دراسات قانونية
إضراب الأجراء (بحث قانوني)
محمد حفو
باحث في قوانين التجارة والأعمال، جامعة محمد الأول بوجدة
إن انتقال حق من خانة المنع إلى الإقرار، لم يكن وليد صدفة ، وإنما كان نتاجا عن مخاض سياسي واقتصادي واجتماعي، ألقي على عاتق الوعي النقابي
هذا الأخير الذي لم يكن له وجود في المغرب إلا بعد فترة الحماية.. لأن الطبقة العاملة المغربية كانت تشتغل في ظل فراغ قانوني تام ولم تكن تتمتع بأي حق من الحقوق المعترف بها للأجراء في الدول التي عرفت تشريعا للشغل، رغم المحاولات العديدة في الموضوع والتي لم تلق أية استجابة من قبل سلطات الحماية بسبب المعارضة الشديدة التي كان يبديها المؤاجرون الأجانب لأي اصلاح إجتماعي
إضافة إلى انعدام وجود صناعات تضم عددا كبيرا من العمال داخل المؤسسة أو ما عبر عنه البعض بانتفاء روح الطبقية، الشيء الذي تغير مع وجود النقابات، فقد استوعب العمال المغاربة الاضراب واستعملوه كسلاح لتحقيق الإستقلال النقابي، حيث تم تأسيس النقابة الوطنية المستقلة في 20 مارس 1956، بعد أن كانت الحركة النقابية المغربية امتدادا للحركة النقابية الفرنسية
ومن تمت توالت الإضرابات في الانتشار شيئا فشيئا إلى أن أصبح الاضراب حق دستوري نصت عليه مجمل دساتير المملكة ( الفصل 14 من الدساتير السابقة ) فنجد الفصل 29 من دستور 2011 ينص على هذا الحق (شرط احترامه للنص التنظيمي)الذي لم يصدر لحد الآن … مع العلم بأن أي حق من الحقوق بغياب إجراءات تبين كيفية اكتسابه يظل مجرد حبر على ورق
وانطلاقا مما سبق نصوغ إشكالية هذا الموضوع
باعتبار حق الاضراب يضر بالمصالح الاقتصادية إلا أنه حق دستوري، فهل يمكن التوفيق بين ما هو تشريعي، وما هو اقتصادي؟
:لمعالجة الإشكالية التي يثيرها موضوع هذا البحث، ارتأينا تقسيم هذا الموضوع وفق التقسيم التالي
المبحث الأول: ماهية الإضراب ونطاق مشروعيته
المبحث الثاني : الآثار المترتبة عن ممارسة حق الإضراب
المبحث الأول: ماهية الإضراب ونطاق مشروعيته
إن تلك الحركة الجماعية التي يتم بمقتضاها الإنقطاع عن العمل بشكل مدبر وجوهري من طرف أجراء قطاع إنتاجي أو خدماتي وحتى من طرف مهنيين وأصحاب أعمال حرة وتكون عادة من طرف نقابة قطاعية أو مركزية تنظم العمال وتتفاوض بإسمهم (تسمى الإضراب وسنخصص لها حيزا للتعريف بها ورصد أنواعها ( المطلب الأول
وقد يؤدي الإضراب إلى التعطيل الكلي او الجزئي لأدوات الإنتاج أو الخدمات وقد يرفق بوقفات احتجاجية الغاية منها اثارة انتباه (الرأي العام عن طريق إيقاف الخدمة والانتاج، لذا سنبحث في مشروعية تلك الحركة ( المطلب الثاني
المطلب الأول: مفهوم حق الإضراب وأنواعه
يعني الإضراب في الاصطلاح اللغوي الكف والإعراض، والإضراب مصدر من الفعل الرباعي “أضرب” أي أعرض عن القيام بعمل معين، وفي علاقات الشغل يعني الإضراب التوقف الجماعي للعمال عن القيام بعملهم للتنديد بظروف العمل وللمطالبة بتحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية والمهنية
الفقرة الأولى: تعريف الإضراب
تعددت التعاريف التي أعطيت للإضراب،بتعدد الوجهة التي ينظرمنها لهذا الحق إلا أن جميعها تصب في معنى واحد مهما إختلفت :مستوياتها ومنها
أولا: التعريف الفقهي للإضراب
عرف الأستاذين جان ريفرو وجان سانتيه، الإضراب بأنه:” التوقف المدبر عن العمل من طرف الأجراء بهدف حمل المؤاجر “بهذه الوسيلة من الضغط على الخضوع لمطالبهم بشأن المسألة التي تكون موضوع النزاع
كما عرفه محمد البديوي بأنه:” التوقف التام عن ممارسة عمل مأجور من طرف أجراء المؤسسة أو عدة مؤسسات، أو مجموعة من هؤلاء، بعد اتفاق سابق بينهم وإرادي، ونتيجة لخلاف جماعي، وذلك تأييدا لمطالب مهنية واضحة ومحددة يرفض المؤاجر “تلبيتها
ويلاحظ أن لقيام حالة الإضراب في نطاق الشغل ينبغي أن نكون أمام
علاقات الشغل التبعي المأجور –
توقف الشغل بصورة كلية أوفعلية-
:ثانيا: التعريف القضائي للإضراب
عرفت محكمة النقض الفرنسية، في الحكم الصادر في 28 يونيو 1951 الإضراب بكونه “وسيلة العمال للدفاع عن المطالب المهنية” وأضافت في حكم آخر بأنه “توقف العمال المدبر عن العمل بقصد الموافقة على تحسين شروط العمل” وبصفة عامة استقر موقف هذه المحكمة على أن الإضراب هو ” توقف مدبر عن العمل بغرض تأييد مطالب مهنية محددة سلفا رفض صاحب “العمل تحقيقها
ثالثا: التعريف التشريعي
عرف المشرع المغربي الإضراب من خلال مشروع القانون التنظيمي المتعلق بممارسة حق الإضراب في المادة الثانيةمنه بأنه “توقف جماعي ومدبر عن الشغل من أجل الدفاع عن مطالب مهنية ونقابية”،إسوة ببعض التشريعات المقارنة كمدونة الشغل الموريتانيةالتي عرفت الإضراب في المادة 35 بأنه ” توقف جماعي عن العمل، متفق عليه من طرف مؤسسة أو عدة مؤسسات “للحصول على الاستجابة لمطالبهم المهنية طبقا للقوانين المعمول بها
أما المشرع الأردني فقد عرف الإضراب في الفقرة الثانية من المادة 90 من قانون العمل بأنه “توقف مجموعة من العمال عن “العمل بسبب صراع عمالي
الفقرة الثانية: أنواع الإضراب
:يتنوع الإضراب إلى عدة أنواع نذكر منها
أولا: الإضراب التقليدي
أو الإضراب الكلاسيكي، ويقصد به توقف الأجراء عن الشغل توقفا جماعيا وكاملا ومدبرا، مضحين بأجرهم الذي يعتبر مصدر عيشهم الوحيد أو الأساسي من أجل تحقيق مطالب مهنية يرفض المشغل تلبيتها
ويفترض في هذا النوع من الإضراب أن يكون باتفاق مسبق بين الأجراء المضربين، وكذلك إخطار المشغل به ليكون على علم بمدة الإضراب، بالإضافة إلى إقناع الأجراء المتمردين بالمشاركة في الإضراب
ثانيا: الإضراب الدائر
ويقصد به أيضا الإضراب “الجزئي” وفيه تتوقف مصالح المؤسسة بالتناوب، وذلك قصد المحافظة على ديمومة الإضراب،هذا النوع من الإضراب غالبا ما يلجأ إليه العمال في الأعمال التسلسلية المرتبطة ببعضها البعض بشكل مطرد ومتتابع، يهدف الأجراء من وراء هذا الإضراب إلحاق الضرر بالمشغل مع محاولة الاحتفاظ بالأجر عن ساعات العمل، ويشبه فقهاء القانون الاجتماعي هذا النوع من الإضراب بحرب استنزاف لكون المشغل يبقى ملزما من حيث المبدأ بأداء أجور العمال غير المضربين بالرغم من عدم قيامهم بالأعمال، وذلك نتيجة الترابط الموجود بين مختلف مصالح أو أقسام المؤسسة
والحقيقة أن هذا النوع من الإضراب يتطلب تنظيما دقيقا من حيث ظروف الانضباط والتوقيت
ثالثا: إضراب الإنتاج
إضراب الإنتاج ،يهدف إلى تخفيض الإنتاج عن طريق التباطؤ والتهاون في إنجاز الشغل بالمقارنة مع إنتاج الأيام العادية، أو التوقف لفترة قصيرة
وإضراب الإنتاج يشتبه مع الإضراب الدائر في أن الأجراء يهدفون بواسطة التأثير على المشغل بتقليص إنتاج المؤسسة دون أن يحرموا من أجورهم
رابعا: الإضراب مع احتلال أماكن العمل
إن هذا النوع من الإضراب يتميز بكونه يمارس في ظروف شديدة التوتر وأنه يمثل وسيلة من وسائل الضغط من طرف المضربين على المشغلين وعلى السلطات العمومية لإثارة الانتباه إلى مشاكلهم وإيجاد الحلول لها
وقد يكون هذا الاحتلال لأماكن العمل سلميا، وفي هذه الحالة يكون مقبولا ولكنه قد يكون مصحوبا بالعنف والتهديد والاعتداء على حرية غير المضربين وعلى آلات الإنتاج من طرف فرق حراسة الإضراب
خامسا: الإضراب المفاجئ
تدخل الإضرابات المفاجئة ضمن أشكال الإضراب التي تلجأ إليها المنظمة النقابية لمباغثة المشغل وعدم تخويله الفرصة لاتخاذ الاحتياطات اللازمة لتفادي حدوث خسائر كبيرة في الإنتاج بالبحث عن عمال جدد مثلا، ما دام أن هذا الإضراب يندلع دون سابق إشعار أو إنذار
المطلب الثاني: مشروعية حق الإضراب والقيود الواردة عليه
أصبح حق الإضراب من الحقوق المعترف بها، بل من الحقوق التي فرضت وجودها لتجد مكانها الدستوري، وممارسة حق الإضراب صارت السمة البارزة في العالم المتحضر والوسيلة الأقوى التي تلتجأ إليها الطبقة العاملة للمطالبة بحقوقها وفرض أفكارها وتوجهاتها.وإن كان ولحد اليوم، لم تعرف التنظيم القانوني الواضح والمضبوط، لكن ذلك لا يفهم منه مشروعية الإضراب :على إطلاقها، بل له قيود سنوردها بعد أن نبحث في مشروعيته وفق الشكل الآتي
الفقرة الأولى: مشروعية حق الإضراب
اعترفت اغلب النصوص التشريعية بحق الاضراب،هذا الاعتراف ليس فقط على المستوى التشريعي،بل حتى القضائي وهو ما يأتي :معنا تباعا
أولا:اعتراف النصوص التشريعية بحق الإضراب:
يتكون التشريع من تشريع أساسي الدستور وتشريعات عادية كمدونة الشغل وأخرى فرعية كاللوائح التنظيمية والكل لإقرار حق من :الحقوق كحق الإضراب
:الدستور
نص الدستور الحالي للمملكة (دستور 2011) إسوة بغيره من الدساتيرعلى مشروعية حق الإضراب مضمون، ويحدد قانون “تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته
وتجد الإشارة إلى أن نية المشرع المغربي للاعتراف بحث الإضراب وتقدير مشروعيته كانت واضحة من خلال بعض التشريعات الصادرة حتى قبل صدور الدستور الأولى لسنة 1962، فظهير 19 يناير 1946 اشترط استنفاذ مسطرتي المصالحة والتحكيم قبل اللجوء إلى الإضراب، يكون قد اعترف ضمينا بحق العمال في ممارسة الإضراب على الأقل عند فشل هذه المسطرة.
:مدونة الشغل
كرست مدونة الشغل قواعد تتضمن في جوهرها أحكاما تنظيمية لممارسة حق الإضراب، حيث نصت في مادتها العاشرة على منع تسخير الأجراء قهرا أو جبرا، ومن جهة أخرى نص المشرع المغربي في المادة 32 من مدونة الشغل على أن عقد الشغل يكون متوقفا خلال مدة الإضراب
كما نص كذلك في المادة 16 على انه تنحصر حالات عقد الشغل محدد المدة فيما يلي:” إحلال أجير محل أجير آخر في حالة “توقف عقد الشغل هذا الأخير، ما لم يكن التوقف ناتجا عن الإضراب
يتبين من خلال هذه المادة الأخيرة أن المشرع المغربي، بعد أن سمح بإبرام عقد الشغل محدد المدة في حالة إحلال أجير محل أجير آخر، أثناء توقف عقد شغل هذا الأخير، فإنه جاء مرة أخرى وأكد أن ذلك التوقف لا يجب أن يكون ناتجا عن الإضراب
وأثناء توقف عقد الشغل بسبب الإضراب يمنع المشغل من اللجوء إلى تشغيل أجراء جدد ينتمون إلى مقاولات التشغيل المؤقت، طبقا لمقتضيات المادة 496 م ش
كما ضيقت مدونة الشغل من دائرة مشروعية الإضراب، ففي المادة 39 منها، صنفت عرقلة حرية العمل ضمن الأخطاء الجسيمة التي تبرر للمشغل الحق في اللجوء إلى فصل الأجير المرتكب للخطأ الجسيم، وإن كان المشرع قد أحاط ذلك بضرورة معاينة مفتش الشغل لعرقلة حرية العمل وتحرير محضر بشأنها
:ثانيا:اعتراف الاجتهاد القضائي بحق الإضراب
ذهبت مجموعة من المحاكم المغربية إلى الاعتراف بمشروعية حق الإضراب، دون الوقوف على صدور القانون التنظيمي المشار إليه دستوريا
:محاكم الموضوع
اعتبرت محكمة الاستئناف بمكناس بتاريخ 30/03/1982 بأن:” الإضراب في نطاق الفصل 14 من الدستور حق “مشروع
وقضت المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء في حكمها الصادر بتاريخ 06/01/1984 “… إنما أسماه رب العمل بإساءة جو العمل، ما هو في الحقيقة إلا مطالب مادية ومهنية تقدم بها عمال الشركة وحاولوا تحقيقها في إطار نقابي وبوسيلة مشروعة ألا “… وهي الإضراب الذي يعترف به أسمى قانون في البلاد وهو الفصل 14 من الدستور
:محكمة القانون
:نفس اتجاه محاكم الموضوع سارت عليه محكمة النقض من خلال قراراتها
فقد جاء في قرار للمجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) :”… إن الاتفاق على الإضراب أو التحريض عليه أو العمل على ترويجه أمر يقره القانون دستوريا من حيث المبدأ…”، كما أكد في قرار آخر:”… بأن الإضراب وإن كان حقا مشروعا “…بمقتضى القانون فإن الغاية منه الدفاع عن الحقوق المشروعة للعمال المضربين
وأيضا قرار المجلس الأعلى بتاريخ 11/06/1969:”… لا يمكن اعتبار أيام الإضراب في احتساب التغيبات الغير مبررة التي “…تؤدي إلى الطرد
الفقرة الثانية: القيود الواردة على حق الإضراب
على الرغم من أن حق الإضراب حق دستوري ويدخل في قائمة الحقوق الأساسية، فإنه ليس بحق مطلق إذ يخضع لعدة قيود :يمكن تصنيفها إلى صنفين
أولا: القيود التشريعية
ينص الفصل 288 من القانون الجنائي المغربي:” يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنتين وبغرامة من مائتين إلى خمسة آلاف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط من حمل على التوقف الجماعي عن العمل أو على الاستمرار فيه، أو حاول ذلك مستعملا الإيذاء أو العنف أو التهديد أو وسائل التدليس متى كان الغرض منه هو الإجبار على رفع الأجور أو خفضها أو الإضرار بحرية الصناعة أو العمل
وإذا كان العنف أو الإيذاء أو التهديد أو التدليس قد ارتكب بناء على خطة متواطأ عليها، جاز الحكم على مرتكبي الجريمة بالمنع “من الإقامة من سنتين إلى خمس سنوات
وإذا كان المشرع المغربي بموجب الفصل 288 من )ق ج( يهدف إلى حماية حرية الشغل بالنسبة للأجراء غير المضربين، فإن جل الفقهاء، ينادون بإلغاء هذا الفصل على أساس أنه مجرد وسيلة تشريعية للحد من ممارسة حق الإضراب، والحد كذلك من فعاليته، وفي حالة تداخل أو اصطدام الحق في الإضراب مع حرية الشغل، فيجب تقديم الحق في الإضراب على حرية الشغل، على أساس أنه تم الاعتراف صراحة بموجب الدستور بحق الإضراب، في حين لم ينص صراحة على مبدأ حرية الشغل أي نص ذو قيمة دستورية، وذلك لأن حماية حق دستوري في دول الحق والقانون أولى من تجريم فعل يرمي في الأصل إلى الدفاع عنه.وأن الحق في الإضراب له هدف اجتماعي، والحقوق الاجتماعية ذات أهداف اجتماعية لها الأسبقية على الحقوق والحريات ذات الهدف الفردي مثل حرية الشغل
وفي نفس الاتجاه يرى جانب آخر من الفقه، بأن جريمة المس بحرية الشغل ليست خاصة بقانون الشغل بل هي مرتبطة بصفة خاصة بحرية التجارة والصناعة، ولأنها متعارضة مع حرية أخرى خاصة بقانون الشغل وهي حرية الإضراب بل وبالحرية النقابية عموما
ومن هذه القيود التشريعية كذلك احترام مساطر المصالحة والتحكيم، وقد خصصت لها مدونة الشغل المغربية كتابها السادس المتعلق بتسوية نزاعات الشغل الجماعية، وإن كانت لم تنص بشكل صريح على إلزامية اللجوء إلى هاته المساطر كما كان الحال عليه في ظهير 1946
وفي هذا الصدد يصرح بعض الفقه، بأن الإضراب الذي يشن قبل استنفاذ مسطرتي المصالحة والتحكيم، يعتبر مشروعا ما لم يقترن باقتراف خطأ جسيم
ثانيا: القيود القضائية
تنقسم القيود القضائية إلى قيد متمثل في عدم تعسف المضربين في استعمالهم هذا الحق، وفي عدم ارتكاب الأجير المضرب لخطأ جسيم أثناء ممارسة لحق الإضراب
فيما يتعلق بالقيد الأول (عدم التعسف في استعمال حق الإضراب أو الإضراب التعسفي)، فإنه يأخذ تجليات مختلفة منها الإضراب الذي يرمي إلى إحداث أضرار بليغة بالمؤسسة والإضراب المتكرر والإضراب الذي تطول مدته
وبالإضافة إلى هذه الأنواع من الإضراب والتي تجسد التعسف في استعمال حق الإضراب وعناصره المادية، هناك أيضا العناصر المعنوية التي تتمثل في النية السيئة التي قد تكون سببا حقيقيا غير معلن للإضراب وفي عدم التوازن بين المطالب المقدمة والوضعية الاقتصادية والاجتماعية للمقاولة
زدعلىذلكاعتبارالإضراب تعسفيا إذا تم خارج الإطار القانوني المنظم له أو الإطار التعاقدي الذي تتضمنه اتفاقيات الشغل الجماعية أو أي اتفاقات من نوع آخر
أما القيد الثاني الذي يتمثل في عدم ارتكاب الأجير المضرب لخطأ جسيم، فمناطه أن تكون المطالب التي كان الإضراب نتيجة لها مشروعة، أما إذا كانت هذه المطالب غير مشروعة فإن الأجراء المضربين لا يتمتعون بأي حماية قانونية، بل وإن ممارسة الإضراب في هذه الحالة الأخيرة يعتبر خطأ جسيما يبرر فصل الأجير المضرب
ومن باب الإضراب غير المشروع التوقف عن العمل الذي يقوم به الأجراء تضامنا مع أجراء مقاولة أخرى في حالة إضراب، أو :التضامن مع أجير تم توقيفه بكيفية مشروعية، وفي هذا الصدد بالذات، جاء في قرار للمجلس الأعلى
“… إن الثابت لمحكمة الموضوع أن الطاعن قد دخل في إضراب تضامني مع غيره من العمال قصد إرجاع عمال مطرودين كما أنه مع غيره اعتصموا بمقر الشركة وتم إخلاءهم منها بقرار قضائي نفذ عن طريق السلطة العامة، مما يشكل خطأ شنيعا، “… استوجب الطرد من العمل مما لا يستحق العامل معه أي تعويض
المبحث الثاني: الآثار المترتبة عن ممارسة حق الإضراب
الحقيقة أن مساوئ الإضراب لا تقف عند حدود التأثير السلمي على اقتصاد البلاد، بل تتجاوزه إلى تأثير حتى على العمال أنفسهم، خاصة المضربين منهم الذين يجدون أنفسهم وقت توقفت عقود عملهم، وبالتالي يتوقف تبعا لذلك صرف الأجر ومكملاته كالمنح والمكافأة والتعويضات. كما أن الإضراب لا يشمل في العديد من الحالات جميع أجراء المؤسسة، بامتناع أقلية من العمال من المشاركة فيه، مما يطرح إشكالية تأثير الإضراب على صنف الأجراء غير المضربين وغيرهم، ومن ثمة كان علينا أن نتناول آثار الإضراب على الأجراء المضربين (المطلب الأول) ثم ننتقل إلى آثار الإضراب على الأجراء الغير المضربين والأغيار (المطلب (الثاني
المطلب الأول: آثار الإضراب على الأجراء المضربين
يترتب على ممارسة حق الإضراب العديد من الآثار القانونية التي تؤثر بصفة مباشرة، او غير مباشرة على عناصر عقد الشغل ، هذا الأخير الذي يربط بين المشغل والأجراء …. لهذا سنتطرق لآثار الإضراب على عقد الشغل وعلى علاقة التبعية في فقرة أولى ثم ننتقل إلى آثار الإضراب على الأجر وتوابعه في فقرة ثانية
الفقرة الأولى: آثار الإضراب على عقد الشغل وعلى علاقة التبعية
:وعليه سنتناول آثار الإضراب على عقد الشغل أولا ثم على علاقة التبعية ثانيا
أولا: آثار الإضراب على عقد الشغل
نص المشرع المغربي في الفقرة السادسة من المادة 32 من مدونة الشغل، أن الإضراب يؤدي إلى توقف سريان آثار عقد الشغل، إلى حين زوال هذا الإضراب، وعليه يمنع فصل المشغل للأجير نتيجة ممارسته لهذا الحق، اللهم إذا ارتكب في هذه الأحوال خطأ جسيما يستوجب فصله. وهذا أيضا ما تضمنه مشروع القانون التنظيمي، حين نص في المادة 13 على أن ” الإضراب يوقف ” …عقد الشغل ولا ينهيه
من خلال هذا التوجه، نلاحظ أن المشرع المغربي، سعى إلى الحفاظ على مبدأ استقرار الشغل، الذي يمثل أهمية بالغة في حياة الأجير الاقتصادية والاجتماعية، رغم أن الإضراب يتم بإرادة الأجير
إذا توقف عقد الشغل لا يحلل الطرفين من الرابطة التعاقدية فالعقد لا يتوقف نهائيا، فيرى جانب من الفقه،بأن الإضراب لا يقف سوى الالتزام بأداء العمل، وتبقى الالتزامات الأخرى يتحملها الأجير خلال الإضراب، وإذا أخل بها كان إضرابه تعسفيا
وفي المقابل يرى أن المشغل بدوره يبقى مسئول عن تعويض الإصابات الجسيمة التي قد تلحق الأجير من جراء الحوادث التي تطرأ له من خلال الإضراب لأنها حصلت له من جراء الشغل أو بسببه
الإشكال المطروح: هل من حق الأجراء أن يشتغلوا مؤقتا لدى مقاولة أخرى، وهل من حق المشغل أن يشغل أجراء جدد لفترة مؤقتة مكان الأجراء المضربين؟
بالرجوع إلى مدونة الشغل ومشروع القانون التنظيمي لا نجد أي مقتضى يمنع الأجراء المضربين من العمل لدى مشغل آخر، إلا أنه نرى بأن الأجراء غالبا عندما يضربون فغنهم يبقون معتصمين بأماكن الشغل، للضغط أكثر على المشغل لتحقيق مطالبهم المهنية
فالمشرع كان صريحا وذلك بمنع المشغل من تشغيل أجراء جدد محل المضربين هذا ما نصت عليه المادة16 والمادة 496 من مدونة الشغل
ثانيا: آثار الإضراب على علاقة التبعية
تعتبر علاقة التبعية عنصرا أساسيا من عناصر عقد الشغل، فإذا توقف هذا الأخير بفعل الإضراب، المشروع يؤدي إلى توقف هذه العلاقة، ولا يصبح المشغل مسئولا عن خطأ تابعيه لأن مسؤولية المتبوع المتمثلة في الإشراف والمراقبة ينعدمان عند توقف عقد الشغل
الفقرةالثانية:آثار الإضراب على الأجر وتوابعه
كأي عقد من العقود الملزمة للجانبين، تترتب على عقد الشغل الرابط بين المشغل والعامل، التزامات وحقوق تظل كقاعدة عامة سارية المفعول بين طرفيه، إذ لم يتدخل عامل من العوامل التي قد توقف سريان هذه الآثار القانونية الناتجة عن هذا العقد باعتباره من العقود التبادلية
ومن هذه العوامل مدة الإضراب، التي تخول سقوط الحق في الأجر، كمبدأ عام، فلا يمكن أداء أجرة بدون عمل من الناحية المنطقية، ونفس الاتجاه دأبت عليه محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا)، “… إغلاق المؤسسة بسبب الإضراب يجعل الأجير “… غير مستحق للأجرة، لكونها لا تؤدي إلا عن العمل الفعلي
ونفس النهج سار عليه بعض الفقهباعتبار أن الحرمان من الأجر الذي يتعرض له المضربون هو نتيجة مباشرة لتوقف عقد …الشغل
أما استثناءا، فيمكن للأجير المضرب أن يتقاضى أجره في حالات عدة من ضمنها، إذا أبرم اتفاقا مع مشغله، على منح الحق في الأجر خلال فترة الإضراب، أو في حالة إذا كان الإضراب ناتج عن خطأ جسيم ارتكبه المشغل، وقد أصدرت محكمة النقض الفرنسية بهذا الخصوص قرارا لها بتاريخ 12 مارس 1959، حيث قررت استحقاق الأجراء التعويض لكون الإضراب جاء نتيجة المطالبة بالأجر في وقته المحدد والذي لم يحترمه المشغل
هذا بخصوص الأجر، فما هو الأمر بالنسبة لتوابعه؟
للإجابة عن هذا الإشكال ينبغي التوضيح، على أنه إذا تعلق الأمر بامتيازات عينية، فإنه المادة 77 من مدونة الشغل تنص على ” إذا وضع المشغل رهن إشارة الأجير سكنى بسبب شغله، وجب عليه إخلاؤها وإرجاعها إلى المشغل في أجل أقصاه ثلاثة أشهر من تاريخ إنهاء العقد أيا كان سبب الإنهاء، وذلك تحت طائلة غرامة تهديدية لا تتعدى ربع الأجرة اليومية للأجير عن كل يوم “تأخير
ومنه يتبين بأن إرجاع السكن الوظيفي يكون في حالة إنهاء عقد الشغل وليس في توقفه
وإذا تعلق الأمر بامتيازات مادية، فنجد أحد الباحثين يقول باستحقاق مثل هذه الامتيازات للأجراء المضربين، مادامت هذه الامتيازات تمنح للحاضرين دون الغائبين وأن المضربين كان غيابهم من اجل تحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية للمؤسسة الشغلية
ونفس الأمر الذي قيل عن الامتيازات بنوعيها، يطبق على التأمينات الاجتماعية، مع بعض التحفظات
المطلب الثاني: آثار الإضراب على الأجراء غير المضربين والأغيار
إن آثار الإضراب لا تقتصر فقط على الأجراء المضربين وإنما يشمل كذلك الأجراء غير المضربين وكذلك الأغيار
الفقرة الأولى: آثار الإضراب على الأجراء غير المضربين
يلاحظ خصوصا أمام تعدد مبدأ النقابات أن الإضراب لا يؤدي إلى توقف كل الأجراء عن الشغل، وبالتالي فالمؤسسة تكون أمام صنفين: صنف مضرب وآخر غير مضرب، هنا يثار سؤال حول استمرارية عقود هؤلاء أم أنها تتوقف تبعا لتوقف عقد شغل الأجراء المضربين وهل لهم الحق في الأجر أم لا؟
فالإشكال غير مطروح بالنسبة لغير المضربين الذين تمكنوا من أداء شغلهم بالرغم من الإضراب، بل يثار بالنسبة للذين لم يستطيعوا ممارسة شغلهم رغم إرادتهم الواضحة في الشغل وفي عدم المشاركة في الإضراب، ونظرا لكون الأجر يعتبر في غالب الأحيان المورد الوحيد والأساسي للأجراء، لذلك سنتطرق في هذه الفقرة للحالات التي يستحق فيها الأجير الأجر (أولا) ثم (الحالات التي لا يستحق فيها الأجر (ثانيا
أولا: حالات استحقاق الأجر
فحضور الأجير غير المضرب إلى ميدان العمل وتعبيره عن رغبته في أداء الشغل الملزم بأدائه يرتب بالمقابل استحقاقه للأجر لأن المشغل يجب عليه أن يحترم حرية الشغل،واستمرارية هذه العقود تعني بالضرورة استمرار المشغل بالتزامه اتجاه الأجراء الغير المضربين
وإذا كان من الصعب إثبات صفة الأجراء غير المضربين والتمييز بين هذه الفئة وفئة المضربين نظرا لغياب شبه مطلق لأية مرجعية تشريعية أو قضائية يمكن الاستعانة بها للبحث عن الطرق والوسائل التي تساعد غير المضرب على إثبات صفته فجل التشريعات ساكتة عن تنظيم آثار الإضراب على وضعية الأجراء سواء كانوا مضربين أو غير مضربين، والقضاء لا تتاح له الفرصة إلا ناذرا للنظر في قضية هذه الفئة التي لم تستطع التضامن مع زملائهم المضربين أو بالأحرى لم تستطع أن تنازع المشغل أمام القضاء
لذلك بما أنه ليس هناك قواعد وأحكام خاصة بالإثبات ووسائله في مجال نزاعات الشغل الجماعية سنحاول توضيح هذه الرؤية مستعينين باقتراحات الفقه في هذا النطاق
حيث يذهب بعض الفقه الفرنسي، إلى اعتبار الأجير غير المضرب الذي يحضر إلى مقر الشغل ويضع نفسه رهن إشارة المشغل مستحقا أجره كاملا، وإذا أثبت المشغل أنه اتخذ كل ما من شأنه أن يمكن الأجير غير المضرب من أداء العمل المتفق عليه لكن لم تفلح مجهوداته فإن عدم نجاحه يكتسي صبغة القوة القاهرة التي تحلله من أي التزام اتجاه الأجير الغير المضرب
ويؤكد جانب من الفقه المغربي ضرورة استحقاق الأجراء الغير المضربين، أجورهم خاصة عندما يتعلق الأمر بارتكاب المشغل لخطأ سواء كان الخطأ عمديا أم لا فارتكاب المشغل للخطأ العمدي يرتب استحقاق الأجير غير المضرب لأجره كما في حالة إغلاق المؤسسة تحت ذريعة عجزه عن القيام بإزالة الحواجز التي تقيمها فرق الحراسة بباب المؤسسة واعتصام المضربين بداخلها، ففي مثل هذه الحالة يجب على المشغل أداء تعويضات موازية لأجورهم ومسؤولية المشغل مسؤولية عقدية اللهم في حالة وجود قوة قاهرة حالت دون استئناف العمل داخل المؤسسة
أما في الخطأ العمدي المرتكب من قبل المشغل يتجلى مثلا في حالة عجز المشغل عن فض فرق الحراسة التي تمنع الأجراء غير المضربين من القيام بعملهم وعدم اتخاذه التدابير اللازمة لذلك كاللجوء إلى السلطة المحلية مثلا في هذه الحالة يجب على المشغل تعويض الأجراء وذلك بإعطائهم تعويضات توازي أجورهم
أما بالنسبة للقضاء فقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية في هذا الصدد إلى أن صاحب العمل يظل ملتزما بدفع ما يقابل أجر العامل غير المضرب خلال فترة الإضراب
ويذهب القضاء الفرنسي إلى أن هناك حالة أخرى يستحق فيها الأجير غير المضرب أجره، وهي حالة إصابة المقاولة ببطالة تقنية بسبب الإضراب
انطلاقا مما سبق يجب على الأجراء غير المضربين الحصول على أجورهم بمجرد تواجدهم في مكان العمل وهذا ينسجم مع ما جاء به الفصل735 ق ل ع
أما بالنسبة لإثبات صفة غير المضرب نرى أنه علاوة على اقتراحات الفقه، يجب على المشغل عند نشوب أي نزاع جماعي استدعاء مفتش الشغل لأن مهمته المتعلقة بالتحقيق ستسهل مهمة الإثبات بالنسبة لغير المضربين في مواجهة المشغل
ثانيا: حالات عدم استحقاق الأجر
قد يلجأ المشغل في بعض الأحيان إلى عدم أداء أجور الأجراء الغير المضربين، على أساس أنهم لم يقوموا بالعمل المتفق عليه، بسبب إضراب زملائهم، وذلك بسبب الترابط بين الأعمال التي يؤديها الأجراء المضربين وغير المضربين، لهذا يجد الأجراء الغير المضربين أنفسهم ضحية عدم قيامهم بالعمل ومنع المشغل أداء أجورهم، فهل استطاع المشرع حماية هذه الفئة؟
إذا رجعنا إلى التشريع المغربي فإنه لم يتطرق لهذه المسألة لذلك يجب ترك هذا الأمر للفقه للحسم فيه
وهكذا يذهب جانب من الفقه إلى أن الأجير غير المضرب قد يفقد أجره إذا لم يحضر إلى مكان الشغل أو عند انتفاء نية المشاركة فيه، دون علم المشغل بذلك، أو عند حضوره إلى مكان الشغل، إلا أن فرق الحراسة منعته من الدخول إلى المؤسسة فيقوم بمغادرة مكان العمل، دون أن يفسر للمشغل سبب عدم قيامه بالتزامه، هذه الأمور كلها تجعل المشغل يتحلل من التزامه تجاه الأجير الغير المضرب وبالتالي لا يستحق الأجر كمقابل العمل
ومن الأسباب الأخرى التي تمنع المشغل من الالتزام بأداء الأجر، هو وصفه الإضراب بالقوة القاهرة، فما مصير عقود شغل الأجراء غير المضربين في هذه الحالة؟
يرى جانب من الفقه الذي تناول الموضوع انطلاقا من القواعد العامة التي تحلل الملتزم عادة من التزامه وهو تحديد لا ينبغي في نظره أن يتم إلا في إطار قوة قاهرة يعجز معها المشغل عن تنفيذ التزاماته، مع إشاراته على أن القوة القاهرة يجب أن تؤخذ بمفهوم ضيق وتكون خاضعة لمراقبة القضاء ليفسرها على أساس استحالة التنفيذ
ومن جهتنا نرى أن هذه القواعد لا يجب الأخذ بها في إطار علاقات الشغل الجماعية على اعتبار أن الإضراب حق مشروع حسب الفصل 29 من الدستور لهذا لا يمكن وصف الإضراب بالقوة القاهرة لأن الإضراب لا يتم إلا بعد العلم به بأسبوع أو أيام قبل قيامه وقد يتم تحديد مدته. وهذا ما يؤدي إلى إعاقة إثبات وجود قوة قاهرة من جانب المشغل طالما أنه قد تعقد مفاوضات قبل اندلاعه، وهذا ما أكده بعضالفقهباعتبار أن الإضراب ممارسة يضعها المشغل دائما في اعتباره، وهو ما يجعل صفة القوة القاهرة من الأمور التي يصعب إضفاؤها على الإضراب
وقد أحسنت معظم التشريعات صنعا عندما حسمت في الأمر ولم تترك حلا لهذا الموضوع بيد القضاء أو الفقه، حيث نظم المشرع :المصري، هذه الحالة في المادة 36 من قانون العمل المصري ميز بين حالتين
الحالة الأولى: إذا حضر الأجير إلى مقر عمله في الوقت المحدد للعمل، وكان مستعدا لمباشرته، وحالت دون ذلك أسباب ترجع للمشغل، أي أن خطأ المشغل منعه من ذلك، اعتبر كأنه أدى عمله فعلا، ويستحق تعويضا عن الأجر الكامل
أما الحالة الثانية: إذا لم يرتكب المشغل خطأ، وتوفرت جميع الشروط اللازمة في الأجير بالحضور والاستعداد لأداء العمل، وحالت بينه وبين مباشرة عمله أسباب خارجة عن إرادة المشغل فإنه يستحق تعويضا يعادل نصف أجره
والمشرع المغربي بدوره عالج الأمر من خلال مقتضيات المادة 347 م ش التي نصت على ما يلي:” يؤدي للأجير عن المدة التي يقضيها في مكان الشغل في حالة ضياع الوقت لسبب خارج عن إرادته، أجر يحتسب بناء على نفس الأسس التي يحتسب ” …عليها الأجر العادي
الفقرة الثانية: آثار الإضراب على الأغيار
لا يقتصر آثار الإضراب على أطراف علاقات الشغل، وإنما يكن أن يمتد إلى خارج هذه العلاقات وذلك في الحالة التي يتسبب فيها الأجير للغير بأضرارأثناء ممارسة الإضراب، أو في الحالة التي يحول فيها الإضراب دون وفاء المشغل بالتزاماته تجاه . المتعاملين معه
أولا: انتفاء مسؤولية المشغل اتجاه الأغيار عن أخطاء تابعيه
سبقت الإشارة إلى أن عقد الشغل، يتوقف خلال فترة الإضراب، وبالتالي تتوقف معه كل الالتزامات المترتبة على الطرفين، فالعقد كما هو معلوم هو عقد ملزم للطرفين، وأنه من العقود التبادلية وبالتالي إذا توقف الأجير عن أداء الشغل يتوقف المشغل عن أداء الأجر، لكن التساؤل الذي يثار هنا عندما ينتفي عنصر التبعية الذي يعتبر من أهم عناصر عقد الشغل هل تنتفي مسؤولية المشغل عن خطأ تابعيه اتجاه الأغيار؟
نتيجة لتوقف عقد الشغل، فإن علاقة التبعية تنعدم بين الأجير والمشغل، وبالتالي فإن المشغل تنعدم مسؤوليته المدنية عن خطأ تابعيه، إزاء الأغيار وبالتالي تنتفي صفة الضامن عن المشغل، ويتبين ذلك من مقتضيات الفقرة الأولى والثالثة من الفصل 85 من ق ل ع،وعلى خلاف ما سبق هناك بعض الحالات يكون فيها المشغل مسؤولا وذلك عندما يكون سبب الإضراب هو خرق المشغل لمقتضيات تعتبر من النظام العام، كعدم احترام الحد الأدنى للأجر، أو عدم مراعاة حفظ الصحة والسلامة،… فهنا يكون الإضراب ناتجا عن خطأ المشغل، ففي هذه الحالة لا يمكننا نفي مسؤوليته تجاه الغير وتحميل الأجراء المسؤولية، إلا أن هؤلاء لا يكونون مسئولون إلا إذا تجاوز الإضراب حدوده المشروعية
ويستفاد ذلك من مقتضيات الفصل 77 من ق ل ع الذي جاء فيه:” كل فعل ارتكبه الإنسان عن بينة واختيار، ومن غير أن يسمح له به القانون، فأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير، ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر، إذا تبث أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر
“وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الأثر
ثانيا: آثار الإضراب على المقاولة في علاقتها مع الأغيار
نتيجة لتوقف الأجراء عن أداء العمل المتفق عليه، بمقتضى عقد الشغل فإن ذلك يترتب عليه إخلالا كبيرا في سير المقاولة مما يؤدي في غالب الأحيان إلى إخلال المشغل بالتزاماته اتجاه الأغيار سواء كانوا زبناء أو أبناك أو مؤسسات الإنتاج، أو مؤسسات “الاستهلاك… الخ أو إزاء أشخاص طبيعيين
والإشكال المطروح هنا هو هل المشغل يكون مسئولا عن إخلاله بتنفيذ التزاماته اتجاه الأغيار أم لا؟ على أساس وصف الإضراب بالقوة القاهرة؟
إذا تم الاتفاق بين المشغل وأجرائه في العقد على إعفائه من المسؤولية عن الأضرار التي لحقت الغير المتعاقد معه، فإنه يعفى من المسؤولية عن حدوث الإضراب، هذا الاتفاق يؤدي إلى استحالة تنفيذه لالتزاماته استحالة مطلقة، بشرط أن لا يكون الإضراب راجعا إلى غش المشغل أو خطئه الجسيم
وقد نص المشرع المغربي على هذا الشرط في الفصل 232 ق ل ع حيث جاء فيه:” لا يجوز أن يشترط مقدما عدم مسؤولية “الشخص عن خطئه الجسيم
لكن في الحالة التي لا يتفق فيها الأطراف مقدما على شرط عدم المسؤولية عن تنفيذ الالتزامات فإن المشغل يبقى مسئولا عن عدم تنفيذ التزاماته التعاقدية هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن الإضراب لا يعتبر قوة قاهرة يمكن للمشغل أن يتمسك به للتحلل من التزاماته تجاه الغير هذا ما استقر عليه القضاء المغربيعلى أن الإضراب لا يعتبر قوة قاهرة لأن:” القوة القاهرة في مفهومها القانوني هي كل أمر خارجي لا يتوقع حدوثه ويحول دون تنفيذ الالتزام في الأجل بالكيفية المتفق عليها
وحيث يتبين من خلال وثائق الملف أن سبب إلغاء الرحلة الجوية رقم 33JT7 كان سبب إضراب مستخدمي الشركة المدعى عليها، وهو أمر لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتباره قوة قاهرة مادام أنه كان بإمكان المدعى عليها توقع حدوثه في إطار “علاقتها بمستخدميها وبالتالي تدخلها للحيلولة دون حدوثه
وانسجاما مع ما سار عليه القضاء نرى أن الإضراب لا يمكن اعتباره عنصرا من عناصر القوة القاهرة حتى ولو توافرت فيه الشروط المنصوص عليها في القواعد العامة وذلك بكون الإضراب لا يكون في غالب الأحيان مباغتا أو غير متوقع، فالأجير عندما يريد شن الإضراب لابد له أن يقدم مقررا للمطالب المهنية أن يعلم المشغل بذلك
هذا ما نص عليه مشروع القانون التنظيمي في المادة 18 على أنه يتعين قبل شن الإضراب تمكين المشغل أو من ينوب عنه بمهلة إخطار لا تقل عن 10 أيام كاملة وبالتالي فإن المشغل لا يمكنه التدرع بالقوة القاهرة فإنه يبقى ملزما بأداء التعويض وتبقى مسؤوليته قائمة تجاه الأغيار
:خاتمة
..مجمل الحديث بالرغم من مشروعية حق الاضراب وما يشمله هذا الحق للطبقة العاملة من وسائل للدفاع عن المصالح المادية والمعنوية، لفئة ،خاصة هذا من جهة
ومن جهة أخرى ما يمكن ان يسببه الإضراب من أضرار وخيمة على مختلف عناصر الانتاج والاستثمار …وعلى المصلحة العامة بشكل عام، يجعل من الصعب التوفيق بين المصالح المتضاربة هذا ما يدفع حتما إلى انهاء جل الاضرابات بالمصالحة أو ..المساطر السلمية
حيت نرى أن تفعيل النصوص التي تنظم الإضراب، سيبقى حتما حلما لن يتحقق في حضور الغلبة للمصلحة العامة .
(بقلم ذ محمد حفو)