعة ارتاب فيها الزوج في وفاء زوجته فاراد أن يستجلي الحقيقة فتظاهر بالذهاب إلى السوق، وكمن في المنزل فإذا بمن شك فيه يقدم إلى المنزل ويختلي بزوجته ثم يأخذ في مغازلتها حتى استسلمت له فلما اعتلاها برز له الزوج من مكمنه وأنهال على الرجل طعناً بالسكين حتى قضي عليه. قررت المحكمة عّد الزوج في هذه الحالة معذوراً لأن الأنفعال الفجائي اضاع رشده(5).
وهذا يوضح أنه لا تلازم بين عنصر المفاجأة وانتفاء سبق الاصرار. فالقاتل الذي يشك في سلوك زوجته إو إحدى محارمه ويصمم على قتلها إن هو ضبط احدهما متلبساً بالزنى يستفيد من عذر التخفيف رغم اصراره السابق على قتلها المعلق على شرط مشاهدتها متلبسة بالزنى(6). وعليه يمكن القول أن من يقدم على القتل أو الاعتداء على زوجته أو احدى محارمه لمجرد الشك من دون أن يتيقن من سوء سلوكها بالمفاجأة بتلبسها بالزنى، فأنه لا يستفيد من العذر المخفف، لأن مجرد الشك لا يكفي. ويترتب على ما تقدم أن المفاجأة بواقعة الزنى لا تتحقق إذا كان الزوج أو المحرم قد علم سابقاً أو رضي مقدماً بسوء سلوك زوجته أو احدى محارمه. ولكن قد يفتعل الزوج أو المحرم الغضب لتبرير فعلته رغم علمه السابق أو رضاه، كما لو رغب في قتلها لأسباب أخرى ولكن في ظروف تثبت خيانتها واحتال عليها حتى ضبطها متلبسة(7)، مثل امتناع المجنى عليها عن تنفيذ إحدى رغبات زوجها أو محرمها كأعطائه مبلغ من المال أو غيره. في هذه الحالة لا يمكن القول أن الجاني فوجئ فأستفز فقتل لأنه في حقيقة الأمر علم فتدبر فقتل(8)، لأنه إذا كان متأكداً من خيانتها له وأصر على قتلها حينما يشاهدها متلبسة بالزنى وفعل ذلك فهو لا يستفيد من العذر، إذ أنه لم يفاجأ بشيء فما شاهده هو ما كان متأكداً منه، ولذلك يمكن القول إن الأمر يكون فيه مفاجأة للزوج إذا كان غير عالم بسوء سلوك زوجته او احدى محارمه، ولا يكون في الأمر مفاجأة إذا كان هذا الزوج يعلم بسوء سلوك زوجته او احدى محارمه، وبذلك تقتصر حكمة التخفيف على الحالة الأولى دون الثانية التي نعتقد ان الجاني يُسأل عن كل ما يقع منه خلالها من قتل او اعتداء مع كل الظروف المشددة التي يمكن ان تقترن بفعله، وتطبيقاً لذلك قضت محكمة التمييز في العراق بأنه (يشترط لتطبيق المادة (409) عقوبات أن تحصل المفاجأة للمتهم فيفقد صوابه ويرتكب الجريمة، ولا تتوفر مثل هذه الحالة إذا كان المتهم على علم مسبق بعلاقة العشق بين الطرفين، فإذا حصل القتل فأن فعل المتهم ينطبق وأحكام المادة (406/1/أ) من قانون العقوبات)(9). كما قضت محكمة التمييز الاردنية بأنه (لايّعد المتهم معذوراً إذا اعترف بصراحة تامة بأنه كان يعلم بسوء سلوك شقيقته المجنى عليها قبل الحادث وأنه شاهدها قبل بضعة أيام وهي تنام مع شريكها في فراش واحد فلم يتعرض لها)(10).
ثانياً- مفاجأة الزوجة بتلبس زوجها بالزنى:
يمكن القول إن الزوجة قد تتفاجأ بتلبس زوجها بالزنى ايضاً، فهل يّعد شرط المفاجأة في هذه الواقعة قد تحقق وبالتالي تستفيد الزوجة من العذر المخفف؟ إن الإجابة تكمن في إن القوانين قد اختلفت في موقفها من منح العذر للزوجة التي تتفاجأ بتلبس زوجها بالزنى، كما اختلف موقف الفقه في ذلك ايضاً.
أ- موقف القوانين:
أن قانون العقوبات العراقي قصر سريان عذر التخفيف على الزوج دون الزوجة كما هو واضح في المادة (409) منه بنصها على (…من فاجأ زوجته…) وبذلك فأن الزوجة لا تستفيد من العذر المخفف، وهذا ما قرره قانون العقوبات البغدادي في المادة (216) منه، ومن قبله قانون الجزاء العثماني في المادة (188) منه ايضاً. وقد اتخذت القوانين العربية مواقف مختلفة من منح العذر للزوجة، فبعضها منح الزوجة هذا العذر أسوة بالزوج، كقانون العقوبات الجزائري (المادة/279) منه، والسوري (المادة/548) منه، واللبناني (المادة/562) منه، إذ إن القانونين الأخيران نصا على (…من فاجأ زوجه…). أما قانون العقوبـات الأردني فقد منح العـذر المخفف للزوجة إن ارتكبت جريمتها حال مفاجأتها بتلبس زوجها بالزنى أو في فراش غير مشروع في مسكن الزوجية (المادة/340/2) منه. ويلاحظ إن الزوجة لا تستفيد من العذر إن ارتكبت جريمتها ضد زوجها خارج مسكن الزوجية، وهذا يثير تساؤلاً مفاده :
هل يمكن القول أن الزوجة لا تغضب أو تستفز الا عندما تفاجأ بزوجها متلبساً بجريمته في مسكن الزوجية، أما خارج هذا المسكن فالمفاجأة لا تغضبها ولا تستفزها؟ مع إن الاسبـاب التي تدعو إلى الغضب واحدة كما نعتقد. وتجدر الاشارة إلى إن المادة (340) عقوبـات اردني قد تعرضت لاراء عديدة من قبـل الرأي العام في الاردن بصدد الابقاء أو الالغاء(11). مقابل الاتجاه القانوني سالف الذكر، هناك قوانين جعلت هذا العذر خاص بالزوج دون الزوجة، أي انها لا تستفيد منه، ومن هذه القوانين، فضلا عن قانون العقوبات العراقي، القانون المصري والكويتي والليبي والمغربي وسلطنة عمان. فإذا ما ارتكبت الزوجة جريمة القتل أو الاعتداء ضد زوجها حال مفاجأتها بتلبسـه بالزنى فيكون الحل اما بمنحها التخفيف بموجب عذر قانوني مخفف عام أو الاستفادة من الظروف القضائية المخففة حسب كل قانون. ففي قانون العقوبات العراقي، يكون لمحكمة الجزاء إذا عرضت عليها قضية كهـذه أن تقرر منح الزوجة التخفيف بموجب عذر قانوني مخفف عام والمنصوص عليه في المادة (128/1) عقوبات لارتكاب الجريمة تحت تأثير الغضب والاستفزاز(12). بينما في قانون العقوبات المصري فيكون بوسع القضاء التهوين من هذه التفرقة بين الزوج والزوجة في الاستفادة من العذر المخفف باستخدامه المادة (17) عقوبات والنزول بالعقوبة إلى الحبس بعّدها ظرفاً قضائياً مخففاً(13). وفي قانون الجزاء الكويتي فأن للقاضي أن ينزل بالعقوبة إلى الحدود المنصوص عليها في المادة (83) منه والخاصة بالظروف المخففة(14).
ب- موقف الفقه :
أن الشراح قد انقسموا بين منتقد لعدم شمول القانون للزوجة بالعذر القانوني الخاص وداعياً إلى شمولها به، وبين مؤيد لعدم شمولها به واقتصاره على الزوج فقط.
فالطائفة الأولى ترى أنه لا يوجد سبب معقول للتفرقة بين زنى الزوجة وزنى الزوج من حيث الاستفزاز، إذ إن الإهانة التي تلحق كلا من الزوجين بسبب الآخر جسامتها واحدة، والغضب الذي يستولي على الزوجة عندما تفاجأ بتلبس زوجها بالزنى لا يقل عن الغضب الذي يستولي على الزوج عند مفاجأته بتلبس زوجته بالزنى، فكان من المعقول أن يلتمس للزوجة نفس العذر الذي يلتمس للزوج(15). أي كان الأولى بالشارع أن يساوي بين الرجل والمرأة في معاملتهما معاملة متساوية بأتاحة الفرصة لهما للاستفادة من العذر القانوني دون تفريق بين الزوج والزوجة(16)، ولا يعترض على ذلك بأن زنى الزوجة اكثر خطورة على العائلة من زنى الزوج، فهذا الاعتبار قد يبرر الاختلاف في العقوبة بين جريمتيهما ولكنه لا يبرر التفرقة بينهما من حيث الاستفادة من العذر طالما كانت علته متوفرة لديهما بذات المقدار(17)، فالتفرقة بينهما تمثل نقصاً في التشريع ولا يحقق المساواة بين الرجل والمرأة في المسؤولية والعقاب مع أن الأصل فيهما أن تكون واحدة بالنسبة للجميع(18). وهناك من يرى بعد ان لم يجد في كتب الفقه هذه المسألة، إن الزوجة تقاس على الزوج فيحق لها قتل زوجها ومن يزني بها(19)، ولكن نعتقد إن ذلك يتعارض مع قاعدة شرعية الجرائم والعقوبات، إذ لا جريمة ولا عقوبة الا بنص.
وهناك اتجاه في الفقه يرى ضرورة ان تعدل المادة (409) عقوبات بحيث يتسع نطاقها لكل من الزوجين(20). واتجاه آخر يرى أبعد من ذلك ويعّد هذه التفرقة اخلالاً بمبادئ السياسة الجنائية بقوله(21) (…الا تثور الزوجة نفس الثورة وهي ترى زوجها في أحضان أخرى، أو إن المرأة لا عاطفة لها ولا قيم ولا أخلاق… إن العلاج لهذا النص اللازم لانسجامه مع السياسة الجزائية الحديثة أن يعطى العذر المخفف هذا إلى المرأة والرجل على السواء فالتفريق بينهما يمس آدمية المرأة ويعّدها إنسان من الدرجة الثانية من حيث الكرامة والمشاعر والعواطف وهذا ما تأباه السياسة الجزائية الحديثة أو يرفع هذا النص نهائيا من التشريع وتبقى معالجة هذه الحالات متروكة لسلطة قاضي الموضوع التقديرية … طبقاً للظروف القضائية المخففة في مجال الباعث الشريف واستفزاز المجنى عليه).
أما الطائفة الثانية فهي ترى اقتصار العذر على الزوج فقط في الأقل بالنسبة لمجتمعاتنا، فالزوج هو الذي يلحقه العار إذا ضبط زوجته في حالة تلبس بالزنى مع آخر، أما الزوجة التي تضبط زوجها مع أخرى في نفس الوضع فأنه لن يلحقها أي عار ولن تجد أية مهانة أو احتقار من جانب المجتمع الذي تعيش فيه(22)، فضلاً عن إن الأنفعال والثورة النفسية والغيرة اقوى لدى الزوج منها لدى الزوجة في جرائم الشرف، ولأن أثر الجريمة لا يظهر على الزوج بل على شريكته أي على الأنثى في الحمل واختلاط الأنساب(23). فالزوج هو الذي اعتدي على حقه وهو الذي أخلت الزوجة بواجبها نحوه، وهو الذي يحصل في حياته الشك في صحة نسب ابنائه منها، وهذا ما حدا بالمشرع إلى عدم تقرير العذر المذكور للزوجة نفسها لأن صحة نسب ابنائه منها لا يزعزعه زناه بسواها، وإن كانت هي الأخرى تستفز إذا ما فوجئت بتلبسه بالزنى(24)، ثم ان إثارة الشك في نسبة اولاده اليه، هو اقسى ما يصاب به الرجل في الحياة، وهذا الضرر قد يمتد إلى المجتمع نفسه لأن مثل هذا الزوج قد لا يعنى بتربية اولاده وقد يسئ معاملتهم ولذلك فهو أولى بالمعذرة(25).وأن الفقيه الفرنسي (J.G. Grosliere) يرى أن المشرع الفرنسي قد فضل الغاء عذر الاستفزاز على تعميمه بين الزوج والزوجة بمعنى أنه لم يفضل منح حق القتل للزوجة المخدوعة إذا فاجأت زوجها في حالة تلبس بالزنى(26). ونميل إلى الرأي الذي قالت به الطائفة الاولى بشمول الزوجة بهذا العذر وعدم اقتصاره على الزوج فقط لأن ذلك يحقق العدالة بينهما طالما ان منظر الخيانة يستفز كل منهما استفزازاً خطيراً. وان كان زنى الزوجة ليس كزنى الزوج في مجتمعاتنا باعتبار ان زنى الزوجة يؤدي إلى ادخال طفل غير شرعي في العائلة. لكن يرد على ذلك بأن زنى الزوج يؤدي إلى ادخال طفل غير شرعي في عائلة اخرى ايضاً، لذلك لا يمكن التسليم بهذه المفاهيم. ومن جهة أخرى فأن الشريعة الاسلامية لم تميز مطلقاً لا في نطاق التجريم ولا في حدود العقوبة بين الزوج وزوجته عند ارتكاب احدهما جريمة الزنى وانما فرضت نفس عقوبة الحد دون تمييز وهو من روائع الشريعة على ما تدعيه المدنيات القديمة والحديثة والمعاصرة.
الشرط الثاني: عنصر الزمن في المفاجأة:
لقد بينت المادة (409) عقوبات عراقي بأن ارتكاب جريمة القتل أو الاعتداء يجب أن يتم حال المفاجأة بواقعة الزنى او وجود المجنى عليها في فراش واحد مع الشريك. لذلك يمكن القول أنه لا يتوفر العذر المخفف ان ارتكبت الجريمة بعد مضي مدة زمنية من هذه المفاجأة وتقدير هذه المدة يعود لمحكمة الموضوع. وتطبيقاً لذلك قضت محكمة التمييز في العراق بأنه (إذا فاجأ الأخ اخته مع عشيقها في غرفة واحدة وقد اضطجعا على عباءتها وفّر العشيق ولم يتمكن الأخ من اللحاق به وعاد حالا إلى الدار وقتل شقيقته، فأن القاتل يستفيد من العذر القانوني لأن المدة الزمنية التي مضت بين تعقب العشيق ورجوعه إلى المجنى عليها وقتلها كانت لا زالت مفاجأة المجنى عليها غير المشروعة مسيطرة على نفسية القاتل ودافعة إلى ارتكاب الجريمة)(27). أما مضي مدة زمنية بعد حصول المفاجأة بواقعة الزنى ولم يرتكب الزوج أو المحرم خلالها جريمة القاتل أو الاعتداء، ففي هذه الحالة يكون جماح الغضب والاستفزاز الذي احدثته هذه المفاجأة قد زال وهدأت نفسه مما يمكن القول معه بعدم توفر العذر المخفف في الجريمة المرتكبة بعد ذلك. وتطبيقاً لذلك قضت محكمة التمييز في العراق بعدم توفر عنصر المفاجأة في قضية قرر قتل المجنى عليها لحظة اعترافها ليلة 27/28 من شهر كانون أول /1970 بمواقعة بعض الأشخاص لها وقتلها صباح اليوم التالي 28/كانون أول/1970(28). كما قضت بأن (قتل الزوج لزوجته صباحاً بحجة تأثره من مشاهدتها مع شخص غريب في فراش واحد ليلاً، لا يّعد قتلاً في حالة التلبس بالزنى وفق المادة (216) من قانون العقوبات البغدادي) (29) المقابلة للمادة (409) عقوبات عراقي. ويتضح من ذلك ان تقدير المدة الزمنية التي يزول فيها الغضب الناتج من ظرف المفاجأة يعود إلى محكمة الموضوع تستخلصه من وقائع القضية المطروحة امامها. وتطبيقاً لذلك قضت المحكمة العليا الليبية بأنه (يجب أن تكون جريمة الزنى قد وقعت على الوجه الذي يفترضه المشرع وأن يكون وقوعها مفاجأة للزوج وأن لا تنقضي بين تلك المفاجأة وبين قتل الزوج زوجته أو شريكها مدة كافية لزوال اثر المفاجأة على ارادته وتفكيره والا سقط العذر القانوني، وتقدير هذا الزمن مسألة موضوعية) (30). كما قضت محكمة التميز الاردنية بأنه (للاستفادة من العذر المخفف يستلزم أن يكون الفاعل قد ارتكب الجرم على أثر مشاهدة المجنى عليها على فراش غير مشروع أو بعد لحظات قليلة من هذه المشاهدة لأن في مثل هذه الحالة يكون الفاعل في سورة غضب أفقدته توازنه. أما أن يرتكب الفاعل جريمته بعد مضي عشر ساعات من مشاهدته لها لا يجعله يستفيد من العذر المخفف المذكور، لأن واضع القانون قصد من ذلك أن يرتكب الفاعل الجرم على اثر مشاهدته الشريكين على الفراش غير المشروع أو بعد مدة قصيرة لا تتغير خلالها حالته) (31). كما قضت بأنه (يشترط لاستفادة الفاعل من العذر المخفف أن يكون قد أقدم على ارتكاب الجريمة وهو بسورة غضب شديد، وعليه فأقدام المميز على قتل المغدورة بعد مدة طويلة من علمه بسوء سلوكها يجعل عناصر العذر المخفف غير متوفرة)(32).
_____________________
[1] – ينظر د. رؤوف عبيد، جرائم الاعتداء على الاشخاص والأموال، مرجع سابق، ص88.
2- ينظر د. عوض محمد، مرجع سابق، ص115.
3- ينظر د. رمسيس بهنام، قانون العقوبات- جرائم القسم الخاص، ط1، منشأة المعارف بالإسكندرية، مطبعة سعيد الدكر، 1999، ص852.
4 – ينظر د. محمود نجيب حسني، الاعتداء على الحياة في التشريعات الجنائية العربية، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، 1979، ص171.
5 – نقض مصري في 3/11/1925. مجلة المحاماة المصرية، ع1، س6، المطبعة العصرية، مصر، 1925، ص421.
6- ينظر د. سعد إبراهيم الأعظمي، مرجع سابق، ج2، ص66.
7- ينظر د. احمد كامل سلامة، شرح قانون العقوبات-القسم الخاص، مكتبة نهضة الشرق، القاهرة، 1987، ص63.
8- ينظر د. محمد زكي ابو عامر، مرجع سابق، ص543.
9- القرار رقم 23 /موسعة ثانية/91 في 16/6/1991. سبقت الاشارة إليه ص12 من هذه الرسالة.
0[1]- تمييز جزاء رقم 5/57 لسنة 1957. اشار إليه د. محمد سعيد نمور، مرجع سابق، ص98.
[1]1-في شباط عام 2000 خرجت في الاردن مظاهرات قادها أمراء من العائلة المالكة الهاشمية يتقدمهم الأمير علي بن الحسين- وهو أخ غير شقيق للملك عبد الله الثاني- للمطالبة بالغاء المادة (340)عقوبات وقدموا عريضة بذلك إلى مجلسي الشورى والنواب. وإن اعضاء مجلس النواب سبق لهم في اواخر عام 1999 إن رفضوا مرتين مشروع قانون حكومي بالغاء المادة (340) عقوبات في الوقت الذي وافق فيه على المشروع مجلس الأعيان الذي لايملك سلطة تشريعية. وأن الملكة رانيا صرحت في مقابلة مع إحدى محطات التلفزيون الفرنسية إن جرائم الشرف ليس لها سند أو أساس في الدين. في حين هنالك معارضة قوية لهذا الاتجاه من حزب جبهة العمل الإسلامي، إذ يرى أن الغاء المادة (340) يستهدف تغيير هوية المجتمع الاردني واشاعة الانحلال خاصة وأن الحفاظ على الشرف غير موجود في الثقافة الغربية.
ينظر في تفصيلات ذلك، حوارات حية بتاريخ 19/2/2000. الموقع على الانترنت:
http://www.islamonline.net/livedialogue/arabic/ browse.asp? hguestid=05vqL3
العالم الإسلامي . الاردن : الأمراء يتظاهرون ضد جرائم الشرف. بتاريخ 15/2/2000 الموقع على الانترنت
httn://www.islam online-net/i01-arabic/dowalia/ alhadath2000-feb-15/alhadath-1.asn
دورية شهرية اقليمية تصدر عن المشروع الاقليمي للوصل والمعلومات حول قضايا المرأة والمجتمع والتنمية في المشرق والمغرب. شباط/آذار /2000. بعنوان الاردن : جرائم الشرف لا تزال في مرتبة مهمة على بساط البحث الوطني. الموقع على الانترنت
http://www.mac mag-glip.org/arabac/news letter-rassed-feb mar00. Ht
2[1] – ينظر فخري عبد الرزاق الحديثي، الاعذار القانونية المخففة، مرجع سابق، ص156 هامش رقم 1.
3[1]- ينظر د. رؤوف عبيد، مرجع سابق، ص89. د. محمد زكي ابو عامر، مرجع سابق، ص542.
4[1]- ينظر د. حسن صادق المرصفاوي، شرح قانون الجزاء الكويتي-القسم الخاص، المكتب الشرقي للنشر والتوزيع، مطبعة الاهرام، بيروت-لبنان، 1969-1970، ص128.
5[1]- ينظر جندي عبد الملك، الموسوعة الجنائية، ج5، ط1، مطبعة الاعتماد، القاهرة، 1942، ص825.
6[1]- ينظر د. حميد السعدي، مرجع سابق، ج3، ص240.
7[1]- ينظر د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات-القسم الخاص، مرجع سابق، ص134. د. محمود محمود مصطفى، شرح قانون العقوبات-القسم الخاص، مرجع سابق، ص236. هامش رقم2.
8[1]- ينظر د. عبد الخالق النواوي، جريمة الزنى، مرجع سابق، ص68.
9[1]-ينظر شبلي احمد عيسى ، القتل غسلاً للعار، مرجع سابق، ص80.
20- ينظر فخري عبد الرزاق الحديثي، الاعذار القانونية المخففة، مرجع سابق، ص156. هامش رقم 1.
[1]2- ينظر د. واثبة داوود السعدي، ملامح السياسة الجزائية في التشريع الجزائي في العراق، مجلة القانون المقارن، جمعية القانون المقارن العراقية، ع15، س10، مطبعة مؤسسة الثقافة العمالية، بغداد، 1983، ص275-276.
22- ينظر د. محمد سعيد نمور، مرجع سابق، ص89، هامش رقم 1.
23 – ينظر د. محمد صبحي نجم، مرجع سابق، ص81.
24- ينظر د. السعيد مصطفى السعيد، الأحكام العامة في قانون العقوبات، المطبعة العالمية، القاهرة، 1952، ص666.
25- ينظر جبرائيل البنا، مرجع سابق، ص70.
26- ينظر د. عبد الرحيم صدقي، جرائم الاسرة في الشريعة الاسلامية والقانون المصري والفرنسي، مكتبة نهضة الشرق، القاهرة، 1988، ص18-19.
27- القرار رقم 1960/ج/66 في 20/2/1966. اشار إليه علي السماك، مرجع سابق، ج3، ص381.
28- القرار رقم 1549/ج/71 في 13/7/1971. النشرة القضائية، ع3، س2، نيسان 1973، ص171.
29- القرار رقم 760/ج/43 في 7/11/1943. اشار إليه د. عباس الحسني وكامل السامرائي، مرجع سابق، المجلد الثاني، 1969، ص579.
30- قرار المحكمة العليا الليبية في 8/يونية/1955. اشار إليه د. ادوار غالي الدهبي، شرح قانون العقوبات الليبي- القسم الخاص، ط1، منشورات الجامعة الليبية، 1971، ص87.
[1]3 – تمييز جزاء 32/58 سنة 1958. اشار إليه د. محمد سعيد نمور، مرجع سابق، ص99.
32- تمييز جزاء 82/94 لسنة 1995. اشار إليه المحامي جمال مدغمش، شرح قانون العقوبات الأردني باجتهادات محكمة التمييز الأردنية الكاملة، دار الاسراء للنشر والتوزيع، عمان-الأردن، 2001، ص147.
عدم تطبيق أحكام الظروف المشددة في جريمة الايذاء في حال المفاجأة بالزنى :
إذا توفر في جرائم الاعتداء المذكورة في المادتين (412) عقوبات الخاصة باحداث العاهة المستديمة و(413 /1 و2 و 3) منه الخاصة بجنح الايذاء العمدية احدى الحالات المنصوص عليها في المادة (414) عقوبات(1)، يّعد ذلك ظرفاً مشددا للعقاب. ولكن لا تتوفر ظروف التشديد هذه في جرائم الاعتداء عند ارتكاب الجريمة حال المفاجأة بالزنى، كما لو ارتكب الزوج فعلا احدث به عاهة مستديمة بأحد أصوله كوالدته أو بعشيقها او كليهما حال مفاجأته بتلبسهما بالزنى، أو احدث هذه العاهة بزوجته او احدى محارمه كشقيقته مثلا الموظفة او المكلفة بخدمة عامة في احدى الدوائر الرسمية حال مفاجأته بتلبسها بالزنى في احدى الخفارات الليلة. فالزوج او المحرم يّسأل في هذه الحالات عن جريمته بموجب المادة (409) عقوبات، إذ ان نصها على عدم تطبيق أحكام الظروف المشددة ضد الزوج او المحرم الذي يستفيد من العذر المخفف يستبعد تطبيقها عليه عند ارتكابه الجريمة حال المفاجأة بالزنى.
___________________
1- نصت المادة (414) عقوبات عراقي على انه (إذا توافر بالاعتداء المذكور في المادتين 412 ، 413 احدى الحالات التالية عّد ذلك ظرفاً مشدداً :- 1-وقوع الفعل مع سبق الاصرار. 2- وقوع الفعل من قبل عصبة مكونة من ثلاثة أشخاص فأكثر اتفقوا على الاعتداء. 3-إذا كان المجنى عليه من أصول الجاني.4- إذا ارتكب الاعتداء ضد موظف او مكلف بخدمة عامة اثناء تأدية وظيفته او خدمته او بسبب ذلك. 5- إذا ارتكب الاعتداء تمهيداً لارتكاب جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس مدة لا تقل عن سنة او تسهيلاً لارتكابها او تنفيذا لها أو تمكيناً لمرتكبها او شريكه على الفرار او التخلص من العقاب).
المؤلف : قاسم تركي عواد الجنابي