دراسات قانونية

علم البصمات (بحث قانوني)

دراسـة حول علم البصمات

مــونـة جـنـيـح
باحثة في الميدان الجنائي والعلوم الجنائية

تقديم

يعد عالم البصمات ميدانا له أصوله، وقواعده، وكذا أهدافه، وهو يبحث في قضايا دقيقة وحساسة للتعرف على المزيد من الأسرار التي يتضمنها الإنسان لما تضمنه من خصوصية حيث لا يتشابه اثنان من بين النساء والرجال والأطفال. فهذا التنوع الإحيائي اللانهائي الموجود في كل الكائنات الحية يمثل أحد أدلة قدرة الخالق سبحانه وتعالي، بحيث كل يوم يأتي لنا العلم بما هو جديد ومثير عن هوية الإنسان مما يؤكد عظمة الخالق عز وجل، وعجز العلم الحديث بوسائله وعلمائه عن معرفة كل الأسرار التي أودعها الله في خلقه ومخلوقاته[1].
وبهذا نجد العلم قد توصل إلى سر البصمة في القرن التاسع عشر، وبين أن البصمة تتكون من خطوط بارزة في بشرة الجلد تجاورها منخفضات، وتعلو الخطوط البارزة فتحات المسام العرقية. بحيث تتمادى هذه الخطوط وتتلوى وتتفرع عنها فروع لتأخذ في النهاية – وفي كل شخص – شكلا مميزا، وفي تعريف أخر جاء فيه كون البصمة عبارة عن خطوط حلمية بارزة تجاورها تجاويف غائرة ويوجد على الخطوط الحلمية البارزة فتحات المسام العرقية
التي تتصل عن طريق قنوات بالغدد العرقية، هذه الخطوط الحلمية البارزة هي التي يعلق بها الحبر، بينما تظل التجاويف الغائرة خالية من الحبر لذلك عند أخذ بصمة الإصبع على الورق يلتصق الحبر العالق بالخطوط الحلمية بالورق و يبقى موضع التجاويف الغائـرة فارغا لا أثـر للحبر فيه.[2]

فالبصمات أثارا مادية غير ظاهرة يصعب إدراكها بالعين المجردة الأمر الذي يقتضي الكشف عنها والاستعانة بالوسائل الفنية لإظهارها، على سبيل المثال إظهار بصمات الأصابع غير ظاهرة على طاولة تم كسر أدراجها وسرقة ما فيها من وثائق، أو أثار الدم المغسول من أرضية الحجرة التي كانت مسرحا لجريمة القتل، فطرق الكشف عن هذه الآثار تحتاج إلى وسائل فنية طبيعية أو كيميائية، الأمر الذي يتطلب من الباحث الجنائي عناية خاصة والحرص والحذر سواء في البحث عن البصمات أو في إظهارها. الأمر الذي أن نتساءل عن ما هي الخصائص المميزة لبصمات الأصابع؟ و ما هي تصنيفاتها؟

أولا: خصائص بصمات الأصابع

إن الخصائص التي تتميز بها بصمة الأصابع تضفي عليها أهمية بالغة في التحقيق الجنائي، كما أنها هي الأساس الذي يتم الاعتماد عليه في مجال الإثبات الجنائي[3]، بحيث تمتاز طبعات الأصابع بكونها بثلاث خصائص رئيسية تتمثل فيما يلي:
1 ـ عدم قابليتها للتغيير L’inaltérabilité: بحيث من الثابت علميا أنه إذا ما أصيبت
الطبقة الخارجية من الجلد ببعض الجروح، وأتبعه إتلاف الخطوط الحلمية فإنها سرعان ما تظهر ثانيا بشكلها الأصلي التئام الجرح، أما إذا أصاب الجرح الطبقة الداخلية من الجلد فان أثاره تبقى عليه، بحيث يكون قد أضيفت إليها علامات أخرى مميزة أثر هذا الجرح.
2 ـ كونها ثابتة L’immuabilité: إن بصمات الأصابع تتكون لدى الإنسان قبل ولادته وتبقى إلى ما بعد وفاته إلى أن تتحلل خلايا الجسم بكاملها.
3 ـ عدم تطابقها La variété: وهو ما يعني عدم تطابق الخطوط الموجودة في الأصابع لدى شخصين مختلفين، بحيث تبث علميا انه لا يمكن للبصمة أن تتطابق وتتماثل في شخصين في العالم، حتى في التوائم المتماثلة التي أصلها من بويضة واحدة.[4]
فمن الناحية العلمية فانه منذ أن بدأ قانون التباين الطبيعي الذي يقضي بأنه لا يوجد في العالم شيئان ينطبقان في تفاصيلهما كل التطابق فانه يبدو ثابتا في علم بصمات الأصابع.

إن بصمات الأصابع أصبحت ذات أهمية كبيرة في المجال الجنائي كونها وسيلة قاطعة في مجال الإثبات، فقد أصبحت من الوسائل التي تأخذ بها غالبية التشريعات، ويقره الفقه ويعمل بها القضاء بل تعد مسألة أخذ بصمات الأصابع من المسائل المسلم بها والتي لا تثير جدلا ونقاشا لا من الناحية الفقهية ولا من الناحية القضائية لما لها من حجة قاطعة. وهناك بعض التشريعات نصت صراحة على إمكانية اللجوء إلى هذه الوسيلة في سبيل الكشف عن الحقيقة[5]، ومنها التشريع البحريني الذي أجاز صراحة أخذ بصمات المتهم أو المشتبه فيه رغما عنه، من ذلك ما تقرره المادة 78 [6] من قانون أصول المحاكمات الجزائية البحرينية بأخذ بصمات أي شخص من قبل المحكمة أو القاضي الذي يتولى المحاكمة، في حين أن هناك تشريعات لم تعالج صراحة هذه المسألة كالقانون المصري مثلا وهو نفس الاتجاه الذي سار عليه المشرع المغربي وذلك من خلال عدم تنصيصه للأخذ بهذه الوسيلة ضمن النصوص القانونية (قانون المسطرة الجنائية المغربي ـ القانون الجنائي المغربي)، بحيث اكتفى فقط في الفصل 57 من قانون المسطرة الجنائية، بحيث نص على أنه يجب على ضابط الشرطة القضائية الذي يشعر بحالة تلبس بجنحة أو جناية أن يخبر بها النيابة العامة فورا وأن ينتقل في الحال إلى مكان ارتكابها الإجراء المعاينات المفيدة. وعليه أن يحافظ على الأدلة القابلة الاندثار وعلى كل ما يمكن أن يساعد على إظهار الحقيقة وأن يحجز الأسلحة والأدوات التي استعملت في ارتكاب الجريمة أو التي كانت معدة لارتكابها وكذا جميع ما قد يكون ناتجا عن هذه الجريمة.

يعرض الأشياء المحجوزة على الأشخاص المشتبه في مشاركتهم في الجناية أو الجنحة قصد التعرف عليها. يقوم ضابط الشرطة القضائية عند الاقتضاء بأخذ البصمات من مكان
ارتكاب الجريمة ، وله أن يستعين بأشخاص مؤهلين لذلك. كما يمكنه أن يطلب إجراء خبرات عليها وعلى بقية أدوات الجريمة و الأشياء التي تم العثور عليها وحجزها بمكان ارتكاب الجريمة أو لدى المشتبه فيهم بارتكابها.

ثانيا : تصنيف البصمات

لقد اختلف المختصون في علم البصمات في مسألة تصنيف البصمات، فقد صنف بعض المختصين البصمة إلى ثلاثة أنواع وفقا لأشكالها ـ في حين صنفها البعض الأخر إلى أربع مجموعات، وأضاف بعض الخبراء مجموعة خامسة من البصمات لغايات تصنيفها[7]، إلا أن أكثر المختصين ببصمات الأصابع يصنفها في أربعة أشكال رئيسية وهي[8]:

1 ـ بصمات على شكل مقوسات :

تسمى هذه البصمات بالمقوسات لكونها عبارة عن أشكال تظهر فيها الخطوط الحلمية على شكل أقواس متجهة من جانب إلى أخر، وهي من الأشكال البسيطة التي تحتوي على وسط وليس لها نقطة زاوية، وتنقسم إلى قسمين رئيسيين هما:
المقوس البسيط أي العادي ويكون على شكل قوس كما في الشكل أسفله الذي يوضح بصمة المقوس البسيط ، وهو أبسط أنواع البصمات فهو ذلك الشكل أو النموذج من البصمة، الذي توجد فيه الخطوط الحلمية تتجه من جهة إلى أخرى في اتجاه أفقي بشكل خط فوق الأخر.[9]
أما النوع الثاني فهو المقوس الخيمي وهو خط أو أكثر من الخطوط الحلمية، يبدأ من جهة مع ارتفاع بسيط في الوسط وينتهي في الواجهة الأخرى، بحيث يكون على شكل أقواس مع وجود عمود أو بروز أو زاوية حادة أو قائمة.

2 ـ بصمات الأصابع ذات الشكل المنحدر

يعد هذا النوع من أكثر أنواع البصمات انتشارا في العالم والمنحدرات عبارة عن مجموعة من الخطوط الحلمية، التي تبدأ من أحد طرفي البصمة وللمنحدرات شروطا وهي :
ـ وجود مركز وهذا عبارة عن النقطة التي تقع في منتصف البصمات
ـ وجود زاوية والزاوية هي تلك النقطة التي تقع في إحدى طرفي البصمات
ـ وجود انحناءة كاملة مع استمرار في الانحناء من جانب الزاوية.

شكل 5 كيفية تطور الخطوط الحلمية في نظام المنحدرات[10]

3 ـ بصمات الأصابع ذات الشكل المستدير

هي مجموعة من البصمات الأكثر انتشارا في العالم بعد المنحدرات حيث تشكل ما يقارب 35 % ، من مجموع البصمات في العلم والمستدير هو ذلك الشكل من البصمة والذي ينثني فيه الخط الحلمي بطريقة دائرية مكونا دائرة حول نقط الوسط، وانحناء الخط يمكن أن يكون بشكل دائري أو لولبي أو بيضاوي.

شكل 8 كيفية تطور الخطوط الحلمية في نظام المستديرات[11]

4 ـ مركبات

يقصد بهذا النوع من البصمات الشكل الذي يكون عبارة عن حرف سين الفرنسي أو نفس الحرف المقلوب، وتضاف إليها الأشكال الاستثنائية التي تشتمل على أكثر من شكلين أو أكثر من نماذج البصمات المختلفة ومن الممكن أن يحتوي المستدير على أشكال غير عادية التي لا يمكن وضعها في فئة من نماذج البصمات وذلك لعدم انطباقها على التعريف لأي من الأشكال المعروفة[12].
فالتصنيف يعتبر مهما في مجال الكشف عن بصمات الأصابع، لكونه عبارة عن إعطاء رموز وأرقام للأشكال البصمات لغرض سهولة الوصول لبطاقات ذوي السوابق وغيرهم[13].

خلاصة

تعد بصمات الأصابع من الآثار المادية الخفية التي يخلفها ورائه الجاني دون أن يحس بذلك، لهذا بات من الضروري أن يتم التعامل مع الآثار المادية التي توجد في مسرح الجريمة ومحاولة الاستفادة منها في تتبع المجرم واكتشافه، وفك الغموض الذي يحيط بالجريمة بطريقة معقلنة وممنهجة من شأنها أن توصلنا إلى نتيجة ايجابية.

 

(محاماه نت)

إغلاق