دراسات قانونية
ملخص دراسة قانونية حول إشكالات تنازع قوانين الأحوال الشخصية في الحضانة
كلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة حسيبة بن بوعلي – الشلف، الجزائر.
إعداد الطالبتين: صادق نادية — صامد ابتسام
ملخص المذكرة
يعتبر موضوع حضانة الأطفال الناتجين عن الزّواج المختلط من أهم المواضيع القانونية لما يثيره من إشكالات في مجال تنازع القوانين من أجل تحديد القانون الواجب تطبيقه، نتيجة اختلاف تعامل التّشريعات معه لاسيما في ظلّ غياب قاعدة إسناد خاصّة بالحضانة في معظمها، وهو ما فتح المجال للقضاء من أجل تحديد القانون الواجب التّطبيق على الحضانة كل وفق تصوّره في تكيّيفه للحضانة، مسترشدا في ذلك بالآراء الفقهية التّي بدورها اختلفت في إسناد الحضانة، وبالتّالي الاختلاف في تحديد القانون الواجب التّطبيق على الحضانة، الأمر الذّي سعت الاتّفاقيات الدّولية لحسمه من أجل تحديد وتوحيد القانون الواجب التّطبيق على الحضانة، كما سعت التشريعات العربية لإيجاد الحلول المناسبة لكن في ظل ذلك صادفتها هي الأخرى عدة إشكالات؛ فمنها ما يتعلّق بإشكالات إسناد الحضانة في الزّواج المختلط في حالة اختلاف ديانة الزّوجين المنفصلين؛ باعتبار أن إسناد الحضانة في الدول العربية بما فيها الجزائر مبني على اعتبار تربية المحضون على الدّين الإسلامي طبقا لنص المادة 26/3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، والمادة 62 من ق.أ.ج ، وكذا مسألة زواج الحاضنة من غير محرم يسقط حقها في الحضانة، بالإضافة إلى السفر بالمحضون كأحد المعايير التي تحول دون استمرار تواصل المحضون مع والده، وبالتالي يعيق الأب من ممارسة الرقابة والإشراف والولاية على المحضون خاصة إذا كان السفر لبلد أجنبي تختلف عاداته وقيمه عن مجتمعنا المسلم، ومن هنا يثور الإشكال حول ما هو موقف الإتفاقيات الدولية والتشريعات العربية بما فيها التشريع الجزائري من تنازع القوانين في مسائل الحصانة؟، وهل يمكن الاعتماد على الاجتهاد القضائي للمحكمة العليا لتغطية النقائص والإشكالات التي تواجه القاضي عند محاولة البت في تنازع القوانين بمسائل الحضانة في مجال القانون الدولي الخاص؟.
قصد معالجة هذه الإشكالية والتساؤلات التي تتفرع عنها، قسّمنا دراستنا إلى فصلين؛ تعرضنا من خلال الفصل الأوّل لتنازع القوانين في الحضانة بين الاتّفاقيات الدّولية والتّشريعات العربية، بحيث خصصنا المبحث الأول منه للإطار المفاهيمي للحضانة، حيث ركّز كلّ من الفقه والتّشريعات المقارنة في تعريفهم للحضانة على تربية الطّفل وحفظه، ومن المعروف أنّه قبل تحديد القانون الواجب التّطبيق يجب تحديد ضابط الإسناد الخاصة بالمسألة محل التنازع؛ بحيث تبيّن لنا أنّ معظم الاتّفاقيات الدّولية والتّشريعات أخذت بضابط الجنسية، أمّا المبحث الثّاني فتعرضنا من خلاله لدور الاتّفاقيات الدّولية والتّشريعات العربية في حلّ تنازع القوانين بمسائل الحضانة؛ حيث حددت الاتّفاقيات المتعدّدة الأطراف القانون الواجب التّطبيق على الحضانة وهو قانون الموطن المعتاد للطّفل، في المقابل أخضعت الاتّفاقيات الثّنائية الحضانة لقانون الموطن المشترك للزّوجين، أمّا بالنسبة للتّشريعات العربية فكان موقفها سلبيا، حيث أن معظمها لم يخص الحضانة بقاعدة إسناد، مما فتح المجال للقضاء للبحث عن حلول للقضايا التي تعرض عليه، مما أدى إلى وجود تناقض في الأحكام من حيث إسنادها والرّأي الرّاجح في مسألة إسناد الحضانة هو تطبيق القانون المطبّق على فكّ الرّابطة الزّوجية؛ باعتبار أن الحضانة لا تثور إلاّ بعد الطّلاق أو الانفصال أو التّطليق، إلاّ أنّ بعض التّشريعات حسمت الأمر بوضع قاعدة إسناد خاصّة للحضانة مثل: التشريع الكويتي، الذي أسندها إلى قانون جنسية الأب، أما الفصل 50 من القانون التونسي فقد اخضع الحضانة للقانون الذّي وقع بمقتضاه حلّ الرّابطة الزّوجية أو القانون الشّخصي للطّفل أو قانون مقرّة، ويطبّق القاضي القانون الأفضل، ونحن ندعم هذا التوجه الأخير من المشرع التونسي ولأن الحضانة حق له وأن القانون الشخصي للطفل هوالذي يضمن مصالحه .
أمّا الفصل الثّاني فخصّص للحلول المقدّمة من قبل التّشريع والقضاء الجزائري في مسألة تنازع القوانين في إسناد الحضانة؛ حيث تعرضنا من خلال للموقف السلبي للمشّرع الجزائري الذي لم يخصّ الحضانة بقاعدة إسناد، بل طبّق عليها القانون المطبّق على حلّ الرّابطة الزّوجية، وهو قانون جنسية الزّوج وقت رفع الدّعوى حسب نصّ المادة 12/02 من ق. م. ج كقاعدة عامّة، وطبق عليها استثناءا قانون الجزائري إذا كان أحد الطّرفين يحمل الجنسية الجزائرية وقت عقد الزّواج وفقا لنصّ المادة 13 من ذات القانون، إلاّ أنّ القضاء كان له دور فعّال في حلّ معظم مشاكل الحضانة، التّي راعى فيها مصلحة المحضون بالدرجة أولى؛ حيث استقرّ الاجتهاد القضائي للمحكمة العليا على إسناد الحضانة للوالد الذي يبقى داخل التراب الوطن، حتّى ولو كانت الأمّ غير مسلمة بشرط تربية المحضون على دين أبيه، وذلك حسب نصّ المادة 62 من ق. أ. ج، أمّا في حالة ما إذا استقرت الحاضنة في بلد أجنبي سواء كانت أجنبية أو وطنية، فإنّ الحضانة تسقط عنها، في المقابل استثناءً ومراعاة لمصلحة المحضون تسند الحضانة للحاضنة المقيمة ببلد أجنبي الأمر الذّي تنجر عنه صعوبة في الزّيارة وممارسة رقابة وإشراف الأب على المحضون.
أما المبحث الثاني فتعرضنا من خلاله لنطاق القانون الواجب التطبيق على الحضانة، فحاولنا أن نحدد مضمون المسائل التي يتعين على القاضي البت فيها عند الحكم بإسناد الحضانة؛ فعلى القاضي عند الحكم بالحضانة أن يحكم بحقّ الزّيارة طبقا لنصّ المادة 64 من ق. أ. ج، والنّفقة الواجبة للمحضون نصّ المادة 75 من ق. أ. ج، غير أنّ ولمن يؤول الحق في الولاية على المحضون حسب نصّ المادة 87 من ذات القانون، مع تحفظنا على موقف المشرع من هذه الأخيرة لأن يخالف للشّريعة الإسلامية التّي تعطي الولاية للعصبة من الرّجال، كما جعل الدّفع بالنّظام العام معيارا أساسيا لاستبعاد الأحكام الأجنبية في الجزائر.
ختاما، ومن خلال مناقشة وتحليل مشكلة تنازع القوانين في الحضانة، نجد أنّ معظم القوانين العربية لم تضع قاعدة إسناد خاصّة بالحضانة، تاركة ذلك للاجتهاد القضائي، وهذا ما أدى بالطّبع إلى تناقض الأحكام القضائية في الدّولة الواحدة، مثلا: مصر اعتبرتها في بعض القضايا أثرا من آثار الزّواج، وفي قضايا أخرى أثر من آثار انحلاله، بالإضافة إلى إشكال تنفيذ الأحكام والقرارات المتعلّقة بالحضانة بين الدول خاصة المراد تنفيذ الأحكام على إقليمها، لذا كان من الضّروري أن يتدخّل المشرع الجزائري لإيجاد حلول تحدّ من هذه الإشكالات، على أن يأخذ بعين الاعتبار مصلحة الأسرة وسلطة الآباء على أولادهم؛ أي لا يجعل مصلحة الطّفل غاية في حدّ ذاتها، وإنّما يجعلها من الاعتبارات التّي يأخذ بها دون أن يهمل مصلحة الأسرة ككل.
ونظرا لاختلاف التّشريعات وتضارب آرائهم، عقدت اتّفاقيات ثنائية وجماعية للتّقليل من هذا المشكل، وتسهيل الحلّ على الدّول المنتمية إليها؛ حيث أكّدت هذه الاتفاقيات على تحقيق مصلحة الطّفل قبل كلّ شيء.
أمّا التّشريع الجزائري، فلم ينص على قاعدة إسناد خاصّة بالحضانة في حالة الزّواج المختلط، بل اكتفى بإدراجها كأثر من آثار فكّ الرّابطة الزّوجية؛ بحيث يطبّق عيها قانون جنسية الأب وقت رفع الدّعوى حسب نص المادة 12/02، واستثناءً المادة 13 إذا كان أحد الزّوجين وقت انعقاد الزّواج يملك جنسية جزائرية، إلاّ أنّ القضاء الجزائري أعطى أهمّية كبيرة على المستوى الدّاخلي، لمعالجة تنازع القوانين في مسألة الحضانة، تبيّن ذلك من خلال الحلول التّي استقرّت عليها اجتهادات م. ع محاولة أن تراعي خصوصية المجتمع الجزائري، والحكم بالحضانة وفقا للقاعدة التّي تقرّر وجوب الحرض على مصلحة المحضون وتربيته على دين أبيه، إلاّ أنّ هذا غير كافٍ من النّاحية الواقعية المعاشة، وهذا مؤكّد من خلال الاطّلاع على النّتائج التّالية:
- إنّ معظم القواعد المستند عليها في هذا المجال هي اجتهادات قضائية.
- الاتّفاقية الجزائرية الفرنسية المتعلّقة بأطفال الأزواج المختلطين الجزائريين والفرنسيات في خالة الانفصال، لم تحقّق أيّ نفع بسبب اختلاف النّظام العام في كلّ من الدّولتين، وكذلك الاتّفاقيات الدّولية لم تجعل قاعدة إسناد خاصّة بالحضانة، بل اكتفت بجعل اختصاص لمحل الإقامة المعتاد للطّفل، إلاّ أنّ هذا يمكن أن يكون من مصلحة الطّفل أو العكسلأنّه ونظرا لمصلحة هذا الطّفل يجب أن تكون حالية ومستقبلية في نفس القت.
- خروج المشرّع الجزائري عن أحكام الشّريعة الإسلامية، بسبب انضمامه الاتّفاقيات الدّولية ويظهر ذلك من خلال إعطاء ولاية الطّفل للأمّ الحاضنة، وهذا مخالف للشّريعة الإسلامية.
- استقرار اجتهادات م. ع على إعطاء الحضانة لمن يبقى داخل الوطن، حتّى ولو كانت أمّا أجنبية، إلاّ أنّه لم يضع أي هيأة مختصّة تراقب على أيّ دين تلقّنه الأم الأجنبية للابن.
- كما أنّ الاستثناء الوارد في المادة 13 يعتبر أنّه إذا كان أحد أطراف النّزاع جزائري الجنسية يطبّق القانون الجزائري، لكّن هذا الأمر مطبّق فقط على مستوى الجزائر، ولو كان النّزاع أمام قاضٍ غير جزائري لكان الحكم مخالف تماما.
نظرا للنّقائص المغفلة في هذا الجانب، نتقدّم بالاقتراحات والتّوصيات التّالية:
- ضرورة الرّجوع في مسألة الحضانة إلى الشّريعة الإسلامية؛ لأنّها ألمّت بجميع الجوانب الخاصّة بالمحضون، والتّي تحقّق له المصلحة الكاملة.
- يتوجّب على المشرّع الجزائي وضع قاعدة مباشرة تحكم منازعات الحضانة في إطار الزّواج المختلط، متفاديا ما وقعت فيه التّشريعات التّي خصّت الحضانة بقاعدة إسناد.
- سعي القانون الدّولي لتوحيد قواعد ق. د. خ الخاصّ بالأحوال الشّخصية بين تشريعات الدّول العربية، باعتبار أنّ الأحوال الشّخصية في تلك الدّول مستقاة من الشّريعة الإسلامية ومثل هذا التّوحيد يكفل عدم التّناقض في الأحكام بين محاكم الدّول العربية، ومن ثمّة يضمن تنفيذ تلك الأحكام في الدّول المراد فيها، وذلك لتجنّب وقوع تضارب في القوانين ومعرفة القانون الواجب التّطبيق.
- يجب على القضاء عند مراعاة مصلحة المحضون، أن يأخذ بعين الاعتبار مصلحة الأسرة وسلطة الآباء على أولادهم؛ أي لا يجعل مصلحة الطّفل غاية في حدّ ذاتها، وإنّما يجعلها من الاعتبارات التّي يأخذ بها دون أن يهمل مصلحة المجموعة.
- يجب أن توضع بين يدي القاضي كلّ الإمكانيات المادية والمعنوية والبشرية، لتمكّنه من تحقيق مصلحة المحضون قدر الإمكان.
- وضع لجانٍ تراقب وضع أطفال الزّواج المختلط من النّاحية الدّينية والخلقية …
- وضع نصّ قانوني ينظّم حقّ الزّيارة والمسائل المتعلّقة به، من حيث مكان ومدّة الزّيارة.
- وضع تعريف لمصلحة المحضون، وذلك بتحديد المعايير التّي يمكن للقاضي الاستناد عليها للفصل في المسائل المتعلّقة بالأطفال.