دراسات قانونيةسلايد 1

الأحكام القانونية المتعلقة بالتصادم والإنقاذ البحري في القانون البحري السعودي

مستخلص البحث

يتحدث هذا البحث عن الأحكام القانونية المتعلقة بالتصادم بين المنشآت البحرية، وعمليات المساعدة والإنقاذ التي تتم في البحر بين السفن، وقد بيَّن الباحث المقصود بالتصادم البحري وشروطه والمسؤوليات المترتبة عليه، والمحكمة المختصة بالنظر في دعاوى التصادم البحري، وكذا فقد بيَّن المقصود بالمساعدة والإنقاذ وشروطها، ومقدار المكافأة التي يحصل عليها المساعد، وتقدير تلك المكافأة، مع مقارنة النظام السعودي القديم بالنظام البحري السعودي الجديد لعام 1440ه.

وقد توصل الباحث من خلال هذا البحث إلى نتائج عدة منها: وضّح المنظم في الجديد المقصود بالتصادم البحري ولم يتطرق المنظم في القديم لبيان المقصود بالتصادم البحري وإنما تطرق لبعض أحكامه العامة.

المنظم في الجديد كان أوسع في نطاق تطبيق المسؤولية حيث نصَّ على أنَّه إذا حدث تصادم بسبب خطأ إحدى السفينتين فتتحمل السفينة المخطئة مسؤولية ذلك التصادم، بينما في القديم نصَّ على الربان فقط دون غيره، وعلى هذا فيفهم من نصَّ المادة في النظام الجديد أنَّ المسؤولية قد تشمل الربان وغيره

كانت عبارة المنظم في الجديد المتعلقة بالتصادم الناتج عن الخطأ المشترك أوضح وأدق وأصرح في بيان تحمل المسؤولية والحكم المترتب على مثل هذه الصورة من التصادم.

ABSTRACT

This study is concerned with legal provisions pertinent to collision to maritime facilities and installations, in addition to the operations of rescue and assistance afforded in the sea between ships. To this aim, the researcher has shed light on the meaning and definition of ‘Maritime Collision’, its terms and ensuing liabilities, together with the competent court considering such type of maritime collision accidents. Moreover, the researcher has tackled the meaning and definition of assistance, rescue and terms and conditions of both of them, in addition to the reward given in exchange for such assistance, evaluation of such reward. Eventually, the researcher strikes a comparison between the historical vs. new Saudi Maritime Law of 1440.

The researcher has concluded several findings as follows. The lawmaker has pointed out the meaning of ‘Maritime Collision’ in the new law – compared to the historical one wherein the lawmaker failed to refer to the definition of ‘Maritime Collision’ rather than some general provisions thereof.

The new law has covered the scope of liabilities as it stated that in case of any collision owing to any fault made by either ship, the faulty ship should then bear the responsibility of such collision. However, according to the historical regulation, the captain was solely the one who is responsible for such collision. Hence, the wording of the article in the new law refers to liability of such collision may include the ship captain and others.

Wording in the newly introduced regulations relevant to collision due to joint fault has been more accurate and clear in terms of liabilities and the ruling ensuing from such type of collision.

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

للتجارة البحرية أهمية بالغة في نظام التجارة العالمي، فهي تعتبر من أهم وسائل النقل البحري الذي يسيطر على الجانب أو الشقِّ الأكبر من التجارة العالمية الكبرى، ومن هذا المنطلق عنيت التشريعات التي تنظّم التجارة البحرية أو ما يطلق عليها بالملاحة البحرية بأهمية كبرى؛ لأنها تعتبر من أهم مظاهر النشاط البشري، التي ساعدت على ربط جميع بلدان العالم بعضها ببعض، باعتبارها أداة لنقل الأشخاص والبضائع والثروات، فضلًا عن تأثيرها على الاقتصاد القومي للبلاد، حيث يتم تصريف المنتجات القومية فتنشط حركة الصادرات والواردات([1]). وخاصة في المملكة العربية السعودية لموقعها الجغرافي وازدياد حركة التجارة بها فضلاً عن وجود موانئ متقدمة البنيان والنظم بجانب التجارة المزدهرة للبترول.

وقد صدر المرسوم الملكي رقم م/33 وتاريخ 5/4/1440هـ بالموافقة على النظام البحري التجاري وألغى المنظم الباب الثاني من نظام المحكمة التجارية الصادر بالمرسوم الملكي رقم 32 وتاريخ 15/1/1350هـ ونظام الموانئ والمرافئ والمنائر البحرية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/27 وتاريخ 24/6/1394هـ. ويهدف النظام البحري التجاري الجديد إلى توحيد تنظيمات النقل البحري لجميع الجهات ذات العلاقة في نظام شامل وموحد، كما تطبق أحكام هذا النظام على السفن السعودية والشحن الأجنبية التي ترسو في موانئ المملكة أو مناطقها البحرية.

ومن المعلوم أنَّ البحر متغيّر متقلب، يجري على وفق الظروف المحيطة به، وعليه فقد تتعرض السفن لحوادث بحرية نتيجة تلك التقلبات والتغيرات المناخية التي تحيط بالبحر، لذا حرص المنظم السعودي على تنظيم الأحكام التي تتعلق بالحوادث البحرية عمومًا وحوادث التصادم البحري على وجه الخصوص، وكذا الأحكام المتعلقة بالمساعدة والإنقاذ، وقد تحدثَّ المنظم السعودي في الجديد عنها في المواد من المادة (254) إلى (270).

وسأتحدث بمشيئة الله في هذا البحث عن الأحكام المتعلقة بالتصادم البحري والمساعدة والإنقاذ، وذلك من خلال الحديث عن أحكام هذه الحوادث البحرية؛ من خلال بيان التصادم الذي يحدث بين السفن، وما يترتب عليه من أحكام، وقد رأيت أن يكون عنوان البحث:

الأحكام القانونية المتعلقة بالتصادم والإنقاذ البحري في القانون البحري السعودي

دراسة مقارنة بين النظام القديم والجديد

وأسال الله عز وجل أن ينفع بالجهود وأن يوفقني لما فيه الخير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

أهمية الموضوع وأسباب اختياره:

تظهر أهمية الموضوع وأسباب اختياره في النقاط الآتية:

1- ظهور فروق جلية بين النظامين القديم والجديد بما من شأنه تطوير نظام الحوادث البحرية في القانون البحري السعودي.

2- أنَّ النقل البحري يتوافر فيه العنصر المادي والبشري، ويتم تنقل هذه البواخر العملاقة بين الدول المختلفة بعنصريها المادي والبشري، فكان لا بدَّ من وضع أنظمة توضح ما يجب على المتعاملين بهذا العقد فعله حال وقوع الحوادث البحرية.

3- أنَّ أغلب البضائع التجارية التي يستهلكها البشر يتم نقلها عبر النقل البحري وهذا يظهر مدى أهمية تقنين وتنظيم وتجديد وتعديل هذا النوع من القوانين.

4- الرغبة في المشاركة في إخراج البحوث التي تلامس احتياجات السوق، وتوضيح الحقوق المترتبة على قانون النقل البحري التجاري السعودي الجديد في حال وقوع التصادم البحري والمساعدة والإنقاذ.

الدراسات السابقة:

لم أقف في حدود علمي القاصر على دراسة تكلمت عن الأحكام المتعلقة بالتصادم البحري وعمليات المساعدة والإنقاذ في القانون البحري السعودي الجديد مقارنة بالنظام القديم في بحث مستقل متفرد بهذا الجزء من القانون، وتوجد دراسات سابقة تحدثت عن الحوادث البحرية في النظام السعودي بشكل عام، ومن تلك الدراسات:

1- القانون البحري، فايز نعيم رضوان.

2- الموجز في القانون البحري، محمد إبراهيم موسى.

3- مبادئ القانون البحري، علي البارودي.

4- شرح القانون البحري السعودي، ثروت عبد الرحيم.

5- القانون البحري، علي جمال الدين عوض.

وغيرها من البحوث التي تحدثت عن القانون البحري بشكل عام، ولا يخفى أهمية هذه الدراسات ووجاهتها غير إنها تختلف في عنوانها ومضمونها عن هذا البحث الذي يختص ببيان الأحكام المتعلقة بالحوادث البحرية في القانون البحري السعودي الجديد لعام 1440ه.

أهداف البحث:

بيان أصالة ومعاصرة الأنظمة السعودية وتوضيح المنهج المتميز للنظام السعودي في التعامل مع الحوادث البحرية.
توضيح الأحكام الواردة في النظام السعودي والتي بينت ما يجب القيام به حال وقوع التصادم البحري والمساعدة والإنقاذ، وجمعها في رسالة ميسرة وجعلها في متناول عموم الباحثين والمهتمين في هذا المجال.

مشكلة البحث:

تكمن مشكلة البحث في عدم تجلي كثير من الأحكام المتعلقة بالحوادث البحرية في النظام البحري السعودي الجديد لعام 1440ه، مع شدة الحاجة لمعرفة تلك الأحكام خصوصًا مع كثرة اعتماد التجارة العالمية على النقل البحري والذي يترتب عليه وجود الحوادث البحرية، فأحببت أن أسهم في بيان هذه الأحكام؛ لذا يمكن طرح التساؤلات الآتية:

1- ما المقصود بالتصادم البحري؟

2- ما شروط التصادم البحري؟

3- ما أحكام المسؤولية الناتجة عن التصادم البحري؟

4- ما المقصود بالمساعدة والإنقاذ؟

5- ما المكافأة المستحقة في حالة المساعدة والإنقاذ، وما شروطها، وكيفية تقديرها؟

خطة البحث:

يتكون البحث من مقدمة ومبحثين وخاتمة وفهارس.

المقدمة وتحتوي على الافتتاحية وأسباب اختيار الموضوع وأهميته والدراسات السابقة وأهداف البحث ومشكلة البحث ومنهج البحث وخطة البحث.

المبحث الأول: المقصود بالتصادم البحري وشروطه ومسؤوليته والمحكمة المختصة به.

وفيه أربعة مطالب:

المطلب الأول: المقصود بالتصادم البحري.

المطلب الثاني: شروط التصادم.

المطلب الثالث: مسؤولية التصادم البحري.

المطلب الرابع: المحكمة المختصة بالتصادم.

المبحث الثاني: المقصود بالمساعدة والإنقاذ، ومكافأته، وكيفية تقدير المكافأة.

وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: المقصود بالمساعدة والإنقاذ.

المطلب الثاني: مكافأة المساعدة والإنقاذ وشروطها.

المطلب الثالث: تقدير مكافأة المساعدة والإنقاذ.

الخاتمة: وتشمل أهم النتائج.

الفهارس العلمية:

فهرس المصادر والمراجع.

فهرس المحتويات.

منهج البحث:

سرت في كتابة هذا البحث على المنهج الوصفي المتبع في مثل هذه البحوث العلمية وفق النقاط الآتية:

1- قمت بجمع المادة العلمية من الكتب المتخصصة في القانون والأنظمة.

2- وثقت هذه المادة العلمية من النظام السعودي الجديد والقديم.

3- قمت بالتعليق على المسائل التي تحتاج إلى تعليق.

4- بينت أوجه الفرق بين النظام السعودي القديم والجديد المتعلقة بالحوادث البحرية.

4- التزمت بعلامات الترقيم.

5- وضعت فهرساً للمصادر والمراجع والموضوعات.

المبحث الأول:

المقصود بالتصادم البحري وشروطه ومسؤوليته والمحكمة المختصة به

وفيه أربعة مطالب:

المطلب الأول: المقصود بالتصادم البحري.

المطلب الثاني: شروط التصادم.

المطلب الثالث: مسؤولية التصادم البحري.

المطلب الرابع: المحكمة المختصة بالتصادم.

المطلب الأول:

المقصود بالتصادم البحري

نظرًا لازدياد التجارة المنقولة في البحر وتكاثر السفن والأساطيل البحرية الناقلة للبضائع من مختلف دول العالم فقد كثرت الحوادث البحرية من تصادم وغيره، وقد حاولت الدول المهتمة بهذا الشأن وضع قوانين للحدِّ من هذه الحوادث ولكنهم لم يتمكنوا من القضاء عليها وكلما زاد عدد السفن الناقلة كلما زادت الحوادث البحرية، وعليه كان لا بدَّ من وضع أنظمة وقوانين خاصة ببيان ما يجب فعله حال وقوع الحوادث البحرية، يظهر من خلال تلك القوانين تعريف التصادم والمسؤوليات المترتبة عليه والمحكمة المختصة بفضِّ النزاعات المتعلقة به وغير ذلك من الأحكام، وهو ما سأتحدث عنه في هذا المبحث بإذن الله.

وقد جاء في تعريف التصادم البحري في الفقه القانوني أنَّه: ((ارتطامٌ ماديٌ يقع في البحر بين سفينتين، أو بين سفينة ومركب ملاحة داخلية))([2]).

وقد عرَّفه المنظِّم السعودي في نظام القانون التجاري البحري السعودي الجديد في المادة (1) منه حيث جاء فيها ((التصادم البحري: التصادم الذي يحدث بين سفينتين أو أكثر، أو بين سفينة وأيُّ منشأة بحرية)).

ولم يعرَّف المنظم في القديم التصادم البحري وإنما تطرق لبعض أحكامه كما جاء في المادة (398) من نظام المحكمة التجارية حيث ذكر أحكامًا خاصة للمسؤولية عن الأضرار التي تترتب على التصادم.

المطلب الثاني:

شروط التصادم

بيَّن المنظِّم السعودي شروط التصادم في نظام القانون التجاري البحري السعودي الجديد، كما جاء في المادة (1) منه في تعريف التصادم البحري قوله: ((التصادم البحري: التصادم الذي يحدث بين سفينتين أو أكثر، أو بين سفينة وأيُّ منشأة بحرية)).

ويتضح لنا من خلال استقراء هذا النصِّ القانوني لتعريف المنظِّم للتصادم البحري شروط التصادم البحري وهي كالآتي:

أن تكون إحدى المنشأتين المتصادمتين سفينة بحرية.
يجب أن تكون إحدى المنشأتين بحرية سواءً كانت الصادمة أو المصدومة، أو سواءً أوقع الحادث في المياه البحرية أو الداخلية أو حتى في المياه النهرية التي تجتازها السفن البحرية للوصول إلى بعض الموانئ الهامة([3])، وكذلك تسري أحكام التصادم البحري أيضًا على التصادم الذي يتم بين سفينتين تابعة لمجهز واحد وهو ما يطلق عليه: التصادم بين السفن الشقيقة([4]).

أن يحصل تصادم مادي بين المنشأتين العائمتين.
يطلق على التصادم بمعناه العام الارتطام المادي الذي يحصل بين جسمين وعلى ذلك فلكي يحدث تصادم بحري لا بدَّ من وقوع تصادم فعلي مادي بين المنشأتين العائمتين، ولا يعتبر الضرر الذي يلحق السفينة نتيجة ارتفاع الأمواج وتلاطمها، أو حدوث دوامة مائية بسبب مرور سفينة أخرى على مسافة منها، حتى لو كنت سرعة هذه السفينة الأخرى تزيد عن المألوف، وتسري القواعد العامة في المسؤولية على مثل هذا الضرر، ويجب أن يحصل التصادم ويقع في البحر([5]).

وأما عن المنظِّم في القديم فقد أشار لبعض أحكام التصادم كما في المادة (398) حيث جاء فيها: ((إذا اصطدمت سفينتان مع بعضهما وحدث ذلك قضاءً بحتًا… )).

فيتضح أنَّ النظام في الجديد كان أكثر تفصيلاً وبيانًا لشروط التصادم البحري، أما القديم فقد أشار للتصادم إشارة سريعة يفهم منها بعض شروط التصادم بخلاف النظام في الجديد فقد كان أكثر دقةً وتوسعًا.

المطلب الثالث:

مسؤولية التصادم البحري

تثبت المسؤولية عن التصادم البحري بناء على صورة التصادم، وللتصادم صور عدة كما في القانون البحري السعودي الجديد، والتي يمكن بيانها في الآتي:

التصادم بخطأ من إحدى السفينتين.
جاء في المادة (254/1) من القانون الجديد: ((إذا حدث تصادم بسبب خطأ إحدى السفن التزمت السفينة المحدثة للضرر بالتعويض الذي يترتب على هذا التصادم)).

وعليه فإذا نشأ التصادم عن خطأ إحدى السفن التزمت هذه السفينة بتعويض الضر الناشئ عن هذا التصادم.

ونلحظ أنَّ المنظم في القديم في المادة (398) من نظام المحكمة التجارية قد جعل المسؤولية كاملة في مثل هذه الصورة على الربان، حيث نصت المادة على الآتي: ((… أمّا إذا وقع ذلك بسبب تقصير أحد رباني السفينة فتعطى حينئذ الخسارة الحاصلة من طرف الربان الذي هو أصل السبب…)).

فنجد الفرق بين النظامين حيث يظهر أنَّ النظام الجديد كان أوسع في نطاق تطبيق المسؤولية حيث نصَّ على أنَّه إذا حدث تصادم بسبب خطأ إحدى السفينتين فتتحمل السفينة المخطئة مسؤولية ذلك التصادم، بينما في القديم نصَّ على الربان فقط دون غيره، وعلى هذا فيفهم من نصَّ المادة في النظام الجديد أن المسؤولية قد تشمل الربان وغيره من التابعين له في السفينة.

كما لو خالفت السفينة القواعد المتعارف عليها أو خالف قواعد المعاهدة الدولية لسلامة الأرواح في البحار([6]).

التصادم بسبب الخطأ المشترك.
جاء في المادة (254/3) من نظام القانون التجاري البحري السعودي الجديد: ((إذا وقع التصادم بسبب خطأ مشترك قدرت مسؤولية كل سفينة من السفن التي حدث بينهما التصادم بنسبة الخطأ الذي وقع منها، فإن حالت الظروف دون معرفة نسبة الخطأ الذي وقع من كل سفينة وزعت المسؤولية بينهما بالتساوي)).

والخطأ المشترك هو الذي يقع نتيجة خطأ من كلا السفينتين، وبناءً على ذلك فإذا كان الخطأ مشتركًا فإنَّ المسؤولية تقدّر بنسبة خطأ كل سفينة كما هو نصُّ المادة، وإذا حصلت ظروف تسببت بعدم القدرة على تعيين نسبة الخطأ الذي وقع من كل سفينة، ففي الحالة هذه يتم توزيع المسؤولية بين السفينتين بالتساوي.

وجاء المنظم في القديم بعبارة قريبة من هذا الحكم حيث نصَّت المادة (398) من نظام المحكمة التجارية على أنه: ((إذا كان التصادم ناشئًا من تقصيرات منهما كلاهما -أي الربانين- فحينئذ تعتبر قيمة كل من السفينتين مقياسًا، وتؤخذ من كل منهما مصاريف التعمير بحسب قيمته)). وعبارة المنظم في الجديد أوضح وأدق وأصرح في بيان تحمل المسؤولية والحكم المترتب على مثل هذه الصورة من التصادم، والحكم في النظام القديم مخالفٌ للقواعد العامة التي مقتضاها أنه عند وقوع خطأ مشترك يسأل كل من الطرفين عن التعويض بنسبة جسامة الخطأ الذي وقع منه، وهذا ما نصَّ عليه المنظم في الجديد.

التصادم بسبب القوة القاهرة.
جاء في المادة (254/2) من النظام الجديد ما نصُّه: ((إذا وقع التصادم بسبب قوة قاهرة، أو كان هناك شكٌ في أسبابه، ولم تعرف هذه الأسباب تحملت كل سفينة ما أصابها من ضرر، ولو كانت السفن التي وقع بينهما التصادم، أو إحداها راسية وقت وقوع التصادم)).

فإذا حصلت قوة قاهرة كالظواهر الطبيعية وكالضباب الذي معه تنعدم الرؤية أو كانت بسبب حرب، أو وقع نتيجة الإظلام، فإن وقع ذلك يتحمل صاحب كل سفينة ما أصابها من الضرر إعمالًا للقواعد العامة؛ إذ ليس ثمة خطأ من السفينة الأخرى.

وجاءت هذه الصورة في النظام القديم بعبارة أخرى كما في المادة (398) من نظام المحكمة التجارية حيث جاء فيها: ((إذا اصطدمت سفينتان مع بعضهما وحدث ذلك قضاءًا بحتًا، فالخسارة التي تترتب على ذلك لا تسترد من أحد ما أصلًا؛ بل ترجع على السفينة المتضررة)).

4- التصادم بسبب غير معروف.

جاء في المادة (254/2) من نظام القانون البحري السعودي الجديد ((إذا وقع التصادم بسبب قوة قاهرة، أو كان هناك شكٌ في أسبابه، أو لم تعرف هذه الأسباب تحملت كل سفينة ما أصابها من ضررٍ ولو كانت السفن التي وقع بينهما أو إحداها راسية وقت وقوع التصادم)).

وبناءً على ذلك فإذا عجز كلٌ من الطرفين عن تحديد سبب التصادم فكان التصادم بسبب غير معروف فقد طبّق النظام على هذه الحالة حكم الحالة السابقة من القوة القاهرة، فيتحمل كل صاحب سفينة ما أصابها من الضرر.

وقد نصَّ المنظم في القديم على مثل هذا كما في المادة (398) كما جاء فيها ((… وإذا كان ذلك ناشئًا من تقصيرات منهما كلاهما أو كان مجهولًا من كان منهما السبب …)).

ولقد ساوت المادة (398) في الحكم بين التصادم الذي لا يعرف سببه والتصادم الذي يقع بخطأ مشترك من حيث تطبيق الحكم، وذلك بأن توزع قيمة الضرر بين السفينتين بحسب قيمة كل منهما، إلا أن المنظم في الجديد خالف هذا الحكم كما في المادة (254/2) فنصَّ على أنه إذا حدث تصادم بسبب خطأ مشترك قدرت مسؤولية كل سفينة من السفن التي حدث بينها التصادم بنسبة الخطأ الذي وقع منهما، فإن حالت الظروف دون معرفة نسبة الخطأ الذي وقع من كل سفينة وزعت المسؤولية بينها بالتساوي، وأما إذا حدث التصادم الذي لا يعرف سببه تحملت كل سفينة ما أصابها من ضررٍ ولو كانت السفن التي وقع بينها التصادم أو إحداها راسية وقت وقوع التصادم.

المطلب الرابع:

المحكمة المختصة بالتصادم

وضح المنظم في القانون البحري السعودي الجديد المحكمة المختصة بالنظر في الدعاوى الناشئة عن التصادم البحري، وبيَّن ما هي المحكمة التي يحق لها البت في هذه الدعاوى. وهو ما نصَّت عليه المادة (257) حيث جاء فيها:

((1- للمدعي إقامة الدعوى الناشئة عن التصادم البحري أمام إحدى المحاكم الآتية:

المحكمة التي يقع في نطاق اختصاصها موطن المدعى عليه، أو مقر عمله الرئيس.
المحكمة التي يقع في نطاق اختصاصها ميناء تسجيل سفينة المدعى عليه.
المحكمة التي يقع في نطاق اختصاصها أول ميناء سعودي وصلت إليه السفن، أو إحدى السفن التي حدث بينها التصادم.
المحكمة التي يقع في نطاق اختصاصها الميناء الذي حُجز فيه على السفن التي حدث بينها التصادم، أو على إحدى هذه السفن.
هـ- المحكمة التي يقع في نطاق اختصاصها مكان حدوث التصادم، إذا حدث في المناطق البحرية للمملكة.

أي محكمة أخرى يتفق فيها الخصوم على إقامة الدعوى أمامها.
2- يجوز للخصوم الاتفاق على عرض النزاع الناشئ عن التصادم على التحكيم، على أن يجري – بحسب المدعي- في نطاق إحدى المحاكم المنصوص عليها في الفقرة (1) من هذه المادة)).

فبينت المادة أنه يصح عرض دعوى التصادم في إحدى هذه المحاكم التي نصت عليها المادة، ويجوز للمدعي أن يقدم دعواه في أي محكمة من المنصوص عليها بحسب الحالات التي ذكرتها المادة.

وأوضحت أنَّ فض المنازعات في دعاوى التصادم البحري يتم حلها بطريقين:

الأول: عن طريق المحاكم المختصة المنصوص عليها في المادة.

الثانية: عرض النزاع على التحكيم، بعد اتفاق طرفي النزاع عليه.

ولم يكتفِ المنظم في الجديد ببيان المحكمة المختصة بالنظر في دعاوى التصادم، بل نصَّ أيضًا على تقادم الدعوى والمدة الزمنية التي يحق للمدعي رفع الدعوى فيها، وبيان الإجراء المتخذ حال مضي الفترة الزمنية المسموح بها لرفع دعاوى التصادم البحري.

وهذا ما جاء في المادة (258) حيث جاء فيها:

لا تسمع الدعوى بالتعويض الناشئة عن التصادم بعد مضي سنتين من تاريخ وقوع الحادث.
لا تسمع دعوى الرجوع المنصوص عليها في الفقرة (5) من المادة (الرابعة والخمسين بعد المائتين) ([7]) بعد مضي سنة من تاريخ الوفاة.
يقف سريان المدد المنصوص عليها في هذه المادة إذا تعذر الحجز على السفينة المدعى عليها وكان المدعي من الأشخاص الذين يتمتعون بالجنسية السعودية، أو كان له مواطن فيها)).
يتضح من خلال هذه المادة أنَّ المنظم قد جعل أمد رفع دعاوى التصادم البحري على نوعين:

الأول: خلال سنتين من تاريخ حدوث التصادم، ولا يحق للمدعي رفع الدعوى بعد مضي تلك المدة.

الثاني: خلال سنة من تاريخ وفاة شخص بسبب التصادم، ولا يحق رفع الدعوى بعد مضي سنة على تاريخ الوفاة.

ولم يوضح المنظم في القديم في نظام المحكمة التجارية المحكمة المختصة بنظر الدعاوى الناشئة عن الحوادث البحرية كما هو الأمر في النظام البحري الجديد، ولم يتطرق المنظم في القديم إلى بيان العمل حيال تقادم الدعاوى الناشئة عن التصادم البحري بخصوصها، وإن كانت بعض المواد قد نصَّت بشكل عام على تقادم الدعوى والمدد التي يسمح فيها برفع تلك الدعاوى، ومن ذلك ما نصَّت المادة (431) من النظام القديم، حيث جاء فيها: ((الأخطار والاعتراضات والشكايات المذكورة إذا لم تعرض وتبلغ في ظرف 48 ساعة، ولم تتقدم عريضة بالدعوى في ظرف واحد وثلاثين يومًا اعتبارًا من تاريخ تبليغه فتصير في حكم الملغاة))، وكما يتضح للقارئ فالمادة لم تنص على رفع دعاوى التصادم بخصوصها وإن كان لفظ “الأخطار” قد يدخل فيه بوجه ما، فيجب التقيد بالمواعيد المقررة في تقديم الدعوى وإلا سقط الحق واعتبرت في حكم الملغاة.

ونصت المادة (427) من نظام المحكمة التجارية القديم على أنَّ: ((دعوى نولون السفينة ومعاشات وأجر الربان والملاحين، وباقي المأمورين، والخدمة والمستخدمين فيها، وإيفاء ذلك وإعطاء المبالغ التي تكون الركاب مديونة بها، وتسليم البضائع المشحونة ترد من طرف الخصم بواسطة مرور الزمان، إذا كانت مرت سنة واحدة منذ وصولها إلى المحل المشروط ذهابها إليه. وكذلك الدعاوي التي تتعلق بالمأكولات المعطاة بأمر الربان إلى الملاحين وباقي مأموري السفينة وخدامها ترد بواسطة مرور الزمن، إذا كانت مرّت سنة واحدة على إعطائها)).

وقد وافق المنظم في الجديد النظم التجارية العالمية بوجه عام في تقادم الدعاوى الناشئة عن التصادم وجعل المدة التي يحكم من خلالها بالتقادم مرور سنتين من تاريخ وقوع الحادث.

أما بالنسبة للدعاوي المتعلقة بدعاوى التعويض عن أضرار الوفاة فتتقادم بمضي سنة من تاريخ الوفاة، كما سبق بيانه، ويتضح من خلال هذا العرض الفرق بين النظام القديم والجديد، حيث كان النظام الجديد أكثر تفصيلاً وواقعية ومواكبة للمتطلبات والمستجدات العصرية، وأكثر مرونة وإيجادًا للحلول التي من شأنها تيسير الأحكام المتعلقة بالحوادث البحرية.

المبحث الثاني:

المقصود بالمساعدة والإنقاذ، ومكافأتها، وكيفية تقدير المكافأة

وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: المقصود بالمساعدة والإنقاذ.

المطلب الثاني: مكافأة المساعدة والإنقاذ وشروطها.

المطلب الثالث: تقدير مكافأة المساعدة والإنقاذ.

المطلب الأول:

المقصود بالمساعدة والإنقاذ

توطئة:

لم يتضمن نظام المحكمة التجارية أحكامًا خاصة بالمساعدة والإنقاذ البحريين، ولم يتطرق إلى بيان المقصود بالمساعدة والإنقاذ، وذلك لأنَّه في وقت وضع النظام كانت أغلب السفن شراعية ليس لديها القدرة على مساعدة غيرها من السفن، ولم تكن صناعة السفن قد تطورت على ما هي عليه الآن.

وقد جاء في المادة (1/2/9) من قواعد وتعليمات الموانئ البحرية الصادرة عن المؤسسة العامة للموانئ السعودية أنَّه: ((في حالة وجود خطر على أشخاصٍ على ظهر السفينة فإنَّ على ربان هذه السفينة أو السفن المجاورة إعطاء الأولوية لإنقاذ حياة هؤلاء الأشخاص قبل أي عمل آخر، ومخالفة ذلك يعاقب عليها بغرامة من 100 إلى 20000 ريال)).

كما أوصت المادة (1/9) أنَّ على ربان السفينة التي تصاب بحادث في الميناء أو تكون طرفًا في حادث إبلاغ إدارة الميناء فورًا، كما أنَّ على كل سفينة تشاهد الحادث أو تكون طرفًا فيه إبلاغ الأمر لإدارة الميناء، ومخالفة هذين الواجبين معاقب عليهما بغرامة من 500 إلى 5000 ريال، وقضت المادتين (1/5/9،1/6/9) على أنَّ لإدارة الميناء السيطرة التامة على عمليات الإنقاذ إذا نشأ عنها عائق يشكل خطرًا على الملاحة ضمن حدود الميناء، وذلك على حساب مالك السفينة، ضمانًا لاستمرار العمل في الموانئ، وقد نصَّ المنظم في القانون البحري السعودي الجديد على المساعدة والإنقاذ، وبيّن أحكامه وفصّلها وهذا بخلاف المنظم في القانون البحري السعودي القديم.

ومما جاء به المنظم في الجديد في المادة (260/1) حيث جاء فيها: ((يجب على كل ربان أن يبادر إلى إنقاذ أي شخص في البحر معرض لخطر الهلاك، وذلك بالقدر الذي لا يعرض سفينته أو من عليها للخطر، ويكون الربان مسؤولا إن أهمل في تنفيذ الالتزام)).

والأصل أنَّ المساعدة ليست إلزامية في النظام وإنما هي أمر أدبي وأخلاقي، ولقد كان الربانية يقدمون المساعدات للسفن التي تكون بعرضة إلى الخطر والهلاك، ولقد انتهى الأمر إلى جعل المساعدة والإنقاذ واجبًا قانونيًا يعاقب عليه كل من يقدر على المساعدة ولا يفعله، كما جاء في المادة (260/1) من النظام البحري السعودي الجديد الآنفة الذكر.

ولم ينصّ نظام المحكمة التجارية على ذلك كما سبق وأن بيّنا، ومع بقاء مسؤولية الربان، فإن مجهز السفينة يسأل عن مخالفة الالتزام المشار إليه في الفقرة (1) من المادة (260) إذا وقعت المخالفة بناءً على تعليمات صريحة من المجهز، وهذا ما نص عليه المنظم الجديد في المادة (2/260).

تعريف المساعدة والإنقاذ:

عرَّف المنظم في الجديد الإنقاذ البحري حيث جاء في المادة (1) منه: ((الإنقاذ البحري: المساعدة التي تقدم للسفينة التي تكون في حالة خطر ومن عليها، أو الأشياء التي تنقلها وقت الخطر، بناءً على طلبها)).

ولم يعرف المنظم في القديم الإنقاذ البحري ولم يتطرق إليه.

ومن خلال استقراء النصِّ القانوني يتضح لنا الآتي:

حتى نكون بصدد مساعدة بحرية فإنَّه يجب أن يتوافر لإحدى المنشأتين وصف السفينة قانونًا، وعليه فلا يعتبر استخراج ركام السفينة المحطمة مساعدة بحرية.
أن يتم تقديم المعونة للسفينة، أو البضائع الموجودة عليها، وكذلك الأشخاص، أو أجور النقل.
يجب أن تكون إحدى السفينتين في خطر جديٍّ، كأن توجد ظروف تجعل هلاك المنشأة أو حمولتها أو الأشخاص الموجودين عليها محتملًا، كما إذا تعطلت محركات السفينة، أو إذا فقد الربان السيطرة عليها وهي في البحر.

المطلب الثاني:

مكافأة المساعدة والإنقاذ وشروطها

يتضح من خلال عرض المطالب السابقة أنَّ المساعدة والإنقاذ كانت طوعية بداية الأمر، ثم ما لبثت أن صارت إلزامية ويتحمل من حضر تعرض سفينة للخطر ولم يبادر لإنقاذها مع قدرته على ذلك غرامة مالية نصَّت عليها القوانين، ومع ذلك وطبقًا للقواعد العامة فلا بدَّ أن يكافئ كل من بادر بعلمية الإنقاذ وهذا الأمر مقابلة نظامية عادلة، وهذا ما نصَّ عليه المنظم في الجديد حيث جاء في المادة (261/1) من نظام القانون البحري السعودي الجديد: ((كل عمل من أعمال الإنقاذ البحري يعطي الحق في مكافأة بشرط أن يؤدي إلى نتيجة مفيدة، ولا يجوز أن تتجاوز المكافأة قيمة ما أنقذ))، وتكون المكافأة بقدر ما أصاب المساعد من خسائر وما تحمله من نفقات من جراء عمله، وتشمل المكافأة جانبًا من الأمور المادية التي هي عبارة عن مكافأة عادلة يستحقها نتيجة لمساعدته وإنقاذه، ولعل الحكمة من وضع المكافآت هو لتشجيع الربابنة والمجهزين لمدِّ يد العون والمساعدة لأصحاب السفن الأخرى، الذين هم بأمسِّ الحاجة لذلك.

شروط استحقاق مكافأة المساعدة والإنقاذ:

يجب لاستحقاق المساعِد للمكافأة شروط عدة تتضح من خلال المادة (261/1) وهي كالآتي:

1- أنَّ تتحقق نتائج مفيدة من وراء المساعدة.

كما جاء في المادة (261/1) من نظام القانون البحري السعودي الجديد: ((كلُّ عملٍ من أعمالِ الإنقاذ البحريِّ يعطي الحق في مكافأة بشرط أن يؤدي إلى نتيجة مفيدة ولا يجوز أن تتجاوز المكافأة قيمة ما أنقذ)).

ومعنى ذلك أنَّ المسعف يقوم بالعمل على مسؤوليته؛ لأنَّ تحقيق النتيجة أمر احتمالي، غير أنه يمكنه الحصول على استرداد النفقات التي تكبدها جراء عملية الإنقاذ، فضلًا عن التعويض عن الضرر الذي لحقه بناءً على أحكام الفضالة([8])، وإذا لم تؤدَّ أعمال الإنقاذ إلى نتيجة مفيدة التزمت السفينة التي قدمت لها هذه الأعمال بالمصروفات المعقولة التي أنفقت بهذا الشأن، وهذا ما نصَّ عليه المنظم في الجديد كما في المادة (261/1) حيث جاء فيها: ((إذا لم تؤدّ أعمال الإنقاذ إلى نتيجة مفيدة التزمت السفينة التي قدمت لها هذه الأعمال بالمصروفات المعقولة التي أنفقت في هذا الشأن)).

2- أن تكون المساعدة بحرية.

بمعنى أن تكون إحدى العائمتين سفينة، أو تكون السفينة طالبة الإنقاذ معرضة لخطر جدي فإذا كانت المساعدة في النهر فلا تخضع لأحكام القانون البحري، بل للقواعد العامة في القوانين الداخلية ([9]).

وقد جاء في المادة (260/1) من النظام الجديد ما يدل على أنه يجب أن تكون المساعدة بحرية حيث جاء في المادة: ((يجب على كل ربان أن يبادر إلى إنقاذ أي شخص في البحر معرض لخطر الهلاك…)).

3- أن تؤدي المساعدة إلى إنقاذ الأموال والأشخاص.

ولعل هذا الشرط يتفق مع الشرط الأول في ضرورة تحقيق المنفعة، وقد نصَّ المنظم الجديد على ذلك في المادة (261/1) حيث جاء فيها: ((كل عمل من أعمال الإنقاذ البحري يعطي الحق في مكافأة بشرط أن يؤدي إلى نتيجة مفيدة…)).

وكما جاء في المادة (260/1) من النظام الجديد: ((يجب على كل ربان أن يبادر إلى إنقاذ أي شخص في البحر معرض لخطر الهلاك… )).

وجاء في المادة (265/2) من النظام البحري السعودي الجديد : ((يستحق الأشخاص الذين أنقذوا الأرواح البشرية نصيباً عادلاً في مكافأة الإنقاذ البحري التي تعطى لمن أنقذوا السفينة والبضائع بمناسبة الحادث نفسه، ولا يجوز الجمع بين نصيب المنقذ من هذه الحصة والمكافأة المشار إليها في الفقرة (1) من هذه المادة)).

4- عدم رفض السفينة المستغيثة للمساعدة.

جاء في المادة (264) ما نصّهُ: ((لا تستحق أي مكافأة للإنقاذ البحري أو النفقات التابعة له في الحالات الآتية:

1- إذا كانت السفينة التي قدمت لها أعمال الإنقاذ البحري قد رفضت تدخل السفينة المقدمة للخدمة صراحة ولسبب معقول وبناءً على ذلك فلا يستحق الأشخاص الذين أسهموا في أعمال المساعدة أية مكافأة إذا كانت السفينة المغاثة قد منعتهم عن مساعدتها صراحة ولسبب معقول)).

5- أن تكون المساعدة اختيارية.

بحيث ألا تكون هذه المساعدة حاصلة نتيجة التزام عقدي أو نظامي وإلّا فإنه من الواجب الرجوع إليهما في كيفية تحديد المكافأة لذلك لا يستحق عمال السفينة مكافأة، كما لا يستحق مجهز السفينة القاطرة مكافأة إذا كان يرتبط مع السفينة المقطورة بعقد، وبهذا جاء المنظم السعودي الجديد في المادة (264) حيث جاء فيها: ((لا تستحق أي مكافأة للإنقاذ البحري أو النفقات التابعة له في الحالات الآتية:… 3- المساعدة التي تقدمها السفينة القاطرة للسفينة المقطورة، أو للبضائع، أو الأشخاص الموجودين على ظهرها، إلّا إذا قامت بخدمات استثنائية لا تدخل عادة في عقد القطر)).

وبناءً على ذلك ففي حالة القطر لا تستحق أية مكافأة للسفينة التي تقوم بهذه العملية عن مساعدة أو إنقاذ السفينة التي تقطرها، أو البضائع الموجودة عليها، إلّا إذا قامت السفينة القاطرة بخدمات استثنائية لا تدخل عادة في عمليات القَطْر.

ويلاحظ الباحث في النظام البحري السعودي الجديد جِدَةَ هذه الشروط وما يتعلق بها من أحكام، حيث إن النظام في القديم لم يتطرق إليها ولم يُشِر إليها، وذلك لما سبق إيراده من أنَّ النظام في القديم وضع قبل تطور النقل البحري حيث كانت السفن شراعية والإنقاذ والمساعدة يصعب العمل بها في السفن الشراعية، وقد راعى المنظم في الجديد مواكبة التطورات الحاصلة في النقل التجاري البحري فجاءت هذه المواد لتنظيم أحكام المساعدة والإنقاذ البحري.

المطلب الثالث:

تقدير مكافأة المساعدة والإنقاذ

يستحق المكافأة كل من ساهم في عملية الإنقاذ والمساعدة، فيستحق مالك السفينة مكافأةً باعتباره صاحب السفينة المنقذة، ويستحق الربان والبحارة كذلك مكافأة كل على قدر جهده مقابل هذا العمل الإنساني النبيل، وقد تلغى هذه المكافأة أو تخفض في بعض الحالات التي بينها المنظم، وسوف أتكلم عن هذه المسائل في هذا المطلب في النقاط الآتية:

أولاً: كيفية تقدير مكافأة المساعدة والإنقاذ.

يتم تقدير مكافأة المساعدة والإنقاذ بإحدى طريقتين:

الأولى: أن تكون عن طريق الاتفاق بين الأطراف.

الثانية: أن تكون عن طريق القضاء.

ويمكن بيان ذلك في الآتي:

أولاً: تقدير المكافأة بالاتفاق بين الأطراف.

وهو ما نصَّت عليه المادة (262/1) حيث جاء فيها: ((يتفق الطرفان على مقدار المكافأة …)).

وهذا هو الأصل حيث يرجع الأمر في التقدير إلى الطرفين، وفيه إعمالٌ لسلطة الإرادة وفيه تطبيق للقواعد العامة، ولما كانت السفينة المطالبة بالإنقاذ قد تتعرض للاستغلال نظرًا لظروفها المحيطة بها فقد أجاز المنظم للقاضي سلطة تعديل أو إلغاء الاتفاق المذكور، إذا تبين أن رضاء أحد الطرفين قد شابَهُ تدليسٌ، أو أنَّ المكافأة مبالغٌ فيها زيادة أو نقصًا بحيث لا تتناسب مع الخدمات التي قدمت لها.

وبهذا جاء المنظم في المادة (266) حيث نصت على: ((للمحكمة -بناء على طلب أحد الطرفين- إبطال أو تعديل أي اتفاق على الإنقاذ البحري إذا تبين لها أن شروطه غير عادلة، وتمت وقت الخطر وتحت تأثيره، أو إذا كان رضا أحد الطرفين قد شابَهُ تدليس أو غش، أو إذا كانت قيمة المكافأة مبالغاً فيها زيادة أو نقصاً بحيث لا تتناسب مع الخدمة التي قدمت)).

ثانيًا: تقدير المكافأة بواسطة القضاء.

إذا لم يحدد الأطراف أو يتفقا على قيمة المكافأة كان على القاضي تقديرها، وبهذا جاء المنظم في الجديد كما في المادة (262/1) حيث جاء فيها: ((يتفق الطرفان على مقدار المكافأة، فإن لم يتفقا حددت المحكمة مقدارها، وتحدد بالكيفية نفسها نسبة توزيعها بين مالك السفينة وربانها وبحارتها)).

وبناءً على ما تقدم فإنه إذا حددت المكافأة عن طريق المحكمة فإنها تدخل في تقديرها عدة عناصر منها: الفائدة التي تحققت من المساعدة، والجهود الذي قدمتها السفينة، والخطر الذي كان يحيط بالسفينة التي تلقت المساعدة وركابها وبحارتها وشحنتها، والمدة التي استغرقتها عملية الإنقاذ، والمصروفات التي أنفقتها السفينة التي قدمت المساعدة.

ثانيًا: متى تلغى مكافأة المساعد والإنقاذ ومتى تخفض؟.

لا تستحق المكافأة السفينةُ التي تسببت في الخطر، ويجوز تخفيض المكافأة أو إلغاؤها إذا تبين من الظروف أنَّ القائمين بالاتفاق قد ارتكبوا أخطاء جعلت المساعدة أو الإنقاذ أكثر لزومًا، أو وقع منهم غير ذلك من أعمال الغش، وذلك دون إخلال بتوقيع العقوبات عليهم، أو التعويض عن ذلك من الجهة المختصة، فللقاضي تخفيض المكافأة إذا رأى أنها غير عادلة، وبهذا جاء النظام البحري السعودي الجديد كما في المادة (266) حيث جاء فيها: ((للمحكمة -بناء على طلب أحد الطرفين- إبطال أو تعديل أي اتفاق على الإنقاذ البحري إذا تبين لها أن شروطه غير عادلة، وتمت وقت الخطر وتحت تأثيره، أو إذا كان رضا أحد الطرفين قد شابَهُ تدليس أو غش، أو إذا كانت قيمة المكافأة مبالغاً فيها زيادة أو نقصاً بحيث لا تتناسب مع الخدمة التي قدمت)).

كما يجوز للمحكمة أن تقضي بتخفيض المكافأة أو إلغائها إذا ثبت أنَّ القائمين بالإنقاذ قد ارتكبوا سرقات أو أخفوا أشياء مسروقة، أو وقع منهم غير ذلك من أعمال الغش، وبهذا جاء المنظم في الجديد في المادة (268) حيث جاء فيها: ((للمحكمة أن تقضي بتخفيض المكافأة أو بإلغائها إذا تبين أن القائمين بالإنقاذ البحري قد ارتكبوا أخطاء جعلت الإنقاذ لازماً، أو إذا ارتكبوا سرقات، أو أخفوا أشياء مسروقة، أو وقع منهم غير ذلك من أعمال الغش)).

كما تراعى المحكمة في تقدير المكافأة نوع الخدمة التي خصصت لها السفينة التي قدمت المساعدة.

وتراعي المحكمة أيضًا قيمة الأشياء التي تم انقاذها وهي النتيجة الهامة التي تقوم عليها المكافأة، وبهذا جاء المنظم في الجديد في المادة (267) حيث جاء فيها: ((تراعي المحكمة في تحديد المكافأة الأسس الآتية:

1- قيمة السفينة والممتلكات الأخرى التي أنقذت وأجرة النقل في ميناء الوصول.

2- المهارات والمجهودات التي بذلت في منع الضرر البيئي أو تقليله.

3- الخطر الذي كان يحيق بالسفينة التي أُنقذت.

4- المدة المستغرقة للإنقاذ.

5- المصروفات وأجور الطاقم الإضافية بسبب جهودهم في الإنقاذ.

6- الأضرار المادية التي لحقت بالسفينة المشاركة في الإنقاذ والأضرار البدنية التي لحقت بالطاقم.

7- أخطار المسؤولية التي تعرض لها المنقذون قبل الغير أو قبل الشاحنين بسبب الإنقاذ.

8- قيمة الأدوات التي استعملها المنقذون.

9- نوع الخدمة التي خصصت السفينة لها (سفينة تجارية، أم سفينة مخصصة لعمليات المساعدة والإنقاذ).

10- المهارات والمجهودات التي بذلت لإنقاذ الأشخاص والسفينة والممتلكات الأخرى.

الخاتمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد فأحمد الله تعالى على إتمام هذا البحث وأسأله المزيد من فضله، وقد توصلت في هذا البحث بعد الدراسة والمقارنة إلى النتائج الآتية:

وضّح المنظم في الجديد المقصود بالتصادم البحري ولم يتطرق المنظم في القديم لبيان المقصود بالتصادم البحري وإنما تطرق لبعض أحكامه العامة.
المنظم في الجديد كان أوسع في نطاق تطبيق المسؤولية حيث نصَّ على أنَّه إذا حدث تصادم بسبب خطأ إحدى السفينتين فتتحمل السفينة المخطئة مسؤولية ذلك التصادم، بينما في القديم نصَّ على الربان فقط دون غيره، وعلى هذا فيفهم من نصَّ المادة في النظام الجديد أنَّ المسؤولية قد تشمل الربان وغيره
كانت عبارة المنظم في الجديد المتعلقة بالتصادم الناتج عن الخطأ المشترك أوضح وأدق وأصرح في بيان تحمل المسؤولية والحكم المترتب على مثل هذه الصورة من التصادم.
ساوى المنظم في القديم في الحكم بين التصادم الذي لا يعرف سببه والتصادم الذي يقع بخطأ مشترك من حيث تطبيق الحكم، إلا أن المنظم في الجديد خالف هذا الحكم فنصَّ على أنه إذا حدث تصادم بسبب خطأ مشترك قدرت مسؤولية كل سفينة من السفن التي حدث بينها التصادم بنسبة الخطأ الذي وقع منهما، فإن حالت الظروف دون معرفة نسبة الخطأ الذي وقع من كل سفينة وزعت المسؤولية بينها بالتساوي.
لم يوضح المنظم في القديم في نظام المحكمة التجارية المحكمة المختصة بنظر الدعاوى الناشئة عن الحوادث البحرية، ولم يتطرق إلى بيان العمل حيال تقادم الدعاوى الناشئة عن التصادم البحري بخصوصها، وإن كانت بعض المواد قد نصَّت بشكل عام على تقادم الدعوى والمدد التي يسمح فيها برفع تلك الدعاوى.
لم يعرف المنظم في القديم الإنقاذ البحري ولم يتطرق إليه ولا إلى شيء من أحكامه.

ثبت المصادر والمراجع

أحمد محمود حسني، النقل البحري الدولي للبضائع، مصر، ط 1980م.
ثروت علي عبد الرحيم، شرح القانون البحري السعودي، مكتبة الرشد ناشرون، ط2، 1437ه.
حسين غنايم، القانون البحري في دولة الإمارات العربية المتحدة دراسة مقارنة بقوانين دول مجلس التعاون الخليجي، جامعة الإمارات العربية المتحدة، 1410ه.
علي البارودي، مبادئ القانون البحري، منشأة المعارف، جمهورية مصر العربية، الإسكندرية، 1983م.
علي جمال الدين عوض، القانون البحري، دار النهضة العربية، 1975م.
عماد الدين عبد الحي، أحمد السيد، شرح القانون البحري في دولة الإمارات العربية المتحدة، مكتبة الجامعة، الشارقة، 2015م.
فايز نعيم رضوان، القانون البحري في دولة الإمارات العربية المتحدة، أكاديمية شرطة دبي، 1429ه..
القانون البحري الجديد، مصطفى كمال طه، دار الجامعة الجديدة بالإسكندرية، 1995م.
القانون البحري، سميحة القليوبي، دار النهضة العربية، 1987م.
محمد عزمي البكري القانون المدني الجديد، دار محمود، القاهرة مصر، 3/299.
محمود سمير الشرقاوي، القانون البحري، دار النهضة العربية، القاهرة، 1993م.
الموجز في القانون البحري، محمد بهجت قائد، دار النهضة العربية، ط 4، 2011-2012م.
النظام البحري التجاري الذي صدر بالمرسوم الملكي رقم م/33 وتاريخ 5/4/1440هـ.
نظام الموانئ والمرافئ والمنائر البحرية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/27 وتاريخ 24/6/1394هـ.
نظام المحكمة التجارية الصادر بالمرسوم الملكي رقم 32 وتاريخ 15/1/1350هـ.
قواعد وتعليمات الموانئ البحرية الصادرة عن المؤسسة العامة للموانئ السعودية:
https://mawani.gov.sa/ar-sa/RulesRegulations/Pages/default.aspx

([1]) انظر: القانون البحري، سميحة القليوبي، ص3، القانون البحري الجديد، مصطفى كمال طه، ص7، الموجز في القانون البحري، محمد بهجت قائد، ص3.

([2]) علي جمال الدين عوض، القانون البحري صــ445ــــ، أحمد حسني، النقل البحري الدولي صـ152ــ.

([3]) انظر: عماد الدين عبد الحي، أحمد السيد، شرح القانون البحري، صـ199.

(3) انظر: محمود سمير الشرقاوي، القانون البحري صـ594.

(4) انظر: ثروت علي عبد الرحيم، شرح القانون البحري السعودي صــ246_247ــ

([6]) انظر: ثروت علي عبد الرحيم، شرح القانون البحري السعودي، صــ249ــ.

([7]) نصَّت الفقرة (5) من المادة (254) على: ((تكون المسؤولية تجاه الغير بالتضامن إذا ترتب على الخطأ وفاة شخص أو إصابته بدنياً بجروح، ويكون للسفينة التي تدفع أكثر من حصتها الرجوع بالزيادة على السفن الأخرى)).

([8]) عماد عبد الحي، أحمد السيد، المرجع السابق/ صــ218ــ ، فايز نعيم رضوان، القانون البحري، صــ388ــ، حسين غنايم، القانون البحري/صـ246.

والفضالة هي: قيام شخص عن قصد ودون أن يكون ملزما بذلك، بشأن عاجل لحساب شخص آخر. محمد عزمي البكري، القانون المدني الجديد، 3/299.

([9]) انظر: علي البارودي، مبادئ القانون البحري/ صـ283ـ فايز نعيم رضوان، مرجع السابق/ صــ388ـ.

إغلاق