دراسات قانونية
بحث قانوني طويل في مظاهر حماية الأجير
زكــــريــــاء الـــمـــــرابـــط
يــــوســــف الـحمـدونـي
تــحـت إشــــراف الأســــتاذ:
عـــمـــر الـــيــعـــقــــوبـــي
جامعة سيدي محمد بن عبد الله
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية
شعبة القانون الخاص- فاس
السنة الجامعية 2011ـ2012
مظاهر حماية الأجير في مدونة الشغل
مـــقـــــدمــــة:
لقد عرف المغرب في العقود الأخيرة تحولات عديدة لم يكن المجتمع على عهد بها، أو لم يكن ينظر إليها بنفس الاهتمام الذي هو عليه الأمر في وقتنا الحاضر، حيث كان ينظر إلى واقعه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي… على أنه نتيجة لسيرورة التاريخ ولتراكماته ولنتائجه الحتمية التي يبقى الإنسان مسيرا في التعامل معها كما هي؛ غير أن توالي الأحداث وتعقد الحياة في مختلف مجالاتها، فرضت إعادة النظر في منهجية التدبير، باعتماد أسلوب يهدف إلى تجاوز أزمات الحاضر بمختلف تحدياته.
ويبقى أهم تحد يواجه المجتمع المغربي بمختلف مكوناته، الذي يعرقل المسيرة التنموية للبلاد، الوضع الذي تعيش في ظله الطبقة العاملة المغربية، التي تعاني من مختلف أشكال الاستغلال والحرمان من أبسط الحقوق، مما يجعل هذا معضلة ذات طابع اجتماعي واقتصادي تستوجب التدخل العاجل لمواجهتها بكل الآليات المتاحة والممكنة.
خاصة وأن ما تقوم به هذه الطبقة في العصر الحاضر، يكتسي أهمية بالغة، نظرا لما تلعبه من دور أساسي في النهوض بالحياة الاقتصادية للمجتمع، وتنمية موارده الطبيعية وتطويرها، وخلق رواج اقتصادي للمجتمع، وتبادل تجاري على الصعيدين الداخلي والخارجي. وذلك داخل مجتمع يخيم عليه نوع من الاستقرار السياسي ضمن إطار ديمقراطي، وتسوده عدالة اجتماعية متوازنة تراعى فيه حقوق جميع الأطراف.
وحتى تؤدي هذه الطبقة دورها المنوط بها كاملا، لا بد من أن يتوفر لها جو العمل وأن تطمئن على مستقبلها ومستقبل أبنائها المادي والمعنوي. وانطلاقا من الإيمان الراسخ بأن أية حماية، لا يمكن أن تتحقق بالاستناد إلى الوازع الأخلاقي المثالي أو الضمير الإنساني مفردا، وإنما لا بد من آليات قانونية حمائية عادلة تضمن المصالح المشتركة للعامل وللمشغل، وترشد سلوك الإنسان وقراراته بالقوة إن اقتضى الأمر ذلك عن طريق قواعد زجرية، مع ترك الحرية في التعاقد والتعامل على أساس تلك القواعد والأنظمة.
ويعتبر التدخل التشريعي المنظم للعلاقة التعاقدية بين الأجير ورب العمل، في ظل ظروف تأخذ بعين الاعتبار المعطيات المادية والاعتبارية للشخص العامل، أحد أهم المطالب الأساسية التي تقررها المبادئ الحمائية لحقوق الإنسان، التي تستوجب من كل فرد من أفراد المجتمع الدولي كفالتها لرعاياه؛ خاصة من يوجدون في وضع لا يسمح لهم بالمطالبة بحقوقهم والدفاع عنها، عن طريق الانتماء إلى مختلف المنظمات المهنية التي من شأنها أن تعمل على حماية مصالحه المعتبرة قانونا.
فإذا كان كل طرف يعرف ما له من حقوق وما عليه من واجبات تجاه الطرف الآخر وتجاه المجتمع الذي يعيش فيه، فلا شك أن الحياة ستكون رتيبة بنظامها وانتظامها ونشيطة بين أفراد المجتمع ككل، ويعم الاستقرار السياسي والاطمئنان والسلم الاجتماعيين اللذان ينشدهما ويرغب فيهما كل مجتمع.
لذلك عمد المنتظم الدولي إلى حماية الأجير من كل المظاهر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، حيث عمل بصفة مطردة على زيادة الوعي بضرورة توفير حماية للأجراء العاملين في مختلف المجالات، وذلك عبر مجموعة من الاتفاقيات التي حاولت توفير حماية نوعية لكل الأجراء أيا كان جنسهم أو مكان تواجدهم، بغية دعم مركزهم القانوني على المستوى الوطني، إلا أنه يبدو أن هذه الجهود لا بد من مضاعفاتها لحمل الدول على تسريع وثيرة ملاءمة نصوصها القانونية مع الأحكام الواردة في الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالشغل، الأمر الذي انعكس إيجابا على التشريعات الوطنية منها التشريع المغربي، الذي حاول ملاءمة الأحكام الخاصة بالشغل مع المبادئ المقررة في القانون الدولي المنظم لهذا الموضوع، إلا أنه مع ذلك توجد جوانب قصور عديدة لم تشملها مدونة الشغل الجديدة بأي حماية.
على أنه كيفما كانت تلك القواعد القانونية ومهما كانت أهميتها، فلن تعطي ثمارها إذا لم تطبق التطبيق السليم من طرف الأجهزة الساهرة على ذلك، خصوصا من مؤسسة القضاء التي تلعب دورا بارزا وأساسيا في تثبيت أسسها وتطويرها. ومن المؤكد أن ميدان الشغل وسوق التشغيل تتداخله المصالح الخاصة لأطراف العقد، فالكل يريد تفسير القانون لفائدته، فيأتي القضاء ليحسم الموقف وفق أسس عادلة نزيهة .
يقول الحق سبحانه وتعالى:﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ورَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّا ورَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُون﴾ .
فمن حكمة الله تعالى في خلقه أن يكون الناس متفاوتين في الأرزاق، لكي يستعين بعضهم ببعض ويتعاونوا في قضاء حوائجهم، ومن هنا نشأت علاقات الشغل؛ ولقد عملت مختلف التشريعات المقارنة، على تنظيم علاقات الشغل بموجب قوانين خاصة سميت فيما بعد بالقوانين الاجتماعية.
وفي المغرب، فلقد كانت علاقات الشغل منظمة في البداية بموجب قواعد الفقه الإسلامي والأعراف والتقاليد والعادات السائدة في أوساط الحرفيين. أما بعد الحماية فقد عمل المشرع المغربي، أسوة بغيره من التشريعات المقارنة، على تنظيم علاقات الشغل بموجب نصوص خاصة، موزعة بين قانون الالتزامات والعقود، والنظام النموذجي لسنة 1948، وقانون 1946 المتعلق بالعطلة السنوية، وظهير 1936 المتعلق بالحد الأدنى للأجور، وقوانين أخرى كثيرة. الأمر الذي جعل قانون الشغل في المغرب يعاني من التجزئة بحيث وصلت النصوص المنظمة لعلاقات الشغل إلى حوالي 4500 فصل بشكل يصعب معه على المهتمين بالقانون الاجتماعي (قضاة، محامون، أساتذة جامعيون، طلبة باحثون…) الإلمام بها، فبالأحرى أطراف العلاقة الشغلية.
ولتجاوز الشتات والتجزئة التي يعاني منها القانون الاجتماعي في المغرب عملت الحكومات المتعاقبة على المغرب منذ فجر الاستقلال على صياغة مشاريع قوانين بدءا من مشروع 1956، ثم مشروع 1970، فمشروع 1983، فمشروع 1995، فمشروع 1998. لكن لم يكتب لهذه المشاريع أن تنجح وتخرج إلى حيز الوجود، نتيجة تغييب المعنيين بالقانون الاجتماعي أثناء صياغتها ( أي نقابات العمال وأرباب العمل والقضاة والمحامون ومفتشي الشغل ) إلى أن تم طرح مشروع 65.99 الذي صادق عليه البرلمان بغرفتيه وتم نشره في الجريدة الرسمية تحت عدد 5167 بتاريخ 8 دجنبر 2003 ودخل حيز التنفيذ ابتداء من 8 يونيو 2004.
وبعد مخاض طويل، تأتي مدونة الشغل لتحمل 589 نصا، مع نسخ بعض الظهائر والمراسيم التي كانت مطبقة سابقا؛ وتحمل بين طياتها بعض الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وخاصة تلك المتعلقة بحرية العمل والممارسة النقابية وحق التنظيم والمفاوضة وحق المبادرة وحق الملكية وحق المرأة والطفل، استجابة لرهانات التنمية ورفع تحديات العولمة، والمنافسة وفسح المجال للاستثمار الوطني والأجنبي وبناء اقتصاد عصري مبني على الديمقراطية والحداثة.
ويبقى المنحى السائد، هو التأسيس للعولمة وخلق توازن في عالم الشغل، وهو التوازن الثلاثي: العامل ورب العمل ثم الاقتصاد الوطني.
وبما أنه المحور الأساسي الذي يدور حوله الموضوع هو”الأجير”، يبقى من المفروض تحديد هذا المفهوم، والتطور الذي خضع له، مع تمييزه عن بعض المفاهيم الأخرى.
فلقد كان قانون الالتزامات والعقود في فصله 723، هو السباق لتحديد عقد إجارة الخدمة الذي يقصد به عقد العمل، دون أن يحدد مفهوم “الأجير” تحديدا دقيقا. حيث اعتبر أن الأجير هو فقط الطرف الذي يرتبط مع شخص آخر بعقد شغل ويلتزم بتنفيذ عمل معين في مقابل أجر يلتزم الطرف الآخر بدفعه له.
فواضح أن مفهوم الأجير الذي أتى به هذا الفصل، هو مفهوم عام وغير دقيق إلى حد ما، يمكن أن يدخل في عداده بعض الأشخاص الذين لا يخضعون لقانون الشغل، كفئة الموظفين العاملين في الإدارات العمومية، ما دام كل من الأجير والموظف يقدمان عملا مقابل أجر .
إلا أنه مع صدور ظهير 2 يوليوز 1947 المتعلق بضابط الخدمة والعمل ، بدأت تتضح الرؤيا أكثر، فأصبح للأجير مفهوما محددا، بالرغم من أن هذا التحديد تم بطريقة غير مباشرة، وذلك انطلاقا من تحديد المؤسسات التي يخضع لها هذا الظهير؛ وهكذا أوضح أول فصل منه أنه يطبق على المؤسسات الآتية كيفما “كانت عمومية أو خصوصية، دينية أو غير دينية، ولو كانت لها صورة مؤسسات تعاونية أو… معدة للتعليم الصناعي أو مخصصة لأعمال خيرية”، فهذه المؤسسات محددة على سبيل الحصر، في المؤسسات التجارية والمؤسسات الصناعية وفي أصحاب المهن الحرة والموثقين والسماسرة ووكلاء التأمين والشركات والنقابات والجمعيات والمقاولات والمؤسسات المكونة من أعضاء الأسرة الواحدة؛ كما أكدت الفقرة الأخيرة من نفس الفصل على أن هذا القانون يطبق على هذه المؤسسات كيفما كانت طريقة أداء الأجر فيها سواء كانت “بالزمن أو بالقطعة أو بحسب الإنتاج أو بالعمولة أو بنسبة معينة من الحلوان…”. إلا أن أهم عنصر لم يكن محددا في هذا المفهوم وهو مدة عمل الأجير، مع العلم أن هذه المدة هي المعيار في اعتبار شغل الأجير قد أصبح قارا أم لا، كما له آثار غاية في الأهمية عند فسخ العقد بالنسبة للأجير القار.
وبعد هذا الظهير، صدرت مجموعة أخرى من النصوص القانونية حصرت هذا المفهوم أكثر، من خلال تحديد الفئات الخاضعة لقانون الشغل.
إلا أنه مع صدور مدونة الشغل، حسم الأمر حينما تم تحديد بعض المفاهيم من خلال إعطاء تعريفات لها، فوضعت تعريفا للأجير من خلال المادة 6 التي جاء فيها: “يعد أجيرا كل شخص التزم ببذل نشاطه المهني تحت تبعية مشغل واحد أو عدة مشغلين لقاء أجر، أيا كان نوعه وطريقة أداءه”، ويدخل في إطار مفهوم الأجير أيضا ما يعبر عنه بالمستخدم الذي يشتغل في مؤسسة عمومية أو شبه عمومية، وطنية أو جهوية، ذات نفع عام أو خاص.
وبذلك فإن مفهوم الأجير يختلف كثيرا عن بعض المفاهيم الأخرى المشابهة له، من قبيل الوكيل بعمولة، والشريك في شركة، والمسير الحر للأصل التجاري،… حيث تنتفي هنا أهم خاصية من خصائص عقد الشغل والمتمثلة في علاقة التبعية، كما أن خدم المنازل لا يدخلون في حكم الأجراء نظرا لاستثنائهم في المدونة بشكل صريح، ونفس الشيء بالنسبة للموظفين العموميين الذين يخضعون لنظام خاص بهم وهو قانون الوظيفة العمومية.
وفي دراسة هذا الموضوع أهمية كبرى على المستويين النظري والعملي، فبالإضافة إلى كثرة الإشكالات التي يطرحها واختلاف المحاكم والفقه والباحثين في التصدي لها، خصوصا أما التحدي المتمثل في تحقيق نوع من التوازن بين الأجير ورب العمل ومصلحة الاقتصاد الوطني والحفاظ على السلم الاجتماعي. فإنه لا يخفى الدور الذي تقوم به الطبقة العاملة داخل المجتمع، وما له من أهمية بالغة في العديد من المجالات، سواء الاقتصادي منها، أو الاجتماعي، أو السياسي؛ فبحماية الأجير إذن نكون قد وفرنا الحماية للجانب الأكبر من أفراد المجتمع، خصوصا في عصر العولمة وما نتج عنه من تعقد علاقات الشغل والتطور الصناعي وتزايد عدد العمال وغزو الآلة لميدان الشغل.
وعلى هذا الأساس فإن الإشكالية التي يطرحها الموضوع تتجلى في إبراز مظاهر حماية الأجير في مدونة الشغل، وتتفرع عن هذه الإشكالية المحورية مجموعة من الأسئلة سنحاول الإجابة عنها طوال بحثنا وهي: ما هي المستجدات التي حملتها هذه المدونة لحماية الطبقة العاملة؟ وهل كان المشرع المغربي موفقا في تحقيق هذه الحماية ؟ ثم أين يتجلى ذلك ؟ وهل نستطيع الحكم على المدونة في غياب القوانين التنظيمية، وأن نصف تعاطيها مع مشاكل الأجير بالايجابية أم بالسلبية؟
هذا ما سنحاول الإجابة عليه في موضوعنا هذا الذي عنوناه بـــــ” مظاهر حماية الأجير في مدونة الشغل”.
وقبل استجلاء مظاهر هذه الحماية وباعتبار ما يقال من أن مدونة الشغل لم توضع إلا لحماية الأجير، يمكن القول بأن هذه الحماية جد واسعة ومتنوعة، لذا فإن موضوعنا هذا لا يمكننا أن نحصر فيه جميع هذه المظاهر، نظرا لكون كل مظهر من هذه المظاهر يمكن أن يكون موضوعا للبحث. لكل هذا، سنحاول قدر المستطاع، حصر أكبر عدد ممكن من هذه المظاهر ولو بشكل مختصر، من أجل أخذ نظرة عامة وشمولية على الحماية التي قررها المشرع للأجير من خلال هذه المدونة التي طالما انتظرها الجميع، معتمدين في ذلك المنهج العلمي الذي يعتمد التحليل والمقارنة، وفق التصميم التالي:
الفصل الأول: ظروف الشغل داخل المقاولة
الفصل الثاني: حقوق الأجير في إطار علاقات الع
الفصل الأول: ظروف الشغل داخل المقاولة
يحتل قانون الشغل في العصر الحديث أهمية عظمى ومرتبة كبرى، ولعل خير دليل على ذلك هو كثرة التسميات التي أطلقت عليه؛ فهو قانون العمل، والقانون الاجتماعي، والاقتصادي… له ارتباط وثيق بالإنسان، يتطور بتطوره ويتخلف بتخلفه، ونظرا لتقدم الإنسان في العصر الحديث كان لزاما على المشغل، أن يتدخل للحد من هيمنة مبدأ سلطان الإرادة، الذي يؤدي إلى استبداد وتسلط أصحاب العمل، عن طريق استخدام وتشغيل الأجراء وفق معايير لا تحترم تكافؤ الفرص والمساواة، وبتوفير ظروف العمل وفق الشروط التي يرونها أقل تكلفة لهم وأوفر ربحا، وإن كان كل ذلك على حساب حقوق مصالح الأجراء، وذلك بوضع نصوص آمرة تنظم ظروف العمل داخل المقاولة بصورة تحمي الطبقة الشغيلة من كل تعسف وضياع للحقوق، خصوصا وأن من أهم الالتزامات الواقعة على عاتق الأجير هو أداء العمل، وطبعا فإن أداء هذا العمل لن يتم إلا إذا كان الأجير متواجدا في مكان غير محفوف بمخاطر قد تعرضه صحته للعديد من الأضرار وبالتالي حياته للخطر، لذلك كان لا بد من توفير له كامل الحماية، حتى يتسنى له القيام بالتزامه بكل راحة وطمأنينة، وذلك عن طريق الالتزام بتوفير الرعاية الصحية واتخاذ كل تدابير السلامة والوقاية (المبحث الأول) عملا بمبدأ ” الوقاية خير من العلاج”.
والأجير هو مجرد إنسان قد يصاب كغيره، بالتعب والإرهاق، مما قد يؤثر على صحته فضلا عن أثرهما السيئ على جودة الإنتاج، كان من الضروري على المشرع أن ينظم مدة الشغل بكيفية معقولة تتناسب وطاقة الأجير، وذلك عن طريق إنقاص ساعات العمل اليومي، وتمتيع الأجراء براحة أسبوعية للعناية بشؤون أسرتهم، مع تخويلهم عطلة سنوية لتجديد نشاطهم وحيويتهم، وتجعلهم أكثر قدرة ونشاطا على شغلهم (المبحث الثاني).
وإذا علمنا أن عقد الشغل هو من العقود التبادلية التي ترتب التزامات متقابلة في ذمة طرفيه، فإن مقابل التزام الأجير بأداء العمل، هناك التزام المشغل بأداء مقابل عن ذلك العمل وهو ما يعرف بالأجر. وحتى يتأتى لهذه لطبقة النهوض بهذا المجتمع فلا بد من إنصافها اقتصاديا واجتماعيا وقانونيا، عن طريق دخل يكفي لسد حاجياتها والحفاظ على كرامتها وإحاطتها بالحماية القانونية من تعسف المؤاجر وخرقه لحقوقها. وذلك عملا بالقول المأثور “أعطوا لكل ذي حق حقه”، فكيف تمت حماية هذا الحق من طرف المشرع؟ (المبحث الثالث).
المبحث الأول: تدابير حفظ الصحة والسلامة، والمحافظة على الأخلاق
يكاد يرتبط اسم الإنسان بالشغل حيث يعز أن نجد إنسانا ولا نجد شغلا بجانبه والعكس صحيح، فالإنسان منذ وجوده وهو يكدح ويشقى لكي يعيش حتى ربط القران الكريم وجوده فوق هذه البسيطة بالشقاء، والتعب إذ قال تعالى﴿فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى﴾ .
إلا أن هذا الشغل الذي يعتمد عليه الإنسان ليبقى على حياته يكون في بعض الأحيان محفوفا بمخاطر كثيرة تعرض حياته للخطر. الأمر الذي جعله يفكر في تسخير الصناعات الحديثة لتقيه مخاطر الحوادث، لكن وللأسف فإن العكس هو الذي قد حدث، حيث زادت حوادث الشغل بسبب ظهور تلك التكنولوجيات الحديثة. والتي حاول التعويض عنها ولو جزئيا عن طريق التعويضات المادية، إلا أن هذه الوسيلة تبقى نسبية حيث تبقى الوسيلة الفضلى لحمايته هي الوقاية، إذ الوقاية خير من العلاج، حيث تكتسي فضلا عن طابعها الإنساني أهمية خاصة، وأثرا ايجابيا على الاقتصاد الوطني وتحسين ظروف الشغل.
لهذا وإيمانا بضرورتها عملت جميع الجهات المعنية سواء على المستوى الدولي كمنظمة الشغل الدولية، ومنظمة العمل العربية، أو على المستوى الداخلي على سن قواعد تقي الأجراء من كل ما من شانه أن يعرض حياتهم وصحتهم للخطر حيث أصدرت م.ش.د. عدة اتفاقيات وتوصيات حول حفظ صحة الأجراء وسلامتهم، أما المغرب وإدراكا منه بأهمية ذلك فإنه قد نص في مدونة الشغل على تدابير وقائية هامة حيث لو فرض احترامها في الواقع لأدت فعلا إلى التحقيق من حدة الحوادث، والأمراض المعنية.
وهذه الإجراءات القانونية التي نصت عليها مدونة الشغل منها ما يتعلق بتحسين ظروف العمل (المطلب الأول) ومنها ما يتعلق بالالتزام بإنشاء مصالح طبية للشغل باعتباره من وسائل الوقاية الصحية (المطلب الثاني).
المطلب الأول: الالتزام باتخاذ التدابير المتعلقة بالسلامة والمحافظة على الأخلاق الحميدة
يحاول الإنسان بكل الوسائل الممكنة منع حدوث الخطر لأنه دائما في حاجة إلى الشعور بالأمان، والسلامة خصوصا في ذروة الثورة الصناعية والتكنولوجية، مما جعل من دول العمل تعمل على إيجاد وفرض مجموعة من التدابير الرامية إلى ضمان حد أدنى من السلامة داخل أماكن العمل ، كما اعتمدت منظمة الشغل الدولية اتفاقيات وتوصيات على تبني فلسفة وقائية عبر سياسة وطنية تكون ركيزتها مبنية على ثلاث مبادئ تتجلى في ضرورة إخطار الأجراء بالمخاطر التي قد يتعرضون إليها، وتكوينهم من اجل تفاديها، وإشراك ممثليهم في تبني وسائل الوقاية ووضع برامج من أجل التحسيس بتلك المخاطر .
أما المغرب وبنصه في ديباجة مدونة الشغل على ضرورة مراعاة الاتفاقيات والمواثيق الدولية ذات الصلة المصادق عليها. فإنه لم يدخرا جهدا في بلورة سبل الحماية، وتكريسها على أرض الواقع حيث كانت تدابير حفظ الصحة والسلامة تشكل ولمدة طويلة أساس تشريع الشغل بالمغرب ، إضافة إلى اهتمامه بالمحافظة على الأخلاق الحميدة داخل أماكن العمل.
ولعل ما يبرز اهتمام الشروع المغربي بالمقتضيات أعلاه هو تخصيصه على ما يزيد عشرين مادة من اجل حماية الأجراء من الأخطار وحفظ كرامتهم وأخلاقهم معززا ذلك بوضع جزاءات عند مخالفتها(الفقرة الأولى)، ومن أجل ضمان ذلك وتحقيقه على أرض الواقع عهد بالسهر على ذلك إلى لجان خاصة تتمثل في مجلس طب الشغل ولجان حفظ الصحة، والسلامة (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: تدابير السلامة والمحافظة على الأخلاق الحميدة و جزاءات الإخلال بها
أولا: تدابير السلامة والمحافظة على الأخلاق الحميدة
باعتبار عنصري التبعية، وأداء العمل من أهم العناصر المكونة لعقد الشغل فإنه ينتج عن ذلك آثار ذات أهمية بالغة والتي من أهمها مسؤولية المؤاجر عما يصيب أجيره من حوادث شغل وأمراض مهنية، والتي قد تكون مميتة له في بعض الأحيان، أو تسبب له عجزا كليا، أو جزئيا.
لذلك فهو ملزم بتوفير له كل سبل الراحة سواء النفسية، أو الجسمية بل وحتى الخلقية ولعل هذا ما لخصته المادة 24 من مدونة الشغل بقولها: يجب على المشغل بصفة عامة، أن يتخذ جميع التدابير اللازمة لحماية سلامة الأجراء وصحتهم، وكرامتهم. لدى قيامهم بالأشغال التي ينجزونها تحت إمرته، وأن يسهر على مراعاة حسن السلوك والأخلاق الحميدة، وعلى استتباب الآداب العامة داخل المقاومة.
لذلك ومن أجل الإحاطة بما نصت عليه المادة أعلاه فإنه يحب علينا البحث في تدابير السلامة ( أ )، ثم البحث في المحافظة على الأخلاق الحميدة والآداب العامة ( ب ).
أ ـ تدابير السلامة
لم يكتف المشرع المغربي بالنص على ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأجراء أثناء العمل من الأضرار التي قد تلحق صحتهم فقط.
وإنما نص أيضا على ضرورة اتخاذ الاحتياط من الأضرار التي تشكلها تلك الوسائل المستعملة في الإنتاج من آلات ومواد . إضافة إلى ضرورة توفير مساكن صحية للأجراء كما انه ولمزيد من السلامة فإنه يجب على المشغل إخطار الأجراء بكل خطر قد يهدد صحتهم، وإعطائهم حق الانسحاب من كل أماكن العمل التي يوجد بها خطر حال، كما انه لا بد من تكوين الأجراء حول كل تدابير الوقاية . لهذا ولتوضيح كل ما سبق أعلاه فإنه يجب علينا أن نقف على كل نقطة على حدة:
– تحسين ظروف أماكن الشغل: إن أماكن العمل باعتبارها البيئة التي يقضي فيها الأجير مدة طويلة كل يوم يجب أن تكون في نظافة تامة وبصفة دائمة . وأن تتوفر على جميع شروط الصحة الضرورية لحفظ صحة الأجراء، وذلك كالإنارة، والتهوية، والتدفئة، والماء الصالح للشرب، وإخلائها من البخار والغبار، وتجنب الحرارة المرتفعة وكثرة الضوضاء… بحيث أن عددا من حوادث الشغل كان مردها نقص انتباه الأجير بسبب التعب الذي يصيبه داخل المقاولة التي لا تتوفر على سبل الراحة، لهذا وإيمانا منه بضرورة ذلك، عمل المشرع المغربي على إلزام المشرع بأن يسهر على نظافة أماكن الشغل وأن يحرص على توفر شروط الوقاية الصحية فيها، ومتطلبات اللازمة للمحافظة على صحة الأجراء (المادة 281).
إذن فتحسين ظروف العمل يؤدي إلى تخفيف عناء الشغل الذي يؤدي بدوره إلى الزيادة في الإنتاج، بحيث أن العلاقة بين الإنتاج والتعب متينة جدا ، فكلما زال التعب زاد الإنتاج والعكس صحيح.
ونظرا للارتباط الوثيق بين محل عمل الأجير ومحل سكناه فإن المشرع نص في الفقرة الثانية من م 281 من مدونة الشغل على ضرورة توفير للأجراء مساكن، التي وإن كان المشرع لم يشر إلى ضرورة مراعاة فيها كل شروط النظافة، والظروف الصحية الملائمة فإنها وباعتبارها جزءا لا يتجزأ من محيط الأجير الذي يقضي فيه أغلب وقته فإنه يقتضي أن تتوفر فيها كل تلك الشروط.
وقد أكد هذا المبدأ ضمنيا الفصل الثالث من الاتفاقية رقم 155، والذي نص على أن عبارة الصحة في علاقتها مع الشغل لا تعني فقط غياب المرض، أو العاهة بل تشمل أيضا جميع العناصر المادية والمعنوية التي تؤثر مباشرة على صحة الأجير، والتي لها علاقة بالسلامة، والوقاية في الشغل،”أولا يعتبرا الشغل جزءا من محيط الأجير الذي يقضي فيه مبدئيا اغلب وقته″ .
– منع شراء واستعمال بعض الآلات، والمواد التي تشكل خطرا على صحة الأجراء: يعتبر منع استعمال الآلات التي تشكل خطرا على صحة الأجراء من أهم الأهداف الأساسية التي نصت عليها الاتفاقية الدولية رقم 119 المتعلقة بالوقاية من الآلات، والتي صادق عليها المغرب سنة 1974، وتبناها في مدونة الشغل حيث وبعد ما أوجب في المادة 282 أن تكون الآلات وأجهزة التوصيل والأدوات الخفيفة والثقيلة مجهزة بوسائل للوقاية ذات فعالية معترف بها دوليا، وأن توفر لهم اضمن شروط الأمان ممكنة تفاديا لما قد يترتب عن استعمالها من خطر على الأجراء، فإنه نص في المادة 283 من م.ش على منع شراء، أو استئجار الآلات، أو أجزائها التي تشكل خطرا على الأجراء، وبطبيعة الحال فإن لفظ الآلات لفظ عام يستغرق الصالح له من غير حصر حيث يشمل جميع الآلات كيفما كان شأنها ما دامت العلة هي الضرر فالمعدات المعلوماتية، وشاشات الحواسيب، وما ترتبه من تعب بصري وعقلي، وما ينجم عن ذلك من أعراض يدفعنا إلى تبني حلول تقنية تعزيزا للتدابير الوقائية لحفظ الصحة والسلامة في المؤسسة لذلك فإننا لا نكتفي بمنع شراء، أو استئجار الآلات التي تشكل خطرا على صحة الأجراء فقط وإنما أيضا إلى بيعها، أو تحويلها بدون عوض .
وإذا كانت الصناعة الحديثة قد ساهمت في ظهور آلات تشكل خطرا على صحة الأجراء فإنها في المقابل قد تفننت في إبراز مواد قاتلة للأجير، أو مسببة له أمراضا مستعصية الأمر الذي جعل من المجتمع الدولي يهتم بالأمراض المهنية منذ سنة 1889 حيث اصدر عن طريق م.ش.د عدة اتفاقيات، وتوصيات تمنع استخدام بعض المواد الضارة كالفسفور والرصاص الأبيض، والبنزين . وذلك وقاية من الأمراض المهنية المترتبة على ذلك.
وبطبيعة الحال فإن المشرع المغربي في منع ذلك حيث منع على المشغل السماح لأجزائه باستعمال مستحضرات، أو مواد، أو أجهزة……ترى السلطة المختصة بأنها قد تلحق الضرر بصحتهم، أو تعرض سلامتهم للخطر. م287 من م.ش.
إضافة إلى ضرورة تأكد المشغل إذا كانت تركيبة المنتجات المستعملة تتضمن موادا، أو مستحضرات خطيرة من أن غلاف تعبئتها يحمل تحذيرا مكتوبا ينبه إلى خطورة استعمال تلك المواد، والمستحضرات ( المادة 288 ).
إلا أنه وإن كان المشرع قد نص على منع استعمال تلك المواد فإن هذا المنع يندرج ضمن الرقابة البعدية التي قد لا تؤتي أكلها، حيث كان أولى بالمشرع على أن ينص على رقابة قبلية بمقتضاها لا يسمح بتسويق تلك المواد إلا بعد الحصول على ترخيص من وزارة الشغل، وإلزام صانع تلك المواد بان يسلم إلى جهاز متخصص معلومات كافية عن المخاطر التي تتضمنها تلك المواد، إذ أن من شان هذه المراقبة القبلية أن تكرس مبدأ الوقاية، وآنذاك سيكون المشغل في وضعية قانونية عندما يستعمل موادا، أو مستحضرات معينة .
لهذا وحتى يكون الأجراء على وعي كامل بخطورة تلك المواد، أو الآلات فإنه لا بد من إخطارهم بخطورة ذلك وتكوينهم تكوينا كافيا على كيفية استعمال تلك المواد والآلات حتى تكون الحماية أوسع، ومفعولها أحسن، فكيف يمكن ذلك؟
– إخطار الأجراء وتكوينهم: بالنظر إلى استحالة تجنب العمال لكل الآلات، والمواد أثناء عملهم كان لا بد من تلقينهم كيفية استعمالها وإخطارهم بخطورة ذلك عن طريق نشرات، وتلصيق بيانات خاصة بذلك، لأن نشر التوعية بها سيجنب المؤسسة الكثير من التكاليف الناجمة من جراء وقوع حوادث الإهمال، ويقلل من ضحايا الحوادث المنتشرة بكثرة داخل المصانع، والمعامل والأوراش إذ من باب البداهة أن نقول أن التكوين المسبق وإخطار الأجراء لمن شأنه أن يمكن من تلافي جملة من الأخطار يكون فيها غياب وعي الأجير بدرجة الخطر سببا من أسباب وقوعه .
إلا انه وإن كان المشرع قد نص على ضرورة إخطار الأجراء، واطلاعهم على الأحكام القانونية المتعلقة بالاحتراس من خطر الآلات وإلصاق إعلانات سهلة القراءة تحذر من مخاطر استعمالها، واتخاذ الاحتياطات اللازمة م 289.
فإنه يعاب عليه عدم التنصيص على ضرورة تكوين الأجراء على استعمال تلك الآلات والمواد رغم ما يمثله مثل هذا التنصيص من حماية فعالة للأجراء، صحيح انه في فقرة 6 من م 105 من م.ش عند الحديث عن الأحكام التي تتضمنها اتفاقية الشغل الجماعية على ضرورة تكوين مستمر لفائدة الأجراء يهدف إلى تحسين معارفهم العامة، والمهنية، وملاءمتها مع التطورات التكنولوجيا، إلا أننا نعتبر عدم كفاية ذلك إذ كان من الأولى التنصيص على ذلك ضمن مقتضيات تدابير السلامة حتى تكون الحماية أوسع.
كما أنه يعاب عليه أيضا في كيفية إخطار الأجراء إذ كان ينبغي أن يتم الإخطار بكيفية شفهية لأن أغلبية الأجراء لا يحسنون القراءة. ونتساءل، لماذا سكت المشرع عن حق الأجير في الانسحاب من موقع عمل يعتقد أنه يعرض صحته للخطر؟ مع العلم أنه اعتبر عدم امتثال الأجير للتعليمات المتعلقة بقواعد السلامة وهو يؤدي بعض الأشغال الخطيرة مرتكب لخطر مهني جسيم ، لأن من شان هذا المقتضى أن يعطي ضمانات كبيرة لسلامة الأجير. وإذا كان حفظ الأجير في جسمه ذات أهمية كبيرة فإن حفظه في كرامته وأخلاقه، وعادة انه لا يقل أهمية عن ذلك، فكيف تعامل المشرع المغربي مع هذا الأمر؟
ب ـ المحافظة على الأخلاق الحميدة
إذا كان المشرع المغربي قد بين بكيفية صريحة المقصود بالمحافظة على الأخلاق الحميدة في الفصل 35 من ظهير 2 يوليوز 1947 فإنه لم يحدد ذلك في مدونة الشغل الجديدة كما انه لم يخصص لهؤلاء الأجراء أي فرع، أو قسم، بل ولو مادة مستقلة، وإنما تكلم عن ذلك باقتضاب شديد، وبلفظ عام حيث وحسب قراءتنا المتواضعة لنصوص المدونة وبكيفية عجالية لم نعثر إلا على جملتين اثنتين وفي مادتين متفرقتين تلزمان بالمحافظة على الأخلاق والآداب العامة وذلك في المادتين 24، و147.
حيث جاء في المادة 24 ضمن التزام الأجير والمشغل أنه″ يجب على المشغل……وأن يسهر على مراعاة حسن السلوك، والأخلاق الحميدة استتباب الآداب العامة داخل المقاولة”.
كما جاء في المادة 47 ضمن القسم المخصص لحماية الحدث والمرأة: “أنه يمنع على أي شخص….أو أن يعهد إليهم بأشغال تشكل خطرا على حياتهم، أو صحتهم، أو أخلاقهم”.
لكن وبالرغم من عدم توضيح كلمتي: الأخلاق الحميدة، والآداب العامة فإنه يمكن لنا أن نستشف وبطريقة غير مباشرة ما المقصود بهما ضمن مواد أخرى حيث إن الأجير إذا كان ملزما بالانصياع لتوجيهات صاحب المؤسسة فإن على هذا الأخير أن يوجه تلك التوجيهات والتعليمات بكيفية لا تؤذي شعورهم ولا تستفزهم، لذلك يجب عليه وهو يخاطب عماله ومستخدميه تجنب استعمال عبارات السب والشتم، أو عبارة مخالفة للأخلاق الحسنة، أو أي كلام آخر يجمع الناس على أنه كلام غير لائق . كما اعتبرت المادة 40 أن من بين الأخطاء الجسيمة المرتكبة ضد الأجير: السب الفادح، والتحرش الجنسي، والتحريض على الفساد.
إضافة إلى ذلك اعتبرت المادة 39 أن ارتكاب الأفعال التالية تعتبر أخطاء جسيمة تؤدي إلى فصل الأجير بدون أن يكون له أي حق في التعويض، وهي: ارتكاب جنحة ماسة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة، السكر العلني، تعاطي مادة مخدرة، السب الفادح، التحريض على الفساد.
إذن من خلال هاتين المادتين يتضح لنا ما المقصود بالخلاق الحميدة والآداب العامة التي يجب المحافظة عليها من طرف المشغلين، إذ أن سلطتهم من هذه الناحية تمتد لتشمل جميع أنوع السلوك الخارجي للعنصر البشري الذي يتحرك في المؤسسة، لا من حيث اللباس ولا من حيث التعامل بين الأجراء الذكور والإناث. وهذا سواء أثناء العمل أو أثناء فترات الراحة أو الأكل داخل المؤسسة ، وحتى تكون حماية في صحته وأخلاقه مضمونة، فإن المشرع قرن ذلك بعقوبات تتجلى في غرامات مالية التي قد تتضاعف في حالة العود، كما يمكن إغلاق المؤسسة إما بصفة مؤقتة أو دائمة وهذا هو ما سوف نعالجه في الفقرة التالية.
ثانيا ـ جزاءات الإخلال بتدابير حفظ الصحة والسلامة، والمحافظة على الأخلاق الحميدة
نشير بداية إلى أن المشرع لم يخصص للأخلاق الحميدة أية مادة مستقلة، فإنه لم يحدد جزاءات مستقلة بعنصر المحافظة على الأخلاق، إلا أنه يمكن لنا أن نتطرق لبعض الجزاءات المتفرقة بتفرق المواد التي تحدثت إما بشكل مباشر أو غير مباشر عن عنصر الأخلاق.
على أن نتفرغ إلى الحديث عن الجزاءات المقررة في حالة مخالفة المقتضيات المتعلقة بتدابير السلامة.
أ ـ جزاء انتهاك حرمة الأخلاق الحميدة والآداب العامة
لقد منع المشرع أي شخص أن يعهد إلى الأحداث بأشغال تشكل خطرا على حياتهم، أو صحتهم، أو أخلاقهم المادة 147.
وعزز هذا المنع بجزاء في غرامات مالية، والتي تتكرر بعدد الأجراء الأحداث حيث جاء في الفقرتين: الثانية، والثالثة من المادة 150 على أنه “يعاقب بغرامة من 300 إلى 500 درهم عن مخالفات المقتضيات المنصوص عليها في المادة 147.
تتكرر عقوبات الغرامة بعدد الأجراء الأحداث الذين لم تراع في حقهم أحكام م 147 على ألا يتجاوز مجموع الغرامات مبلغ 20.000 درهم”.
كما جعل المشرع المشغل مرتكبا لخطأ جسيم في حالة ارتكابه ضد الأجير أخطاء تتنافى، والأخلاق الحميدة، واعتبار طرده للأجير بسبب عدم امتثاله لتلك الأوامر طردا تعسفيا م 40.
وعلى عكس م 40 التي تعاقب المؤاجر فإن م 39 عاقبت الأجير في حالة عدم امتثاله لمقتضيات تدابير السلامة، وذلك باعتباره مرتكبتا لأخطاء جسيمة تستوجب طرده دون تبرير.
هذا فيما يخص جزاءات انتهاك حرمة الأخلاق والآداب العامة، فماذا عن جزاء الإخلال بمقتضيات تدابير السلامة؟
ب ـ جزاء الإخلال بتدابير السلامة
نظرا لخطورة الإخلال بمقتضيات تدابير السلامة، وما يمكنه أن يخلفه ذلك من إصابات وعاهات مستديمة، أو الوفاة بطريقة بشعة لا قدر الله فإن المشرع قد سن جزاءات، والتي وإن كانت لا ترقى إلى المستوى المطلوب إلا أنها تعتبر صارمة حيث قد تصل إلى إغلاق المؤسسة بصفة نهائية…لأن العقوبات المقررة تختلف باختلاف أنواع المخالفات المرتكبة.
وهكذا نصت المادة 296 على أنه يعاقب بغرامة من 2000 إلى 5000 درهم في حالة عدم التقيد بأحكام م 281 التي توجب على المشغل السهر على نظافة، أماكن الشغل، وتوفير كل متطلبات السلامة اللازمة للحفاظ على صحة الأجراء، كما تطبق نفس العقوبات في حالة عدم التقيد بأحكام المواد: (282، 284، 286، 287) اللواتي يضمن للأجير كل سبل الراحة، وتجعلهم ينجزون أعمالهم بكل اطمئنان.
إضافة إلى قدر الغرامة أعلاه فإن المادة 297 تعاقب بغرامة من 10.000 إلى 20.000 درهم وذلك في حالة الإخلال بالمقتضيات المنصوص عليها في المواد: 283، 288، 289، 290، 291، والمتعلق بمنع شراء الآلات التي تشكل خطرا على الأجراء (المادة 283)، أو عدم وجود تحضير مكتوب ينبه إلى خطورة استعمال المواد، والمستحضرات التي تهدد سلامة الأجراء (المادة 288)، أو عدم إلصاق إعلانا يحذر من مخاطر استعمال الآلات، أو عدم اطلاع الأجراء على الأحكام القانونية المتعلقة بالاحتراس من خطر الآلات (المادة 289)، أو إذا لم يعرض المشغل للفحص الطبي الأجراء الذين ينوي تشغيلهم في مهام تستوجب الأجراء فحص طبي م 290. أو عدم أداء أجر الوقت الذي يقضيه الأجراء في اتخاذ تدابير السلامة (المادة 291). أما في حالة العود وارتكاب نفس المخالفات أعلاه داخل السنتين المواليتين بصدور الحكم النهائي فإن الغرامات السابقة تتضاعف (المادة 299). إلا أنه في حالة صدور الحكم من المحكمة بالعقوبات من أجل مخالفة مقتضيات المواد: 281، 282، 285، 286، فإنها يجب أن تحدد إضافة إلى ذلك الأجل الذي يجب تنفيذ فيه تلك الواجبات، على ألا يتجاوز هذا الأجل 6 أشهر من تاريخ صدور الحكم (المادة 298).
وإضافة إلى هاته الغرامات المالية، فإنه يكمن للمحكمة في حالة خرق المقتضيات التشريعية، أو التنظيمية المتعلقة بمراعاة شروط السلامة وحفظ الصحة، أن تصدر حكما بالإدانة مقرونا بقرار الإغلاق المؤقت للمؤسسة، طيلة مدة لا يمكن أن تقل عن 10 أيام وألا تتجاوز 6 أشهر، إضافة إلى منع المحكوم عليه من مزاولة نفس المهنة أو النشاط بذلك المحل إذا كان قد استعمل لارتكاب جريمة إما بإساءة استغلال الإذن، أو الرخصة المحصل عليها، وإما بعد مراعاة النظم الإدارية. طبقا للمادة 300 من مدونة الشغل، و المادة 90 من القانون الجنائي، وفي حالة عدم احترام هاته المقتضيات، فإنه تطبق العقوبات المنصوص عليها في المادة 324 من القانون الجنائي، وهي المعاقبة بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر، وغرامة مالية من 200 إلى 2000 درهم.
وإما في حالة العود وارتكاب نفس المخالفات الواردة في المادة 300 و الفصل 90، فإنه حينئذ يمكن للمحكمة أن تصدر حكمها بالإغلاق النهائي للمؤسسة وفقا للفصلين 90 و24 من القانون الجنائي، مع الاستمرار طيلة المدة الإغلاق المؤقت في أداء ما يستحقه الأجراء أو إعطائهم كل التعويضات التي يستحقونها في حالة الإغلاق النهائي (المادة 301).
إضافة إلى هاته الجزاءات المتعلقة بالمؤاجر فإن هناك جزاءات أخرى تطال الأجير، حيث يعتبر عدم امتثاله للتعليمات الخصوصية المتعلقة بقواعد السلامة رغم اطلاعه مسبقا بكيفية قانونية مسبقا على تلك التعليمات، خطأ جسيما يؤدي إلى فصله من الشغل دون إخطار ولا تعويض عن الفصل ولا عن الضرر.
وإذا كان من شأن هذه الجزاءات أن تضمن سلامة الأجير وحمايته فإن هناك وسائل أخرى قد تضمن حماية أكثر إذا ما قامت بالدور المنوط بها بكيفية مسؤولة وبضمير حي له غيرة على الاقتصاد الوطني والأجير المغربي. وتتمثل هذه الأجهزة في: المفتشية الطبية للشغل، مجلس طب الشغل، ولجان حفظ الصحة والسلامة، إضافة إلى جميع الأعوان المكلفين بتفتيش الشغل، والذين أوردتهم المادة 530، وهذا ما سنراه في الفقرة الأخيرة.
الفقرة الثانية: الأجهزة المكلفة بالوقاية
إذا كانت حماية الطبقة العاملة من الأخطار المحدقة بها أثناء العمل أو بسببه، حتمت إيجاد مقتضيات قانونية خاصة بالوقاية، والرعاية الصحية، فإن هذه الحماية تبقى قاصرة بوجود أجهزة متخصصة، وعلى دراية بأصول الطب وقواعده ، وبقضايا بيئة الشغل، إلا أنه وإن كانت هذه الأجهزة متعددة فإننا سنقتصر على جهازين اثنين باعتبارهما من المستجدات التي جاءت بها المدونة، ويتمثلان في: مجلس طب الشغل والوقاية من الأخطار المهنية ( أولا)، ثم لجان حفظ الصحة والسلامة (ثانيا).
أولا: مجلس طب الشغل والوقاية من الأخطار المهنية
يبدو أن الإطار النظامي الأنسب لمعالجة مخاطر الشغل بصفة عامة ومخاطر التكنولوجيا الحديثة بصورة خاصة على صحة الأجير ونفسيته، هو مجلس طب الشغل أو ما كان يسمى سابقا بالمجلس الاستشاري لطب الشغل ، حيث وحسب المادة 332 فإن مهمته تنصب على “تقديم اقتراحات وآراء من أجل النهوض بمفتشية طب الشغل، والمصالح الطبية للشغل، وفي كل ما يخص حفظ الصحة والسلامة المهنية والوقاية من حوادث الشغل والأمراض المهنية”.
هذا فيما يتعلق باختصاصاته، فماذا عن تكوينه؟
حسب المادة 333 فإن مجلس طب الشغل، يتكون تحت رئاسة الوزير المكلف بالشغل أو من ينوب عنه من ممثلين عن الإدارة، وعن المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا.
كما يمكن لرئيس هذا المجلس أن يدعو للمشاركة في أشغاله، كل شخص يراعى في اختياره ما يتوفر عليه من كفاءات في اختصاص المجلس. أما تحديد أعضائه وطريقة تعيينهم وكيفية تسيير المجلس فإنه يتم بنص تنظيمي . وإضافة إلى هذا الجهاز فإن هناك جهازا أخر لا يقل أهمية عنه نظرا لضرورته، والمتمثل في جهاز لجان السلامة وحفظ الصحة، فما هي اختصاصاته وتكوينه؟
ثانيا: لجان السلامة وحفظ الصحة
تعتبر لجان السلامة وحفظ الصحة من اللجان المستحدثة من طرف المدونة، حيث كان التشريع المغربي يخلو من أي جهاز تشاوري حول قضايا بيئة الشغل، إلا ما استثني من ظهير 24 دجنبر 1960 الذي أنشأ مندوبي السلامة في قطاع المناجم .
إلا أن تنظيم هذه اللجان جاء قاصرا، إذ لم يتم إحداثها إلا في المؤسسات التي تشغل خمسون أجيرا والتي تنتمي إلى القطاع الصناعي والتجاري ومقاولات الصناعة التقليدية، والاستغلالات الفلاحية والغابوية وتوابعها (المادة 336).
وتتكون لجان السلامة حسب المادة 337 من:
• المشغل أو من ينوب عنه، رئيسا لها.
• رئيس مصلحة السلامة، وعند عدم وجوده مهندس أو إطار تقني بالمقاولة.
• طبيب الشغل بالمقاولة.
• مندوبين اثنين من الأجراء، يتم انتخابهما من قبل المندوبين المنتخبين.
• ممثل أو ممثلين نقابيين اثنين بالمقاولة عند وجودهما.
كما يمكن للجنة أن تدعو للمشاركة في أشغالها كل ذي كفاءة بالمقاولة.
أما فيما يتعلق باختصاصاتها فإنه يلاحظ أنه قد تم تخويلها اختصاصات جزئية وطموحة، لكنها قد تتجاوز قدرة وكفاءة أعضائها بمن فيهم التقنيين ، وهذه الاختصاصات تتجلى في:
• استقصاء المخاطر المهنية التي تهدد أجراء المقاولة.
• العمل على تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية في مجال السلامة والصحة.
• السهر على حسن صيانة استعمال الأجهزة المعدة لوقاية الأجراء من المخاطر المهنية.
• السهر على الحفاظ على البيئة داخل المقاولة ومحيطها.
• اقتراح كل المبادرات المتعلقة بأساليب الشغل، وانتقاء المعدات.
• تقديم الاقتراحات بشأن إعادة تأهيل المعاقين من أجراء المقاولة.
• إبداء الرأي حول سير المصلحة الطبية للشغل.
• تنمية الإحساس بضرورة اتقاء المخاطر المهنية وروح الحفاظ على السلامة داخل المقاولة.
• كما يجب عليها إجراء تحقيق عند وقوع كل حادثة شغل لأحد الأجراء، أو إصابته بمرض مهني أو ذي طابع مهني، وأن تضع تقريرا سنويا حول تطور المخاطر المهنية بالمقاولة.
وفي حالة مخالفة أي مقتضى من المقتضيات المتعلقة بلجان السلامة وحفظ الصحة، فإنه يعاقب على ذلك بغرامة من 2000 إلى 5000 درهم. إلا أن هذه الغرامة تعتبر هزيلة إذا ما قورنت بالدور الملقى على عاتق هذه اللجان.
وإذا كانت حماية الأجير تتطلب توفير كل سبل الراحة له، سواءا من حيث نظافة مكان عمله وسلامة الآلات والمواد التي يستخدمها ولا من حيث المحافظة على أخلاقه وآدابه، فإن هذه الحماية تبقى ناقصة بدون وجود أجهزة تتابع صحته وترعاه، وتراقب المواد التي ستخدمها في شغله، وتتدخل كلما وجد خطر محدق يهدد الأجير في صحته وسلامته، لذلك كان من الضروري إنشاء مصالح طبية للشغل داخل كل مقاولة من أجل توفير الرعاية الصحية اللازمة للأجراء.فكيف يتم إذن إنشاء هذه المصالح؟
المطلب الثاني: الالتزام بتوفير الرعاية الصحية
إضافة إلى التدابير المتعلقة بحماية وسائل الشغل ومحيط العمل، أوجد المشرع تدابير خاصة بحماية شخص الأجير عن طريق تنظيم مصالح طبية للشغل داخل المؤسسة، إذ أن النصوص القانونية التي تؤمن حماية العمال داخل أماكن الشغل لم تكن كافية للقضاء على كل أسباب الأخطار ، كما أنه ونظرا لأهمية هذه المصالح فإن المشرع المغربي قد اهتم بها منذ زمن طويل ، حيث أمر فضلا عن التعويضات والتغطية الصحية، والانخراط في صندوق الضمان الاجتماعي، ونظام التأمين الصحي، بإنشاء مصالح طبية وذلك ضمن 27 مادة موزعة عليهم حسب كيفية تعيينهم ومجال عملهم (الفقرة الأولى)، أو حسب دورهم سواء الوقائي أو الاستشاري (الفقرة الثانية)، إضافة إلى جزاءات تطال كل من خالف النصوص المنظمة لهاته المصالح (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى: شروط تعيين أطباء الشغل ومجال عملهم
لم يكتف المشرع بالنص على ضرورة إنشاء مصالح طبية للشغل فقط، بل نص على ضرورة كفاءة الطبيب المكلف بالرعاية حيث اشترط فيه شروط لا بد من توافرها فيه (أولا)، كما أنه لم يلزم جميع المؤسسات بضرورة إنشاء هذه المصالح، وإنما جعل معايير لذلك، بحيث كلما توافرت في مؤسسة ما إلا وكانت ملزمة بإنشائها (ثانيا).
أولا: شروط تعيين طبيب الشغل
نظرا لأهمية طبيب الشغل في المحافظة على صحة الفرد العامل، وبغية لتحقيق النتائج المرجوة منه، أوجب المشرع شروطا يجب توافرها في طبيب الشغل، وهي حسب المواد من 310 إلى 312:
• الحصول على شهادة التخصص في طب الشغل، أو في حفظ الصحة في ميدان الشغل.
• التسجيل في جدول هيئة الأطباء.
• الترخيص لمزاولة الطب.
• عقد شغل مع المشغل، أو مع رئيس المصلحة الطبية المشتركة.
• الحصول على الترخيص النصوص عليه في المقتضيات الخاصة بتشغيل الأجانب في حالة ما إذا كان الطبيب أجنبيا.
إلا أنه وإذا كان المشرع قد نص على ضرورة التخصص، حيث يكون قد حقق نتيجتين: ضمان حماية فعالة للأجير وضمان شغل للعديد من الأطباء المتخصصين، إذ ما يزيد عن 85 طبيب يزاولون مهمة طبيب الشغل، 200 منهم فقط متخصصة مع العلم أننا في حاجة إلى 2500 طبيب شغل ، فإنه يؤاخذ عليه اشتراطه العلاقة التبعية بين الطبيب والمشغل، إذ كيف سيقوم الطبيب بأداء واجبه باستقلالية تامة وهو لا يتوفر إلا على حماية ناقصة تتجلى في موافقة العون المكلف بتفتيش الشغل بعد أخذ رأي طبيب مفتش الشغل على أي إجراء تأديبي في حق الطبيب (المادة 318). لهذا حبذا لو تركت تلك العلاقة مستقلة عن تبعية المشغل.
وإضافة إلى شروط التعيين فإن هناك معايير تراعى في أماكن تواجدهم.
ثانيا: مجال عمل طبيب الشغل
لقد نص المشرع على ضرورة إنشاء المصالح الطبية داخل المؤسسات، إلى أنه ونظرا لكون المؤسسات أو المقاولات ليست كلها ملزمة بإنشاء هاته المصالح فإنه قد حدد المعايير التي يجب توافرها حتى تصير المؤسسة ملزمة بإنشائها، وتتجلى هذه المعايير في اثنين:
• معيار العدد: أي عدد الأجراء المستخدمين داخل المقولة، حيث نصت المادة 304 في فقرتها الأولى على “المقاولات الصناعية والتجارية ومقاولات الصناعية التقليدية، والاستغلالات الفلاحية والغابوية وتوابعها، إذا كانت تشغل ما لا يقل عن خمسين أجيرا”. إذ نرى من خلال هذه الفقرة أن المقاولات أعلاه، ملزمة بإنشاء مصالح طبية مستقلة داخلها.
إلا أنه وحتى تتحقق الغاية من وجود هاته المصالح فإنه لا ينبغي عدم المساواة في الاستفادة منها، خصوصا إذا علمنا أن المقاولات التي تشغل عدد من الأجراء الذين يقل عددهم عن 50، هي المتواجدة بكثرة، ولذلك ومن أجل عدم حرمان أولائك الأجراء، نص المشرع ـ تداركا منه ـ في المادة 305 على وجوب إحداث مصالح طبية إما مستقلة، وإما مشتركة في المقاولات التي يقل عدد أجرائها عن 50 أجيرا.
• معيار خطر التعرض للأمراض المهنية: حيث نص في الفقرة الأخيرة من المادة 304 على ضرورة إحداث مصالح طبية مستقلة من طرف المقاولات الصناعية والتجارية، والاستغلالات الفلاحية والغابوية وتوابعها، والمشغلين الذين يباشرون أشغالا تعرض الأجراء لمخاطر الأمراض المهنية، والتي حددها التشريع المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية.
لكن يمكننا القول أن هذا المعيار يعتريه نقص كبير، إذ أن لوائح الأمراض المهنية المحددة في التشريع أعلاه، لم يطرأ عليها أي تعديل منذ زمن بعيد، فحتما أن هناك عدة مخاطر مهنية لا توجد فيه الأمر الذي سيؤدي إلى إعفاء المؤسسة من إنشاء المصالح الطبية إذا كانت لا تشغل ما لا يقل عن خمسين أجيرا .
وبالنظر إلى أن إحداث المصالح الطبية يتطلب مصاريف، فإن المشرع حمل المقاولة أو المصلحة الطبية المشتركة تلك المصاريف (المادة 308). كما أنه أسند إلى رئيس المصلحة الطبية مهمة إدارتها، والذي يكون ملزما بوضع تقرير سنوي حول تنظيم المسلحة وسيرها وتدبيرها المالي إلى العون والطبيب المكلفين بتفتيش الشغل، وكذلك إلى مندوبي الأجراء، والممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم، وإلى مندوبي السلامة إذا تعلق الأمر بالمقاولات المنجمية.
ويحدد نموذج هذا التقرير من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالتشغيل (المادة 307)، أما الذي يسهر على سير تلك المصلحة فهو طبيب واحد أو أكثر ويسمون بأطباء الشغل (المادة 309).
الفقرة الثانية: دور طبيب الشغل
إذا كان أطباء الشغل هم الذين يتولون مهمة السهر على سير المصلحة الطبية فإن هذه المهمة لم تترك مبهمة بل حددت بكيفية واضحة تتمثل في دورين أساسيين: دور وقائي يكمن بالأساس في مراقبة حفظ الصحة العامة للمؤسسة، وملاءمة الأجراء لمركز شغلهم، وتحسين شروط الشغل (أولا)، ثم دور استشاري حيث يعتبر طبيب الشغل مستشارا لرئيس المؤسسة في كل ما يتعلق بإجراءات حظ الصحة والسلامة (ثانيا).
أولا: الدور الوقائي
يتوجب على طبيب الشغل المحافظة على صحة العمال ومراقبة أمكنة العمل ومدى توفرها على القواعد الصحية ، حيث يؤدي طبيب الشغل دورا وقائيا يتمثل في إجراء فحوص طبية للأجراء عند بداية تشغيلهم، وتجنيبهم كل ما يضر بصحتهم إضافة إلى فحصهم أثناء انجاز عملهم (المادة 318)، والغاية من هذا هو معرفة ما إذا كان الأجير أهلا من الوجهة الطبية للقيام بالشغل المنوط به، ومعرفة المراكز التي يجب تشغيله فيها بالنظر إلى حالته الصحية، وهذا ما يتماشى مع روح المادة 327 عندما نصت على ضرورة إخضاع كل أجير إلى فحص طبي قبل بداية تشغيله، أو في أقصى الآجال قبل انقضاء فترة الاختبار.
وإضافة إلى الفحص القبلي، أوجب المشرع على الطبيب، القيام بفحوص طبية بشكل دوري أثناء أداء العمال لمهامهم؛ حيث يتوجب فحص كل أجير مرة على الأقل في السنة إذا كان عمره يتجاوز 18 سنة، ومرة في كل ستة أشهر بالنسبة للأحداث.
كما يخضع بعض الأجراء في حالات خاص لرقابة استثنائية من طرف الطبيب، كالمعطوبين والمعاقين والحوامل والرضع.
وكذلك كل أجير تغيب لأكثر من ثلاثة أسابيع بسبب بعض الأمراض، وتقتضي خصوصية بعض الأشغال كما في العمل أمام الشاشات، تنظيم فحوص دورية وأخرى اتفاقية خارج نطاق الزيارات الدورية ، كما يمكن لطبيب الشغل بصفة استثنائية تقديم علاجات أخرى في حالات استعجالية، وإسعاف كل أجير تعرض لحادثة شغل (المادة 319)، ومطالبته بإجراء فحوصات تكميلية على نفقة المشغل عند بداية تشغيل الأجير (المادة 328)، غير أنه لا يمكنه تقييد حرية الأجير في اختياره لطبيبه بنفسه. ولمزيد من الوقاية ألزمت المادة 324 على طبيب الشغل أن يصرح بكل حالة من حالات الأمراض المهنية التي علم بها، وكذا الأعراض أو الأمراض التي يمكن أن تكون لها صبغة مهنية.
وطبعا، فإنه لا يمكن لطبيب الشغل أن يقوم بكل هذه الأدوار، لذلك أوجب المشرع على المصالح الطبية الاستعانة في جميع الأوقات بمساعدين اجتماعيين، أو ممرضين حاصلين على إجازة الدولة ومرخص لهم بممارسة أشغال المساعدة الطبية الذين يحدد عددهم بنص تنظيمي (المادة315). إضافة إلى الاستعانة داخل الأوراش التي تنجز فيها إشغال خطرة بأجيرين يعملان داخلها بعد تلقينهما أساليب الإسعاف الأولي، (المادة317).
وإذا كان طبيب الشغل يقوم بهذا الدور الوقائي فإنه يمكنه القيام ما من شأنه أن يحصي الأجير حيث يكون مؤهلا باقتراح تدابير فردية كالنقل من شغل إلى أخر، وكل التدابير التي تبررها حماية الأجير م320. والتي يجب على رئيس المقاولة أخذها بعين الاعتبار، وتقديم له كل التسهيلات التي تتيح له مراقبة مدى استيفاء المقاولة لشروط الشغل. وتتيح له كذلك التعاون مع الأطباء القائمين على علاج الأجراء، ومع كل ما يمكن أن يفيده في شغله م326.
وإذا كان مرسوم 8 فربراير1957 قد حدد الوقت الذي يجب على الطبيب أن يخصصه للعمال فإن المشرع في المدونة الجديدة لم يحدد ذلك الوقت وإنما ترك أمر ذلك التنظيم إلى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل مع مراعاة درجة الخطر (المادة 306). إلا أنه أكد على ضرورة حضور طبيب الشغل، وأداء مهامه بكل استقلالية وحرية، وألا يراعي إلا الاعتبارات الخاصة بمهنته (المادة 314).
وإضافة إلى الدور الحمائي، فإنه يضطلع بدور استشاري يعتبر مكملا للدور الأول.
ثانيا:الدور الاستشاري
يقوم طبيب الشغل بدور استشاري لا يقل أهمية عن الدور الوقائي حيث ألزمت المادة 321 بضرورة اضطلاع طبيب الشغل بدور استشاري خصوصا بالنسبة للإدارة، ورؤساء،ورئيس المصلحة الاجتماعية لاسيما فيما يتعلق بالحرص على تطبيق التدابير التالية:
– مراقبة شروط النظافة العامة في المقاولة.
– وقاية الأجراء من الحوادث وجميع الأضرار التي تهدد صحتهم.
– مراقبة مدى ملاءمة منصب الشغل للحالة الصحية للأجير.
– تحسين ظروف الشغل وخاصة فيما يتعلق بالبنايات، التجهيزات المستجدة، وملاءمة تقنيات الشغل للتكوين الجسمي للأجير، واستبعاد المستحضرات الخطيرة، ودراسة وثيرة الشغل.
ويلاحظ أن المشرع وسع من الدور الاستشاري لطبيب الشغل حيث لم يكتف بالإشارة إلى مدى ملاءمة الشغل للأجير فقط، بل تعدى ذلك إلى مراقبة مدى ملاءمة منصب الشغل للحالة الصحية للأجير مما سيحد من تعسفات بعض المؤاجرين في فصل الأجراء .
أما المواضيع التي يجب استشارة الطبيب فيها فهي حسب المادة 322:
– المسائل المتعلقة بالتنظيم التقني للمصلحة الطبية للشغل.
– التقنيات الجديدة للإنتاج.
– المواد و المستحضرات الجديدة.
إذا نلاحظ أن حماية الأجير تطلبت وجود طبيب يقوم برعايته سواء من الناحية الوقائية، أو الاستشارة إذا تم ارتباط بين الدورين حيث لكي نحمي الأجير من الأخطار لابد لنا من اختيار عمله المناسب لصحته، و أدوات عمله، ومكان عمله، وهذا طبعا لن يحصل ولن يتم إلا عن طريق استشارة ذوي الاختصاص.
وحتى تتم الحماية وتصبح مضمونة وضع المشرع جزاءات تطال كل من حاول اغتصاب تلك الحقوق اللصيقة بشخصية العامل.
حيث حدد المشرع في المادة 335 العقوبات التي يمكن أن تطال كل من خالف مقتضيات الباب الثالث من القسم الرابع فنص في المادة أعلاه أنه يعاقب بغرامة تتراوح بين 2000 و 5000 درهم، كل من خالف مقتضيات هذا الباب.
لكننا إذا أمعنا النظر في سقف هذه الجزاءات واعتمدنا على الاتفاقيات الدولية ، واطلعنا على الإحصائيات الرسمية حول حوادث الشغل فإنه لا يسعنا إلا أن نقول وبكل أسف أن تلك الجزاءات لا تتماشى مع روح ومعايير منظمة الشغل الدولية .
إذ كيف لمشغل أن ترهبه غرامات قدرها 2000 درهم وفي أقصاها 5000 درهم حيث يمكن له أن يفضل أداء هاته الغرامة على إنشاء مصالح طبية و التي قد تكلفه أضعاف تلك الغرامات، فحبذا لو نص المشرع على جزاءات أكثر صرامة حتى يضمن للأجير حماية فعالة بكل معاني الكلمة.
وعلى كل فإن الشغل في العصر الحديث والذي أخذ يعرف استعمال التكنولوجيا الحديثة فإنه أضحى محفوفا بمخاطر جمة تحدق بشخصية الإنسان وبيئته، الأمر الذي حتم ضرورة التدخل من أجل العمل على حماية الأجير ووقايته مادامت الوقاية خير من العلاج، سواء عن طريق اتخاذ جميع التدابير الوقائية، أو عن طريق توفير الرعاية الصحية، ولهذا كانت حماية الأجير دائما حاضرة في كل المحافل المتعلقة بميدان التشغيل والتصنيع ولعل آخرها الاتفاقية المبرمة أمام جلالة الملك حول تحسين ظروف العمل وذلك بمناسبة انعقاد المناظرة الثانية للصناعة بتاريخ 5-5-2011.
المبحث الثاني: مدة الشغل القانونية
إن تخفيض مدة الشغل كانت ولا تزال من أهم المطالب العمالية، وإن ظروف الشغل في الوقت الحاضر تجعل هذا التخفيض أكثر ضرورة وذلك لتمتيع الشغالين بوقت للراحة، وبوقت للمتعة .
لذلك يعتبر تدخل المشرع في مختلف الدول لتنظيم أوقات الشغل من الإجراءات ذات الأهمية الكبيرة بالنسبة للأجراء، إذ ترك أمر تحديد تلك المدد إلى السلطة التقديرية لطرفي العقد على أساس حرية التعاقد يؤدي إلى تعسف المشغل في فرض المدة التي تناسبه، ولو كان ذلك على حساب قوة ووقت الأجير الذي تضطره الحاجة إلى قبولها و بالتالي اغتصاب حقه في الحماية، و تعريضه إلى كل الوسائل الهي تؤثر على صحته تأثيرا ضارا سواء بصحة ونفسية الأجير، أو بجودة الإنتاج الوطني، وذلك كله نتيجة إرهاق الأجير، بل فضلا عن مراعاة مصلحة الأجير وجودة الإنتاج فإن بعض الدول جعلت من تقليص مدد الشغل، وتمتيع الأجراء براحة مطية نحو الحد من البطالة إتاحة الفرصة لتشغيل عدد أكبر من الأجراء.
إلا أنه وفي مقابل هذه الخصائص والامتيازات فإنه هناك عدة إكراهات تقف حائلا من إرضاء طرفي عقد الشغل حيث إن هناك أزمات اقتصادية تعصف بين الفينة والأخرى باستقرار المقاولات، والشركات فمن جهة هناك النقابات تنادي بضرورة توفير حماية كافية للأجير تتمثل في عدم استغلاله، استغلالا فاحشا في العمل، وهناك من جهة أخرى منظمة أرباب العمل التي تنادي بضرورة رفع الحواجز أمامهم خصوصا في إمكانية الإنقاص من اليد العاملة نظرا للصعوبات الاقتصادية.
لهذا وذلك عملت الدول في تشريعاتها المختلفة على تحقيق مبدأ المرونة الذي يمكن أن يرضي الطرفين معا، إلا أن هذه المرونة تختلف من دولة إلى أخرى إذ أن هناك شكلان من المرونة:
يتجلى الشكل الأول في المرونة الكمية الخارجية والذي يقضي بتطوير عدد الأجراء داخل المقاولة حسب طلباتها، وذلك باللجوء إلى العقود المحددة، وتسريح العمال عند الحاجة، وإلى الوساطة في التشغيل، وإلى المقاولين من الباطن.
أما الشكل الثاني من مبدأ المرونة فإنه يبرز من خلال الكمية الداخلية التي تقضي باستعمال العمال الموجودين في المؤسسة حسب أوقات عملهم كلما استدعت الضرورة ذلك.
وإذا كانت المرونة تتجلى في الشكلين أعلاه إضافة إلى ما يعرف بالمرونة الوظيفية فإنه يمكن لنا أن نتساءل عن ماهية المرونة التي نهجها المشرع المغربي؟
والتي لا يمكن لنا أن نوضح ماهيتها إلا باستعراض مختلف جوانب الموضوع، وذلك من خلال تحليل المقتضيات الخاصة بتحديد المدة القصوى لساعات العمل سواء الساعات العادية، أو الساعات الضائعة، والإضافية” المطلب الأول”. أو المقتضيات الخاصة بالعطل سواء الراحة الأسبوعية، أو السنوية، أو الراحة في مختلف الأعياد الدينية، والوطنية” المطلب الثاني”.
المطلب الأول: مدة الشغل القانونية
من أهم خصائص عقد الشغل أنه ملزم لطرفيه حيث يضع التزامات على كل من طرفيه، والتي هي في نفس الوقت حقوقا لهما، ومن بين الالتزامات الواقعة على كاهل المشغل، والملزم باحترامها، وتطبيقها كما وردت في مدونة الشغل: المدة القانونية للشغل، والتي تعرف بكونها ذلك الوقت الفعلي الذي يوجد فيه الأجير رهن إشارة المشغل.
وبالرجوع إلى التطور التاريخي لهذه المدة ببلدنا فإنه لم يكن أي تنظيم لهذا الموضوع قبل الحماية، وأول نص قانوني حددها هو ظهير 13 يوليوز 1926 وذلك في 10 ساعات تتخللها راحة إجبارية لمدة ساعة.
ثم حددت فيما بعد في 48 ثمان وأربعين ساعة في الأسبوع بمقتضى ظهير 18 يونيو 1936 الذي كان يطبق في المؤسسات التجارية، والصناعية ثم مدد بموجب ظهير 16 أكتوبر 1947 إلى باقي المهن باستثناء القطاع الفلاحي، الذي حددت مدته في 2700 ساعة في السنة وذلك بمقتضى ظهير 24 أبريل 1973، ثم أخيرا مشروعي مدونة الشغل 1997، و1998 واللذان توجا ببروز مدونة الشغل في حلتها الجديدة سنة 2003، فكيف عالجت المدونة الجديدة هذه المدد؟ هذا ما سنراه من خلال تطرقنا للساعات العادية ( الفقرة الأولى) ثم الساعات الإضافية، والساعات الضائعة ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الحد الأقصى لساعات الشغل العادية
يتمحور توقيت الشغل أساسا حول مدة الشغل التي يمكن تقديرها على مستوى اليوم أو الأسبوع أو السنة، إلا أنه ولاعتبارات اجتماعية واقتصادية، واستجابة لمطالب النقابات العمالية، ولتوصيات واتفاقيات منظمة العمل الدولية ، فإن المدونة قد وضعت نصوصا آمرة في تنظيمها لظروف العمل داخل المقاولة، وبصفة خاصة مدة العمل التي تتطلب تنظيما ملائما للحفاظ على راحة الأجير، وتجديد ارتباطه العائلي والاجتماعي، حيث حددت حدا أقصى لساعات العمل والذي لا يمكن تجاوزه أو الإنقاص منه إلا استثناء.
ولتحديد الحد الأقصى لساعات الشغل العادية لا بد لنا من التفريق بين الأنشطة الفلاحية من جهة، والأنشطة غير الفلاحية من جهة ثانية.
أما الأنشطة غير الفلاحية، وعلى خلاف المقتضيات السابقة التي كانت تحدد المدة في هذا النشاط في ألفين وأربعمائة وستة وتسعين (2496) في السنة، أو (48) ثمانية وأربعين ساعة في الأسبوع فإن هذه المدة أصبحت في ظل مقتضيات المدونة الجديدة تحد في ألفين ومائتين وثمانية وثمانين (2288) ساعة في السنة وأربعة وأربعين في الأسبوع، والتي توزع حسب حاجيات المقاولة شريطة ألا تتجاوز مدة الشغل عشر ساعات في اليوم مع مراعاة الاستثناءات المشار إليها في المواد 189و 190 ثم 192، والتي سنراها في الاستثناءات الواردة على المادة 184، حيث تحدد الإجراءات التطبيقية لهذه المادة بنص تنظيمي بعد استشارة المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا، هذا فيما يتعلق بالنشاطات غير الفلاحية، فماذا عن النشاطات الفلاحية؟
أما في الأنشطة الفلاحية، فإنه وانطلاقا من الطابع الواقعي لقانون الشغل الذي يراعي ظروف وخصوصيات كل قطاع اقتصادي، فإنه قد حُدِدت المدة العادية في 2496 في السنة وذلك بدل 2700 ساعة التي كانت تحددها النصوص الماضية، وتتوزع هذه المدد على فترات حسب المتطلبات الضرورية للزراعات، وذلك وفق مدد يومية تتولى السلطة الحكومية المختصة تحديدها بعد استشارة المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا ( الفقرة 3 من المادة 184 من مدونة الشغل).
والملاحظ مما سبق أن المدونة قد راعت مصلحة الأجير وحمايته حيث تم تخفيض مدد العمل مقارنة مع النصوص السابقة على المدونة رغم الاستثناءات الواردة على هاته المقتضيات.
فإذا كانت المادة 184 قد حددت الحد الأقصى من ساعات العمل سواء في النشاط الفلاحي أو غير الفلاحي، فإنه وكما يقال “لكل قاعدة استثناء”؛ فقد وردت استثناءات على مضمون المادة أعلاه، حيث سمح المشرع بصفة استثنائية بالخروج عنه إما بالإنقاص وإما بتجوزه، وذلك وفق شروط خاصة.
أولا- تجاوز الحد الأقصى لساعات الشغل العادية
أجازت المادتين 190 و 192 للمقاولة أو المؤسسة الخروج عن مبدأ الحد الأقصى للشغل العادي، وذلك في حالة أداء شغل منقطع أصلا، أو عندما تقتضي الضرورة ذلك، أو إذا ما تطلب الأمر القيام في مقاولة ما بأشغال مستعجلة.
ففي حالتي الشغل المنقطع الأصل، أو ضرورة تأدية أشغال تحضيرية أو تكميلية لا غنى عنها للنشاط العام للمؤسسة مع استحالة انجازها في حدود مدة الشغل العادية فإنه يمكن تمديد فترة شغل الأجراء شريطة ألا تتجوز 12 ساعة في اليوم كحد أقصى (المادة 190)؛ أما في حالة القيام بأشغال مستعجلة تقتضي الضرورة انجازها فورا كاتقاء أخطار وشيكة، أو تنظيم تدابير نجدة أو إصلاح ما تلف من معدات المقاولة أو تجهيزاتها أو بناياتها، أو لتفادي فساد بعض المواد فإنه يجوز تمديد مدة الشغل العادية بالاستمرار في الشغل طيلة يوم واحد، ثم تمديدها بساعتين خلال الأيام الثلاثة التي تلي ذلك اليوم (المادة 192)، لكن إذا كان المشرع يسمح بتجوز الحد الأقصى القانوني، فإنه حصر ذلك فقط في الأجراء الذين يفوق سنهم 18 سنة، غير أنه يمكن أن تقرر استثناءات أخرى تطبق على الأحداث البالغين 16 سنة، وذلك بالنسبة للمشتغلين بالمصلحة الطبية، وقاعة الرضاعة، وغيرها من المصالح المحدثة لفائدة أجراء المؤسسة وعائلاتهم، والمشتغلين بالمخازن، ومراقبي الحضور ومنظفي أمكان الشغل… (المادة 191).
والملاحظ على ما سبق أنه كان على المشرع المغربي بلورة للطابع الحمائي لقانون الشغل، وحماية لفئة النساء الأجيرات، وكذلك لفئة الأجراء المعاقين أن ينص على منع تطبيق هذا النظام على هاتين الفئتين وذلك مهما كان سنهم .
أما عن كيفية تطبيق المقتضيات أعلاه فإن المادة 194 أسندت أمر ذلك التحديد إلى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، وذلك حسب المهنة أو الصناعة أو التجارة أو الصنف المهني على مستوى التراب الوطني أو على مستوى إقليم معين بعد استشارة المنظمات المهنية للمشغلين، والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا مع مراعاة الشروط الواردة في قرار وزير التشغيل والتكوين المهني .
وأما فيما يخص الأجر المؤدى عن الساعات الزائدة عن الوقت العادي فإن المادة 193 جعلته مساويا بالأجر العادي ما عدا إذا كان ذلك الوقت الذي زاده الأجير مقابل راحة تعويضية، أو إذا كانت تلك الساعات مقررة لإعطاء الأجير مهلة لتناول وجبة طعامه إذا كان وقت الطعام يتخلل وقت الشغل، أو كانت تلك الساعات معدة بحكم طبيعة الشغل المتقطعة بحيث تطابق ساعات حضور الأجير إلى عمله لا ساعات شغل فعلي وذلك بسبب إذا تخللت ساعات الشغل فترات استراحة طويلة.
والمشرع بهذا يكون قد حمى الأجير من انتهاك حقه في الساعات المخصصة لراحته، حيث لا يمكن خرقها إلا بتعويضها بأداء أجر أكثر من الشغل العادي وهو ما يفهم من الاستثناء الوارد في المادة 193.
وإذا كان المشرع سمح بتجاوز الحد الأقصى للأسباب السالفة أعلاه، فإنه سمح في القابل بالإنقاص منه.
ثانيا- إنقاص الحد الأقصى لساعات الشغل العادية
إذا كان المشرع ينص على أن مدة الشغل العادية هي 2288 في النشاط غير الفلاحي و 2496 في النشاط الفلاحي، فإنه أجاز في المقابل للمشغل أن يقلص من تلك المدد وفق معايير وضوابط نقف عنده من خلال نطاق تطبيقها ومسطرتها.
فيما يتعلق بتطبيق مقتضيات الإنقاص فإنه وانطلاقا من شمولية المدونة يمكن للمقاولات التي تمر بأزمة اقتصادية عابرة، أو ظروف خارجة عن إرادة المشغل أن تقلص من تلك المدد، إما لفترة متصلة أو منفصلة (المادة 185/2). إلا أنه وإذا كان سبب الأزمة الاقتصادية يبدو واضحا فإن السبب الثاني المتمثل في الظروف الخارجة عن إرادة المشغل يظل فضفاضا يثير الكثير من التساؤلات والتأويلات . حيث نرى أنه وسع من إمكانية الإنقاص مقارنة مع النصوص السابقة، الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن مبدأ حماية الأجير في أجره وفي حقه في العمل.
أما بخصوص مسطرة الإنقاص فإنه يجب التمييز بين المقاولات التي تشغل أقل من عشرة أجراء وبين المقاولات التي تشغل ما يزيد عن عشرة أجراء إلى خمسين أجيرا، ثم المقاولات التي تشغل أكثر من خمسين أجيرا. كما يجب التمييز بين المدة التي تتجاوز ستون يوما والمدة التي تتجاوزها.
ففي حالة المقاولات التي تشغل بصفة اعتيادية عشرة أجراء إلى خمسين وكانت المدة المزمع على تقليصها لا تزيد عن ستين يوما فإنه يجب على المشغل أن يستشير مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم بعد أن يكون قد أبلغهم بذلك قبل أسبوع على الأقل من تاريخ الشروع في التقليص، وأن يزودهم في نفس الوقت بكل المعلومات حول الإجراءات المزمع اتخاذها، والآثار التي يمكن أن تترتب عنها (المادة 186).
أما إذا كانت المدة تزيد عن 60 يوما فإنه يجب الاتفاق بين المشغل ومندوبي الأجراء والممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم حول الفترة التي يستغرقها هذا التقليص، وفي حالة عدم التوصل إلى أي اتفاق لا يسمح بالتقليص إلا بإذن يسلمه العمالة أو الإقليم طبقا للمسطرة المحددة في المادة 67 من مدونة الشغل (المادة 185/4 و5).
وأما إذا كانت المقاولة تشغل أكثر من خمسين أجيرا فإنه تطبق نفس المقتضيات أعلاه لكن مع حلول لجنة المقاولة محل مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين ( فقرة أخيرة من المادة 186). واستشارتهم بدل مفاوضتهم. معفيا من تلك الاستشارة طالما لا يوجد بها منذ وجد العمال لكنه يظل ملزما بالسقف المحدد والذي هو ستون يوما (المادة 185).
وما يلاحظ من هذه المسطرة أعلاه هو أن المشغل لما كان ملزما بمقتضى عقد الشغل بتوفير ساعات عمل محددة فإنه لا يمكنه تخفيضها إلا بموافقة الأجير – والممثل في مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين- وذلك لما لهذا التخفيض من أثر تبعي على الأجراء الذي هو ركن أساسي في عقد الشغل .
وأما فيما يتعلق بالأجر المؤدى للأجير عند تقليص الحد الأقصى لساعات الشغل فإنه وعلى خلاف النصوص السالفة التي كانت ترى أنه لا يمكن أن يكون الإنقاص من ساعات الشغل سببا في الإنقاص من الأجر.
وهو ما اعتبره المجلس الأعلى في بعض قراراته وخصوصا القرار الصادر في فاتح يونيو 1992 . فإن المدونة الجديدة سمحت بإنقاص الأجر واعتبرت أن الأجر يؤدى عن حساب مدة الشغل الفعلية التي يقضيها الأجير على ألا يقل في جميع الحالات عن %50 من الأجر العادي ما لم تكن هناك مقتضيات أكثر فائدة للأجراء فقرة 3 من م185.
وما سبب هذا الإنقاص إلا الاستثناء الذي أخرج الأصل عن أصله، وتطبيقا لمبدأ الضرورات تبيح المحظورات فإننا نرى أن المشرع حاول أن يرضي طرفي العقد حتى يبقي على وجود المقاولة قائمة.
والملاحظ أن المشرع وحماية للأجراء فإنه لم يكتف بإقرار مبدأ الخروج عن مدة الشغل القانونية وإنما قام أيضا بتحديد الأنشطة التي يمكن فيها تجاوز هذه المدة وبكيفية صريحة سواء المدة اليومية المتمثلة في الإنقاص، أو المدة المحتسبة على أساس الساعة.
وكما سمح المشرع بتجاوز تلك المدة القانونية على وجه الاستثناء والتي لم تعط للأجير أي تعويض فإنه سمح بالمقابل الخروج عن تلك المقتضيات لكن مع ضمان حماية أكبر للأجير والتي تتمثل في:
الفقرة الثانية: الساعات الضائعة والساعات الإضافية
إذا كانت المدونة قد حددت الوقت الأصلي الذي يجب على الأجير أن يقضيه في شغله فإنها أجازت خروجا هن الأصل، وعن الاستثناء الوارد على ذلك الأصل بتجاوز ذلك إما تداركا لساعات شغل ضائعة “أولا” وإما لمواجهة أشغال تقتضيها مصلحة وطنية، أو زيادة استثنائية في حجم الشغل “ثانيا”.
أولا: الساعات الضائعة
خروجا عن المقتضيات المقررة في المادة 184 فإن المشرع أجاز في حالة ما إذا توقف الشغل جماعيا في مؤسسة، أو في جزء منها لأسباب عارضة، أو لقوة قاهرة مثل إصابات الآلات، أو معدات المؤسسة أو انقطاع التيار الكهربائي، أو انعدام المواد الأولية والسلع، أو التي تضيع بسبب عطلة، أن تمدد فترة التشغيل لاستدراك ساعات الشغل الضائعة وذلك شريطة احترام الشروط التالية والتي تختلف حسب ما إذا كان الاستدراك بسبب العطلة أو لأسباب عارضة، أو لقوة قاهرة.
وهكذا فإذا كان الاستدراك واقعا لأسباب عارضة أو قوة قاهرة فإن المادة 189 أوجبت على المشغل قبل أن يقدم على فترة التمديد أن يستشير مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم.
كما يمنع عليه في كل الأحوال:
– العمل لأكثر من 30 يوما في السنة لاستدراك الساعات الضائعة.
– أن تفوق مدة التمديد ساعة في اليوم.
– أن تفوق مدة الشغل اليومية عشر ساعات.
والملاحظة التي يمكن إبداؤها على هاته المادة، أن هذه الشروط الواردة فيها منا ما لم يكن موجودا قبل المدونة، ومن ذلك مثلا شرط استشارة مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين، وكذلك عدم الزيادة على 30 يوما الذي يتماشى مع روح المادة الخامسة من اتفاقية الشغل الدولية رقم 30.
وهده بطبيعة الحال تخدم مصلحة الأجير ويوفر له المزيد من الحماية التي تتعلق بالغاية من المشغل ألا وهو تحصيل الأجر.
أما إذا كان الاستدراك حاصلا بسبب العطلة فإن المادة 227 أوجبت على المشغل قبل أي تمديد أن يستشير مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين عند وجودهم، وأن يتم الاستدراك خلال الثلاثين يوما الموالية لتاريخ تلك العطلة، و ألا يباشر الاستدراك في اليوم الذي يجب أن يستفيد فيه الأجير من راحته الأسبوعية خصوصا إذا صادف ذلك اليوم يوم عيد مؤدى عنه، ولا أن يؤدي ذلك إلى تجاوز مدة الشغل 10 ساعات في اليوم. وأن يبلغ كتابة إلى العون المكلف بتفتيش الشغل التواريخ التي سيباشر فيها الاستدراك.
كما أضافت المادة 229 أنه إذا كان الأجراء يستفيدون من الراحة حسب اتفاقية الشغل الجماعية. أو النظام الداخلي، أو العرف أيام أعياد غير الأعياد المؤدى عنها، والتي حددت وفق المادة 217، أو أيام عطل، خاصة حلول مناسبات محلية، أو أحداث محلية فإنه يجب أن يتم الاستدراك وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 227 أعلاه سواء ترتب عن ذلك أداء أجر أم لا.
وأما فيما يخص الأجر المؤدى عن الساعات الضائعة، فإنه وفق الشروط التي يؤدى بها عن ساعات الشغل العادية، ما لم تكن هناك مقتضيات أكثر فائدة للأجراء (المادة 348).
وإذا كان المشرع قد سمح باستدراك الساعات الضائعة دون الزيادة في الأجور فإنه ألزم المشغل بزيادة في أجر الأجير حسب وقت أداء الساعات الزائدة عن الحد الأقصى لساعات الشغل وذلك ضمن ما يعرف بالساعات الإضافية.
ثانيا – الساعات الإضافية:
تعرف الساعات الإضافية بأنها تلك الساعات التي ينجزها الأجير خارج نطاق استدراك الشغل الضائعة، وخارجة نطاق الساعات التي تقتضي الضرورة تأديتها ، فهي ساعات يطلب من الأجير تأديتها إذا تحتم على المقاولات أن تواجه أشغالا تقتضيها مصلحة وطنية أو زيادة استثنائية في حجم الشغل (المادة 196)، أو الساعات التي تتجاوز يوميا عشر ساعات إذا كانت ساعات الشغل تقسم تقسيما غير متساو خلال السنة (المادة 199)، أو الساعات التي تنجز سنويا ابتداءا من الساعة 2289 والتي تحتسب ابتداءا منها (المادة 199/2) كما تعتبر في حكم ساعات الشغل الإضافية كل ساعة شغل تنجز خلال الأسبوع خارج أوقات الشغل بالنسبة للأجير الذي لم يشتغل الأسبوع بكامله، إما بسبب فصله أة استقالته أو استفادته من العطلة السنوية المؤدى عنها، أو تعرضه لحادثة شغل، أو لمرض مهني أو استفادته من يوم عيد مؤدى عنه الأجر، أو من يوم عطلة (المادة 200/1)، وكل ساعات تنجز خارج المدة القانونية.
وهذا كله شريطة أن تدفع له بالإضافة إلى أجورهم تعويضا عن الساعات الإضافية، إضافة إل الشروط المحددة بنص تنظيمي والتي من أهمها عدم تجاوز 80 ساعة عن المدة القانونية وفي أقصى تقدير 100 ساعة موزعة عليهم شريطة ألا تتجاوز 10 ساعات كحد أقصى، وحسب المادة 201 فإن الأجر يؤدى للأجير كيفما كانت طريقة أداءه بزيادة نسبتها 25% عن الساعات الإضافية إذا قضاها الأجير فيما بين السادسة صباحا والتاسعة ليلا في النشاطات غير الفلاحية، وفي ما بين الساعة الخامسة صباحا والثامنة ليلا في النشاطات الفلاحية، كما تزداد نسبتها 50% إذا قضاها الأجير فيما بين الساعة التاسعة ليلا والسادسة صباحا في النشاطات غير الفلاحية، وفيما بين الساعة الثامنة ليلا والخامسة صباحا في النشاطة الفلاحية.
كما ترفع هذه الزيادة على التوالي بالنسبة للفترتين إلى 50% وإلى 10% إذا قضى الأجير الساعات الإضافية في اليوم المخصص لراحته الأسبوعية حتى ولو عوضت له فترة الراحة الأسبوعية براحة تعويضية.
والتعويض لا يقتصر على الأجر فقط بل يشمل الأجر وتوابعه باستثناء: التعويضات العائلية والحلوان إلا إذا كان يتعلق بالأجراء الذين يتكون أجرهم من الحلوان فحسب، أو المبالغ المستردة تغطية لمصاريف أو لنفقات سبق أن تحملها الأجير بسبب شغله (المادة 202)؛ ويؤدى هذا التعويض دفعة واحدة مع الأجر المستحق (المادة 198).
ونرى في كل ما سبق أن المدونة قد جعلت الأجير يستفيد من شغله الذي أداء خارج مدة شغله القانونية وهي بهذا تكون قد وفرت له حماية كافية من استغلال المشغل الذي قد يتعسف في استعمال سلطته الاقتصادية على الأجير الضعيف.
وحتى تبقى تلك الحماية مضمونة فإن المشرع قرن ذلك بعدة جزاءات تبتدأ من 300 إلى 20.000 درهم، حيث نصت المادة 203 على أنه يعاقب بغرامة من 300 إلى 500 درهم عن الأفعال التالية:
• تجاوز مدة الشغل المنصوص عليها في المادة 184.
• عدم التقيد بأحكام المادة 187.
• تجاوز مدة الشغل المقررة لكل فرقة الحد المنصوص عليه في المادة 188
• عدم التقيد بأحكام المادة 189.
• عدم إضافة الأجر المستحق عن ساعات الشغل المقضية بموجب المادتين 190 و 192.
• تجوز مدة الشغل مدة الساعتين خلال مدة ثلاثة أيام المنصوص عليها في المادة 192، أو تمديد مدة الشغل العادية إلى ما بعد انقضاء ذلك الأمد.
• عدم أداء تعويض عن الساعات الإضافية، أو أداء زيادة غير مطابقة للنسبة المحددة في المادة 201.
• احتساب التعويض المستحق عن الساعات الإضافية على نحو يخالف أحكام المادة 202.
• تتكرر هاته العقوبات بتعدد الأجراء الذين لم يراعى في حقهم تطبيق أحكام المواد السالفة الذكر، على ألا تتجاوز مجموع الغرامات 20.000 درهم.
• كما يعاقب بغرامة من 10.000 إلى 20.000 درهم عن عدم التقيد بأحكام المادتين 185 و 186 (المادة 204).
وإذا كان المشرع قد خصص للأجير وقتا يقضيه في سبيل أسرته ومجتمعه، حيث لم يتركه منهمكا في شغله طيلة اليوم، فإنه قد عزز ذلك بمنحه عطل سواء داخل الأسبوع، أو في أيام الأعياد الدينية أو الوطنية، إضافة إلى عطلة سنوية. وهذا ما سنراه في المطلب الموالي.
المطلب الثاني: العطل المقررة للأجير
إن منح الأجير يوم راحة كامل في الأسبوع، ومنحه راحة في أيام الأعياد ثم أخيرا في السنة ليعتبر ضرورة جسمية واجتماعية، تمكنه من الاستراحة من عناء العمل المضني طيلة فترة الأسبوع، وكذلك تجديد طاقته و نشاطه، الأمر الذي يؤدي إلى الزيادة في قدرته على الإنتاج.
ونظرا لأهمية هذه العطل فإن جل التشريعات عملت على تطبيقها والمشرع المغربي لم يخرج عن هذا الطرح، حيث صادق على معظم اتفاقيات منظمة العمل الدولية في هذا المجال وتبنى ذلك في جل تشريعاته الاجتماعية ولعل آخرها مدونة الشغل الجديدة، وما ذاك إلا حماية للأجير الذي لم يدخر جهدا في إتقان عمله وانجازه بكل جدية ونزاهة، فكيف نظمت هذه المدونة حق الأجير في الراحة الأسبوعية وأيام الأعياد (الفقرة الأولى)، وكذلك حقه في عطلة سنوية يربط بها آخر السنة ببدايته (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الراحة الأسبوعية وأيام الأعياد
إن الراحة الأسبوعية، والعطلة في أيام الأعياد تختلف من تشريع إلى آخر حسب الدين والعرف، وإن كانت تعطى لاعتبارات دينية واجتماعية فهي لا تخلو من اعتبارات اقتصادية، لأن الإنسان سواء كان أجيرا أو غيره فهو في حاجة إلى راحة لكي يجدد نشاطه مما يؤدي إلى الزيادة في طاقته الإنتاجية، وإذا كان الأمر هكذا فكيف نظم المشرع المغربي في المادة الاجتماعية هذه الراحة الأسبوعية (أولا)، ثم من بعده الراحة في أيام الأعياد سواء الدينية أو الوطنية (ثانيا).
أولا: الراحة الأسبوعية
نظرا لأهمية الراحة الأسبوعية وأثرها الإيجابية على الأجير سواء من الناحية النفسية والصحية والاجتماعية، فإنه وحتى يكون الأجير يتمتع بحماية تشمل جميع ما يتعلق به نصت على ذلك منظمة العمل الدولية ، ومنظمة العمل العربية . كما أن المشرع المغربي لم يخرج عن ذلك حيث نص عليه منذ زمن بعيد سواء في فترة الحماية أو بعدها ولعل آخرها مدونة الشغل حيث نصت المادة 205 على ضرورة تمتيع الأجير براحة أسبوعية إلزامية تستغرق مدة أدناها 24 ساعة تحتسب من منتصف الليل.
إلا أنه وإذا كان العديد من التشريعات تحصر هذه الراحة في أيام معلومة، فإن المشرع المغربي لم يحددها في يوم معين، وإنما ترك ذلك مفتوحا ومطلقا حيث نصت المادة 206 أنه يجب أن تكون الراحة الأسبوعية يوم الجمعة أو السبت أو الأحد أو يوم السوق الأسبوعي.
ويلاحظ أن المشرع في هذه المادة راعى خصوصية الأجير المغربي إذ بيوم الجمعة لما لهذا اليوم من مكانة خاصة لدى الأجير المغربي، وكذلك راعى طبيعة المغاربة المتجدرة من الأصل البدوي، حيث ارتبط السوق الأسبوعي بالبادية. وفي هذا كله حماية الأجير في أصوله الدينية والثقافية.
وهذا ما أكدت عليه المادة 48 من الاتفاقية رقم 6 للمنظمة العربية بقولها: “يمنح العامل راحة أسبوعية طبقا لما يتناسب مع ظروف كل بلد، وتقاليدها وشعائرها الدينية”.
إلا أنه وخروجا عن الأصل فإنه يمكن أن تحدد الراحة في غير الأيام الواردة في المادة أعلاه حيث يجوز اختيار يوم آخر، أو منح الراحة بكيفية التناوب أو التخفيض منها مع منح راحة تعويضية أو وقفها.
وهكذا نصت المادة 210 على أنه يمكن للسلطة الحكومية المكلفة بالشغل بعد استشارة المنظمات المهنية للمشغلين، والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا، تحديد كيفية تطبيق نظام الراحة الأسبوعية عندما يطلب ذلك ما لا يقل عن ثلثي المشغلين الموجودين في دائرة عمالة إقليم أو جماعة أو مجموعة جماعات أو حي معين من جهة، وما لا يقل عن ثلثي الأجراء الذين يمارسون نفس المهنة من جهة أخرى إذا كان يوم راحتهم الأسبوعية يوما محددا، أو إذا كانوا يستفيدون من الراحة الأسبوعية بالتناوب فيما بينهم.
كما تنص المادة 207 على أنه يمكن للمؤسسات التي يقتضي نشاطها أن تظل مفتوحة باستمرار للعموم، أو التي قد يسبب توقف نشاطها ضررا للعموم أن تعطي للأجراء كلا أو بعضا الراحة الأسبوعية بالتناوب فيما بينهم وكذلك المؤسسات التي قد يؤدي وقف نشاطها إلى خسائر لكن بعد ترخيص من السلطة الحكومية المكلفة بالشغل.
وعلى عكس المادة 205 فإنه يمكن لكل مؤسسة تتيح لأجرائها قضاء راحتهم الأسبوعية في وقت واحد أن تخفض فترة الراحة الأسبوعية إلى نصف يوم للأشخاص المكلفين بجميع أشغال الصيانة التي يجب أن تنجز بالضرورة في يوم الراحة الجماعية للأجراء، والتي تعتبر ضرورية لتفادي أي تأخير من شأنه أن يعرقل مواصلة الشغل بشكل عادي (المادة 213).
وهذه الضرورة لم تحرم الأجير من حقه في الراحة بشكل دائم وإنما تعوض لهم داخل أجل لا يتعدى شهرا واحدا (المادة 215).
والضرورة لا تخفض من الراحة بل يمكن أن توقفها وتعويضها بيوم آخر داخل أجل لا يتعدى شهرا، وذلك في الحالات التي تبرزها طبيعة نشاط المؤسسة أو المواد المستعملة، أو انجاز أشغال استعجالية، أو زيادة غير عادية في حجم الشغل (المادة 212)، غير أن هذه المادة لا تطبق إلا بنص تنظيمي ، كما أنه لا يسري على الأحداث دون سن الثامنة عشرة، ولا على النساء دون العشرين، ولا على الأجراء المعاقين وذلك في الأحوال المحددة بنص تنظيمي (المادة 214) والراحة المعرضة تخول وفق الكيفيات التي تحددها السلطة الحكومية المكلفة بالشغل بعد استشارة المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية الأكثر تمثيلا (المادة 215).
وحتى يضمن المشرع للأجير حقه في الراحة الأسبوعية نص على جزاءات غرامية تتراوح من 300 إلى 500 درهم، على كل من خالف أحكام ومقتضيات هذا الفرع السابق، والتي تتكرر بتعدد الأجراء الذين لم تراع في حقهم أحكام المواد أعلاه، على ألا يتجوز مجموع الغرامات مبلغ 20.000 درهم (المادة 216)، إلا أنه وإذا كان حق الأجير في راحة أسبوعية ضرورية فإن الراحة أيام الأعياد لا تقل أهمية عنها إن لم تكن أكثر منها أهمية.
ثانيا: الراحة في الأعياد
إن الأجير وهو يزاول عمله في مؤسسة ما، يجب عليه أن لا ينسى عائلته ومجتمعه إذ عليه أن يشاركهم في كل أفكارهم سواء الدينية أو الوطنية، كما أن المشغل يجب عليه أن لا يمنعه من الراحة في مثل هاته الأيام التي تشكل مناسبة خاصة في نفوس الأجراء وعائلاتهم بحيث لا ينظر في المدة التي قضاها الأجير، بل كل أجير يستحق الراحة في أيام الأعياد.
التي هي أيام يحتفل فيها ويعترف بها القانون، والتي تكون مستمدة من عادات المجتمع وتقاليده، ومرتبطة بأصالته وحضارته وتاريخه بغض النظر عن طابعها الديني أو الدنيوي.
وهكذا تنص المادة 217 على أنه يمنع على المشغلين تشغيل الأجراء أيام الأعياد المؤدى عنها والمحددة لائحتها بنص تنظيمي .
فأي أجير اشتغل قبل العيد مباشرة، أو إذا اشتغل لمدة ثلاثة عشر يوما خلال الشهر السابق ليوم العيد يجب أن يستفيد من عطلة العيد المؤدى عنها (المادة 219)، بحيث يتقاضى نفس الأجر الذي كان سيتقاضاه لو بقي في شغله باستثناء التعويضات التي تؤدى له عن المخاطر أو لاسترداد مصاريف، أو نفقات سبق له أن تحملها بسبب شغله (المادة 219)، هذا إذا كان أجره يحتسب على أساس اليوم أو الساعة، أما إذا كان يحتسب على أساس الشغل المنجز، أو المردودية أو القطعة، فإنه يجب أن يتقاضى أجرا بمعدل جزء من ستة وعشرين من الأجر الذي سبق أن تقاضاه خلال السنة والعشرين يوما السابقة.
وفي حالة ما إذا كان أجره يحتسب بكيفية جزافية فإنه لا يمكن إجراء أي نقص على الأجر (المادة 221).
وفي حالة ما إذا صادف يوم العيد اليوم الذي يستفيد فيه الأجير من راحته الأسبوعية المستحقة له يحكم نظام التناوب وجب على المشغل أن يؤدي له تعويضا عن ذلك اليوم (المادة 222).
ونستفيد من كل ما سبق أن المدونة قد ضمنت لأجير حقه في الراحة أيام الأعياد حيث إنه يتقاضى أجره حتى ولو أنه لم يشتغل في ذاك اليوم وهذا أمر ضروري تجمع عليه جل التشريعات، إلا أنه يمكن أحيانا تجاوز الأصل والعمل استثناء في أيام الأعياد، وذلك في حالة ما إذا كان العمل أمرا ضروريا نظرا لطبيعة شغل المؤسسة، أو كانت تتبع نظام التناوب على الراحة الأسبوعية، أو تبيع مواد غذائية بالتجزئة، أو تستعمل مواد سريعة التلف في حالة ما إذا كانت لا تتبع نظام التناوب (المادة 223).
لكن إذا كان الأمر كما سبق فإنه وحماية لحقوق الأجير فإنه يجب على المشغل أن يؤدي لهم تعويضا إضافيا زيادة على الأجر المستحق يكون قدره مساويا لمقدار هذا الأجر (المادة 224)، إلا إذا كان اتفق المشغل والأجير على استبدال ذلك التعويض بيوم راحة مؤدى عنه (المادة 225).
أما إذا انشغل المشغل الأجير بطريقة تخالف المادة 217 فإنه يجب عليه أن يؤدي لهم إضافة إلى الأجر المستحق تعويضا نسبة 100% من هذا الأجر (المادة 226). وحتى لا تبقى هذه المقتضيات جبرا على ورق فإنه عاقب بغرامة من 300 إلى 500 درهم، تطال كل من خالفها، والتي قد تصل إلى 20.000 درهم في حالة تعدد الأجراء الذين لم تراع في حقهم تطبيق أحكام هذا الباب (المادة 230)، وإضافة إلى الراحة الأسبوعية والراحة في أيام الأعياد فإن المشرع أعطى للأجير الحق في الاستمتاع والراحة بأيام معدودة في السنة حتى يتسنى له أن يجدد طاقته النفسية والجسدية وإعطاء كل وقته للشغل الذي يراوده فكيف نظم المشرع هذا الحق؟
الفقرة الثانية: العطلة السنوية المؤدى عنها
تعتبر العطلة السنوية من أهم العطل التي يتمتع بها الأجير على اعتبار أنها تمكنه من الاستراحة من عناء الشغل المتواصل طول السنة الأمر الذي يحقق مصلحتهم ومصلحة مشغليهم، وأيضا مصلحة الاقتصاد الوطني لذلك منع المشرع بكيفية صريحة على كل مشغل أن يعهد إلى أجير من أجرائه بأداء شغل أثناء استفادته من عطلته السنوية المؤدى عنها سواء بمقابل أو دون مقابل. كما منع على نفس الأجير أن ينجز أشغالا بمقابل وهو في فترة عطلة، إلا أن الاستفادة من العطلة يتطلب أن تتوفر في الأجير بعض الشروط، كما أن مدتها تختلف من الأجير القاصر مقارنة مع البالغ، إضافة إلى كيفية الاستفادة منها، وكيفية تعويضها.
وحتى نقف على كل ما يتعلق بنظامها القانوني ولو بشكل مجمل لأن ما يهمنا هو إبراز مظاهر حماية الأجير من خلال هاته العطل، فإننا سنتطرق إلى شروطها ومدتها (أولا)، ثم فترة الاستفادة منها وكيفية تعويضها (ثانيا).
أولا- شروط الاستفادة من العطلة ومدتها
لكي يتمتع الأجير بالعطلة السنوية لا بد وأن يكون متوفرا على عقد شغل وعلى أقدميته معينة، حيث نصت المادة 231 على أن أجير قضى ستة أشهر متصلة، أو أبرم عقد شغل لمدة محددة أن يستفيد من العطلة السنوية، حيث فسرت مدة الشغل المتصلة الفترة التي يكون فيها الأجير مرتبطا بعقد الشغل ولو كان الأجير موقوفا، كما لا يهم نوع الارتباط أي سواء كان العقد محددا أو غير محدد كان بموجب عقد تدريب من أجل الإدماج المهني، أو التدرج المهني كل ما يهم هو وجود علاقة تبعية بين الأجير والمشغل، باستثناء حالتين من حالات توقف عقد الشغل وهما: حالة الإضراب، وحالة الإغلاق القانوني للمقاولة بصفة مؤقتة (المادة 32).
إن حماية الأجير تقتضي مراعاة مصلحته أولا حيث ولو كان العقد باطلا فإنه يجب أن يستفيد من العطلة السنوية، وكل شرط مخالف يعتبر لاغيا.
هذا فيما يتعلق بشروط الاستفادة منها، أما فيما يتعلق بمدتها فإنها تختلف حسب سن الأجير، إذ أن الأجير الراشد تحتسب مدة عطلته ابتداءا من يوم ونصف كل شهر من أيام العمل، ولا تحتسب التوقفات بسبب المرض ضمن أيام العطلة السنوية.
يضاف إليها يوم ونصف عن كل خمس سنوات من الأقدمية سواء كانت متصلة أو غير متصلة، شريطة ألا تتجاوز 30يوما (المادة 232)، كما يضاف إليها عدد أيام الأعياد، والعطل المؤدى عنها والتي يصادف حلولها فترة التمتع بالعطلة (المادة 235).
كما يجب اعتبار الفترات الواردة في المادة 239 ضمن فترات الشغل الفعلي لا يمكن إسقاطها من مدة العطلة السنوية.
أما بالنسبة للأجير القاصر فإنه بالإضافة إلى ما سبق أعلاه فإن مدته تحتسب ابتداءا من يومين من أيام الشغل الفعلي عن كل شهر بدل يوم ونصف للأجير البالغ، وهذا يعتبر رأفة وحماية من المشرع للأجير القاصر.
وإذا عرفنا شروطها ومدتها، فما هي فترتها و التعويض المؤدى عنها؟
ثانيا: فترة الاستفادة من العطلة وكيفية تعويضها
إن منح العطلة التزام آمر يقع على المشغل ويبطل بالتالي كل اتفاق مسبق يقضي بالتنازل عنها ولو مقابل تعويض، إلا أنه ومع صيغة الأمر فإن المشرع لم يحدد فترة معينة، أو فترات معينة، وإنما ترك ذلك إلى التراضي والاتفاق مع ممثلي الأجراء داخل المقاولة، إلا إذا تعلق الأمر بالقطاع الفلاحي وتوابعه، حيث تحدد دفترها في كل ولاية أو عمالة أو إقليم بقرار من السلطة الحكومية المكلفة بالشغل وبعد استشارة المنظمات المهنية للمشغلين، والمنظمات النقابية، وخصوصا الفترات التي لا يمكن للأجراء الاستفادة منها ، أما في غير هذا فإن المشغل بعد استشارة مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين هو الذي يتولى تحديد تواريخ العطلة السنوية، وتواريخ مغادرة الأجراء لشغلهم قصد قضاء عطلهم السنوية، غير أنه يمكن عند حصول اتفاق مع المعنيين بالأمر إما تقديم تواريخ مغادرتهم وإما تأخيرها (المادة 245).
كما يجب اطلاع كل من له الحق في العطلة على جدول والمغادرة وذلك قبل تاريخ المغادرة ب 30 يوما على الأقل ما لم تنص اتفاقية شغل جماعية أو نظام داخلي على مقتضيات أكثر فائدة للأجير (المادة 246).
إضافة إلى أنه يمكن للأجير والمشغل أن يتفقا على تجزئة العطلة السنوية أو الجمع بين أجزائها على مدى سنتين متتاليتين شريطة ألا يؤدي تجزئتها إلى تخفيض مدة العطلة التي يقضيها الأجير سنويا إلى أقل من 12 يوم شغل يتخللها يومان من أيام الراحة الأسبوعية (المادة 240).
ونلاحظ مما سبق أن المشرع كل ما يهمه هو حماية الأجير في حقه من الراحة سواء أعطيت له دفعة واحدة أو جزئت على مدد في حدود سنتين وأوجب على المشغل أن يؤجل إعطاء العطلة للأجير المصاب بحادثة شغل إلى أن يلتئم جرحه، وفي مثل هذه المقتضيات مزيد من الحماية للأجير كما أنه أوجب على أي مشغل لم يعط للأجير حقه في العطلة أن يعوضه في ذلك وفق الكيفية التالية:
إذا كان لا يمكن التنازل عن العطلة السنوية على اعتبار أنها من النظام العام، فإنه يجب على المشغل أن يمنح للأجير أثناء عطلته تعويضا يساوي ما كان سيتقاضاه لو بقي في شغله،والذي يتكون من الأجر وتوابعه سواء كانت مادية أو عينية (المادتين 249 و 250)ويؤدى في أجل أقصاه اليوم الذي يسبق بداية عطلة الأجير (المادة 259).
وأما في حالة عدم تمتع الأجير بالعطلة لأي سبب ولو كان لم يمض الأجير ما يزيد عن 6 أشهر، فإنه يجب على المشغل التعويض له عن عدم التمتع بالعطلة السنوية، أو عن أقساط العطل التي لم يستفد منها (المادة 251)، في حالة تجزئة العطلة والدي يساوي حسب الأحوال: يوما ونصف يوم، أو يومين عن كل شهر تم في الشغل.
إلا أنه يمكن تعويض العطلة السنوية نقدا وذلك في الحالات التالية:
– حالة إنهاء عقد الشغل دون أن يكون الأجير قد استفاد من عطلته.
– حالة الاستدعاء للخدمة العسكرية.
– حالة وفاة الأجير إذ يستلم ذوو حقوقه جميع حقوقه.
– حالة الأجراء الذين يشتغلون بالتناوب الغير المتمتعين بالعطلة السنوية.
– حالة الأجراء القاصرين المتمتعين بالعطلة السنوية.
تتولى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل تحديد الكيفيات الخاصة بحساب التعويض عن العطلة السنوية، والتعويض عن عدم التمتع بها وذلك وفق المبادئ في هذا الفرع الرابع (المادة 258).
وعلى اعتبار أن من خصائص القاعدة القانونية الإلزام فإن المشرع نص على عقوبات في شكل غرامات مالية تتراوح بين 300 إلى 500 درهم، في حق كل من خالف مقتضيات هذا الباب، والتي تتكرر بتعدد الأجراء الذين لم يراع في حقهم تطبيق أحكام المواد السابقة على ألا تتجاوز مجموع الغرامات 20.000 درهم (المادة 268).
ونستنتج من خلال ما سبق أن مدونة الشغل لم تتخذ حلة جديدة عبثا، بل جاءت بمقتضيات أكثر حماية للأجير سواء من الناحية الزمانية المؤداة في الشغل، أو من حيث الراحة، فالهدف هو جعل الأجير يؤدي عمله وهو مطمئن على حقوقه من حيث خصوصا إذا علمنا أن عهد العمل أخذ يتحول نحو عهد أوقات الفراغ سيما وأن التقدم التقني يعود في نفس الوقت بتقليل ساعات العمل ورفع مستوى المعيشة، غير أن وقت الفراغ يجب أن يبقى وثيق الصلة بالعمل؛ فالعمل يعتبر جوهر الحياة المادية، ووقت الفراغ جوهر الحياة الروحية، وإن التقاءهما مع هو الذي يتيح توسيع وإغناء مجال التجربة الإنسانية .
وإذا كان تحقيق مدة العمل وتخليلها براحة وعطل، يساهم في تنشيط جسم الأجير ونفسيته، وإعطاء عجلة قوية للاقتصاد الوطني، فإنه يجب ألا ننسى حقه في العيش الكريم، لأن ذلك أكثر أهمية بالنسبة إليه، إذ هو الغاية من شغل الأجير وتعبه، وطبعا فإن هذا لن يتم إلا عبر منحه أجرا يرقى به إلى ذاك المستوى الذي يطمح إليه كل مشتغل، بل وحماية هذا الأجر من كل ما يهدده من أجل ضمان وصوله إلى الأجير.
المبحث الثالث: نظـام الأجر
لاشك أن حياة الأجراء لا تستقيم بدون أجر، ونظرا لأهميته في علاقة الشغل وتضارب مصلحتي طرفي عقد العمل بشأنه، كان لزاما على المشرع أن يقرر للأجر حماية صارمة لتمكين الأجير من أجر قار يكفل له ولأسرته العيش الكريم، من خلال إقرار بعض القواعد الحمائية في مدونة الشغل، مستلهما فيها عددا من اتفاقيات منظمة العمل الدولية .
وتتمثل أهمية الأجر من خلال ثلاث مقاربات: أولها المقاربة القانونية التي تقوم على اعتبار الأجر أهم عنصر يقوم عليه عقد الشغل، فبدونه لا نكون إزاء عقد الشغل؛ وهذا لا يعني أن الطرفين يجب أن يتفقا في صلبه عليه أو على طبيعته، بل يعتبر العقد موجودا، ولو لم يتفق الطرفان صراحة عليه وعلى طبيعته، ما دام يمكن من الظروف استخلاص نيتهما في التعاقد على عمل تابع مأجور ، بل في بعض الأحيان لقاء مجرد تواجده في مكان الشغل ولو لم يؤديه لسبب خارج عن إرادته . وهناك المقاربة الاجتماعية التي تركز على الطابع المعيشي للأجر، وأخيرا المقاربة الاقتصادية التي تقوم على تكلفة الإنتاج والتي تتأثر بتحرك الأجور زيادة ونقصانا.
وعموما، فإن للأجر مفهومان: مفهوم ضيق كرسته المبادئ اللبرالية، حيث تعتبر العمل سلعة وهو ما اصطلح عليه المشرع في الفصل 723 من قانون الالتزامات والعقود، بإجارة الخدمة أو العمل. وهناك مفهوم واسع تبنته نظريات جديدة حيث تضفي عليه الطابع المعيشي والاعتبار الإنساني .
يشكل الأجر عنصرا أساسيا في عقد الشغل، فبدونه لا نكون أمام علاقة شغل، حسب المادة الأولى من مدونة الشغل، وأيضا من خلال تعريفي المادتين 6 من نفس المدونة، و327 من قانون الالتزامات والعقود.
والمشرع المغربي كغيره من التشريعات، وضع مبادئ خاصة بحماية الأجر وبضمان أدائه لدوره المعيشي، وذلك خشية أن تؤدي القواعد العامة في الحجوزات والمقاصة، وحقوق المشغل في الاقتطاع من الأجر، إلى ضياعه كله أو حتى جزء منه يكون من شأنه زعزعة وضعه الاقتصادي.
فالأجير قد يكون مدنيا للمشغل، فيلجأ هذا الأخير من أجل استخلاص ديونه، للقيام بالمقاصة، وقد يكون الأجير مدنيا للغير، فيقوم هؤلاء بالحجز على الأجر تحت يد المشغل من أجل استيفاء ديونهم. كما قد يكون الأجير دائنا لمشغله بالأجر فيدخل ضمن كتلة الدائنين الذين قد تزيد ديونهم على أموال المؤاجر، ولا يبقى للأجر شيء لاستيفاء أجره.
وعلى ضوء ما قيل يبقى الإشكال مطروحا حول مظاهر حماية الأجير. ترى هل تمكن المشرع المغربي فعلا من تحقيق حماية للأجر في مدونة الشغل؟ وما هي مظاهر هذه الحماية؟
ولمعالجة هذه الإشكالية، ارتأينا تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين، نتناول في الأول حماية الأجر في مواجهة دائني الأجير، ثم في المطلب الثاني حماية الأجر في مواجهة دائني المشغل.
المطلب الأول: حماية الأجر في مواجهة دائني الأجير
لقد وضع المشرع المغربي ضمن سياسته الحمائية للأجر قواعد تكفل في النهاية أن يصل إلى الأجير جزء من أجره يخصص للإنفاق على معيشته ومعيشة أسرته، وهو بذلك يحاول التوفيق بين العديد من الاعتبارات التي يرجع بعضها إلى مصلحة الأجير وبعضها إلى مصلحة دائنيه.
وقد انتهت هذه السياسة الحمائية إلى إقرار مبدأ يقضي بعدم جواز اقتطاع أي مبلغ من الأجر إلا إذا قرر القانون ذلك، كما لا يمكن إيقاع حجز على الأجر تحت يد المشغل.
وهؤلاء الدائنون الذين يمكن أن يستوفوا ديونهم من الأجر، قد يكونون: إما صاحب العمل أي المشغل (الفقرة الأولى) وإما من الغير(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: حماية الأجر في مواجهة المشغل
تتمثل هذه الحماية في: الحماية من الاقتطاع (أولا)، ثم حمايته من الضغط الاقتصادي للمشغل وضمان استمراريته (ثانيا)
أولا– الحماية من الاقتطاع من الأجر
قد يضطر الأجير لاقتراض مبلغ من المال من المؤاجر بمناسبة ما (كالعيد الأضحى مثلا، أو بمناسبة ازدياد مولود……)، و قد يقترض لظروفه الخاصة، كما قد يقوم بشراء مواد من مخازن العمل، على أساس أن هذه الديون سيتم اقتطاعها على مراحل من أجره. وقد يقوم المؤاجر بتقديم تسبيقات للأجير بخصوص الوسائل الضرورية لإنجاز الشغل أو الموارد ووسائل العمل التي قد يحتاجها الأجير…..إلى غير ذلك من الصور التي يمكن فيها للأجير أن يكون مدنيا لمشغله.
فكيف يمكن إذن اقتطاع هذه الديون من الأجر؟ فهل يمكن للمشغل الذي يكون دائنا لأجيره، أن يلجأ إلى مقتضياته ويجري المقاصة بين ما له من حق قبل الأجير، وبين ما هو مدين له من أجر؟ أم أن الطابع الحمائي لمدونة الشغل، وطبيعة الدور المعيشي للأجر، يحولان دون إعمال هذه المقتضيات من طرف المشغل الدائن في مواجهة أجيره المدين؟.
مما لا شك فيه أن السماح للمشغل الدائن، باللجوء إلى الفصل 357 من ق.ل.ع في مواجهة أجيره المدين له، من شأنه أن يهدد الأجر بالضياع، ويعرض الأجير وأسرته إلى زعزعة قوية اقتصاديا واجتماعيا، لذلك لم يترك التشريع المغربي على غرار غيره من التشريعات المقارنة، الحرية المطلقة للمشغل للاقتطاع من أجر أجيره، بل تدخل للحد منها، مراعاة لمصلحة الأجير وحفاظا على الطابع المعيشي والدور الاقتصادي للأجر، مستبعدا قواعد المقاصة كما هي واردة في الفصل 357.
وهكذا جاءت المادة 385 من مدونة الشغل، لتنص على أنه لا يمكن للمشغلين أن يجروا لحسابهم أي مقاصة بين ما عليهم لأجرائهم من أجور، وبين ما قد يكون على هؤلاء الأجراء من ديون لفائدتهم، مقابل مدهم بمختلف اللوازم أيا كان نوعها، وذلك باستثناء الأدوات أو المعدات اللازمة للشغل، والمواد واللوازم التي تسلمها الأجير، والتي توجد في عهدته، والمبالغ المدفوعة إليه مسبقا لشراء تلك الأدوات والمعدات واللوازم.
إلا أنه بالرغم من الايجابيات التي أتت بها هذه المادة، والتي تعود في الحقيقة إلى ما كان يتضمنه الفصل 316 من قانون المسطرة المدنية بتاريخ 12 غشت 1913، فإنه يؤاخذها عليها عدم الوضوح والدقة ، فالمادة تتناول المنع من إجراء المقاصة بين ما يكون للأجراء من أجور وبين ما قد يكون عليهم، مقابل مدهم بمختلف اللوازم، أيا كان نوعها، بدون أن تحدد ماهية وطبيعة هذه اللوازم، فماذا يمكن للمشغل أن يقدم لأجرائه، ويمنع عليه إجراء مقاصة بخصوصه؟ خصوصا وأن تقديم السلف المالية أو خلق مقتصدية لبيع البضائع والسلع، أيا كان نوعها، محكوم بمقتضى نصوص قانونية أخرى، لا علاقة لها بالمادة 385.
وإذا كان المشرع المغربي من خلال المادة 385 يحمي الأجر – من حيث المبدأ– من قواعد المقاصة كما هي واردة في الفصل 357 من ق.ل.ع، فإنه لم يقف عند هذا الحد، وإنما نص في المادة 386 من مدونة الشغل، على أنه وإذا حصل أن قدم المشغل لأي من أجرائه مبلغا من المال على سبيل السلفة . لأي سبب كان، فإنه لا يمكن أن يسترد سلفة إلا على شكل أقساط تقتطع من أجورهم تباعا، بحيث لا يمكن أن يتجاوز القسط المقتطع عشر (10/1) الأجر الذي حل أداؤه، وذلك على غرار ما كان ينص عليه الفصل 317 من قانون المسطرة المدنية لسنة 1913، مع تأكيد المشرع في مدونة الشغل على عدم الخلط بين القسط من الأجر القابل للحجز، وكذلك الجزء الذي تجوز فيه الحوالة طبقا للمادتين 387 و388 من مدونة الشغل.
وهكذا لم يعد المشغل في ظل مدونة الشغل ‒ إذا ما قدم سلفة مالية لأي من أجرائه ‒ مجرد دائن عادي، يدخل مع باقي دائنين الأجير في الجزء الذي يقبل الحجز على ما له لدى الغير وفق جدولة المادة 387 من المدونة، وإنما صار بإمكانه أن يقتطع سلفته المالية مباشرة من الأجر المستحق للأجير، وإن كان ذلك في شكل أقساط مع شرط عدم إمكانية تجاوز كل قسط عشر الأجر الذي حل أداؤه.
ونشير إلى أن مخالفة المادتين 385 و386، يعاقب عليه بغرامة من 300 إلى 500 درهم وتتكرر عقوبة الغرامة بتعدد الأجر الذين لم يراع في حقهم تطبيق أحكام المادتين بشرط ألا يتجاوز مجموع الغرامات 20 ألف درهم .
كما أنه يوجد صورة أخرى يقوم فيها المشغل بالاقتطاع من الأجر لكن ليس بصفته دائنا هنا، بل لما يملك من سلطة تأديبية، حيث كان في ظل الأوضاع القانونية السابقة عن مدونة الشغل، يوقع جزاءات كانت تصل إلى حد الاقتطاع من الأجر في شكل غرامات، وذلك عند مخالفة قواعد النظام الداخلي للمؤسسة، وفي حالة مخالفة المقتضيات المتصلة بالمحافظة على الصحة والسلامة.
وقد كان موقف المشرع المغربي، الذي كان يسمح بالاقتطاع من الأجر نظير عقوبات تأديبية، محل انتقاد الفقه المغربي ، الذي كان يؤخذ عليه عدم مراعاته للطابع الحمائي لقواعد قانون الشغل وللدور المعيشي للأجر. إلا أنه مع صدور مدونة الشغل الجديدة والتي استجابت إلى ذلك،عملت ضمن مستجداتها، على حذف العقوبات التأديبية ذات الطابع المالي، التي كان المشغل يتخذها إزاء الأجراء، وهذا ما كرسته المادتين 37 و38 من المدونة. وهو موقف محمود اتخذ المشرع من خلاله، نطاق الحماية القانونية للأجر، ولدوره الاقتصادي في حياة الأجير وحياة أسرته.
ثانيا – حماية الأجر ضد الضغط الاقتصادي للمشغل، وضمان استمراريته
أ ـ حماية الأجر ضد الضغط الاقتصادي للمشغل
قد يستغل المشغل بما له من نفوذ أدبي على أجرائه، فيفرض عليهم مباشرة، أو بصفة غير مباشرة، إنفاق مبلغ من الأجر الذي يتقاضوه، إما كليا أو جزئيا، في محل تجاري يملكه، أوله فيه مصلحة معينة. لذلك، وانطلاقا من الطابع الحمائي لقانون الشغل، وضمانا للدور المعيشي للأجر، وحق الأجير في التصرف في أجره كما يشاء، جاءت مدونة الشغل لتكرس ذلك في مادتها 392، حيث نصت صراحة على أنه يمنع على كل مشغل أن يلحق بمؤسسته مقتصدية يبيع فيها لأجرائه أو لذويهم، بضائع أو سلع، أيا كان نوعها، سواء كان البيع مباشرا أو غير مباشر، كما يمنع عليه أن يفرض على أجرائه، إنفاق كل أو بعض من أجورهم في المتاجر التي يشير عليهم بالابتياع منها، ويمنع عليه كذلك، أن يتولى بنفسه للأداء عن الأجراء، لدى الأشخاص الذين يتزود منهم هؤلاء، ما لم يتفق الطرفان كتابة على خلاف ذلك، مع ملاحظة أن هذا المنع لا يمتد إلى إمكانية الترخيص، وفق الشروط التي تحددا النصوص التنظيمية، بإنشاء مقتصديات في الأوراش، والاستغلالات الفلاحية، أو المقاولات الصناعية، أوفي المناجم، أو المقالع البعيدة عن مراكز التموين، وذلك إذا كان إنشاء هذه المقتصديات ضروريا للمعيشة اليومية للأجراء .
وإذا كان المشرع المغربي يمنع على المشغلين أن يلحقوا بمؤسساتهم أية مقتصديات، أو يبيعوا لهم بصفة مباشرة أو غير مباشرة، أية بضائع أو سلع، وذلك على النحو الوارد أعلاه، فإن هذا المنع يمتد قانونا ، إلى كل مشغل مسؤول داخل المقاولة، له نفوذ على الأجراء. ويمنع كذلك على هؤلاء المسؤولون، أن يبيعوا بصفة مباشرة أو غير مباشرة، لأجراء المقاولة التي يشتغلون فيها، ما قد يشترونه من مواد أو سلع، بنية تحقيق الربح. وفي حالة ما وقع النزاع حول ذلك، فالبينة على البائع في إثبات عدم حصوله على أي ربح من مبيعاته .
وعند مخالفة هذه المقتضيات، فإن المخالف سواء كان مشغلا أو مسؤولا في المقاولة، يعاقب بغرامة من 2000 إلى 5000 درهم، طبقا للمادة 394 من مدونة الشغل.
ب ـ ضمان استمرارية الأجر
من أهم هذه الحالات:
• حالات التغيبات القانونية التي نص القانون على استحقاق الأجر عنها، مثل تغيبات مندوبي الأجراء وممثليهم النقابيين في حدود المسموح بها، والتغيبات لأسباب عائلية.
• حالات العطل والأعياد والتي تصل إلى 13 يوما في السنة.
• الإجازة السنوية المؤدى عنها.
• ضياع الوقت بسبب خارج عن إرادة الأجير، مع بقاء هذا الأخير في مكان الشغل. غير أنه إذا تعذر على المشغل في القطاع الفلاحي توفير الشغل لأسباب جوية غير مألوفة، فالأجير الذي يبقى رهن إشارة المشغل طيلة الصباح وما بعد الزوال، يستفيد من أجرة نصف يوم إذا تعطل كامل اليوم، و 3/2 الأجرة إذا ظل عاطلا نصف اليوم فقط (المادة 347 ).
• الانقطاع عن العمل بسبب توقف المقاولة بسبب حكم قضائي، لعدم احترامها لمقتضيات وتدابير الصحة والسلامة (المادة 300).
الفقرة الثانية: حماية الأجر في مواجهة الدائنين الأغيار
سبق القول أن التشريع المغربي، وعلى غرار غيره من التشريعات المقارنة، يعطي للأجر حماية تكفل وصوله إلى الأجير، كاملا أو شبه كامل، فلا يمكن الانتقاص منه إلا في حدود ضيقة، وذلك مراعاة منه للطابع الحيوي للأجر وأيضا كونه مصدر رزق الأجير، ووسيلة عيشه الوحيدة في معظم الحالات، إن لم يكن في جميعها.
وإذا كان الأمر كذلك، فإننا نجد الفقرة الأولى من الفصل 488 من قانون المسطرة المدنية تنص على أنه “يمكن لكل دائن ذاتي أو اعتباري يتوفر على دين ثابت، إجراء حجز بين يدي الغير بإذن من القاضي، على مبالغ ومستندات لمدينه، والتعرض على تسليمها له”.
فهل يمكن إذن للغير الدائن للأجير، اللجوء إلى مقتضيات هذه الفقرة؟ وبعبارة أخرى، هل يمكن لدائن الأجير، أن يحجز على الأجر الذي في ذمة المشغل، ضمانا لاستيفاء دينه؟ أم أن الحماية القانونية للأجر، وطابعه الحيوي يحولان دون ذلك؟
إن تطبيق الفقرة الأولى من الفصل 488 من ق م م. وبكيفية مطلقة، سيؤدى لا محالة إلى زعزعة الوضع الاقتصادي والاجتماعي للأجير، فالأجر كما سبقت الإشارة، غالبا ما يكون هو وسيلة العيش الوحيدة للأجير ولأسرته. لذلك اتخذ المشرع من التدابير ما يكفل ويصون طابعه المعيشي، وذلك من خلال المادة 387 من مدونة الشغل، التي وان أجازت العجز على الأجور المستحقة للأجراء، وذلك مهما كان نوعها ومبلغها، وسواء كانت دينا لهم على مشغل أو أكثر، فإنها وضعت جدولا تصاعديا، حددت فيه مقدار المبالغ التي يجوز الحجز عليها من الأجر السنوي، وذلك على الشكل الآتي:
• جزءا من عشرين جزءا من الحصة التي تقل عن أربعة أضعاف الحد الأدنى القانوني للأجر، أو تعادل هذه النسبة.
• عشر الحصة التي تفوق أربعة أضعاف الحد الأدنى القانوني للأجر، وتقل عن ثمانية أضعاف الحد الأدنى القانوني للأجر، أو تعادل هذه النسبة.
• خمس الحصة التي تفوق ثمانية أضعاف الحد الأدنى القانوني للأجر، وتقل عن اثني عشر ضعفا للحد الأدنى القانوني للأجر، أو تعادل هذه النسبة.
• ربع الحصة التي تفوق اثني عشر ضعفا للحد الأدنى القانوني للأجر، وتقل عن ستة عشر ضعفا للحد الأدنى القانوني للأجر، أو تعادل هذه النسبة.
• لا حد بالنسبة للحصة من الأجر السنوي، التي تفوق عشرين ضعفا من الحد الأدنى القانوني للأجر.
ويمكن إضافة إلى الحجز على جزء من الأجر، حوالة حصة أخرى من الأجر، في حدود الحصة نفسها القابلة للحجز، وذلك مهما كان عدد الدائنين .
وإذا كان المشرع المغربي، قد حدد النسب من الأجر السنوي التي يجب عدم تجوزها، عند إجراء أي حجز على الأجر، فانه استثنى من ذلك النفقة في المادة 390، حيث إذا كانت النفقة المستحقة للزوجة طبقا لمدونة الأسرة واجبة الأداء شهريا، فإنه يلزم اقتطاع مبلغها بأكمله، كل شهر، من حصة الأجير التي لا يمكن حجزها، سواء سددت هذه النفقة عن طريق حجز ما للمدين لدى الغير، أو عن طريق حوالة الأجر.
ونشير إلى أنه، إذا كان يجوز الاقتطاع من أجر الأجير، سواء في إطار قواعد المقاصة، أوفي إطار حجز ما للمدين لدى الغير، وحوالة الأجور، فانه عند احتساب مبلغ الاقتطاع، يجب ألا يقتصر الحساب على الأجر الأساسي، بل يجب أن تدرج فيه كذلك توابعه ومكملاته من مكافآت وأرباح والمنافع العينية والتعويض عن الساعات الإضافية والإكراميات إذا كانت تُسلم من الزبون إلى المشغل. وهنا لا بد من التنبيه إلى أن الجزء القابل للحجز لا يطرح أي إشكال عندما يكون الأجر قارا حيث يمكن إخضاعه لجدول المادة 387 المشار إليه سابقا. لكن ما هو الموقف في الحالة التي يكون فيها الأجر الذي يخضع للحجز لدى الغير، غير قار ويتعرض للتغييرات بسبب ارتفاع أو انخفاض بعض العلاوات؟
للجواب عن هذه الإشكالية، يمكن الالتجاء في مثل هذه الحالة إلى تقسيم مختلف عناصر الأجر على 12 شهرا ابتداءا من توصل المحجوز لديه بالتبليغ بالحجز من كتابة الضبط . وهنا لا يخلو الأمر من احتمالين، فإما أن هذه الاقتطاعات تكفي لتسديد الدين، أو أنها لا تكفي، حيث يقوم المؤاجر بتحديد مدة أخرى تبتدئ من نهاية المدة الأولى وهكذا إلى نهاية الدين.
المطلب الثاني: حماية الأجر في مواجهة دائني المشغل
من المعلوم أن العمل في القطاعين الصناعي والتجاري، أو غيرهما، عمل غير مأمون، فقد يؤدي إلى الكسب، وقد يؤدي إلى الخسارة .فإذا صار المشغل معسرا، أو إذا دخل مرحلة التصفية القضائية، وكانت في ذمته أجور أو غيرها من المستحقات لحساب أجرائه، فان هؤلاء يصيرون دائنين له بهذه المستحقات التي لم تدفع لهم . فإذا طبقا للفصل 1241 من ق ل ع الذي يقرر القاعدة العامة التي تجعل أموال المدين ضمانا عاما لدائنيه، يوزع عليهم ثمنها بنسبة دين كل واحد منهم، فان من شأن تطبيق هذه القاعدة أن يستخلص الأجير الدائن مستحقاته، إلا أن الإشكال يطرح عندما يكون المشغل مدينا لدائنين آخرين غير أجرائه، حيث يتزاحم الأجير الدائن مع باقي الدائنين، مع احتمال عدم قدرة المشغل على سداد جميع الديون مما يعرض الأجير إلى خطر عدم حصوله على أجره، الأمر الذي تكون له انعكاسات سلبية على وضعه الاقتصادي والاجتماعي.
ويلاحظ أن وضعية الأجراء عرفت تحسنا ملحوظا في التشريع المغربي، سواء في إطار مدونة الشغل ‒ و هو موضوع دراستنا ‒ التي أصبحت تعطي للأجراء امتياز الرتبة الأولى، خروجا عن الترتيب المقرر في الفصل 1248 من قانون الالتزامات والعقود. أوفي إطار نظام صعوبات المقاولة الذي خص الأجراء بمجموعة من الامتيازات من بينها قاعدة عدم التصريح بالديون المنصوص عليها في مدونة التجارة، وهذا ما يفيد إمكانية المطالبة بديونهم مباشرة من رئيس المقاولة المدين أو من السنديك إن كان هو المسير، دون أن يكونوا معنيين بقاعدة وقف المتابعات الفردية ، استنادا إلى الطابع المعيشي للأجر.
لذلك سوف ندرس هذا المطلب المتعلق بحماية الأجر في مواجهة دائني المشغل في مدونة الشغل عند فتح مسطرة التصفية، وذلك في ضوء نصوص مدونة التجارة المتعلقة بنظام صعوبة المقاولة. ومن أجل الوقوف أكثر على مدى فعالية الضمانات القانونية لهذه الحماية، ارتأينا عرض موقف المشرع الفرنسي(الفقرة الأولى) قبل أن نستعرض موقف المشرع المغربي بخصوص الديون الناتجة عن عقد الشغل ومختلف الضمانات المرتبطة به (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: ديون الأجراء في التشريع الفرنسي
لقد أولى المشرع الفرنسي اهتماما خاصا لديون الأجراء ضمن مؤسسة معالجة صعوبة المقاولة، وذلك لتفعيل حق الشغل على مستوى الواقع وإيجاد توازن موضوعي بين القانون الاجتماعي والقانون التجاري، ومن بين هذه الجوانب التي تكفل حماية ديون الأجراء، أن هذه الأخيرة تحظى بامتياز عام على المنقولات والعقارات، ومن جهة أخرى تحظى بامتياز خاص وبامتياز الامتياز والذي يضمن لكل الأجراء الحق الفوري لأداء ديونهم.
فتأسيسا على الطابع المعيشي والاجتماعي للأجور فإنها تحظي في التشريع الفرنسي بامتياز عام، يرد على كافة المنقولات والعقارات المملوكة للمدين تطبيقا لمقتضيات الفصل 7-143 من قانون الشغل، غير أن هذا الامتياز الذي تعرض له المشرع الفرنسي لم يكن يقدم حماية كافية لمصالح الأجراء، لأنه يأتي في المرتبة الرابعة، وذلك بعد المصاريف القضائية ومصاريف الجنازة والمرض، ويصبح مسبوقا بامتياز الخزينة والامتيازات الأخرى في حالة وجودها. ولتجاوز تلك الثغرات التي تحد من حماية ديون الأجراء تدخل المشرع الفرنسي لإضفاء حماية أكثر عليهما، حيث أصبحت تحظى بامتياز خاص وبامتياز الامتياز والذي يضمن للأجراء الحق في الأداء الفوري لديونهم السابقة عند حكم فتح المسطرة، ويغطي أداء الأجور المستحقة عن 60 يوما عمل الأخيرة من الشغل داخل المقاولة، حيث يتم هذا الأداء خلال عشرة الأيام التي تلي صدور الحكم القاضي بفتح المسطرة ضد المقاولة المشغلة .
تتجلى إذن أهمية هذا الامتياز الخاص في إعطاء الأسبقية لديون الأجراء، عن طريق أدائها في اقرب وقت ممكن قبل أي دين آخر في حالة فتح مسطرة التسوية القضائية، كما أنه يغطي نفس الديون التي يضمنها الامتياز العام، وهو محدد كذلك من حيث الزمان، ويرد على العقار والمنقول على حد سواء، وذلك بخلاف ما هو عليه الحال في الامتياز العام الذي لا يرد على العقار إلا استثناءا.
وتأسيسا على ذلك يكمن القول أن ديون الأجراء تحظى بحماية خاصة وذلك استنادا الى طابعها المعيشي، حيث لا تخضع لمبدأ الآجال والتخفيضات، كما أنها لا تخضع لقاعدة التصريح بالديون أو تحقيقها، ولا تسري عليها قاعدة وفق المتابعات الفردية، حيث يمكنهم المطالبة بالأداء الفوري لديونهم وبالأولوية على باقي الديون الأخرى الممتازة أو المضمونة بامتيازات غير الرهن الحيازي، دون أن يكونوا معنيين بقاعدة المنع من أداء الديون السابقة وهو ما قد يؤثر سلبا على وعاء حق الأسبقية المعترف به للدائنين، الناشئة ديونهم بعد فتح المسطرة.
كما أن المشرع الفرنسي، استثنى بمقتضى المادة 40 من قانون 1985 الديون المضمونة بامتياز قانون الشغل، وجعلها مقدمة على غيرها من الديون، بما في ذلك الديون المترتبة على المقاولة أثناء فترة الملاحظة وإعداد الحل وكذلك في مرحلة التضحية القضائية، حيث تخطى بالأولوية في الأداء على تلك المشار إليها في المادة السابقة . ومعنى ذلك أن الدائنين التي تحددهم المادة 40، يتفوق عليهم الأجراء الذين متعهم المشرع الفرنسي بامتياز ممتاز.
وعليه، فان ديون الأجراء تحظى بالأولوية في الأداء قبل دائني المادة 40، إذ بوأها المشرع الفرنسي الدرجة الأولى ضمن الديون الواجبة الأداء، و هو ما يعكس لنا مدى الحرص الكبير الذي يوليه القانون الفرنسي لديون الأجراء في نطاق المساطر الجماعية،. ولم يقف المشرع الفرنسي عند حدود الامتياز السالف الذكر، وإنما وضع مجموعة من الضمانات القانونية والمؤسساتية التي تكفل استيفاء الديون المشمولة بذلك الامتياز. ولعل أهم هذه الضمانات تكمن في ضمان أداء جميع المبالغ المستحقة للأجراء يوم افتتاح المسطرة من طرف جمعية تدبير نظام التأمين على ديون الأجراء:
″ Association pour la gestion du régime de créance des salaires ″
ونظرا لأهمية هذا الضمان في الوفاء بديون الأجراء، عند عدم تغطية أموال المقاولة لهذه الديون، فقد مدده المشرع الفرنسي ـ أي الضمان ـ ليشمل جميع المبالغ المستحقة للأجراء، بما في ذلك التعويضات والفوائد المحتملة، والديون الناتجة عن توقف عقد الشغل وإنهائه….
وهكذا أصبح للمتصرف القضائي، الحق في أن يطالب هذا الجهاز بالمبالغ اللازمة لأداء الديون الخاضعة للامتياز الممتاز، في حالة عدم كفاية أموال المدين ـ المشغل ـ الخاضع لمساطر المعالجة للوفاء بتلك الديون، وهذا يعتبر مكسبا حمائيا، يتم بمقتضاه أداء المبالغ المستحقة يوم افتتاح المسطرة نظرا لطبيعتها الإنسانية والمعيشية.
والخلاصة التي نتوصل إليها هي أن الأجير في التشريع الفرنسي يوجد في وضعية مريحة، وأكثر حمائية تنافس جميع دائني المشغل، بما في ذلك دائني المادة 40 المشار إليها سابقا، وهو ما يؤثر فعليا على مركز الدائن اللاحق، وإذا كان هذا الوضع في القانون الفرنسي، فما هو موقف المشرع المغربي من ذلك؟ وإلى أي حد تمكن المشرع المغربي من حماية ديون الأجراء في مواجهة باقي الدائنين؟
الفقرة الثانية: ديون الأجراء في التشريع المغربي
لقد أولى المشرع الغربي اهتماما خاصا للأجور بالنظر إلى وظيفتها الاقتصادية والاجتماعية في حياة الأجير، بوضعه لمجموعة من الضمانات القانونية الرامية إلى حمايته وضمان أدائه لدوره المعيشي، خشية أن تؤدي القواعد العامة في الحجوزات والمقاصة إلى ضياعه كله أو بعضه، مما يساهم في زعزعة وضعه الاقتصادي، حيث جعل ديون الأجراء ديونا ممتازة، يمكن المطالبة بها بالأولوية على باقي الدائنين، غير أنه كثيرا ما يخضع المدين المشغل لمسطرة التسوية أو التصفية القضائية، ليثار التساؤل حول مدى تأثير هذه المساطر على ديون الأجراء؟ وما هي الحماية التي قررها المشرع الغربي لحماية ديون الأجراء؟ وما مدى نجاعة الآليات والقواعد التي اعتمدها المشرع لضمان أداء مستحقات الأجراء بعد صدور الحكم بفتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية في مواجهة المدين؟
لدراسة مدى نجاعة الامتياز والضمان المخول لفائدة الأجراء، سوف نتطرق أولا إلى تحديد طبيعة الديون المشمولة بالامتياز، ثم بعد ذلك دراسة حدود هذا الامتياز كوسيلة لحماية ديون الأجراء في مواجهة باقي الدائنين. كل هذا ـ كما سبق القول ـ من خلال نصوص مدونة الشغل مع الاعتماد على نصوص مدونة التجارة أيضا، نظرا لكون مسطرة معالجة صعوبة المقاولة، نظمها التشريع المغربي في مدونة التجارة. مع التأكيد منذ البداية على أن وضعية الأجراء في التشريع المغربي تعتريها مجموعة من النقائص والثغرات، ويرجع ذلك بالدرجة الأولى إلى غياب الانسجام بين نظام صعوبة المقاولة، ومدونة الشغل، سواء على مستوى المسطرة أو على مستوى الآثار المترتبة عليها .
أولا- طبيعة الديون المشمولة بالامتياز
قد يتعرض الأجير لخطر عدم حصوله على أجره في حالة خضوع المدين لنظام التسوية أو التصفية القضائية، الأمر الذي يرتب انعكاسات سلبية على وضعه الاقتصادي والاجتماعي. لذلك تدخل المشرع بإقراره لمجموعة من الآليات والضمانات القانونية الرامية إلى حماية الأجر وضمان أدائه لدوره المعيشي عن طريق تمتعيه بالامتياز على باقي الدائنين، ولا يقتصر الأجر في هذا الصدد على ما يؤديه المشغل نظير قيامه بالعمل المتفق عليه، وإنما يشمل كل ما يدخل الذمة المالية للأجير نظير قيامه بالعمل وبمناسبة، سواء أداه شخصيا أوأداه غيره من المتعاملين مع المحل الذي يشتغل فيه، وذلك أيا كان نوعه، وأيا كانت التسمية التي تطلق عليه، وأيا كانت الطريقة التي يتحدد بها، وكيفما كان شكل وطبيعة عقد الشغل.
وفي هذا الصدد ينص الفصل 1248 من ق ل ع على ما يلي:
” الديون الممتازة على كل المنقولات هي…:
1ـ… ………………..
2ـ… …………………
3ـ… ………………..
4ـ الأجور والتعويضات عن العطل المستحقة الأجرة، والتعويضات المستحقة بسبب الإخلال، بوجوب الإعلام بفسخ العقد داخل المهلة القانونية والتعويضات المستحقة عن الفسخ التعسفي لعقد إجارة الخدمات، وإما عن الإنهاء السابق لأوانه لعقد محدد المدة…..”
فقد كان المشرع المغربي إذن بموجب هذا الفصل يعتبر الأجر من الديون الممتازة، التي لها الأولوية في الاستيفاء على باقي الديون الأخرى، وبذلك يكون قد حد من حق دائني المشغل من مزاحمة الأجير في حالة إعسار المشغل، أو دخوله في مرحلة التسوية أو التصفية القضائية، اعتمادا على الامتياز العام المنصوص عليه في الفصل 1248 السابق الذكر.
غير أن هذا الامتياز لم يكن يحقق حماية حقيقية لديون الأجراء في حالة خضوع المشغل لنظام المساطر الجماعية ، وذلك بالنظر لطبيعته، لكونه يرد على المنقولات دون العقارات، ويشل فقط الأجور، وتعويضات الفصل الفجائي، دون باقي التعويضات الاجتماعية التي لها درجات أخرى، وإلى درجته ثانيا ثم إلى نطاقه الزمني، الذي يتحدد في الستة أشهر السابقة على وفاة المشغل أو”إفلاسه” أو توزيع أمواله. كما أنه يؤاخذ عليه، بأنه يتعطل بحقوق الامتياز الخاص الواردة على المنقول، وكذا حقوق الامتياز السابقة عليه من حيث الرتبة، في حين أن الأجر انطلاقا من طابعه المعيشي يجب أن يأتي قبلها.
ولتجاوز هذا النقص في الحماية، تدخل المشرع بمقتضى المادة 382 من م.ش، بتمتيعه للأجراء بامتياز الرتبة الأولى خلافا للفصل 1248 من ق.ل.ع، وذلك قصد استيفاء ما لهم من أجور وتعويضات في ذمة المشغل من جميع منقولاته، كما تكون التعويضات القانونية الناتجة عن الفصل من الشغل مشمولة بنفس الامتياز ولها نفس الرتبة الأولى. ثم أضافت المادة 382 من م.ش امتياز الرتبة الأولى في الاستيفاء على الأجور والتعويضات التي تكون في ذمة المشغل، وذلك بدون أي تحديد، مما يجعل الأولوية في الاستيفاء يشملها جميعها ومهما كان عدد الشهور المتأخرة في ذمة المشغل .
ولم تقف هذه الحماية على هذه المادة 382 فقط، وإنما امتدت إلى مواد أخرى، وهكذا نصت المادة 383 من م.ش على أن الأجراء الذين يشغلهم مقاول، أومن رست عليه صفات انجاز أشغال لها صفة الأشغال العمومية، هؤلاء الأجراء، يستفيدون من الامتياز الخاص المقرر في الفصل 490 من قانون المسطرة المدنية، و هو الامتياز الذي يخولهم استيفاء أجورهم أو تعويضاتهم عن العطلة المؤدى عنها بسبب تلك الأشغال، وذلك بصرف النظر عن تحويل أو حجز المبالغ المستحقة لذلك المقاول، أولمن رست عليه الصفقة.
كما نصت المادة 384 على أن الأجراء الدين يشغلهم مقاول في البناء، أو أي عمل آخر يقع بالمقاولة، يحق لهم إقامة دعوى مباشرة على من أجري العمل لصالحه، وذلك في حدود ما عليه للمقاول المشغل من ديون، وذلك وفق الشروط الواردة في الفصل 780 من ق.ل.ع، ومن ضمنها قيام أي من الأجراء بإجراء حجز صحيح على أموال من أجري العمل لصالحه.
يتضح إذن، أن وضعية الأجراء عرفت تحسنا ملموسا بعد صدور مدونة الشغل مقارنة مع ما كان عليه الوضع في السابق، سواء على مستوى رتبة الامتياز أو على مستوى نطاقه، بحيث أصبح يشمل جميع الأجور والتعويضات التي تكون في ذمة المشغل، بدون أي تحديد ومهما كان عدد الشهور المتأخرة في ذمة المشغل، الأمر الذي يفرض التساؤل حول مدى نجاعة هذا الامتياز كوسيلة لحماية ديون الأجراء في مواجهة دائني المادة 575 من مدونة التجارة؟
ثانيا: حــدود الامتيــاز كوسيـلة لحماية ديـون الأجـراء
رغم الحماية التي يكفلها المشرع المغربي لديون الأجراء، التي أصبحت تتمتع بقاعدة الامتياز بمقتضى المادة 382 م. ش، فإنها لم ترق إلى المستوى المطلوب، مقارنة مع ما هو ساري التطبيق في القانون الفرنسي الذي جعل ديون الأجراء تتمتع بامتياز الامتياز، الذي يضمن لهم الحق في الأداء الفوري لديونهم السابقة على حكم فتح المسطرة، وبالأولوية حتى على الدائنين اللاحقين حسب ما نصت عليه المادة 40 من القانون الفرنسي لسنة 1985.
فالملاحظ أن المشرع المغربي لم ينص على أي استثناء في المادة 575 من مدونة التجارة، تصبح بموجبه ديون العمال مـقـدمة عـلـى غـيـرها مـن الـديـون، رغـم طابعها المعيشي. فرغم أن الامتياز المنصوص عليه في المادة 382 من مدونة الشغل، يعطي للأجراء الحق في استيفاء ديونهم الناتجة عن عقد العمل بالأولوية على باقي الديون الأخرى في حالة التزاحم، فإن هذا الامتياز يفقد نجاعته و فعاليته إثر خضوع المشغل / المدين لمسطرة التسوية أو التصفية القضائـية، وذلك نظرا لغياب الآليات والضمانـات القانونية التي تضمن له حماية فعلية في مواجهة دائني المادة 575 م ت، هذه المادة التي تنص على أنه: ” يتم سداد الديون الناشئة بصفة قانونية بـعـد صدور حكـم فتح التـسوية بالأسـبـقـيـة عن كل ديون أخرى، سواء كانت مقرونة أم لا بامتيازات أو بضمانات “. وبذلك يكون المشرع قد تخلف عما هو سائد في القانون المقارن بتخصـيـص ديون العمال بامتياز الدرجة الأولى أو بامتياز الامتياز – حسب تعبير المشرع الفرنسي- في إطار صعـوبات المقـاولة، فرغـم إعـفاء الأجراء من قاعدة التصريح بالديون، فـإن آثـار هـذا الإعـفـاء تبقـى محدودة، بحيث لا يؤدي إلى الإعفاء من التحقيق، إذ يمكن للقـاضـي الـمـنـتـدب إما قبول الدين أو رفضه، كما أن المشـرع المغربي لا يستثني صراحة طائفة الأجراء من مبدأ الآجال والتخفيضات التي قد تلحق بديون الدائنين كما فعل نظيره الفرنسي، وقد كان بالإمكان التخفيف من هذه الآثار والأحكام التي لا تنسجم مع الطابع المعيشي والاجتماعي للأجور، لو سمح المشرع للأجراء بالحق في ممارسة المتابعات الفردية، بخصوص الديون السابقة ــ كما هو الشأن لنظيره الفرنسي ــ فيسمح للأجراء بإمكانية ممارسة الدعاوي أو مواصلتها، للمطالبة بحقوقهم الناتجة عن عقد العمل، كما أنه لوتم التنصيص على استثناء ديون الأجراء من قاعدة المنع من أداء الديون السابقة كما هو الشأن للقانون الفرنسي، لأمكنها التأثير على الضمان العام المخول للدائنين، الناشئة ديونهم بعد فتح المسطرة.
والحقيقة أن المشرع المغربي لم تكن له الجرأة ليوضح موقع ديون الأجراء ضمن قاعدتي المنع من أداء الديون السابقة ووقف المتابعات الفردية، وإن كانت طبيعة تلك الديون تستوجب استبعادها فعلا، لأن تطبيق تلك القواعد والأحكام على الأجير قد تكون له آثار وخيمة عـلـى وضعيه الاقتصادي والاجتماعي. بل أكثر من ذلك كـان علـى المشرع أن ينص على استـثـنـاء ديـون الأجـراء من المادة 575 م ت، فإذا كان مـن المقبول فرض تضحيات على الدائنـيـن السابقين، فإنه ليس من المعقول والعدل فرض نفس التضحيات على ديون الأجراء الناشـئة قـبل فتح المسطرة.
هذا، إضافة إلى أنه يلاحظ غياب أية هيئة أو جهاز لتأمين الديون الناشئة عن عقد العمل في حالة خضوع المشغل لمسطرة التسوية أو التصفية القضائية وعدم وجود الأموال اللازمة لتغطية ديون الأجراء.
وتأسيسا على ما سبق، نستطيع القول بأن الامتياز المخول للأجراء في التشريع المغربي، ليس وسيلة مثلـى لـحمـاية الديون الـناتـجـة عن عقـد العمل، رغـم طبيعتها المعيشية والحيويـة بالنسـبـة للأجير، الأمر الذي يجعل الضمانات الممنوحة للأجـراء بمقتضى مدونة الشغــل تفقـد نجاعـتها أو فعاليتها في حالة خضوع المشغل لنظام المساطر الجماعية.
لذلك حبذا لو أن المشرع المغربي أخذ بالضمانات التي سنها المشرع الفرنسي عوض بثرها في غياب حماية حقيقية للأجراء.
الفصل الثاني:حقوق الأجير في إطار علاقات العمل
يعتبر الحق في الشغل من أهم الحقوق الأساسية المضمونة في الدستور المغربي، لذلك جاءت مدونة الشغل لتكرس وتحمي هذا الحق، وذلك بهدف حماية الاقتصاد الوطني، والمساهمة في تطوير وتنظيم علاقات الشغل على أسس متينة ومتوازنة، تحقيقا لاستتباب السلم الاجتماعي الأمر الذي انعكس إيجابا على سوق الشغل، عن طريق إتاحة فرص الشغل لجميع المواطنين دون تمييز بينهم، سواء كانوا من فئة المعاقين أو من فئة الأحداث أو من فئة النساء أو كانوا أجراء راشدين. حيث عمل المشرع المغربي ـــ من خلال مدونة الشغل ـــ على سن قواعد تضمن حق الشغل لفائدة جميع المواطنين ودون تمييز.
فإذا كان الشغل من حق الجميع فإنه لا يمكن بأية حال إقصاء أية فئة من هؤلاء بسبب الإعاقة أو بسبب صغر السن، طالما أنها تتوفر فيها كل الشروط المطلوبة والكفاءة المنهية لأداء العمل، لذلك نجد المشرع قرر حماية خاصة لكل من الأحداث والمعاقين (المبحث الأول)، من أجل حمايتهم من الاستغلال الذي قد يتعرضون له بحكم وضعيتهم بعد ولوجهم سوق الشغل. فلا يمكن أن يقوم جميع الأجراء بالعمل بكيفية متساوية، بل لا بد من “لكل مقام مقال”، فالأجير الحدث أو المعاق يجب أن يحظيا بمعاملة خاصة تتناسب ووضعيتهما، كما يجب حمايتهما من كل خطر يهددهما.
ونفس الشيء بالنسبة للمرأة العاملة (المبحث الثاني) إذ قرر لها المشرع حماية خاصة بها، فبالرغم من تساوي الحظوظ في فرص الشغل وفي الأجور عملا بالمبدأ القائم “النساء شقائق الرجال في الأحكام”، إلا أنه ونظرا لخصوصية التكوين الجسدي للمرأة، الذي لم يكن ولن يكون سببا للحؤول دون القيام بواجباتها والتزاماتها التي قد تفوق أحيانا التزامات الرجل، فإن المشرع جاء بنظام قانوني خاص بالمرأة العاملة حتى يتيسر لها التوفيق بين حياتها المهنية وحياتها الخاصة العائلية.
وإذا كانت المدونة قد قررت حماية الأجير وهو يزاول عمله، فإنها أيضا تولت حمايته حتى بعد انتهاء عمله، خصوصا إذا تم إنهاؤه بصفة بكيفية تعسفية، وهو ما يعرف بالطرد التعسفي (المبحث الثالث). حيث أوجبت له تعويضا عن كل ما يصيبه من ضرر بما في ذلك التعويض عن الفصل من العمل، والتعويض عن الضرر بسبب الفصل، إضافة إلى التعويض عن مهلة الإخطار وأيضا عن فقدان الشغل.
المبحث الأول: تشغيل الأحداث و المعاقين
إذا كان أساس علاقات الشغل هو عقد الشغل، وإذا كان هذا الأخير في الماضي هو الضابط الوحيد لحكم وتنظيم علاقات الشغل وفق القواعد العامة التي تجعل العقد شريعة المتعاقدين، فإنه مع تطور هذه العلاقات وتدخل المشرع لإعادة التوازن إليهما، لم تعد علاقات الشغل محكومة فقط بعقد الشغل، وإنما أصبحت هناك مقتضيات قانونية كثيرة، تحكمها وتنظما منذ إنشائها وإلى أن تنتهي، الأمر الذي تراجع معه ذلك الدور البارز الذي كان يقوم به العقد في علاقات الشغل لفائدة هذه المقتضيات القانونية، التي صارت تشكل نظاما خاصا لحكم ولضبط علاقات الشغل، حيث يتعلق بمجموعة من المواضيع التي كان الأجراء فيما قبل يخضعون من خلالها لعدة تعسفات من قبل المشغلين، وذلك تحت ستار مبادئ الحرية الفردية، لا سيما مبدأ سلطان الإرادة، لهذا فإن نظام الشغل يهدف أساسا إلى إلزام المشغلين باحترام الحد الأدنى من الحقوق الخاصة بالطبقة الشغيلة المنصوص عليها قانونا، وذلك مثل تحديد ساعات العمل والراحة الأسبوعية و العطلة السنوية المؤدى عنه، والسن الأدنى للقبول في الشغل والحد الأدنى للأجور، إلى غيرها من الحقوق.
وإذا كان ممارسة الشغل في ظل الأوضاع القانونية السابقة عن مدونة الشغل، أن تنقلب من حق أو حرية، يمكن ممارستها أو عدم ممارستها، إلى التزام قد يقع على الأجير القادر عليه، فإن مدونة الشغل، في إحدى مستجداتها، قد منعت تسخير الأجراء قهرا أو جبرا، كما أن التشريعات المقارنة، ومع إقرارها بالحق أو بالحرية في مجال الشغل التابع، فإنها تضع قيودا على ممارسته، تهدف إلى حماية بعض الفئات، إما بمنعهم مطلقا من الشغل دون سن معينة، أو بوضع ضوابط لا يمكن السماح بالشغل بدون مراعاتها .
وبذلك فإن مبدأ حرية الشغل، لم يبق كما كان عند بدأ تقريره، فمعظم الدول تدخلت لاعتبارات مختلفة، وفرضت قيودا عليه ترمي إلى حماية شخص الأجير، وتتعلق بتشغيل الأحداث والمعاقين والنساء، مع ملاحظة أنه ورغم هذه القيود تظل حرية الشغل وحرية التعاقد هي الأساس.
وهنا نتساءل، إلى أي مدى تمكن المشرع المغربي من فرض حماية خاصة للحدث وللمعاق؟
وللإجابة عن هذه الإشكالية، سوف نتطرق إلى المقتضيات القانونية التي قرر من خلالها المشرع حماية خاصة بهذه الفئة؛ ونظرا لاختلاف واستقلالية كل من المقتضيات الواردة في مدونة الشغل الخاصة بحماية الحدث (الفصول من 143إلى151)، عن تلك التي تحمي المعاقين (الفصول من166 إلى 171)، ارتأينا تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين: نتناول في الأولى تشغيل الأحداث، إلى أن نتطرق في المطلب الثاني إلى تشغيل المعاقين.
المطلب الأول: تشغيل الأحداث
لقد تفاقمت ظاهرة تشغيل الأحداث في الدول النامية بشكل كبير، والتي يمكن إرجاعها إلى عدة عوامل ساهمت في اقتحام العديد من الأحداث لعالم الشغل، وذلك نتيجة فقدان الأسرة لمن يعيلها أو تفككها، إضافة إلى عوامل الفقر والنزوح من الأرياف إلى المدن وتعمق ظاهرة التسرب المدرسي وانسداد الأفق الأسري، أمام الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها الدول النامية وسياسات إعادة الهيكلة والتي أثرت على الوضعية الاقتصادية والاجتماعية لهده الدول، مما أدى إلى ظهور العديد من الظواهر السلبية. فلقد استفحلت ظاهرة تشغيل الأطفال، مما يشكل عائقا أمام النمو الطبيعي للطفولة سواء من الناحية النفسية أو الجسمانية طبقا للمعاير التي تتحدث عنها المنظمات الدولية ذات الصلة.
ولقد عملت السلطات العمومية والمنظمات الدولية على البحث عن أفضل السبل للحد من هذه الظاهرة، التي تحولت إلى واقع يومي حيث يختلط فيها ما هو تشريعي مع ما هو اقتصادي واجتماعي، خاصة وأن تطبيق التشريعات المتعلقة بتشغيل الأحداث تبقى من الصعوبة بمكان، نظرا للتداخل السابق ذكره فبالرغم من وجود تشريعات جيدة لمحاولة السيطرة على هذه الظاهرة واحتوائها، لكنه من الناحية العملية من الصعوبة إعمالها نظرا للصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها العائلات، التي تدفع بأطفالها إلى سوق العمل مبكرا خاصة وأن التحولات الدولية التي يعرفها الاقتصاد العالمي عدلت أيضا من موقع عمل الأحداث حيث ظهرت أشكال جديدة من الاستغلال مما يستوجب إستراتيجية جديدة ووسائل فعالة لاحتواء الظاهرة. وتبقى الاختلالات الهيكلية الناجمة عن تردي الأوضاع الاقتصادية من أهم العوامل المؤدية إلى تردي الأوضاع الاجتماعية في معظم البلدان العربية، مما يزيد من هول ظاهرة عمالة الأطفال والدفع بهم إلى سوق الشغل في سن مبكرة2.
وفي المغرب، أصبحت قضية تشغيل الأطفال تؤرق بال مختلف الفاعلين، خصوصا بعد مصادقة المغرب على اتفاقية حقوق الطفل1993 ، والاتفاقية الدولية للعمل 138 بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام سنة 2000 واتفاقية منظمة العمل الدولية 182 بشأن أسوأ أشكال عمل الأطفال سنة 2001 ، فجاءت مدونة الشغل الجديدة لتكرس هذه المبادئ والضمانات الدولية المتعلقة بحماية الطفل في عالم الشغل سواء قبل ولوجه إلى سوق العمل، بفرض حدود دنيا للسن وتنظيم بعض شكليات ولوجه إلى هذا السوق. أو بعد ولوجه للعمل، وذلك بتنظيم ظروف العمل بما يتناسب وظروف هذه الفئة من المستخدمين التي لم يكتمل بعد نضجها البدني والعقلي.
وقبل التطرق إلى مظاهر حماية الحدث في مدونة الشغل، سنقف عند بعض الإحصائيات الصادرة عن منظمة الشغل الدولية لنستشف منها عمق الآفة ومدى خطورتها.
ففي الوقت الذي يزداد فيه سكان العالم ليفوق ستة آلاف مليون نسمة، فإن أول الضحايا للنتائج الاقتصادية هم الأطفال الصغار الذين يصل عدد العاملين منهم إلى ما يفوق 250 مليون طفل، معظمهم من البلدان النامية، تتراوح أعمارهم بين السادسة والخامسة عشرة، يعملون ساعات طويلة مقابل أجور هزيلة، وفي ظل ظروف مؤذية بصحتهم. وكذلك تدل الإحصائيات الصادرة دائما عن منظمة العمل الدولية على أن 11% من إجمالي سكان العالم الثالث ممن تتراوح أعمارهم بين العاشرة والرابعة عشر، يعملون بشكل منتج اقتصاديا، وتتراوح النسب في الأقطار فرديا من 1.4% إلى 25%، حيث تتمثل أعلى نسبة في إفريقيا وآسيا، تتلوهما أمريكا اللاتينية
ويكشف أحدث تقرير لمنظمة العمل الدولية عن 13 مليون طفل عامل في الدول العربية، تأتي منطقة المغرب العربي في الصدارة بـ 6.2 مليون طفل .
ويشهد الوسط القروي في المغرب أعلى معدل في تشغيل الأطفال، بنسبة تصل إلى 84% من مجموع الأطفال، بينما لا تتجاوز هذه النسبة في الوسط الحضري %16. وتكشف الإحصائيات الواردة في البحث الوطني حول التشغيل، الذي أنجزته وزارة التشغيل بالتعاون مع البرنامج الدولي للقضاء على تشغيل الأطفال، أن النسب المئوية للأطفال القرويين في العمل وفي المدرسة وممن لا نشاط لهم تبلغ على التوالي91 في المائة و57 في المائة. وحسب التقرير 82 لمنظمة هيومن رايتش ووتش HUMAN RIGHTS WATCH، فإن عمل الطفل يتسم بكونه «ظاهرة قروية بالأساس» تلقي بأثرها على 19% من أطفال القرى في السن المتراوحة ما بين 7 و 14 سنة .
ولا شك أن هذه الإحصائيات ـــــ وإن كانت تقديرية ـــــ يعطي هذه الظاهرة الخطيرة حجمها الحقيقي، مما يتطلب العمل بجدية للقضاء عليها تدريجيا، خصوصا وأن القضاء عليها لا يتوقف على ردع تشريعي بقدر ما هو مرتبط بحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها هؤلاء الأطفال وأسرهم التي تدفعهم لدخول عالم الشغل في سن جد مبكرة.
وبمصادقة المغرب على الاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق الطفل لسنة 1989 ، باستثناء التحفظ الذي قدمه بخصوص عدم إمكانية تغيير الطفل لدينه، وبالإضافة إلى غيرها من الاتفاقيات الصادرة عن منظمتي العمل الدولية والعربية، تفرض عليه، ليس فقط ملاءمة قوانينه للأعراف والاتفاقيات الدولية والمصادقة عليها، وإنما أيضا العمل على وضع خطة عمل تحقق الحماية الفعلية للطفل المغربي.
فإلى أي حد إذن استجاب المشرع المغربي للمعايير الدولية والعربية بخصوص تشغيل الأحداث؟ وهل تمكن من تقرير حماية فعلية للحدث في مدونة الشغل؟
ذلك ما سنحاول الإجابة عليه من خلال التطرق إلى سن التشغيل والأشغال المحظورة على الأحداث (الفقرة الأولى)، ثم إلى تنظيم وقت العمل والفحص الطبي للأحداث (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: سن التشغيل والأشغال المحظورة على الأحداث
إذا كان التشريع الدولي يحدد مفهوم الطفل انطلاقا من عامل السن، أي عدم بلوغه سن الثامنة عشر، فإن التشريع المغربي في تحديده لمفهوم الطفل أو كما يصفه في النصوص القانونية بالحدث، يحيطه نوع من الغموض، خاصة وأن هناك تنازع بين المادة الاجتماعية والمادة المدنية والمادة الجنائية، فالقاعدة العامة في مدونة الأسرة أن الإنسان يمر من وقت ولادته إلى حين وفاته بثلاث مراحل أساسية، يحدد القانون بداية كل مرحلة، حيث تكون الأهلية منعدمة من وقت الولادة إلى سن الثانية عشر، وتكون ناقصة من السنة الثانية عشر حتى بلوغ ثمانية عشر سنة شمسية كاملة، لتكتمل بعدها.
لكن هذا المفهوم الذي قدمه، يختلف عنه في القانون الجنائي. فالصغير الذي يقل عمره عن 12 سنة يكون فاقدا للتمييز، وبالتالي لا يمكن مساءلته جنائيا، أما الذي يبلغ عمره 12 سنة ولم يكمل 16 سنة فيعتبر ناقص الأهلية، أما إذا كان يزيد عمره عن 16 سنة فإنه يعتبر كامل المسؤولية الجنائية.
أما في المادة الاجتماعية، فقد جاءت مدونة الشغل الجديدة، بتغيير نوعي فيما يتعلق بتحديد السن القانوني للشغل أي الأهلية اللازمة لإبرام عقد الشغل، واضعة حدا للمقتضيات المتعددة التي كانت تنظم سن التشغيل في القانون السابق من خلال مجموعة من الظهائر.
حيث نص القانون الجديد على سن 15 سنة كمبدأ عام في السن القانوني للتشغيل، وذلك من المادة 143 التي نصت على “لا يمكن تشغيل الأحداث ولا قبولهم في المقاولات أو لدى المشغلين قبل بلوغهم سن 15 سنة كاملة”.
بل إن المشرع المغربي ذهب بعيدا عندما منع تشغيل الأحداث دون السادسة عشر في أي شغل ليلي . والشغل الليلي يقصد به في النشاطات غير الفلاحية، كل شغل يؤدى فيما بين الساعة التاسعة ليلا والسادسة صباحا، أما الشغل الليلي في النشاطات الفلاحية فيقصد به الشغل المؤدى بين الساعة الثامنة ليلا والخامسة صباحا. غير أن هناك بعض الاستثناءات والتي ذكرتها المادة 173 من مدونة الشغل في حالة وجود نشاط موسمي أو أن يكون العمل منصبا على استعمال مواد أولية أو مواد في طور الإعداد أو استخدام محاصيل زراعية سريعة التلف أو لوجود ظروف استثنائية، لكن كل ذلك مرهون بترخيص من مفتش الشغل أو لوجود قوة قاهرة طبقا للمادة 175 من مدونة الشغل. غير أن المشرع استدرك الأمر وأعطى إمكانية عدم الالتزام بالمادة 172 والمتعلقة بمنع تشغيل الأحداث دون السادسة عشر في أي شغل ليلي، عندما رخص للمشغل بمخالفة هذه المادة وذلك لتفادي حوادث وشيكة الوقوع أو لتنظيم عملية النجدة أو إصلاح خسائر لم تكن متوقعة، شريطة إشعار مفتش الشغل بذلك.
وبهذا يكون المشرع المغربي قد حقق انسجاما مع الاتفاقيات الدولية خصوصا الاتفاقية رقم 138 الصادرة عن منظمة العمل الدولية والمتعلقة بالحد الأدنى لسن الاستخدام في جميع القطاعات، ومن جهة أخرى مع السن المحددة في القانون المغربي بخصوص إجبارية التعليم التي حددها ظهير 19 ماي 2000 من سن السادسة إلى سن الخامسة عشر، ومما يحسب من حسنات مدونة الشغل الجديدة بخصوص سن التشغيل أنها لم تتضمن أي استثناءات تبيح تشغيل الأطفال دون هذا الحد الأدنى الأساسي لسن القبول في العمل .
وفي المقابل فإن المدونة حددت بعض القيود التي ترد على الحد الأدنى الأساسي للشغل، حيث رفعت من هذا الحد كلما تعلق الأمر بأعمال قد لا تتناسب والقدرات الصحية للحدث، أو التي قد يكون لها تأثير سلبي على أخلاقهم، في إطار ما سماه بعض الفقه بــ”التشغيل المعلق على إذن”، حيث نصت المادة 145 على “يمنع تشغيل أي حدث دون الثامنة عشر، ممثلا أو مشخصا في العروض العمومية المقدمة من قبل المقاولات التي تحدد لائحتها بنص تنظيمي دون إذن مكتوب يسلمه مسبقا العون المكلف بتفتيش الشغل بخصوص كل حدث على حدة وذلك بعد استشارة ولي أمره”.
وهكذا يمنع تشغيل الأحداث دون الثامنة عشر سنة في العروض العمومية على اعتبار أن مثل هذا التشغيل قد يشكل خطرا على صحة الأطفال واستغلالهم، إلا إذا حصل المشغل على إذن مكتوب من مفتش الشغل والذي له الحق في أن يطلب من مأموري القوة العمومية التدخل لمنع إقامة ذلك العرض بعد إحاطة النيابة العامة علما بذلك. وللإشارة فإن المشرع قد قام بإصدار المرسوم المحدد للائحة المقاولات التي يمنع فيها تشغيل الأحداث دون الثامنة عشر كمشخصين أو ممثلين في العروض العمومية بتاريخ 29 دجنبر 2004 .
يتضح إذن أن تشريع الشغل الجديد بالمغرب قد عمل جاهدا لأن يجعل مقتضياته متطابقا مع المعايير الدولية فيما يخص السن القانوني للشغل، وهذا ما تبين لنا من خلال الفصول السابقة ذكرها، مقارنة مع بعض القوانين أخرى، كالقانون الفرنسي الذي حدد سن التشغيل في 16 سنة كمبدأ، و14 سنة للقيام ببعض الأعمال الخفيفة، وكذا مصر التي حدد سن التشغيل في 14 سنة.
وبخصوص الأشغال المحظورة على الأحداث، فقد خصصت المدونة المواد من 179 إلى 183 للحديث عن الأطفال الممنوعة على الأحداث سواء بسبب طبيعتها الخطيرة على الأطفال أو حتى الأعمال التي يمكن أن تشكل استغلالا لبراءتهم، فالمدونة حذرت من تشغيل الأطفال دون سن الثامنة عشر سنة، في المقالع وفي الأشغال الجوفية التي تؤدى في أغوار المناجم وكذا الأشغال التي قد تعيق نموهم أو تفاقم إعاقتهم في حالة وجود أشخاص معاقين أو تفوق طاقاتهم أو يترتب عن هذه الأشغال ما قد يخل بالآداب . هذا ما يستجيب مع المادة 38 من الاتفاقية رقم 138 المتعلقة بالحد الأدنى لسن الاستخدام.
والملاحظ أن المشرع وبغية ردع المشغلين الذين يخرقون المقتضيات التشريعية المتعلقة بحماية الأحداث نص على مجموعة من العقوبات الزجرية، تتراوح بين أداء غرامة 300 و500 درهم وجعلت هذه العقوبات متكررة لتعداد الأجراء الذين لم يراعى في حقهم هذا المنع على ألا يتجوز مجموع الغرامات مبلغ 20.000 درهم.
والحقيقة أن جهاز تفتيش الشغل، بالرغم من الترسانة القانونية الموجودة والتي يمكن إعمالها للضغط على المشغلين لإجبارهم على الامتثال لتشريع الشغل، عبر تحرير محاضر يتم إحالتها على المحكمة المختصة أخذا بعين الاعتبار قيمة هذه الغرامات التي ارتفعت مع مدونة الشغل الجديدة والتي يمكن أن تحد من هذه الظاهرة.
لكن السؤال الذي يبقى من مطروحا هو، هل إعمال هذه الآليات القانونية وحده يكفي للتخفيف من هذه المعضلة؟ خاصة وأن هذه الظاهرة يختلط فيها الجانب القانوني مع الجانب الاجتماعي. فما هو البديل الذي يمكن أن يقدمه هذا الجهاز عندما يقدم على سحب الأجير الحدث من سوق الشغل ؟ خاصة وأن فئات كثيرة من الأطفال تعيل عائلاتها نتيجة العوز والفقر! لهذا فإن هذه الظاهرة لا يمكن احتواؤها إلا بالقضاء على الأسباب الحقيقية التي دفعت هذه الفئات لولوج عالم الشغل، بالرغم من آثاره السلبية على نمو وصحة الطفل نفسيا وجسميا. هذه الأسباب مرتبطة في أغلبها بالمستوى الاقتصادي والاجتماعي التي تنحدر منه هذه الفئات.
بل وحتى وإن تم سحب هؤلاء الأطفال من عالم الشغل بوسيلة أو بأخرى، ما هي البدائل المتاحة لتعليمهم وإنقاذهم من الاستغلال الممارس عليهم؟ كما أن عائلاتهم التي ترتكز على عائدات أبنائها في معيشتها ما هي مواردها البديلة إذا عاد أبناؤها إلى مقاعد الدراسة؟
لهذا فإن الطريقة الفعالة لحماية الأحداث، لا تستوجب فقط تدخل المشرع ـــ رغم أهميته ـــ في وضع الإطار القانوني للحماية القانونية، بل يمكن من خلال التنمية الاقتصادية المستدامة أن تساهم في الرفع من الجانب الاجتماعي للعديد من العائلات الفقيرة والتي ما كانت لتدفع بأطفالها إلى عالم الشغل، لولا الحاجة وقلة الموارد المالية.
ومادمت ظاهرة تشغيل الأحداث أصبحت واقعا يوميا لا يمكن القضاء عليه مرة واحدة، وإنما الأمر يقتضي التقليص منه تدريجيا في إطار اختيارات اقتصادية جريئة للحد من الفقر والحاجة، وذلك بجعل التعليم إجباريا وتقديم إعانات لإعانة أولياء الأطفال.
الفقرة الثانية: تنظيم وقت العمل والفحص الطبي
إذا كانت المدونة قد كرست مبدأ المساواة في مدة العمل بين الأجير الحدث والأجير الراشد فإنها قامت بالتمييز في مدة العمل بين القطاعات الفلاحية والقطاعات غير الفلاحية، حيث حددت مدة العمل في القطاعات الأولى في 2496 ساعة عبر السنة موزعة حيث المتطلبات الضرورية للمزروعات، وفي القطاعات الأخرى غير الفلاحية حددت مدة العمل العادية في 2288 ساعة سنويا أو 44 ساعة في الأسبوع، شريطة أن لا تتجاوز مدة العمل العادية 10 ساعات في اليوم .
وهو ما يعتبر تراجعا من المشرع المغربي على المكتسبات المحققة في ظل تشريع الشغل السابق الذي كان يحدد مدة العمل في ثمان ساعات في اليوم، وهو في نفس الوقت عدم احترام للمقتضيات المنصوص عليها في الاتفاقيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية ، في الوقت الذي حدد فيه المشرع الفرنسي مدة العمل اليومي للأحداث العاملين في ثمان ساعات لا ينبغي أن تتعدى فيها مدة العمل المتواصل للحدث أربع ساعات ونصف مع الاستفادة من راحة يومية محددة في 30 دقيقة يومية (المادة 212 من قانون الشغل الفرنسي) .
وبالرجوع لنصوص المدونة نجدها قد حددت مجموعة من الاستثناءات التي ترد على مدة العمل .
إذا كانت المدونة قد قررت إمكانية تجاوز مدة الشغل القانونية بالنسبة لبعض الأوضاع التي تعرفها المقاولة، وذلك في حدود 12 ساعة في اليوم كحد أقصى، وقد قرر بالمقابل أن هذا الاستثناء لا يطبق في حق الحدث الذي لا يتجاوز سنه 18 سنة أو 16 سنة في بعض الأشغال حسب ما نصت عليه المادة 191.
إذا كان عدم تمتيع الأجير الراشد بالعطلة السنوية، يخول له تعويضا يساوي حسب الأحوال يوما ونصف، أو يومين على كل شهر فإن الأجير الحدث يستحق تعويضا يساوي أجر يومين عن كل فترة 26 يوم من الشغل الفعلي.
وهكذا يلاحظ أن المشرع المغربي لم يستجب إلى نداءات منظمة العمل الدولية لتخفيض مدة الشغل إلى 40 ساعة أسبوعيا أو حتى على مستوى تحديد ساعات العمل اليومية في 8 إلى 10 ساعات، لكن في المقابل وبإقراره للاستثناءات السابقة حاول المشرع المغربي وضع مقتضيات أكثر حماية للأحداث أقل من 16 سنة.
لكن ما يؤخذ على المشرع المغربي في مثل هذه الحالة عدم تحديده للجهة التي سيعهد إليها تقرير هذه الاستثناءات .
أما بخصوص الفحص الطبي، فقد جاءت مدونة الشغل بمجموعة من المقتضيات المستجدة في مجال الصحة والسلامة خصوصا بالنسبة للفئات الخاصة من الأجراء (المرأة، المعاق، الحدث…)، وبخصوص هذا الأخير يمكن ملاحظة أهم مستجد في هذا المجال والمتمثل في تمديد الحماية الصحية للحدث إلى سن الثامنة عشر بدل الاقتصار على السن القانوني للشغل ، حيث رفعت المدونة من السن التي يمكن من خلالها لمفتش الشغل أن يطلب عرض الأجراء الأحداث على طبيب عمومي من أجل التحقق من أن الشغل الذي يقوم به الحدث لا يفوق طاقته إلى 18 سنة في الوقت الذي كان ينص فيه قانون الشغل السابق على هذا الإجراء ما بين 12 و16 سنة. لكن ما يلاحظ هو أن المشرع المغربي لم ينص على عرض الأحداث من أجل الخضوع لهذه المراقبة الطبية على طبيب شغل مختص، وإنما اكتفى بالنص على ضرورة عرض الحدث على طبيب عمومي (المادة 144)، وإن كان البعض يرى أن المشرع حسنا فعل، حينما نص على “طبيب عمومي” بدل “طبيب شغل مختص”، حتى لا يكون ذلك سببا في الحيلولة دون تطبيق هذه المقتضيات الحمائية الواردة فيما يتعلق بإجراء فحوصات طبية بدعوى عدم وجود عدد كاف من الأطباء المختصين في طب الشغل في المغرب.
دائما وفي إطار الحماية الطبية للأجير الحدث نصت المدونة في المادة 144 على تخويل مفتش الشغل الأمر بإعفاء الأجراء الأحداث والأجراء المعاقين دون إخطار في الحالة التي يبين فيها الفحص الطبي عدم قدرة ولياقة الأحداث على القيام بالأعمال المنوطة بهم، لكن ما يعاب على المشرع المغربي في هذا الإطار هو عدم التنصيص على إجبارية الفحص الطبي القبلي لفائدة الأحداث، باستثناء المعاقين الذين يستفيدون وحدهم من هذا الإجراء الوقائي.
من كل ما سبق يتبين لنا أن المشرع حاول فعلا توفير الحماية الكاملة لهذه الفئة من الأجراء، وإن كان يعتريها بعض النقص كما بينا ذلك، إلا أننا نؤكد مرة أخرى أن الحلول التشريعية وحدها وبالرغم من أهميتها غير كافية، بل يجب الأخذ بعين الاعتبار الجوانب الاقتصادية والاجتماعية السياسية، لأنه وكما يقال، الواقع أقوى من القانون.
كما أن التشريع المتعلق بحماية هذه الفئات لا يعني وضع السلطات في مواجهة مسؤولياتها فقط، وإنما يحدد موقف المجتمع في مواجهة مبادئه وقيمه لحماية شبابه. فالسلطات مدعوة إلى إعطاء أولوية لمكافحة هذه المعضلة وذلك بالسهر على ضمان تعليم الطفل، وهذا ليس لأسباب معنوية أو فلسفية، ولكن لأن هذه الشريحة من المجتمع هي الرأسمال البشري الحقيقي لمواجهة تحديات المستقبل.
إذا كان هذا بخصوص الأجير الحدث، فما هو الوضع بالنسبة للأجير المعاق؟
المطلب الثاني: تشغيل الأجير المعاق
أصبحت قضايا ذوي الاحتياجات الخاصة تحظي باهتمام واسع من قبل العديد من الدول والمنظمات الدولية بحيث باتت إحدى أهم مرتكزات المشهد الحقوقي العالمي إذ إن مقدار الرعاية والتأهيل المقدم لهذه الفئات لم يعد يمثل فقط تحديا أمام الدول لتوفير الرعاية لشريحة من سكانها، وإنما أصبح يمثل أيضاً أحد المعايير الأساسية لقياس مدى تحضر وتقدم المجتمعات ومكانتها داخل المجتمع الدولي مع التأكيد على أن الاهتمام بهذه الفئة يجب ألا يرتكز على فكرة الإحسان والشفقة وإنما على أساس ما يجب أن تتمتع به من حقوق كما تنص علي ذلك الإعلانات والمواثيق الدولية.
ومن بين هذه المواثيق الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والتي تم التوقيع عليها من طرف المغرب في 30 مارس 2007 والتي جاءت لتضع تنظيماً شاملاً وكاملاً لحقوق ذوي الإعاقة بالإضافة للبروتوكول الاختياري المكمل لها والذي لم يصادق عليه المغرب، والذي أضاف اختصاصاً هاماً إلى الآلية الخاصة بتطبيق المعاهدة وهي اللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، حيث أضاف لها اختصاصاً هاماً وهو تلقي الشكاوى أو الرسائل المقدمة من قبل أو نيابة عن الأفراد أو مجموعات الأفراد الخاضعين لولاية دولة طرف ويدعون إنهم ضحايا انتهاك تلك الدولة لأي من الحقوق المحددة في الاتفاقية.
وإدراكا من المشرع المغربي بخطورة تلك المشكلة وحرصا علي حماية هذه الفئة التي تحتاج إلى المزيد من الرعاية والتأهيل صدرت العديد من التشريعات الوطنية التي تولي اهتماما خاصا لهذه الفئة تمثل في تحديد ماهيتهم وبيان حقوقهم ودور الدولة تجاههم.
ومن أهم المستجدات التي جاءت بها مدونة الشغل لأول مرة في تاريخ قانون التشريع المغربي النص على أحكام خاصة بتشغيل الأجراء المعاقين وحمايتهم، التي تشبه إلى حد ما تلك الحماية الخاصة بالأجراء الأحداث، بل إن منها ما يطبق عليهما معا والتي تترجم مدى إرادة المشرع في الالتفات إلى هذه الفئة من الأجراء، التي سنحاول ما أمكن الوقوف عند المظاهر الحمائية التي جاءت في مدونة الشغل، وذلك من خلال التركيز على شروط تشغيلها ـــــ قبل ولوج سوق الشغل ــــ كما وضعتها المدونة (الفقرة الأولى)، ثم على كيفية تنظيم شغلها بعد ولوج عالم الشغل (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: شروط تشغيل الأجراء المعاقين
يمكن إبراز أهم مظاهر حماية الأجير المعاق قبل دخوله عالم الشغل في منع كل تمييز في تشغيلهم بسبب الإعاقة، وبضرورة التصريح بهم لدى مفتش الشغل من طرف المقاولة المشغلة، بالإضافة إلى ضرورة خضوعهم إلى الفحص الطبي المسبق وللمراقبة الطبية الدورية، وذلك كالآتي:
• المنع من التمييز في التشغيل: إذا كان الأجير ـــ ومن منطلق مبدأ الحرية في الشغل ــ حر في الاشتغال أو عدم الاشتغال، وإذا ما قرر الاشتغال فهو حر في اختيار طبيعة ونوع العمل الذي يمارسه، فإن ذات المبدأ يطبق بالنسبة للمشغل، فهذا الأخير حر في قبول أو عدم قبول من يتقدمون للاشتغال عنده، ما دام أن دوافع القبول أو الرفض مبنية على مجرد الاعتبارات المهنية ، ومن هذا المنطلق نص المشرع المغربي في الفقرة الثانية من المادة 9 من مدونة الشغل، على أنه يمنع على المشغل إجراء أي تمييز بين الأجراء بسبب الإعاقة، يكون من شأنه خرق أو تحريف مبدأ تكافؤ الفرص، أو عدم المعاملة بالمثل في مجال الشغل أو تعاطي مهنة، لا سيما فيما يتعلق بالاستخدام وإدارة الشغل وتوزيعه والتكوين المهني، والأجر والترقية، والاستفادة من الامتيازات الاجتماعية، والتدابير التأديبية، والفصل من الشغل… وكل مشغل تجاوز أو خالف هذه المبادئ يتعرض لغرامة من 15.000 درهم إلى 30.000 درهم وفي حالة العود تضاعف العقوبة (المادة 12 من الشغل).
إضافة إلى ذلك فإن كل أجير أصبح معاقا لسبب من الأسباب، فإنه يحتفظ بمنصب شغله ويسند إليه شغل يلائم نوع إعاقته، ويعاد بعد إعادة تأهيله إلا إذا تعذر ذلك لحدة الإعاقة ولطبيعة الشغل، وذلك بعد أخذ رأي طبيب الشغل أو لجنة السلامة وحفظ الصحة (المادة 166).
• التصريح بتشغيل المعاق: إذا كان يجب على كل شخص طبيعيا كان أو اعتباريا، يخضع لمقتضيات مدونة الشغل، يريد فتح مقاولة أو مؤسسة أو ورش، يشغل فيه أجراء أن يقدم تصريحا بذلك إلى العون المكلف بتفتيش الشغل وفق الشروط والشكليات المحددة بنص تنظيمي (المادة 135 من مدونة الشغل) في المرسوم رقم 2.04.423، فإن من أهم المستجدات التي جاءت بها المدونة، تتمثل في إلزامها للمشغل بأن يقدم تصريحا مماثلا، في حالة ما إذا قرر تشغيل أجراء معاقين طبقا للمادة 136 من المدونة، وذلك حتى يتسنى لعون التفتيش إجراء المراقبة اللازمة بخصوص ظروف وشروط تشغيلهم.
• الفحص الطبي والمراقبة الطبية: كما رأينا في الفقرة الأولى أعلاه، فقد أوجب المشرع على كل مشغل، وقبل تشغيله لأي أجير معاق بضرورة عرضه على الفحص الطبي (المادة 168)، كما أنه يحق للعون المكلف بتفتيش الشغل أن يطلب في أي وقت عرض جميع الأجراء المعاقين على طبيب بمستشفى تابع للوزارة المكلفة بالصحة، قصد التحقق من أن الشغل الذي يعهد به إليهم لا يفوق طاقتهم، أو لا يتناسب مع إعاقتهم، فيحق لمفتش الشغل أن يأمر بإعفاء أي أجير من الشغل، دون أي إخطار إذا أبدى الطبيب رأيا مطابقا لرأيه، واجري عليهم فحص مضاد يطلب من ذويهم (المادة 144).
عموما يجب على كل مشغل يشغل أجراء معاقين أن يسهر على توفير كل شروط الوقاية الصحية، ومتطلبات السلامة اللازمة للحفاظ على صحة الأجراء، وخاصة فيما يتعلق بأجهزة الوقاية من الحرائق، الإنارة والتدفئة، والتهوية، والتخفيض من الضجيج، بالإضافة إلى توفير مساكن نظيفة للأجراء (المادة 281)، وذلك لتسهيل قيامهم بشغلهم.
الفقرة الثانية: تنظيم شغل الأجراء المعاقين
لا تقف حماية المشرع المغربي من خلال مدونة الشغل، للأجير المعاق قبل دخوله سوق الشغل عن طريق تحديد شروط الشغل فقط، بل تمتد إلى ما بعد دخوله، وذلك من خلال الظروف التي ينفذ فيها هذا الشغل، سواء من حيث نوعه وطبيعة الأعمال التي قد تناط به، أو من حيث حمايته من العمل الليلي وكذا من الفصل بسبب الإعاقة. وذلك ما سنعالجه كالآتي:
• الأعمال الممنوعة على الأجير المعاق: لقد خص المشرع المغربي الأجير المعاق بمقتضيات حمائية عديدة، منع عليهم من خلالها ممارسة جملة من الأعمال التي من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم إعاقتهم، أو تشكل خطورة عليهم.
وبهذا يمنع المشغل تشغيل الأجراء المعاقين في أشغال قد تعرضهم للضرر أو تزيد من حدة إعاقتهم (المادة 167)، كما يمنع تشغيلهم في المقالع وفي الأشغال الجوفية التي تؤدى في أغوار المناجم (المادة 179)، وكذا في جميع الأعمال التي تعيق نموهم أو تساهم في تفاقم إعاقتهم، سواء كانت هذه الأعمال تؤدى على سطح الأرض أو في جوفها (المادة 180).
وبصفة عامة يمنع تشغيل الأجراء المعاقين في أي عمل من شأنه أن يشكل مخاطر بالغة عليهم أو يفوق طاقتهم، أو قد يترتب عنها ما قد يخل بالآداب العامة، حيث أحالت مدونة الشغل على تحديد هذه الأشغال بموجب نص تنظيمي (المادة 181).
• الشغل الليلي والراحة الأسبوعية: بخصوص العمل الليلي، يلاحظ أنه ـــ وإذا كانت مقتضيات الفقرة الثالثة من المادة 172، تمنع على الأجراء الأحداث، دون سن السادسة عشر، الاشتغال ليلا، فإن الفقرة الأولى من المادة 176 منها، تخول المشغل استثناءا، إمكانية مخالفة حكم المادة 172، وبالتالي تشغيل الأجراء ليلا، ولو كان سنهم دون السادسة عشر، إذا اقتضى الأمر اتقاء حوادث وشيكة، أو تنظم عمليات نجدة أو إصلاح خسائر لم تكن متوقعة، وهذا الاستثناء لا يمكن مطلقا العمل به، إذا كان الأجير معاقا.
• الراحة الأسبوعية: إذا كانت المادة 212 من مدونة الشغل، قد قررت إمكانية وقفها، في الحالات التي تبررها طبيعة نشاط المؤسسة أو المواد المستعملة، أو انجاز أشغال استعجالية، أو زيادة غير عادية في حجم الشغل، فإن المادة 214 من مدونة الشغل، قررت ـــ بالمقابل ـــ أن تلك الإمكانية غير مباحة، كلما تعلق الأمر بأجير معاق، وذلك في الأحوال التي يحددها نص تنظيمي.
• الحماية من الفصل بسبب الإعاقة: تفاديا لاحتمالات لجوء المشغل إلى فصل الأجير المعاق بسبب يرجع إلى إعاقته هاته، قرر المشرع في مدونة الشغل، كثيرا من الضمانات المكرسة لمبدأ استقرار الشغل بالنسبة لهذا لأجير.
وبصفة عامة، لا يمكن أن تعد الإعاقة مبررة لفصل الأجير، إلا إذا كان من شأنها أن تحول دون أداء الأجير المعاق لشغل يناسبه داخل المقاولة المشغلة (المادة 36)، كما نص المشرع في المادة 166 على أن الأجير الذي لحقته إعاقة لسبب من الأسباب، يجب أن يحتفظ بعمله، على أن يسند إليه عمل يناسب نوع إعاقته أو لطبيعة العمل، ولا يجب فصله إلى بعد أخذ رأي طبيب الشغل أو الجنة السلامة وحفظ الصحة.
وعلى العموم، يتبين لنا من كل ما سبق أن هناك ضمانات ومقتضيات حمائية حقيقية، جاءت بها مدونة الشغل لفائدة هذه الفئة الخاصة من الأجراء، على الرغم من أن كل هذا يبقى يلزمه التفعيل على المستوى العملي، سواء عن طريق جهاز تفتيش الشغل خصوصا عن طريق مراقبة ظروف العمل، أو عن طريق مندوبي وممثلي الأجراء الذين يبقى لهم كامل الحق في الدفاع عن مصالح هذه الفئة، أو عن طريق القضاء من خلال إصدار أحكام صارمة، خاصة في حالة تعرض الأجير المعاق للطرد التعسفي، ليتمكن من الحصول على حقه، مع التركيز على حق الإرجاع للعمل، خاصة مع صعوبة إيجاد فرصة أخرى للشغل من طرف شخص معاق.
بقي إذن أن نتطرق إلى وضعية المرأة الأجيرة (المبحث الثاني).
المبحث الثاني: الوضع القانوني للمرأة العاملة
إن ظاهرة خروج المرأة للعمل خارج البيت، ليست مستجدا على مجتمعاتنا العربية الإسلامية، ذلك أن الإسلام ومنذ مجيئه قد كرم المرأة المسلمة ورفع عنها الحجر الذي خلفته عهود الجاهلية، ولم يضع أي عائق في وجهها لولوج سوق العمل من أوسع أبوابه، فكانت تشتغل بالتجارة والحرف اليدوية والعمل المأجور ولم يجعل بينها وبين الرجل أي تمييز في هذا المجال، ولم يفض المجتمع، العربي إلى ظاهرة عمل المرأة إلا في القرون الأخيرة، حيث تحركت الجمعيات النسائية وكثرت الأفكار التحررية التي تدعو لتخليص المرأة من أغلال العبودية وإعطائها حقوقها وإعادة الاعتبار لها، وقد كان للثورة الفرنسية اثر كبير في تدعيم موقف هذه الحركات واتسعت رقعة الاهتمام الدولي بوضع المرأة العاملة بصدور إعلان حقوق المرأة والمواطنة وإعلان حقوق النساء وتأسيس منظمة العمل الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إلا أن أهم محطة تميز النضال النسائي هو قرار الأمم المتحدة رقم 3010 بجعل سنة 1975 سنة دولية للمرأة، مما شكل حافزا للدول لإصدار تشريعات وطنية تنهض بوضعية المرأة والعاملة منها خاصة.
ولم تكن الدول العربية ومنها المغرب لتبقى خارج هذا التيار القانوني. فأحدثت عدة تعديلات على نصوصها القانونية المتعلقة بالعمل لكي تكرس – كما قد يبدو- حماية أكثر للمرأة العاملة، وحتى تتماشى قوانينها مع الكم الهائل من الاتفاقيات الدولية والتوصيات الصادرة، سواء عن الأمم المتحدة أو عن منظمة العمل الدولية أو عن منظمة العمل العربية، وقد كانت هاته الأوفاق التي صادقت الأقطار العربية ومنها المغرب طبعا، على العديد منها، سباقة إلى إدراج مجموعة من البنود الحمائية للمرأة العاملة التي قد يبدو وفي ظاهرها أنها قد جاءت بمقتضيات جديدة، ولكن الحقيقة أن الشريعة الإسلامية قد سبقت هاته الاتفاقيات إلى إرساء هاته القواعد بقرون عدة.
ويكفي أن نلقي نظرة على حضور النساء في شتى المجالات لندرك التغيير الذي طال الوضع النسائي في المغرب والتي يتمثل في اقتحام المرأة لمجالات مهنية ووظيفية كانت حتى وقت قصير حكرا على الرجال لنرصد الدور الطلائعي للمساهمة النسائية في المجال الاقتصادي بعد ما كان عملها محصورا في دائرة العائلة ولا يعود عليها بمردود مادي فاقتحمت عالم العمل المأجور الذي فتح أمامها أبوابا للمساهمة في تطوير ذاتها ومحيطها.
وتشكل المرأة اليوم ثلث القوة النشيطة في البلاد، البالغة 9 ملايين أي أن كل صباح تتوجه 3 ملايين امرأة إلى مواقعهن سواء كن في بالبادية %59، أو في المدينة وتصل نسبة النساء العاملات في المدن إلى % 25.9 من مجمل العاملين بالوسط الحضري وتشتغل %44 منهن بالصناعة والصناعة التقليدية و%47 بالقطاع الخدماتي.
إلا أنه بالرغم من التواجد القوي النسائي داخل مجالات العمل وبالرغم من النجاحات التي حققتها المرأة داخل هذا القطاع عبر مثابرتها وتحقيق مكتسبات مهنية واعتبارية ملحوظة نسبيا في قطاعات حيوية فإن تقارير الجمعيات المدافعة عن حقوق النساء تشير إلى وجود صعوبات بنيوية وعراقيل تصادف المرأة في مسيرتها العملية وتؤثر على قدرتها في تحسين جودة عطائها أو تجعلها تغادر المجال تاركة فراغا يؤثر سلبا على مشاركة المرأة في مسيرة التنمية البشرية .
وقد حضي موضوع حماية المرأة العاملة باهتمام المشرع المغربي في تشريع الشغل، واحتل حيزا هاما في هذا التشريع، بالنظر للحماية الخاصة التي يوفرها لها. فبالرجوع إلى النصوص القانونية المتضمنة لوسائل هذه الحماية في مدونة الشغل، نجدها تتعلق بإقرار مبدأ المساواة بينها وبين الرجل الأجير، ويمنع كل أنواع التمييز ضدها، وبالحسم في إمكانية التشغيل الليلي، وبحظر الأشغال الجوفية، والخطيرة التي تشكل مخاطر بالغة عليها أو تفوق طاقتها، أو قد يترتب عنها ما قد يخل بالآداب العامة، بالإضافة إلى ما يجب أن تتمتع به المرأة الأجيرة من قواعد خاصة بحماية الأمومة.
وانطلاقا من هذه الوسائل القانونية التي وضعها المشرع لحماية الأجيرة، سوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبين، نتناول في الأول حماية الأجيرة من أشكال التمييز ضدها، ومن الانتهاكات التي تتعرض لها، على أن نتناول في المطلب الثاني، حماية الأمومة.
المطلب الأول: حماية الأجيرة ضد التمييز ومن الانتهاكات التي تتعرض لها
سنتطرق أولا إلى منع التمييز ضد الأجيرة (الفقرة الأولى)، ثم بعد ذلك إلى حمايتها من الانتهاكات التي تتعرض لها (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: منع التمييز ضد الأجيرة
يعد مبدأ المساواة في الأجر بين المرأة والرجل ـــ إذا تساوت قيمة العمل ـــ من أهم الحقوق التي نصت عليه الاتفاقيات الدولية والعربية الخاصة بالعمل، ذلك أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد عاد للتأكيد في المادة 230 في فقرتها الثانية على حق الأفراد دون تمييز في أجر متساوي عن العمل المتساوي بعدما أسقط مؤتمر مونتريال الفصل 427 من معاهدة فرساي والذي كان ينص على نفس المبدأ أو الذي يعتبر من الأوليات المضمنة في ديباجة دستور منظمة العمل الدولية الذي عرض لعدة مناقشات انتهت بالمصادقة على الاتفاقية رقم 100 والتوصية رقم 90 بشأن المساواة في الأجر وسعت مدلوله ليشمل بجانب الراتب الشهري المكافآت والحوافز والإعانات. مما يفهم منها المنع المطلق لأي تمييز إلا ما كان بشأن العمل المتفاوت، حيث يمكن أن يتجاوز أجر المرأة أجر الرجل والعكس صحيح. وعلى المستوى العربي فقد أكدت منظمة العمل العربية في المادة 10 من ميثاقها الاتفاقية رقم 5 لسنة 1976 على ضمان حصول المرأة لأجر مماثل للرجل عن العمل المتساوي القيمة المنجز من طرفهما. أما التشريعات الوطنية للدول العربية فهي رغم مصادقتها على هاته الاتفاقيات لم تتخذ مبادرة ملائمة قوانينها معها، ذلك أن تشريعات العمل في عدة دول تخلو من أي تنصيص على المساواة الأجرية بين الجنسين كما في السعودية وموريتانيا والإمارات…
أما في المغرب فلم تتحرك ـــ الآلة التشريعية ـــ للإنصات إلى المطالب الحقوقية للمرأة إلا مؤخرا، بدءا بتعديلات جزئية لمدونة الأحوال الشخصية سنة 1993 وإلغاء الفصل726 من ق.ل.ع الذي كان يستوجب من المرأة الحصول على إذن زوجها من أجل عملها ، فقبل ظهير 18/06/1936، كانت الأجور في ميدان الشغل المغربي تخضع لقانون الالتزامات والعقود على أساس مبدأ العرض والطلب حيث أشارت القرارات التي عدّلته (قراري 1937و1938)، إلى الفرق بين الأجر الممنوح لكل من الرجل والمرأة. وقد ظلت تصورات الحماية الفرنسية حاضرة في بقاء “مناطق الأجور ” إلى غاية 15/01/1972، تاريخ صدور المرسوم الذي وحًّد الحد الأدنى للأجور دون التطرق للميز المُؤسس على الجنس والسن . ثم ظهير 24 دجنبر 1966 حول المقاولات المنجمية مبدأ المساواة في الأجور، وتم ترسيخ المبدأ بمصادقة المشرع المغربي على الاتفاقية رقم 100 سنة 1979، وهو ما نجده في ديباجة مدونة الشغل.
وبصدور مدونة الشغل، تم التركيز على مبدأ عدم التمييز لتحقيق أساس تكافؤ الفرص، في مواد جاءت بالكتاب الرابع تحت عنوان “الوساطة في الاستخدام وتشغيل الأجراء”، وخاصة المادة 478 من الباب الأول (أحكام عامة) لتكرر أحكام المادة 9 لاعتبار الدور الريادي الذي تقوم به وكالات التشغيل في هذا الباب، فنصت على أنه “يمنع على وكالات التشغيل الخصوصية كل تمييز يقوم على أساس العرق، أو اللون، أو الجنس، أو الدين، أو الرأي السياسي، أو الأصل الوطني، أو الأصل الاجتماعي، من شأنه المس بمبدأ تكافؤ الفرص والمعاملة في ميدان التشغيل.” كما نصت المدونة لأول مرة في تاريخ تشريع الشغل المغربي صراحة عن فك ذلك التمييز الذي كانت تعاني منه النساء العاملات فيما قبل،
ولم يتوقف مبدأ المساواة في مدونة الشغل عند هذا الحد فقط، بل طال ذلك حتى المساواة في الأجر، وهكذا جاءت المادة 346 لتنص على أنه “يمنع كل تمييز في الأجر بين الجنسين إذا تساوت قيمة العمل الذي يؤديانه” كما يستخلص نفس الحق من الفقرة الأولى من المادة 105 الخاصة بمضامين اتفاقية الشغل الجماعية. وقد عززتها بمقتضيات زجرية جاءت بالمادة 361 في إطار الزجر بالغرامة، وقد تُضاعف الغرامة في حالة خرق مقتضيات المادة السابقة الذكر إمعانا للأولوية التي تعطيها المدونة لصورة المرأة والتعامل معها ايجابيا داخل سوق الشغل، جاء في هذه المادة”…يعاقب عن عدم التقيد بأحكام المادة 346 بغرامة من 25000 إلى 30000 درهم. وفي حالة العود تضاعف الغرامة المذكورة أعلاه.”
وقد ترتب أخيرا عن مبدأ “عدم التمييز” على أساس الجنس أن تمتعت المرأة بحقوق اكتسبتها من مدونة الشغل الحالية تحت طائلة الجزر، حيث أصبح لها الحق في إبرام عقد الشغل، وجاءت الفقرة الثالثة من المادة 9 بصيغة “المنع” من التمييز فيما يخص إبرام عقد الشغل “يمنع كل تمييز بين الأجراء”، وبذلك أصبح حق المرأة في إبرام عقد الشغل من أساسيات تواجدها بالمقاولة، وقد نصت المادة 15 التي تستوجب حصول رضا أطراف العقد على “تتوقف صحة عقد الشغل على الشروط المتعلقة بتراضي الطرفين”.
فقد كان القانون قبل صدور مدونة الشغل، يمنع النساء من إبرام عقد العمل بدون إذن الزوج، واستند واضعوه على موقف رجعي جدا من عمل النساء، موقف يعطي للزوج حق منع المرأة من العمل بمبرر أن للرجل حق الاستمتاع بزوجته في كل الأوقات والأمكنة، بما فيها أوقات الرضاع . لكن مع تغير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية أفرغت هذا المقتضى من أي مضمون؛ كما أن ضغط الحركة النسائية ساهم في إلغاء هذا القانون (المادة 726 من قانون العقود والالتزامات) سنة 1995. وهذا ما أكده قانون الشغل الجديد في المادة 9، حيث نص على “حق المرأة المتزوجة في إبرام عقد الشغل”، لكن يبقى العمل في عدة مجالات، كبعض مهن الجمارك وسعاة البريد والأطر الغابوية والوقاية المدنية، ممنوعا على النساء. هذا من جهة، ومن جهة أخرى يمكن للمرأة الأجيرة أن تكون عضوة كاملة في الأجهزة النقابية كمتزوجة أو غير متزوجة إذ أصبح لها الحق في الانضمام إلى نقابة مهنية، والمشاركة في إدارتها وتسييرها .
ولا يخفى علينا ما لهذا الانتماء النقابي النوعي من أهمية على استقرار الوضع الاجتماعي للمرأة المغربية العاملة، من حيث تكسيرها للصمت بخصوص المضايقات والانتهاكات التي تتعرض لها داخل مقر العمل والذي ينعكس على سيكلوجيتها من تنقلها المستمر بين القطاعات المهنية وعدم تخصصها، وبالتالي قبولها بالأجر المنخفض مقارنة بأجر الرجل.
وبالرغم من ذلك فإن مختلف النصوص القانونية، لا سيما الاتفاقية الدولية، وكذا بعض التشريعات الوطنية العربية تتفق على التنصيص على مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الأجر إذا تساوت قيمة العمل، لكن الواقع العملي يؤكد بشكل جلي أن هذا المبدأ قلما يجد مكانا له في التطبيق وتبقى الهوة شاسعة سواء بين أجور الرجال والنساء أو بين أجور النساء المقررة قانونا وبين ما يتقاضونه مقابل عملهن فعلا. ورغم سعي المغرب لاحترام الاتفاقية رقم 100حول المساواة في الأجور والتعويضات، التي صادق عليها المغرب بظهير 17/12/1980، فإن تقرير برنامج الأمم المتحدة للتنمية لسنة 1995 قد سجل وجود تمييز بالنسبة لأجور العاملات، حيث نسبة أجورهن أقل من 50 % فقط من أجور الرجال في نفس وضعيتهن المهنية.
فالتمييز بين الرجل والمرأة على صعيد المجتمع المغربي، واقعيا عكسته عدة مظاهر منها:
حداثة ولوج المرأة ميدان العمل الذي يرافقه غالبا ضعف التأطير النقابي بين العاملات، وقد تطرق الأستاذ أحمد إذ الفقيه، إلى بعض مظاهر التمييز فاعتبر”التغيبات المتكررة الملحوظة على اليد العاملة النسوية، وعدم الاستقرار في العمل، ولعل ذلك يرجع إلى ظروف الحمل والوضع والرضاعة، وما ينتاب النساء من عياء وأعراض إرهاق، خاصة خلال أوقات عادتهن الشهرية.
وإحجام المرأة – طواعية أو بسبب منعها قانونا – من تعاطي بعض الأعمال الشاقة والخطيرة والباطنية والليلية، التي تقترن عادة بمردودية مرتفعة” .
فالواقع المعاش، يسجل هوة شاسعة بين ما تدعو إليه المدونة وبين ما تعيشه المرأة الأجيرة، والسبب ـــ إضافة إلى الأسباب السابقة الذكر ـــ راجع إلى ضعف الجانب الزجري الذي يجعل كل قاعدة قانونية ملزمة، تحت طائلة العقوبة. فالعقوبات في مدونة الشغل لا تخرج عن كونها عقوبات مالية ضئيلة بالنظر إلى الغنى الفاحش الذي يعرفه أرباب العمل.
وخلاصة القول، أن مشكل التمييز الذي تتعرض له الأجيرة الأم في الواقع العملي غير مرتبط بالنصوص القانونية ــ لأن الحماية القانونية متوفرة فعلا كما رأينا ــ بل الأمر يتعلق بمدى تفعيل واحترام هذه النصوص وتطبيقها تطبيقا سليما، إذ أن ضمان حماية المرأة من هذا التمييز، لا يتوقف على الدور التشريعي فقط، بل يتعدى ذلك إلى جوانب مجتمعية واقتصادية يجب أخذها بعين الاعتبار.
فإعادة الاعتبار للمرأة العاملة، وإعطائها ما تستحقه فعلا عن الأعمال التي تؤديها بالموازاة مع الرجل، سيساهم بلا شك في الرفع من المستوى الاقتصادي للدولة عامة ولأسرتها خاصة.
الفقرة الثانية: حماية المرأة من الانتهاكات التي تتعرض لها
تحول دور المرأة من ربة بيت إلى المساهمة في اقتصاد البيت نتيجة للتطورات الاقتصادية والاجتماعية والصناعية، مما جعلها تشكل ثلث القوة العاملة والنشيطة بالمغرب. على أساس أن نسبة 59% من النساء تشتغل في المجال الفلاحي و31% منهن في المجال الحضري، و31% تشتغلن في القطاع العام (الوظيفة العمومية) و47 % في قطاع الخدمات، أما 17.2% منهن من العائلات فتعيلها ، لهذا فهذه الإحصائيات فرضت على المشرع توفير نوع من الحماية للمحافظة على مقومات الإنسان المادية والروحية والنفسية بصفة عامة، ولصون صحة وأخلاق المرأة وكرامتها وعرضها نتيجة الاختلاط الذي فرضته الظروف الاقتصادية والاجتماعية.
ومن أجل ذلك تم وضع عدة نصوص وبنود على المستوى الدولي والوطني، لكن هاته القوانين، رغم صرامتها تعرف خروقات وانتهاكات خطيرة، يساعد على تفشيها ضعف أجهزة الرقابة والتفتيش وقلة الوعي بطبيعة وخصوصيات المرأة. وفي هذا الإطار، قررت منظمة الشغل العربية منع استخدام النساء في الأعمال التي من شأنها المساس بالأخلاق الحميدة، وذلك بموجب الاتفاقية رقم 5 لسنة 1976 التي جاء في مادتها السادسة: “يحظر تشغيل النساء في الأعمال الخطيرة والشاقة، أو الضارة بالصحة أو الأخلاق التي يحددها التشريع في كل دولة”.
وعلى المستوى الوطني وبعد صدور مدونة الشغل، يبقى التساؤل مطروحا حول مدى استطاعتها على تحقيق حماية المرأة الأجيرة من هذه الانتهاكات؟ وعموما يمكن النظر إلى حماية الأجيرة في هذا الإطار من جانبين، يتمثل الأول في الجانب الأخلاقي (أولا)، أما الثاني فهو الجانب الصحي (ثانيا).
أولا- الحماية الأخلاقية
تكمن هذه الحماية أساسا ضد بعض الممارسات تتعرض لها الأجيرة والتي تتنافى مع الأخلاق الكريمة، وعلى المستوى العملي يكون التحرش الجنسي أكثر هذه الممارسات شيوعا.
فأول ما تواجهه المرأة الراغبة في العمل هو الانتقاء الجمالي والعمري، فيكون أول معيار للمساومة هو الجسد، يصبح بذلك التحرش والاستغلال الجنسي محبطا للمرأة في ولوج العمل، فيصبح من الوسائل التي يستغلها رجال الأعمال لتسريح العاملات ودفعهن لفسخ عقد الشغل من جانبهن، فالمرأة التي تتعرض للضغوط الجنسية تكون قلقة نفسيا في مقر عملها، الشيء الذي يضعها بين نارين، حياة القهر والإذلال في حالة الاستجابة، وحالة التعاسة والفقر والحاجة في حالة الرفض؛ ونتيجة للمضايقات الجنسية المستمرة تضطر إلى ترك عملها، وتعاني في تلك الحالة من البؤس. وتضطر بعد ذلك أن تقبل أعمالا أقل من مستواها وكفاءتها وأقل مما كانت تتقاضاه من أجر في عملها السابق .
وإن كنا لا ننكر أن المرأة تساهم في تنامي الظاهرة بقسط وافر، إلا أنه رغم ذلك تبقى المرأة الأجيرة الضحية الأولى لهاته الظاهرة التي تنخر المجتمع. ولا يخرج عن نفس السياق احتراف النساء لبعض المهن المبتذلة التي تمس مباشرة بأخلاقهن، كنادلات للمقاهي والحانات والعاملات في دور السينما، خصوصا التي تعرض صورا حائطية لبعض الأفلام الخليعة…
وبالرجوع لمدونة الشغل نجدها لا تتحدث عن هذه الظاهرة إلا باحتشام شديد، وذلك من خلال المادة 40 التي جعلته من الأخطاء الجسيمة المرتكبة ضد الأجير (والأجير الأنثى من أكثر المعًّرضين للتحرش الجنسي) من طرف المشغل أو رئيس المقاولة، ــــ ونرى أن هذا يعتبر بداية التحسيس بهذه الظاهرة والالتزام بالأخلاق الحميدة في مجال العمل، والتعالي على اختزال المرأة في موضوع الجنس ــــ مع وضع إمكانية التقاضي بيد المتضرر في حالة إثبات الخطأ والمطالبة بالتعويض عن الضرر لاعتبار ذلك الخطأ (التحرش الجنسي) بمثابة فصل تعسفي، وتنص المادة 41 من المدونة أنه، يحق للطرف المتضرر في حالة إنهاء الطرف الآخر للعقد تعسفيا، أن يطالب المحكمة التي تبت في الدعوى، إما بإرجاعه إلى شغله أو الحصول على تعويض عن الضرر. وتبقى إمكانية إثبات التحرش الجنسي عمليا، من باب المستحيل، لأنه لا يمارس في العلن بل بعيدا عن الأعين.
و يمكن توفير نوع من الحماية للمرأة الأجيرة ضد التحرش الجنسي، من خلال المادة 9 ـــ كما أشرنا إلى ذلك سابقا ــــ عن طريق الانتماء النقابي؛ فهذه المادة تهدف لاستقرار الوضع النفسي والاحترافي والأجري للمرأة العاملة على أساس أن التحرر الحقيقي لها هو إيقاف الابتزاز الجنسي لها في العمل، لهذا فما سيحققه هذا الانتماء النقابي النوعي من تثبيت مكانة المرأة داخل القطاع العمالي. ونرى بأن هذا من الإيجابيات التي أتت بها المدونة، على الرغم من عدم استجابة المغرب لتوقيع الاتفاقية الدولية رقم 87 حول الحرية النقابية وحماية الحق النقابي، وعلى الاتفاقية 135 حول حماية ممثلي العمال، الشيء الذي لا يجعل المرأة العاملة والعضوة النقابية في مأمن حقيقي من التحرش الجنسي.
لقد كان حريا بالمشرع أن يجعل لهذا الجرم فصولا خاصة به، بدل إدراجه ضمن مجموعة من الأخطاء الجسيمة، من خلالها يوضح معنى التحرش ودرجاته مع التنصيص على حرية الإثبات في قانون الشغل، ثم النص على عقوبات زجرية يكون لها أثر فعال على الجناة.
وعموما فإن الرغبة في تجنب الآثار الوخيمة للأشغال الماسة بالأخلاق الحميدة للنساء، هي التي دفعت المشرع المغربي إلى التدخل بهدف تحريم ممارسة هذه الأشغال، وذلك عندما نص في المادة 181 على “يمنع تشغيل الأحداث دون الثامنة عشرة، والنساء والأجراء المعاقين في الأشغال التي تشكل مخاطر بالغة عليهم… أو قد يترتب عنها ما قد يخل بالآداب العامة”.
هذا بخصوص الحماية الأخلاقية، فماذا عن الحماية الصحية؟
ثانيا- الحماية الصحية
فمما لا شك فيه أن الأشغال الباطنية سواء في المناجم أو المقالع أو المحاجر أو غيرها من الحفريات، تكتسي طابع الخطورة؛ لذلك عمدت منظمة العمل الدولية، ومنذ سنة 1935 إلى حظر استخدام النساء في العمل تحت سطح الأرض في المناجم بمختلف أنواعها، وذلك بموجب الاتفاقية الدولية رقم 45 التي بينت مادتها الأولى، أن المقصود بكلمة منجم يشمل كل شغل عام أو خاص يكون الغرض منه استخراج مواد من باطن الأرض.
وبالنسبة للمشرع المغربي، نجده يسير في نفس الاتجاه، حيث حضيت صحة المرأة والعناية بها، باهتمام كبير واحتلت حيزا هاما في هذا التشريع، من خلال مدونة الشغل التي حاولت حمايتها من بعض الأشغال التي قد تشكل خطرا على صحتها.
وباستقراء هذه النصوص نجد أنها تنص على ثوابت اعتبرها المشرع المغربي قواعد آمرة ينبغي أن تحترم ورتب على خرقها عقوبات زجرية.
وهذه الثوابت منها ما يهم صحة المرأة أثناء عملها، ومنها ما يتعلق بالوقت الذي ينبغي أن تعمل فيه، ومنها ما يتعلق بمكان العمل وتوفره على جميع المواصفات الصحية، ومنها ما يتعلق بنوعية الأعمال المناسبة مع تكوينها الفيزيزلوجي، ومنها ما يتعلق بالمواد المحظورة.
فهناك بعض الأعمال تتطلب بطبيعتها من الجهد ما لا تطيقه قوة النساء، كما أن بعض الأشغال قد ترتب من الخطورة ما تكون له أسوأ العواقب على المرأة العاملة من حيث التأثير على صحتها .
لذلك اتجهت المدونة إلى منع تشغيل النساء في المقالع والأشغال الجوفية في المناجم، وفي الأشغال التي تشكل مخاطر بالغة أو تفوق طاقتهن. فجاءت المادة 179 لتمنع على النساء مهما كان سنهن، مزاولة الأشغال الجوفية، وذلك عندما نصت على أنه “يمنع تشغيل الأحداث دون الثامنة عشرة، والنساء، والأجراء المعاقين، في المقالع وفي الأشغال الجوفية التي تؤدى في أغوار المناجم”.
وهذه اللائحة التي تشير إليها هذه المادة، التي ستحدد الأشغال الممنوع استخدام النساء والأحداث والمعاقين فيها، قد صدرت فعلا في المرسوم المذكور ، لكن ما يلاحظ أن هذا المرسوم لم يتضمن بخصوص النساء سوى إعادة جملة المادة 179، أي منع تشغيل النساء في المقالع وأغوار المناجم، مع استثناء أعمال الإدارة والمصالح الصحية والاجتماعية أو التدريب أو النزول العرضي إلى الأغوار للقيام بعمل غير يدوي.
كما منعت المادة 181 استخدام النساء في الأعمال الخطيرة والشاقة، عندما نصت على أنه “يمنع تشغيل الأحداث دون الثامنة عشرة، والنساء والأجراء المعاقين في الأشغال التي تشكل مخاطر بالغة عليهم، أو تفوق طاقتهم… تحدد لائحة هذه الأشغال بنص تنظيمي”.
وحددت المادة 183 العقوبة المقررة عند مخالفة المادتين 179 و181، بغرامة ما بين 300 و 500 درهم، وتتكرر عقوبات الغرامة بتعدد الأجراء الذين لم يراع في حقهم تطبيق هذه الأحكام على ألا يتجاوز مجموع الغرامات مبلغ 20.000 درهم.
أما بخصوص الوقت الذي ينبغي أن تعمل فيه المرأة الأجيرة، فقد جرى سن قوانين لمنع استخدام النساء ليلا حماية لصحتهن، وكان ظهير 2 يوليوز 1947 يمنع تشغيل النساء ليلا بصورة مبدئية، بنصه على أنه لا يجوز استخدام النساء ليلا في أي عمل كان سواء في المعامل أو عند المشغلين المشار إليهم في الفصل الأول (المؤسسات الصناعية والتجارية والمهن الحرة والنقابات والجمعيات…)، واعتبر استخدام النساء ليلا استثناء في بعض الحالات المحددة. إلا أن هذا الظهير تم إلغاءه، وجاءت مدونة الشغل لتقلب المنطق. فنصت في المادة 172 على أنه “يمكن تشغيل النساء، مع الأخذ بعين الاعتبار وضعهن الصحي والاجتماعي، في أي شغل ليلي، مع مراعاة الاستثناءات التي تحدد بنص تنظيمي، بعد استشارة المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا. يحدد نص تنظيمي الشروط الواجب توفيرها لتسهيل تشغيل النساء في أي شغل ليلي”.
لتؤكد أن المبدأ هو تشغيل النساء ليلا والاستثناء منع تشغيلهن ليلا، وهذا الاستثناء هو الوارد في المادة 173 التي منعت صراحة تشغيل النساء ليلا بالنسبة “للمؤسسات التي تحتم الضرورة أن يكون النشاط فيها متواصلا أو موسميا، أو أن يكون الشغل فيها منصبا على استعمال مواد أولية، أو مواد في طور الإعداد، أو على استخدام محاصيل فلاحية سريعة التلف”. إلا أن المشرع سرعان ما عاد في نفس المادة ليضع استثناءا على هذا الاستثناء، بنصه في الفقرة الأخيرة على أنه “إذا تعرضت المؤسسة لظروف استثنائية، وتعذر عليها إما بسبب نشاطها، أو بسبب طبيعة شغله،ا الاستفادة من الاستثناء الوارد في الفقرة السابقة، أمكن للعون المكلف بتفتيش الشغل منحها رخصة استثنائية خاصة، تبيح لها الاستفادة من المقتضيات المشار إليها في تلك الفقرة”
ويلاحظ أن المشرع المغربي، لم يحدد الشروط التي يمكن أن تشتغل فيها المرأة ليلا، ولم يصل حد المنع كما في بعض التشريعات الأوروبية، بل قام فقط بتنظيم مواد تحدد الشروط التي تجيز للمشغل أن يشغل العاملات ليلا، ومن بينها المادة السالفة، التي تؤكد على تشغيل النساء مع الأخذ بعين الاعتبار وضعهن الصحي والاجتماعي في أي عمل ليلي دون تحديد. كما أن المادتين 175و 176 من المدونة تبيحان للمشغل تعويض ما ضاع من أيام الشغل، شريطة أن يشعر مسبقا بذلك العون المكلف بالتفتيش لدى دائرة مفتشية الشغل. هذا، ويلاحظ أنه لم يصدر بعد ضمن المراسيم التطبيقية للمدونة، ذلك الذي يحدد الحالات التي يمنع فيها استخدام النساء ليلا.
إذا كنا نلمس ــ من كل ما سبق ـــ وجود نوع من الحماية الصحية للمرأة الأجيرة في المادتين 179 و 181 بخصوص منع تشغيل المرأة في الأعمال الخطيرة والشاقة، ومزاولة الأشغال الجوفية، بالرغم من ضعف الغرامات المالية عند مخالفتها. إلا أنه بخصوص العمل الليلي نرى أن المشرع بتقريره إمكانية تشغيل النساء ليلا كمبدأ، يكون قد ضرب في أهم القيم الأخلاقية للمجتمع المغربي ذو المرجعية الإسلامية.
فبالإضافة إلى كون العمل الليلي ينافي القيم الإسلامية، فإن له آثار وخيمة على صحة المرأة، حيث أثبتت جل الدراسات العلمية والطبية التي تم إجراؤها على عمال الليل سواء الرجال أو النساء ـــ خاصة النساء ــــ أنهن معرضات للإصابة بعدة أمراض من بينها مرض القلب، ذلك أن القلب لا يستجيب للعمل الجاد ليلا كما النهار، إذ يكون في حاجة إلى التباطؤ الذي صمم من أجله ليلا. وأفادت دراسات أخرى أن العمل بالليل له مخاطر صحية أخرى تهدد حياة المرأة العاملة، كالإحساس بالتعب والقلق في النوم، والإصابة بأمراض القلب والضغط النفسي والإجهاد والمعاناة من الأرق أو قلة النوم، كما أفادت دراسة حديثة احتمال الإصابة بسرطان الثدي عند النساء العاملات ليلا، فالتعرض للضوء بشكل مستمر أثناء الليل يؤدي إلى نقص في إفراز هرمون لا يتم إفرازه إلا في الظلام، خاصة عند النوم، ومهمته تكمن في تقوية جهاز المناعة وحماية خلايا الجسم والأنسجة من السرطان.
والعمل في ساعات الليل يؤدي إلى ارتفاع خطر إجهاض المرأة الحامل بنسبة %85، كما أنه جراء العمل في الليل فإن نسبة ولادة طفل ميت ترتفع بمعدل 60 %. والتفسير العلمي لعملية الإجهاض أن عمل المرأة الحامل في الليل أحيانا وفي النهار أحيانا أخرى يعمل على إرباك التوقيت البيولوجي للمرأة الحامل، وبالتالي يؤدي إلى ارتفاع خطر الإجهاض.
المطلب الثاني: حماية الأمومة
إن الأمومة تشكل بالنسبة للمرأة الأجيرة حدثا مهما في حياتها، وتغييرا جوهريا ليس فقط على المستوى البيولوجي والسيكولوجي بل أيضا على المستوى العادات الأسرية، وذلك ابتداء من الشهور الأولى للحمل وأثناء ولادة المولود ونشأته الأولى.
فإذا كانت الوضعية الاجتماعية للمرأة صعبة جدا داخل وسطنا التقليدي، فإن الأستاذ محمد القري اليوسفي يؤكد أن “التحاق المرأة وانخراطها في عالم الشغل وخاصة في الدول المتخلفة لم يقبل بسهولة كظاهرة مرافقة لتطور طبيعي للتشكيلة الاجتماعية لهذه الدول وفي الغالب كان هذا الالتحاق بصورة قسرية وغير متناغم مع التطور الثقافي لهذه المجتمعات” .
إلا أنه مما يعمق الإشكالية ويعطيها بعدا خاصا هو ازدواجية المهام الملقاة على عاتق المرأة، فبالإضافة لكونها عاملة فهي الزوجة والأم وربة البيت، مسؤولة أمام المجتمع في تربية الأبناء وتنشئتهم، الشيء الذي يُلقي على المشرع المغربي مسؤولية جسيمة في العمل على خلق وضعية تشريعية متميزة، تمشي في إطار جعل التوازن حاصلا باستمرار المرأة في القيام بوظائفها البيولوجية والتربوية والاجتماعية وحماية حقها في الشغل.
ولا بد من التذكير أن المشرع الفرنسي كان سباقا لسن مقتضيات حمائية خاصة بالأجيرة الأم من خلال القانونين الصادرين على التوالي في سنتي 1913 و 1917. ثم اتخذت قضية الأجيرة الأم بعدا دوليا حيث نوقشت خصوصية وضعها ومركزها في الشغل في أول مؤتمر دولي انعقد بواشنطن سنة 1919. وقد تم تحديد مدة الأمومة في مرحلة الحمل والولادة والنفاس والرضاعة، فهي إذن تتشكل من مرحلتين: مرحلة ما قبل الولادة وما بعدها، وفي هذه الفترات كلها يعترض صحة الأم الأجيرة عدة تغييرات فيزيولوجية ونفسية تؤثر تأثيرا سلبيا على صحتها وبالتالي على إنتاجها وعطائها العملي.
وقضية الأم الأجيرة تحظى حاليا بالاهتمام على الصعيد الدولي بمقتضى التشريعات الدولية والاتفاقيات الصادرة عن المنظمات العمل الدولية كالاتفاقية عدد 183 المتعلقة بحماية الأمومة، الصادر عن المؤتمر الدولي للعمـل بتاريخ 15 يونيو 2000 التي أولت عناية خاصة بحماية الأمومة، ونفس الشيء كرسته الاتفاقية عدد 5 الصادرة عن منظمة العمل العربية سنة 1976.
وجميع هذه التشريعات والاتفاقيات الدولية نصت على ضرورة تمتيع الأجيرة الأم، بمقتضيات خاصة قبل الوضع للحفاظ على صحتها، وكذلك لحمايتها من مغبة الطرد من العمل بسبب نقصان مردوديتها في نشاطها العملي، وتمتد هذه الحماية حتى بعد الولادة ليتسنى للأجيرة الأم استعادة عافيتها، وأيضا من أجل رعاية وإرضاع وليدها في الشهور الأولى من ميلاده، وذلك حتى لا تكون الأمومة سببا لأي ميز في التعامل مع الأجيرة الأم.
وعلى غرار التشريعات الدولية تدخل المشرع المغربي، وترسيخا لمقتضيات ظهير 02/07/1947 بشأن حماية المرأة الحامل وتحيينا لمقتضياته، أقر في الباب الثاني من القسم الأول من الكتاب الثاني من قانون مدونة الشغل65.99 قواعد حمائية خاصة للمرأة الحامل في إطار نظرة حقوقية تزاوج بين حق المرأة العاملة وحق الجنين والطفل، والأسرة عموما، وذلك حين حرص على إدراج الموضوع تحت عنوان له أكثر من دلالة: “حماية الأمومة”، وخص الموضوع بالمواد من 152 إلى 165، ضمنها قواعد ومبادئ جوهرية لحماية الأجيرة الحامل وحقوقها الأساسية مع التأكيد على التزامات قانونية مفروض على المشغل التقيد بها واحترامها ـ
كما أنه بمقتضى الباب الثاني من القسم الثاني من الكتاب الثاني من المدونة نفسها فإن المرأة الحامل تحظى بحماية تشريعية وقواعد خاصة وردت في مواد موزعة ضمن مواد المدونة يستوجب مضمونها جمع شتاتها باعتبارها مواد خاصة إما مكملة أو مقيدة للقواعد العامة والضوابط المنظمة لتنفيذ عقـد الشغل أو إنهائه.
في هذا السياق الذي تفرضه سيكولوجية عمل المرأة لا يسع المشرع سوى الأخذ بعين الاعتبار رغبة المجتمع في بقائه واستمراره بيولوجيا، لذلك فقد تضمنت المدونة الجديدة مواد قانونية لحماية المرأة العاملة.
والسؤال الذي يطرح بهذا الخصوص، هو كيف تعاملت مدونة الشغل مع الأم العاملة ؟ هل أحاطتها بالعناية اللازمة للاهتمام بصحتها وسلامتها: أثناء الحمل، والولادة، ثم بعد الوضع وأثناء عطلة الوضع؟
سنحاول الإجابة على ذلك، من خلال رصد أهم الضمانات القانونية التي جاءت بها مدونة الشغل لحماية الأجيرة الأم من مغبة إقصائها من دخول سوق الشغل، أو فسخ عقد عملها، أو طردها من طرف المشغل بسبب الحمل أو الولادة أو عطلة الولادة. مبرزين أيضا أهم ما جاءت به المدونة من مقتضيات للعناية ورعاية المولود. وذلك بتقسيم هذا المطلب إلى فقرتين حسب المنهجية التالية:
الفقرة الأولى: الحقوق الأساسية للأجيرة الحامل
الفقرة الثانية: التزامات قانونية على المشغل
الفقرة الأولى: الحقوق الأساسية للأجيرة الحامل
• الحق في إجازة ولادة: بالرجوع إلى المادة 152 من مدونة الشغل التي نصت على أنه تتمتع الأجيرة التي ثبت حملها بشهادة طبية بإجازة للولادة مدتها أربعة عشرة (14) أسبوعا، ما لم تكن هناك مقتضيات أفيد في عقد الشغل أو النظام الداخلي أو اتفاقية الشغل الجماعية.
وهكذا يظهر من خلال المادة المذكورة أعلاه، أن مدونة الشغل لا توفر إلا الحد الأدنى من الحقوق للأجيرة الأم ويمكن في إطار اتفاق في عقد الشغل توفير شروط أفضل كرفع عطلة الولادة من المدة التي قررتها مدونة الشغل أو مزايا أخرى ونفس الشيء يمكن أن يتضمنه النظام الداخلي للمقاولة أو اتفاقية الشغل الجماعية التي تتضمن دائما مكاسب أفيد للأجراء بشكل عام وللأجيرة الأم بشكل خاص مما ينص عليه القانون.
• الحق في توقيف سريان عقد الشغل: نصت المادة 154 على هذا الحق قبل تاريخ توقع الوضع بسبعة أسابيع وتنتهي بعد تاريخ الوضع بسبعة أسابيع مع التسطير أن عطل الحمل والولادة توقف عقد الشغل ولا تنهيه.
و بمقتضى المادة 154 فإن توقف عقد الشغل في هذه الحالة يشكل حقـا خاصا للمـرأة الأجيرة الحامل يمكنها ممارسته بشروط منها: حصر إمكانية ممارسة الحق في فترة تبتدئ قبل تاريخ توقع الوضع بسبعة أسابيع، وتنتهي بعد الوضع بسبعة أسابيع (المجموع 14 أسبوعا وهي المدة التي تشكل إجازة الولادة المنصوص عليها في المادة 152 كحد أدنى)، ويمكن أن تكون هناك مقتضيات أفيد بمقتضى شرط في عقد الشغل أو اتفاقية جماعية للشغل أو النظام الداخلي للمقاولة الشغلية.
وتؤكد الفقرة الثانية من المادة 154 أنه إذا ثبت بشهادة طبية نشوء حالة مرضية عن الحمل أو النفاس (الوضع) تجعل من الضروري إطالة فترة توقف العقد فإن المدة السابقة يضاف لها مدة قيام الحالة المرضية الموجبة لها بشرطين:
أ-) بالنسبة لحالة الحامل 8 أسابيع قبل تاريخ توقع الوضع بزيادة أسبوع واحد عن الحق الأصلي،
ب) بالنسبة لحالة ما بعد الوضع أو بسبب الوضع ( النفساء): 14 أسبوعا من تاريخه.
لتصبح مدة التمديد هي اثنين وعشرين (22) أسبوعا. وخلال فترة التوقف أعلاه يمنع على المشغل إنهاء عقد شغل الأجيرة الحامل إذا أثبتت ذلك بشهادة طبية ( م 159 / الفقرة 2).
والجدير بالملاحظة أنه وعلى غرار التشريعات الدولية والاتفاقات الصادرة عن منظمة العمل الدوليـة و العربية، فقد نصت المادة 103 على أنه لا يمكن تشغيل الأجيرات النوافس أثناء فترة الأسابيع السبعة التي تلي الوضع.
وإذا أقدم المشغل على تشغيل الأجيرة في هذه الفترة يعاقب بغرامة تترواح ما بين 10.000 إلى 20.000 درهم.
أما إذا وضعت الأجيرة حملها قبل التاريخ المتوقع، أمكن لها تمديد توقيف عقد الشغل إلى أن تستكمل أربعة عشرة (14) أسبوعا، التي تستغرقها مدة التوقيف المستحق لها شرط أن توجه للمشغل رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل لإخباره بسبب غيابها وكذا بالتاريخ الذي تنوي استئناف شغلها فيه من جديد.
• الحق في تمديد مدة توقف العقد: يحق للأم الأجيرة حسب المادة 156 ألا تستأنف شغلها بعد مضي سبعة أسابيع على لوضع أو أربعة عشرة (14) أسبوعا عند الاقتضاء، وذلك لأجل تربية طفلها شريطة أن تشعر مشغلها في أجل أقصاه خمسة عشر (15) يوما من انتهاء إجازة الأمومة، وفي هذه الحالة فإن فترة توقف العقد لا تتجاوز تسعون (90) يوما.
ورغم أن الصيغة التي ورد بها هذا الأجل الجديد لفائدة تربية الوليد في الفصل 156، قد تبدو عامة بشأن توقف العقد دون الإشارة إلى أن الأمر يتعلق بتمديد فترة التوقف كأجل إضافي لفائدة الوليد، يضاف للتوقف لفائدة حالتي الحمل والوضع (14 أسبوعا) أي 98 يوما، ( على أساس 14 × 7 أيام ).
ولو كان أجل التسعين يوما المقررة بالنسبة لتربية الوليد داخلا في مدة التـوقف المقـررة للـوضع – المشار إليها أعلاه- لما تم التنصيص عليه كمدة خاصة، مما يمكن القول معه أن مدة 90 يوما المقررة لتربية الوليد تبتدئ من انتهاء المدة المقررة لكل من الحمل والوضع .
و لممارسة هذا الحق من طرف الأم الأجيرة أقرت المادة 156 شرطا لذلك، هو إشعار المشغل بممـارسة هذا الحـق داخـل أجل أقصـاه 15 يـوما من انتهـاء إجازة الأمومة.
والملاحظ أن هذا الموضوع يمكن أن يطرح أكثر من إشكال من قبيل:
أ) عدم توصل المشغل بالإشعار بممارسة الأم الأجيرة لحقها في تربية مولودها بعد انتهاء إجازة الأمومة المقررة لها تشريعيا، هل تعتبر منهية لعقد الشغل من جانبها ؟
ويجيب بعض الفقه ، بالإيجاب وذلك حماية لمصلحة المقاولة، وحسن سيرها، خصوصا وأن الأمر بالشكل الذي صيغ به يظهر أنه لم يستحضر بشكل إيجابي حسن سير المقاولة، و فيه نوع من التعامل مع الموضوع بتبسيط كبير، وكأن حضور الأم الأجيرة أو عدم حضورها سيان، والحال أن توقف عقد شغلها قد يترتب عنه إبرام عقد مؤقت ومحدود المدة مع غيرها للقيام بمهامها وضمان استمرار المقاولة، فما مصير المتعاقد معه (ها ) مكانها مؤقتا؟؟
وتتضح الصورة أكثر عندما تتوقع المقاولة المشغلة حضورها مباشرة بعد انتهاء مدة الإجازة القانونية للأمومة، ولا تحضر في اليوم المحدد ولا الثاني ولا خلال أسبوع ودون إشعار مسبق بذلك، وإنما يمكنها إلى اليوم الخامس عشر (من الانتظار) إشعار المشغل بذلك ؟ وهو أمر لا يبدو منطقيا وفيه كثير من التبسيط في النظرة إلى العلاقة الشغلية ومفهوم المقاولة المنظمة المدارة وفق قواعد حداثية للتدبير.
وما يؤكد ذلك ـــ دائما حسب نفس الفقه ـــ أن الفقرة الأخيرة من المادة 156 تؤكد أن الأم الأجيرة تستأنف شغلها بعد انتهاء فترة التوقف، والتمديدات المشار إليها أعلاه، دون أي توضيح أو تمييز من طرف المشرع لحالات تستوجب نقل المهام إليها من طرف من كان يقوم به مكانها خصوصا في المقاولات الكبرى المهيكلة.
كما يمكن للأم الأجيرة وباتفاق مع المشغل الاستفادة من عطلة غير مدفوعة الأجر لمدة سنة لتربية طفلها وتستأنف الأم الأجيرة شغلها بعد انتهاء فترة التوقيف المشار إليها في الفقرتين الأولى والثانية من هذه المادة. وتستفيد من الفوائد التي اكتسبتها قبل توقف عقدها.
لكن الفوائد المكتسبة لا تعني احتفاظ الأم الأجيرة بنفس العمل الذي كانت تمارسه قبل توقف عقد عملها بسبب عطلة الولادة.
وفي هذا الباب نصت المادة 13 من الاتفاقية عدد 5 الصادرة عن المنظمة العربية للشغل، أنه للمرأة الأجيرة الحق في الحصول على إجازة بدون أجر لتربية طفلها وتحتفظ بوظيفتها خلال هذه الإجازة الشيء الذي لم يشر إليه المشرع المغربي في المادة المذكورة أعلاه، لأنه ذكر الفوائد المكتسبة دون أن يحدد هل ستحتفظ الأجيرة الأم بنفس عملها الذي كانت تقوم به قبل الوضع أو بعمل آخر.
وحسب الفقرة الثانية من هذه المادة وخلافا للفقرة الأولى منها، فإن الأجيرة الأم لا يمكنها أن تستفيد من هذه العطلة بالرغم من أنها غير مدفوعة الأجر إلا بالاتفاق الصريح مع المشغل وبدون موافقته تصبح هذه الرخصة المخولة للأجيرة الأم فارغة المحتوى وبدون معنى.
ومن جهة أخرى، لا بد من التذكير على أنه يمكن للأجيرة العدول عن استئناف شغلها حسب المادة 157، وفي هذه الحالة يجب عليها أن توجه إلى مشغلها قبل انتهاء فترة توقف عقد عملها بخمسة عشرة (15) يوما على الأقل رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل تشعره فيها أنها لن تستأنف شغلها بعد انتهاء مدة التوقف المذكورة في المادة 156م.ش، ولا يلزمها في ذلك مراعاة أجل الإخطار ولا أداء تعويض عن إنهاء عقد الشغل، غير أن العقد المحدد المدة ينتهي بانتهـــاء أجلــه.
فضلا على أنه لا يمكن للمشغل إنهاء عقد شغل الأجيرة، أثناء توقفها عن الشغل بسبب نشوء حالة مرضية ناتجة عن الحمل أو النفاس مثبتة بشهادة طبية.
وإذا كان المشرع المغربي قد ذهب وعلى غرار التشريعات الاجتماعية المقارنة إلى سن مقتضيات حمائية خاصة بالأجيرة الأم، فإن تدخله كان محتشما بخصوص المدة المخصصة لعطلة الحمل والولادة التي ضلت قصيرة، إذا ما قيست مع مدة الحمل والولادة التي تستفيد منها الأم الأجيرة في القطاع البنكي المغربي .
ففيما يخص الأجيرة الأم في القطاع البنكي: يبدو أن عطلة الحمل والولادة التي قررتها مدونة الشغل، تظل قصيرة وغير كافية لتمكين العاملة الأم من رعاية وليدها، مقارنة مع ما جاءت به الاتفاقية الجماعية للقطاع البنكي في مادتها 69 التي نصت على أن الأجيرة البنكية تستفيد بخمسة وأربعين (45) يوما، قبل الوضع وثلاث أشهر بعد الوضع، وتتقاضى خلال هذه العطلة أجرها كاملا ويثبت لها الحق أيضا في الاستفادة من أجل رعاية طفلها بستة شهور أخرى تتقاضى خلالها نصف الأجر وبإمكانها دائما ولنفس الغاية تمديد عطلتها بستة شهور أخرى بدون أجر.
وتعتبر هذه ثغرة خطيرة في مدونة الشغل يجب أن يتداركها المشرع، خاصة أن المرأة أصبحت تتحمل مسؤولية الإنفاق على أسرتها وأبنائها إما بسب بطالة الزوج أو محدودية دخله أو وفاته أو مرضه أو غيابه أو بسبب تفكك الرابطة الزوجية بالطلاق.
خلافا للعديد من القوانين المقارنة التي تضمن للأجيرة الأم أجرها كاملا أثناء عطلة الولادة عن طريق التأمينات إضافية إجبارية تقوم مقام المشغل في أداء أجر الأجيرة الأم.
• الحق في استراحة خاصة لإرضاع مولودها: بمقتضى المادة 161 / فقرة -1- من مدونة الشغل فإن لأم الأجيرة يحق لها أن تتمتع يوميا على مدى إثنى عشر شهرا من تاريخ استئنافها الشغل بعد فترة توقف عقد الشغل باستراحة خاصة يؤدى عنها الأجر لمدة نصف ساعة صباحا ونصف ساعة ظهرا لكي ترضع مولودها خلال أوقـات الشغل، ولا تحسب هذه الفتـرة مع فتـرات الـراحة المعمول بها في المقاولة
وبمقتضى الفقرة الثانية من المادة 161 فإنه يمكن أن يتم الاتفاق بين المشغل والأم الأجيرة على الاستفادة من ساعة الرضاعة في أي وقت من أوقات الشغل.
ولتفعيل هذه المقتضيات أوجبت المادة 162 على كل مقاولة تخصيص وتجهيز غرفة – أي فضاءا – للرضاعة داخلها أو بمقربة منها مع إقران هذا الوجوب بشرط أن يكون عدد النساء الأجيرات أكثر من خمسين أجيرة تتجاوز سنهن 16 سنة.
على أن غرف الإرضاع بالمقاولة وشروط قبول دخول الرضع لها وحراسة هذه الأمكنة وتوفير مستلزماتها الصحية تتولى مراقبته السلطة الحكومة المكلفة بالتشغيل.
• الحق في اعتماد مدة التوقف لتحديد العطلة السنوية: بمقتضى المادة 239 من المدونة فإنه ” يجب عند احتساب مدة العطلة السنوية المؤدى عنها اعتبار الفترات المذكورة أسفله بمثابة فترات شغل فعلي لا يمكن إسقاطها من مدة العطلة السنوية المؤدى عنها:”….. الفترات التي يكون فيها عقد الشغل موقوفا وفق الحالات المنصوص عليها في الفقرات: 5،4،3،2،1 من المادة 32 ”
الفقرة الثانية: التزامات قانونية على المشغل
• إلزام المشغل بتخفيف عبء الأشغال التي تكلف بها الأجيرة الحامل (المادة 153/2)
• لا يمكن للمشغل إنهاء عقد شغل الأجيرة التي ثبت حملها بشهادة طبية سواء أثناء الحمل أو بعد الوضع. إلا أن الأجيرة وبخلاف المشغل يمكنها مغادرة عملها أثناء الحمل والوضع وعطلة الولادة دون إشعاره، ودون أن تكون ملزمة بأداء أي تعويض عن فسخ عقد العمل بصفة منفردة طبقا لمقتضيات المادة 158.
–أما إذا بلغت الأجيرة بقرار الفصل قبل أن تثبت حملها بشهادة طبية، فإن المادة 160 خولت لها إمكانية إبطال قرار الفصل، إذا بادرت بعد خمســة عشـــرة يوما من توصلها به، وذلك بتوجيه شهادة طبية مثبتة للحمل للمشغل برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل.
و في حالة إقدام المشغل على إنهاء عقد شغل أجيرة حامل ثابت حملها بشهادة طبية، أو أثناء فترة عطلتها الموالية للوضع، فإنه يتعرض لأداء غرامة مالية تتراوح ما بين 10.000 درهم إلى 20.0000 درهم.
ونرى أن هذه العقوبة هزيلة لا تحقق الردع المطلوب، لذلك يجب رفعها إلى 40.000 درهم، مع إغلاق المؤسسة المخلة بهذا الالتزام في حالة العود المتكرر، وذلك لتحقيق الردع والزجر وإعطاء فعالية ونجاعة لهذه القاعدة.
• يكون باطلا بقوة القانون كل اتفاق ينافي أحكام المواد152 إلى163 من مدونة الشغل.
• التمديد الاتفاقي لمدة توقف العقد: أضافت الفقرة الثانية من المادة 156 إمكانية أخرى لتمديد فترة الأمومة لتربية الأجيرة الأم مولودها لمدة سنة غير مدفوعة الأجر وباتفاق مع المشغل، وهو أمر قد لا يثير ما يستوجب المناقشة ما دام الأمر يتعلق بالاتفاق والتراضي بين الأم الأجيرة ومشغلها وبشروط رضائية بين الطرفين والعقد شريعة المتعاقدين كما أقرت ذلك مقتضيات الفصل 230 من قانون العقود والالتزامات.
وعند استئناف الأم الأجيرة لعملها بعد توقف عقد الشغل في إطار ما تم توضيحه أعلاه فإنها تبقى محافظة على الامتيازات والمكتسبات، أو كما سماها المشرع الفوائد التي كانت اكتسبتها وتتمتع بها قبل توقف العقد، وهنا تجدر الإشارة إلى أن عبارة الفوائد لا تبدو دقيقة وتفي بالمقصود ، والأولى استعمال عبـارة ”المكتسبات أو الامتيازات ”.
• توقف أجل الإخطار بالنسبة للحامل والنفساء: تنص المادة 45 على أنه: ” يتوقف أجل الإخطار أثناء فترة، ما قبل وضع الحامل لحملها أو ما بعده، مع مراعاة الشروط الواردة في المادتين 154 و 156 من مدونة الشغل.
• منع المشغل من إنهاء عقد الشغل خلال فترة الحمل وبعد الوضع: تؤكد ديباجة مدونة الشغل أنه: يمنع كل إجراء يستهدف استقرار الأجراء في العمل لإحدى الأسبـاب التي أورد من بينهـا: ” الحمل و الأمومة “مع التأكيد على أن الحقوق التي يقرها هذا القانون تعتبر حدا أدنى لا يمكن التنازل عنه، مع إعطاء الأولية في التطبيق عند تنازع القوانين للمقتضيات القانونية الأكثر فائدة للأجراء.
و تنص المادة 159 على أنه:” لا يمكن للمشغل إنهـاء عقد شغل الأجيرة التي ثبت حملها بشهادة طبيـة سـواء أثناء الحمل أو بعـد الوضـع بأربعة عشر أسبوعا”.
• منع تبليغ قرار إنهاء عقد الشغل خلال فترة التوقف: إذا أثبت المشغل ارتكاب الأجيرة الحامل أو الأم خلال فترة توقف عقد الشغل لخطإ جسيم، أو لأحد الأسباب القانونية المبررة للفصل فإنه يمكن له إنهاء عقد شغلها، وذلك بمقتضى المادة 159 التي تؤكد ذلك.
ورغم تنصيصها على عبارة “الأسباب” فإنه لا يعقل أن يكون المقصود هو “الأسباب كلها ومجتمعة”، وكان
الأحسـن لو استعملـت عبـارة “لسبـب من الأسباب الأخرى “. لكن رغم إقرار حق المشغل في اتخاذ القرار بإنهاء عقد الشغل فإن المشرع، منع تبليغ هذا القرار لها أثناء فترة توقف عقد الشغل المنصوص عليها في المادتين 154 و 156 وذلك تحت أثر وجزاء أن لا ينتج إنهاء أثره أثناء تلك الفترة، وبشكل يسمح بالقول بأن العلاقة الشغلية تبقى مستمرة، وهو أمر يستوجب بدوره المناقشة خصوصا وأن المشرع استعمل بهذا الخصوص عبارة ” تبليغ ” بتأكيده ” شرط ألا تبلغ ”، في حين استعمل في مواد أخرى الإشعار، والإخبار والحال أن المعنية بالقرار قد تعلم أو تسمع بصدوره وترغب في الطعن فيه لربح الوقت ويرفض المشغل تبليغه لها لتأجيل طعنها ضده وكان يستحسن أن يضاف لذلك ” ما لم تطالب بهذا القرار إن علمت به”.
والملاحظ أيضا من خلال رصد الواقع المرير للأجيرة الأم، يظهر أن هناك فجوة عميقة تفصل بين المقتضيات الحمائية الواردة في مدونة الشغل وتنزيلها وتطبيقها الفعلي مع الواقع، ويزيد الأمر استفحالا ضعف العقوبات وعدم فعاليتها ونجاعتها الزجرية ضد المخلين بتطبيق التدابير الحمائية الخاصة بالأجيرة الأم.
علاوة على أن الوضع الحالي للأجيرة بشكل عام والأجيرة الأم بشكل خاص، يتميز بعدم وعيها بحقوقها وعدم المطالبة بتطبيقها، الشيء الذي يصعب معه عدم وجود أحكام قضائية تطبق المقتضيات الحمائية على أرض الواقع العملي للمرأة، ولعل السبب راجع لعدم كفاية وجود تنظيمات أو هيئات تضع على عاتقها مسؤولية توعية الأجيرات بحقوقهن ومساعدتهن على المطالبة بها.
مع التسطير في هذا الإطار على عزوف الأجيرات عن الانخراط في العمل النقابي، بالرغم من ظهور مستجدات وتغيرات متلاحقة على الساحة العالمية والمحلية تجعل موضوع عمل المرأة مسألة حيوية وهامة تفرض حتمية خضوعه الدائم للبحث وتشخيص الأوضاع واقتراح الحلول من أجل التوصل لنتائج عملية لتمكين المرأة من الاندماج الكلي في عملية التنمية الشاملة للبلاد.
أخيرا وفي ضوء المعطيات المفصلة أعلاه، نخلص إلي إبداء الاقتراحات التالية معتمدين في ذلك على آراء بعض الفقه :
– نظرا لعدم دراية الأمهات الأجيرات بالمقتضيات الحمائية الخاصة بهن فعلى الإعلام بجمع وسائله و خاصة المرئية منها الاضطلاع بدوره الريادي في هذا المجال لتوعية هذه الشريحة بحقوقها ليتسنى لها معرفتها والمطالبة بها.
– على النقابات العمالية والجمعيات النسائية أن تعمل على القيام بندوات التحسيس وتوعية الأجيرات بحقوقهن في إطار دورات تكوينة.
– يجب أيضا التفكير في سن تأمينا خاصا لأداء أجر الأم كاملا أثناء عطلة الحمل والولادة العادية والممتدة بسبب المرض أو لتربية المولود نظرا لأن أجر الأجيرة الأم قد يكون في الغالب هو مورد عيشها.
– يجب رفع مدة الرضاعة إلى سنتين كاملتين استنادا على الشريعة الإسلامية خاصة النص القرآني الذي حدد مدة الرضاعة في حولين كاملين أو على الأقل رفع هذه المدة إلى 18 عشرة شهرا على غرار ما هو معمول به في مصر وسوريا.
– يجب توفير وسيلة لنقل الأجيرة الأم حتى يتسنى لها مرافقة وليدها معها إلى مقر عملها لتتمكن من إرضاعه وإيداعه في المحضن الكائن بمقر عملها.
– يجب رفع مبلغ الغرامة من 20.000 درهم إلى 40.000 درهم في حالة إقدام المشغل على طرد الأجيرة الأم خلال فترة الحمل والولادة والرضاعة والنفاس.
– يجب رفع مبلغ الغرامة من 5000 إلى 20.000 درهم في حالة إخلال المشغل بعدم توفير غرفة الرضاعة ودار للحضانة.
– يجب على الإدارة المختصة رفض تصاميم بناء المقاولات التي لا تتوفر على غرف لرضاعة ومحاضن الأطفال.
– يجب رفع عطلة الحمل والولادة إلى الحد المعمول به في الاتفاقية الجماعية للعمل البنكي.
– يجب تخويل مفتش الشغل سلطات واسعة لمراقبة تنفيذ التدابير الحمائية للأجيرة الأم.
– يجب النص صراحة على وجوب إرجاع الأجيرة الأم إلى عملها الأصلي بعد انتهاء عطلة الولادة.
المبحث الثالث: التعويضات المستحقة للأجير عن الطرد التعسفي
إذا كان مبدأ الحرية في التعاقد وإنهاءه هو الشريعة العامة التي تحكم عقد العمل- مبدئيا-، وأن العقد شريعة المتعاقدين ولهما الحق في إنهاءه بإرادتهما، فإن المشرع قد رتب أثرا قانونيا على إنهاء عقد العمل بصفة تعسفية ليعطي الجانب المتضرر الحق في الحصول على تعويض لجبر الضرر.
ويطرح إنهاء عقد الشغل بالإرادة المنفردة، لأحد طرفيه – خصوصا المشغل- عدة مشاكل قانونية، يأتي على رأسها مشروعية أو عدم مشروعية هذا الإنهاء. فالطرد الذي يتخذه المؤاجر ضد الأجير أثناء ارتكاب خطأ جسيم، يعد طردا مشروعا يفقد الأجير الكثير من الحقوق والامتيازات، أما إذا كان طرده طردا تعسفيا فإن المشغل بالرغم من كونه يملك حق الفسخ فإنه لا يجوز له التعسف في استعمال هذا الحق، وفي هذا الصدد يقول بلانيول “إن التعسف في استعمال الحق إنما هو خروج عن الحق. إذ ينتهي الحق حين يبدأ التعسف في استعماله…”. ومتى كان الإنهاء غير مشروع، وصف بأنه تعسفيا ومن تم جاءت عبارة “الفصل أو الطرد التعسفي”. وهو ما يرتب أثرا قانونيا نظمته النصوص القانونية المختلفة، والتي كانت متفرقة بين قانون الالتزامات والعقود ومجموعة من المراسيم الصادرة بعده، والتي طبعها الاجتهاد القضائي بتدخله في تفسيرها وسد ثغراتها وخلق قواعد فيما لم يتضمنه النص التشريعي، وهو ما جمعته مدونة الشغل.
وهنا يطرح التساؤل، هل استطاع المشرع المغربي بمقتضى هذه المدونة، أن يحقق الطابع الحمائي للأجراء في إطار علاقات العمل الفردية؟ وهل تحقق هاجس المشرع في دعم هذه القواعد، و تقليص السلطة الكاملة المخولة لرب العمل للتخفيف من آفة البطالة المتصاعدة؟ وما مدى رقابة القضاء على هذا الطرد الذي يتعرض له الأجير؟ ودور القاضي في تفعيل النصوص على الوجه المطلوب؟
كما يقال: إن القانون يولد ميتا، و التطبيق هو الذي يزرع فيه الروح.
فالتعويضات التي يستحقها الأجير بسبب الطرد التعسفي، تختلف باختلاف الأسس والأسباب القانونية التي تنبني عليها، وإذا كان التعويض عن الطرد التعسفي بمفهومه الدقيق يعتبر أهم تعويض، بالنظر إلى كونه يشكل أكبر تغطية للضرر اللاحق للأجير من جراء الطرد، فإن هذا التعويض و كذا باقي التعويضات، ترتبط وجودا وعدما بإقرار تعسفية الطرد من قبل القضاء.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه التعويضات لا تعتبر من النظام العام، لذلك فالمحكمة حينما تبت في الطلبات المتعلقة بها، تتقيد بحدود هذه الطلبات، بمعنى أنها لا تحكم بأكثر مما طلب، عملا بمقتضيات الفصل 3 من قانون المسطرة المدنية، ويترتب على ذلك أنها تحكم للأجير بما طلب أو أقل منه، ولو كان يستحق أكثر مما هو مطلوب .
ويلاحظ أن المدونة أتت بتسميات جديدة فيما يخص هذه التعويضات، لذا سنعتمد عليها، ومن أجل التطرق لهذه التعويضات وكذا المقتضيات القانونية التي تنظمها، سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين: نتناول (في الأول) التعويض عن أجل الإخطار وعن الفصل، ثم التعويض عن الضرر وعن فقدان الشغل في (مطلب ثان).
المطلب الأول: التعويض عن أجل الإخطار و عن الفصل
للمؤاجر الحق في اتخاذ بادرة الإنهاء من جانبه، وذلك بطرده للأجير في أي وقت شاء، شريطة احترام مهلة الإخطار، وهو المبدأ المنصوص عليه في الفصل 754 من ق.ل.ع، ومن ثم يتضح مدى هزالة الرابطة القائمة بين المؤاجر والأجير، ومدى الخطر الذي قد يتعرض له هذا الأخير في كل وقت . ومقابل هذه السلطة المخولة لرب العمل، التي تشكل خطورة كبيرة على استقرار علاقة العمل، وعلى وضعية العامل المهدد بقرار فصله في كل لحظة، وبفقدان شغله ومصدر عيشه، الشيء الذي يؤدي إلى خلق انعكاسات فعلية اقتصاديا واجتماعيا ونفسيا، لا تنحصر على الأجير فقط بل تتعدى إلى أسرته و محيطه العائلي، الأمر الذي جعل المشرع يقيد شيئا ما هذه الحرية بوضع عدة إجراءات وشكليات يجب احترامها وإتباعها، كي لا يكون هذا الفصل تعسفيا. وتتمثل هذه الشروط في شرط شكلي وهو الإخطار (الفقرة الأولى)، وآخر موضوعي وهو عدم ممارسة هذا الحق المخول للمشغل بصفة تعسفية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: التعويض عن أجل الإخطار
من بين الأسماء التي كانت تطلق هذا التعويض، التعويض عن الفسخ الفجائي. وإن كان هناك من يطلق هذا الاسم على الفسخ الذي يقع على عقد الشغل المحدد المدة قبل انتهاء مدته . لذلك يجب الاقتصار على الحكم بتعويض واحد، رغم مطالبة الأجير بمجموعة من التعويضات التي تحمل أسماء مختلفة وتتعلق بنفس التعويض.
فعندما يتعرض الأجير للطرد من قبل المشغل يكون مفروضا عليه البحث عن عمل جديد لكسب عيشه، وبالتالي يحتاج لمدة معينة للبحث عن العمل، لأن الطرد المفاجئ بدون سابق إنذار أو إخطار يجعله في وضعية العاطل، لذلك تدخل المشرع لإقرار أجل الإخطار الذي يجب أن يستفيد منه الأجير لتدبر أمره قبل تعرضه للطرد. وهكذا نصت مدونة الشغل في فصلها 43 على أن “إنهاء عقد الشغل غير محدد المدة بإرادة منفردة يكون مبنيا على أجل الإخطار ما لم يصدر خطأ جسيم من الطرف الآخر”. ويستفاد من هذا الفصل أن الأجير الذي طرد تعسفيا ــ بمعنى أنه لم يرتكب خطأ جسيما يستوجب الفصل ــ يستفيد من أجل الإخطار بحكم القانون، فإذا لم يمنح له هذا الأجل فإنه يستحق ما يسمى بالتعويض عن أجل الإخطار ، طبقا لمقتضيات الفصل 51 من مدونة الشغل.
وقد كرست المدونة هذا الوضع، من خلال التنصيص على أن التعويض عن أجل الإخطار يعتبر من خصوصيات عقد الشغل غير محدد المدة. فإذا كان طرفا عقد الشغل محدد المدة يكونان على علم مسبق بتاريخ انتهاء مدته، فإن الغاية من هذا الإخطار في العقد غير محدد المدة الذي تكون نهايته مجهولة، هو أنه قد شرع لإعلام أحد الطرفين للآخر بوضع حد لهذه العلاقة حتى لا يفاجأ بهذا الفعل. وما يؤكد ذلك أيضا المادة 46 التي جاء فيها “لا تطبق المقتضيات المنصوص عليها في المادة 45 أعلاه (المتعلقة بإقرار أجل الإخطار) عندما ينتهي عقد الشغل محدد المدة، أو المبرم من أجل انجاز شغل معين… “.
غير أنه، وبالرغم من ذلك فإن المدونة قد أقرت أيضا هذا التعويض لفترة الاختبار التي تعتبر من حالات العقد محدد المدة، وهذا ما تؤكده المادة 13، حيث قررت للأجير الاستفادة من أجل الإخطار لا يمكن أن تقل مدته عن ثمانية أيام.
وتعتبر مدة الإخطار من النظام العام، حسب الفقرة الثالثة من المادة 43، التي قررت بطلان كل شرط في عقد الشغل أو الاتفاقية الجماعية أو النظام الداخلي أو العرف، يحدد أجل الإخطار في مدة تقل عما تقرره النصوص التشريعية أو التنظيمية. ولا يعفى المشغل والأجير من التقيد بأجل الإخطار إلا في حالة القوة القاهرة، كما جاء في الفقرة الأخيرة من المادة 43 من المدونة وأيضا في الفصل 754 من قانون الالتزامات والعقود.
والجدير بالذكر أن هذا التعويض يمنح كذلك للأجراء اللذين تم فصلهم لأسباب اقتصادية أو هيكلية أو تكنولوجية أو لإغلاق المقاولات على الرغم من حصول المشغل على الإذن بالفصل أو الإغلاق (المادة 70 من المدونة)، لكن الأجير الذي وجب له راتب الشيخوخة عند بلوغه سن التقاعد لا يستفيد من هذا التعويض وهذا يعني أنه يجب أن يصل سن التقاعد وأن يكون محقا في راتب الشيخوخة، أي انه تراكم في حسابه لدى الصندوق 1084 يوما من الاشتراك، وإذا لم يجتمع الشرطان فإنه يكون محق في هذا التعويض .
والجديد التي أتت به مدونة الشغل إذن بخصوص هذا التعويض، بالإضافة إلى تحديد مدة دنيا للإخطار لا يجوز النزول عنها وهي ثمانية أيام. هو أن التعويض قد أصبح مقررا لجميع أصناف الأجراء وبدون استثناء، بعكس ما كان الوضع عليه في قرار 13 غشت 1951، الذي كان يستثني من الاستفادة من هذا التعويض بعض فئات الأجراء، كما تم إقراره أيضا لطرفي العقد على حد سواء.
والهدف المتوخى من هذا التعويض الذي يمنح للأجير، كمقابل عن المدة التي تسمح له بالبحث عن عمل جديد بعد تعرضه للطرد الذي يتخذ بحقه فجأة، حيث يفقد عمله نتيجة لذلك. فما دام العمل ضروريا ولا يمكن الاستغناء عليه بالنسبة للأجير، فإن الأمر يتطلب منه البحث عن عمل آخر، وهذا يتطلب وقتا معينا، لذلك منح القانون للأجير الأجر الذي يستحقه عن هذه الفترة الزمنية التي يمكن الحصول خلالها عن عمل.
لكن، في ظل تطور آليات الإنتاج وسيادة التكنولوجيا الصناعية وحلولها محل القوة اليدوية، فإن الحصول على منصب شغل أصبح أكثر صعوبة وتعقيدا، سواء من حيث الخبرات المطلوبة في الأجير أو من حيث التنافسية الكبيرة حول كل منصب شغل من قبل أعداد كبيرة من العاطلين، أو على الأقل الحصول عليه خلال المدة المحددة في هذا النص، لذا يطرح الإشكال حول مدى تحقق الهدف الذي توخاه المشرع من إقرار هذا التعويض، خصوصا حينما لا يحصل الأجير المطرود عن عمل جديد؟ لذلك يجب إيجاد حل لهذه الوضعية التي يصطدم بها الأجير، وهناك بعض الفقه ، من ينادي بإحداث صندوق يساهم في تغطية بعض المصاريف الأساسية للأجير، وذلك لحمايته من الخطر الذي يحدق به بسبب الطرد. وربما يكون المشرع قد تنبه لذلك من خلال إقراره في المدونة بالتعويض عن فقدان الشغل (سنتناوله لاحقا).
ويحدد التعويض عن سابق الإعلام في الأجرة التي يستحقها الأجير خلال هذه المدة، وكانت تحدد هذه الأخيرة غالبا في أسبوع، كما أنها كانت تتفاوت ــ كما كان يقرر ذلك قرار 30 يوليوز 1951 المعروف ب “آجال الإنذار الخاص بالإيجار”ــ باختلاف نوع العمل الذي يقوم به الأجير ودرجة مسؤوليته وكذا أقدميته في العمل، ذلك أنها قد تتعدى الأسبوع وتطول بالنسبة للأجراء الذين يتحملون مسؤولية، أو يعتبرون من الأطر ذوي الامتياز داخل المؤسسة؛ فقد تصل إلى شهر أو تتعدى ذلك إلى ثلاثة أشهر وقد تصل إلى أجرة سنة كاملة من العمل.
وقد سلك مرسوم 29/12/2004 المتعلق ب “أجل الإخطار لإنهاء عقد الشغل غير محدد المدة بإرادة منفردة” ــ الذي يعتبر من أهم النصوص التنظيمية التي صدرت في أعقاب هذه المدونة ــ نفس النهج، حيث ميز بين فئة الأجراء حسب الأقدمية وطبيعة العمل.
وأهم ما جاء به هذا المرسوم، وخلافا لما كان عليه الحال في ظل قرار 13 غشت 1951، هو أنه ميز بين فئتين رئيسيتين: فئة الأطر وأشباههم ثم فئة المستخدمين والعمال، وأنه قد ميز في ظل كل فئة بين ثلاثة معايير من حيث الأقدمية، وتنقسم هذه المعايير إلى ثلاثة على الشكل التالي:
المعيار الأول: ينحصر في المدة التي تقل عن سنة، حيث تحدد مدة التعويض في شهر واحد بالنسبة لفئة الأطر و ما شابهها، وهي ثمانية أيام بالنسبة لفئة المستخدمين والعمال.
المعيار الثاني: يتراوح بين المدة من سنة واحدة إلى خمس سنوات، ويحدد التعويض في شهرين بخصوص الفئة الأولى، وشهر واحد بالنسبة للفئة الثانية.
المعيار الثالث: يشمل المدة التي عن خمس سنوات، حيث يحدد في ثلاثة أشهر بالنسبة للفئة الأولى، وفي شهرين بالنسبة للفئة الثانية.
وما يلاحظ على هذه التعويضات التي جاء بها هذا المرسوم، هو أنه بالإضافة إلى ارتفاع أجرة الأطر والتي تحدد على أساسها باقي التعويضات، فإن مدة هذا التعويض تكون طويلة، خاصة وأن الحصول على عمل جديد بالنسبة لهذه الفئة لا يكون صعبا أو يتطلب وقتا طويلا، وبعكس ذلك لا يكون الأمر سهلا بالنسبة للعامل البسيط، لذلك فالأولى برفع هذا التعويض لمن يستعصي عليه الحصول على عمل جديد.
وقد شكل هذا المرسوم مرجعا أساسيا، سار عليه العمل القضائي المغربي، من أجل احتساب التعويض عن أجل الإخطار في قضايا الطرد التعسفي، وفي هذا الإطار نذكر بعض الأحكام القضائية التي تبين كيفية احتساب هذا النوع من التعويضات، والتي تعتمد على صفة الأجير (الأطر وأشباههم أو المستخدمين والعمال)، وأقدميته ثم الأجرة التي يتلقاها. وبخصوص ذلك، قضت المحكمة الابتدائية بسيدي سليمان في حكمها رقم 48/2005 الذي جاء فيه “حيث إن إنهاء عقد الشغل غير محدد المدة، الرابط بين الطرفين، قد تم بالإرادة المنفردة للمدعى عليه، دون احترام أجل الإخطار ودون ثبوت أي خطإ جسيم في حق المدعي، فيكون هذا الأخير محقا في طلب التعويض من ذلك، وحيث أن المدعي يعتبر من فئة المستخدمين، وقد قضى في خدمة المشغل مدة أربع سنوات، فإنه يستحق مهلة محددة في شهر واحد عن الإخطار، وذلك عملا لمقتضيات المادة الأولى من المرسوم رقم 2.04.469 الصادر في 29/12/2004… وينوب عن ذلك مبلغ 1300 درهم”. (50 درهم * 26 يوم)، ولأنه من صنف المستخدمين وأقدميته هي 4 سنوات، فإنه يستحق تعويضا عن الإخطار محدد في شهر واحد أي 1300 درهم.
و قد خولت المدونة للأجير الحق في التغيب للبحث عن عمل، حيث نصت المادة 48 على أنه “يستفيد الأجير أثناء أجل الإخطار من رخص التغيب، قصد البحث عن شغل آخر، على أن يؤدى له عنها الأجر الذي يتقاضاه عن أوقات شغله الفعلي، أيا كانت طريقة أدائه”، وقد نظمت ذلك الفقرة الرابعة من الفصل الخامس من النظام النموذجي، حيث أنه يحق للأجير خلال مهلة الإخطار التغيب لفترة ساعتين في اليوم دون أن يتجوز هذا التغيب ثمان ساعات متتابعة مرة واحدة في الأسبوع، إذا كان الأجير يبتعد عن مقر عمله بمسافة تزيد عن 10 كيلومترات، وهذا أيضا ما نصت عليه المادة 49 من مدونة الشغل.
ويلاحظ على المستوى العملي، أنه غالبا ما لا تحترم مدة الإخطار من قبل المشغل، حيث يتوصل الأجير بقرار الطرد بصفة فورية ومفاجئة ولا تمنح له هذه المهلة، نظرا لكون الطرد في الغالب يكون بسبب خطإ جسيم، والظرف في هذه الحالة لا يسمح بهذه المهلة، الأمر الذي يجعل المحكمة تحكم للأجير بهذا التعويض في حالة اعتبار هذا الطرد تعسفيا .
وهذا جدول بياني يحدد التعويض عن أجل الإخطار وفق مدونة الشغل:
الفقرة الثانية: التعويض عن الفصل
من المبادئ الأساسية في القانون الاجتماعي، أحقية كل من طرفي العقد في إنهائه بالإرادة المنفردة، وهذا المبدأ يبدو بوضوح في مجال علاقة العمل التي تتسم بالطابع الشخصي، وترتبط بحق أساسي من الحقوق الشخصية و هو الحق في العمل. و من ثم يحق لكل من المشغل و العامل وضع حد لعلاقته مع الآخر .
فإنهاء عقد العمل يمكن حدوثه باتفاق الطرفين أو من جانب الأجير أو من جانب المشغل، إلا أنه عمليا، يكون الفسخ تعسفيا من طرف المشغل أكثر شيوعا، والذي يضع حد للعقد في مواجهة الأجير، ويجد هذا الأخير نفسه بدون عمل بعد أن قرر مشغله فصله عن العمل. إما لأنه في نظره يعد عاملا مؤقتا يمكن الاستغناء عليه في كل وقت، والحال أنه عامل رسمي، أو لأنه لم يستطع العمل لضعف قدرته الصحية، وإما بسبب المرض، أو تعرضه لحادثة شغل أو أنه يتوصل بمقرر الفصل يتضمن أنه ارتكب خطأ جسيما، كما يفصل الأجير بسبب نشاطه النقابي أو ترشيحه لممثل العمال، أو أنه شارك في حركة إضراب … لذلك تدخل المشرع عن طريق قواعد آمرة لحماية الأجير الطرف الضعيف، وذلك بإقراره تعويضا عن هذا الفصل التعسفي الذي يتعرض له.
ويعتبر هذا النوع من التعويضات إلى جانب التعويض عن الإخطار و الضرر، من التعويضات المقررة إثر المسؤولية التقصيرية للمشغل . وقد نظم هذا التعويض المرسوم الملكي الصادر بتاريخ 14 غشت 1967، بمثابة قانون الذي احدث بموجبه التعويض عن إعفاء بعض أصناف المستخدمين، وكدا المرسوم الملكي الصادر بنفس التاريخ والمتعلق بتحديد وكيفيات منح هذا التعويض عن الإعفاء .
وقد كان يشترط المرسوم الأول في مادته الأولى، أن يكون عمل الأجير قارا، أي أن يقضي مدة سنة كاملة وبصفة مستمرة من العمل، دون أن يرتكب خطأ جسيما مبررا للطرد . كما تحدد نفس المادة مجال تطبيق هذا القانون، حيث تقتصر الاستفادة من هذا التعويض فقط “على المستخدمين الدائمين في المؤسسات الصناعية والتجارية والمهن الحرة ومؤسسات الاستغلال الفلاحي والغابوي والشركات المدنية والنقابات والجمعيات والهيئات كيفما كان نوعها، المعينين لمدة غير محدودة”.
إلا أن مدونة الشغل قد تطرقت إلى هذا النوع من التعويض في المواد من 52 إلى 60 منها، ومن المستجدات التي أتت بها المدونة بتفعيل الحماية الاجتماعية للأجير في هذا الصدد هو إقرار الاستفادة له من هذا التعويض بعد قضائه ستة أشهر من العمل، كما وسعت الفئة المستفيدة من هذا الدعم، حيث لم تشترط أي شكل في أداء الأجر أو دورية أدائه، حيث نصت المادة 52 على أنه “يستحق الأجير المرتبط بعقد شغل غير محدد المدة، تعويضا عن فصله، بعد قضائه ستة أشهر من الشغل داخل نفس المقاولة، بصرف النظر عن الطريقة التي يتقاضى بها أجره، وعن دورية أدائه”.
وفي هذا الصدد قضت ابتدائية وجدة بما يلي:” حيث أن فصل المدعية من عملها بعد قضائها مدة سنتين من العمل ودون أن ترتكب أي خطأ يخولها الحق في التعويض عن الفصل طبقا لمقتضيات المادة 52 من مدونة الشغل وعليه يكون التعويض المستحق للمدعية عن الفصل مقدرا في مبلغ 929.28 درهم” .
وقد استثنت في المقابل من الاستفادة من هذا التعويض، من وجب له راتب الشيخوخة، وذلك بموجب المادة 60 التي نصت على أن “لا حق للأجير في التعويضات الواردة في الفصل 59 إذا وجب له راتب الشيخوخة عند بلوغه سن التقاعد طبقا للفصل 625، إلا إذا نص عقد الشغل أو اتفاقية الشغل الجماعية، أو النظام الداخلي على مقتضيات أكثر فائدة للأجير”. وبذلك حسمت المدونة النقاش الذي كان دائرا حول استحقاق الأجير للتعويضات عن الطرد، ومن بينها التعويض عن الفصل، إذا صادف حصوله على التقاعد، الأمر الذي يمكن اعتباره من مستجدات مدونة الشغل. إلا أن الإشكال قد يطرح، في الحالة التي يكون فيها الطرد الذي تعرض له الأجير قبل مدة وجيزة من وصوله إلى سن التقاعد.
ومن جهة أخرى، وانطلاقا مما جاء في المادة 52 بخصوص شرط مدة ستة أشهر. فإذا كان التعويض عن الفسخ يستحقه فقط الأجير المرتبط بعقد غير محدد المدة، فإن الإشكال يطرح بخصوص العقد الذي يفسخ بعد ستة أشهر فقط، ودون أن يتم التنصيص فيه على كونه محدد المدة، خاصة إذا كان الأجير يشتغل في القطاع غير الفلاحي، حيث تكون هذه المدة مؤشرا على كون العقد محدد المدة أو أن العمل مؤقتا، وهذا النوع من العمل لا يستفيد صاحبه من هذا التعويض كما نصت على ذلك المادة 52، ومع ذلك فإن هذه المادة اقتصرت على مدة ستة أشهر. وبهذا الخصوص يرى بعض الفقه ، أنه قد يحدث التباس بخصوص هذه المادة.
وقد أولى الفصل الثاني من نفس المرسوم عناية خاصة لمندوبي الأجراء، إذ حدد التعويض الذي يستحقه هؤلاء، في ضِعف التعويض الذي يستحقه الأجير العادي، شريطة أن يكون إعفاءه قد تم أثناء مدة انتدابه، ما عدا إذا وافق على هذا الإعفاء العون المكلف بتفتيش الشغل. وقد ذهب مدونة الشغل في نفس الاتجاه من خلال مادتها 58، إلا أنها أضافت إلى فئة “مندوبي الأجراء” فئة “الممثلين النقابيين بالمقاولة”، واشترطت أيضا أن يتم الفصل خلال مدة انتدبهم، إلا أنها لم تشترط موافقة مفتش الشغل. ويلاحظ أن طبيب الشغل لا يستفيد من هذه المضاعفة رغم تشابه الحماية القانونية المشمول بها مع حماية المندوب والممثل النقابي .
ونرى أن هذا الامتياز الذي يتمتع به هذا الصنف من الأجراء، هو أمر عادي ومنطقي، نظرا لكون هؤلاء يكونون أكثر عرضة للطرد مقارنة مع الأجراء العاديين، نظرا لدورهم الحساس الذي يقومون به، والمتمثل على الخصوص في تأطير العمال وتوعيتهم بحقوقهم، وهذا ما يتعارض مع مصالح المشغلين ويقلقهم، فيعرضون الأجير “المندوب” أو “الممثل النقابي” للطرد، إما انتقاما أو تأديبا له، ليكون عبرة لأمثاله من باقي العمال، فيكون بذلك وسيلة لردعهم، وكثيرا من الحالات على أرض الواقع تبين ممارسات المشغلين في حق مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين.
وتأكيدا على هذه الحماية قضت ابتدائية البيضاء بما يلي: “عندما يتم تكوين نقابة داخل المؤسسة ويتعرض ممثل النقابة الذي قدم بطريقة مشروعة مطالب مادية ومهنية، إلى الطرد بسبب هذا النشاط يكون للإضراب التضامني الذي يشنه بقية العمال للاحتجاج على هذا الطرد طابعا مشروعا ويكون المشغل بالتالي مسؤولا عن فسخ عقد الشغل الواقع في هذه الظروف، ويجب عليه أن يتحمل عواقب هذا الفسخ التعسفي”
وقد حددت المادة 53 من المدونة، التعويض عن الفصل على أساس عنصرين هما: أجرة الساعة، والأقدمية في العمل. بحيث خصت كل أقدمية معينة بأجر يقدر بعدد ساعات معينة، كما أشارت في الفصل 56 إلى أن الأجر المعتمد يجب ألا يقل عن الحد الأدنى للأجور المقرر قانونا. وبالتالي يطرح التساؤل عن عدم اشتراط الحد الأدنى في احتساب التعويضات الأخرى الناتجة عن الطرد التعسفي.
وعلى أي، فمن خلال المادة 53 المتعلقة باحتساب التعويض عن الفسخ، نلاحظ أنه في الخمس سنوات الأولى تضاف 96 ساعة من التعويض عن كل سنة. وفي المرحلة الثانية من 6 إلى 10 سنوات، تضاف 144 ساعة من التعويض عن كل سنة. وفي الرحلة الثالثة من 11 إلى 15 سنة تضاف 192 ساعة كل سنة. وفي المرحل الأخير (ما فوق 15 سنة) تضاف 240 ساعة كل سنة.
ولحساب التعويضات المتعلقة بالفصل يمكن الاستعانة بالجدول الذي أعده بعض الفقه ، على ضوء هذا الفصل، والذي يربط بين كل سنة (والمتراوحة بين1 سنة و 40 سنة)، والتعويض المستحق عن الفصل.
وقد كان المرسوم الذي نظم هذا التعويض، قبل دخول المدونة حيز التنفيذ يحدد بمقادير أقل، وقد أحسن المشرع فعلا حينما قام بمضاعفة هذا التعويض في مدونة الشغل، وهذا ما يعزز مكانته ضمن سائر الحقوق التي يستحقها الأجير عن الطرد، بالرغم من أنه يجب الرفع من هذه التعويضات مرة أخرى خصوصا مع تغير الوضع الاقتصادي الحالي للبلاد ــ مقارنة مع تاريخ خروج هذه المدونة إلى حيز التنفيذ ــ وما يعيشه الأجير من ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة.
وإذا كانت المادة 55 تنص على أن التعويض عن الفصل يقدر على أساس معدل الأجور المتقاضاة خلال 52 أسبوعا السابقة لتاريخ الإنهاء، أي ما يعادل سنة كاملة. فإن ذلك هو ما كان ينص عليه دليل القانون الاجتماعي، حيث جاء فيه أن الأجر الذي يعتمد في تقدير هذا التعويض يحسب “على أساس معدل الأجور المستحقة خلال 52 أسبوعا السابقة للإعفاء، ويتعين أن يؤخذ كأساس الأجر الحقيقي بما فيه الساعات الإضافية والمكافآت والتعويضات المختلفة… والامتيازات العينية والعمولات والإكراميات” .
وقد حددت المادة 57 العناصر التي يتم اعتمادها في تقدير الأجر كما يلي:
” يعتمد في تقدير التعويض عن الفصل من الشغل الأجر بمعناه الأساسي، مع توابعه المبينة أدناه:
1 ــ المكافآت، والتعويضات المرتبطة بالشغل باستثناء ما يلي:
أـ المبالغ المستردة تغطية لمصاريف أو لنفقات سبق أن تحملها الأجير بسبب شغله؛
ب ـ التعويض المؤدى عن تحمل مسؤولية، باستثناء التعويضات عن المهام، كالتعويض المؤدى لرئيس فرقة،أو لرئيس مجموعة؛
ج ـ التعويضات عن الأشغال المضنية أو الخطرة؛
د ـ التعويضات المدفوعة مقابل شغل أنجز في مناطق صعبة؛
ه ـ التعويضات المدفوعة للأجير، إذا حل مؤقتا محل أجير آخر ينتمي إلى فئة أعلى من فئته، أو عن شغل أنجزه الأجير بصفة مؤقتة، أو استثنائية، ما عدا التعويضات عن الساعات الإضافية؛
2 ــ الفوائد العينية؛
3 ــ العمولة، والحلوان.”
ثم جاءت الماد 54 لتنص على:
” تدخل ضمن مدد الشغل الفعلي، ما يلي:
1 ــ فترات العطلة السنوية المؤدى عنها ؛
2 ــ فترات استراحة النوافس المنصوص عليها في المادتين 153 و 154 أدناه، وفترة توقف عقد الشغل المنصوص عليها في المادة 156 أدناه؛
3 ــ مدة عجز الأجير عن الشغل عجزا مؤقتا، بسبب حادثة شغل، أو مرض مهني؛
4 ــ مدة توقف عقد الشغل، ولاسيما أثناء التغيب المأذون به، أو بسبب المرض غير الناتج عن حادثة الشغل أو المرض المهني، أو بسبب إغلاق المقاولة مؤقتا بموجب قرار إداري، أو بفعل قوة قاهرة.”
ويحدد هذا التعويض إما بالاعتماد على أجر الساعة، أو بالارتكاز على أجر اليوم.
المطلب الثاني: التعويض عن الضرر و عن فقدان الشغل
سوف نتطرق في هذا المطلب، إلى التعويض عن الضرر (الفقرة الأولى)، فالتعويض عن فقدان الشغل (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: التعويض عن الضرر
رأينا بأن عقد الشغل غير محدد المدة، يمكن إنهاء بالإرادة المنفردة لأي من طرفيه، ولكن مع مراعاة احترام أجل الإخطار ، ومع وجود مبرر مقبول ، بحيث أن أي إنهاء للعقد دون احترام أجل الإخطار أو دون أن يكون مبنيا على مبرر مقبول أو سبب مشروع أو دون أن يستنفذ المشغل المساطر المتطلبة قانونا قبل الإقدام على إنهاء العقد، يكون إنهاءا تعسفيا يوجب للطرف المتضرر منه بالإضافة إلى التعويضين السابقين، تعويضا آخر عن الضرر وفق المادة 41 من مدونة الشغل، وهو تعويض مستقل عن كل من التعويض عن أجل الإخطار والتعويض عن الفصل، أي أن استحقاق التعويضين الأولين لا يحول دون المطالبة بالتعويض الثاني إذا كان له محل.
ولا شك في أن استعمال المدونة لهذا المصطلح، بهدف وضع حد لكثرة التعابير التي كانت تطلق على هذا التعويض، مما كان يفسح المجال لكثير من التأويلات، هو تكريس توجه الاجتهاد القضائي المغربي، الذي اعتبر أن أساس هذا التعويض هو الخطأ التقصيري الذي يرتكبه المشغل، بإقدامه على فصل الأجير من عمله بدون مبرر، هذا الخطأ يترتب عنه حصول ضرر يستحق عليه الأجير تعويضا.
وهكذا إذا أنهى المشغل عقد شغل أجيره غير محدد المدة وفصله عن عمله، فإن هذا الأجير يستحق تعويضا عن الضرر الذي لحق به من جراء هذا الفصل، إذا كيف هذا الأخير بالتعسفي. حيث يذهب الاجتهاد القضائي، إلى أن استخلاص الصبغة التعسفية للفصل الموجبة للتعويض، يدخل ضمن السلطة التقديرية لقضاة الموضوع، ولا رقابة عليهم في ذلك من قبل المجلس الأعلى، إلى من حيث التعليل، إذ جاء في قرار المجلس الأعلى : “…لكن حيث إن هذه الوسيلة، علاوة على أنها لا تعدو أن تكون تكرارا لما ورد بالوسيلة الأولى، فإن الصبغة التعسفية تقدرها محاكم الموضوع، بما لها من سلطة تقدير، بشرط التعليل، وقد عللت المحكمة استنتاجها لتلك الصبغة من الإقدام على الطرد قبل الحصول على الإذن من السلطة المختصة… “.
وقد كان يحدد هذا التعويض، طبقا لمقتضيات الفصل 754 من قانون الالتزامات والعقود، في صيغته المعدلة بمقتضى ظهير 26 شتنبر 1938، وكان خاضعا للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع، وتأخذ في تحديده بعين الاعتبار مجموعة من العناصر ، أهمها: الأجر، مدة العمل أو الأقدمية ثم نوع المهنة وكذا سن الأجير .
وإذا كان المشرع المغربي بمقتضى هذه النصوص القانونية السابقة لمدونة الشغل، يخول القضاء سلطة تقدير التعويض المستحق عن الضرر الناجم عن الفسخ التعسفي وذلك في ضوء الفصل 754، فإن الملاحظ أن المدونة بنصها صراحة على أن المحكمة المختصة، يكون لها في حالة ثبوت الفصل التعسفي للأجير، إما الحكم بإرجاعه للعمل، أو حصوله على تعويض عن الضرر، يحدد مبلغه على أساس أجر شهر ونصف عن كل سنة عمل، أو جزء من السنة، على ألا يتعدى التعويض في جميع الأحوال سقف 36 شهرا، حسب الفقرة الأخيرة من المادة 41.
ولقد طبقت المحكمة الابتدائية بوجدة، مضمون المادة 41 من المدونة في حيثيات حكمها الذي جاء فيه: “وحيث أنه طبقا لمقتضيات المادة 41 من مدونة الشغل فإنه يحق للطرف المتضرر في حالة إنهاء الطرف الأخر للعقد تعسفيا مطالبته بالتعويض عن الضرر يحدد مبلغه على أساس أجرة شهر ونصف عن كل سنة عمل أو جزء من السنة على ألا يتعدى سقف 36 شهرا” .
ومن المفروض أن المدونة بوضعها هذا المعيار، تكون قد حسمت النقاش حول مقدار هذا التعويض الذي كان يختلف من محكمة إلى أخرى، إلا أن هذا الاختلاف لازال قائما، بين الجهات وحتى في الإقليم الواحد بين المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستيناف ، وعلى خـلاف اتجاه المحكمة الابتدائيـة بوجدة قضـت ابتدائية مكناس بما يلـي:” وحيث وتطبيقا لمقتضيات المادة 41 من مدونة الشغل فإنه يحق للطرف المتضرر في حالة إنهاء الطرف الآخر للعقد تعسفيا مطالبته بالتعويض عن الضرر، وحيث وأنه وما للمحكمة من سلطة تقديرية ارتأت تحديد التعويض في 1000 درهم” .
والأكيد أن المقصود بأجر الشهر في المادة 41، هو أجر العمل الفعلي للأجير خلال شهر أو ما يعرف بأيام العمل المنتجة ، وهي عادة لا تدخل فيها أيام العطل الأسبوعية، والتي غالبا ما تصل إلى أربعة أيام، مما يعني أن أيام الشهر تصل إلى 26 يوما، وتبعا لذلك فأجر شهر ونصف يعني 39 يوما من أيام العمل الفعلي. ويلاحظ أن المدونة لم تحدد المعنى المقصود بهذا الشهر، إذ كان عليها أن تحدد أيامه أو على الأقل الـتأكيد على أنه يراد به ما يحتوي عليه الشهر من أيا العمل الفعلي.
ومن جهة ثانية لم تحدد المقصود بالأجر، هل يقصد به الأجر الإجمالي، وإذا كان كذلك هل يشمل جميع التعويضات التي يشتمل عليها، أم يقصد به الأجر الصافي الذي يستخلص بعد خصم جميع الاقتطاعات التي يخضع لها الأجر الإجمالي، والراجح عند أغلب الفقه أن المقصود بذلك هو الأجر الإجمالي. إلا أن الأجر الشهري قد تطرأ عليه بعض التغييرات، وذلك كما في الأجور التي تعتمد على العلاوات والمكافآت التي قد تضاف له، ومن ثم قد يرتفع الأجر وقد ينخفض بحسب الأحوال. وهنا يطرح الإشكال أيضا حول الأجر الشهري الذي يتعين اعتماده، وذلك عندما يتجاوز هذا الأخير الحد الأدنى للأجور، ويقترح بعض الفقه حلا لهذا الإشكال، وذلك قياسا على ما يتضمنه الفصل 120 من ظهير 6 فبراير 1963 المتعلق بحوادث الشغل، حيث يتم اعتماد معدل الأجر الشهري للسنة السابقة على تاريخ الطرد، وذلك بجمع الأجر السنوي الإجمالي و قسمته على 12.
ويلاحظ أيضا أن المدونة قد حددت سقفا أو حد أقصى لا يمكن تجاوزه في تقدير التعويض عن الفصل، ذلك أنها وإن كانت قد وضعت كأساس لهذا التعويض أجر شهر ونصف، إلى أنها فرضت ألا يتجوز في أقصى الحالات أجر 36 شهرا، أي ما يوازي أجر ثلاث سنوات من العمل. وفي هذا الصدد نسجل عدة انتقادات، أولها ، أن المشرع المغربي بهذا النص يكون قد حرم القضاء بكيفية واضحة ومطلقة من تلك السلطة التقديرية التي كان يتمتع بها في ظل النصوص القانونية السابقة عن مدونة الشغل، خاصة الفص 754 من ق.ل.ع، في تحديد التعويض عن الفصل التعسفي، وأصبح بالتالي مجال التعويض المستحق عن الضرر الناجم عن الفصل التعسفي لا يختلف كثيرا عن مجالي كل من التعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية، والتعويض عن حوادث السير، حيث يقتصر دور القضاء فيهما على حساب التعويض المستحق للضحية في ضوء عناصر محددة قانونا وليس تقديره في ضوء الضرر الحاصل.
أما الانتقاد الثاني ، فيتعلق أيضا بالحد الأقصى الذي يقدر فيه هذا التعويض إذ يعتبر إجحاف في حق الأجير الذي أمضى في عمله أزيد من 24 سنة، حيث يكون تعويض من قضى 30 سنة أو أكثر، معادلا لمن اقتصر في عمله على 24 سنة، مع أن مدة عملهما تختلف اختلافا كبيرا. وبذلك يمكن القول أن اعتماد عنصر الأقدمية ومدة العمل في تقدير هذا التعويض هو جزئي، أي أنه يرتبط فقط بالمدة من السنة الأولى إلى السنة الرابعة و العشرين عمل الأجير، أي عنصر الأقدمية لا يعتمد على باقي المدة. ونتساءل هنا لماذا تم الاقتصار على التعويض عن هذه المدة فقط؟
فإذا كانت المدونة قد عززت مكانة هذا التعويض، من خلال إقرار مدة شهر ونصف، بعدما كان في السابق لا يتجوز شهرا واحدا ـ وهذا مكسب حقيقي لصالح الأجيرـ إلا أنه في المقابل، نلاحظ أن هذا التعويض قد تم تقليصه بالنسبة للفئة التي تتجوز مدة عملها 24 سنة، مع العلم أن سن التقاعد محدد في 60 سنة، وأن السن القانوني للشغل هو 15 سنة، فمثلا إذا افترضنا أن أجيرا التحق بعمله عند بلوغه سن 16 سنة (بغض النظر عن الواقع الذي نعيشه، حيث يتم استغلال الأطفال القاصرين وتشغيلهم في سن جد مبكرة)، فإنه سوف يبلغ من عمره فقط 40 سنة بعد قضائه 24 سنة من العمل.
وانطلاقا من معيار شهر ونصف عن كل سنة، يلاحظ أن هذا التعويض يصل إلى أجر سنة واحدة بعد مضي ثمان سنوات من العمل، وإلى أجر سنتين بعد مضي 16 سنة من العمل، ثم إلى أجر 3 سنوات بعد حلول 24 سنة من العمل.
وفي مثالنا السابق، فإن تعويض مدة سنتين ونصف لن يستفيد منها الأجير إذا تم طرده تعسفيا عند اقترابه بلوغ سن التقاعد؛ وبالتالي فالأجير الذي اشتغل مدة تفوق 24 سنة لا يستفيد شيئا من أقدميته.
كما أن بعض الفقه ، تساءل عن إمكانية الجمع بين الإرجاع للعمل والحكم بالتعويض عن الفصل التعسفي، ثم هل يمكن للمحكمة الحكم بالرجوع للعمل، ولو لم يطلب ذلك الأجير طبقا لمبدأ الخيار للمحكمة في دعوى الرجوع، وهل يمكن إرغام المشغل على إرجاع الأجير؟
يتمثل التعويض العيني عن الطرد بدون حق أو موجب، في إرجاع الأجير أو الأجراء المطرودين إلى عملهم ، وهذا الإجراء ورد النص عليه في الفصل السادس من النظام النموذجي الملغى، كما نصت عليه الفقرة السادسة من المادة 41 من المدونة التي جاء فيها “في حالة تعذر أي اتفاق بواسطة الصلح التمهيدي، يحق للأجير رفع دعوى أمام المحكمة المختصة، التي لها أن تحكم، في حالة ثبوت فصل الأجير تعسفيا، إما بإرجاع الأجير إلى شغله أو حصوله على تعويض عن الضرر… “
وبالنسبة للقضاء فإن موقفه منسجم مع النص التشريعي الذي يخول لقاضي الموضوع سلطة الخيار بين التعويضين، وهو الاتجاه الذي أكد عليه قرار المجلس الأعلى الذي جاء فيه: “عندما ثبت لقضاة الموضوع وفي نطاق سلطتهم التقديرية أن فصل المطلوب في النقض كان فصلا تعسفيا، فإنه يبقى لهم الخيار بمقتضى الفصل السادس من النظام النموذجي للعلاقة بين الأجراء وأرباب العمل الصادر في 23 أكتوبر 1948 في الحكم بإرجاع الأجير إلى عمله أو الحكم بالتعويض، وهذا ما فعله القاضي الابتدائي الذي أيدته محكمة الاستئناف…” .
عندما يتقدم الأجير المطرود إلى المحكمة بطلب يتضمن المطالبة بالرجوع إلى العمل أو الحكم له بالتعويض، فإنه يتعين على المحكمة الحكم حسب الظروف والحل الأنسب والأصلح للأجير . لكن عندما يفضل أن يطلب الأجير الرجوع إلى العمل فقط فهل يلزم القاضي بالاستجابة لطلبه عند ثبوت فصله التعسفي أم له أن يرفض طلب الإرجاع والحكم له بالتعويض النقدي؟
استنادا إلى مقتضيات الفصل 3 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على أنه “يتعين على القاضي أن يبحث في حدود طلبات الأطراف، ولا يسوغ له أن يغير تلقائيا موضوع أو سبب هذه الطلبات”، يمكن القول أن القاضي مقيد بالحكم وفق ما طلب منه، ولا يستعمل الخيار المقرر له إلا عندما يتضمن طلب الأجير المفصول هذا الخيار، أما وأن الأجير اقتصر في طلبه على الحكم بالرجوع إلى عمله وحده فلا حاجة إذن لاستعمال القاضي للخيار بين الحكم بالرجوع أو الحكم بالتعويض، إذ القاعدة العامة أن القاضي لا يحكم بأكثر مما طلب منه.
وعلى العموم، نرى أنه من الواجب إعادة النظر في صياغة الفصل 41، إذ من الضروري تدخل المشرع ـ على الأقل ـ لإزالة الحد الأقصى لهذا التعويض أو سقف 36 شهر كتعويض عن الضرر، لأنه بوضعه هذا السقف يمس فئة الأجراء الذين اشتغلوا لمدة تزيد عن 24 سنة.
الفقرة الثانية: التعويض عن فقدان الشغل
يكتسي موضوع التعويض عن فقدان الشغل أهمية خاصة بالنسبة للطبقة العاملة، في ظل مسلسل إغلاق المؤسسات الإنتاجية والخدماتية، وتشريد العمال والعاملات وعائلاتهم في قطاعات تأثرت سلبا بانعكاسات الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد المغربي، واستمرار تداعيات هذه الأزمة على الأوضاع الاجتماعية لعموم الأجراء الذين فقدوا مصدر عيشهم بسببها، وحرمانهم من أية تغطية اجتماعية تخفف من تدهور أوضاعهم وتساعدهم في البحث عن شغل بديل.
ويعتبر هذا التعويض من أهم المستجدات التي أتت بها مدونة الشغل (في المواد، من 53 إلى 59)، وكانت وزارة التشغيل قد أعدت مشروع قانون، يتضمن فكرة إحداث صندوق لتعويض الأجير عن فقدان شغله، ويحدد شروط الاستفادة ووسائل تمويل الصندوق.
إلا أن هذا المشروع لم يخرج بعد إلى حيز التنفيذ، خاصة وأمام إقرار هذا التعويض من طرف المدونة، إذ نصت الفقرة الأخيرة من المادة 53 على “ويحق للأجير أن يستفيد أيضا، وفق القوانين والأنظمة الجاري بها العمل، من التعويض عن فقدان الشغل لأسباب اقتصادية أو تكنولوجية أو هيكلية”.
وهناك اختلاف في الرأي الفقهي، حول اعتبار هذا التعويض ناشئا عن الطرد التعسفي، أم أنه يقتصر على أسباب اقتصادية أو تكنولوجية أو هيكلية.
وما يهمنا في هذا المقام، هو التعويض بمفهومه الأول الناشئ عن الطرد التعسفي، غير أننا نجد القضاء المغربي في عدة أحكام، يعتبر هذا التعويض، مقتصرا على أسباب اقتصادية أو تكنولوجية أو هيكلية، وفي هذا الصدد، حكمت المحكمة الابتدائية بسيدي سليمان في حكمها رقم 28/2005 بتاريخ 19/04/2005 ، حيث جاء فيه “حيث نصت المادة 59 من مدونة الشغل على استفادة الأجير عن فصله تعسفيا من التعويض عن فقدان الشغل، فإنه بالرجوع إلى المادة 61 من نفس المدونة، نجدها تنص على أنه إذا فصل الأجير لارتكابه خطأ جسيما، فإنه لا تراعى آجال الإخطار ولا يستحق تعويضا عن الفصل ولا تعويضا عن الضرر، وبالتالي… وبمفهوم المخالفة، فإن الأجير يكون محق في التعويضات الثلاثة دون التعويض عن فقدان الشغل”.
وبالمقابل هناك من يعتبر هذه الأحكام من قبيل التعويضات الناشئة عن الطرد التعسفي. وذلك حتى لا يفهم من أنه في حالة الفصل “لأسباب اقتصادية أو تكنولوجية أو هيكلية”، أن الأجير يحرم من هذا التعويض، فالفقرة الأخيرة من المادة 53 المشار إليها أعلاه، قد أكدت على حقه في هذا التعويض، بل إن عدم وجود أي شرط في الاستفادة منه، يفيد أن الأجير يستحق هذا التعويض، ولو حصل المشغل على إذن بالفصل لسبب من الأسباب المشار إليها أعلاه.
ويلاحظ أن المدونة، وإن كانت قد أقرت هذا التعويض، إلا أنه وأمام عدم وجود نص تنظيمي، يحدد شروط تطبيقه وآليات ذلك، فإن القضاء سيبقى في حيرة من أمره بخصوص طريقة تقدير هذا التعويض، وكذا الجهة التي تتولى أداءه، خاصة في حالة مطالبة الأجير بهذا التعويض.
وإذا كانت الحكومة وأطراف الحوار الاجتماعي، قد توصلت في الدورة الربيعية الأخيرة المنعقدة في شهر أبريل 2011، إلى اتفاق حول العديد من النقط المتعلقة أساسا بالأجور والترقية الاستثنائية، فإن موضوع التعويض عن فقدان الشغل مازال عالقا حيث ظل الاتفاق حوله يراوح مكانه منذ سنين كما تعاقبت عليه جلسات عديدة من الحوار الاجتماعي دون التوصل إلى صيغة بشأنها.
وفي هذا الإطار، لم يتضمن محضر اجتماع الجلسة الربيعية للحوار الاجتماعي، أكثر من التزام الحكومة ـــ مرة أخرى ـــ بإخراج مشروع نظام التعويض عن فقدان الشغل، الذي سبق التأكيد على أهميته إلى حيز الوجود في أقرب وقت، حيث تعهدت بالمساهمة في تمويل هذا النظام عند انطلاقه من خلال تخصيص غلاف مالي قدره ما بين 200 إلى 250 مليون درهم ، لتمويل انطلاقة النظام مع التزام المشغل بالمساهمة في التمويل وفق قواعد العمل المعمول بها في مجال الضمان الاجتماعي، ودعوة المجلس الإداري للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي للبت في الموضوع في دورته المقبلة. فهذا المشروع لا يزال حبيس إدارة صندوق الضمان الاجتماعي في انتظار البت فيه واستكمال مراحله القانونية قبل إخراجه إلى حيز التطبيق.
وفي هذا الإطار وضع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ثلاثة إمكانيات لضمان استمرار صندوق التعويض عن فقدان الشغل، وذلك بعد تخصيص الدولة لغلاف مالي من أجل انطلاقته. وتتعلق الإمكانية الأولى، بمساهمة في حدود 1.1 في المائة من الكتلة الأجرية، وذلك من أجل تخصيص تعويض لا يتعدى 70 في المائة من الحد الأدنى للأجور، وقضي الإمكانية الثانية بمساهمة تعادل 1.25 في المائة من الكتلة الأجرية لصرف تعويض يمثل 50 في المائة من الأجر المرجعي، دون أن يتعدى هذا التعويض مبلغ 6 آلاف درهم، الذي يمثل السقف الأعلى للمساهمات في صندوق الضمان الاجتماعي، وتقترح الإمكانية الأخيرة مساهمة بنسبة 1.5 في المائة من الكتلة الأجرية للاستفادة من تعويض يعادل 50 في المائة من الأجر المرجعي، ويستفيد الأجراء الذين يتوفرون على 780 يوما من التصريحات بزيادة بنسبة 2.5 في المائة عن كل 216 يوما مصرحا به إضافيا، وذلك في حدود 70 في المائة من الأجر المرجعي.
لكن هذه الإمكانيات لا تشير إلى الجهات التي عليها تحمل نسبة المساهمة في صندوق التعويض عن فقدان الشغل، إذ يتعين على المركزيات والاتحاد العام للمقاولات بالمغرب إيجاد أرضية متوافق عليها من أجل إخراج هذه المؤسسة إلى حيز الوجود، فالمساهمة المخصصة من طرف الحكومة، تقتصر على إعطاء انطلاق عمل هذه الآلية، ولا تصل إلى نصف المبلغ الأدنى المطلوب لضمان استمراريتها. وهناك خلاف حاليا بين النقابات وأرباب العمل حول مساهمة كل طرف، إذ في الوقت الذي يقترح ممثلو العمال أن تكون مساهمة الأجراء رمزية، فإن ممثلي المقاولين يؤكدون أن مساهماتهم يجب أن لا تتعدى 0.38 في المائة من الكتلة الأجرية .
وينص المشروع على عدة نقط مهمة ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية. وقد خضع لبعض التعديلات، أهمها إعادة النظر في تحديد أسباب فقدان الشغل، التي كانت الصيغة الأولى من المشروع تحددها في «الأسباب التكنولوجية أو الاقتصادية» قبل أن يُحذف هذا التعبير ويستبدل بعبارة «لأي سبب من الأسباب».
ومما يوجبه مشروع القانون الجديد في شأن أحقية الاستفادة من التعويض، أن يكون طالب التعويض يتوفر على عدد معين من النقط على مستوى نظام الضمان الاجتماعي، وأن لا يزاول أي عمل مأجور خلال فترة الانقطاع عن العمل. وتهدف هذه الشروط إلى ضبط مستحقي التعويض وسد الطريق أمام محاولات الاستفادة من التعويض من دون موجب قانوني أو اقتصادي. أما مسطرة التعويض، فتبدأ بتسجيل طالب التعويض نفسه لدى مصالح الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات، التي سيتم من خلالها، رصد مسار طالب التعويض تفاديا للتجاوزات التي قد يلجأ إليها البعض بهدف الاستفادة غير القانونية من التعويض .
ويرمي مشروع قانون التعويض عن فقدان الشغل إلى تقديم خدمة من شقين للأجراء والعمال، الذين يفقدون عملهم لسبب من الأسباب. فمن حيث الشق الاقتصادي ينص على استفادة هؤلاء من تعويض مالي لمدة 6 أشهر ، يرى المشرع أنها قد تكون كافية للبحث وإيجاد شغل جديد. أما من حيث الشق الاجتماعي فهو ينص على استمرار استفادة الأجير أو العامل من جميع حقوقه الاجتماعية فيما يتعلق بالتعويضات العائلية والتغطية الصحية؛ وهو ما من شأنه أن يسهم في خلق نوع من الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والنفسي للأجير في حال فقدانه عمله.
من جهة أخرى ينص مشروع القانون الجديد على الإبقاء على بعض الامتيازات حتى في حال فقدان الشغل، لاسيما ما يتعلق بالاستفادة من الدورات التكوينية في حدود الصيغ التي توفرها مصالح التكوين المهني.
إلا أن هناك مؤشرات على أن مشروع القانون الجديد مازال بعيدا عن قبة البرلمان باعتباره مازال لم يُطرح بعد للنقاش، بعد البت فيه من قبل المجلس الإداري لصندوق الضمان الاجتماعي
خــــــاتــــــــــمــــــــــــــة:
بإصداره لقانون 65.99 المتعلق بمدونة الشغل يكون المشرع المغربي قد عمل على تجميع جل القوانين المنظمة للتشريع الاجتماعي وسهل بذلك من مهمة القاضي، المتمثلة في حل الإشكاليات التي تطرح عليه والنزاعات المعروضة في إطار القضايا الاجتماعية.
ويتبين أنه من السهولة ملاحظة اتجاه نصوص مدونة الشغل، هذا الاتجاه هو بالطبع لصالح الأجراء. فتحسين شروط العمل، من تحديد للحد الأدنى للأجور، وتحديد ساعات العمل، وضمان العطل المؤدى عنها…كلها امتيازات ـــ بدون شك ـــ وردت لصالح الأجير، وهذا ما يبين بأنه المستفيد المباشر من هذه النصوص، ويؤكد المقولة التي تقرر أن “مدونة الشغل ما وضعت إلا لحماية الأجير”.
فإذا كانت الاستفادة التي جاءت بها هذه المدونة، مخولة لطرف واحد في العلاقة الشغلية وهو الأجير، على حساب الطرف الآخر/المشغل، فإن هذا يدل على أن قانون الشغل المغربي لم يعامل الطرفان على قدم المساواة، ومن قبيل ذلك مثلا، أن الأجير يكون ملزما باحترام أجل الإخطار فقط عند رغبته في إنهاء العلاقة الشغلية بالاستقالة، بخلاف المشغل الذي يكون ملزما بقوة القانون بالاحتفاظ بهذه العلاقة إلا في حالة إخلال الأجير بشروط العقد أو بالالتزامات القانونية، كما أن مسايرة الفقه والقضاء للاتجاه الرامي إلى تطبيق القانون الأصلح للأجير انطلاقا من قاعدة تفسير الشك لصالح الطرف الضعيف، إضافة إلى أن هذه الامتيازات التي يتمتع بها الأجير، فإن الحقوق التي يكتسبها تبقى مستحقة، رغم تنظيم ما يخالفها من طرف القانون، فمادامت هناك حقوق أفضل في العقد أو في الاتفاقية الجماعية، فإنه لا يؤخذ بما جاء به القانون، ويطبق العقد أو الاتفاقية الجماعية مكانه، وإن كان هذا مخالفا للقواعد العامة المتعلقة بتدرج التشريع.
إلا أنه في المقابل، رغم ما تضمنته هذه المدونة من مقتضيات جديدة، فإنها لم تكفل للأجير جميع حقوقه، ولاحظنا في بعض الحالات أنها كرست حقوق أكثر لأصحاب المؤسسات، خاصة فيما يتعلق بفرض الغرامات المالية في حالة مخالفة القواعد الآمرة التي أتت بها، حيث يعاب عليها أنها ضئيلة لن تضمن حقوقه التي تم خرقها.
فهذا التعامل غير المتساوي هو ما يجعل القاضي الذي يبت في نزاعات الشغل بين إكراهين، ولعل هذا هو التحدي الأكبر الذي يواجهه؛ فهو ملزم من جهة، بالحفاظ على حقوق الطرف الضعيف في علاقة الشغل ـــ تماشيا مع مبادئ العدالة ـــ ومن جهة أخرى، فهو ملزم بالحفاظ على استمرارية المقاولة خدمة للاقتصاد الوطني.
فالتشدد والصرامة في الحكم بالتعويضات المستحقة للأجير، قد يرتب آثار عكسية، من شأنها أن تؤدي إلى تهديد وضعية أجراء آخرين، ويتحقق هذا الخطر لا محالة إذا كان المشغل غير قادر على أداء تعويضات عديدة (كما في حالة الطرد التعسفي الجماعي)، مما يدفعه إلى وقف نشاط مقاولته، أو على الأقل يبقى حذرا من تشغيل أجراء جدد مخافة التخلص منهم عند الضرورة. لذا فلا يجب المغالاة في بعض المبادئ التي قد تؤدي إلى تعميق الأزمة .
فمدونة الشغل جاءت من منطلق يتعلق بالصراع الدائم بين المشغل والأجير، فالأول يطالب بالمرونة في التشغيل، والآخر يطالب باستقرار الشغل والحماية الاجتماعية.
وكما قال الأستاذ محمد سعيد بناني أن هذا القانون يسمى بقانون الضدين، مصالحهما متباعدة وغير متكافئة تحتاج إلى سهمين معنويين هما وجود نصوص قانونية غنية، ثم من يطبق هذه النصوص على الوجه الأمثل بخطوات جريئة عن طريق توحيد الاجتهاد القضائي. فالمشرع مهما بلغ من الذكاء فلا يمكن أن يحيط بجميع الحالات لذا لا يبقى إلا الاستغاثة بالقضاء.
فأكيد أن المشرع من خلال مدونة الشغل وضع نصب أعينه، حماية المقاولة المغربية وتشجيع الاستثمار وهو تصور منطقي. لكن لا ينبغي أن يتحقق هذا الهدف على حساب الأجير والمقاولة نفسها، فالجميع يفضل الحصول على مقاولة مغربية متماسكة ومتطورة بنظرة متطلعة للمستقبل هدفها خلق ديناميكية في الاقتصاد الوطني على جلب المستثمرين الأجانب، وعدم إغلاق مؤسساتهم بمجرد ظهور بوادر أزمة اقتصادية أو سياسية.
وعموما يبقى صدور مدونة الشغل، خاصة بتنظيم العلاقات الشغلية فيه طابع حمائي للأجراء، ويبقى التساؤل المطروح، هو مدى قدرة المشرع على توفير حماية لكل من المقاولة والأجير في نفس الوقت، حماية للخلية الاجتماعية وكذا الاقتصادية
المراجع العامة
1. عبد اللطيف خالفي: الوسيط في علاقات الشغل الفردية، كلية الحقوق مراكش، الطبعة الثانية،2003.
2. عبد اللطيف خالفي: الوسيط في مدونة الشغل، الجزء الأول – علاقات الشغل الفردية– كلية الحقوق مراكش، الطبعة الأولى 2004،
3. السيد محمد السيد عمران: شرح قانون العمل، ومشروع القانون الجديد، الإسكندرية، دار المطبوعات الجامعية 1999، 2000
4. حسن كيرة: أصول قانون العمل، عقد العمل، الإسكندرية، منشأة المعارف، الطبعة الثالثة، 1979.
5. عبد العزيز العتيقي: القانون الاجتماعي المغربي وفق مدونة الشغل( قانون 99-65 الصادر في 8 دجنبر 2003) طبعة 2005.
6. عبد العزيز العتيقي، محمد الشرقاني، محمد القري اليوسفي: دراسة تحليلية نقدية لمدونة الشغل المرتقبة (مشروع 1998)، مطبعة دار الجسور، وجدة الطبعة الأولى 1999.
7. عبد العزيز العتيقي: محاضرات في قانون الشغل (مدونة الشغل)، مكتبة المعارف الجديدة بفاس،طبعة 2005.
8. عبد العزيز العتيقي، محمد الشرقاني، محمد القري اليوسفي: مدونة الشغل مع تحليل لأهم المستجدات، الطبعة الأولى.
9. عبد العزيز العتيقي: النظام الجماعي للعلاقات المهنية، والتأمينات الاجتماعية، مكتبة المعارف الجامعية، طبعة 2007،
10. عبد العزيز العتيقي: قانون الشغل المغربي دراسات وأبحاث، الدار البيضاء، م.د.ن.م، طبعة 1997
11. عبد العزيز العتيقي: النظام الجماعي للعلاقات المهنية، والتأمينات الاجتماعية، مكتبة المعارف الجامعية، طبعة 2007.
12. محمد الفروجي: صعوبات المقاولة و المساطر القضائية الكفيلة بمعالجتهاـ الطبعة الأولى 2000.
13. محمد سعد جرندي: الطرد التعسفي في ظل مدونة الشغل و القضاء المغربي، طبعة 2، 2007.
14. محمد سعد بناني: قانون الشغل بالمغرب، علاقات الشغل الفردية، الجزء الثاني، عقد الشغل و التدريب المهني، طبعة 2، 1989.
15. بشرى العلوي: الفصل التعسفي للأجير على ضوء العمل القضائي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2007.
16. محمد الكشبور: التعسف في إنهاء عقد الشغل، أحكام التشريع و مواقف الفق هو القضاء (دراسة مقارنة)، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1972.
17. محمد الكشبور: عناصر عقد الشغل في التشريع الاجتماعي المغربي، 1989.
18. حسين منصور: قانون العمل في مصر و لبنان، دار النهضة العربية، بيروت، 1995.
19. محمد الشرقاني: محاضرات في مدونة الشغل المرتقبة، مشروع رقم 65.99، مكناس، السنة الجامعية 2000-2001.
20. توفيق حسن فرج: قانون العمل في القانون اللبناني والقانون المصري الجديد، بيروت، السنة الجامعية 1986.
21. أحمد إذ الفقيه: إشكالية الشغل النسوي، المرأة العاملة والقانون الاجتماعي المغربي، منشورات كلية الشريعة بأكادير الطبعة الأولى، الدار البيضاء 1996.
22. فتح الله ولعلو: الاقتصاد السياسي، الجزء الأول، مدخل للدراسات الاقتصادية، الطبعة الثانية.
23. فاطمة أزرويل: المرأة بين التعليم والشغل، طبعة 1996، دار وليلي.
24. محمد علي البار: عمل المرأة في الميزان، دار السعودية للنشر والتوزيع، الرياض الطبعة الثانية 1984.
25. أحمد حميوي: محاضرات قانون الشغل المغربي، كلية الحقوق، فاس، السنة الجامعية 2010/2011
26. أحمد حميوي: محاضرات قانون الشغل المغربي، كلية الحقوق، فاس، السنة الجامعية 2010/2011
27. عبد الكريم غالي: في القانون الاجتماعي المغربي، الرباط، دار القلم،طبعة 2001
28. موسى عبود، دروس في القانون الاجتماعي، كلية الحقوق الرباط، 1994
المراجع الخاصة:
1. محمد سعد بناني: القاضي الاجتماعي ومبدأ استقرار الشغل، مقال منشور بالكتاب المخصص لندوة الشغل والمجتمع التي انعقدت بكلية الحقوق بفاس ما بين 8 و 10 أبريل 1982.
2. عبد العزيز العتيقي: قانون الشغل المغربي دراسات وأبحاث، الدار البيضاء، طبعة 1997.
3. مليكة تومي: من أجل دمج نظام العناية الصحية في إطار الضمان الاجتماعي المغربي، رسالة الدراسات العليا في القانون الخاص، كلية الحقوق، الرباط.
4. الملكي الحسين: الحماية الخاصة للأمومة / الأجيرة الحامل من خلال:مستجدات قانون مدونة الشغل رقم 65.99، رسالة المحاماة، المحور الأول (أبحاث ودراسات)،عدد 27.
5. أحمد إد الفقيه: إشكالية الشغل النسوي، المرأة العاملة، في إطار القانون الاجتماعي المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، كلية الحقوق، 1989.
6. حسن بلخنفار: دعوى الخيار بين الرجوع إلى العمل والتعويض عن الطرد التعسفي، الندوة الثانية للقضاء الاجتماعي المنعقد بالرباط، بتاريخ 25/26/1992 منشورات جمعية تنمية البحوث والدراسات القضائية مطبعة أمنية بالرباط 1993.
7. لطيفة بلخير: مداخلة في ندوة حول “حماية المرأة في مدونة الشغل بين استقراء النصوص والواقع”، نظمت من طرف نادي المرأة والأسرة، السبت 11 نونبر 2006 بالمقر المركزي لحزب العدالة والتنمية بالرباط.
8. عبد اللطيف قرياني: إشكالية ملاءمة التشريع المغربي للشغل للإتفاقيات الدولية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، كلية الحقوق بفاس 2004.
المقالات المتخصصة
1. بشرى العلوي: المجلة المغربية لقانون الأعمال و المقاولات، عدد 7، يناير 2005.
2. مباركة دينا: ضمانات الحرية النقابية من خلال التشريع الحالي ومشروع مدونة الشغل رقم 99/65، المجلة المغربية للاقتصاد والقانون عدد 7، 2003،
3. دنيا مباركة: الضمانات التشريعية في مواجهة العقوبات التأديبية، المجلة الالكترونية لندوات محاكم فاس، عدد خاص عن مدونة الشغل، العدد الرابع، يونيو 2006.
4. امحمد برادة اغزيول: إشكالية الأجر وتوابعه في النزاعات العمالية، مقال منشور بالموقع الالكتروني الخاص بالأستاذ: http://membres.multimania.fr
5. السكتاني عمر: الضمانات القانونية للأجراء في نظام المقاولة – دراسة تحليلية و مقارنة– ، مقال منشور في الموقع الالكتروني:http://souktani.ahlamontada.com
6. جميلة لعماري: المرأة وحق الشغل أية حماية؟، مجلة الفقه والقانون، منشور بالموقع الالكتروني: http://www.majalah.new.ma
7. نجاة الكص: التدابير الحمائية الخاصة بالأجيرة الأم في القانون رقم 99/65 المتعلق بمدونة الشغل، مقال منشور بمنتدى الزهراء للمرأة المغربية: http://www.fafm.ma
8. المجلة الالكترونية “أخبارنا”: http://akhbarona.com/news4816.html
9. دليل القانون الاجتماعي: سلسلة الدلائل والشروح القانونية، رقم 3، منشورات وزارة العدل، سنة 1979
10. جريدة الصباح: عدد 632. 22 أبريل 2002.
11. جريدة بيان اليوم: مشروع صندوق التعويض عن فقدان الشغل ومشروعا قانوني الإضراب والنقابات أهم القضايا العالقة في الحوار الاجتماعي، مقال لعبد الحق ديلالي، صدر بتاريخ 02 ماي 2011.
12. جريدة الصباح : 250 مليون درهم لإطلاق صندوق التعويض عن فقدان الشغل، مقال لعبد الواحد كنفاوي، صدر بتاريخ 12 ماي 2011.
13. محمد سعد بناني: بحث بعنوان “القاضي الاجتماعي ومبدأ استقرار الشغل”، منشور بالكتاب المخصص لندوة الشغل والمجتمع التي انعقدت بكلية الحقوق بفاس ما بين 8 و 10 أبريل 1982، ص 59 – 60).
14. جريدة المساء: قانون مشروع التعويض عن فقدان الشغل حبيس إدارة الضمان الاجتماعي، مقال لسعيد الشطبي، صدر بتاريخ 20 يناير 2009.
15. جريدة المناضلة: وجه من الميز ضد النساء العاملات بين قانون الشغل والواقع، عدد 5، مارس 2005.
16. قناةالعربية: http://www.alarabiya.net/views/2010/12/28/131259.htm
17. وزارة الشغل الفرنسية: الموقع الالكتروني www.travail.gov.fr
مراجع باللغة الفرنسية
1. Leila Dinia Mouddani: Les femmes fonctionnaires au Maroc et la reforme administrative ENA Rabat Maroc Direction de la statistique, Rabat 2002
2. Convention relative aux droit de l’enfant adopte par l’assemble générale des nations unies le 20 novembre 1989.
الفهرس
مقدمة………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………..2
الفصل الأول:
ظروف الشغل داخل المقاولة………………………………………………………………………………………………………………..7
المبحث الأول: تدابير حفظ الصحة والسلامة، والمحافظة على الأخلاق………………………………………………………………..8
المطلب الأول: الالتزام باتخاذ التدابير المتعلقة بالسلامة والمحافظة على الأخلاق الحميدة…………………………………..8
الفقرة الأولى: تدابير السلامة والمحافظة على الأخلاق الحميدة و جزاءات الإخلال بها…………………………………………9
أولا: : تدابير السلامة والمحافظة على الأخلاق الحميدة……………………………………………………………………………9
ثانيا: جزاءات الإخلال بتدابير حفظ الصحة والسلامة، والمحافظة على الأخلاق الحميدة………………………14
الفقرة الثانية: الأجهزة المكلفة بالوقاية…………………………………………………………………………………………………………………..16
أولا: مجلس طب الشغل والوقاية من الأخطار المهنية……………………………………………………………………………..16
ثانيا: لجان السلامة وحفظ الصحة……………………………………………………………………………………………………………17
المطلب الثاني: الالتزام بتوفير الرعاية الصحية……………………………………………………………………………………………………….18
الفقرة الأولى: شروط تعيين أطباء الشغل ومجال عملهم…………………………………………………………………………………………18
أولا: شروط تعيين طبيب الشغل………………………………………………………………………………………………………………19
ثانيا: مجال عمل طبيب الشغل………………………………………………………………………………………………………………..19
الفقرة الثانية: دور طبيب الشغل…………………………………………………………………………………………………………………………….20
أولا: الدور الوقائي……………………………………………………………………………………………………………………………………20
ثانيا: الدور الاستشاري…………………………………………………………………………………………………………………………….22
المبحث الثاني: مدة الشغل القانونية……………………………………………………………………………………………………………………..23
المطلب الأول: مدة الشغل القانونية……………………………………………………………………………………………………………………..24
الفقرة الأولى: الحد الأقصى لساعات الشغل العادية……………………………………………………………………………………………..25
أولا: تجاوز الحد الأقصى لساعات الشغل العادية…………………………………………………………………………………..26
ثانيا: إنقاص الحد الأقصى لساعات الشغل العادية………………………………………………………………………………….27
الفقرة الثانية: الساعات الضائعة والساعات الإضافية……………………………………………………………………………………………..29
أولا: الساعات الضائعة……………………………………………………………………………………………………………………………29
ثانيا: الساعات الإضافية………………………………………………………………………………………………………………………….30
المطلب الثاني: العطل المقررة للأجير…………………………………………………………………………………………………………………..32
الفقرة الأولى: الراحة الأسبوعية وأيام الأعياد…………………………………………………………………………………………………………33
أولا: الراحة الأسبوعية………………………………………………………………………………………………………………………………33
ثانيا: الراحة في الأعياد……………………………………………………………………………………………………………………………35
الفقرة الثانية: العطلة السنوية المؤدى…………………………………………………………………………………………………………………….36
أولا: شروط الاستفادة من العطلة ومدتها……………………………………………………………………………………………….. 37
ثانيا: فترة الاستفادة من العطلة وكيفية تعويضها………………………………………………………………………………………. 37
المبحث الثالث: نظام الأجر………………………………………………………………………………………………………………………………….39
المطلب الأول: حماية الأجر في مواجهة دائني الأجير…………………………………………………………………………………………40
الفقرة الأولى: حماية الأجر في مواجهة المشغل……………………………………………………………………………………………………41
أولا: الحماية من الاقتطاع من الأجر……………………………………………………………………………………………………….41
ثانيا: حماية الأجر ضد الضغط الاقتصادي للمشغل، وضمان استمراريته…………………………………………………43
الفقرة الثانية: حماية الأجر في مواجهة الدائنين الأغيار………………………………………………………………………………………….44
المطلب الثاني: حماية الأجر في مواجهة دائني المشغل……………………………………………………………………………………….46
الفقرة الأولى: ديون الأجراء في التشريع الفرنسي………………………………………………………………………………………………….47
الفقرة الثانية: ديون الأجراء في التشريع المغربي…………………………………………………………………………………………………….49
أولا: طبيعة الديون المشمولة بالامتياز……………………………………………………………………………………………………..49
ثانيا: حــدود الامتيــاز كوسيـلة لحماية ديـون الأجـراء…………………………………………………………………………………51
الفصل الثاني:
حقوق الأجير في إطار علاقات العمل…………………………………………………………………………………………..52
المبحث الأول: تشغيل الأحداث والمعاقين………………………………………………………………………………………………………….53
المطلب الأول: تشغيل الأحداث…………………………………………………………………………………………………………………………..54
الفقرة الأولى: سن التشغيل والأشغال المحظورة على الأحداث…………………………………………………………………………….56
الفقرة الثانية:: تنظيم وقت العمل والفحص الطبي………………………………………………………………………………………………….59
المطلب الثاني: تشغيل المعاقين……………………………………………………………………………………………………………………………61
الفقرة الأولى: شروط تشغيل الأجراء المعاقين……………………………………………………………………………………………………….62
الفقرة الثانية: تنظيم شغل الأجراء المعاقين. ………………………………………………………………………………………………………….64
المبحث الثاني: الوضع القانوني للمرأة العاملة……………………………………………………………………………………………………….65
المطلب الأول: حماية الأجيرة ضد التمييز ومن الانتهاكات التي تتعرض لها…………………………………………………………67
الفقرة الأولى: منع التمييز ضد الأجيرة…………………………………………………………………………………………………………………..67
الفقرة الثانية: حماية المرأة من الانتهاكات التي تتعرض لها……………………………………………………………………………………70
أولا: الحماية الأخلاقية……………………………………………………………………………………………………………………………71
ثانيا: الحماية الصحية……………………………………………………………………………………………………………………………..72
المطلب الثاني: حماية الأمومة……………………………………………………………………………………………………………………………….75
الفقرة الأولى: الحقوق الأساسية للأجيرة الحامل…………………………………………………………………………………………………..76
الفقرة الثانية: التزامات قانونية على المشغل…………………………………………………………………………………………………………..81
المبحث الثالث: التعويضات المستحقة للأجير عن الطرد التعسفي……………………………………………………………………….84
المطلب الأول: التعويض عن أجل الإخطار و عن الفصل……………………………………………………………………………………..85
الفقرة الأولى: التعويض عن أجل الإخطار………………………………………………………………………………………………………………86
الفقرة الثانية: التعويض عن الفصل………………………………………………………………………………………………………………………….90
المطلب الثاني: التعويض عن الضرر و عن فقدان الشغل………………………………………………………………………………………94
الفقرة الأولى: التعويض عن الضرر…………………………………………………………………………………………………………………………94
الفقرة الثانية: التعويض عن فقدان الشغل……………………………………………………………………………………………………………….99
خاتمة…………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………….103
قائمة المراجع………………………………………………………………………………………………………………………………………………………..105
الفهرس………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………….110