دراسات قانونية
هل رغبة الزوج في إنجاب مولود ذكر يعد مبرر للتعدد؟
من إعداد:
الأستاذ مراد المدني
قاضي بالمحكمة الابتدائية بوجدة.
باحث في سلك الدكتوراه مختبر الأنظمة المدنية والمهنية
رغبة الزوج في إنجاب مولود ذكر مبرر موضوعي استثنائي للتعدد -نعم- قراءة في قرار محكمة النقض عدد:331 بقلم الأستاذ مراد المدني
مـقـدمـة:
يعتبر نظام تعدد الزوجات من الأنظمة الاجتماعية القديمة التي عرفتها البشرية منذ أن خلق الله الإنسان على وجه هذه البسيطة، وعند مجيء الإسلام أعاد تنظيمه وأحاطه بمجموعة من الشروط والضوابط التي تحول دون استعماله بصورة تعسفية.
ويجد تعدد الزوجات سنده في كتاب الله وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم، فمن الكتاب قوله تعالى:”وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا”[1]، وقوله عز من قائل:”ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولم حرصتم، فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة”[2].
ومن السنة النبوية الشريفة ما أخرجه مالك في الموطأ والنسائي والدارقطني في سننهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لغيلان بن أمية الثقفي وقد أسلم وله عشر نسوة:”اختر منهن أربعا وفارق سائرهن” إلى غير ذلك من الأحاديث التي تسير في نفس الاتجاه.
وعند دخول الاسلام إلى المغرب اعتنقه المغاربة دينا ومعاملة، وطبقوا تعاليمه كما هي واردة بالكتاب والسنة، ومن المواضيع التي حضيت باهتمام فقهاء الشريعة الإسلامية والممارسين في المجال الفكري والقانوني موضوع التعدد، والذي كان أول تقنين قانوني له سنة:1957 من خلال مقتضيات مدونة الأحوال الشخصية الملغاة،[3] حيث كان التعدد في تلك الفترة غير مقيد بأي قيد وكانت ارادة الزوج حرة في ابرام ما شاءت من الزيجات في حدود الأربع.[4]
وبقي الأمر على ما هو عليه إلى حدود سنة:1993 5 حيث تدخل المشرع المغربي وأدخل تعديلات على بعض نصوص المدونة من أهمها، ضرورة اشعار الزوج لزوجته الأولى بأنه سيتزوج عليها، وإخبار الثانية بأنه متزوج بغيرها، مع وضع مسطرة التعدد تحت مراقبة القضاء والذي لا يسمح به إلا إذا ظهرت له مسوغاته.[6]
أما مدونة الأسرة[7] فقد عملت على تقييد التعدد إلى درجة اقتربت به من المنع وذلك من خلال المواد من 40 إلى 46 من مدونة الأسرة، واشترطت على طالبه أن يتقدم بمقال في الموضوع إلى السيد رئيس المحكمة الابتدائية-قسم قضاء الأسرة- المختص مكانيا، مع تعزيز المقال بما يفيد توفر شرطيه الأساسيين وهما:”المبرر الموضوعي الاستثنائي” و:”القدرة المالية على اعالة أسرتين”
فما المقصود بالمبرر الموضوعي الاستثنائي؟ وكيف تعامل القضاء المغربي مع هذا القيد؟
للإجابة على هذه الاشكالية يجب أولا سرد وقائع القرار موضوع القراءة، ثم بعد ذلك تقسيم القراءة إلى مطلبين:
المطلب الأول: مفهوم المبرر الموضوعي الاستثنائي للتعدد.
المطلب الثاني: مدى صوابية اعتبار رغبة الزوج في انجاب مولود ذكر مبررا موضوعيا استثنائيا للتعدد.
ملخص وقائع القرار عدد:331 الصادر بتاريخ:23/06/2015.
تتلخص وقائع النازلة في كون الطالب تقدم بمقال افتتاحي إلى المحكمة الابتدائية الاجتماعية بالدار البيضاء عرض من خلاله أنه متزوج بالسيدة (ن.ع) وأنه رزق منها بثلاث بنات، وأن لديه رغبة في الزواج لانجاب مولود ذكر، موضحا بأن زوجته الأولى موافقة على الاذن له بالتعدد، وبعد اجراء بحث في النازلة تأكدت المحكمة من خلاله من موافقة الزوجة الأولى ومن رغبة الطالب في الزواج بأخرى، انتهى برفض الطلب، استأنفه الزوج وبعد استكمال الاجراءات المسطرية قضت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بتأييد الحكم المستأنف، فتم الطعن فيه بالنقض بمقال تضمن وسيلتين تتعلقان برغبة الزوج في انجاب مولود ذكر لم تعد زوجته الأولى التي أنجبت له البنات نظرا لسنها قادرة على الانجاب، وأن الزوجة الأولى وافقته على التعدد وأنه يتوفر على موارد مالية كافية لإعالة أسرتين.
فتم نقض القرار بالعلل التالية:”حيث صح ما عابه الطاعن على القرار ذلك أن المحكمة مصدرته اكتفت بالقول لتعليل ما انتهت إليه في منطوق قرارها بأن رغبة الطاعن في انجاب مولود ذكر لتوفره على البنات فقط غير مبرر للاستجابة لطلبة، والحال أن هذه الرغبة لديه لا يوجد ما يمنعها لا قانونا ولا فقها، وتجسد بجلاء المبرر الموضوعي الاستثنائي خاصة وأنه يتوفر على ما يعيل به أسرتين…..ولا سيما أن زوجته الأولى وافقت له على زواجه بثانية…..”
بالقراءة المتأنية للقرار يتضح لنا بأن النقطة القانونية المطروحة للمناقشة تدور بالأساس حول تكييف رغبة الزوج في انجاب أبناء ذكور كمبرر موضوعي استثنائي للتعدد، وهي التي ستكون موضوع الدراسة من خلال المطلبين المواليين.
المطلب الأول: مفهوم المبرر الموضوعي الاستثنائي للتعدد:
لقد أوردت المادة 41 من مدونة الأسرة قيودا على من يريد التعدد، إذ نصت على أنه:”لا تأذن المحكمة بالتعدد:
– إذا لم يثبت لها المبرر الموضوعي الاستثنائي،
– إذا لم تكن لطالبه الموارد المالية لإعالة أسرتين وضمان جميع الحقوق من نفقة واسكان ومساواة في جميع أوجه الحياة”
والمشرع المغربي لم يحدد المقصود بالمبرر الموضوعي الاستثنائي وإنما تركه لتفسير الفقه واجتهاد القضاء.
فعلى مستوى الفقه اعتبر أستاذنا أحمد الخمليشي[8] الصفة الاستثنائية للمبرر بكونها تعني أن ما يتظلم منه طالب التعدد غير مألوف في الحياة الزوجية العادية، وعزا موضوعية المبرر إلى ضرورة تحقيق الهدفين الأساسيين من الزواج وهما:المعاشرة الزوجية والإنجاب، ذلك أن تعذر المعاشرة الزوجية بسبب راجع إلى الزوجة يعتبر مبررا موضوعيا لإخلاله بحق جوهري من الحقوق المتبادلة بين الزوجين، ومن ذلك العقم المانع من الانجاب، لأن الرغبة في الولد عامة لدى جميع الأفراد رجالا ونساء، والحرمان منها صعب الاحتمال لدى الأغلبية على الأقل من المتزوجين والمتزوجات.
أما الأستاذ محمد الكشبور[9] فقد اعتبر بأن المبرر الموضوعي الاستثنائي هو ما لا تستقر بغيره جوانب مادية أو معنوية من حياة الإنسان، ومن ذلك مثلا عقم الزوجة، أو كثرة نفورها من الاتصال الجنسي، أو عدم رغبتها فيه بصفة مطلقة، أو اصابتها بمرض عضال يعقدها في الفراش وغيرها من الأمثلة.
ويرى الأستاذ محمد الأزهر[10] أنه يكفي أن يكون المبرر المذكور مشروعا يساير مقاصد الشريعة الاسلامية الغراء.
أما على مستوى العمل القضائي فإن منح المشرع السلطة التقديرية للمحكمة في تقدير موضوعية واستثنائية السبب المبرر للتعدد وعدم إعطاء أمثلة على ذلك تساعد القاضي على التقدير من خلال اعمال ملكة القياس خلق نوعا من التضارب بين من يتشدد في تقدير المبرر المذكور وبين من يعتبره مسألة واقع يقدرها القاضي بحسب كل نازلة على حدة، علما بأن القاسم المشترك الذي يكاد يطغى على العمل القضائي الأسري هو جنوحه نحو المرونة في التعامل في تقدير المبرر الموضوعي الاستثنائي عندما تكون الزوجة الأولى موافقة لزوجها على التعدد والزواج بامرأة أخرى، في حين يتعامل بنوع من الصرامة عندما لا توافق الزوجة على ذلك.
وبالرجوع إلى الأحكام والقرارات التي تسنى لنا الاطلاع عليها يتضح لنا بأن القضاء غالبا ما يعتمد المبررين اللذين ذكرهما الفقه في امثلتهما أعلاه، وهما:عقم الزوجة وعدم قدرتها على الانجاب، أو مرضها وعدم قدرتها على القيام بواجباتها المادية والمعنوية تجاه زوجها وأسرتها.
فبالنسبة للمبرر الأول، ذهبت المحكمة الابتدائية بالعرائش[11] في حكم صادر عنها إلى أنه: “حيث إنه وبجلسة الصلح… حضرت الزوجة وعبرت عن موافقتها لزوجها على التعدد مؤكدة بأنها تعاني من العقم ولا يرجى شفاؤها………………………………
وحيث إنه بالرجوع لوثائق الملف وكذا تصريحات الطرفين خاصة تصريحات الزوجة أمام المحكمة فقد ثبت عدم وجود الشرط المانع من التعدد كما أن الزوجة عبرت بصريح العبارة عن موافقتها لزوجها على التعدد………………………………….
وحيث إن المحكمة وقبل البت في الطلب عرضت الزوجة على خبرة طبية…والتي
خلص تقريرها النهائي إلى أن المطلوب ضدها لم يسبق لها الانجاب، وأن العقم الذي تعاني منه لا يرجى شفاؤه ولا يمكن البرء منه بصفة يقينية… مما يجعل الطلب مؤسسا ويتعين الاستجابة له”، وذهبت المحكمة الابتدائية بالفقيه بنصالح[12] إلى أنه:”وحيث إن السبب الذي اعتمده المدعي في التعدد والمتمثل في عدم قدرة المدعى عليها على الانجاب يعد مبررا موضوعيا استثنائيا يخوله حق التعدد، وأن ظروفه المادية تسمح له بإعالة أسرتين، وأن المدعى عليها موافقة على التعدد دون قيد أو شرط”، وجاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بوجدة أن عدم قدرة الزوجة على الانجاب وتوفر الزوج على دخل كاف لإعالة أسرتين يعد مبررا موضوعيا استثنائيا للتعدد[13].
أما فيما يتعلق بالمبرر الثاني، فقد ذهبت المحكمة الابتدائية لفجيج ببوعرفة إلى أنه:”وحيث تبين للمحكمة بعد اطلاعها على وثائق الملف وما راج بغرفة المشورة أن المدعي يتوفر على المبرر الموضوعي الاستثنائي الذي يخول له الحق في التعدد، وذلك بعدم قدرة زوجته على الجماع بعد خضوعها لعملية جراحية…”، كما جاء في حكم صادر عن مركز القاضي المقيم بتارجيست
14] ما يلي:”وحيث حضر المدعي والمراد التزوج عليها….وأفاد الأول بأن الأخيرة مريضة وغير قادرة على القيام بواجباتها كزوجة وأصبحت عاجزة عن اشباع رغباته الجنسية………………………………
وحيث أدلى المدعي بشهادة طبية مفادها أن زوجته مصابة بمرض على مستوى جهازها التناسلي………………………………………………………………
وحيث إن المحكمة واستنادا لما ذكر أعلاه لا يسعها إلا الاستجابة للطلب”، وجاء في حكم آخر صدر عن المحكمة الابتدائية بالفقيه بنصالح[15] ما يلي:”وحيث تبين للمحكمة بعد اطلاعها على وثائق الملف وما راج بغرفة المشورة أن السبب الذي اعتمده المدعي يعتبر موضوعيا واستثنائيا، على اعتبار أن المدعى عليها مريضة لا تقو على القيام حتى بشؤونها وأنها تحتاج إلى مساعدة شخص آخر للقيام بأبسط الأشياء…..”
هاته الأحكام وغيرها تبين بالملموس التعامل المرن لمحاكم الموضوع مع المبرر الاستثنائي عند توفر عنصر موافقة الزوجة، وهي تسير في اتجاه تفسيره بكونه كل مبرر يسعى لتحقيق الهدفين الأساسيين من الزواج اللذين ذكرها أستاذنا الدكتور أحمد الخمليشي والمتمثلان في:المعاشرة الزوجية، وانجاب الأبناء.
المطلب الثاني: مدى صوابية اعتبار رغبة الزوج في انجاب مولود ذكر مبررا موضوعيا استثنائيا للتعدد.
منذ القديم والعرب يعرفون أن جنس المولود يحدده الأب وليس الأم، ودليلنا على ذلك أبيات شعرية أنشدتها أعرابية تزوج عليها زوجها المسمى:أبو حمزة، وذلك بسبب عدم قدرتها على انجاب أبناء ذكور يحملون اسمه، كما عمد إلى اسكان الزوجة الثانية بالقرب منها فأنشدت تقول:
ما لأبي حمزة لا يأتينا () يظل في البيت الذي يلينا
غضبان ألا نلد البنينا () والله ما ذلك بأيدينا
وإنما نحن لزارعينا كالأرض () نحصد ما قد زرعوه فينا
وظلت قضية تحديد الجنس محط اهتمام الفلاسفة والأطباء والباحثين، ففي سنة: 500 قبل الميلاد توصلت مدارس الطب الهندية إلى أنه يمكن التأثير على جنس الجنين في بعض الحالات بفعل الطعام أو العقاقير كما ذكر ذلك بعض المؤرخين[16]،
كما ذكروا أيضا أن علماء الطبيعة كأرسطو تناولوا قضية تحديد الجنس بالمناقشة في القرن الثاني الميلادي، حيث ناقش أرسطو النظرية التي تقول:”إن جنس الجنين تعينه حرارة الرحم أو تغلب أحد عنصري التكاثر على العنصر الآخر”.
ومن الناحية العلمية، فإن التشخيص الطبي لقضية انجاب البنات والذكور يضع مسؤولية تحديد جنس الجنين على عاتق الرجل وليس على عاتق المرأة، ذلك أن تحديد جنس الإنسان يعتمد على تركيبة صبغياته الوراثية، إذ تحتوي كل خلية فيه على 23 زوجا من الكروموزومات التي تحمل الصفات الوراثية، يشترك الرجال والنساء في 22 زوجا، ويختلفان في زوج واحد، فنجده في الرجال (xy)، أما في النساء فهو (xx)، وتتميز بويضات النساء باحتوائها دائما على الصبغي x، وفي حالة التقاء البويضة x بالحيوان المنوي x يكون المولود أنثى، أما إذا التقت البويضة x بالحيوان المنوي y يكون المولود ذكرا، مما يعني من الناحية العلمية أن المرأة بريئة من المسؤولية عن انجاب البنات، ويكون معه الرجل هو المسؤول الأول والأخير عن تحديد جنس الجنين.
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عظمة الباري جل وعلا وعلى الاعجاز العلمي القرآني الذي أكد بأن الأولاد ذكورا كانوا أم إناثا هبة من الله عز وجل، وأن الله الكريم هو المتحكم الوحيد في جنس المولود داخل رحم أمه ذكرا كان أم أنثى، مصداقا لقوله تعالى:”لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء، يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكرانا وإناثا، ويجعل من يشاء عقيما، إنه عليم قدير”[17].
وبالرجوع للقرار موضوع التعليق يتبين لنا بأن العلة المعتمد عليها غير مستندة على أي أساس سواء أكان علميا أم فقهيا أو حتى قانونيا، مادام أن العلم جزم وبالمطلق بأن المرأة براء من المسؤولية عن تحديد جنس المولود، وأن الرجل هو المسؤول الأول والأخير عن ذلك، بمعنى أنه وحتى وإن منح له الاذن بالتعدد والزواج بثانية وثالثة بل وحتى رابعة، فليس هناك ما يؤكد بالبت والمطلق على أنه سينجب منهم أبناء ذكورا، بل قد يكون العكس هو الصحيح، وقد تكون الزوجة الثانية عاقرا فتنتفي معه العلة التي اعتمد عليها القرار في التسبيب، ويبقى الأمر محض احتمال، وهو ما يتعارض مع القاعدة الفقهية المؤطرة لتعليل الأحكام والقرارات القضائية والتي تقول:”إن القضاء لا يبنى على مجرد الظن والتخمين، وإنما ينبى على الجزم واليقين”، كما أن أستاذنا الدكتور أحمد الخمليشي وهو يناقش المبرر الموضوعي الاستثنائي المؤسس على العقم فسره بكونه عدم انجاب الزوجة بصفة نهائية واعتبر رغبة الزوج في انجاب أكثر من ولد أو في انجاب ذكر لا تدخل في هذه الصفة[18].
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالقرار يؤسس لقاعدة تعد امتدادا للجاهلية القديمة التي كان الرجال يستعرون فيها من انجاب البنات وكانوا يقومون بوأدهن، والتي حذرنا الله منها بقوله في كتابه العزيز:”وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب، ألا ساء ما يحكمون”[19].
كما أن القرار لم ينتبه إلى كون العلة التي اعتمد عليها فيها ضرب لقيم العدل والمساواة بين الجنسين التي أسست عليها مقتضيات مدونة الأسرة في اطار مقاربة توفيقية بين المرجعية الإسلامية التي يقوم عليها ديننا الحنيف والمرجعية الكونية القائمة على الأوفاق الدولية التي صادق عليها المغرب وأعطاها الأرجحية في التفعيل على حساب القانون الداخلي من خلال تصدير دستور 2011، هاته المقتضيات التي أعادت الاعتبار للمرأة المغربية باعتبارها شريكا لشقيقها الرجل في الحقوق والواجبات، وتساهم إلى جانبه في إحداث التغيير وبناء صرح المجتمع وتحقيق التنمية البشرية.
خاتمـــة:
إن البناء الواقعي الذي اعتمد عليه القرار موضوع تعليقنا لتأسيس علله لا تنسجم مع المسلمات العلمية والتفاسير الفقهية والقضائية التي سبق ذكرها، ويشكل نوعا من التراجع في المكتسبات التي جاءت مدونة الأسرة لتكريسها بغرض حماية كافة مكونات الأسرة، وذلك بالرغم من أن وقائع القرار يجد فيها القارئ ما يكفي من مبررات تصلح لأن تكون دافعا للموافقة على التعدد لطالبه دونما حاجة إلى تجاوز ما استقر عليه الفقه ومعه القضاء منذ بداية العمل بمدونة الأسرة إلى اليوم حفاظا على الأمن القانوني والقضائي الذي يسعى المشرع ومعه القضاء إلى تكريسه، خاصة وأن الزوجة الأولى موافقة لزوجها على الزواج بامرأة ثانية، ومن ثم كان على القرار أن يكتفي فقط باعتماد حيثية أخرى أكثر موضوعية متمثلة بالأساس في كبر سن الزوجة الأولى وعدم قدرتها على انجاب أبناء آخرين لزوجها يحملون اسمه خاصة وأنه ميسور الحال ويتوفر على موارد مالية لإعالة الأسرتين والأبناء، فيكون تعليله سليما من الناحيتين القانونية والواقعية.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
الهوامش
-[1] سورة النساء، الآية 3.
-[2] سورة النساء، الآية 129.
-[3] ظهير شريف رقم: 140-57-1 المؤرخ في: 22 محرم (19 غشت 1957) بمثابة مدونة الأحوال الشخصية، منشور بالجريدة الرسمية عدد:2354، الصادرة بتاريخ:13 جمادى الأولى سنة:1377 الموافق ل:06 دجنبر 1957، ص:1394.
5- ينص الفصل 29 من م ح ش الملغاة على ما يلي: “المحرمات حرمة مؤقتة……
2- الزيادة في الزوجات على القدر المسموح به شرعا……”
-[5] ظهير شريف رقم:347-93-1 المنشور بالجريدة الرسمية عدد:4222، الصادر بتاريخ:22 ربيع الأول موافق:10 شتنبر 1993.
7- ينص الفصل 30 من ظهير 10/09/1993 على أنه:”يجب اشعار الزوجة الأولى برغبة الزوج في التزوج عليها والثانية بأنه متزوج بغيرها…..للمتزوج عليها إذا لم تكن اشترطت الخيار أن ترفع أمرها للقاضي لينظر في الضرر اللاحق بها، وفي جميع الحالات إذا خيف عدم العدل بين الزوجات لا يأذن القاضي بالتعدد….”
8- ظهير شريف رقم:22-04-01 الصادر بتاريخ:12 ذي الحجة 1424 ه الموافق ل:03 فبراير 2004، بتنفيذ القانون رقم:03-70 بمثابة مدونة الأسرة، منشور بالجريدة الرسمية عدد:5184، الصادرة بتاريخ:05 فبراير 2004.
9- أستاذنا أحمد الخمليشي، من مدونة الأحوال الشخصية إلى مدونة الأسرة، الجزء الأول، الزواج، طبعة:2012، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، ص:166.
-[9] محمد الكشبور، شرح مدونة الأسرة، الجزء الأول، الزواج، الطبعة الأولى 2006، مطبعة النجاح الجديدة البيضاء، ص:213.
[[10]]url:#_ftnref10 – محمد الأزهر، شرح مدونة الأسرة، ص:78.
12- حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالعرائش في الملف عدد:15/2006 بتاريخ:19/10/2006، منشور بكتاب المنتقى من عمل القضاء في تطبيق مدونة الأسرة، الجزء الأول، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، سلسلة المعلومة للجميع، العدد:17، فبراير 2009، ص:46
13- حكم صادر عن المحكمة الابتدائية الفقيه بنصالح في الملف عدد:41/2006، بتاريخ:19/03/2007، منشور بكتاب المنتقى من عمل القضاء،
م س، ص:52-53.
-[13] حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بوجدة تحت عدد:142/2007 بتاريخ:18/01/2007، (غير مشور).
15- حكم صادر عن مركز القاضي المقيم بتارجيست في الملف عدد:22/2006، بتاريخ:31/03/2007، منشور بكتاب المنتقى من عمل القضاء،
م س، ص:53-54.
16- حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالفقيه بنصالح عدد:29/2007 بتاريخ:19/11/2007، منشور بكتاب المنتقى من عمل القضاء، م س، ص:50.
-[16] كتاب قصة الحضارة، 2/447.
-[17] سورة الشورى، الآيتين:49-50.
-[18] أستاذنا أحمد الخمليشي، م س، هامش رقم:213 من ص:166.
-[19] سورة النحل، الآيتين:58-59.