دراسات قانونية

بحث قانوني في النطاق الموضوعي للالتزام بالسر المهني

المطلب الاول: النطاق الموضوعي للالتزام بالسر المهني.

اشترط الفصل 446 من القانون الجنائي ان يكون السر مودعا لدى الامناء بمقتضى وظيفتهم الدائمة أو المؤقتة، فالامناء يستطعون بحكم مهنتهم ان يتعرفوا على ادق الخصوصيات، فليس للامناء خيانة الثقة الموضوعة فيهم. فمن واجبهم عدم خيانة الامانة التي عهدت اليهم والاحتفاظ بها .

الفقرة الاولى: معيار طبيعة الوقائع من حيث السرية.
ان طبيعة الوقائع هي التي تحدد معيار الالتزام بسرية اما لضرورتها أو خطورتها على المصاللح، لذا فرض المشرع على جملة من الوقائع الالتزام بهذه السرية.
لقد فرض المشرع السرية على اجراءات التحقيق الابتدائي، على اعتبار ان اجراءات التحقيق ونتائجه من الاسرار التي يلتزم القائمون بهاو المشتركون فيه بكتمانها، صيانة لاستقلال المحقق وحياده وخفاظا على الراي العام من التاثير السيءوحماية الاعتبار المهني.

كما نجد ان الالتزام بالسرية بالنسبة للوقائع الطبية التي يلتزم الطبيب بكتمانها، فذهب بعض الفقهاء الى ان الامراض تكون سرية أو غير سرية وفقا لطبيعتها، اذا كان افشاؤعا يسب ضررا للغير أو لانها تسبب او تتضمن اهدارا لشخصية المريض، أو أنها لها شهرة وراثية كالسل والصرع الذي يضر بسمعة المريض. فالطبيب يجب عليه أن يتجنب القول بأنه مجنون او مصاب بالشلل أو السرطان.
فالامراض والالام السرية تختلف عن الامراض العادية، ويجب احاطتها بسياج من الكتمان .
ومن انصار التفرقة بين الامراض العادية والامراض السرية “بروام دي” الذي قرر بان سر المهنة الطبية قد يرجع الى طبيعة المرض، كان يكون وراثيا، كما قد يرجع الى جسامة المرض، فيجب على الطبيب الا يذكر شيئا غن خطورة المرض او احتمالات الشفاء لان ذالك يعرضه للمسئولية الجنائية، فضلا عما يتعرض له مركز الطبيب خابيت تقديراته.
ان طبيعة الوقائع التي يؤتمن عليها الامناء تجعل من السر المهني يحقق الهدف الشرعي المتوخى منه، وفي حالة الاخلال بهذا الالتزام فان ذالك يؤدي الى ضرر يضضر الغير .

الفقرة الثانية: معيار الضرر.
لا يكفي أن يقع من الامين فوق الوقائع المصرح بها وانما يجب ان يترتب على ذالك الافشاء ضررا للزبون.
والضرر قد يكون ماديا كما قد يكون أدبيا. فالضرر المادي هو الخسارة المالية او الجسمية التي تلحق الزبون.
والضرر الادبي هو الذي يصيب الزبون في شعوره وعاطفته أو سمعته أو كرامته او اعتباره او شرفه او رمكزه الاجتماعي يستحق التعويض اذا انصرف عنه الافراد المتعاملون معه، واستغل قسوة هذه المعلومات السرية في الدعاية ضده.
فمن المقرر كقاعدة عامة في سائر التشريعات ان كل عمل غير مشروع يضر بالغير يلزم مرتكبه بالتعويض. ولا شك أن جريمة افشاء السر عمل غير مشروع ولكنها تؤدي الى مطال بالتعويض الا اذا سب ضرر للمجني عليه ماديا او معنويا.فمعيار الضرر يوجب الالتزام بالكتمان حفاظا لعى اسرار الغير.

المطلب الثاني: النطاق الشخصي للالتزام بالسر المهني.
لقد حدد المشرع المغربي من خلال الفصل 446 من القانون الجنائي السابق ذكره، الاشخاص الملزمين بكتمان الاسرار المهنية وذالك بمقتضى الفصل 446 من القانون الجنائي الذي ورد في فقرته الاولى ما يلي: ” الاطباء والجراحون وملاحظو الصحة، وكذا الصيادلة والمولدات وكل شخص يعتبر من الاسرار بحكم مهنته ووظيفته الدائمة أو المؤقتة. اذا أفشى سرا أودع لديه وذالك في في غير الاحوال التي يجيز له القانون ان يوجب عليه فيها التبليغ عنه يعاقب السجن من شهر الى ستة أشهر وغرامة من الف ومائتين الى الفين درهم”.

والملاحظة أن التحديد المشار اليه في الفصل 446 من القانون الجنائي المغربي بخصوص بعض الطوائف الملزمة بكتمان السر وتحديد وارد على سبيل المثال لا للحصر، بدليل ان المشرع بعد أن ذكر الاطبلاء والجراحون وملاحظي الصحة والصيادلة والمولدات، اخضع لحكمهم أي شخص يعتبر من الامناء على الاسرار بحكم مهنته او وظيفته الدائمة أو المؤقتة .

الفقرة الاولى: الامناء على الاسرار.
يخضع لحكم الفصل 446 المذكور طائفة المحامين وكذا الموظفون العموميون التي تتمتع بهذا الحق، وغرض المشرع من الفصل 446 من المذكور لم يكن مجرد العقاب على افشاء الاسرار، وانما كان الهدف منه هو معاقبة الاشخاص الذين يفشون الاسرار الخاصة بالمهنة أو الوظيفة فقط الذين تقتضي أعمالهم الاطلاع على اسرار الافراد بحكم الضرورة او بحكم عملهم .
وسنقتصر في دراستنا للاشخاص الملزمين بكتمان السر على الاطباء والمحامين ثم الوظفين العموميون بمناسبة مباشرة مهنتهم ووظائفهم.

1-الأطباء:
يعتببر الاطباء من الاشخاص الذين اسثناهم الفصل 446 من القانون الجنائي المغربي ومنحهم الحق بان لا يذيعوا أسرار زبنائهم.
ويذهب مامون الكزبري في هذا الباب الى ان الحكمة من كتمان سر المهنة في الطب هي ستر عيوب المريض التي قد تكون ناشئة عن ارتكاب الخطايا التي لا بد للطبي أن يطلع عليها، فالمريض يلجأ الى الطبيب وتقتضيه الضرورة التي الجاته ان يبوح له بسر نفسي، فلا يجوز للطبيب أن يستغل هذه الضرورة ويفشي هذه الاسرارالتي ائتمن عليها، وانما يجب عليه أن يراعيها ويعتبر سر كل ما افضى به المريض الى الطبيب من معلومات ختى ولو لم يطلب منه كتمانها صراحة، فالطبيب اذا ملزم بكتمان كل ما وصل الى علمه سواء عن طريق الخبرة الفنية او عن رطيق الصدفة، كاكتشافه أن الرميض مصاب بداء السل حيث يمنع عليه الافشاء حتى لو كان المريض يجهل ذالك.

وحتى يكون للواقعة صفة السر المهني، يجب ان يكون للسر صلة مباشرة بالعمل الطبي او بالاحرى بمهنة الطبيب، اذ انه يفرض الثقة ممن يعلم به، فالطبيب الذي يتوجه الى عيادة المريض فيشاهد ارتكاب جريمة السرقة في منزله لا يكون ملزما بالكتمان، كما لا يشترط في مودع السر أن يكون هو المريض نفسهن قد يكون أحد الاغيار كأحد أفراد عائلته أو اصدقائه مثلا.
ولهذا نجد أن المشرع المغربي قد جعل من الاطباء والجراحين وملاحظي الصحة وكذا الصيادلة والمولدات وكذالك كل الاششخاص الذين ينتمون من قريب أو بعيد بصلة الى الجهاز الطبي (امناء) غاية من وراء ذالك هو ضمان ثقة المواطنين وبالخصوص المرضى ازاء الاطباء والجراحين وحمايتهم مما قد يقع تشهيرا به من أسرار المرض لالتي يجب الائتمان عليها او بعبارة أخرى هو حماية ارادة المجني عليهم في ابقاء عض الوقائع سرية.

2- المحامون:
يدخل المحامون ضمن الاشخاص الذين يعتبرون من الامناء على لاسرار والذين بحكم مهنتهم لا يجوز لهم افشاء سر من الاسرار المودعة لديهم من طرف موكليهم، والا تعرضوا للعقاب المنصوص عليه في الفصل 446 من القانون الجنائي السابق ذكره. والحقيقة أن مضمون الفصل 446 يشكل قاعدة عامة يلجا اليها في حالة عدم وجود نص خاص بتنظيم المسالة والحال ان المشرع المغربي نظم السر المهني بالنسبة الى المحامين منذ فجر الاستقلال وبالضبط سنة 1959، وقد اهتم المشرع المغربي من خلال الظهائر المتعاقبة التي نظمت مهنة المحاماة بالسر المهني، باعتبار أن اسرار الدفاع من الامور المقدسة الواجبة الاحترام وهي تستند على قاعدتين راسختين هما: حق المتهم في الدفاع عن نفسه والمصلحة الاجتماعية في تمكين كل شخص من الدفاع عن نفسه في طمانينة وهدوء .
وهذا يعني ان المحامي حينما تولى الدفاع عن الانسان، لا يدافع عن انسان كمجرد عميل او وكيل، وانما يدافع عن الشرعية ويحمي قواعد العدالة .وقد اعتبر المشرع المغربي التشبث بالسر المهني من بين اهم واجبات المحامي .
والمحامي ليس هو الملزم الوحيد بالسر المهني اذ ان جميع من يعملون معه من المتمرنين والمحامين المساعدين والكاتبات وما الى ذالك من عمال ملزمين هم كذالك بالسر المهني وأنه لهذا السبب وجب على المحامي ان يختار أشخاصا جديرين بالثقة وعليه أن يؤطرهم ويراقبهم.
ان المحامي بكتمان السر المهني يجعل السر المهني تعمل في خدمة المؤسسة القضائية ودولة الحق والقانون ، بل ومساعدة لها على اعتبار ان المحامي مساعد للقضاء اذا لم نقل مشارك له في احقاق العدل.

3- الموظفون:
يعتبر الموظفون العموميون بوجه عام على راس الطوائف المقيدة بكتمان الشسر المهني وذالك بالنسبة لما يؤتمنون من أسرار بحكم وظائفهم.
سبق أن ذكرنا بان المشرع سواء في المغرب او في مصر او في فرنسا لم يقم بحصر الامناء على الاسرار، ولكنه اقتصر على ذكر الاطباء ومعاونيهم على سبيل المثال لا الحصر، مكتفيا بالتعبير عن باقي الامناء على السر بقوله “… وكل شخص يعتبر من الامناء بحكم ممهنته او وظيفته الدائمة او المؤقتة…” ، ومن ثم يسري تهذا الفصل على كل من يعد من الامناء على السر بحكم الضرورة.
فالموظفون العموميون بوجه عام يعتبرون على وجه الوظائف المقيدة بكتمان السر المهني، وذالك بالنسبة لما يؤتمنون على أسرار على وظائفهم.
ويثور التساؤل، من هؤلاء الموظفون الذين يلتزمان بكتمان الاسرار التي أئتمنوا عليها بحكم الضرورة؟
يتعذر علينا في الواقع تحديد قائمة بهؤلاء الموظفين الذين تهتلف وظائفهم، ومن ثم الاعمال التي يقومون بها، خاصة وأن هذه القائمة في تزايد مستمر، بعد أن تطورت رسالة الدولة الحديثة وتزايدت واجباتها مما أدى الى تزايد تطبيقات السر المهني في أعمال لاسلطات المختلفة.
وهكذا فقضاة التحقيق واعضاء النيابة العامة ومساعديهم من كتاب ةغيرهم ممن يتصلون بالتحقيق او بخطورته بسب وظيفتهم او مهنته، وكذا موظفوا الضرائب وموظفو البنوك والموثقون…
يتضح أن دائرة الامناء تتسع بتطور المجتمع، وذالك ابتغاء المحافظة على مصلحة خاصة للافرادن والمصلحة العامة للمجتمع.

الفقرة الثانية: الزام الامين بالمحافظة على السر المهني.
ان فئة الامناء المنصوص عليها في الفصل 446 من القانون الجنائي وباقي الامناء الذين يعهد اليهم بالحفاظ على أسرار الغير يلتزمون وبمقتضى القانون بكتمانه. فكيف يتحقق هذا الالزام؟.
1- بالنسبة للاطباء:
ان المحافظة على السر المهني واجب على الاطباء ومنصوص عليه في قسم يقرأه الذي يؤديه الطبيب أثناء حصوصله على درجة الدكتوراة، ولذالك فالتزم بالمحافظة على السر المهني من أهم القواعد الاساسية التي يتوقف عليها عمل الطبيب، وهذا المبيا تم ترسيخه من خلال الفصل الرابع من قانون السلوك الطبي المغربي الذي جاء فيه: ” يلزم الطبيب بالكتمان المطلق لكل ما يصل الى علمه او يتوصل اليه من خلال مزاولة مهنته نظرا للثقة التي يضعها في المريض”.
وسعيا وراء تدعيم قاعدة الالزام بالمحافظة على السر المهني، أكدت منظمة اطباء المغرب في اجتماعها العام المنعقد بتاريخ 23 يناير 1972 بالرباط ان ” المحافظة على مهنة الطب كمهنة حرة تقتضي بضرورة المحافظة على المادئ التقليدية لاخلاق المهنة والمعلنة عنها في السلوك الطبي”.

وقد فرض المشرع المغربي من خلال الفصل 446 من القانون الجنائي التزاما بالمحافظة على السر المهني للطبيب، وفي نفس الوقت فرض المشرع على الطبيب عقوات في حالة الاخلال به أوبافشائه. فالسر الطبي لا ينحصر في العلومات الخاصة بالمرض أو بالاصابة التي يعاني منها المريضن أو العلاجات التي يتلاقاها بشأنه، وأنما يشمل كل ما يتصل بالعمل الطبي من فحوص وتشخيصات وعلاجات، وبعارة أخرى يمكن القول أن السر الطبي لا يقتصر على ما يعهد به الى الطبيب من عمل طبين بل يتعداه الى كل ما يشاهده او يسمعه أو يستنتجه وهو يمارس العمل الطبي.

وعليه فيتمكن القول بان السر الطبي هو كل ما يمكن للطبيب التعرف عليه أثناء أو بمناسبة ممارسة علمه الطبي وكان في افشائه ضرر لشخص المريض او لعائلته، اما بحسب طبيعته او بحسب طبيعة الوقائع او الظروف التي أحاطت به.
ويعتبر سرا لكل ما افضى به المريض الى الطبيب من معلومات وبيانات حتى ولو لم يطلب منه كتمانها بصراحة.فالطبيب اذن ملزم بكتمان كل ما وصل اليه علمهن سواء عن طريق خرته الفنية، او عن طريق الصدفة، كاكتشافه كون المريض مصابا بداء السلن وحيث يمنع عليه الافشاء حتى ولو كان المريض يجهل ذالك.
وحتى يكون للواقعة صفة السر المهني يجب أن يكون للسر صلة مباشرة للعمل الطبي او بالاحرى مهنة الطبيب، ولا يشترط القانون في الطبيب كتمان السر أن يكون مودع السر فاقدا للاهلية القانونية أو أن يكون عقد العلاج الذي يربطه بالمريض صحيحا، كأن يعالج مجنونا او صبيا مثلا، ففي كلتا الحاتين يلزم الطبيب بالكتمان.

وخلاصة القول، ان الطبيب ملزم بكتمان لاسر اذا كانت الوسيلة لاتي علم بها السر، سواء عن رطيق العلاج أو الفحص او التحاليل.
لقد فرض المشرع من خلال الفصل 446 من القانون الجنائي المغربي التزاما بالمحافظة على السر المهني للطبيب، وفي نفس الوقت فرض المشرع على الطبيب التزاما آخر يتعلق بالتبليغ، فالمشرع المغربي كغيره من التشريعات الحديثة لم يجعل قاعدة الالتزام بكتمان السر المهني الطبي قاعد مطلقة، بل أجاز استثناءا للاطباء وغيرهم من الامناء في حالات معينة افشاء السر دون أن تترتب عن ذالك أي جزاء جنائي كما هو الشأن يف حالة التبيلغ عن الامراض ذات لاصفة الاجتماعية او المعدية او الوبائية او بالتبليغ المهنية واصابات العمل، أو التبليغ عن المصابين بامراض عقلية .

ويرى البعض أنه اذا فرض القانون بالتبليغ على الامين على الاسرار، لهذا الالتزام الاولوية على الالتزام بالمحافظة على السر، اما اذا كان الامين على السر يملك مجرد الحق في التبليغ فان هذا أمر متروك لمحض اختياره وتقديره، فاذا كان بالتبليغ فانه يكون قد استعمل حقا مقررا وتمتع بالاباحة .
نخلص للقول مما سبق، أنه يعد مبلزما بالمحافظة على السر المهني الطبيب وكتمانه كل ما شخص من الاشخاص الذين ذكرتهم المادة 446 من القانون الجنائي، او غيرهم من الاشخاص ممن يتصل عملهم بالمهن الطبية أو الصحية سواء بصوؤة مباشرة او غير مباشرة.
اذا كان الامر الالتزام بالسر المهني بالنسبة للجهاز الطبي يخضع للقانون 446 فهل هذا الالتزام فهل هذا الالتزام ينطبق لعى مهنة المحاماة؟.

2-بالنسبة للمحامين:
لقد نص الفصل 36 من ظهير 10 شتنبر 1993 المنظم لمهنة المحاماة، بانه لا يجوز للمحامي ان يفشي أي شيء يمس بالسر المهني في اي قضية.
وأنه من التقاليد الراسخة لدى هيئة المحامين بالرباط اعتبار السر المهني كواجب اجاري على المحامين احترامه وملزم له كونه من الاركان الاساسية لمهنته، وقد دون الفصل 29 من النظام الداخلي هذا العرف وهذا التقليد، حيث أكد أن ” المحامي مدين بالكتمان المطلق للسر المهني، فلا يمكنه ان يسلم للغير الوثائق المودعة لديه من طرف موكلهاو يدلي شهادة كيف ما كانت لصالحه او ضده للالتزام بالسر المهني بالنسبة لمحام عام ومطلق في جميع نشاطاته المهنية دون اي تمييز أو استثناء”.

فعمل المحامي يتجسد في دعم الفضائل ونشرها ومحاربة الرذائل والآثام وليس أن يكون داعيا لها أو أحد المساهمين في نشرها او اشاعتها.
كما ان كل ما يقضي به الموكل المحامي فهو أمين عليه ويرد في هذا السياق قوله صلى الله لعيه وسلم: ( الحديث بينكم أمانة) وكذا قوله صلى الله عيليه وسلم: ( ثلاث من كن فيه فهو منافق، اذا حدث كذب، واذا وعد اخلف، واذا أئتمن خان) .

والزامية السر المهني لا تشتمل فقط على تصريحات واعترافات الزبون ( اذا أثارها سرا مع المحامي، أما اذا اثارها بحضور آخرين فلا تعتبر سرا)، وانما تشتمل كل ما يصل الى المحامي من علم، سواء بمقتضى كتابات قرأها (وثائق مختلفة- مراسلات…) واستفسارات او استشارات أعطاها وملاحظات ابداها او اتعا قبضها. بل أكثر من ذالك فان حتى زيارة الزبون من الاسرار التي يجب عدم الافصاح عنها ومن ثم كان على كل محام استدعاؤه كشاهد يرفض الادلاء بشهادته، بشان وقائع علم بها بمناسبة مزاولته لمهنته، حتى ولو رخص له بذالك موكله ويعتبر هذا المنع مطلقا سواء يف القضايا المدنية أو الجنائية او الضريبية او غيرها.

ومن جهة اخرى فان لالتزام السر لا ينتهي بطلب متوارث الزبون الذي أباح لاسراره للمحامي كما لا تنتهي بتغيير المحامي لمهنته ولا بتقاعده، او بصفة عامة فان الاتزام بالمحافظة على السر المهني يمتد الى كل ما سمع المحامي او قرا أو شاهد أو عاين من خلال مزاولته لمهنته. فلا حاجة للبحث فيما اذا كانت الوقائع المحمية بالسر من شأنها الاضرار بالزبون اذا ما تم افشاؤها.
ومن ثم ينحصر دور المحامي في الدفاع عن موكله ولا يتعداه الى ابعد من ذالك مادامت تربطه به علاقة تعاقدية ذاتية متبادلة الالتزام، فاذا كان الموكل الملزم يكشف الاسرار للمحامي، حتى يقوم قدر المستطاع بالدفع عنه، بالاضضافة الى التزامه بدفعه اتعابه، فانه في المقابل يكون المحامي ملزما بالعمل لصالح موكله، وكذالك ملزما بعدم كشف اسراره، فكل منهما – المحامي والموكل- دائن ومدين للآخر في نفس الوقت.
وقد اصدرت محكمة الاستئناف بروكسيل بتاريخ 18/06/1974 قرارا بليغا بخصوص هذا الموضوع، حيث ورد فيه ما يلي: ” ان المحامي ملزم وبشكل صارم بالحفاظ بالسر المفضي به اليه، ولا يمكن له بأي حال من الاحوال ولاي سبب من الاسباب كان وفي اي زمن كان خيانة هذا السر، وأن السر المهني يجد أساسه في أنه يتعين على ممتهني هذه المهنة ان يعطوا الضمانات الضرورية للثقة خدمة للصالح العام حتى تتكون قناعة لمن يتوجب اليهم بأن الافشاء باسرارهم لهم لا يشكل خطورة عليهم وانهم لن يفشوها للغير”.
ان الزام المحامي بكتمان السر المهني، يجعل السر المهني تعمل في خدمة المؤسسة لالقضائية ودولة الحق والقانون ، بل ومساعد لها على اعتباران المحامي مساعد للقضاء، ان لم نقل مشارك له في احقاق العدل.

3-التزام مساعدي الامناء بالحفاظ على السر المهني:
ليس الالتزام بالسر قاصرا على الامناء المنصوص عليهم في الفصل 446 من القانون الجنائي، وانما يمتد الى جميع من يعملون معهم ويشمل ذالك المحامين المتمرنين والمحامين
المساعدين والكاتبات… وما الى ذالك من عمال ملزمين هم كذالك بالسر المهني، وهاؤلاء يلتزمون بالسر الذي يعملون به خلال ممارستهم لوضائفهم .
وقد نصت بعض التشريعات صراحة على هذا الالتزام فجاء بالمادة 127 من قانون الاثبات الهندي ما يفيد اضفاء الحماية القانونية للسر المهني على المترجمين والكتبة التاعين للمستشارين القانونين، ولا تزور هذه الحصانة الا في الادلاء اليهم بمعلومات بغية التوصل الى عرض مشروع . ولذالك وجب على الامناء الفعليين ان يختاروا اشخاصا جديرين بالثقة وعليهم ان يؤطروهم ويراقبوهم.

إغلاق