دراسات قانونية

دراسة قانونية مميزة حول حق السمسار في الأجرة والإشكالات المتعلقة بها

دراسة عملية من إنجاز الأستاذ عبدالقادر بنعدو
قاض بالمحكمة التجارية بفاس

تقديم

يعتبر عقد السمسرة من المواضيع المهمة التي لم تثر انتباه الباحثين في الشأن القانوني على ضرورة تناولها بالدراسة والتحليل رغم أهميتها العملية وما تثيره من إشكالات قانونية لطالما استعصى على القضاء المغربي إيجاد حل لها .

ونظرا لأهمية هذا الموضوع ارتأنا من خلال هذه الدراسة تسليط الضوء على أهم المقتضيات القانونية التي تثير إشكالات عملية ، وإبراز توجهات القضاء بخصوصها ، خاصة فيما يتعلق بأجرة السمسار، ومدى أحقيته فيها .

هذا ما سنحاول إبرازه من خلال الإيجاب عن إشكالية الموضوع المتمثلة في كيفية تعامل القضاء المغربي مع طلب استحقاق السمسار لأجر ؟ .
إن الإجابة عن هذه الإشكالية تتطلب منا أولا الوقوف على شروط استحقاق السمسار لأجرته ( المحور الأول ) ثم إمكانية خضوع أجرة السمسار للتعديل ( المحور الثاني ) .

المحور الأول :شروط استحقاق السمسار للأجرة أوالتعويض والمطالبة برد المصاريف

إن الشروط المتطلبة لاستحقاق السمسار للأجرة ، تفرض عليه القيام بمجموعة من الالتزامات التي يتطلبها عقد السمسرة ( الفقرة الأولى )، والتي قد تكون مقرونة بطلب رد المصاريف أو الحصول على التعويض ( الفقرة الثانية ) .
فكيف إذن تعامل القضاء المغربي مع الإشكالات المطروحة بهذا الخصوص ؟ .

الفقرة الأولى : شروط استحقاق السمسار للأجرة

يعتبر عقد السمسرة من عقود المعاوضة ، وعلى هذا الأساس فمتى كان على السمسار القيام بالمهمة المنوطة به لأجل إيجاد طرف متعاقد فإن من حقوقه أخذ مقابل عن تلك المهمة واستحقاق أجر عنها ، وهذا الأجر إما أن يكون نسبة مئوية متفق عليها بينه وبين موسطه أو مبلغا محددا ، إذ لا مانع من الاتفاق على ذلك، على أنه إذا لم يعين في عقد السمسرة – إن وجد – أجراً له استحق ذلك حسب العرف الجاري به العمل في مهنة السمسرة وإذا لم يوجد عرف ترك ذلك للقضاء لتعيين هذا الأجر.

على أن السمسار أو الوسيط لكي يستحق الأجر يتعين عليه أن ينجز التعاقد ويتم بين الطرفين الأصليين ، أما في حالة إذا ما إذا لم يتم العقد فإنه لا يستحق الأجر، ويبقى له باب التعويض فقط عما بذله من مساعي وجهود في موضوع الوساطة حتى ولو لم يتم هذا التعاقد لسبب غير عائد إليه وإنما إلى من وسّطه في التعاقد .

وفي هذا الإطار نص المشرع المغربي في المادة 415 من مدونة التجارة إلى القول بأنه : “يحق الأجر للسمسار إذا تم إبرام العقد الذي توسط فيه أو نتيجة للمعلومات التي قدمها للأطراف .

إذا كان العقد قائما على شرط واقف فلا يستحق السمسار الأجر إلا بعد حصول الشرط” .

وعلى هذا الأساس فالسمسار يستحق أجراً ولو لم يبرم العقد الذي توسط فيه وإنما فقط نتيجة للمعلومات التي قدمها للأطراف .

وبالتالي يبقى توجه المشرع المغربي توجها محموداً يتوافق وما تتطلبه مهنة السمسرة من خبرة وحنكة، والتي تشجع السمسار بضرورة إحاطة المتعاقدين بكل المعلومات الدقيقة التي تخص موضوع التعاقد حتى يكونوا على بينة من الأمر ، وحتى لا يبقى الهاجس الأكبر أمام السمسار هو إبرام العقد من أجل الحصول على الأجر وبالتالي كتم مجموعة من الأسرار والمعلومات التي تهم محل العقد والتي قد يكون لها أثراً كبيراً على أحد المتعاقدين .

وبخصوص مقدار أجرة السمسار نجد المادة 419 من مدونة التجارة لم تحدد نسبة معينة وإنما أشارت إلى أنه يمكن تحديد الأجر باتفاق بين الطرفين وفي حالة سكوتهما عن تحديده يعتد بالعرف أو العادة الجاري بها العمل في مهنة السمسرة، وفي حالة عدم وجود عرف أو عادة فإن المحكمة هي التي تتولى تحديد أجر السمسار حسب سلطتها التقديرية أو بالركون لرأي ذوي الخبرة معتمدة في ذلك على ما جرى به العمل في الخدمات المماثلة مع مراعاة قيمة الصفقة والوقت الذي تطلبته والجهد بذله السمسار وما تحمله من نفقات .

وقد جاء في إحدى قرارات محكمة النقض عدد 1202 المؤرخ في 3 / 11 / 2004 ملف تجاري رقم 1067 / 3 / 1 / 2002 ” أجرة السمسار قد يكون مبلغا معينا ، وقد يكون نسبة معينة من الصفقة التي تقع على يد السمسار ، وإذا لم يقع الاتفاق على تعيين الأجر ، فعلى القاضي أن يحدده مستعينا في ذلك بالعرف ، فإن لم يجد قام بتقديره حسب ما بذله السمسار من جهد ووقت لإبرام الصفقة ” .

وهو ما سارت عليه محاكم الموضوع ، حيث جاء في أحد قرارات محكمة الإستئناف التجارية بفاس ما يلي :

” وحيث إنه لما كانت حقوق والتزامات الوسيط محددة بنص القانون المومأ إليه أعلاه ، إلا أنه يبقى الأجر الذي يستحقه مقابل الأعمال والمجهودات التي قام بها وكذا المعلومات التي قدمها للأطراف والكل من أجل التوفيق بين الإرادتين لإحداث أثر قانوني ، طالما لم يثبت من الاتفاق ولا من العرف تحديده – المادة 419 من مدونة التجارة – أن يوكل للمحكمة هذا الأمر وأنها بما لها من سلطة تقديرية في ملائمة الأجر المستحق للوسيط مقابل الجهود المبذولة من طرفه ترى تحديده في مبلغ 40000 درهم ” (قرار رقم 259 الصادر في الملف عدد 1793 /07 بتاريخ 14 فبراير 2008 ( قرار غير منشور ) ) .

وفي قرار آخر صادر عن نفس المحكمة جاء فيه :

” لكن حيث إن ظهير 12/ 1/ 1945 الصادر بشأن مهنة الوسطاء لم يحدد أجرة السمسار عند المنازعة ، وإنما أسند الفصل الأخير منه أمر تحديدها إلى مرسوم سيصدر فيما بعد ، ولم يصدر هذا المرسوم إلى الآن . لذلك يرجع في تحديدها إلى تقدير المحكمة طبقا للمادة 419 من مدونة التجارة ويقضي بها طبقا للفصل 510 من ق ل ع .

وحيث إن محكمة الإستئناف وبما لها من سلطة تقديرية في هذا الصدد ومراعاة منها لظروف العملية الخاصة التي قام بها السمسار والوقت الذي تطلبه وطبيعة الخدمة التي قام بها لفائدة بائع العقار ، ارتأت أن الحكم المستأنف بتحديده الأجرة في 10000 درهم قد علل تعليلا كافيا وصادف الصواب ، الأمر الذي ينبغي معه تأييده .

وحيث يتعين تحميل كل مستأنف صائر استئنافه ” (قرار رقم 280 الصادر في الملف عدد 119 / 99 بتاريخ 26 / 4 / 1999 ( قرار غير منشور ) )

وهو نفس التوجه الذي أكدته كذلك محكمة التجارية بمراكش في قرار لها جاء فيه : “وحيث إن الوساطة من أجل القيام بشراء منزل للمستأنف ثابتة من خلال رسالته الجوابية الموجهة إلى دفاع المستأنف عليه لذلك فإن المستأنف يكون محقا في المطالبة بأجرة وساطته ، إلا أنه في غياب ما يفيد تحديد الأجرة باتفاق أو عرف فإنه يبقى من حقه تقديرها في إطار سلطتها التقديرية طبقا للفصل 419 من مدونة التجارة …” (قرار رقم 253 صادر بتاريخ 9 / 3 / 2004 ( قرار غير منشور ) .

وهكذا فإن استحقاق السمسار للأجر يستوجب توافر شرطين أساسيين :

1 – أن يؤدي السمسار المهمة المكلف بها : من البديهي أن استحقاق السمسار لأجرته يفرض عليه بداية الوفاء بالإلتزام الذي على عاتقه والمتمثل في البحث عن المتعاقد الآخر والعمل على التقريب بين عميله وهذا الأخير ، إذ أن استحقاقه للأجر يرتبط ارتباطا وثيقا بأداء ما عليه من التزامات .
2 – أن لا يتوقف استحقاق الأجر على شرط واقف : يستحق السمسار الأجر بمجرد إبرام العقد الذي توسط فيه ، ما لم يكن هذا الأخير معلقا على شرط واقف، حيث لا يستحق السمسار الأجر إلا بعد حصول ذلك الشرط ، وهذا ما أكدته المادة 415 من مدونة التجارة في فقرتيها الأولى والثانية، حيث نصت على أنه :

” يحق الأجر للسمسار إذا تم إبرام العقد الذي توسط فيه أو نتيجة للمعلومات التي قدمها للأطراف .

إذا كان العقد قائما على شرط واقف فلا يستحق السمسار الأجر إلا بعد حصول الشرط ” .

ومن الإجتهادات القضائية بهذا الشأن ما جاء في أحد قرارات المجلس الأعلى بقوله :

” إن العقد المبرم بتاريخ 16 يناير 1964 يتضمن شرط واقف وهو أن العمولة تؤدى للسمسار يوم إمضاء رسم البيع .

وحيث إن محكمة الإستئناف أبعدت تطبيق هذا الشرط لعلة أنه أضيف إلى العقد تعسفيا ودون موافقة السمسار دون أن تبين الأسباب والمستندات التي اعتمدتها لتكوين اقتناعها هذا، الأمر الذي يجعل قرارها غير معلل تعليلا كافيا” (قرار رقم 201 الصادر في الملف المدني عدد 29678 بتاريخ 20 ماي 1977 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى ، عدد 25 الإصدار الرقمي 2000 ، ص 94 ) .

3 – ضرورة وجود تفويض من قبل الموسط : لقد تطلب القضاء المغربي ضرورة توافر هذا الشرط لاستحقاق السمسار للأجر، بالإضافة إلى شرطي قيام السمسار بمهمته وأن ينعقد العقد نتيجة سعي السمسار ، وقد اعتبرها شروطا ضرورية ومتلازمة يترتب على تخلفها حرمان السمسار من الأجر لكن يحق له المطالبة بالتعويض عما بدله من جهد إذا كان لهذا الجهد أثر في التعاقد .

ونشير إلى أنه يمكن أن يتفق الطرفان على أداء مصاريف السمسار ، وفي هذه الحالة يجب أداؤه ولو لم يتم إبرام العقد بناء على ما أشارت إليه المادة 415 من مدونة التجارة في فقرتها الرابعة حيث نصت على أنه : ” تجب مصاريف السمسار إذا اتفق عليها ولو لم يتم إبرام العقد ” .
كما أن السمسار لا يفقد حقه في الأجر إذا تم فسخ العقد بعد إبرامه سواء وقع الفسخ اختياريا باتفاق الأطراف أو بموجب القانون.

الفقرة الثانية : حق السمسار في رد المصاريف والمطالبة بالتعويض

أولا : حق السمسار في رد المصاريف : يلتزم الموسط كذلك برد كل المصاريف الضرورية التي أنفقها السمسار لمباشرة المهام الموكولة إليه بمقتضى عقد السمسرة، غير أنه يجب التمييز بين المصاريف العادية وبين المصاريف غير العادية ، فالأولى تعني تلك المصاريف التي يتطلبها عمل السمسرة دائما والتي يرد عليها الاتفاق بينه وبين عميله .

فالمصاريف العادية يتطلبها القيام بأعمال السمسرة ، وبالتالي فالسمسار ملزم بنفقات السمسرة ويأخذها من الأجر الذي يحصل عليه في حالة إبرام العقد وفي حالة عدم إبرامه فإنه لا يمكن مطالبة العميل بها لأنها تدخل في المصاريف العادية ، إلا أنه في حالة ما إذا تم الاتفاق على ذلك فإنه يحق للسمسار الرجوع على عميله بالمطالبة بالمصاريف غير العادية التي أنفقها ولو لم يتم إبرام العقد.

في حين أن المصاريف غير العادية هي تلك المصاريف التي أنفقها السمسار لأجل القيام بمهامه غير أن الاتفاق لا يشملها ، وفي هذه الحالة إما أن يتم قبولها من لدن العميل ، وفي حالة العكس يسوغ للسمسار الرجوع على هذا الأخير ومطالبته قضائيا .

ثانيا : حق السمسار في التعويض : إن إبرام العقد الذي توسط فيه السمسار، أو بدل جهد ومساع على أحسن وجه من أجل التقريب بين المتعاقدين ، حتى ولو لم يتم إبرام العقد المراد الوصول إليه يجعل لهذا الأخير الحق في الأجر ، هذا على خلاف التشريع اليمني الذي اشترط تحقق النتيجة وهي إبرام العقد لاستحقاق السمسار للأجر ، إلا أنه قد يؤدي السمسار المهمة الموكولة إليه دون أن يتم إبرام العقد ويتكبد في سبيل إنجاح وساطته خسائر أو قد يتصرف الموسط الذي كلفه بنحو قد يسبب له ضرر ، ففي هذه الحالة يحق له المطالبة بالتعويض.

غير أن ما تجدر ملاحظته في ختام هذه الفقرة هو أن الإلتزامات المشار إليها أعلاه . وإن كانت تخص العميل المتعاقد مع السمسار ، فإنه قد يلتزم بها عدة عملاء ( موسطين ) في حالة تكليفهم لسمسار معين ، وبالتالي تسري عليهم أحكام المادة 421 من مدونة التجارة، التي تفرض التضامن بين هؤلاء بجميع آثار عقد السمسرة.

المحور الثاني : تعديل أجر السمسار

إن الأجر الذي تم الاتفاق عليه بين المتعاقدين – السمسار والموسط – قد يكون محط طلب تعديل من طرف هذا الأخير ، خصوصا إذا كان مبالغا فيه ولا يتناسب والخدمة المقدمة من طرف السمسار.

فكيف إذن تعامل كل من المشرع ( الفقرة الأولى ) والقضاء ( الفقرة الثانية ) مع الإشكالات المطروحة بهذا الخصوص ؟ .

الفقرة الأولى : موقف التشريع المغربي

عند تعرضنا بالشرح لهذه النقطة نجد أن المشرع المغربي قد تعرضا لحالة تخفيض أجر السمسار ولم يتعرضا لحالة الزيادة في الأجر .
فقد نصت المادة 415 من مدونة التجارة في فقرتها الثالثة : ” إذا كان الأجر المتعهد به للسمسار يفوق ما تتطلبه الخدمة فيمكن طلب تخفيضه ما لم يكن الأجر قد تم تحديده أو دفعه بعد إبرام العقد”.

فهنا نجد أن النص القانوني قد أعطى للمحكمة حق تخفيض أجر السمسار ، ولكنه أوقف ذلك على شرط وحيد ألا هو أن يكون الأجر يفوق ما تتطلبه الخدمة .

ويلاحظ أن المشرع لم يحددا معنى ما تتطلبه الخدمة الواردة بالمادة 415 من مدونة التجارة ، ، مع العلم أنه أشار من خلال المادة 419 من نفس المدونة عند تقدير المحكمة لأجر السمسار أن تراعي ظروف العملية الخاصة كالوقت الذي تطلبته وطبيعة الخدمة التي قام بها .

وإذا كان القانون لم يكن صائباً في الجزء الأول من المادة المذكورة ، إلا أنه كان منصفا في الجزء الثاني بالنسبة للسمسار عندما نص على أنه إذا كان أجر السمسار المطالب تخفيضه قد تم تحديده أو دفعه بعد إبرام العقد الذي توسط فيه فلا يجوز تخفيض الأجر، وفي صدد هذه الجزئية كان يحبذ ترك الحرية للقاضي في تقدير الحالات المستجدة التي قد تعرض عليه عند النظر في حالة المطالبة بتخفيض الأجر.

الفقرة الثانية : موقف القضاء

بالنسبة لموقف القضاء المغربي فإننا لم نعثر على أي قرار صادر عن المجلس الأعلى في هذا الموضوع ولم نصادفه في بحثنا للموضوع هذا – والعلم لله – سوى ما صدفنا من صدور قرار عن محكمة الإستئناف بالرباط بتاريخ 17 / 11 / 1951 منشور بمجلة المحاكم المغربية العدد 25 لشهر أكتوبر 1952 الصفحة 137 والذي جاء فيه : ” أن الفصل 914 من ظهير الإلتزامات والعقود باستعمال عبارة عندما يكون مستحقا ترك للمحاكم أمر تقدير قيمة العمولة التي يطالب بها السمسار وأن يخفضها عندما لا تكون تتناسب مع الخدمة المؤداة ” .

ويبدو من خلال القرار المذكور أن المحكمة استندت في ذلك على القياس بالنسبة للوكالة استقرت على هذا المفهوم الممنوح لعقد السمسرة بدليل أن قرار قبل ذلك صدر عن نفس المحكمة بنفس التفسير وهو القرار الصادر بتاريخ 4 / 6 / 1943 المنشور بمجلة المحاكم المغربية بتاريخ 10 فبراير 1944 الصفحة 22 نقتطف منه ما يلي : ” يفهم من عقد السمسرة من وجهة نظر القانون المغربي كنوع من الوكالة ينتهي لنفس أسباب الوكالة المدنية “.

ويبقى السؤال المطروح هل للسمسار الحق كذلك في أن يراجع القضاء للتعديل من أجره زيادة لا نقصانا إذا ظهر له أن العمل الذي كلف به قد أخد منه وقتاً وتعباً ومساعي أكثر من الأجر الذي طالب به واتفق عليه ، فإنه أمام عدم وجود نص صريح كما هو الشأن الوارد في قانون التجارة الكويتي، فإن هذه الإمكانية أعطيت فقط للموسط ولا يمكن تطبيقها على السمسار ، وبعض الفقه يساير اتجاه المشرع بعلة أن الموسط قد يكون شخصا غير تاجر ولا يعلم من شؤون السمسرة والوساطة شيئا فيخطئ في التقدير ويبقى له باب القضاء مفتوحاً إذا ما وجد أمام التزام بأداء مبلغ لا يتناسب والصفقة المعقودة.

استنتاج

إن تطور وتوسع أعمال السمسرة ، التي وصلت إلى درجة عالية من الاهتمام جعل منها مهنة جد حساسة ولا غنى عنها في المعاملات التجارية التي تطبعها سمة السرعة ، خاصة إذا ما لاحظنا اهتمام المجتمع في الوقت الحالي بالسمسرة الإلكترونية التي أصبح الإقبال عليها في تزايد مستمر لمزاياها العديدة.

لذلك أصبح لزاما على المشرع المغربي مراجعة النصوص القانونية المنظمة لهذه المهنة والنظر فيها بتمعن وإمعان ، خصوصا إذا ما لاحظنا سوياً أن هذه المهنة تطبعها فوضى عارمة ، بحيث يمكن لأي فرد أن يمارسها ابتداء من حارس العمارة وحارس السيارة والبقال ، وصولا إلى المحامي والمصرفي والمهندس والمعماري ، بصورة تنبئ عن القول بأن لدينا الملايين يشتغلون في السمسرة دون حسيب ولا رقيب وبشكل قد تضيع به حقوق الناس وتكثر من خلاله النزاعات المطروحة أمام القضاء .

لذلك كان من واجبنا دراسة هذا الموضوع دراسة معمقة ذات وجهتين ، وجهة نظرية وأخرى عملية تمكننا من الوقوف عن جوهر المشاكل التي تتخبط فيها هذه المهنة وما يجول من نزاعات في داخلها بين السمسار وزبنائه ،لذلك فإن مهنة السمسرة يستلزم لتطورها بما يضمن ترقيتها وحماية المتعاملين بها ، ضرورة وضع شروط وحدود دنيا لولوج هذه المهنة ، منها التوفر على مستوى تعليمي يمكّن السمسار – على سبيل المثال – من فهم الجوانب القانونية والمالية للصفقات العقارية والأوضاع القانونية لملكية العقارات ، وكذا المخاطر المترتبة عنها والمسؤولية المرتبطة بعمله ، وذلك حتى يتمكن من تقديم استشاراته ورأيه بموضوعية للزبناء الذين يترددون عليه ، بالإضافة إلى توفره على الحد الأدنى من مقومات العمل اللازمة لممارسة المهنة بشكل لائق ويوفر الثقة للمتعاملين معه ، كالتوفر على مكتب ومقر ثابت ، والتوفر على تأمين مهني لمواجهة المخاطر المرتبطة بمهنته ، والتفرغ لهذه المهنة بدل الوضع السائد .

هذا ، بالإضافة إلى أن الانفتاح التجاري وتوافد مستثمرين دوليين ، يتطلب ترقية هذه المهنة بشكل يجعلها تستجيب لحاجيات السوق الدولية.

وقد استطعنا من خلال هذه الدراسة الوقوف على النواقص والإشكاليات التي تشوب عمل السمسار ، الأمر الذي دفعنا إلى إبراز النتائج التالية:
1 – نقترح على المشرع إضافة مادة تشترط وجوب حصول السمسار على حد أدنى من المؤهلات التعليمية والخبرة ، وإن أمكن ضرورة توفره على أدنى المقومات اللازمة لممارسة مهنة السمسرة بشكل لائق كالتوفر على مكتب ومقر ثابت .

2 – ضرورة إضافة مادة تلزم السماسرة بوجوب التأمين المهني من المخاطر المرتبطة بالمهنة التي يزاولونها.

3 – نقترح تعديل المادة 415 من مدونة التجارة المغربية ، إذ أن المشرعقد حصرا الحالات التي يمكن من خلالها للمحكمة تخفيض أجر السمسار دون ترك الحرية للقاضي في تقدير الحالات التي تظهر : – إذا ظهر أن الأجر المتفق عليه لا يتناسب مع ماهية العملية والجهود التي يستلزمها فيحق للمحكمة أن تخفضه إلى مقدار الأجر العادل للخدمة المؤداة .

لذا ندعوا المشرع المغربي إلى التدخل العاجل من أجل مراجعة النصوص القانونية المنظمة لمهنة السمسرة ، بما يمكن من تذليل الصعاب التي تواجه القاضي التجاري أثناء النظر في النزاعات المرتبطة بهذه المهنة ، إلا أن هذا الإصلاح لن يتم ولن يكتمل دون التطبيق السليم للقانون المنظم لها بشكل يضمن حقوق الطرفين السمسار والمتعاملين معه

إغلاق