دراسات قانونية
بحث قانوني يشرح بالتفصيل مسؤولية الطبيب الجنائية عن أخطائه المهنية
يوسف أديب
رسالة لنيل الماستر في قانون المنازعات
جامعة المولى أسماعيل
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية
مكناس
2011/2012
المسؤولية الجنائية للطبيب عن أخطائه المهنية
مقدمة
تعتبر المسؤولية التزاما وضرورة أخلاقية وفكرة لتصحيح الخطأ والاستجابة للواجب، حيث أنها مرتكب الخطأ. وأما في عرف القانون فإن لها وظيفتين :
– وظيفة تعويض الضرر الناتج عن خطأ أحدهم، وهو مجال المسؤولية المدنية إذا كان الضرر ناتجا عن خطأ شخصي.
– وظيفة معاقبة الجاني،وتستجيب لأهداف مختلفة:
1- المسؤولية الجنائية إذا ارتكب المعني جرما
2- المسؤولية التأديبية الإدارية، إذا ارتكب الخطأ في علاقة بالمرفق العمومي
3- المسؤولية التأديبية المهنية إذا كان الضرر يمس مصالح المهنة
ولعل ذلك يبدو جليا في الميدان الطبي، حيث أثارت مسؤولية الأطباء الجنائية منذ القدم، ولا زالت تثير الجدل والنقاش في مجال الفقه وبالخصوص الجنائي منه، وكذا على مستوى التطبيق القضائي . حيث عرفتها الحضارة الفرعونية في مصر، وعرفها البابليون، وتطورت في عهد اليهودّ، ويرجع للإغريق على يد أبقراط الفضل في تحديد أخلاق وآداب المهنة، وأشهر ما عرف عن هذا القسم أنه يمثل التزاما أدبيا أكثر مما هو قانوني، أما الرومان فقد عرفوا المسؤولية الطبية بنوعيها المدنية والجنائية، فكان الطبيب أو الجراح يسأل مدنيا وفقا لقانون “أكويليا” عن الأضرار التي يسببها للغير عن عمله أو نتيجة لخطأه أو إهماله أيا كانت درجة هذا الخطأ، كما كان يسأل جنائيا عن فعله بموجب القانون “كورنيليا” الصادر سنة 81 قبل الميلاد لكن شريطة أن يصدر الفعل عن عمد .
وفي الشريعة الاسلامية نجد نصوصا من القرآن والسنة تقرر الأحكام الجنائية الشرعية في القتل الخطأ، فيقول الله تبارك وتعالى: “وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ، ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا، فإذا كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة، وإن كان بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله، وكان الله عليما حكيما” النساء الآية 92.
وفي السنة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “من تطبب ولم يعلم عنه الطب قبل ذلك فهو ضامن” . طبقا لقاعدة لا ضرر ولا ضرار .
وقد تحدث بعض علماء المسلمين عن منزلة الطب ومكانته، وحثوا على تعلم الطب وتعليمه، فقال الامام الشافعي -رحمه الله- “لا أعلم علما بعد الحلال والحرام أنبل من الطب”، وقال أيضا: “صنفان لا غنى للناس عنهما: العلماء لأديانهم والأطباء لأبدانهم” .
هكذا اهتمت كل الشرائع والأديان بمسؤولية الطبيب الجنائية، والتي تفاوتت فيها الجزاءات بين المفاضلة والتفرقة، التشدد والمرونة، إلى أن استقرت على المساواة والعدل في المسائلة والزجر شرعا وقانونا لدى مختلف الأنظمة المقارنة الحديثة ابتداء مع عصر النهضة حتى عصرنا الحالي. وهو ما دفع المشرع المغربي أن يحذو حذو نظرائه في التشريعات الأنجلوسكسونية وفي التشريع اللاتيني خاصة الفرنسي منه لعدة اعتبارات… وتاريخية بالأساس.
لكن لم تفطن هاته التقنينات المقارنة الأجنبية وحتى العربية، ومعها التشريع المغربي الجنائي والمهني للأطباء. على تضمين أو تحديد مفهوم مدقق للخطأ الطبي داخل منظوماتها الزجرية، مما شكل عبئا حقيقيا للاجتهاد القضائي في استخلاص واستنباط واستجلاء طبيعة الخطأ الطبي أو ماهيته، إلا توسلا بالمقتضيات العامة لقانون العقوبات (الأنظمة المقارنة) أو القانون الجنائي (التشريع المغربي) من منطلق تفسير وإعمال صور الخطأ المجرم في القانون الجنائي لأي خطأ طبي ينسب إلى الطبيب ذو طبيعة جنائية.
أهمية الموضوع:
تكمن أهمية البحث في “المسؤولية الجنائية للطبيب عن أخطائه المهنية”، في مدى حساسية الموضوع، والذي عرف نقاشا فقهيا وقضائيا على مر العصور، حيث أحدث جدلا واسعا حول الأسس القانونية التي على أساسها يمكن اثارة المسؤولية الجنائية للطبيب عن أخطائه المهنية، والتي في الغالب تعد أخطاء لجرائم –غير عمدية-، والأمر يعزى في ذلك إلى القصور التشريعي في ضبط النصوص الجنائية التي تجرم مفهوم الخطأ الطبي بشكل واضح وصريح، دونما الرجوع والركون إلى القواعد العامة قياسا على مفهوم الخطأ بشكل عام.
هذا إلى جانب مزاحمة بعض المبادئ المتعارف عليها طبيا للاجتهاد القضائي في مراقبته للعمل الطبي من أجل مساءلة الأطباء عن أخطائهم المهنية في شقها الجنائي، مثل: “مبدأ حرية الطبيب في العلاج”، ومبدأ “الاستعانة بالغير”، ومبدأ “تنازع تحقيق نتيجة وبذل غاية”…
وهو ما شكل هاجسا لدينا لمقاربة الموضوع نظريا وتطبيقيا لفك المعادلة بين مصلحتين:”حق الطبيب في الاجتهاد الطبي، وحق المريض في العلاج”.
أما عمليا، فإن الحاجة العلمية لمواكبة التحولات التقنية الطبية بالخصوص، تستلزم استنفار جميع المستويات التشريعية والقضائية والفقهية والمدنية…التجند لتخطي أزمة القصور التشريعي بشكل توافقي لمواكبة التقدم الطبي عبر ترسانة تشريعية لنصوص طبية تحدد المسؤوليات والالتزامات بدقة لجميع الفاعلين بالقطاع الصحي، وتجرم بعض الأعمال الطبية التي تتطلب المساءلة الجنائية حماية لضحايا الاخطاء الطبية من العبث واللامسؤولية المهنية للأطباء. فتكون الغاية والحصيلة في الأخير تجاوز وطي ركن –الخطأ- كحد فاصل بين ما يجوز من الأعمال الطبية وما لا يجوز، اعتمادا على هذا الأخير طبقا للمقتضيات العامة الواردة في القانون الجنائي المرتكز القانوني للخطأ غير العمدي. لا يكون ذلك إلا بالتأثيث لقواعد قانونية ملزمة تسائل الأطباء بوجه خاص، ومساعديهم على أساس الالتزامات في جميع مراحل العمل الطبي، حتى لا تتخلف دائرة العقاب الجنائي تحت ذريعة لا توافر ركن الضرر والعلاقة السببية في الجرائم الطبية.
إشكالية البحث
تنحدر اشكالية البحث من محتوى وماهية الخطأ بشكل عام، والخطأ الطبي بشكل خاص عن جرائم الأطباء المضمنة في القانون الجنائي سواء كانت عمدية أو غير عمدية، هاته الأخيرة يصعب احتواء نطاقها بين الأخطاء الفنية والأخطاء العادية. فما يمكن أن يعتبر خطأ فنيا يصلح أن يشكل خطئا عاديا، والعكس صحيح. فتتوسع بذلك متاهة القاضي الجنائي في ضبط هاته الأمور التقنية، حتى بوجود الخبرة القضائية لتكوين قناعته الشخصية، وبالتالي يصعب الترجيح في مجال الإثبات لجهة على حساب أخرى -المرضى أو الأطباء- في المنازعات الطبية الجنائية،وذلك أمام تخلف النصوص القانونية العامة والقوانين المنظمة للمهن الطبية، في تحديد سياق عام قوامه المسؤولية الجنائية للخطأ الطبي، دونما أي إسقاط -للفعل أو الامتناع- الطبي في جريمة الخطأ الطبي قياسا لصور الخطأ في القانون الجنائي المغربي.
وهي اشكالية تتمحور في سؤال عريض موجه بالخصوص إلى المشرع ومؤسسة القضاء خاصة في الوقت الحالي، باعتبار هاته الأخيرة رمزا لإحقاق الحقوق وحماية الضعفاء وتحقيق العدالة، وهو ما يؤكده الدستور الجديد للمملكة المغربية لسنة 2011في فصله 114 الذي نص:
“يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون”.
علما أن الدستور- فاتح يوليوز2011- نفسه، نص في فصله 20 على حماية حق الحياة، وفي فصله 22 التأكيد على “عدم المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص وفي أي ظرف، ومن قبل أي جهة خاصة كانت أو عامة”.
فإلى أي حد يمكن القول بتوفق القضاء، بين معادلة حماية حقوق المرضى في العلاج والسلامة الجسدية، وبين حق الطبيب في الاجتهاد؟
تتفرع عنها مجموعة من التساؤلات نختزلها في سؤال موجه للمشرع، يتأسس حول صمت هدا الأخير عن فراغ النصوص المنظمة للمجال الطبي في ضبط العلاقة بين الطبيب والمريض، وإلى متى ؟
منهجية البحث
سنعمد إلى مقاربة هاته الرسالة، بالاعتماد على المنهج التحليلي النقدي المقارن لعلنا نتوفق في الخروج بخلاصات أو مقترحات، تسهم ولو بقليل في استكناه الغموض الذي يكتنف مفهوم الخطأ الطبي في الجرائم الغير العمدية، والذي تتأسس عليه المسؤولية الجنائية للأطباء، إلى جانب اشتراط كل من الضرر والعلاقة السببية وموقف القضاء من ذلك ، مع الاستئناس بالجرائم التي تشكل خطئا عمديا وتوجب العقوبة الجنائية المنصوص عليها في القانون الجنائي المغربي.
خطة الدراسة
بناء على ما سبق من اشكاليات وتساؤلات، سنحاول معالجة هاته الرسالة “المسؤولية الجنائية للطبيب عن أخطائه المهنية” في قسمين، وذلك على النحو التالي:
الفصل الأول: الخطأ أساس المسؤولية الجنائية للأطباء
الفصل الثاني: نطاق المسؤولية الجنائية للأطباء في ضوء العمل القضائي
الفصل الأول: الخطأ أساس المسؤولية الجنائية للأطباء
تعتبر مسألة الخطأ المهني من المواضيع التي لا تزال تشكل غموضا، باعتبار أن ركن الخطأ هو المركز الذي تدور عليه المسؤولية بصفة عامة وجودا وعدما. فالمشرع المغربي يعتبر كمبدأ عام أن المسؤولية قوامها الخطأ، ما دام وجود هذا الأخير يشعر حتما بوجود المسؤولية.
و إذا كان الخطأ من المفاهيم التي استعصت عن التحديد القانوني الدقيق على أساس الجدل الواسع بين مواقف التشريع و الفقه و القضاء إن على المستوى المدني أو المستوى الجنائي معا ، فإن ما يهمنا هو هذا الأخير في نطاقه الطبي الموجب لمسؤولية الأطباء عن أخطائهم المهنية المادية(العادية) ثم الفنية (المهنية أو التقنية).
فمفهوم الخطأ المهني كما عبر عنه رأي في الفقه هو خطأ فني، و يقصد به ما يصدر عن رجال الفن كالأطباء و الصيادلة و المهندسين و المحامين من خطأ متعلق بأعمال مهنتهم، و يتحدد هذا الخطأ بالرجوع إلى القواعد العلمية و الفنية التي تحدد أصول مباشرة هذه المهن، و قد يرجع هذا الخطأ إلى الجهل بهذه القواعد أو تطبيقا غير صحيح أو سوء التقدير فيما تخوله من مجال تقديري أو هو ذلك الخطأ الذي يتعلق بصناعة الشخص أثناء مزاولته إياها كخطأ الطبيب والمهندس و الصيدلي و ما في حكمهم…
وخطأ الطبيب المهني هو ذلك الخطأ الذي يتصل بالأصول الفنية للمهنة كخطأ الطبيب في التشخيص أو خطئه في اختيار وسيلة العلاج. فالطبيب الذي اعتاد القيام بعمليات الإجهاض في عيادته فيقوم بقتل الأجنة و تقديمها طعاما بعد طبخها إلى كلبه يكون قد ارتكب خطأ مهنيا فادحا . يفيد معه أن الخطأ المهني يتصل بقواعد مهنة الطب، فكل مخالفة لنصوص القوانين الطبية يشكل خطأ مهنيا تترتب عنه مسؤولية الطبيب، و التي تتحدد حسب جسامة الخطأ إلى خطأ مهني جنائي، مدني، تأديبي، أو كلاهم معا أو أحديهما دون الآخر.
يتضح معه أن الخطأ المهني خطأ مادي، و هو ما يجعل من الخطأ المهني يزاوج بين الأخطاء الفنية (المهنية) و الأخطاء المادية و التي يبدو أن هاته الأخيرة ترتسم بجلاء في القواعد العامة أي الجرائم المنصوص عليها في القانون الجنائي المغربي سواء وسمت بالجرم العمدي أو الجرم الغير العمدي غالبا، وهو الأعم الموجب للمسؤولية الطبية في شقها الجنائي. على أن الخطأ المهني صور متعددة المشارب بين تعدد الروافد التشريعية: القوانين المنظمة لمهنة الطب من جهة و القواعد العامة المشكلة في القانون الجنائي ثم بعض القوانين الخاصة: المخدرات، الطب العسكري، طب السجون ، الحالة المدنية، ثم طب الشغل في إطرا مدونة الشغل كما سنرى لاحقا.
لذلك و نحن بصدد دراسة “الخطأ أساس المسؤولية الجنائية للأطباء” في هذا الفصل سنعمد إلى تقسيمه إلى مبحثين:
• المبحث الأول: نبحث فيه ماهية الخطأ الطبي،صوره ووسائل إثباثه
• المبحث الثاني: نرصد فيه عنصري الضرر(النتيجة الإجرامية) والعلاقة السببية في نطاق المسؤولية الجنائية للأطباء
المبحث الأول: ماهية الخطأ الطبي، صوره ووسائل إثباته
إن أهمية دراسة الخطأ الجنائي بصفة عامة، والخطأ الطبي بصفة خاصة. يرجع بالأساس للصبغة الخاصة لطبيعة مسؤولية الطبيب الجنائية التي تختلف تماما عن المسؤولية الجنائية لأي شخص عادي، و أيضا لاتساع حجم الجرائم التي تعج في ردهات المحاكم من أجل إنصافها من الضرر الذي ألحقه الأطباء بزبنائهم لمساءلتهم عن أخطائهم الطبية المهنية جنائيا. وهو ما ينطبق على الوضع في فرنسا دون حصر ظاهرة اللجوء إلى القضاء الجنائي في المجال الجنائي بل هي شاملة للمسؤولية الطبية بوجه عام . ثم إن مشكلة الخطأ هي عسيرة يكتنفها الغموض، ويعترف كثير من الفقهاء بهاته الحقيقة، معتبرين بأنه لا يوجد في قانون العقوبات نظرية لم يزل يشوبها الغموض كنظرية الخطأ غير العمدي الذي ينطبق على الخطأ الجنائي بصورة عامة والذي يزداد دقة وتعقيدا بالنسبة للخطأ الطبي الجراحي بما ينطوي عليه هذا الأخير من اعتبارات دقيقة ومتعددة خاصة مسألة إثباته.
و حتى يتسنى فهم واستكناه هذا الغموض، سنخصص هذا المبحث للتعريف بالخطأ الطبي لبيان مختلف صوره (مطلب أول) ثم نبحث صور الخطأ الطبي ووسائا إثباته (مطلب ثاني).
المطلب الأول: ماهية الخطأ الطبي الجنائي
:
يعد الخطأ الجنائي صورة من صور الخطأ بوجه عام، و يعرف الخطأ الجنائي بأنه مخالفة واجب قانوني تكفله قوانين العقوبات بنص خاص .
و المسؤولية الجنائية كما هو ثابت لا تقوم إلا بعد إثبات الخطأ، و لا يمكن أن تقوم على افتراض الخطأ إلا في حالات نادرة نص عليها المشرع على سبيل الحصر عكس المسؤولية المدنية التي تنبني على خطأ شخصي واجب الإثبات.
فلا مكان إذن للمسؤولية في القانون الجنائي إلا بناء على خطأ، و ما دمنا بصدد الخطأ الطبي الموجب للمسؤولية الطبية في صورتها الجنائية سنقسم هذا المطلب إلى فقرتين: نخصص الأولى للتعريف بالخطأ الطبي ومعياره(الفقرة الأولى) على أن نجعل (الفقرة الثانية) محتوى لصور هذا الخطأ.
الفقرة الأولى: مفهوم الخطأ الطبي ومعيار تقديره وصوره
يعد تعريف الخطأ الطبي أمرا في غاية الدقة و الإستعصاء، و الأمر يعزى بطبيعة الحال إلى غياب تعريف تشريعي يحسم قصور محاولات فقه القضاء واجتهاد الفقه بين أنصار التشدد و أنصار المرونة، وذلك من منطلق الصعوبة والدقة التي تكتنف التفرقة بين الخطأ المادي و الخطأ المهني، و غياب سند قانوني لفكرة الخطأ الجسيم لمساءلة الأطباء عن أخطائهم المهنية. هذا إلى جانب اعتبار مهنة الطب مهنة نبيلة تتربع على هرم حماية الممارس للمهنة بدل محاسبته و الزج به في أغوار السجون، لأنه في النهاية لا يتدخل في جسد المريض إلا بحسن نية و قصد سليم.
و بناء على ذلك سنتناول هذه الفقرة، من خلال نقطتين تندرج الأولى في إطار تعريف الخطأ الطبي، بينما تتعلق الثانية في تحديد معيار تقدير الخطأ الطبي.
htmlspecialchars_decode(‘”‘) أ – تعريف الخطأ الطبي htmlspecialchars_decode(‘”‘)
كما أسلفنا أعلاه فإن تخبط الفقه والقضاء في مقاربة مفهوم دقيق للخطأ بشكل عام لما يحتويه من لبس مفاهيمي نتيجة غياب تعريف تشريعي على مستوى القانون المقارن و في ظل القانون الوطني يجعل من الصعوبة إيجاد تعريف دقيق و متكامل لخطأ الأطباء بوجه عام.
و عليه كيف يمكن استخلاص تعريف محدد للخطأ الطبي، و على أي أساس؟
من المعلوم أن المشرع المغربي لم يعرف الخطأ الطبي، لكن فرغم ذلك فإن الخطأ الطبي يمكن أن يتحدد من خلال ما تنص عليه القواعد العامة في القانون الجنائي من صور للخطأ الطبي . وبتفحصنا للقوانين الطبية المتعلقة بالمهنة فإننا لم نعثر على مدلول معين للخطأ الطبي.
ولعل حظ بعض التشريعات العربية المقارنة كان أوفرمن نظيره المغربي، حيث عرفه قانون المسؤولية الطبية والتأمينات الطبية للإمارات العربية المتحدة في الفقرة الأولى من المادة 27:
“الخطأ الطبي هو الخطأ الذي يرجع إلى الجهل بأمور فنية يفترض في كل من يمارس ذات المهنة الطبية الإلمام بها، أو كان هذا الخطأ راجعا إلى الإهمال أو عدم بذل العناية اللازمة” .
هذه المحاولات التشريعية المحتشمة لتحديد مفهوم الخطأ الطبي دفعت الفقه بوجه خاص كالعادة إلى محاولة الإحاطة بفكرة الخطأ الطبي، حيث عرفه الدكتور أحمد الخمليشي من زاوية الخطأ: “كل عمل أو امتناع إرادي لم يقصد به الفاعل قتل إنسان أو إيذائه و مع ذلك ترتب عنه الموت أو الإيذاء نتيجة عدم تبصره أو عدم احتياطه”.
ويرى Paul Monzein أنه يعد خطأ طبيا: “كل فعل يصدر عن الطبيب سواء اتخذ صورة إهمال أو عدم تبصر أو عدم احتياط بما ينم عن جهل واضح وأكيد بواجباته المهنية، معتبرا بأن – المحاكم زجرية كانت أم مدنية – لا تعاقب على صورة الخطأ هاته إلا إذا كانت غير مطابقة في حد ذاتها للمعطيات الحالية للعلوم الطبية” .
وحسب الدكتور الجواهري المرايني فإن الطبيب يصبح مخطئا ” كلما خرق الإلتزام المفروض عليه بمقتضى العقد الطبي الذي يربطه بالمريض، والذي بموجبه يلتزم إن لم يكن بشفاء المريض، فعلى الأقل ببذل عناية صادقة يقظة ومتفقة في غير الظروف الإستثنائية مع الأصول والمعطيات العلمية الثابتة في الميدان الطبي والجراحي، معتبرا بمثابة أخطاء طبية، تلك التي تنم عن قصور مهني واضح، و نقص معرفي ملحوظ و عدم التقيد بواجب مهني سابق” .
وعرفه البعض بأنه: “ذلك الخطأ الذي يصدر عن شخص يتمتع بصفة الطبيب أو بمناسبة ممارسته للأعمال الطبية لا يصدر عن طبيب يقظ وجد في نفس ظروف الطبيب المسؤول، أو إنه إخلال الطبيب بالتزاماته في مواجهة مريضه، و الذي يتمثل في مخالفة المعطيات والأصول الطبية” .
ويعرفه الدكتور أسامة عبد الله قايد: “كل مخالفة أو خروج من الطبيب في سلوكه على القواعد والأصول الطبية التي يقضي بها العلم، أو المتعارف عليها نظريا وعمليا وقت تنفيذه للعمل الطبي، أو إخلاله بواجبات الحيطة واليقظة التي يفرضها القانون متى ترتب على فعله نتائج جسيمة، في حين كان في قدرته وواجبا عليه أن يتخذ في تصرفه اليقظة والتبصر حتى لا يضر بالمريض”.
بينما عرفته الدكتورة رجاء ناجي بكونه: “السلوك غير السوي الذي لا يأتيه عادة الطبيب الحاذق الذي يوجد في نفس الظروف التي وجد فيها الطبيب مرتكب الفعل الضار”.
فالخطأ الطبي يتجلى في كونه تقصير في مسلك الطبيب، فهو سلوك لا يمكن أن يصدر من طبيب يوجد في نفس الظروف الخارجية التي أحاطت بالطبيب المسؤول، وبعبارة أخرى هو إخلال الطبيب بالقواعد والأصول المتعارف عليها في مهنة الطب .
وما يمكن التعليق عليه بخصوص هاته التعاريف:
–أولا: هي تعاريف قاصرة، لأن بعضها ربط مسؤولية الطبيب عن أخطائه المهنية بالأخطاء المادية، بينما الأخرى ركزت واعتمدت الأخطاء الفنية ذات الطابع التقني التي لها علاقة بالطبيب في ظل أصول مهنة الطب. وهو ما لا يستقيم طبعا، لأن ما يعتبر خطأ ماديا قد يصلح أن ينضم إلى عداد الأخطاء المهنية، وإن كانت غالبية الفقه والقضاء تميل إلى الفصل بين صور الأخطاء الطبية الفنية أو المهنية(التقنية) والأخطاء المادية.
–ثانيا: هي أنها تعاريف تسلم بأن التزام الطبيب اتجاه المريض هو التزام ببذل عناية لا تحقيق نتيجة، وهو ما يجعل من الخطأ الطبي خطأ أخلاقيا تطغى عليه المثالية الطبية التي تنأى كل البعد عن المساءلة القانونية للأطباء.
–ثالثا: تربط مسؤولية الطبيب بتقصيره اتجاه قواعد المهنة وما يمليه عليه الواجب المهني، وأيضا تؤسس المساءلة الطبية على أساس النقص المعرفي الملحوظ للطبيب دائما في ظل مبدأ: “الإلتزام ببذل عناية لا تحقيق نتيجة”.
مما يطرح حتما إشكالية عبء الإثبات في الخطأ الطبي، والتي لا محالة ستقع حتما على عاتق المريض هذا من جهة، و من جهة أخرى مفهوم “النقص المعرفي الملحوظ” مفهوم واسع و فضفاض ويستعصي ضبطه، فهل يعني مهنية الطبيب المنتظمة والمعتادة، أم التزامه باليقظة العلمية ومواكبة آخر المستجدات الطبية ذات الصلة المهنية ، أم يتعلق الأمر بمعادلة حصيلة الطبيب السنوية في النجاح و الفشل العملياتي.
–رابعا: كذلك لم تحط بأهم عناصر الخطأ الطبي الجنائي كما هو منظم في الفصلين 432 و 433 من ق ج المغربي في الأفعال التالية:
“عدم التبصر، عدم الإحتياط، عدم الإنتباه، الإهمال، عدم مراعاة النظم و القوانين”.
ونشير في الأخير إلى أن بعض الفقهاء يفضل استعمال تعبير خطأ الطبيب لكونه يشمل كل الأفعال الخاطئة الصادرة عن الطبيب بصفته طبيبا، وأما الخطأ الطبي فينصرف إلى الأخطاء المرتبطة بالأعمال الطبية بغض النظر عن صفة مرتكبيها . ولعل التعريف الذي أورده القضاء المغربي للخطأ الطبي أشبه ما يعزز هذا الطرح كالآتي:” الخطأ الذي يصدر عن الطبيب بمناسبة تأدية وظيفته، وهو في الغالب خطأ فني”.
وعليه فأمام تعدد الآراء الفقهية لمفهوم الخطأ الطبي، يبقى التساؤل حول معيار تقدير الخطأ الطبي للقول بمسؤولية الطبيب الجنائية عن أخطائه المهنية في النقطة الموالية.
htmlspecialchars_decode(‘”‘) ب – معيار تقدير الخطأ الطبي htmlspecialchars_decode(‘”‘)
يقوم الخطأ الطبي على أساس معيارين من صنع الفقه والقضاء، معيار شخصي يرى أنصاره أنه يتحدد في نطاق شخص الفاعل أي الطبيب وظروفه الخاصة، ومعيار موضوعي يتجسد من خلال قياس سلوك طبيب بزميل له مهنيا من حيث الدرجة والتخصص.
1 – المعيار الشخصي
هو معيار يقوم على أساس الأخذ بعين الإعتبار لما كان يجب على الطبيب المخالف فعله في الظروف التي أحاطت به سواء أكانت ظروفا خارجية أم ظروفا داخلية أي أنه تتم المقارنة بين ما صدر عن الطبيب من خطأ طبي وما اعتاد القيام به في الظروف ذاتها أي الظروف العادية للعمل. فإذا تبين أنه مخل في ما اعتاد القيام به اتجاه المرض من واجباته المهنية، فإنه يسوغ مؤاخذته في نطاق المسؤولية الطبية بوجه عام والمسؤولية الجنائية عن الخطأ الطبي الذي أحدثه بالغير بوجه خاص.
وعليه فإن الخطأ الطبي حسب هذا المعيار يجب الأخذ فيه بعين الإعتبار مركز الطبيب العلمي، ومدى تخصصه وخبرته في ممارسة المهنة لأن الخطأ الطبي الذي يكون أساسه الجراح مثلا من فعله الشخصي يمكن تعريفه بأنه: “تقصير في مسلك الجراح لا يق
ع من جراح وجد في نفس الظروف الخارجية بالجراح المسؤول”. فالأصل أن مسؤولية الجراح لا تثور إلا إذا اعتبر فعله خروجا عن القواعد الفنية، والأصول العلمية الثابتة في علم الطب، إذا اتسم مسلكه بالجهل أو الإهمال الذي لا يصدر من جراح في مستواه المهني سواء كان هذا في مرحلة الإعداد للعملية الجراحية أو أثناء إجرائها أو في العناية اللازمة بعد إجرائها .
وعلى الرغم من وضوح هذا المعيار فإنه أخذ عليه صعوبة تطبيقه، حيث يقتضي ذلك دراسة شاملة لشخصية الطبيب مرتكب الخطأ، وظروفه الخاصة، وحالته العقلية والإجتماعية والصحية وكذلك الظروف المتصلة بجنسه وسنه، كما أن تطبيقه سوف يؤدي بالمسؤولية الجنائية للطبيب إلى اعتماد مجموعة من الإعتبارات الشخصية، ومن تم عدم قيامها عن الأخطاء الطبية زد على ذلك أن مجرد الظرف النفسي قد يكفي لاعتباره دون الظروف الأخرى، فالطبيب الذي تلقى خبر موت أحد أقاربه تحت وطأة الضغط المهني وفي ظل غياب بديل عنه لا يجب اعتبار ما يلحقه من ضرر للغير في الخطأ الطبي مقياسا للمساءلة الجنائية؟
2 – المعيار الموضوعي
إذا كان المعيار الشخصي ينصب على شخص الطبيب في الحيطة والحذر التي أوقعته في غلط طبي نتج عنه ضررا بالمريض. فإن المعيار الموضوعي أقرب ما يكون إلى المعيار الشخصي. فإن كان أوجه الشبه بين المعيارين يلتقيان في الظروف الخارجية و الداخلية للمريض و ما يجب على الطبيب أن يقوم به في الوقت المناسب، فإن المعيار الموضوعي ينفرد في تقدير الخطأ الطبي بسلوك الطبيب المتوسط الحيطة والإنتباه في نفس الظروف الزمانية والمكانية وبتوافر نفس الوسائل.
أي أن مساءلة الطبيب جنائيا عن خطئه الطبي ترتكز في تقديرها بمراعاة ما أحاط بالطبيب العادي عند مباشرته لعمله الطبي من ظروف تقاس على أساس عمل طبيب من فئته متوسط الحيطة والحذر. و بذلك فإن تقدير الخطأ الطبي يعتمد على سلوك طبيب نموذجي يكون من أوسط الأطباء خبرة ومعرفة بالمجال الطبي والجراحي. فهل معنى ذلك أن الطبيب المقتدر لا يقع في الغلط الطبي؟ و إن كان كذلك فما جدوى إسناد مهنة التطبيب لأطباء احتمال الخطأ وارد في علاجهم بنسب مرتفعة؟
لئن كان الخطأ الطبي هو إخلال يقع من طبيب خلال ممارسته مهامه الطبية أو بمناسبتها يترتب عنه ضرر بالمريض، و يكون هذا الإخلال من النوع الذي لا يمكن أن يصدر من طبيب من نوع اختصاصه، عادي في درجة يقظته وعلمه وإحاطته بالأساليب الفنية للمهنة، فإن الغلط يمكن أن يرتكبه أكبر أساتذة الطب وأكثرهم حذقا ومهارة و إلماما بأصول المهنة وخوضا في أعرافها. و قد قال الفقيه جان بينو: “كثيرا ما تقع حوادث دون أن تتم مساءلة الطبيب عن سلوكه الذي لا يكتسي سوى طابع الغلط Erreur الذي يمكن أن يرتكبه أي طبيب آخر مقتدر”.
ولعل ما يمكن استنتاجه بهذا الخصوص معيار – المقايسة المهنية لنفس الظروف الداخلية والخارجية للأطباء – لا يصلح العمل به ما دام بروفيسور في الطب أو الطب المتخصص خطئه الطبي مفترض ووارد بناءا على المخاطر المحدقة والمحيطة بالمهنة، زد على ذلك إكراهات العمل المادية والبشرية والنفسية. لذلك فإن الغلط الطبي لا يجب أن يكون محل مساءلة جنائية ما دام لا يشكل خطأ مهنيا.
3- المعيار الراجح
إن معيار مقارنة “سلوك الطبيب بالطبيب” في ظل المعيارين يجب أن يتجاوز الرأي – التقليدي – الراجح فقها وقضاء الذي يأخذ بالمعيار الموضوعي والذي على أساسه لا يسأل الطبيب إلا إذا أخل بالحيطة والحذر التي تقتضيهما أصول وقواعد المهنة. فحتى المزاوجة بين المعيارين للخيوط الدقيقة تجعل من الصعوبة التمييز والتفرقة بين خصوصية كل معيار على حدة. فالأولى أن يتجه العمل القضائي بالأخص وإلى جانبه اجتهاد الفقه إلى التركيز على عنصر الضرر الذي لحق ضحية الخطأ الطبي.
الفقرة الثانية: صور الخطأ الطبي
تتوزع هاته الصور حسب الترتيب الذي نص عليه الفصلان 432 و 433 من القانون الجنائي المغربي إلى أربع و هي:
1 – عدم التبصر:
ويراد به في التشريعات العربية المقارنة اصطلاح الرعونة. و هي صورة من صورالخطأ الجنائي، تقابلها عبارة “Maladresse” الواردة في النص الفرنسي م 319 ق ج ف، و تعني في الأصل غياب الحذق أو الدراية و نقصان المهارة، بينما عبارة “عدم التبصر” تفيد في حقيقتها معنى الخفة والطيش و يراد بالرعونة سوء التقدير أو نقص المهارة أو الجهل بما يتعين العلم به أو عدم الحذق والدراية وذلك بإقدام الشخص على إتيان عمل مع عدم توافر مهارته لإتيانه ومثال ذلك أن يقدم شخص على عمل غير مقدر خطورته وغير مدرك ما يحتمل أن يترتب عليه من آثا،ر كأن يباشر الطبيب العمل الطبي وهو غير حائز للمعلومات المتطلبة لمباشرة هذا العمل، أو غير متبع الأصول والقواعد المستقرة في علم الطب. وذلك كأن يجري طبيب عملية جراحية غير مستعين بطبيب مختص بالتخدير، أو أن يخلط بين الأمعاء والحبل السري، أو أن يرتكب خطأ ينصب على المبادئ الأولية في التشريح، أو يتسبب في قطع الشرايين في عملية جراحية دون أن يربطها كما تقضي الأصول العلمية، أو أن يقدم على جراحة لمريض دون الإستعانة بالأصول المتبعة في إجراء مثل هذه الجراح فيموت المريض وتتميز الرعونة باندفاع الجاني بنشاطه بشكل يؤدي إلى نتائج مؤثمة، فإذا كان تصرف الإنسان إزاء موقف معين يتطلب منه من الروية والفكر والحذر بتقدير نتائج ذلك التصرف، نجد الجاني في حالة الرعونة عند أول خطر يجول بذهنه دون إعمال ذلك التقدير. و من أمثلة ذلك أن يخطئ طبيب عظام في قراءة صور أشعة فيظن الإصابة كسرا مع تباعد في الأجزاء ويعالجها على هذا الأساس. ق بضحية الخطأ الطبي.
2-عدم الإحتياط
ويقابله اصطلاح عدم الإحترار في بعض التشريعات العربية المقارنة ، ويعد صورة قريبة ومتداخلة مع “عدم التبصر”. ويراد به حالة ما إذا أقدم الطبيب على عمل طبي خطير مدركا خطورته ومتوقعا ما يحتمل أن يترتب عليه من آثار، ولكن غير متخذ الإحتياطات التي من شأنها الحيلولة دون تحقق هذه الآثار، كما يراد به أنه خطأ ينطوي عليه نشاط إيجابي من الفاعل ويدل على عدم التبصر بالعواقب، حيث يعلم الفاعل طبيعة العمل الذي يأتيه وما يمكن أن يترتب عليه من خطر ورغم ذلك يمضي في فعله كما ينصرف إلى عدم التحفظ أو قلته مما يسبب مسؤولية الجاني عن نتيجة سلوكه لأنه كان في استطاعته أن يحول دون وقوع الحادث لو تصرف بحذر وتعقل، وهذه-عدم الإحتياط- تقابل صورة قلة الإحتراز في القانون الأردني إذ أن المخطئ يعلم الطبيعة الخطرة لفعله دون أن يتخذ الإحتياطات لمنع وقوع الخطأ .
أو هو إقدام شخصي على أمر كان يجب عليه الإمتناع عنه، فهو الصورة التي يتخذ فيها الخطأ مظهره في نشاط إيجابي، يتسم بعدم الحذر و تدبر الوقائع .
وعليه فإن عدم الإحتياط كأحد صور الخطأ بشكل عام، والخطأ الطبي بوجه خاص تدور في كنف ضابطين: العلم بطبيعة الفعل الذي سيحدث، ثم عدم تحريك أي ساكن لتوقي حدوث ذلك. فكأنما نحن أمام قصد جنائي عام وخاص، مقترن بإمساك غير عمدي نتيجة عدم الحذر، ترتب عنه فعل جرمي يستوجب المتابعة الجنائية.
وأمثلة عدم الإحتياط تكاد تكون نفسها صور الخطأ في عدم التبصر، وفي هذا الإتجاه مواقف القضاء تتقارب بين القضاء المقارن ونظيره المغربي. ومن بين التطبيقات القضائية الفرنسية لهذه الصورة ما قضت به محكمة النقض الفرنسية “بإدانة طبيب لعدم احتياطه بعد إشرافه على ولادة متعثرة أحاطت بها مخاطر كبيرة فلم يترك للقابلة التي كلفت متابعة هاته الحالة تعليمات مكتوبة و توجيهات محددة إلى حقن المريضة بدواء معين، و تحديد مدة هذا الحقن مما أدى إلى تصرف القابلة منفردة بإيقافها الحقن، فتسبب ذلك في نزيف داخلي للمريضة أسفر عن وفاتها، و بذلك تمت إدانة الطبيب والقابلة معا” و بهذا الخصوص أيضا أدان القضاء الفرنسي – في عديد من أحكامه – الطبيب الجراح والطبيب المخدر لعدم اتخاذهما الإحتياطات اللازمة التي تستدعيها حالة المريض خلال المرحلة السابقة للتدخل الجراحي وأثناءه، مخالفين بذلك ما تقضي به القواعد و المعطيات العلمية في هذا الخصوص، مما أدى إلى وفاة المريض المبضوع، كما اعتبر في – أكثر من مناسبة – مسؤولا جنائيا لعدم احتياطه، الطبيب الجراح الذي لا يتحقق من خلو معدة المريض من الطعام قبل تخديره.
3-الإهمال وعدم الإنتباه
يقصد بالإهمال أو عدم الإنتباه أن يقف الفاعل موقفا سلبيا فلا يتخذ واجبات الحذر التي من شأنها الحيلولة دون وقوع النتيجة الإجرامية، والإهمال قد يقع بفعل الترك أو الإمتناع. كما أنه قد يتحقق عندما يدرك الجاني الأخطار التي تترتب على مسلكه ورغم ذلك لا يتخذ الإحتياطات اللازم لتجنبها. و مثال ذلك الطبيب الذي أشرف على علاج سيدة بعد الوضع وبالرغم من أن حالتها كانت خطيرة، إلا أنه لم يتخذ أي إجراء منتج لإنقاذها… مما سبب وفاتها عقب إصابتها بحمى النفاس.
عموما يمكن القول أن الإهمال كما يرى الدكتور أبو المعاطي حافظ أبو الفتوح أعلى من الصورتين السابقتين – عدم التبصر، و عدم الإحتياط – فيقال أن “الشخص لم يحتط لأنه لم يتبصر، و لو تبصر فلم يحتط فهو مهمل”.
فإذا كانت صور الإهمال متعددة كالجراح التي يترك في اللحم بعض فتات من العظم، أو يترك في جوف المريض رباطا، أو يهمل في اتخاذ الإحتياطات اللازمة لإجراء التخدير، أو يهمل عند إجراء الفحص، أو يتسبب في نقل العدوى إلى مريض بعدم عنايته وإهماله في تعقيم الجراحة، أو يستعمل علاجا واحدا خطرا في جميع الأمراض بغير فحص دقيق للمرضى، أو حالة الطبيب الذي يكلف شخصا محله بالعناية بمريض فيموت أو تزداد حالته الصحية تدهورا خطيرا سبب له شللا أو ما شابهه فإننا نجد لزاما الوقوف على بعض المواقف القضائية بهذا الشأن حتى تتعزز المعرفة والوضوح.
4-عدم مراعاة النظم والقوانين
تعتبر مخالفة القوانين و الأنظمة صورة مستقلة من صور الخطأ، يغني تحققها في توافر إحدى صور الخطأ الأخرى، ولذلك يكفي ثبوتها لقيام المسؤولية الجنائية – غير العمدية – في حق الفاعل و يتحقق ذلك بمجرد قيام الجاني على خلاف السلوك الذي يستلزمه المشرع في القوانين أو اللوائح أو القرارات أو الأنظمة الموضوعية بهدف حماية الأرواح وتقليل حدوث الأفعال الخطرة التي ينتج عنها ضرر للغير كما يكون بعدم تنفيذ القوانين واللوائح والقرارات على الوجه المطلوب وبالتالي يقتضي مسؤولية المخالف عما يقع بسبب مخالفته ولو لم ينطو الأمر على إهمال أو رعونة أو احتراز.
فالتعاريف متعددة و تصب في نطاق واحد و محدد، وهو مخالفة ما أوجبه القانون. و في هذا المعنى يشير الدكتور أبو المعاطي حافظ أبو الفتوح:
“والفرض في هذه الصورة من صور الخطأ: أن الجاني خالف التزاما قانونيا يقع عليه، و يستوي في هذه الصورة أن تكون هذه القواعد القانونية صادرة من السلطة التشريعية، أو كانت مجرد قرارات ولوائح أصدرتها السلطة التنفيذية، كما يمكن أن تكون قواعد عرفية في المجال الذي وقع فيه الخطأ”.
يثيرنا لنتساءل عن أهم الإلزامات القانونية لهاته الحالة؟ وهل للطبيب من سبيل للإحتجاج بعدم العلم أو الغلط للنظم والقوانين في الخطأ الطبي؟ وفي الأخير أساس المتابعة الجنائية سيقوم على الخطأ العام أم الخطأ الخاص أو كلاهما معا؟
لعل أهم ملاحظة يمكن استخلاصها في هاته النقطة، أن ما سطره المشرع المغربي من التزامات وواجبات مهنية على الأطباء في القوانين المنظمة للمهنة وبعض القوانين الأخرى كقانون المخدرات، والقانون المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية، ثم مدونة الشغل. كلها تدور في فلك إلزامية احترام النظم والقوانين.
ومن خلال وقوفنا على هاته القوانين، نجد الفصول صارمة وتحث الأطباء على الإمتثال للتعليمات والتوجيهات المهنية سواء تعلق الأمر بقانون المهنة وبطبيعة الحال الصادر عن السلطة التشريعية، أوالقرارات واللوائح والمناشير الصادرة عن السلطة التنفيذية منها ما يتعلق بالنظام الصحي العام، و ما يصدر عن وزارة الصحة لمرافقها التابعة لها في القطاعين معا العام والخاص. فمثلا في قانون رقم 10.94 المتعلق بمزاولة الطب نجد على سبيل المثال لا الحصر الفصل 20 ينص:
“لا يسمح لأي طبيب أن يزاول مهنته إلا بعيادة واحدة تقع بالجماعة الحضرية أو القروية أو المجموعة الحضرية التي اختارها وفقا للمادتين 16 و 17 على أنه يمكن أن يؤذن للطبيب في تقديم علاجات بصورة دورية داخل جماعة أخرى أو داخل المجموعة الحضرية غير التي أقام فيها عيادته…”
وهو ما يعني أن مخالفة الطبيب لشرط مزاولة المهنة، أو ممارسة العمل بدون توفر شرط الإذن يعرض هذا الأخير لجزاءات مهنية تأديبية هذا من جهة، ثم إن أي خطأ طبي قد يلحقه الطبيب بالمريض داخل نفس المعنى يعرضه لمساءلة مدنية أو جنائية حسب جسامة الفعل المرتكب على جسم الضحية. فنقول الطبيب لم يراع النظم و القوانين المهنية.
أو ما جاء في المادة 29 من نفس القانون: “لا يجوز لأي طبيب أن يعين للنيابة عنه مؤقتا في عيادته إلا زميلا من زملائه حاصلا على رخصة للنيابة صالحة لمدة سنة تسلم إلى الطالب المتوفرة فيه الشروط المقررة في المواد الواردة بعده…”
ما يفيد أن أي خطأ يصيب زبون العيادة جراء النيابة المؤقتة من زميل المهنة الغير المتوفرة فيه شروط ذلك، كأن يعين طبيب اختصاصي في طب العيون أو أمراض الرأس والحلق والحنجرة طبيبا عاما للنيابة عنه… يعد خطأ مهنيا نتيجة مخالفة النظم والقوانين، و يشكل جريمة مستقلة تستوجب المساءلة للطبيبين معا في إطار قواعد المهنة تأديبيا، ثم جنائيا في ظل قواعد وأحكام القانون الجنائي المغربي عن الجريمة الطبية طبقا لصور الخطأ الطبي: الفصلين 432 و433.
وأيضا ما ورد في المادة 54:
“لا يجوز لأحد أن يكون طبيبا معالجا و طبيبا مراقبا، أو طبيبا معالجا وطبيبا خبيرا بالنسبة إلى مريض واحد”
وهو ما يعني بمفهوم المخالفة أنه يجوز للطبيب أن يجمع بين الصفتين لأكثر من مريض، غير أن العلاج الطبي و المراقبة أو المعالجة و ممارسة أعمال الخبرة لا تمتثلان في ظل هذا النص إلا لأكثر من مريض. مما يستنتج معه أن مخالفة ذلك يجعل العمل المهني للطبيب في مواجهة جريمة مخالفة النظم والقوانين كجريمة تندرج في إطار الخطأ الخاص، والتي تؤول بالطبيب الذي أحدث ضررا بالغير يكون محل متابعة عن جريمته المهنية – مخالفة النظم و القوانين – أمام أعلى هيئة رقابة مهنية في المجال الصحي: المجلس الوطني لهيئة الأطباء.
هذه بعض صور مخالفة النظم في القانون المتعلق بمزاولة الطب وغيرها كثير في باقي القوانين الطبية و القوانين الخاصة.
المطلب الثاني: الصعوبات التي تكتنف إثبات الخطأ الطبي
القاعدة العامة في علم الإثبات أن ” إثبات الالتزام يقع على مدعيه” حسب منطوق الفصل 399 ق.ل.ع المغربي كأصل عام. والذي يندرج في حقل قواعد وأحكام المسؤولية المدنية وينطبق أيضا على مطارحات وسائل الإثبات في المسؤولية الجنائية.
وما دمنا بصدد إثبات الخطأ الطبي لإثارة المسؤولية الجنائية للطبيب عن أخطائه المهنية، فلا مندوحة من التأكيد أن التطور القانوني في المجال الطبي أفرز لنا بعض الالتزامات القانونية، بعضها من ابتداع الفقه والقضاء، والأخرى مصدرها القانون. فالقضاء من خلال تطبيقه للقانون على القضايا التي عرضت عليه بخصوص المسؤولية، والتي تجد أساسها في الشأن الطبي في أن ” لا مسؤولية بدون خطأ”. حيث كانت المحاكم تستعمل صيغا يستفاد منها اشتراط الخطأ الجسيم لتقرير مسؤولية الأطباء من مثل ” خطأ ناتج عن جهل تام في الميدان الطبي أو عن إهمال خطير من جانبه”، “تواطؤ تدليس”، بل كانت تستعمل صيغة “الخطأ الجسيم”. وبعد هجرها للخطأ الجسيم، أخذت تستعمل صيغة أخرى وهي أن “الطبيب إنما يلتزم ببذل جهود صادقة يقظة متفقة في غير الظروف الاستثنائية مع المعطيات الحالية (أو الثابتة) في علم الطب”، وبالتالي تعتبر الطبيب مخطئا كلما أخل بهذا الالتزام، بالنظر إلى كون هذا الالتزام بصفة عامة، هو إخلال بالتزام سابق، مكتفية فقط بالخطأ من غير نعت، بشرط أن يكون هذا الخطأ ثابتا ثبوتا كافيا لديها، وهو الاتجاه الذي أخذته المسؤولية الطبية بعد إقرارها طبيعتها التعاقدية.
على أن تنامي ثقافة المسؤولية الجنائية للأطباء بوجه عام، أفرزت لنا التزامات حديثة تتقرر على إثرها المساءلة لأي طبيب لم يقم بها اتجاه مريض. خاصة قبل مراحل العمل الطبي لكي تنتفي مسؤوليته الطبية في مواجهة ضحية الخطأ الطبي، إما بصفة مباشرة أوبطريقة غير مباشرة من طرف خلفه العام في حالة وفاة هذا الأخير. وإلا أصبحنا أمام قرينة قانونية لإثبات مسؤولية الطبيب المدنية والجنائية معا. وهي: التزام الطبيب بالتبصير، التزامه بالحصول على رضى المريض، ثم التزامه بالسلامة (الفقرة الأولى) على أنه -هذه الالتزامات- تعترضها صعوبات ذات طبيعة مهنية: هيمنة السرية على الأعمال الطبية، تضامن أصحاب المهن الطبية أو كما عبر عنها الأستاذ الدكتور أحمد ادريوش:
” الأطباء لا يقبلون أبدا فكرة الالتزام، وإنما يتحدثون بلغة الواجب، فالطبيب لا يحتمل بالتزامات وإنما بواجبات يمليها عليه ضميره ويقتضيها تحقيق الهدف الذي يسعى إليه كل طبيب وهو ” تحقيق أكبر قدر ممكن من الخير للمريض” وهي واجبات ترتبط بالصفة الإنسانية ذاتها، جسدا وروحا بحيث أن الطبيب في علاجه للجسد عليه أن يقدر ويحترم روح المريض” .
،عدم مسك الملف الطبي الخاص بالمريض، ثم محدودية طبيعية التزام الطبيب بين شد وجذب التزام “بذل عناية أو غاية”، ورسو القاعدة الطبية أحيانا على إقرار مبدأ “تحقيق نتيجة” (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: إثبات الخطأ الطبي والصعوبات الواردة عليه
بالإضافة إلى اشتراط القانون بعض الشروط والالتزامات الأساسية لممارسة العمل الطبي: الإذن القانوني بمزاولة المهنة ، قصد العلاج أو الشفاء للمريض، الامتثال لقواعد وأحكام المهن الطبية. والتي لا تعد في الغالب سوى تطبيقا لشرط – حسن النية- الواجب توافره في الطبيب عند مباشرته لعمليات التطبيب البسيط (الطب العادي) أو التطبيب المعقد (الطب الفني والتقني) على جسم المريض، فإن المشرع تداركا منه للنقص الذي كان يعتري نصوص المهنة- القوانين الطبية- فقد أوجد بعض الالتزامات تتحقق على إثرها مسؤولية الطبيب الجزائية متى ثبت عدم القيام بها قبل أي تدخل جراحي خاصة، وهي: الالتزام بتبصير المريض، الالتزام بالحصول على رضاه، ثم الالتزام بضمان سلامته الجسدية والنف
htmlspecialchars_decode(‘”‘) أ- التزام الطبيب بالتبصير htmlspecialchars_decode(‘”‘)
الإعلام لغة هو: الإخبار والإخطار بواقع معين حتى يكون الطرف الآخر على بنية من أمره، وقد ارتبط ظهور هذا المصطلح في المجال القانوني بنمط التعاقدات التي تحصل بين أطراف غير متوازنة من حيث المراكز القانونية التقليدية لنظرية العقد، كمبدأ “سلطان الإرادة”، ومبدأ “العقد شريعة المتعاقدين”، لإخضاع الطرف الآخر لإرادته، وذلك كله دون أن يخرق المنظومة التقليدية لعيوب الإرادة وفي حقيقة الأمر إن التزام الطبيب بتبصير المريض والحصول على رضاه المستنير قد تأسس عن طريق القضاء الفرنسي، حتى قبل أن يعترف بوجود علاقة تعاقدية بين المتعاقدين، وهو ما يعني أن التزام الطبيب باحترام إرادة المريض يكون عقديا في حالة وجود اتفاق بين الطرفين، بيد أن غياب العقد لا ينفي وجود هذا الالتزام الذي يجد أساسه في مبادئ قانونية تتجاوز حدود العقد، وتجعل منه التزاما عاما يرتبط بمباشرة الأعمال الطبية وهو ما يجعلنا نستشف أن الأساس القانوني لهذا الالتزام تتنازعه مسألتان: العقد الطبي ثم نصوص القانون.
أما من الناحية العملية يثير موضوع الإعلام مسألة تحديد المعلومات التي يجب إيصالها إلى المريض، وعلى أي أساس سيتأسس إثبات الالتزام بالتبصير أو الالتزام بالإخبار أو الالتزام بالإعلام؟
عنصر الإعلام عمليا تعترضه صعوبات، بعضها له علاقة باللغة الطبية وبالتقنية الجراحية الطبية، التي يتعذر على المريض في معظم الأحوال أن يكون عارضا لها وملما بها، والتي لا يملك التعامل معها وتسخيرها للعلاج سوى الطبيب الجراح ذي الكفاءة والاختصاص. ومثل هذه الحقيقة يتعين على الطبيب الجراح أن يعيها ويأخذها بعين الاعتبار لأنه يتعامل – في اغلب الأحوال- مع مريض لا دراية له بالعلوم الطبية والجراحية وبتقنياتها المعقدة والدقيقة وبعضها الآخر له صلة بنفسية المريض المقبل على العملية الجراحية، خصوصا وأن هذا الأخير يبدو في معظم الأحوال- قلقا ومنشغلا بصحته قبل كل شيء، حتى ولو لم تكن حالته تستدعي كل هذا التطور والاضطراب النفسي، كما أن قدرته على المقاومة تكون أقل مما تكون عليه في الأحوال العادية، وفي الحالة التي يتم فيها إعلامه بكل الحقيقة ربما رفض التدخل الجراحي على الرغم من أهميته ولزوميته لمثل حالته… لذلك أجازت المادة 31 من قانون السلوك الطبي المغربي الصادر بتاريخ 8/6/1953 إخفاء الإنذار الخطير على المريض وعدم الكشف عن الإنذار المشؤوم إلا بحذر واحتراز كبيرين، مع إعلام عائلة المريض وأقربائه بذلك بصفة عامة .
فالمرجعية القانونية للالتزام التبصيري بين الطبيب والمريض، تجد مستندها في القوانين المنظمة للمهنة، كما هو الشأن لقانون مزاولة المهنة المغربي 10.94 أو مدونة السلوك الطبي كما أومأنا أعلاه، أو ما يتعلق بقانون التبرع بالأعضاء البشرية أو القانون الداخلي للمستشفيات. وهي في مجملها نصوص متفرقة تتأرجح بين إلزامية الإعلام والإخبار للمريض عن مرضه وما يتوقع حصوله بعد العمل الطبي، وبين شبه الإعفاء من هذا الموجب القانوني الطبي. فهل معنى ذلك أن الطبيب يكون ملزما قانونيا بإعلام المريض بكافة المخاطر المتوقعة؟ وهل هي مخاطر عادية أم لا؟
لقد ذهب القضاء الفرنسي إلى أن المخاطر التي يتعين على الطبيب الإعلام بها هي المخاطر العادية المتوقعة وأما المخاطر الاستثنائية غير المتوقعة فإنه غير ملزم بالإخبار بها، لأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى قيام بعض المشاكل والصعوبات المادية والمعنوية التي تضر بسلامة عمل الطبيب. فقد قضت محكمة النقض الفرنسية بأن الطبيب ليس ملزما ” بإعلام المريض مسبقا بمخاطر الشلل النهائي للعصب الفكي الأعلى خلال عملية لعلاج التهاب الجيب بالفم، حيث إن هذه المخاطر لم تكن متوقعة” .
إلا أنه في بعض الحالات يلتزم الطبيب بإعلام المريض، إعلاما كاملا ويبصره بكل المخاطر ولو كانت استثنائية، ويشمل ذلك عمليات التجميل واستئصال الأعضاء والإجهاض الإرادي وهو ما يجد له عدة تطبيقات في القضاء الفرنسي، فقد قضت محكمة النقض بأن: ” لا يكون الطبيب مخطئا إذا لم يخطر المريض باحتمال الإصابة بشلل الوجه عند العلاج من الصمم لأن هذا الاحتمال كان ضعيفا والعملية كانت ضرورية ” وفي حكم آخر قررت بأن “الطبيب الجراح لا يلتزم بإخبار المريض بمخاطر العمل الطبي عندما لا تبدو من المريض أية باذرة تكشف عن عدم تسامحه، ولذلك فإن الجراح الذي اجرى للمريض أشعة بالصبغة لا يعد مخطئا لأنه لم يخبر المريض بمخاطر الفحص الطبي بهذه الطريقة حيث إن احتمال وقوع أضرار مماثلة كانت نادرة وتعد على اصابع اليد” وهو ما يلزمنا للإجابة عن تبعة عبء الإثبات في الخطأ الطبي؟ ووفق أي أساس؟
لقد أسالت هذه المسألة الكثير من الحبر في الفقه المقارن، خلافا للقانون المغربي. وأهم ما سنقف عنده هو التغيير المفاجئ لموقف محكمة النقض الفرنسية بنقلها عبء الإثبات من المريض إلى الطبيب في قرار صادر بتاريخ 25/5/1997 وتتلخص وقائع الدعوى في لجوء السيد Hedruel إلى طبيبه بسبب أوجاع حادة في المعدة فأعلمه هذا الأخير بأن حالته تتطلب تدخل جراحي لاستئصال بعض الأورام الموجودة بمعدته غير أنه أثناء العملية أصيب المريض بثقب في أمعائه فرفع دعوى تعويض ضد طبيبه مستند إلى أنه لم يبصره بالمخاطر المحتملة للعملية الجراحية. وقد عرض النزاع أول مرة على محكمة Rennes التي فرضت على المريض إثبات ما يدعيه لكن محكمة النقض الفرنسية نقضت الحكم وقررت مبدأ جديدا مفاده أن عبء الإثبات يقع على عاتق الطبيب وليس المريض واستندت المحكمة على المادة 1315 ق.م الفرنسي جاء في قرار المحكمة:
” لما كان على عاتق الطبيب التزام خاص بالتبصير في مواجهة مريضه وأنه ملزم بإثبات تنفيذه هذا النظام فإنه يتعين معه القول أن محكمة الاستئناف قد خالفت النص المشار إليه ” ومن بين القرارات الصادرة عن محكمة النقض الفرنسية بعد دخول قانون 4/3/2002 حيز التطبيق قرارها الصادر في 2/10/2002 والذي أكدت فيه أنه: ” يجب أن تكون الأخطار معروفة لدى الطبيب عند مباشرته العمل الطبي” .
وفي مجال الجراحة التحسينية قضت محكمة ليون في حكم لها بأن: “الجراح يلتزم بإعلام المريض الراغب في الجراحة بكافة المخاطر المتوقعة وغير المتوقعة التي قد تنتج عن التدخل الجراحي، وإلا كان الجراح مخطئا لأنه لم يقم بتنفيذ التزامه بإعلام المريض بالمخاطر الاستثنائية تماما والتي يمكن أن تحدث من جراحة التحميل” .
وفيما يتعلق بمرحلة تبصير الطبيب للمريض في العلاج فقد ذهبت محكمة الاستئناف بليون في أحد قراراتها على أنه: ” يجب على الطبيب أن يحيط زبونه علما بمخاطر العلاج والامتناع عنه، حتى يستطيع ان يقارن بينهما” . غير أن هناك حالات أخرى يضيق فيها التزام الطبيب بتبصير المريض ويتعلق الأمر بحالة الضرورة والاستعجال، حيث يقوم الاستعجال على العنصر الزمني، ومن تم يكون التدخل الطبي بشكل استعجالي لا يسمح بتبصير المريض. وهذا ما قضت به محكمة النقض الفرنسية في قرار لها جاء فيه ” المريض الذي جاء إلى الطبيب وهو يعاني من ثقبين غائرين بعظام الفخد يسيل منهما النخاع الشوكي مدعيا أنه لم يبصر بالجراحة التي أدت إلى وجود شلل تام له، فحالة الضرورة والاستعجال لا تستوجبان هذا التبصير، وذلك إعمالا للمادة 32 من قانون آداب ممارسة مهنة الطب” .
وعليه فإن الالتزام التبصيري في- العقد الطبي- يخضع لسلطة الطبيب التقديرية في الإفصاح عن المخاطر التي تعترض العملي، وتتأسس على حالة المريض النفسية ومدى قابليته لتحمل مصيره المحتوم. خاصة في بعض العمليات التي لا تتسم بطابع الخطورة، حيث يصبح إخبار المريض وإعلامه بمثابة واجب يقع على عاتق الطبيب اتجاه المريض، في حين العمليات ذات الطبيعة الفنية كالجراحة التجميلية، الإجهاض الإرادي، ثم نقل وزرع الأعضاء البشرية، فقد ألزم القانون الطبيب في عملية النقل على تبصير المعطي بالمخاطر الطبية التي يواجهها وبكل المخاطر بتفصيل وتدقيق ممل، حتى تكون العملية مشروعة وتنفي وصف الجريمة الطبية عن الطبيب.
وهو ما أكده المشرع في القانون رقم 98-16 المتعلق بالتبرع بالأعضاء والأنسجة وأخذها وزرعها بمقتضى المادة 8 أن يقوم الأطباء المسؤولون عن عملية أخذ الأعضاء بإحاطة المتبرع علما بجميع الأخطار المتصلة بأخذ العضو البشري، وبالنتائج التي قد تترتب على ذلك. وأن يطلعه بجميع النتائج المتوقع أن تترتب على عملية التبرع من الناحية الجسدية والنفسية، وعلى جميع الانعكاسات المحتملة لأخذ العضو البشري على الحياة الشخصية والأسرية والمهنية للمتبرع، وعلى النتائج المرجوة من زرع العضو في جسم المتبرع له .
فهل في ذلك تلميح إلى اشتراط الكتابة في الالتزام بالإعلام أو ما يصطلح بالالتزام التبصيري خاصة في العقد الطبي؟
لقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية إلى أن إثبات الإعلام لا يشترط الكتابة، وإنما يمكن للطبيب الاعتماد على طرق الإثبات وهذا ما أكده قرار محكمة النقض بتاريخ 14/10/1998، حيث أن وقائع القضية تظهر أن طبيبا مختصا في أمراض النساء قام بعملية جراحية استكشافية للتأكد من عدم إصابة الضحية بخلل في الرحم، و الكشف عن أسباب العقم إلا أنه أثناء العملية تعرضت الضحية لانسداد غازي للأوعية وانتقال الغاز المستعمل إلى اوعية الدماغ مما أدى إلى وفاتها، وقد استند ورثة الضحية إلى أن الطبيب لم يعلم الضحية بخطر الانسداد الغازي للأوعية ذو الطبيعة الاستثنائية. فأجابت محكمة النقض وأكدت بأن: “الطبيب وإن كان ملزما بإثبات تنفيذه لواجب إعلام الضحية بمخاطر الكشف والعلاج، إلا أن كيفية إثباته مسألة موضوعية تخضع لتقدير القاضي، ويمكن الاعتماد على القرائن في غياب الدليل الكتابي وقد توصل قضاة محكمة الاستئناف إلى أن المريضة كانت على علم بمخاطر التدخل الجراحي، بل إنها اتخذت قرارها بعد تفكير طويل، كما أنها تعمل بمختبر التحاليل التابع للمصلحة التي أجريت فيها العملية” .
ونشير في الأخير أن الالتزام بالإعلام يكون محلا لمتابعة مدنية وجنائية معا، فمتى ترتب عن عدم إجرائه من طرف الطبيب خاصة في العمليات ذات الطبيعة الفنية والمستعصية، فإنه يعد بمثابة ثبوتي يسائل على إثره الطبيب المخل بهذا النوع من الالتزامات الحديثة والوليدة الاجتهادات والقوانين المهنية الطبية مع الأنظمة المقارنة خاصة مع التشريعات الأنجلوسكسونية (كندا- أمريكا) والتشريع الفرنسي.
والالتزام التبصيري للمريض في القضاء المغربي يبرز بوضوح في قرار صادر حدثيا عن محكمة الاستئناف بالرباط ورد فيه:
” على الطبيب قبل إجراء أية عملية أو صرف أي دواء للمريض القيام بفحص المريض فحصا شاملا وتبصير المريض وإفادته بمجموعة من المعلومات المتعلقة بصحته وبمخاطر المرض والعلاج المقترح وكذلك فوائد هذا العلاج” .
وعليه، فإن القضاء المقارن قد أسس الصرح القانوني لتلطيف نوع العلاقة التي تربط بين الطبيب ومريضه، بموجب واجب الالتزام بالإعلام في القضايا التي عرضت عليه. والتي تأسست وبنت أحكامها من خلال التعديلات القانونية المنظمة للمهنة حفاظا على النظام العام الجسدي للمرضى، في شتى انواع العمليات التي قد يتعرضون لها على يد الأطباء. فالواقع الطبي مليء بملابسات يصعب معها تقدير الخطأ الطبي على الضحية من منظور أصحاب المهنة، فبالأحرى قناعة القاضي للجزم بذلك.
لذلك يتعين على القاضي – الوطني- تشديد رقابته على مثل هكذا التزام – الالتزام بالإخبار- خاصة في كل عملية يتطلب فيها القانون هذا الفرض –الواجب- الدي يتخطى نطاق الدفع بأعراف المهنة، أو الاحتجاج بإكراهات العمل. فالمنازعات الطبية ذات الطابع الجنائي على وجه الخصوص، أسمى من توجه القضاء إلى غض الطرف عن واجبات وأصول المهنة، أو الأدق عدم مطارحة ما يوجبه القانون من واجبات التحذير والتبصير والسلامة في عمليات يطبعها التعقيد والخصوصية.
هذا إجمالا ما يطبع التزام الطبيب بالتبصير، فماذا يمكن أن يتحدد بشأن التزام آخر لا يخلو أهمية من الأول ويتعلق الأمر ب: التزام الطبيب بالحصول على رضى المريض موضوع النقطة الموالية؟
htmlspecialchars_decode(‘”‘) ب- التزام الطبيب بالحصول على رضى المريض. htmlspecialchars_decode(‘”‘)
المبدأ العام أن للمريض الحرية في اختيار طبيبه، ويلزم لقيام الطبيب بالتدخل لعلاجه الحصول على رضاه، وعند انعدام الرضى وتدخل الطبيب فإنه يعتبر مخطئا، غير أن الطبيب يمكن أن يتدخل في بعض الأحوال دون توفر إذن المريض من غير أن يتحمل أية مسؤولية لمجرد تدخله دون رضى المريض – الفصل 431 من القانون الجنائي المغربي-، وفي الحالات التي تقتضي فيها حالة المريض التدخل السريع وعدم انتظار أخذ رأيه أو رأي أوليائه إن كان قاصرا. وإذا كانت للمريض حرية اختيار الطبيب المعالج بالرغم من أن هذه الحرية لا توجد إلا من الناحية النظرية، فمن باب أولى أن يكون له الحق في أن لا يمس الطبيب بجسده إلا بإذن منه بمناسبة مباشرة أي علاج أو عمل طبي. وقد كانت الصعوبات التي يثيرها إثباته-رضى المريض- سببا رئيسيا دفع بعض التشريعات إلى تنظيم إثبات الرضى ببعض الأعمال الطبية بأحكام خاصة. ولا يكتفي بوجود رضا المريض، بل يجب أن يكون هذا الرضى حرا وسليما من أي عيب من عيوب الإرادة وأن يكون صادرا عن تنوير من الطبيب .
ولا يوجد نمط معين لإبداء الرضى، فقد يكون القبول خطيا أو على الشكل المعتاد به شفويا، وإذا كان سابقا رأي المريض ليس موضع نقاش، فإنه أصبح كدلك مع توالي المنازعات وتعددها في هذا المجال،مما جعل المشرع يبحث عن صيغ إلزامية متجددة لتجاوز هذا الإشكال، فقد حرصت المادة الرابعة من قانون 4 مارس 2002 الفرنسي على تأكيد هذا المبدأ بأنه: ” لا يمكن إجراء أي عمل طبي أو علاجي دون الرضى الحر والواضح للمريض، ويمكن للمريض سحب هذا الرضى في أي وقت يشاء”.
أما في المغرب فإن الشروط الإلزامية للطبيب، نجدها في المادة 5 من مدونة الأخلاقيات الطبية التي خرجت إلى حيز الوجود سنة 1953 إلا أن هاته المادة ليست ملزمة بما يكفي، وكذلك من خلال قانون 10-94 المتعلق بمزاولة مهنة الطب في المادة 50 التي تؤكد على حق المريض في اختيار مريضه .
أمام هذا الإلزام التشريعي من خلال المواد المومأ إليها، تظل مسألة الإثبات عائقا في النزاع الطبي الذي يشترط كمبدأ توافر ركن ” الخطأ الطبي” في الجريمة الطبية المقرونة بتخلف رضى المريض Défont du contentment du malade?
قد يجب الطبيب نفسه أمام فاقد للوعي تتطلب حالته علاجا مستعجلا، وبديهي ان المريض في مثل هذه الحالة غير قادر على إعطاء الإذن، كما أن حالة الاستعجال تدعو الطبيب للقيام بعمله دون تأخير؟ الشيء الذي يحول دون الحصول على إذن العائلة، ففي هذه الحالة لا يسأل الطبيب عن عدم الحصول على إذن المريض فالإثبات يقع على عاتق الطبيب وذلك بتقديم الدليل الكتابي بالموافقة أو بواسطة القرائن وشهادة الشهود، وعندما يتم إعفاؤه قانونا من هذا الالتزام في حالة التطعيم الإجباري ضد بعض الأمراض وكذلك ضد الأوبئة أو علاج العمال المصابين في حوادث العمل وكما في الفحوص العسكرية . والأحكام والقرارات القضائية في هذا الشأن متعددة على مستوى القضاء المقارن والقضاء الوطني. تتفاوت فيها وسائل الإثبات بين المرونة والتشدد في مواجهة الأطباء بالمنسوب لهم من منطلق حدود الطبيب العلمية والفنية والقانونية والواقعية في التدخل لإنقاذ مريض أو معالجته حسب الضرورة والظروف القائمة، كذلك بموجب الإذن الذي يتعذر إما لحالة صحية غير قادرة عن التعبير الحر والمستنير بالرضى، أو نتيجة إخفاء مقصود من الطبيب يرتكز على مبدأ “حسن النية” في وقائع غير مرجوة وتعد استثنائية ونادرة الحدوث حفاظا على نفسية المريض – المبضوع- لضمان سلامة ونجاح العملية…
وعند حدوث صعوبة في إقامة الدليل تكون لمحكمة الموضوع سلطة استخلاصه من وقائع وظروف النازلة مع إمكانية الاستعانة بخبير على ظرف التدخل الطبي أو الجراحي، وهو ما سنستنتجه من خلال الأحكام الآتية:
ففي قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالرباط نصت:
” من الالتزامات التي تقع على الطبيب الجراح قبل إجراء العملية الجراحية للمريض أخذ موافقته على ذلك، ويجب أن تصدر هذه الموافقة بعد معرفته بحقيقة العملية والنتائج المحتملة عنها، وأنه لا يجوز إجراء العملية دون رضى المريض، وتزداد أهمية هذا الإجراء في الأحوال التي يتعرض فيها المريض للخطورة عند إجراء العملية حيث يجب موافقة ممثله القانوني أو أقرب أقربائه، وإذا قام الطبيبين بالعملية دون تبصير يعتبر الطبيب مخطئا، وحتى في حالة الاستعجال القصوى لا يعفى الطبيب من هذا الإجراء إلا إذا كانت حالة المريض لا تحتمل التأخير وأن يكون فاقد الوعي وغير قادر على التعبير عن إرادته”
فكلما توفرت حالة الاستعجال ودعت الضرورة واقتضت ذلك مصلحة المريض، إلا وكان على الطبيب أن يتخذ قراره بالاستمرار في العملية دون تردد، كما لو شق بطن المريض لعلاج قرحة في المعدة، ففوجئ بوجود ورم سرطاني، فإنه يمكنه أن يتخذ ما في مصلحة المريض وتقتضيه علم الطب، ولو رأى الأمر إلى استئصال جزء من المعدة وقد قالت بذلك محكمة باريس بتاريخ 20/02/1946. وهو الأمر الذي جعل القضاء ينقسم في اتخاذ قرار حاسم في الموضوع، حيث رأى الاتجاه الأول أن الطبيب ملزم بإنهاء العملية دون أن يقوم بالعملية الثانية إلى حين الحصول على رضى المريض، رغم ما تعرفه العملية الثانية من مضاعفات صحية ونفسية وتبعات التخذير، الشيء الذي دفع الاتجاه الثاني إلى إباحة القيام بعملية دون إذن المريض إذا كان بطبيعة الحال في صالح المريض مع شرط توفر كل الاحتياطات اللازمة التي تستوجب على الطبيب عدم المغامرة بحياة المريض إن هناك خطورة .
وقد كان للقضاء المغربي رأي في الموضوع حيث صرحت الغرفة المدنية لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء 20/04/2000: ” أن الطبيب المعالج لم يحصل على ترخيص أو إذن من المريضة ومن زوجها لإزالة الرحم، وأن الأطباء الخبراء الذين فحصوها بعد استئصال رحمها أكدوا أنها لم تكن تشكو من سرطان يبرر التدخل السريع من طرف الدكتور” .
وفي ذلك ذهب القضاء الاسباني من خلال المجلس الأعلى الذي حمل المسؤولية للمعهد الوطني للصحة والطبيب “الذي قرر ربط قنوات الرحم بموافقة الزوج دون المعنية بالأمر ألا وهي الزوجة، علما أن ربط قنوات الرحم كانت مطلوبة ولكن بمعزل عن نوعية العملية وبشرط إخبار المريضة” .
لكن ما موقف القضاء في حالة رفض المريض للعلاج واستجابة الطبيب لهذا المعطى الواقعي؟
الجواب يجد له تطبيقا في القضاء المقارن سواء الفرنسي أو العربي ويظهر جليا من خلال الأحكام الآتية:
فقد ذهبت محكمة التمييز الفرنسية بقرار لها ” بأن الطبيب الذي يحترم قرار مريضة برفض العلاج أو بإتباع طريقة معينة للعلاج لا يرتكب اي خطأ، بما أن الأصل هو الحرية في التعاقد، إلا أنه في حالة الوضعية الصحية للمريض التي تكون في حالة خطر فما على الطبيب إلا إقناعه بتتبع العلاج المناسب ” وفي قرار آخر تم التأكيد على أن ” الطبيب غير ملزم بإقناع المريض بخطر العمل الطبي الذي يطلبه” .
وهذا ما أكدته محكمة الاستئناف بيروت في قرار لها حيث ” رفضت تحميل المسؤولية للطبيب تبعة قرار المريض برفضه إجراء عملية فحص بالمنظار تحت البنج الموضعي، ما أسهم إلى حد معين في تفويت فرصة التأكد من حالته وتقرير العلاج المناسب له” .
غير أنه في قضية أخرى حاول الطبيب فيها تجاوز رفض العائلة للعلاج لاعتبارات دينية، نظرا للحالة الخطيرة والمستعجلة التي كانت عليها فتاة في سن 19 سنة والتي تعرضت لحادثة سير أدت إلى كسور متعددة تمت معالجتها بمجموعة من العمليات الجراحية إضافة إلى أربع حصص لتحاقن الدم، إلا أنه عند محاولة إضافة الحصة الخامسة لتحاقن الدم، رفضت العائلة بشدة لاعتبارات دينية confession Téhovah وحتى المريضة في صبيحة اليوم الموالي عندما كانت على وعي رفضت حقنها بالدم إلا أن الطبيب نظرا للحالة الخطيرة للمريضة التجأ إلى قاضي الدرجة الأولى (المادة 700 من المسطرة المدنية) “التي تسمح بالقيام بتحاقن الدم وبكل العمليات الطبية الممكنة والناجعة”.
إن محكمة الدرجة الأولى أيدت قرار القاضي وموقف الطبيب نظرا لأن المريضة تعتبر راشدة، وبالتالي يعتبر قرار الأبوين غير مقبول كما أن رفضها غير مقبول، لأن حرية قرارها كان يجب أن يكون بكل حرية واستقلال وليس في وضعية تجعل كل مداركها العقلية والفكرية ضعيفة نظرا لخطورة الحالة، مما يمنعها بأن تعطي موافقة بشكل واعي، كما أن حالتها خطيرة، إضافة إلى ذلك أن الدستور يجد حدوده في القيمة الدستورية لاحترام الإنسان خصوصا في ضرورة الحق في الصحة .
ويستفاد منه أن إدراك الطبيب لعمله وإتقانه له، وتأكده من نتائج العمل الطبي الذي يجريه على المريض يخول له سلطة الرقابة والتوجيه والإشراف وحتى حق -الحجر الجسدي المؤقت- إلى حين تعافيه وإجراء ما يلزم عليه، نظرا لأن إرادته المعيبة في وضعه الصحي يعيب بدوره إرادة العائلة ويشل التفكير المنطقي المعقلن لاتخاذ القرار السليم بتسليم الأمر إلى يد الطبيب العارف بأصول المهنة. فالطبيب النزيه الشريف والغيور صاحب الصحوة والضمير المهني الحي على سلامة مرضاه، قد يلجأ إلى القضاء لوضع اليد في اليد،ودلك من أجل الإطباق على إرادة المريض المشوبة بعيوب واقعية يمثلها الخوف والارتباك وعدم الثقة… في مآل العملية، نرى بأنها تنطبق في إطار عيوب الإرادة من منطلق الفصل 54 ق.ل.ع المغربي الدي نص:
” أسباب الإبطال المبنية على حالة المرض والحالات الأخرى المشابهة متروكة لتقدير القضاة”.
فالقاضي هنا سلطته التقديرية ستعكس الأمر لصالح المريض نفسه في حدود حقوقه على جسده المقيدة في مثل هكذا أمور- الامتناع عن العلاج مثلا – وهو لا يعلم مدى توابع ذلك وعواقبه المستقبلية على صحته، وبالتالي تمتد الوسيلة لفائدة الطبيب المعالج. وهو فعلا يجد مستنده القانوني، في القانون الجنائي المغربي للتدخل العلاجي الطبي في الفصلين 124-125، هذا إلى جانب الفصل 431 الذي قد يكيف هنا- امتناع عن تقديم مساعدة- لشخص في خطر، مادام الطبيب قد رضخ لإرادة مريضه “المشوبة” بعيوب الرضى في حالة إصابة أو مضاعفات ذات طابع إيجابي ألحقها به -الفعل السلبي- للطبيب في طرق باب -القضاء الاستعجالي- إن لزم الأمر أو -النيابة العامة- لإرغام مريض- مخبول- نفسيا في مثل هذه الحالة الرضوح لأوامر الطبيب.
وعليه، ينتابنا تساؤل مهم حول شكل الرضى للمريض كضرورة أخلاقية وقانونية لدحض وسائل الإثبات الطبي من جانب الطبيب خاصة، والمريض عامة في المنازعات المحتملة؟
حماية للمريض من المخاطر المحتملة لبعض الأعمال الطبية الحديثة، دفع بكثير من التشريعات إلى اشتراط شكل خاص لرضا المريض أو غيرهم من الأشخاص الذين تجري عليهم هذه الأعمال، كما هو حال الشخص المانح لأحد أعضائه بقصد الرضا، في حين أخضعته تشريعات أخرى لمراقبة القضاء فضلا عن المراقبة الطبية أيضا، وكذلك الأمر بالنسبة للأشخاص الذي يخضعون لإجراء التجارب البيوطبية، أو لأعمال التحكم في تقنيات الإنجاب في الدول التي نظمتها بنص خاص. ففي مجال التجريب يشير مشروع قانون السلوك الطبي المغربي في مادته 11 على أن: ” إرادة المريض يجب أن تحترم – دائما- قدر الإمكان” وهذا النص اقتبس حرفيا من قانون السلوك الطبي الفرنسي 1979 (م 7)، وقد انتقدت صياغة هذا النص الفرنسي على اعتبار أنه يترك تقدير الحالات التي يجب أن تحترم فيها إرادة المريض، وهو ما تنبه إليه واضعو قانون السلوك الطبي الفرنسي الجديد الصادر بتاريخ 6/9/1995 والذي نص في مادته: 36/ فقرة 1 على أن: ” رضا المريض يجب أن يكون محل اعتبار في جميع الحالات” بينما ظلت صياغة النص المغربي على حالها إلى اليوم .
وشكلية الكتابة تجد سندها في نصوص قانون 16.98 المتعلق بالتبرع بالأعضاء البشرية في نصوص متفرقة حيث نجد المادة 10 تنص: ” يجب أن يعبر المتبرع عن موافقته على أخذ عضو منه أمام رئيس المحكمة الابتدائية التابع لها مقر المتبرع أو أمام قاضي من المحكمة المذكورة يعينه الرئيس خصيصا لذلك الغرض، ويساعد القاضي طبيبان يعينهما وزير الصحة باقتراح من رئيس المجلس الوطني لهيأة الأطباء الوطنية يعهد إليهما بأن يشرحا للمتبرع بالعضو بأبعاد عملية التبرع وللقاضي الفائدة العلاجية المرجوة من عملية الأخذ”.
وفي إطار احترام إرادة (القاصر أو الراشد الخاضع للحماية القانونية) نصت المادة 20 على أنه : ” إذا كان الشخص المتوفى قاصرا أو كان راشدا، خاضعا لإجراء من إجراءات الحماية القانونية، فلا يجوز أخذ عضو من أعضائه إلا بموافقة ممثله القانوني، التي تضمن في السجل الخاص من طرف الطبيب المدير أو ممثله، شريطة ألا يكون المتوفى قد عبر وهو على قيد الحياة عن رفضه التبرع بأعضائه”
وتعتبر هذه الطريقة من أقوى طرق الإثبات، لأن الوثيقة المتعلقة بالرضا يتم تحريرها بمعرفة جهة رسمية، يتمكن القاضي من التأكد من صحة موافقة المتبرع البالغ وتمتعه بكامل قواه العقلية وصدور الموافقة من صاحبها بإرادة حرة ومدركة وفقا للشروط التي حددها القانون. هذا بالإضافة إلى أن تطلب الإذن الكتابي من شأنه إنقاص عدد الذين يرغبون في التبرع العبثي باستئصال أعضائهم متاجرة أو لضرورة ملحة. فالمريض يكون -مرغما لا بطلا – تحت وطأة المعاناة وبالتالي قابليته لشهوة المغامرة الغير المحمودة تمتد فيما لا فائدة.
لذلك فكر البعض الأخذ بنظام بطاقة المعطي” la carte de donneur على غرار بطاقة الهوية أو بطاقة رخصة القيادة يدون فيها الشخص موقفه من التبرع من جثته أو عدمه هذا إلى جانب أن القانون قد جعل هذه الأعمال حكرا على المستشفيات العمومية .
وتحسبا لما قد يثيره عنصر الرضا من مشاكل عملية، فإن الأطباء الجراحين كثيرا ما يعمدون في العمل إلى مطالبة المرضى، قبل مباشرة أي تدخل جراحي “ le permis d’opérer” ويرى د Roger.Nerson بأن هذا الأسلوب الأمريكي الأصل، لا يشكل في حقيقته حجة قاطعة على وجود رضا صحيح وحر من قبل المريض، ويرى د. “عمر دومو” بأن القيمة الحقيقية لهاته الحجة الكتابية تنحصر بالأساس في إثبات حصول الطبيب على رضا المريض بالعلاج، غير أن هذا الرضاء الذي يوقع عليه المريض، ليس من شأنه أن يعفي الطبيب الجراح من المسؤولية مدنية كانت أم جنائية في حال صدور خطأ في العلاج .
وهو ما أخذت به محكمة النقض الفرنسية في أحد قراراتها: ” رضا المريض ضروري لإبرام العقد، بالإضافة إلى تنفيذ محل العقد الطبي، ومن تم يجب على الطبيب ألا يكتم على زبونه، وأن يزوده بكافة المعلومات للحصول على الرضا المستنير” .
ولعل مجرد مخالفة نصوص القانون في شكلية شرط الكتابة، يعد جريمة توجب المسؤولية الطبية جنائيا، متى نتج عن ذلك فعل يشكل جنحة أو جناية. ومدنيا للمطالبة بالتعويض. كما أن اشتراط الكتابة وتوافر رضى المريض، لا يجب أن يخرق النظام العام. وفي هذا سارت محكمة النقض الفرنسية في قرارها المؤرخ في 9 نونبر 1962 بقولها: “الرضى عديم الفعالية طالما أن العملية الجراحية تفتقد للمشروعية وأن الجراحة التي تهم الأعضاء التناسلية تعد غير مشروعة ولو اقترنت برضا الشخص الواقعة عليه، باعتبار الرضى لا يسمح للجراح بخرق النظام العام” كما اعتبر القضاء الألماني “الرضا سبب تبرير بالنسبة للعمليات الجراحية التي تهدف لا لمعالجة الشخص الواقعة عليه وإنما لمعالجة شخص آخر، كالتنازل الحر والمتبصر عن الدم أو عن أجزاء أخرى كالجلد لفائدة مريض” .
وكذا لم يبردد القضاء المصري في قضايا زرع الأعضاء” من نزع الفعالية عن الرضى متى كان الفعل المأتى به، يتجاوز النصيب الفردي في جسم الإنسان ويلحق أذى بليغا بالمجني عليه” .
فالحصول على رضا المريض، واقعة ينفرد بسبرغموضها ركن وشرط مكمل للالتزامين السابقين – الالتزام بالإعلام، والإلتزام بالحصول على رضى المريض- وهو التزام الطبيب بضمان سلامة المريض مادام هذا العنصر- السلامة- غير قابل للتحقق بنسب عالية ومتفاوتة إذا ما تخلف التزام التبصير ورضى المريض؟ وهو ما سنبرزه من خلال القراءة المبينة أسفله.
htmlspecialchars_decode(‘”‘) ج) الإتزام بالسلامة بين التدخل التشريعي وإقرار القضاء htmlspecialchars_decode(‘”‘)
يذهب بعض الفقه إلى أن المقصود بضمان سلامة المريض ليس الالتزام بشفائه، ولكن بأن لا يتعرض المريض لأي أذى من جراء ما يستعمله من أدوات أو أجهزة وما يعطيه من أدوية، وألا يتسبب في نقل مرض آخر إليه بسبب العدوى لعدم تعقيم الأدوات أو المكان أو عن طريق ما ينقل إليه من دم أو محاليل أخرى( ). ويعد القضاء الفرنسي مصدر الالتزام بالسلامة، وبذلك يكون قد أقر مبدأ مهما في إقامة التوازن العقدي ما بين أطرافه، باعتبار المريض طرفا ضعيفا تجاه المهني نظرا لغياب نص قانوني يكفل حماية وسلامة المريض، وتبعا لذلك تم إقرار مبدأ الالتزام بالسلامة في العقد الطبي في أول مرحلة باعتباره التزاما ببذل عناية وهو ما أكدته محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 6 مارس 1945 في أحد قراراتها حيث اعتبرت أن: “الطبيب الذي يقدم الدواء، لا يلتزم تجاه المريض إلا بأن يقدم له العناية والرعاية”( ).
وإقرار الالتزام بضمان السلامة كالتزام عام يقع على الأطباء والمصحات والمستشفيات، ويتمثل في عدم تحميل المريض أعباء إضافية وهوالتزام بتحقيق نتيجة، وعلى المريض فقط إثبات ما أصابه من ضرر، ويبقى على الطبيب لدفع المسؤولية عنه أن يثبت أن ما لحقه من ضرر كان من فعل سبب أجنبي لا يد له فيه وهذه أهم حيثياته :
“وحيث إنه إذا كان التزام الطبيب بعلاج ما يعانيه المريض من مرض تم تشخيصه وهو عادة التزام بعناية لكون الطبيب غير ملزم بشفائه من هذا المرض، بل عليه فقط بذل جهود صادقة ومتفقة مع المقتضيات العلمية المستقر عليها في علم الطب، فإنه في نفس الوقت ملزم بضمان سلامة هذا المريض بعدم تحميله أعباء إضافية، لاسيما أن المدعية أخضعت للعمليتين الجراحيتين على ثدييها لعلاجها من الآلام التي تعاني منها على مستوى عمودها الفقري بعد موافقتها ودون علمها بانعكاسات ذلك على ثدييها، ويكون بذلك المدعى عليه قد ساهم في تحملها أعباء جديدة لم تكن بحسبانها، مما يعتبر إخلالا منه بالتزام بضمان سلامة مرضاه، الذي هو التزام بتحقيق نتيجة، وعلى المريض فقط إثبات ما أصابه من ضرر ويبقى على الطبيب لدفع المسؤولية عنه أن يثبت أن ما لحقه من ضرر كان بفعل سبب أجنبي لا يد له فيه، وهو لا وجود له بالملف”( ).
فالالتزام بضمان السلامة ذو طبيعة تقصيرية يتحدد مضمونه في الأضرار غير المتوقعة الناتجة عن استخدام الأجهزة الطبية. وهنا نتحدث عن مسؤولية الطبيب في إطار نظرية حارس الأشياء كما هي مؤطرة في القانون المدني( ). وبطبيعة الحال لا يتحقق ذلك نظريا إلا بتوافر العقد الطبي الذي ينشأ التزاما بين الطبيب والمريض. وبذلك تتحقق مسؤولية الطبيب حتى ولو لم يرتكب أي خطأ في الحراسة وإن كان المشرع تحاشى استعمال كلمة خطأ في الحراسة.
وصدرت قرارات عديدة عن المجلس الأعلى تحمل الحارس المسؤولية بالرغم من عدم ارتكابه لأي خطأ وبالرغم من الحكم ببراءته جنائيا( ). كما جاء في قرار آخر : “عند إثبات الحارس أنه كان يستحيل عليه القيام بأية محاولة وأن خطأ خصمه كان غير متوقع، ولا يمكن تجنبه، فإن ذلك كاف للقول بأنه قد فعل كل ما في استطاعته لتجنب الضرر”( ).
إن منطوق الأحكام السالفة يجعل من تنفيذ العقد الطبي، وحتى الالتزام التقصيري بين الطبيب والمريض، يقتضي ضمان سلامة المريض طبعا بمراعاة واجبات الحيطة والحذر في العلاج، وهو ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف بباريس في أقد قراراتها التي ورد فيه : “التزام المصحة يتمثل في تزويد المريض بسائل يستجيب بحسب طبيعته ونوعيته للهدف المقصود من العلاج، وبأن سائلا أزرق مسبب لضرر يشكل إخلالا بهذا الالتزام، دون حاجة إلى البحث فيما إذا كان سبب الحادث يكمن في الخلط الذي وقعت فيه الممرضة بين مجموعة من القوارير، أو غلط المبنج لقواعد المسؤولية العقدية عن الجوامد التي سبقت الإشارة إليها”( ).
فمسؤولية الطبيب بسلامة المريض في العلاج تتجسد في العلاقات الناشئة عن الأدوية، إذ أن القانون يفرض على الصانع التزام التحذير وتقديم معلومات حقيقية عند حصوله على رخصة التصنيع وهو ما يجد له تطبيقا أيضا في القضاء الفرنسي يلتزم بموجبه صانع الدواء بضمان سلامة المريض وتتلخص وقائعه في أن “طبيب وصف لمريضه مجموعة من الحقن تسمى “Big Bill” لتؤخذ بالوريد، غير أنه عند تعاطي هذه الحقن (أخذت بالعضل) نتج عن ذلك التهابات وثلاث قرحات خطيرة لدى المريضة مما استتبع تدخل جراحي وعملية ترقيع جمالي وإقامة بالمستشفى، وكان يستوي حسب النشرة المرفقة بعلبة الحقن أخذها بالوريد أو بالعضل، وقد أثبت الخبراء الذين انتدبتهم المحكمة لهذه الدعوى أنه لا يوجد خطأ يمكن نسبته إلى صانع الدواء وأن الإصابات والأضرار التي لحقت المريضة ترجع إما إلى غياب التعقيم الكامل للحقنة أو إلى وجود عناصر مرضية في جسم المريضة، وقد سبق لمحكمة أول درجة أن قضت في هذه الدعوى بمسؤولية صانع الدواء العقدية لإخلاله بواجب التحذير وذلك على أساس أن الصانع وإن كان لا يلتزم بتحقيق نتيجة وهي شفاء المريض فإنه ملتزم على الأقل بضمان سلامة المريض وألا يلحق به الدواء ضرر جديد لا علاقة له بالمرض الذي يعالج منه” وعند نظر محكمة الاستئناف للطعن، لم تكتف بإلغائه بل قررت أن مسؤولية صانع الدواء نحو المضرور من استعماله لا تكون إلا تقصيرية وقد عبرت المحكمة عن ذلك صراحة بالعبارة التالية( ) :
« Le seul terrain sur lequel peut être recherchée la responsabilité éventuel des laboratoires est celui des articles 1382 et 1383 du code civil ».
ولعل إثارة مسؤولية الطبيب لن تتحقق جنائيا، إلا إذا اقترنت العملية بضرر يستلزم المتابعة الجنائية أمام القضاء المغربي الزجري. خاصة إذا لحق الوصف في الخطأ الطبي أحد صور الخطأ. ولذا وجب أن يكون القصد لدى الطبيب أو الجراح مشروعا وشريفا موجها بالأساس نحو مصلحة المريض ـ ضمان السلامة ـ أما إذا اتجهت إرادته إلى غرض آخر غير العلاج، فإنه يصبح متعسفا في استعمال الحق. وبالتالي يفقد الحصانة الطبية ويتعرض للمسؤولية الجنائية العمدية وفقا للقواعد القانونية العامة، ولا يشفع له في ذلك حصوله على رضاء المريض أو نزوله عند رغبته ورجائه، وقد حكم في فرنسا بهذا الخصوص “بأن الطبيب الذي يقوم بإجراء عملية جراحية لامرأة بقصد استئصال المبيض التناسلي بناء على طلبها، يكون مستحقا للعقاب عن جريمة عمدية، إذا لم تكن هناك ضرورة تستلزم هذه العملية”( ).
فالأساس هو ضمان سلامة المريض، والطبيب هو الذي يمتلك ـ سلطة الملاءمة ـ في جميع مراحل العمل الطبي وكذا في اختيار وسيلة العلاج، فإما ينأى بنفسه في مأمن عن الملاحقة القانونية متى كان قراره حكيما ـ صائبا طبيا ـ أو يزج بمستقبله المهني في حافة القضاء المدني والزجري معا للبحث في ثبوت المسؤولية الطبية من عدمها.
ولإيجاد سند قانوني، وذلك من أجل إضفاء نوع من الحماية على سلامة المريض، حاول بعض الفقه اللجوء إلى قرينة الخطأ لتحقيق الحماية القانونية للطرف الضعيف، وذلك بإعفائه من عبء إثبات الخطأ الطبي، وهي وسيلة قضائية لنقل العبء على عاتق الطبيب، مما يلزم القول بضرورة الاعتراف بالتمييز بين التزام ببذل عناية والالتزام بالسلامة ومضمونة تحقيق غاية، دون أن يستبعد أحدهما عن الآخر.
وهذا ما خلصت إليه محكمة النقض الفرنسية حيث أكدت في أحد قراراتها أن : “الضرر الذي حدث للمريض قد وقع بفعل الجراح فتنعقد بذلك مسؤوليته بقطع النظر عن ثبوت خطأ في جانبه من عدمه”( ). لكنها عدلت عن موقفها بقرار آخر حيث اعتبرت فيه أن : “التزام الجراح ببذل عناية، وأن لجوء الجراح لوضع أداة في جسم المريض لإجراء العمل الطبي اللازم لا يرفع عن التزامه هذا الوصف”( ).
إن الضرر الذي يصيب المريض أثناء التدخل الجراحي، يستحق عنه التعويض حتى في غياب أي خطأ ينسب للطبيب، وذلك من منطلق أن مضمون الالتزام بالسلامة، يعد من مستلزمات العقد الطبي وفي هذا السياق صدر قرار محكمة الاستئناف بباريس وهو جد لافت للانتباه ورد فيه :
“… الطبيب الجراح يقع عليه التزام السلامة، مما يلزم بإصلاح الضرر اللاحق بالمريض الناتج عن العقد الطبي، حتى في غياب خطأ من جانب الطبيب، خاصة عندما يكون الضرر ليس له علاقة بالحالة الداخلية للمريض، أو التطور المتوقع لحالته الصحية”( ).
وهو ما يفهم معه أن الطبيب لن يتحلل مدنيا من التعويض لضحية الخطأ الطبي إلا إذا ثبت طبيا ـ عن طريق الخبرة ـ أن تدهور وضعه الصحي يعزى إلى مضاعفات داخلية لا علاقة للدواء ـ العلاج ـ بها، وإما لأمور غير متوقعة أي المخاطر الاستثنائية التي لا علاقة للطبيب بها. على أن تحلله الجنائي لن يتم إلا باتخاذه سبل السلامة والتبصير والرضا المستنير الواضح المتطلبة قانونا لدفع ما يواجه به من مريض الخطأ الطبي، هذا الأخير لا يسعه في الإثبات غير ثبوت الإهمال وعدم التبصر وعدم الاحتياط الغير منضبطة للأصول العلمية والفنية المهنية مع توافر القصد الجنائي الغير عمدي في الغالب حتى تتحقق مسؤولية المعالج ـ الطبيب ـ الذي أخل بواجب التزام سلامة المريض، مع شرط إثبات الطبيب دلك لانتفاء مسؤوليته التقصيرية ـ الفصل 88 ق.ل.ع المغربي ـ وكذا مسؤوليته الجنائية ـ الفصلين 432 ـ 433 القانون الجنائي المغربي ـ ما دام القضاء قد ألقى عبء الإثبات على عاتق-الطبيب-. وقد أتيح للقضاء المغربي الفرصة للنظر في نازلة بشأن الإثبات في العقد الطبي، حيث أكدت بمراكش على أن :
“… منازعة المدعي في علاقة سببية ليست ذات اعتبار، باعتبار أن هذه العلاقة ثابتة بشكل لا يرقى إلى الشك. هذا فضلا على أن القضاء الفرنسي ومن مدة بعيدة تحول عن مبدأ إثبات الضرر من طرق المتضرر، وهو المبدأ الذي اعتبرته المحكمة في النازلة وقلب عبء الإثبات. بحيث أصبح الطبيب هو المكلف بإثبات عدم مسؤوليته ولا يعفيه منها إلا القوة القاهرة والحادث الفجائي للحادثة”( ).
فالتزامات الطبيب : الالتزام بالتبصير، الالتزام بالحصول على رضى المريض، الالتزام بضمان السلامة كلها التزامات تتوجب أن يقوم الطبيب بداية بالاحتساب لها دون مغالاة أو سوء نية، حتى لا يكون محطة شحن لوقود قابل للاشتعال بين يديه تضيع حقوق مرضى جسدية ونفسية لا يكون حتى في مقدور القضاء جبر ضررها مهما كلف الثمن.
فإذا كان الالتزام بالسلامة من ابتكار القضاء، من خلال تفسيراته لمواد وفصول القانون المدني، وبعد تراكم اجتهاداته المتكررة، فإن ذلك جعل التشريع يتدخل لإسباغ الشرعية على هذا النوع من الالتزامات في نصوص متفرقة يمكن استنباطها من خلال الآتي :
ـ المادة 4 من قانون 10.94 التي توجب حصول الشخص على الدرجة العلمية لممارسة النشاط الطبي، مما يجسد أن المشرع حريص على سلامة المريض.
ـ المادة 7 من مرسوم 21 نونبر 1994 المتعلق باختصاصات وتنظيم وزارة الصحة العمومية التي جاء فيها على أنه : “تتولى وزارة الصحة العمومية إعداد وتنفيذ سياسة الحكومة المتعلقة بصحة المواطنين. وتعمل باتصال مع الوزارات المعنية على سلامة السكان البدنية والعقلية والاجتماعية”( ).
ـ المادة 3 من قانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدبير حماية المستهلك التي نصت : “يجب على كل مورد أن يمكن المستهلك بأي وسيلة ملائمة من معرفة المميزات الأساسية للمنتوج أو السلعة أو الخدمة وكذا مصدر المنتوج أو السلعة وتاريخ الصلاحية إن اقتضى الحال وأن يقدم إليه المعلومات التي من شأنها مساعدته على القيام باختيار معقول باعتبار حاجياته وإمكانياته …”. وكذا الفقرة 3 من المادة 18 ـ نفس القانون ـ في شأن حماية المستهلك من الشروط التعسفية أقرت تقدير المحاكم للشرط التعسفي في الحالات المحددة على سبيل المثال لا الحصر التي يكون الغرض منها أو يترتب عليها ما يلي :
“3. إعفاء المورد من المسؤولية القانونية أو الحد منها في حالة وفاة المستهلك أو إصابته بأضرار جسمانية نتيجة تصرف أو إغفال من المورد”.
في حين أقرت قبل ذلك المادة ـ قانون 31.08 ـ في المادة الأولى من القسم الأول (نطاق التطبيق) الأساس العام لمبدأ الالتزام بالسلامة من خلال تأكيدها( ) : “يهدف هذا القانون إلى تحقيق ما يلي :
ـ إعلام المستهلك إعلاما ملائما وواضحا بالمنتوجات أو السلع أو الخدمات التي يقتنيها أو يستعملها وكذا الشروط المتعلقة بالإشهار والبيع عن بعد والبيع خارج المحلات التجارية.
ـ تحديد الضمانات القانونية والتعاقدية لعيوب الشيء المبيع والخدمة بعد البيع وتحديد الشروط والإجراءات المتعلقة بالتعويض عن الضرر الذي قد يلحق بالمستهلك …” ( ).
فمن هذه النصوص المتاحة، يتضح أن هناك مبدأ عاما بالسلامة مفاده أن المهني يلتزم بضمان سلامة المستهلك. غير أن جرأة الفقرة 3 من المادة 18 أعلاه، تعد سندا قانونيا لإثارة المسؤولية الجنائية للطبيب أو صناع الدواء ـ شركات التسويق ـ وللصيادلة، متى نتج عن الخطأ المرتكب الذي يواجه به ضحية التدخل الطبي هؤلاء في إطار المسؤولية الشخصية أو المسؤولية المرفقية أو المسؤولية الإدارية، وفاة الشخص ـ المبضوع ـ في إطار ما أوجبه العقد أو القانون.
وخلاصة القول، إن الالتزام بالسلامة الذي اقره الاجتهاد الفرنسي، ذو طبيعة تعاقدية، يجد أساسه في العقد، في حين الالتزام بالسلامة الذي نص عليه القانون سواء في ظل التقنين الفرنسي أو قانون الاستهلاك المغربي 31.08 مصدره القانون.
لكن بالرغم من الاختلاف الموجود بين الإلتزامين الإلتزام -بالسلامة العقدي والإلتزام بالسلامة القانوني ـ من حيث المصدر، فالمضمون والغاية مشتركة، ألا وهي تحقيق سلامة المريض سواء قبل إبرام العقد أو بعده، وفي جميع مراحل التدخل الطبي خاصة مرحلة العلاج، فهما يشكلان معا نظاما عاما للوقاية والتعويض والعقوبة الجنائية وحتى التدبير الاحترازي، لمؤسسة صحية مشبوهة عمليا لدى السلطات العمومية ما دام المرجع الأم ـ الدستور ـ يترجم بكيفية واضحة سلامة المواطن في شخصه وأقربائه وممتلكاته في فصوله الصريحة التي نصت :
الفصل 20 : “الحق في الحياة أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق”.
الفصل 21 : “لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه وحماية ممتلكاته.
تضمن السلطات العمومية سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع”.
الفصل 22 : “لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص من أي طرف ومن قبل أي جهة كانت خاصة أو عامة”( ).
وعموما، تبقى المشتملات القانونية والقضائية للالتزامات الموجبة للطبيب لإثبات مسؤوليته الجنائية، مجردة من فاعليتها ما دام تعترضها صعوبات مهنية، تجعل من تخطي هاته –العقبة- عبءا في المسؤولية الطبية، ما لم يراهن المشرع على ضبط بعض الإكراهات والممارسات اللاأخلاقية ” المهنية” لدحض ما قد ينسب لهم-الأطباء- من إخلال طبي، خاصة مع تنامي ثقافة التضامن بين الأطباء للتستر عن أخطائهم الواحدة تلو الأخرى، إلى جانب عنصر السرية الذي يعد عقبة في الأعمال الطبية الجراحية، ثم عدم مسك الملف الطبي الخاص بالمريض، وهو ما يكرس -لتقويض- رقابة القاضي لتدارك مشروعية العمل الطبي حماية للأفراد.
وهو ما سنحاول استجلاءه في الفقرة الثانية.
الفقرة الثانية : الصعوبات التي تكتنف إثبات الخطأ الطبي
تكتنف الخطأ الطبي إجمالا مجموعة من الصعوبات، والتي تتمثل في محدودية طبيعة التزامات الطبيب خاصة من زاوية الصبغة التقنية للعمل الطبي من الناحية الموضوعية ـ مقياس الظروف الداخلية والخارجية للطبيب في نفس الوسط ـ أو من الناحية الشخصية ـ التضامن المهني- ، وإذا كانت الحالة الجسمانية تعد مؤشرا على أن المريض ـ ضحية الخطأ الطبي ـ تعرض لضرر من جراء خطأ صادر عن الطبيب، فيصعب عمليا إثبات ذلك لما ينطوي عليه الواقع المهني من خروقات تنحو بالأدلة والقرائن في حكم العدم، والفضل يرجع إلى ممارسات أضحت بمثابة وسيلة دفع قانونية للتسويف والمماطلة لدحض وسائل الإثبات الطبي، فيستنكف الأطباء عن احترام ـ القانون ـ وخدمة العدالة خصوصا مع هيمنة السرية على الأعمال الطبية الجراحية، ثم عدم مسك الملف الطبي تهربا من المساءلة أمام أجهزة القضاء.
وهو ما سنورده كل على حدة بشيء من التفصيلhtmlspecialchars_decode(‘”‘)
أ) تضامن أصحاب المهن الطبية htmlspecialchars_decode(‘”‘)
بعدما أشرنا سالفا إلى طبيعة محدودية التزامات الطبيب في طور تصارع التزام تحقيق نتيجة ومبدأ بذل عناية على ضوء وسائل العلاج التي ما زال يعتريها القصور في أطوار كثيرة أمام أجسام تتفاوت مناعتها وحالاتها وظروفها الزمانية والمكانية والنفسية، إلى جانب الوسائل المادية المتاحة. فإن الصعوبة التي تلازم إثبات الخطأ الطبي تجد أساساها في تضامن أصحاب المهن الطبية إزاء المشاكل المرتبطة بالمسؤولية. والذي يحصل أن أهل الخبرة من الأطباء عند انتدابهم من قبل المحكمة وبدافع من الزمالة والتضامن المهني، كثيرا ما يميلون إلى جانب زميلهم المتابع ويسعون إلى تخليصه من المسؤولية. وهي صعوبات موضوعية وأخرى شخصية تتمثل في( ) :
ـ الصعوبات الموضوعية : المعروف عن مهمة الخبير مهمة خطيرة وقواعد العلم المجردة تفرض احترامها باعتبار أنه لا يوجد خطر ما، متى قام الخبير بالتحقيق العلمي المحايد من أجل البحث عن سبب الواقعة. غير أن هذا الخطر قد يقوم في المجال الطبي فيما يتعلق بالناحية الفنية للخبرة فليس مؤكدا بصفة مطلقة أن الخبير الذي يقوم بمهمته بالكامل في وسط نظري وفي المراكز العلمية الطبية يستطيع في هذه الظروف أن يقدر بدقة الموقف الذي وجد فيه الطبيب محل المساءلة والذي كان يمارس عمله في ظروف واقعة مختلفة، فالخبير لكي يقدم تقريرا صحيحا يجب أن يكون في مقدرته معرفة الظروف الواقعية، فالصعوبة هنا تتمثل إذن في الاختلاف الكبير بين المعطيات المجردة والحقيقة الواقعية الملموسة.
ـ الصعوبات الشخصية : تعاني قيمة الخبرة من احتمال اهتزاز الثقة في الخبراء بسبب وجود تضامن مهني، يمكن أن يترتب عليه من التسامح مع الزملاء من الأطباء محل المساءلة. وفي هذا السياق نجد أحيانا أنه لا يوجد استعداد لدى أي طبيب للاستجابة إلى أي دعوة أو طلب للخبرة، فهم إما أن يعتذروا بمبررات أغلبها غير صحيح يخفي تهربا من الخبرة، أو أن يسوفوا ويماطلوا في تلبية أمر المحكمة طالبة الخبرة إلى حد قد يصل إلى ضياع فرصة إثبات ما يطلب إثباته، وضياع الهدف من الخبرة المطلوبة أو الخروج عن النقط المحددة من قبل المحكمة. وكل ذلك ليست إلا تهربا من الخبرة بحد ذاتها، وكأنه يوجد عهد سري أو ضمني بين الأطباء على ذلك، بأن لا يقف أي منهم ضد من يخطئ منهم، وإذا ما جرى ورضي بعضهم وقبل بإعطاء خبرته، فإن التقرير الذي يقدمونه نتيجة ما وقعت عليه الخبرة، غالبا ما يأتي إما عاما دون تفصيلات وتعليلات أو مبهما في كثير من الأحيان. فلا يفيد في إظهار الحقيقة.
وهو مما يجعل من الصعب العثور على طبيب خبير نزيه موضوعي، فالخبير يكمل القاضي فيجب عليه أن يؤدي مهمته بكل نزاهة وإخلاص وموضوعية وأن يحكم العقل عوضا عن العواطف والاعتبارات الشخصية( ).
وقد سبق لمحكمة Aix الفرنسية أن قضت في حكم صادر بتاريخ 10 نونبر 1953 بأن : “التقدير الإنساني اللين الذي اعتمده الخبراء في تقديرهم، حينما نفوا عن زميلهم أي خطأ لا يمكن قبوله من وجهة النظر القانونية”( ).
وعليه يجب على القاضي أن يضع نصب عينيه هذا التضامن المهني المحتمل بين الخبير وزميله الطبيب المدعى عليه، وأن يكون له بالمرصاد كما يقول الفقيه Savatier “الخبرة معهود بها من شخص عادي وهو القاضي إلى طبيب خبير تفرض على هذا القاضي أن يظل مستيقظا”. وهو ما يجد له صدى في حكم صادر عن ابتدائية مراكش : “أن النتيجة التي استخلصها الخبير تفتقر إلى الحد الأدنى من الموضوعية لعدة اعتبارات يمكن إيجازها في النقط التالية : فحيث إن المحكمة لاحظت وبالعين المجردة أن المدعية فقدت البصر بالعين اليمنى بصفة نهائية وهي شبه مغمضة ويعلوها لوم يميل إلى البياض وهو ما أدى إلى تشويه الخلقة لدى المدعية الضحية وهذه الملاحظات تبدو أيضا من خلال مقاربة بسيطة بين الصورة الفوتوغرافية للضحية قبل الحادث وصورتها بعده، وهما معا مدرجان في الملف. وكان الخبير قد خلص في مستنتجاته “إلى أن الضحية لم تعد تشكو من أي آلام وأنها شفيت بدون عجز دائم بعد العملية التي أجريت لها ..” ( ). وفي هذا الإطار ذهب أيضا المجلس الأعلى في أحد قراراته إلى أن : “الخبرة ليست الوسيلة الوحيدة لإثبات الخطأ الطبي وأن القاضي بإمكانه استبعاد تقرير الخبير إذا لم يقتنع به”( ). وفي ذلك قول الفاعل الحقوقي عثمان حلحول، أنه من خلال جسامة الضرر الناتج عن الخطأ والإهمال الطبيين، تتضح فداحة الفراغ القانوني المتعلق بإجراء الخبرة الطبية التي تجرى بناء على قانون حوادث السير، وهذه الثغرات تفسح المجال للانحياز إلى زميل المهنة على حساب ذوي الحقوق من الضحايا. وفي الوقت الذي وضعت فيه الدول الأوروبية قوانين تحدد نوع الأخطاء الطبية الناتجة عن التقصير والإهمال والمسؤولية. كما أضاف أنه يجب على القضاء المغربي أن يأخذ بعين الاعتبار التطورات العلمية الدولية في الحقل الإنساني وأن يحاول تعزيز آليات الدفاع التي من الضروري أن يكون فيها المحامي مرفقا بطبيب مختص بالدفاع عن الضحايا بخبرة علمية قانونية( ).
هذا التضامن المهني لا يظل حكرا لدى الأطباء، بل يمتد لتغطية كذلك هيأة الأطباء التي أنشئت بالأساس كمنبر للدفاع عن مصالح الأطباء المنتمين إليها لخدمة الصالح العام، ولكن هل هي مصلحة عامة لحماية الهيأة ذاتها، أم لحماية الطبيب، أم الادعاء بصون كرامة المريض بحمل الأطباء على التصرف وفق السبل التي تخدم المصلحة الجماعية، وفي هذا المقام ـ تكريم الجسم البشري ـ بالذود عن أية مجازفات وتجاوزات تقابل بالردع والجزاء التأديبي والمدني والجنائي إن اقتضى الحال ذلك ؟
حتى في حال تقديم شكاية بهذا الخصوص أمام مجلس الهيأة، فإن هذا الأخير، قلما يبت في هاته الشكاية ويقرر عقوبات بشأنها، ويبقى عدد الشكاوى التي يتم قبولها من قبل مجالس الهيئة ببلادنا ضئيلا مقارنة مع حجم الشكاوى المعروضة أمامه، وهو ما أكدته الجهات المسؤولة نفسها. فقد عرضت على الهيئة خلال سنتي (1986 ـ 1987) حوالي المائة شكاية، نصفها لم يتم قبوله كما أن 20 % إلى 25 % من الشكاوي المتبقية، شكلت جنحا ثانوية لم تقرر بشأنها عقوبات تأديبية والتي أحيلت بالفعل على مجلس الهيئة وقررت عقوبات بشأنها( ).
والغريب في الأمر هو أن تحريك الدعوى العمومية في مواجهة أحد الأطباء بسبب ارتكابه جريمة أثناء قيامه بعمله الطبي من طرف النيابة العامة، فإن هده الأخيرة تكون -ملزمة- أولا بالعمل مقدما على ربط الاتصال بالهيئة الإقليمية المسجل لديها الطبيب المذكور أو المعنية بالأمر، بقصد اطلاعها على وقائع الجريمة، وللاستئناس بإفادتها الفنية والمهنية بهذا الصدد، فالاتصال بالمجالس الإقليمية للهيئة فور وقوع جرائم كما يؤكد على ذلك منشور وزير العدل رقم : 985 الذي يتيح لممثل الحق العام ـ النيابة العامة ـ فرصة الاستهداء بالأصول الفنية للمهنة وأعرافها وتيسر لها بالتالي الوقوف على طبيعة الأخطاء ودرجة جسامتها( ).
فكأنما المشرع نظم اشتراط تحريك الدعوى العمومية على شاكلة جريمة الخيانة الزوجية( )، والتي لا يجوز متابعة مرتكب الجريمة إلا بعد تقديم شكوى من زوج أو زوجة المجني عليه، فإذا لم تقدم الشكوى من المجني عليه امتنع على النيابة العامة تحريك المتابعة ضد الجاني، حسب منطوق الفصل 491 ق.الجنائي المغربي. وبالتالي فأساس متابعة الطبيب سيكون بناء على شرط ربط الاتصال والتنسيق أولا بالهيئة الإقليمية لدائرة النفوذ الطبي التي وقعت فيه الجريمة الطبية بمعنى ضرورة احترام الاختصاص المحلي لهيأة الأطباء على صعيد الإقليم، وهذه الأخيرة تكون صاحبة الكلمة الفصل ولها الحق المطلق في أن تتابع أولا تتابع الطبيب في المنسوب له، وهو ما يعني أن هاته الهيأة في ظل الأرقام التي عرضناها سابقا لا محالة ستتستر على الخطأ الطبي لعدة اعتبارات، في حين أنه متى قررت قرار المتابعة فدور النيابة العامة لن يعرف انكماشا في تحريك الدعوى العمومية( ) وهو ما سجلناه مؤخرا في القضايا المعروضة أمام المحاكم ليس فقط للمطالبة بالتعويض وإنما لمساءلة الأطباء جنائية عن الجرائم الطبية المقترفة على الضحايا الأبرياء.
وفي معتقدنا إذا تم تحريك الدعوى العمومية في هذا النطاق سيتسع أكثر ويشكل ضغطا أكبر ما دام منطوق المادة 7 من ق.م.ج يخول “للجمعيات المعلن أنها ذات منفعة عامة أن تنتصب طرفا مدنيا، إذا كانت قد تأسست بصفة قانونية منذ أربع سنوات على الأقل قبل ارتكاب الفعل الجرمي وذلك في حالة إقامة الدعوى العمومية من قبل النيابة العامة أو الطرف المدني بشأن جريمة تمس مجال اهتمامها المنصوص عليه في قانونها الأساسي”.
ولعل ميلاد “الجمعية المغربية لضحايا الأخطاء الطبية “، ستشكل بارقة أمل لرد الاعتبار للضحايا ـ جزئيا ـ والتي رأت النور يوم 30 يناير 2011 كاستجابة لرغبة المواطنين ممن لحق بهم الضرر جراء أخطاء طبية قاتلة، أو من ينوب عنهم، ويندرج تأسيس هذه الجمعية في إطار الجيل الجديد من الحقوق التي يعرفها المغرب، وذلك بالانتقال من المطالبة بالحقوق ذات الطابع السياسي كحرية التعبير وحرية الصحافة إلى حقوق ذات طابع ثقافي واقتصادي واجتماعي، ورغبة في تمكين المتضررين من إسماع صوتهم بشكل جماعي ومنظم، وتتجلى أهداف الجمعية يضيف السيد محمد حمضي “رئيس الجمعية” لوكالة المغرب العربي للأنباء في دعم المتضررين نفسيا ومعنويا والانتصاب كطرف مدني إزاء الأخطاء الطبية وتبعاتها أمام القضاء، وخلق مرصد وطني ومركز للاستماع لفائدة الضحايا، مبرزا أن الجمعية تعتزم عقد لقاءات وندوات وطنيا ودوليا مع جمعيات أخرى لتبادل الأفكار والتجارب … ( ).
فإلى حين أن يمنح بقوة القانون صفة النفع العام ـ لهاته الجمعية ذات المساعي والأهداف النبيلة، بحكم أنها مولود جديد لم يستوفي أجل 4 سنوات سابقة عن الفعل الذي يشكل جريمة طبية، فإننا نأمل وبإسهاب أن ترى بريقها دون تعثر حتى تسهم ولو بقليل في الضغط على أصحاب المهن الطبية للتراخي والذوذ عن مبدأ “التضامن المهني” الذي أصبح يشكل سرية اعتقال طبي إلى حين.
وطبقا للقواعد العامة في الإثبات في المادة الجنائية، فإن عبء إثبات الخطأ الجنائي يقع على عاتق سلطة الاتهام الجنائي، أي النيابة العامة، حيث تبقى هاته الأخيرة مكلفة بإثبات توافر عناصر الجريمة أي الخطأ الجنائي، وبهذا الخصوص جاء في حكم جنحي صادر عن استئنافية الرباط بتاريخ 31/3/1989 ما يلي : “إن عبء إثبات خطأ الطبيب يقع على عاتق النيابة العامة التي أسندت النظر بمجرد اطلاعها على تقرير الخبراء المفصل والواضح، وعلى المطالبين بالحق المدني الذين لم يطعنوا بالخبرة المجراة لا ابتدائيا ولا استئنافيا”( ).
فحتى المادة 194 ق.م.الجنائية التي تقرر حماية للأفراد ككل، تفيد أن ضحايا الأخطاء الطبية في المسؤولية تظل محل اعتبار في إجراءات التحقيق الجنائي للكشف عن الحقيقة في قضية معينة. ما دام سبيل وغاية الادعاء العمومي هو تقرير مسؤولية الجاني ـ الطبيب- عما ارتكبته من أفعال عبر إغناء ملف الدعوى بما يكفي من الحجج، حيث تحدثت المادة عن إمكانية إجراء خبرة بالتنصيص: “يمكن لكل هيئة من هيئات التحقيق أو الحكم كلما عرضت عليها مسألة تقنية أن تأمر بإجراء خبرة إما تلقائيا وإما بطلب من النيابة أو من الأطراف …”.
وفي هذا ذهب البعض إلى أن “الخبرة في قضايا المسؤولية الطبية ليست ككل خبرة، إنها خبرة تهم الطبيب الزميل وتهم المهنة الطبية ككل”( ).
ففي ظل هذا المعطى السلبي من جانب ـ التضامن المهني ـ للأطباء ككل ينضاف معطى آخر لا يقل جسامة عن الأول، يقعد من وسائل الإثبات لالتزامات الطبيب تجاه -المريض ـ ويكاد يكون اجترارا لمخزون مهني يومي يتكرر الدفع به نظريا وعمليا للإفلات من انتداب الخبراء ـ زملاء التضامن المهني ـ ونخص بالذكر إكراه السرية على الأعمال الطبية الجراحية في النقطة الموالية.
htmlspecialchars_decode(‘”‘) ب) هيمنة السرية على الأعمال الطبية الجراحية : htmlspecialchars_decode(‘”‘)
بقراءة متمعنة لبعض فصول القانون الداخلي للمستشفيات استطعنا اقتباس بعض السمات والخصوصية لهاته ـ السمة والوصف ـ الملازم للخطأ الطبي بحيث نجد المادة 68 تنص( ) :
“يجب إعلام المرضى الذين أدخلوا المستشفى بأسماء وصفات الأشخاص الذين سيساهمون في تشخيص حالتهم الصحية، وتقديم العلاج والسهر على النظام والمحافظة على النظافة.
يتم إعلام المرضى بصفة مسبقة بطبيعة الأخطار والتداعيات التي يمكن أن تنجم عن الأعمال الطبية والجراحية. تعطى هذه المعلومات بواسطة الأطباء المعالجين، إذا رأوا ذلك ذا فائدة، إلى عائلة المريض شريطة موافقة المريض إذا كان قادرا على التعبير عليها.
يشارك الممرضون في هذا الإعلام في مجال تخصصهم ويمتنعون على وجه الخصوص عن إعطاء المعلومات حول التشخيص والتفسير وكذا عن تطور الحالة الصحية”.
فباستقراء هذا الفصل، نجد أنه إلى جانب الالتزام بالتبصير والإعلام، ألزم المشرع الأطباء المعالجين ارتباطا بسلطتهم الطبية إخبار المرضى ببعض المعلومات الأولية المتعلقة بوسائل الاستقبال التي سيتلقاها المريض وبجميع المخاطر إذا ما ارتأى الطبيب ذلك مع شرط وفرض رضى المريض بطبيعة الحال. وما يهمنا هو عنصر السرية الذي يستنتج بصريح الفقرة الأخيرة من المادة أعلاه التي ورد فيها :
“… يمتنعون على وجه الخصوص عن إعطاء المعلومات حول التشخيص والتفسير وكذا عن تطور الحالة الصحية”.
مما يجسد صرامة وتشدد المشرع في باب ـ السر المهني ـ الوثيق الصلة بعنصر ـ السرية ـ لحاجة في نفس يعقوب قضاها، والحاجة في هذا المقام ذات أبعاد ودلالات تتقاذفها عدة اعتبارات : المصلحة العامة، المصلحة الخاصة للطبيب، مصلحة المريض في العلاج فأي كفة في الأوجه الثلاث سترجح ؟
إن هذا الإلزام بالمنع الصريح عن الاستفهام حول مرحلة التشخيص وعن تطور الحالة الصحية للمريض من عدمها، يقوض وبلا شك من مساءلة الطبيب عن خطئه الطبي، ويؤخر ويحول دون الضبط الآني لعناصر الجريمة من طرف سلطات التحقيق الجنائي … فلربما يريد المشرع الاكتفاء بالمساءلة الإدارية للطبيب تأديبيا مما يفسح المجال لأي باحث في هذا الشأن ـ الطبي ـ لأكثر من سؤال وأوسع تأويل؟
في حين صراحة المادة 92 الذي تمثلت لهذا المعطى بصريح العبارة
“السر والسرية المهنية
باستثناء المقتضيات القانونية المخالفة، يجب على العاملين بالمستشفى حفظ السر والالتزام بالسرية المهنية المطلقة، بشأن كل الوقائع والمعلومات المتعلقة بشخص مقيم بالمستشفى، والتي يمكن أن يكون على علم بها خلال ممارسته لمهامه أو بمناسبة ذلك.
يحرر الطبيب من الالتزام بالسر الطبي إذا لاحظ خلال مزاولة نشاطه المهني أعمالا أو مخالفات جنائية، ويلزم بإخبار فورا مدير المستشفى الذي يقوم بدوره بإخبار السلطات القضائية أو الإدارية المختصة.
كل خرق تم ارتكابه، في الحدود المشروعة للسر المهني تطبق عليه العقوبات التأديبية المنصوص عليها طبقا للتنظيم الجاري به العمل، دون الإخلال بالمتابعات الجنائية التي يمكن أن يتعرض لها الموظف المعني”.
تكرس نفس المعنى، فالوسيلة حماية حقوق المرضى وحياتهم الخاصة بشكل مطلق من أي عبث بخصوصياتهم أثناء الإقامة الطبية. فالعاملين بالمستشفى لم يتوانى المشرع في تحديد مسؤوليتهم الجنائية بصريح المادة في حالة أي تمرد وعصيان على طبيب عاق “للقسم الطبي”. حيث لم يكتف المشرع بتمكين الطبيب من الإخبار عن المخالفات الجنائية بل خول لمدير المستشفى حق إخبار السلطات القضائية أو الإدارية المختصة. فيا لسعة صدر المشرع ! ويا لغيرته على حقوق المرضى؟ !
وحتى لا نبخس من نصوص ومقتضيات القانون الداخلي للمستشفيات نجد لزاما الوقوف على المادة 76 في نفس الإطار دائما لإستخلاص مفارقة إخلاء مسؤولية الطبيب، بإلقاء عبء الإثبات في النزاع مع المريض حول رفض الانضباط لفحوصات الطبيب وعلاجاته على عاتق الطبيب بمحضر الشهود كوسيلة إثبات قانونية وقضائية لدحض ما قد ينسب له لاحقا من ضرر طبي من طرف المريض. حيث ورد في المادة :
“الخروج ضد الرأي الطبي contre avis médical عندما يرفض المريض الفحوصات والعلاجات والعمليات الجراحية التي تقترح عليه، يتم إنجاز محضر مضاد يوقع عليه كل من ممثل الإدارة والمريض، وفي حالة رفض هذا الأخير تتم المناداة على شهود، ويتم اتخاذ القرار بالخروج من طرف الطبيب رئيس القسم والمصلحة المعنية بناء على تقرير للطبيب المعالج، ما عدا إذا كانت حالة المريض تتطلب علاجات مستعجلة”.
أولا نحن أمام اعتقال تحكمي طبي بقوة القانون، ولا سبيل لمواجهة العائلة أو المريض أو الطرف المدني المعني في حالة ادعاء الطبيب وزمرته -زملاء المهنة ـ حالة الضرورة والاستعجال، فيعمد رئيس المصلحة إلى منع المريض ولو بالإكراه والقوة بواسطة حراس المستشفى وحتى العاملين والممرضين لمد يد المساعدة لطبيب يريد الإجهاز بحماية القانون على مريض بمساهمة ومشاركة أبرياء أو ضحايا يغنينا الخوض في مسؤوليتهم، إلا بانتفاء قصدهم الجنائي العام والخاص أمام القضاء.
ثانيا : السرية الطبية سلطة ممنوحة غير خاضعة للرقابة لا من جهة مندوبية الصحة، ولا من جهة الهيأة الإقليمية للأطباء، ولا حتى من مفتشية وزارة الصحة. فالأحرى في مثل هذا الظرف أن يؤكد المشرع على توقيع رئيس المستشفى إلى جانب مندوب العمالة أو الإقليم بالعمالة الطبية، وإن كان المسلك الآمن هو تضمين الواقعة بمحضر ضباط الشرطة القضائية باحترام شكليات المحضر كما هي محددة في المادة 24 ق.م.ج.
ثالثا : عبارة “تتم المناداة على شهود” التي جاءت فضفاضة ومبهمة، مما يفهم معه أن المشرع لم ينص على شهود زوار للمستشفى عاينوا واقعة رفض المريض الامتثال للعلاج، أو حتى مرضى إلى جانب الشخص المعني بالحالة، فهؤلاء ـ المرضى ـ إرادتهم معيبة فهل يصح الأخذ بشهادة مرضى ذوي إرادة معيبة ؟
ومن جهة أخرى قرار الخروج من طرف الطبيب المعالج رئيس القسم أو المصلحة المعنية بناء على تقرير للطبيب المعالج، فتحدث المشرع عن رقابة “قرابة مهنية” فأي ضمانة للمرضى في مثل هكذا حالات ؟
ثم إن الفقرة الأخيرة من المادة 76 دائما الذي نصت “وعلاوة على ذلك، تسلم في هذه الحالة بطاقة الخروج إلى المريض والتي يجب أن تحمل عبارة “خروج ضد رأي طبي”.
فالتدليس والتحايل الطبي واقع لا محالة وليس تحصيل حاصل، فكم يسهل تسليم المرضى بطاقة الخروج ـ باللغة الفرنسية ـ والتي تحوي شروطا وادعاءات لا أساس لها من الصحة ونحن نعلم مدى تعسف الأطباء في الزج بالضعفاء ـ المرضى الأميين ـ خارج أبواب المستشفيات المعطوبة-المصدر الصحافة ووسائل الإعلام- أصلا لمصير مجهول. فكأنما يقول الطبيب : “دعني أجري لك عملية وأتفنن في جسدك كيفما أشاء واذهب إلى الجحيم”.
فليس هناك أكثر سرية( ) وكتمانا من “كتمان القانون”. لذلك يستلزم تعديل مسؤول لمقتضيات القوانين الطبية لتفادي مفعول المرهم الطبي ـ القانون الجنائي ـ الأساس والسند القانوني لفصول المتابعة الطبية جنائيا للطبيب في الخطأ الطبي. وهو ما يتجسد بموجب صمت التشريع عن “التزام” مسك الملف الطبي للمريض. وهو ما سنتناوله بالتدقيق في الاستفهام الموالي.
في الأخير نود أن نقوم تصورنا بملاحظة مفادها أن المادة 3 من القانون رقم 10/94 المتعلق بمزاولة الطب والتي نصت في المادة الثالثة: “تزاول مهنة الطب في القطاع الخاص طبقا لأحكام هذا القانون وإما في القطاع العام وفق القوانين والأنظمة الخاصة به” تجعل من التفرقة والتمييز والتميز السافر بين القطاعين –الخاص والعام-، فالطبيب في القطاع الخاص محمي إلى حد ما من الالتزامات والواجبات المحددة في نطاق القانون الداخلي للمستشفيات يظهر معه أنه ملزم فقط بالإمتثال لخطاب القنون رقم 10/94 فيتجرد من أية مسؤوبية طبية. هذه الحصانة لا تقتصر فقط على اخضاع طبيب القطاع العام إلى التشريعات الطبية بل تفاضل حتى في المساءلة الطبية المنسوبة للطبيب أمام المجلس الوطني لهيئة الأطباء بموجب الفصل 60، حيث أنه عندما يرفع إليه طلب الإستئناف في منازعة طبية منسوبة إلى طبيب ما يستمع إلى إيضاحات الطبيب المعني بالأمر، وإذا كان الطبيب يزاول بالقطاع العام فإلى إيضاحات الممثل الذي تعينه لهذا الغرض الجهة المشار إليها في الفصل 38 دائما في إطار ظهير 21 مارس 1981 بمثابة قانون يتعلق بهيئة الأطباء الوطنية أو من تفوض إليه ذلك. وذلك بعد اشتراط تقديم شكوى إلى الجهة المنوط بها السلطة التأديبية .
ج) htmlspecialchars_decode(‘”‘) عدم htmlspecialchars_decode(‘”‘)مسك الملف الطبي الخاص بالمريض :
الملف الطبي هو عبارة عن كراسة أو دفتر يكون مرقما من وزارة الصحة، حيث يبين الحالة الصحية لأي شخص يتوفر عليه منذ ولادته، ويعد هذا الملف وسيلة من وسائل الإثبات في ميدان المسؤولية الطبية، بحيث يمكن للقاضي أن يكون قناعته انطلاقا منه، خاصة عندما يكون هذا الملف ممسوكا بانتظام. وهو ما ذهب إليه المجلس في أحد قراراته على أن : “الملف الطبي يجب أن يكون ممسوكا بنظام وانتظام لتتبع حالة المريض، والوقوف على المرحلة التي تثبت خطأ الطبيب في العلاج، ولا يمكن الاعتراض على هذه الوسيلة بدعوى التزام الطبيب بالسر المهني”( ).
وهناك نوعان من الملفات الطبية يجب التمييز بينها، فهناك ملف يهيئه الطبيب المعالج لأول مرة، وملف آخر يكون بحوزة المريض محتويا على شواهد طبية ووثائق تثبت سوابقه المرضية وغيرها( ):
فبالنسبة للملف الأول : فهو نظريا ذلك الملف الذي يفتحه الطبيب لكل مريض عادة لأول مرة، يدون فيه كل ما باشره على المريض من إسعافات أولية وفحوص مختلفة وتشخيص لحالته المرضية، والعلاج الذي وصفه له، كما يضمن فيه جميع الوثائق والتقارير الطبية المتعلقة بالحالة الصحية للمريض كالورقة التي تدون فيها درجات حرارة المريض، وورقة الإنعاش وغيرها … ومن ثم تبرز أهمية الملف الطبي وفائدته القصوى في الإثبات إذ من شأنه أن ينير الطريق للقضاء من أجل الوصول إلى الحقيقة، لكن مع الأسف لا وجود لهذا الملف من الناحية العملية، إذ أن الأطباء نادرا ما يمسكون الملفات الطبية لمرضاهم.
أما بالنسبة للملف الثاني : فهو الملف الذي يكون بحوزة المريض والذي يتضمن الوثائق المثبتة لسوابقه المرضية، أو لنتائج التحليلات المخبرية، كتحليل الدم، أو الصور الإشعاعية، وكذلك وصفات العلاج الذي كان يتبعها، وتقارير الأطباء الذين سبق لهم فحص حالته وغيرها من الأوراق التي تثبت الحالة الصحية السابقة للمريض.
ويرى العديد من المهتمين بموضوع المسؤولية الطبية ـ بمن فيهم الأطباء أنفسهم ـ أن تكوين الملف الطبي للمريض، الذي يتوفر على مختلف الوثائق الطبية الأساسية يكتسي أهمية وفائدة قصوى، فهاته الوثائق هي التي تنير الطريق أمام العدالة في سبيل الوصول إلى الحقيقة، كما أنه وعلى أساسها يتصرف الخبراء ويكونون قناعاتهم ومن أهم الوثائق التي يجب أن تكون بحوزة المريض يرى الدكتور “وجيه المعزوزي “التقرير الجراحي الدقيق المفصل compte rendu opératoire détaillé et précis والورقة التي تثبت درجة حرارة المريض Feuille de température وكذا الوصفات الطبية وورقة الإنعاش. كما يرى الدكتور “أحمد الخمليشي” بأنه : “كان يتعين مقابل إعفاء الطبيب أو الجراح من المسؤولية إلى أن يثبت خطأ طبي في حقه أن يلقي عليه عبء تسجيل وتوثيق ما يقوم به من عمل إزاء زبونه، ومضيفا بأن غياب الملف الطبي يجعله من المستحيل على المريض إثبات خطأ ضده، ولذلك لا يبدو مقبولا، إلقاء عبء الإثبات على المريض مع إعفاء الطبيب من كل التزام يتعلق بتسجيل ما يجري بينه وبين المريض وأنواع الخدمات التي يقدمها له”( ).
ومما لا شك فيه أن مثل هذا الملف لا يخلو من الأهمية في الإثبات ويمكن أن تعتمد عليه المحكمة في الوصول إلى الكشف عن الأخطاء الطبية وهذا ما فعلته محكمة الاستئناف بتاريخ 09/01/1989 والذي جاء فيه أن : “الطبيب المولد قد ارتكب خطأ فني حينما أقدم على توليد امرأة بطريقة عادية دون مراعاة ملفها الطبي الذي وضعه زوجها بين يديه حين دخولها المصحة والذي يتجلى منه أنه لا يمكن توليدها إلا بإجراء عملية قيصرية نظرا لكونها كانت مصابة بانكماش في الحوض كان قد حدث لها في حادثة سير، فرفع زوجها دعوى يطالب فيها الطبيب بالتعويض عن الأضرار التي أصابت الطفلة والمتمثلة في عاهة الرأس وانحراف في عمودها الفقري، وقضت محكمة الاستئناف بأن يؤدي الطبيب للضحية بالتضامن مع عيادة فال ـ أنفا ـ تعويضا قدره 300.000 درهم مع إحلال شركة التأمين محل المؤمن لديها في الأداء … “وقد أيده المجلس الأعلى بقرار صادر في القسم الثاني من الغرفة المدنية بتاريخ 26/2/1992″( ).
ومما يزيد أهمية الملف الطبي هو أنه كثير من التصرفات الطبية الخاطئة التي قد تصدر من الطبيب لا تترك لها أثر مادي يستدل الخبير على إثره، وهو ما أكده الحكم الصادر عن ابتدائية الرباط بتاريخ 8/8/1988 الذي ورد فيه: “الأساتذة الأطباء سواء في تصريحاتهم الشفوية أو تقاريرهم المكتوبة أجزموا على أنه لا يمكن لهم إعطاء أي نظر فيما يخص طريقة تخدير الهالكة لغياب تقرير مكتوب للنظام التخديري، أو ما يدعى بسجل البنج، الذي شمل فحص المريضة ونتيجة هذا الفحص، ونوع المخدر وكيفية تحضيره وكيفية إجراء التخدير الأولي، وتحديد كمية البنج المعطى للمريضة، والمدة التي يستغرقها لانتهاء مفعوله …” ( ).
وهو ما يقود إلى استخلاص أن القضاء له إمكانية استبعاد الخبرة القضائية، والاكتفاء بالقرائن المستخلصة من الملف الطبي، واعتبارها حجة في الإثبات كافية لقيام مسؤولية الطبيب، وهذا ما أكده المجلس الأعلى في أحد قراراته : “… المحكمة أبرزت بكيفية واضحة مستندها في تقدير التعويض، وهو الملف الطبي للضحية والأضرار المادية التي لحقت بها … وأن تعليل المحكمة جاء كافيا لتبرير ما قضت به، مما يجعل الوسيلة بدون أساس”( ) وهو ما يتماشى ويوافق ايضا ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف بالدار البيضاء في أحد قراراتها : “… الفقرة الأخيرة من الفصل 66 ق.م.م لا تلزم القاضي بالأخذ براي الخبير، وأن الخبراء لم يقوموا بمهامهم بطريقة كاملة، لذلك يتعين الاكتفاء بما يتوفر عليه الملف من قرائن وشهادات تقنية تبين صدق ما يدعيه المدعي، وحيث إن الأم الحامل كانت تتوفر قبل عرضها على الدكتور (…) على ملف طبي …” ( ).
فامتداد رقابة القضاء تتخطى دائرة الخبرة القضائية الطبية، لتمنح القاضي سلطة تقديرية من ظروف الحال والوقائع. ولعل حجية عدم مسك الملف الطبي من طرف الطبيب، سيعد قرينة ضده على اساس اعتبار ـ سوء النية ـ فهل يعقل أن يمسك طبيب ويضبط بيانات ومستندات ضد مصلحته. فكيف للمريض أن يثبت ما يدعيه في غياب الملف الطبي ؟
بالرجوع إلى القانون الداخلي للمستشفيات نجد تنصيص المشرع على ضبط هذا الملف دون أية إشارة إلى عنصر الإلزام فيما يتعلق للطبيب تسليم المريض أو عائلته أو أية جهة خول لها القانون ـ الجمعيات ذات النفع العام في المجال مثلا ـ أو دفاع المريض أو موكله بمقتضى وكالة عامة أو خاصة للغرض، الملف الطبي بحكم القانون، أضف إلى ذلك فإن القراءة للشق المفاهيمي كما سنبين أدناه لا تتضمن أي جزاء قانوني لمخالفة عدم مسك الملف الطبي ـ حيث نجد :
المادة 60 : “تكوين وتدبير ملف الاستشفاء.
ـ يحدث لكل مريض أدخل المستشفى ملف استشفاء، ويعتبر هذا الملف ملكا للمستشفى والذي يتولى حفظه.
ـ يبعث ملف الاستشفاء بمجرد خروج المريض إلى المصلحة المكلفة بالأرشيفات الطبية بالمستشفى.
ـ يجب على العاملين بالمستشفى اتخاذ جميع التدابير اللازمة من أجل المحافظة على الطابع السري للمعلومات الموجودة في ملف الاستشفاء”.
المادة جعلت ملكية الملف تعود للمستشفى دون المريض، مما يفيد على أن المستشفى حريص على جسد المريض الذي خولته مواثيق العالم ودساتيرها الحق في الحياة والحق في السلامة، ورفعته إلى مصاف التكريم والقدسية التي كرم الله عز وجل بها بني آدم على حد سواء. وهو ما يجعل الفصل 22 من الدستور الذي يمنع المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص وفي أي ظرف ومن قبل أي جهة كانت خاصة أو عامة ينحدر إلى مصاف قاعدة دنيا، تربعت فوقها قاعدة أسمى ـ القانون الداخلي للمستشفيات ـ الذي له الحق المطلق دون منازعة من طرف أي كان امتلاك الملف الطبي ـ جسد المريض ـ بقوة القانون.
المادة 61 : “الاطلاع على ملف الاستشفاء وتسليمه.
يمكن الاطلاع على ملف الاستشفاء من طرف المريض أو ممثله القانوني أو ذوي الحقوق في حالة وفاته عن طريق الطبيب المعالج غير المنتمي للمستشفى.
ـ يحق للمريض أو الطبيب الذي يمثله الاطلاع على ملف الاستشفاء في عين المكان بحضور الطبيب الاستشفائي المعالج.
يمكن للمريض الحصول بواسطة طبيبه الاستشفائي المعالج على نسخة من ملف استشفائه أو تقرير مفصل حول التكفل الطبي بناء على طلب مقدم من طرف المريض إلى مدير المستشفى.
في حالة ترحيل المريض إلى مؤسسة استشفائية أخرى، يرسل التقرير المفصل وكذا نسخة من الملف، الذي يجب أن تحدد لائحة محتوياته بواسطة لائحة إرسال إلى المؤسسة المستقبلة التي تشعر باستلامه بالتوقيع على نسخة من ورقة الإرسال
يمكن تسليم ملف الاستشفاء لغرض علمي لكل عضو من الهيأة الطبية قصد الاطلاع عليه في عين المكان بترخيص من مدير المستشفى”.
أمام هذه الترسانة الوقائية من الزجر لمؤسسة الطب ككل، يمكننا أن نستنتج ما يلي من خلال استقراء فقرات المادة واحدة تلو الأخرى :
الفقرة الأولى تمثلت بصياغة ـ يمكن ـ فعنصر الإلزام مغيب عمدا، مما يمنح سلطة للمركز الاستشفائي في الاستجابة لطلب الاطلاع على الملف الاستشفائي أو العكس. ثم إن كيفية الاطلاع لن تتم إلا عن طريق الطبيب المعالج غير المنتمي للمستشفى، فالعقبة الأولى صرامة النص القانوني في حرمان المريض وممثله القانوني وذوي حقوقه في حالة وفاته من حق الاطلاع على ملفه طبي ما لم يتحدد ذلك على يد طبيب معالج خارج المستشفى قبل ووافق بإلحاح أو لقرابة أو نسب ـ في الغالب ـ التصدي لإدارة المستشفى المعالجة في خطأ طبي ألغى اعتبار الواجب والتضامن السري للأطباء تحت وطأة الغيرة والواجب والتضامن الأسري أو تضامن الصداقة والقرابة والنسب أو العقيدة أواللغة أو….
الفقرة الثانية : تمثل القبول الضمني التراتبي في حالة وجود هذا النوع من ـ طب المغامرة أو الطبيب المشاكس ـ في مواجهة زملاء المهنة في حالة الشك اليقيني بتوافر خطأ طبي على ضحية ما، بأن يطلع على ملف الاستشفاء ولكن في عين المكان بحضور الطبيب الاستشفائي المعالج، فما جدوى التنصيص على حضور هذا الأخير ؟ هل يتعلق الأمر بحرص مهني على توضيح ومناقشة الطبيبين بعضهما البعض ملف العلاج، أم يهدف الحضور بمعية الطبيب المعالج غير المنتمي للمستشفى إحراج من نوع ما أو ماذا … وما أثارنا في هذه الفقرة أن المريض يحق له أيضا حق الاطلاع على ملفه، فما الغاية وهو بصحبة أهل الاختصاص ؟
الفقرة الثالثة : تحدد إمكانية حصول المريض بواسطة طبيبه الاستشفائي المعالج، وليس الطبيب الغير المنتمي للمستشفى على نسخة من ملفه الاستشفائي السابق، أو مجرد تقرير مفصل حول التكفل الطبي بناء على طلب مقدم من طرف المريض إلى مدير المستشفى. فالأمر جلي وواضح، كأنما المستشفى تواجهه بالرد: “تريد ملفا طبيا انتظر الرد إلى ما لا نهاية”.
فالنية المبيتة لواضعي التشريع الصحي ـ سهوا أو عمدا ـ ونحن لسنا بصدد الإدانة أو التبرئة، تستشري تفاقم الخروقات اللامهنية خصوصا وأن هذا التعديل المصاحب للقانون الداخلي للمستشفيات يرجع إلى تاريخ ليس بالبعيد ـ 2011 ـ بما يكفل حماية نظام وقطاع صحي بأكمله، وليس فقط طبيب منفرد أو جهة استشفائية عامة أو خاصة.
الفقرة الرابعة : تتحدث عن ترحيل المريض إلى مؤسسة استشفائية أخرى والتي يجعل ملفه الطبي يرحل بدوره. فالمؤسسة الاستشفائية قد تكون تنتمي إلى القطاع العمومي، وقد تنتمي إلى القطاع الخاص كما هو الشأن للمصحات. ما يعني بمفهوم المطابقة أن نفس المقتضيات ستسري على هذه الأخيرة قياسا على النصوص المنظمة للقانون الداخلي للمستشفيات. فالطبيب يظل محل حماية سواء كان طبيبا عاما أو طبيبا خاصة وهو بصدد ممارسته للعلاج الطبي على المريض.
الفقرة الأخيرة : تخول مكنة تسليم ملف الاستشفاء لغرض علمي لكل عضو من الهيأة الطبية قصد الاطلاع عليه في عين المكان بترخيص من مدير المستشفى، ما يمنح للمدير سلطة في تقدير الطلب إما بالقبول أو الرفض من جهة، ثم إن الغرض العلمي سيفسح المجال مستقبلا لمكنة التجارب البيوطبية على الإنسان،أو الحجر الصحي بدواعي الصحة العامة، أوالاحتجاج بعلم الوراثة وهو ما ينبغي على المشرع أن يحدد سبله.
وبناء عليه، فإن الفراغ القانوني الذي يعتري المقتضيات التشريعية المنظمة للمهن الطبية، والقصور المصاحب للتعديلات الحديثة ـ القانون الداخلي للمستشفيات ـ يتطلب جرأة مهنية لفئة الأطباء هيئات ونقابات وأفراد، التشديد والتأكيد على ضرورة مسك الملف الطبي بصياغة مفاهيم وألفاظ تحدد عنصر الإلزام للمهنيين في المجال الطبي على أوسع نطاق من قبيل :” يتعين، يجب، يلزم …”
كقاعدة قانونية يترتب عن مخالفتها الجزاء التأديبي، المدني ثم الجنائي، وحتى يعتبر ذلك بمثابة ـ سيف ذو حدين ـ لأطراف النزاع في الخطأ الطبي ـ المريض ثم الطبيب ـ يغني عن متاهة القضاء في البحث والتتبع. ولعل مقولة لا يلزم شخص أن يقدم دليلا ضد نفسه، ولا يلزم لأي شخص أن يصنع دليلا لنفسه، تجد سندها وأساسها في القواعد العامة للإثبات، لكن تطبيقها في المجال الطبي يجب أن ينظر إليه بنوع من المرونة وذلك من منطلق حماية الطرف الضعيف في مادة الإثبات، مما يتعين القول إن كل الوثائق الصادرة من الطبيب يمكن الاعتماد عليها كحجة لصالح المستهلك ـ ضحية الخطأ الطبي ـ( ).
وهو ما تجسد قولا برأي الدكتور أحمد الخمليشي : “أن أخطاء الأطباء أصبحت متفاقمة في الحياة العملية، مخلفة وراءها عشرات الضحايا، ولكن هؤلاء لا يثيرون دعاوي المسؤولية الطبية، وحتى لو أثاروها فغالبيتها ترد وترفض وذلك لعجزهم عن إثبات خطأ الطبيب أو الجراح … ولذلك يجب أن يولي اهتمام من جانب القضاء الذي يمكنه أن يعتبر عدم مسك الملف الطبي للمريض بمثابة إهمال أو عدم احتياط من طرف الطبيب أو الجراح يترتب عنه مسؤوليته القانونية، ولذلك يسعى الأطباء والجراحون إلى مسكه وضبط الخدمات الطبية والجراحية التي يقدمها للمرضى سواء في القطاع الخاص أو العام”( ).
وعموما، فإن الملف الطبي وما يتميز به من خصائص في العلاقة التي تنشأ بين الطبيب والمريض سواء في إطار العقد الطبي أو ما يهم القانون، فإن عبء الإثبات الذي يشكله مسك هذا الملف سينتقل لفائدة ـ ضحية الخطأ الطبي ـ ما دام الأمر سيعتبر دليلا كتابيا يجوز حجيته القانونية في مواجهة الأطراف في النزاع ذو الطبيعة الطبية ـ الخطأ الطبي ـ بحكم أن المشرع يأخذ في النظرية العامة للالتزامات بحرية الإثبات في المادة المدنية خصوصا إذا تعلق الأمر بعقد طبي، هذا الأخير الذي لم يفرد له المشرع المغربي اسما معينا، مما يعني أن القانون لا يقر أي شكل لإثباته، على أن الدليل الجنائي سيقترن بمدلول الخطأ الطبي في منطلق الفصلين 432 و433 ق. الجنائي، مما يقودنا للاستشراف عن الملف الطبي المحوسب وموقف التشريع ؟
إن مسألة الولوج للملف الطبي المحوسب le dossier médical informatisé يكتسي أهمية كبيرة في مجال المحافظة على أسرار المرضى فيما يتعلق بالولوج والاطلاع على محتويات هذا الملف من طرف الفنيين والإداريين والمعلوماتيين غير الأطباء على أسرار المريض. ولعل تشديد القانون الداخلي للمستشفيات على مبدأ “السر المهني” يبقى أمرا ضروريا من أجل الحماية الخاصة للمرضى.
إذن فما هي أسلم وسيلة للحفاظ على أسرار المرضى ؟
إن تحقيق مثل هذه الحماية من الصعب تصورها بمعزل عن الاستعانة بوسائل تقنية ذات طبيعة معلوماتية من قبيل البرامج المعلوماتية Logiciel والرموز السرية code secretوالبطائق الممغنطة carte magnétique ، فالمراكز الاستشفائية الأوروبية والأمريكية تستعين بهذه الوسائل لحماية أسرار المرضى مع اختلاف بينها في طرق تطبيق هذه الوسائل الحمائية والبرامج المعتمدة في منح حق الولوج للملف الطبي المحوسب والمدى الذي يمكن أن يصل إليه هذا الحق( ). هذه الوسائل المحسوب لها تشكل وبحق نظاما كافيا لتخزين المعلومات الكافية لكل حالة مرضية غايتها مصلحة المريض، وفي نفس الوقت تحوي لائحة من المعطيات الدقيقة ـ المادية والفنية ـ مبرمجة وتترجم محتويات الملف الطبي الورقي إلى تشخيصات رقمية تنذر على وجه السرعة والاستعجال الاطلاع أثناء البحث الموكول لجهة معينة الولوج للمعلومة الطبية المبحوث عنها.
إن عنصر الجزاء لمسألة المخالفات للملف الطبي ـ المحوسب ـ خاصة ما يشكل جريمة جنائية، يستدعي أن يعتبر فعل الطبيب ـ وهو المطلوب ـ خطأ مهنيا يندرج في صور الخطأ المضمنة في القواعد العامة للقانون الجنائي المغربي، على أن بعض الجرائم التي تدخل في هذا النطاق ـ إفشاء السر المهني، التزوير في الملف الطبي، الإجهاض ..- كلها مشتملات لجرائم قانونية يجب أن تضمن بدقة مجريات العمليات وأنواع العلاج منذ استقبال المؤسسة ـ المستشفى أو المصحة- للمريض وحتى مرحلة فتح ملف طبي يمكن الاستئناس والركون إليه في أي نزاع بمثابة حجة على الطبيب ـ غير قابلة لإثبات العكس ـ متى ارتأى القاضي أن محددات الخبرة تتنافى مع ما يظهر على المريض من الخطأ الطبي الجسيم أو اليسير طالما مسألة الخطأ ثابتة في حقه.
وعموما فإن موقف التشريع من مسألة الجزاء لعدم مسك الملف الطبي، يعتريه قصور واضح وصريح طالما أن النصوص التي توجب على المستشفيات ضبط هذه المسألة تخلو من الجزاء القانوني في حالة عدم القيام بذلك، لذا نناشد المشرع بإلحاح أن يتدخل لسد هذا الفراغ، ليس بإيجاد قوانين خاصة تكون كفيلة بحماية الأفراد، ولكن بالترنح عن أزمة النصوص التي تفتح مجالا شاسعا للتأويل والتعسف في استعمال الحق لإثراء جهات على حساب أخرى. والاسترشاد بالتجارب المقارنة على الأقل لترسنة حق الولوج لجميع ـ الملفات الطبية ـ إلى حين تهيئ السبل وتوحد الإرادات لمقارعة الالتزامات المفروضة على الأطباء.
ولكن تبقى مسألة الإثبات عنصرا مهما حتى يلحق الوصف المتعلق بجرائم الطبيب تجاه المرضى، غاية في الأهمية لا يكفي فقط ثبوت الخطأ الطبي من جانبه، بل يتطلب توافر عنصري الضرر والعلاقة السببية في المسؤولية الطبية حتى تتحدد آثار ذلك في مسؤولية الطبيب عن فعله الشخصي، وأيضا في مسؤوليته عن فعل الغير في الأخطاء الطبية. وهو ما سيشكل لنا دراسة لأركان الجريمة الطبية والشروط المتطلبة حتى يؤاخذ الطبيب بالمنسوب له في إطار المرفق الطبي العام والخاص معا، وفي علاقته بالفريق الطبي والصيادلة وكذا في الروابط العقدية، وأيضا في إطار ممارسته العمل الطبي شخصيا، أو في حالة الاستعانة بالغير .. ومدى ثأثير ذلك على مسؤوليته الجنائية في المبحث الثاني من هذا الفصل.
الفرع الثالث:
الاستشفاء
المادة 136: “يجب أن يودع المعتقلون بأقرب مستشفى كلما ارتأى طبيب المؤسسة أن العلاجات الضرورية لا يمكن اعطاؤها بعين المكان، أو في حالة إصابتهم بأمراض وبائية.
يتعين على الطبيب رئيس المصلحة، تحت مسؤوليته، أن يفحص المعتقل من أجل التأكد من ضرورة بقائه بالمستشفى. ويصدر أمرا بإرجاعه إلى السجن في أي وقت تبين فيه أن المعتقل يمكن معالجته داخل السجن.
لا يمكن إيداع المعتقلين بمصحات خصوصية ولو على نفقتهم إلا بموافقة وزير العدل. تسري نفس المقتضيات المنصوص عليها في الفقرة الثانية أعلاه على الطبيب مدير المصحة الخصوصية.
المادة 137: “لا يتم الاستشفاء، إلا بناء على تعليمات طبية، وتشعر بذلك إدارة السجون، قبل نقل المعتقل المريض. وإذا تعلق الأمر بمعتقل احتياطي، تعين كذلك إشعار السلطة القضائية المختصة.
في حالة الاستعجال، يتم الإشعار بعد إنجاز الاستشفاء.
يجب على مدير المؤسسة، إعطاء المعلومات الكافية للسلطة المعنية، قصد تمكينها من اتخاذ الاجراءات اللازمة لخفر وحراسة المعتقل نزيل المستشفى، بواسطة مصالح المستشفى أو الدرك، وبصفة عامة، من تحديد التدابير الكفيلة بمنع أي حادث، مع أخذ شخصية المعتقل بعين الاعتبار.
يعتبر المعتقلون المودعون بالمستشفى مواصلين لتنفيذ عقوبتهم أو اعتقالهم الاحتياطي، ويطبق في حقهم في هذه الحالة نظام الاعتقال بالمؤسسات السجنية.
ترفع حالة الاعتقال، إذا انتهت مدة العقوبة أثناء استشفاء المعتقل”.
فحتى الاستشفاء خارج السجن يبقى رهين برأي طبيب السجن، فقد يتعسف هذا الأخير في المبادرة المستعجلة لنزيل محدد فتنعدم معه ضمانة الحياة، فيبقى عبء الإثبات مجردا من فاعليته ما لم يتحرى ذلك وبنزاهة مفتشي السجون –الأطباء- لإثارة المسؤولية الجنائية لزميل المهنة، لدلك نرى أنه يتوجب مباشرة بعد أي وفاة أو عاهة خطيرة تنسب أو يشك أن لطبيب السجن علاقة بها أن تتخذ النيابة العامة الإجراءات الكفيلة عبر اعتماد خبرة قضائية خارجية لإثارة والكشف عن أي تستر مهني.
عموما يبقى ولو –القانون المنظم للسجون- في نصوصه الشكلية قانونا بامتياز لأنه فعلا تضمن جرأة وضمانة حقيقية لإثارة المسؤولية الطبية بوجه عام والجنائية بوجه خاص، لكن ماهي الوسيلة القانونية الجريئة لتفعيل ذلك؟
المبحث الثاني : عنصري الضرر ( النتيجة الاجرامية) والعلاقة السببية في نطاق المسؤولية الجنائية للأطباء
إن قوام المسؤولية الجنائية هو الالتزام بتحمل النتائج القانونية المترتبة على فعل يخطره القانون الجنائي ويعاقب عليه ، وعلى هذا الأساس فان هذه المسؤولية تمثل رد الفعل الاجتماعي تجاه المخالفات التي تنتهك حرمة العلاقات الاجتماعية فهي بذلك – وكما ذهب الى ذلك بعض الفقه – تحمل معنى المؤاخذة أو تحمل التبعة ،والجاني بمقتضى هذه المسؤولية يتحمل الجزاء الذي ترتبه القواعد القانونية كأثر للفعل الذي يرتكبه هذا الاخير خروجا على أحكامها . ولقد كان مصطلح “الجريمة” يستعمل في الماضي في المجال المدني والجنائي معا ، وذلك للدلالة على كل فعل يحدث ضررا للغير أو للمجتمع بصفة عامة.
،وللتفريق بين المجالين “كان من اللازم” اضافة عبارة أخرى لتحديد نوع الجريمة المتركبة ومثال ذلك ” الجريمة المدنية” أو “الجريمة الجنائية”، ولكن مع استقلال القانون الجنائي عن القانون المدني ،أصبح مصطلح الجريمة محدود الاستعمال في المجال الجنائي وحده ، بينما أدخل مصطلح”الخطأ” في المجال المدني ولا يكفي لقيام الضمان أن يرتكب الانسان فعلا غير مشروع أو تعديا ، بل لابد أن ينتج عن هذا الفعل ضررا للغير سواء في ماله أو عرضه . فالجريمة وان كانت غالبا تصيب المجني عليه بضرر ، فانه في بعض الاحيان يتعدى ضررها المجني عليه ليلحق بأفراد أسرته كما هو الشأن في جريمة القتل ،حيث يأخذ كل من أفراد أسرته صفة المضرور . وعنصر الضرر هذا كمحدد للمسؤولية الجنائية هو الذي يضفي الوصف الاجرامي عن الفعل أو الامتناع نظرا للأهمية التي يكتسيها بمجرد حدوث ضرر يصيب ضحية في جريمة ما.
ومفهوم الجريمة لا يتحقق أبدا إلا بوجود نص قانوني يجرم الفعل او الامتناع عن الفعل. وهذه الخاصية تعتبر أساسية للتمييز بين مفهوم الجريمة في القانون، ومفهوم الجريمة في ق.ل.ع المغربي : فالجريمة في مفهوم قانون ل.ع كما نص عليها الفصل 77 هي :”كل فعل ارتكبه الانسان عن بينة واختيار ،ومن غير أن يسمح له به القانون فأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير …”
أما الجريمة في مفهوم القانون الجنائي المغربي (الفصل 110 ) فتعتبره ” كل عمل أو امتناع مخالف للقانون الجنائي ومعاقب عليه بمقتضاه”.والجريمة تختلف عن شبه الجريمة التي تجد أساسها في مفهوم الخطأ ” فالفصل 78 ق.ل.ع ينص على أن ” كل شخص مسؤول عن الضرر المادي أو المعنوي الذي أحدثه لا بفعله فقط ولكن بخطئه أيضا ،وذلك عندما يثبت ان هذا هو الخطأ هو السبب المباشر في الضرر”
فإذا كان ركن الضرر يعد الصورة المشتركة بين اركان الجريمة في نطاق القانون الجنائي ،وكذا في كنف قواعد القانون المدني، علما أن محددات التعويض عن الضرر، لا تقوم إلا اذا توافرت ابتداء جميع أركان الجريمة وعناصرها في المادة المدنية ، وهو ما ينطبق عن الفعل أو الامتناع الذي يعتبر جريمة في مفهوم القانون الجنائي، والذي بدوره يتطلب أن تتوفر فيه ثلاثة أركان أساسية، وعند غياب واحد منها، فانه لا يمكن اضفاء صبغة الجريمة على ذلك الفعل أو الامتناع. ويتعلق الامر بالركن القانوني والركن المادي ثم الركن المعنوي.
فالضرر هو الأساس الذي تنبني عليه المسؤولية المدنية والجنائية، وهو ما يعبر عنه في اطار الركن المادي للجريمة عندما يوجد نشاط اجرامي في شكل ايجابي أو سلبي بالنتيجة الاجرامية. وهذه الاخيرة لا تكون عنصرا من عناصر الركن المادي في الجريمة ، الا بالنسبة لجرائم النتيجة أو ما يسمى بجرائم الضرر أو الجرائم المادية التي يتوقف وجودها على حدوث نتيجة معينة بسبب وجود اعتداء على حق تمت حمايته من طرف القانون وجرائم الضرر أو جرائم النتيجة الاجرامية يمكن أن يرتكبها شخص لا يحمل أي صفة، ويمكن أن يوقعها أشخاص ذوو صفه ينتمون لقطاع معين يترتب عند ارتكابهم فعل أو امتناع يجرمه القانون الجنائي ويقرر له عقوبة خاصة ، سواء في صلب المجموعة الجنائية أو ثنايا القواعد الخاصة الأخرى. وكما هو الأمر لسلوكات الأطباء اتجاه المرضى – ضحايا الأخطاء الطبية- والذي يشترط لتحقيق المسؤولية الجنائية للطبيب أو الجراح في جرائم القتل و الجرح الخطأ تحقيق نتيجة معينة ، وهي وفاة المريض في القتل الخطأ واصابته أو جرحه أو ايذائه في سلامة جسمه أو صحته في الجرح الخطأ. ولعل اختلاف الروابط القانونية التي ينظمها القانون العام قد سمحت بقيام فكرة الضرر وتطلبت شروطا لقيامه خاصة مع اتجاه بعض الفقه ومعه القضاء الى التركيز على ركن الضرر كشرط كافي لقيام المسؤولية عامة والمسؤولية الطبية خاصة، بمجرد ثبوت العلاقة السببية بين الضرر – النتيجة الاجرامية – والخطأ الطبي (المطلب الأول)
فتترتب بذلك آثار تختلف أحكامها عن الفعل والامتناع الذي أحدث ضررا طبيا في جريمة طبية على ضحية “خطأ طبي” صادر عن طبيب عن فعله الشخصي، أو قد أسهم في احداثه الغير، وتنشأ على اثر ذلك علاقات تعاقدية وروابط قانونية، تتولد عنها المسؤولية الطبية وبالأخص الجنائية في الحالة التي يتمثل فيها الضرر عن صورة قتل خطأ (ف 432 ق الجنائي المغربي) أو جرح أو اصابة خطأ (ف 433) ( المطلب الثاني).
المطلب الأول : تحقق الضرر الطبي وثبوت العلاقة السببية في جريمة الخطأ الطبي
اذا كان الجزاء في الجرائم العمدية لا يتوقف بالضرورة على تحقيق الضرر، لان القصد الجنائي في هذا النوع هو الركن الاساسي لتوقيع العقوبة فانه وعلى العكس من ذلك، في الجرائم الغير العمدية او الخطيئة ، لا محل للعقاب مهما يكن خطأ الطبيب الجراح او الخطر الذي يمكن ان يترتب عن هذا الخطأ، إلا اذا أفضى الى نتيجة ضارة ولا عقاب على الشروع بالنسبة لهذه الجرائم التي العبرة فيها أساسا بتحقيق النتيجة الضارة . بل ان هناك من يرى بأن لا داعي لتطلب حتى شرط الضرر في بعض الحالات، لان كثيرا من الصور التي تقتضي المحافظة فيها على مصلحة الخواص ضحايا الجرائم حمايتهم حتى ولو لم يصابوا بضرر مثال ذلك حالة المجني عليه في الجريمة المستحيلة او جرائم الخطر التي لا ينشئ عنها ضرر خاص، بل يكفي نظرا لطبيعة الخصومة الجنائية الادعاء بوجود الضرر او وجود ضرر احتمالي، اذ لا معنى لبقاء المجني عليه المحتمل المكتوف الايدي حتى يتأكد له الضرر . والمجني عليه او المتضرر من ضرر طبي حتى يكون بمقدوره استفاء حقوقه من الاضرار المادية والمعنوية يشترط القانون ثبوت المسؤولية الطبية حسب شروط معينة(الفقرة الاولى)، على ان الرابطة السبية هي التي تجعل الخطأ علة الضرر وسبب ووقوعه، اذ لابد ان تكون النتيجة الاجرامية – الجريمة غير العمدية في نطاق صور الخطأ في الفصلين 432_433 من القانون الجنائي المغربي- متصلة بالنشاط الصادر عن الجاني اتجاه المجني عليه – ضحية الخطأ الطبي- اتصال السبب بالمسبب او المعلول بعلته على قول الاصوليين. الفقرة الثانية
الفقرة الاولى : صور الضرر الطبي وشروطه
htmlspecialchars_decode(‘”‘) أولا: صور الضرر الطبي htmlspecialchars_decode(‘”‘)
الضرر هو الركن الثاني من أركان المسؤولية المدنية بشقيها العقدي والتقصيري، ولا يتصور قيام المسؤولية بلا ضرر، فإذا انتفى الضرر لا تقبل دعوى المسؤولية وتعتبر النتيجة الاجرامية ايضا الركن الثاني من أركان المسؤولية الجنائية وهي لا تنم إلا عن ضرر، فالضرر مرادف للنتيجة الاجرامية يتقابلان في الاثر القانوني لصالح المجني عليه والمضرور من خطأ طبيب في جريمة طبية، وإلا لما استطاع –ضحية الخطأ الطبي- المطالبة بالتعويض لغياب مصلحته في الادعاء، أو مساءلة الاطباء جنائيا لانتفاء صفته في الخصومة الجنائية. فالضرر لم يعد مجرد حدث فردي حاضر، ولكنه ظاهرة من ظواهر الواقع الاجتماعي السلبية- على وجه العموم- وتختلف المسؤولية في الضرر الذي يصيب الانسان بين نوعيه المادي والمعنوي ( أولا) وهو ما تتحدد عقوبته ومقداره في عهدة شروط مستلزمة قانونا (ثانيا)
أ- الضرر المادي
الضرر عموما هو المساس بمصلحة المضرور، وقد عرف الفقهاء بكونه ” الاذى الذي يصيب الانسان في جسمه أو ماله أو شرفه وعواطفه” كما يعرفه البعض بأنه “الاذى الذي يلحق بالمضرور نتيجة خطأ الغير ،وقد يلحق هذا الأذى بالشخص في جسمه أو ماله فيكون ضررا ماديا ،وقد يلحق بالشخص في سمعته أو شعوره أو شرفه فيكون ضررا أدبيـا” أو هو” المساس بحق او مصلحة مشروعة لشخص مساسا يترتب عليه جعل مركزه أسوأ مما كان عليه قبل ذلك لأنه انتقص من المزايا أو السلطات التي يخولها هذا الحق أو تلك المصلحة لصاحبه” وهنا يتعين أخذ مصطلح الضرر المادي في معناه الواسع فهو لا يقتصر على الاضرار الاقتصادية التي تصيب الناحية المالية للشخص المضرور- الضحية-،واذا كان الفقه التقليدي قد درج على دراسة موضوع الضرر الجسدي ضمن حالات الاضرار المادية ،الا أن الواقع يؤكد أن هذا النوع من الضرر dommager coporels ينطبق عليه وصف الضررين المادي والمعنوي معا، لأنه بالإضافة للتكاليف المالية التي يستلزمها علاج هذا النوع من الضرر فانه غالبا ما يتسبب في وقوع بعض التشوهات والعيوب التي تؤثر على الناحية الجمالية للشخص المضرور ،الشئ الذي يخلفه لديه ألما نفسيا لا يقل خطورة عن الألم الجسدي الذي لحقه من جراء الضرر و لا يخرج الضرر الطبي عن هذه التعريفات حيث يعرفه البعض بأنه ” حالة ناتجة عن فعل طبي أدى للمساس بجسم الشخص بتعريضه للأذى” فالطبيب عادة يلتزم ببذل عناية لفائدة المريض من أجل شفائه ومقاومة مرضه فإذا أخفق في مسعاه نتيجة لخطأ، فانه يسأل عما أصاب المريض من خسارة مالية كمصادر في العلاج وتكاليف الدواء وأتعاب الأطباء وأجر المستشفى. و “يسأل الطبيب عن عدم شفاء المريض لأنه لا يلتزم بتحقيق نتيجة ،ولكن اذا تسبب الخطأ في تفاقم حالة المريض وتدهور صحته فانه يسأل عن ذلك وهو ما اكدته الغرفة المدنية الاولى لمحكمة النقض الفرنسية بكل وضوح في قرار لها صدر بتاريخ 25/10/1961 جاء فيه :”ورغم التسليم بأن الطبيب قد ارتكب خطأ، فلا شئ يفيد أن هذا الخطأ قد احدث ضررا ،ولا حتى جعل الحالة المرضية للمريض تتفاقم أو كان بالنسبة اليها مصدرا لأي ضرر”
وقد قضت محكمة النقض المصرية بأن :”الضرر المادي الذي يجوز التعويض عنه وفقا لأحكام المسؤولية التقصيرية يتحقق اما لإخلال بحق ثابت للمضرور يكفله القانون، أو الاخلال بمصلحة مالية ما، ولا ريب في ان حق الانسان في سلامة جسده يعد من الحقوق التي كفلها له القانون وجرم التعدي عليه، فإتلاف عضو أو احداث جرح أو اصابة الجسم بأي اذى اخر من شأنه الاخلال بهذا الحق ويتحقق بمجرد الضرر المادي، فإذا ما ترتب على الاعتداء عجز للمضرور عن القيام بعمل، أو تأثير على قدرته في أداء ما يكتسب منه رزقه، أو تحميله نفقات علاج، فذلك كله يعتبر اخلالا بمصلحة مالية للمضرور يتحقق به كذلك قيام الضرر المادي،
وإذا كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه متى بينت محكمة الموضوع في حكمها عناصر الضرر وهو مما تستقل به مادام لا يوجد في القانون نص يلزم بإتباع معايير معينة في خصوصه ، ولا تثريب عليها اذا قضت بتعويض اجمالي عن أضرار متعددة ما دامت ناقشت كل عنصر على حدة وبينت وجه أحقية طالب التعويض فيه أو عدم أحقيته”
ويمكن تلخيص اهم الأضرار التي تنتج عن الخطأ الطبي كما يلي :
1- مصارف ونفقات طبية في شراء الأدوية والعلاج والإقامة بالمستشفى
2- عجز مؤقت يتجلى في فقدان الدخل من جراء التوقف عن العمل
3- عجز دائم يترك ضررا نفسيا من جراء التوقف عن العمل
4- نفقات تدفع من أجل الاستعانة بشخص اذا كان ذلك ضروريا
5- ضرر يتمثل في الآلام
6- ضرر يتمثل في تشوه الخلقة أو ضرر جمالي
لذا يطلق على هذه الجرائم بجرائم النتيجة، والتي يتوقف قيامها على حدوث نتيجة ضارة بالمريض، فالمحاولة تنتفي ما لم تتحقق النتيجة في الجرائم الطبية وهي الضرر الجسماني الذي لحق –الضحية- إلا في حالات ناذرة حيث يعد الشروع أو المحاولة نتيجة جنائية توقفت لسبب خارجي كالطبيب الذي يحاول دس السم في انبوب الانعاش الطبي لمريض ما،فيفاجأ بزيارة مفاجئة للضابطة القضائية بمعية طبيب أو مدير المستشفى، وهو على اثر اتيان فعله الجنائي مثلا. فالنتيجة الاجرامية قد لا تعتبر شرطا ضروريا بحدوث ضرر في كافة الجرائم الطبية ،لأن مشكل الضرر في المجال الطبي والجراحي عموما لا يطرح بنفس الحدة، كما الشأن بالنسبة لجريمة الامتناع عن تقديم مساعدة لشخص في خطر (ف431 ق.ج) المغربي والتي تقابلها المادة 63 من القانون الجنائي الفرنسي وهي بمثابة قاعدة مسطرة أيضا في مدونة أخلاقيات الصيدلة 17/04 التي نصت المادة 103 على أنه يتعين وجوب قيام الصيدلي ولكن في إطار حدود معارفه بإسعاف مريض في حالة خطر وشيك إذا تعذر تقديم علاجات طبية له .اذ أن مساءلة الطبيب الجراح الممتنع جنائيا- يمكن أن تترتب ولو في غياب وقوع ضرر فعلي للمريض أو الشخص المصاب الذي لم تتم إغاثته أو اسعافه في الوقت المناسب ،فما هو معاقب عنه بالأساس ،ليس النتيجة المترتبة عن الامتناع ، وإنما الامتناع أو الامساك عن تقديم مساعدة في حد ذاته ،بصرف النظر عما أدى اليه ذلك من نتائج, وهذا ينطبق أيضا لجنحة الاجهاض غير المشروع فالواقعة المثبتة للفعل أو الامتناع كافية لتحقيق المصلحة في طرق باب القضاء. وهو ما يجد له تطبيقا لدى القضاء الفرنسي لأول مرة بمناسبة محاولة قتل بواسطة عيارين ناريين نجا فيهما المعتدى عليه، فتنصب طرفا ضد المتهم فأصدرت محكمة الجنايات (بلايس) حكمها بقبول دعوى المجني عليه، وبنائها على أساس صحيح وقضت له بتعويض معللة حكمها بما يلي :” انه ليس هناك أي مقتضى تشريعي يحدد نوعية الضرر أو المصلحة التي على المشتكي أن يدعيها وأن الواقعة وحدها التي تفيد انه كان عرضة لمحاولة القتل ، كافية لتحقيق المصلحة في التدخل كطرف مدني ” وهو ما أقره الاجتهاد القضائي المصري سار في هذا الاتجاه في حكم لمحكمة النقض المصرية بتاريخ 07/05/1952 وأقرت المبدأ التالي :”أنه اذا قررت المحكمة حادثة شروع في قتل قد تسبب عنه ضرر أدبي للمجني عليه فإنها لا تكون قد اخطات لما تحدثه هذه الجريمة من ازعاج وترويع للمجني عليه”
فالنتيجة الاجرامية أي الضرر اللاحق بالمجني عليه تطبعه المرونة في سلك المطالب المدنية، في حين يعوقه اشتراط توافر النتيجة في الركن المادي للجريمة كيفما كانت –فعل أو امتناع طبي- للمساءلة الجنائية عن الفعل الضار الذي لحقه -ضحية خطأ طبي- ينال بطبيعة الحال من سلامة هذا الاخير الجسدية- اصابة ظاهرية او باطنية – ويلحق به أذى في غياب أية ضرورة علاجية. وهو ما تزكيه المادة 7 من قانون المسطرة الجنائية المغربية الذي ورد فيها :”يرجع الحق في اقامة الدعوى المدنية للتعويض عن الضرر الناتج عن جناية أو جنحة أو مخالفة ،لكل من تعرض شخصيا لضرر جسماني أو مادي أو معنوي تسببت فيه الجريمة المباشرة ، فالضرر المادي لا يقف حائلا دون حق المتضرر من الخطأ الطبي المطالبة بالتعويض طبقا للمسؤولية المدنية، بل تمكين المشرع لضحيته هذه الاخطاء ضررا معنويا بصريح عبارة المادة تلزم الفاعل –الطبيب- المنتج للضرر –النتيجة الاجرامية- التعويض للمدعي بالحقوق المدنية.
حيث جاء في هذا المعنى لحكم ابتدائي صادر عن ابتدائية سلا في 8/8/1988 والمشار اليه سابقا انه :”… يجوز لكل من حصل له ضرر من جريمة أن يقدم شكواه بهذا الشأن ويقيم نفسه مدعيا بحقوق مدنية تلتزم الفاعل بتعويض الضرر الذي لحقه كان ماديا أو معنويا”
ان المسؤولية المدنية القائمة على التعويض لم تعد كافية لتحقيق الحماية اللازمة –لضحايا الأخطاء الطبية –، مما يبرر توقيع جزاء جنائي في حال ارتكاب الطبيب خطأ تسبب في حصول ضرر ولو كان يسيرا، حيث اعتبر بعض الفقه والقضاء بأن ذوي الاختصاص المهني والفني
كالأطباء، لا تقوم مسؤوليتهم الجنائية إلا اذا كان الخطأ الصادر عنهم جسيما، ويكون الخطأ جسيما متى كان عن جهل بالقواعد الأساسية والأصول الفنية المقررة في المجال الطبي والجراحي، فالطبيب أو الجراح يكون مسئولا جنائيا-مثل أي شخص آخر-عن كافة أخطائه كيفما كانت درجتها –جسيمة أو يسيرة- كلما تبت في حقه خطأ في أي صورة من صور الخطأ الجنائي غير العمدي (عدم التبصر ،عدم الاحتياط ،الاهمال …) ،تسبب في حدوث نتيجة ضارة بالمريض ، كالإصابة الخطأ ( ف 433 ق.ج) أو القتل الخطأ (ف 432 ق.ج) .
ب- الضرر الأدبي – المعنوي –
اذا كان الضرر المادي يصيب الشخص في حق أو مصلحة مالية ،فان الضرر الأدبي أو الضرر المعنوي هو كل تعد على الغير في شرفه أو حريته أو ناحية غير مالية او الحاق مفسدة غير حسية بالآخرين ،أو الضرر الذي يصيب الانسان في عواطفه وأحاسيسه ومشاعره ، أو الضرر الذي يسبب للإنسان ألما نفسيا وجسديا . ولقد كان الضرر الأدبي محل خلاف لدى الفقه التقليدي الفرنسي حول امكانية تعويضه ، وكان جانب آخر يرى بأن تعويض الضرر المعنوي لا يمكن السماح به إلا في بعض الحالات ،وجانب ثالث كان يدعو الى تعويضه مثل الضرر المادي ،إلا أن الفقه الحديث قد استقر على تعويضه .
ففي القانون الفرنسي مثلا وردت كلمة “ضرر” دون وصف مما جعل المحاكم تقصرها على الضرر المادي فحسب الى عهد قريب ،والقضاء الاداري الفرنسي( مجلس الدولة) لم يسمح بالتعويض عن الضرر الأدبي إلا في حكمه الصادر في 24/11/1961 ،وأغلب القوانين العربية تنص على مبدأ التعويض عن الضرر الأدبي ولكن في حدود متفاوتة ،وقانون الالتزامات والعقود المغربي نص على التعويض عن الضرر الادبي في المادتين 77 و78 . وإذا كان المشرع قد نص صراحة على التعويض عن الضرر الادبي في المجال التقصيري ،فانه تغافل عن ذلك في المجال التعاقدي ،إلا أن ذلك لا يعني استبعاده من حلقة الأضرار القابلة للتعويض حتى ولو كانت حالة هذا الضرر ناذرة جدا ومثاله أن يذيع الطبيب سرا متعلقا بالمريض أضر بسمعته
ويذهب البعض الى أن التعويض عن الضرر الأدبي هو نوع من العقوبة الخاصة استنادا الى أن الضرر الأدبي ضرر مفترض لا يقبل التقييم النقدي، وأنه لا يقبل الاصلاح. وقد قضت محكمة النقض بأنه :” لا يقصد بالتعويض الادبي وهو لا يمثل خسارة مالية محو هذا الضرر وإزالته من الوجود اذ هو نوع من الضرر لا يحمى ولا يزول بتعويض مادي ،وكان يقصد بالتعويض أن يستحدث المضرور لنفسه بديلا عما أصابه من الضرر الأدبي فالخسارة لا تزول ولكي يقوم إلى جانبها كسب يعوض عنها ، وليس هناك معيار لحصر أحوال التعويض الأدبي إذ أن كل ضرر يؤذي الإنسان فيمس شرفه وإعتباره أو يصيب عاطفته وإحساسه ومشاعره يصلح أن يكون محلا للتعويض فيندرج في ذالك العدوان على حق ثابث للمضرور
والأصل في التعويض عن الضرر الأدبي أنه شخصي مقصور على المضرور نفسه ولا ينتقل إلى غيره بالميراث أو العقد أو بغير ذالك من أسباب الإنتقال إلا إذا أصبحت مطالبة المضرور به محققة ، ولا يعطي القاضي تعويض لكل الورثة ولكن يقتصر تعويضه لمن أصابه ألم حقيقي بموت المصاب “
يثبت الضرر اللاحق به ، وتطبيقا لهذا المبدأ ورد في حيثيات قرار صادر عن المجلس الأعلى :” بأن تقدير وجود الضرر أو عدم وجوده يرجع أساسا إلى محكمة الموضوع تبعا لسلطتها التقديرية التي لاتخضع لرقابة المجلس الأعلى “
والفقه والقضاء ومعظم التقنينات المعاصرة تتفق على جواز التعويض عن الضرر المعنوي ، لأن هذا الضرر وإن كان لا يجبر بالتعويض فإنه على الأقل يساعد على تخفيف الألم عن المصاب ، وهذا ما ذهب إليه المشرع المغربي في الفصل 77 ق ل ع : ” كل فعل إرتكبه إنسان … فأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير ألزم مرتكبه بتعوض هذا الضرر “.
وجاء في قرار المجلس الأعلى : ” لكن حيث إن التعويض عن الضرر المعنوي على غرار التعويض عن التعويض المادي يجب أن يكون كاملا لا رمزيا ، وحيث أن قضاة الاستئناف عندما اقتصروا على منح درهم رمزي للطاعن على أساس ان التعويض عن الضرر المعنوي ليس الغاية منه النفع المادي يكونون قد خرقوا مقتضيات الفصل 77 ق.ل .ع وعرضوا قضاءهم للنقض ” وقد قضت محكمة النقض المصرية بأنه :” يجب على محكمة ٍ الموضوع أن تبين عناصر الضرر،وأن تناقش كل عنصر فيها على حدة حال قيامها بتبيان أوجه أحقية طالب التعويض به أو عدم أحقيته ،وعليه فان اغفال الحكم بيان ذلك،يؤذي الى اعتبار هذا الحكم معيبا ويعرضه للقصور ويتعين نقضه”
وعمليا فان الاجتهاد القضائي في المغرب يضيق من دائرة الأشخاص الذين يحق لهم المطالبة بالتعويض عن الضرر الأدبي ،ولقد نصت المادة 4 من الظهير الشريف رقم 1.84.177 الصادر في محرم 1405(2 اكتوبر 1984) المعتبر بمثابة قانون يتعلق بتعويض المصابين في حوادث تسببت فيها عربات ذات محرك في فقرتها الأولى على أنه :” اذا نتج عن الاصابة وفاة المصاب استحق من كانت تجب عليه نفقتهم وفقا لنظام مدونة الأسرة كذا كل شخص اخر كان يعوله تعويضا عما فقدوه من موارد عيشهم بسبب وفاته …
ولزوج المصاب المتوفى وأصوله وفروعه من الدرجة الأولى وحدهم الحق في التعويض عما أصابهم من ألم من جراء وفاته …”
على أن العبرة في تحقق الضرر المادي للشخص الذي يدعييه نتيجة لوفاة شخص أخر –أو عجزه عن الكسب – هو أن يثبت أن الضحية كان يعوله قبل وفاته ،فيقدر القاضي ما ضاع على المضرور من فرصة بفقد عائله، ويقضي له بتعويض مناسب على هذا الأساس . والقضاء مستقر على أن من يرتبط بالمصاب بعلاقة قرابة يحق له المطالبة بالتعويض عن الضرر المعنوي اذا كان المتوفى ينفق عليه بشرط أن يثبت درجة القرابة بمقتضى شهادة تحمل عائلي، أو وثيقة عدلية أن المتوفى كان ينفق عليه، وأن الاستمرار في الانفاق كان أكيدا لولا واقعة الوفاة
فالطبيب محاصر فقها وقانونا وقضاء بالتعويض عن الضرر للمريض، ولا يقف عند هذا الحد. فهو مطلوب وملاحق أيضا عن كل جريمة طبية على – ضحية خطأ طبي- يعتبر فيها عنصر الضرر، كافيا لتحقق المسؤولية الطبية في مواجهة المجني عليه أو المتضرر من “الفعل أو الامتناع” الصادر عن طبيب في منازعة ما.
وحيث أن ركن الضرر يخول للعارض أو المدعي اللجوء الى القضاء لإنصافه من أخطاء الطبيب، حسب منطوق المادة 2 قانون المسطرة الجنائية والتي نصت :”يترتب عن كل جريمة الحق في اقامة دعوى عمومية لتطبيق العقوبات والحق في اقامة دعوى مدنية للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي تسببت فيه”، فانه يجب الأخذ بعين الاعتبار قرينة البراءة التي نص عليها دستور فاتح يوليوز 2011 في الفصل 119 والذي جاء فيه :
“يعتبر كل مشتبه فيه أو متهم بارتكاب جريمة بريئا ، الى أن تثبت ادانته بمقرر قضائي مكتسب لقوة الشئ المقضي به”
هذا الفصل الذي واكب تنصيص المادة 1 من قانون المسطرة الجنائية 22.01 لسنة 2003 كأحد الحقوق المخولة للأفراد – الأطباء – في باب الضرر الذي تخلفت عنه نتيجة اجرامية اتجاه أشخاص دفعهم المرض الى طلب المساعدة من أطباء يلازمهم هاجس معادلة انجاد المريض واستشكال الخوف من المساءلة أمام القانون.
وعليه، فمقاضاة الطبيب عن جرائمه يتطلب شروطا محددة لقيامه، نرى مطارحتها في النقطة اللاحقة .
htmlspecialchars_decode(‘”‘) ثانيا : شروط الضرر الطبي وتقديره htmlspecialchars_decode(‘”‘)
لا يعتد بالضرر كسبب للتعويض المدني والعقوبة الجنائية الا اذا كان محققا، شخصيا ومباشرا.
أ- أن يكون الضرر محققا وحالا
مقتضى هذا الشرط أن الضرر يجب أن يكون قد وقع فعلا وهو ما يسمى بالضرر الحال dommage actuel ، وإذا كان الوضع المألوف في ميدان المسؤولية التقصيرية هو وقوع الضرر دفعة واحدة، إلا أن هناك بعض الحالات الأخرى التي يحصل فيها الضرر على مراحل متباعدة فيما بينها إلا ان سببها الحقيقي يكون قد نشأ مند البداية فلا تجوز المطالبة بالتعويض إلا إذا كان الضرر محقق الوقوع ، ولا يكون كذ لك إلا إذا كان قد وقع فعلا ، أو محقق الوقوع في المستقبل ،فإصابة شخص بعاهة أدت إلى قطع أحد أعضاء جسمه يحقق الضررين معا، ضرر حال واقع يتمثل في الألم وفقد العضو ، وضرر مستقبلي وهو العجز عن الكسب .
فيجب أن يكون الضرر حاصلا ومحسوما حصوله في المستقبل، فالضرر الحاصل هو” ضرر متيقين من وقوعه في الحال وفي المستقبل، كما أن تحققه يعتبر حتميا في حصوله حاضرا أو مستقبلا ومثال ذالك : موت مريض أو إصابته بعاهة دائمة وعجز كلي أو جزئي في جسمه ” بينما الضرر المحسوم حصوله مستقبلا، يتحقق سببه وتتداخل اثاره او جزء منها في المستقبل، الا أن وقوعه حتمي وتكون نتائجه معروفة، فيعوض المضرور عنه أو مضاعفاته غير معروفة فيعطى تعويض أولي للمريض، وتراقب حالته الصحية التي لا تعرف الاستقرار، وإنما تعرف تحولات تبعا لمؤثرات معينة .
وهو ما يستنتج معه أن الضرر الذي يلحق شخصا ما. منه ما يعتبر حكرا للمساءلة المدنية فقط، ومنه ما يكون محلا للمساءلة الجنائية متى إتخد ركن – النتيجة الإجرامية – عنصر عمل أو إمتناع – طبي – قابل لذالك أمام القضاء الزجري الجنحي أو الجنائي حسب جسامة – الضرر الطبي – في الجرائم الغير عمديا غالبا ، وكذا في الجرائم العمدية. وحيث أن الضرر المحقق لا يوجد خلاف في صحة وجوده أو فيمن وقع عليه مما يعني أنه – الضرر – لا يقبل الإفتراض، بل لا بد ان يكون حقيقة واقعة . كما يستفاد من نص الفصل 108 من القانون الجنائي المغربي والفصل 98 ق ل ع ، فإنه يخول – لضحية الخطأ الطبي – أن ينتصب طرفا مدعيا للمطالبة أمام القضاء بإنصافه مدنيا وجنائيا في نطاق دعوى التعويض عن المسؤولية المدنية، أو الدعوى العمومية أمام المحاكم الجنائية. فالأساس الذي يصلح لادعائه هو عدم افتراض الضرر بل حدوثه فعلا حتى يصلح للتقدير القضائي الموجب للمسؤولية الطبية، ما دام التوجه القضائي قد بدأ ينحو في اتجاه الاكتفاء بعنصر الضرر كشرط تتحدد على اثره المسؤولية.
ب- أن يكون الضرر شخصيا ومباشرا
هذان الشرطان تطلبهما التشريع الجنائي المغربي ،حيث نص الفصل 7 من ق م ج على أن الشخص الذي يرجع له الحق في المطالبة بالتعويض الناتج عن الجريمة هو “كل ما لحقه شخصيا ضرر ذاتي أو مادي أو معنوي تسببت فيه الجريمة مباشرة ”
كما نص الفصل 108 من القانون الجنائي المغربي على أن “التعويضات المدنية المحكوم بها يجب أن تحقق للمتضرر تعويضا كاملا عن الضرر الشخصي الحال المحقق الذي أصابه مباشرة من الجريمة” وتتمثل أهمية الضرر في أن حدوثه هو الشرارة الأولى الذي ينبعث منها التفكير في مساءلة من يتسبب فيه سواء كانت تلك المساءلة وفقا لقواعد المسؤولية الشخصية، أو وفقا لقواعد المسؤولية الموضوعية ،فالضرر بهذا المعنى هو الصورة الملموسة التي تظهر فيه نتائج كل من الخطأ العقدي والخطأ التقصيري ، وهذا يعني أن الخطأ اذا لم يترتب عنه ضرر فانه لا مجال لإعمال قواعد المسؤولية المدنية بنوعيها العقدية والتقصيرية – وهذا ما جعل بعض الفقهاء المعاصرين يعتبرونه الركن الأساسي والوحيد لقيام المسؤولية المدنية .
وسواء كان الضرر ماديا أو معنويا فانه يتعين فيه أن يكون شخصيا ، وهذا يعني أن المطالبة بالتعويض حق للمضرور وحده لارتباط ذلك بمصلحته ،اذ كما هو معلوم فان المصلحة هي مناط الدعوى، ولا يشترط في المضرور أن يكون شخصا طبيعيا، فهو قد يكون شخصا اعتباريا مع اشتراط المصلحة المشروعة. فالاتجاه الغالب في الفقه والقضاء، يذهب الى عدم منح الخليلة تعويضا عن فقدنها لخليلها، وذلك لأن مصلحتها غير مشروعة، وبالتالي فهي غير محمية قانونيا.واذا كانت الخليلة لا تستحق أي تعويض في التشريع المغربي، فان الأمر ليس كذلك بالنسبة للولد الطبيعي والابن المتبنى، حيث يحق لهما الاستفادة من الايراد المستحق للمصاب في اطار قانون الشغل (الفصلان 104و105) من ظهير (6/2/1963) المتعلق بحوادث الشغل .
ففي الضرر الناتج عن الخطأ التقصيري ،ينحصر التعويض في الشخص الذي أصابه مباشرة من جراء الفعل أو الخطأ المحدث للضرر، وهذا ما أشار اليه الفصل 98 ق ل ع بقوله :” الضرر في الجرائم وأشباه الجرائم هو الخسارة التي لحقت المدعى فعلا “،غير أنه ليس هناك ما يمنع من تمديد نطاق التعويض، ليشمل أشخاصا آخرين يرتبطون بالمصاب المباشر بمقتضى علاقة قانونية ،كالقرابة أو المصاهرة أو الالتزام بالنفقة على شخص معين ،وتمديد التعويض الى هؤلاء الأشخاص يندرج ضمن ما اصطلح عليه في مجال المسؤولية التقصيرية بالأضرار المرتدة .
وسواء كان الضرر ناتجا عن خطأ عقدي أو عن خطأ تقصيري وهذا ما يشير اليه الفصلان 77و264 ق ل ع المغربي ،فان الشخص المرتكب له يسأل عنه ما دام عنصر المباشرة سواء في المجال التعاقدي أو العمل غير المشروع – الضرر التقصيري – يعتبر شخصيا، اذا كان خطأ الفاعل – محدث الضرر- هو السبب الرئيسي والكافي لوقوعه ، حتى ولو تداخلت أسباب أخرى وساهمت في تحققه.
فالضرر الذي يلحق الضحية في الخطأ الطبي ماديا كان أو معنويا، متى اقترن بالنتيجة المباشرة في الضرر المباشر الذي يلحق شخصيا بالمضرور أو المجني عليه ، يكون محلا لمساءلة مدنية وجنائية لزجر مرتكبه. فالقضاء المقارن والوطني – المغربي- لا يعتد بالضرر كأساس للمطالبة بالحقوق المدنية والجنائية، إلا اذا كان شخصيا ومباشرا ومؤكدا. وفي هذا الشأن طرحت في فرنسا قضية مثيرة حيث “ادعت امرأة حامل أن الطبيب أخطأ عندما لم ينجح في عملية الاجهاض التي أجراها لها ، مما سبب لها ولادة غير مرغوب فيها معتبرة أن هذه الولادة شكلت ضررا لها، رد مجلس الدولة طلب السيدة لأن ولادة الطفل لا تشكل ضررا من الناحية المعنوية، لأن بإمكان المرأة أن تسلمه لمصلحة الخدمات الاجتماعية ولا يستثني من ذلك الا اذا كان ثمرة اغتصاب “
ومما يبدوا من القرار الأنف، أن الأمر يتعلق بإجهاض قانوني مشروع أحدث ضررا تخلفت نتيجته في سقوط الولد، واعتبر القضاء عدم قابليته –الضرر- للتعويض من الناحية الأدبية ما دامت الدولة قادرة على ضم واحتواء بعض الاعمال الغير المشروعة.
ويتضح جليا أن الضرر الذي يستحق التعويض عنه معنويا في القضاء المغربي، ومن ذلك ما جاء مثلا في قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بتاريخ 10 فبراير 1986 والذي ورد في حيثياته أن :” الأم أصبحت مضطرة بصفة مستمرة ملازمة طفلها والإشراف على جميع ضروريات حياته نتيجة عجزه الدائم على القيام بها بنفسه بسبب الأضرار الفادحة التي تعرض لها في حادثة سير وتراه يتعذب من جرائها وخابت منها الامال التي كانت تعلقها عليه خاصة وانها أرملة ،تستحق أن تعوض عن أضرارها المادية والمعنوية التي تعتبر نتيجة مباشرة للحادثة التي تعرض لها ابنها “
فالضرر المباشر الشخصي، يجعل الحق المطالب به أمام القضاء قائما وموجودا ومحققا وغير مفترضا، ويساءل بذلك الطبيب المحدث لضرر على جسم مريض نتيجة اهمال أو عدم تبصر أو عدم احتياط أو مخالفة للنظم والقواعد والقوانين، تتحدد فيه النتيجة الاجرامية في النطاق الجنائي للحسم بتوافر ركن الخطأ كشرط لقيام المسؤولية الجنائية للطبيب أمام المحاكم الجنائية، حتى تحكم هده الأخيرة بالاختصاص وقبول الدعوى لمجرد تواجد شرط الضرر الشخصي والمباشر، فالأضرار غير المباشرة بإجماع حاصل من الفقه والقضاء، لا يجوز التعويض عنها.
ثم ان القضاء المغربي اعتبر “أن المجني عليه هو الذي وقعت عليه أحداث الجريمة اما على شخصه أو حقوقه المعنوية أو ماله وهو وحده الذي يعتبر متضررا من الجريمة ،أما غير المجني عليه فلا يعتبر كذلك ،ولو لحقه ضرر مباشر منها.
واعتبر أن المعنية بالأمر التي تعرضت لجريمة الاغتصاب لها دون سواها الحق في طلب الحصول على تعويض، في حين أن زوجها لا صفة له في ذلك ،ولو كان الضرر الذي يدعيه مباشرا ” كما أن المجلس الاعلى قرر عدم قبول تدخل والد الضحية في جناية الاغتصاب، كما أنه نقض عدة قرارات لقبولها زوج الضحية في جريمة الاغتصاب طرفا مدنيا ،واعتبر بأن الزوجة التي تعرضت للاغتصاب هي وحدها التي لها الحق في المطالبة بالتعويض عن الضرر المترتب لها من الجريمة، وأن يرفع طلبه الى المحكمة الزجرية للمطالبة الذي يدعيه مباشرا أو غير مباشر في أن يرفع طلبه الى المحكمة الزجرية للمطالبة بالتعويض في حين نجد المجلس الأعلى في قرار آخر أقر قاعدة مفادها “أن للأبوين الحق في التعويض عن الضرر المعنوي الذي لحقها من جراء اغتصاب ابنتهما ” .
بل في قرار آخر القضاء المغربي (قضاء الموضوع) ” اعتبر أن سقوط الضحية تلقائيا بعد تخلصها من المتهم الذي حاول ارغامها على مرافقته وإصابتها بكسر في ساقها يجعل الضرر الحاصل لها غير ناتج مباشرة عن الجريمة ولا يبرر منحها تعويض عن الضرر ” .
وإعمالا لهاته الأحكام – سواء ما يتعلق بقضاء الموضوع أو محكمة القانون – وقياسا لتبريراتها، فلا يسوغ لأي متضرر أو مجني عليه المطالبة بالتعويض عن الضرر المدني – المادي والأدبي – الا اذا كان موضوعا لذلك بصفته وشخصه، أما ما عدا هذا الشرط القضائي فلا يعتد به . وهو ما تفنده اجتهادات المجلس الأعلى ما دام منطوق النصوص التشريعية يلزم القضاء العمل بما أوجبه القانون في نطاق المساطر الشكلية والموضوعية الموجبة لادعاء المطالب بالحق المدني على وجه التحديد في الضرر الطبي، والوسيلة أساس المادة 2 ق م ج التي نصت :” يترتب على كل جريمة الحق في اقامة دعوى عمومية لتطبيق العقوبات ودعوى مدنية للمطالبة بالتعويض عن الضرر “.
وهو ما تزكيه القضايا المرفوعة لمحاكم المملكة في هذا الشأن إن على الصعيد المدني طبقا لأحكام المسؤولية المدنية، او خضوعا لنصوص المسؤولية الجنائية في الخطأ الطبي عن الاعمال الطبية غير المشروعة.
وعموما ،فرغم كون الضرر محققا وحالا ،شخصيا ومباشرا ،فان تقديره يثير عدة صعوبات في المجال الطبي فكيف ذلك؟
ج- تقدير الضرر الطبي قضائيا
يثير تقدير الضرر في الشأن الطبي عدة إشكالات في العمل القضائي ، إذ يتعين اخذ حالة المريض السابقة بعين الإعتبار لتقدير الضرر الحقيقي الذي يستحق عنه وحده التعويض و الأمر ينحصر هنا في ” تحديد الضرر الحقيقي أو الموضوعي ،بالنظر إلى العجز الذي كان متوقعا منذ البداية وليس تقرير مدى الحدود التي ساهم فيها ذلك العجز السابق أو تهيء المريض في وقوع الضرر النهائي” و يراعى في تقدير التعويض ما لحق الدائن من خسارة و مافاته من كسب سواء وقع الضرر على المال أو على الجسم ، فقد قضت محكمة النقض المصرية بأن : ” المادة 221 /1 من القانون المدني قد نصت على أنه ويشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب …ويدخل في الكسب الفائت ما يأمل المضرور في الحصول عليه من كسب متى كان لهذا الأمل أسباب مقبولة ، ذلك أن فرصة تحقيق الكسب أمر محتمل إلا أن فواتها أمر محقق شريطة أن يكون لهذا الأمل أسباب مقبولة ، وكان أمل الأبوين فيرعاية الولد لهما وانتفاعا بإحسانه إليهما أمرا قد جبلت عليه النفس البشرية منذ ولادته حيا دون إنتظار بلوغه سنا معينا ، كما أضافت المحكمة : ان القانون لم يشترط سنا معينا لإبن المتوفى في حادث للحكم للوالدين بتعويض مادي عن فوات فرص أملهما في رعايته لهما في شيخوختهما شريطة أن يكون لهذا الأمل أسباب مقبولة ” .
فالأمر يتعلق بتفويت فرصة لحقت المضرور في خطأ الطبي نتيجة لفعل التعدي الذي لحقه، إذ يتعين هنا على المضرور أن يقدم الدليل على ضياع الفرصة ، فتفويت الفرص قد يكون بمثابة ضرر حال، وقد يكون مجرد أمل في الحصول أو الإستفادة من أمر مستقبلي ، وهذا الأخير لا يكون محلا للإدعاء المدني أو الإدعاء الجنائي إلا إذا كان هنا ما يؤكد حصول هذا الضرر في المستقبل، وثبت أن له إرتباطا وثيقا ومباشرا بالفعل، و ان يكون الأمل في الإستفادة ما يبرره. وقد قضت محكمة النقص المصرية أيضا : ” مناط التعويض عن الضرر المادي الناشئ عن تفويت الفرصة أن تكون هذه الفرصة قائمة و أن يكون الأمل في الإفادة منها له ما يبرره ”
و القضاء الفرنسي قضى بالتعويض من أجل تفويت فرصة البقاء على قيد الحياة، في قضية معروفة باسم ألبيرتين سارزان ،وأكد قضاؤه لاحقا بتاريخ 27 يناير 1970 حيث صرحت محكمة النقض ” بتحقق الضرر لمجرد ضياع فرصة كانت موجودة”.
فضياع الفرصة في حد ذاته يشكل ضررا يلزم التعويض عنه ، ومن ثم يمكن القول بأن الإجتهاد القضائي الفرنسي في فرنسا مضى نحو إقرار التعويض عن فوات فرصة في نطاق المسؤولية الطبية . ويتم التعويض عن الضرر بقيمته وقت الحكم، وليس وقت حدوث الضرر. فالعبرة في تقدير قيمة الضرر، هو قيمته وقت الحكم بالتعويض وليس بقيمتة وقت وقوعه. و السند في ذلك أن المسؤول عن الخطأ يلتزم بجبره وقت الحكم ، فحق المضرور في التعويض عن الضرر الذي لحقه حسبما يتطور ويتفاقم ، أما إذا كان مبلغ التعويض متففا عليه في العقد بين الطبيب والمريض ، فقد قضت محكمة النقض المصرية أيضا ” من المقرر عملا بنص المادة 225 من القانون المدني أنه إذا جاوز الضرر قيمة التعويض الإتفاقي فلايجوز لدائن أن يطالب بأكثر من هذه القيمة، إلا إذا أثبت أن المدين قد إرتكب غشا أو خطأ جسيما كما قضت أيضا :” الأصل يجب أن يكون التعويض مساويا قيمة الضرر المباشر فلا ينقص لاعنه ولا يزيد .كما أن القاضي يلجأ إلى التعويض بطريقة شاملة جزافية بحيث تعوض كل الأضرار و الإمكانيات التي فقدها المضرور ، لا فرق بين الضرر الأدبي و الضرر المادي ” وفي طعن أخر قضت : ” مفاذ نصوص المواد 163 و170و 221 من القانون المدني ان الضرر ركن من أركان المسؤولية وثبوته شرط لازم لقيامها و القضاء تبعا لذلك ، يستوجب في إيجاب التعويض عن الضرر أن يكون هذا الضرر ماديا أو أدبيا ، ولايقصد بالتعويض عن الضرر الأدبي – وهو لا يمثل خسارة مالية – محو هذا الضرر من الوجود إذ هو نوع من الضرر لايمحى ولايزول بتعويض مادي ، ولكن يقصد بالتعويض ان يستحدث المضرور لنفسه بديلا عما أصابه من الضرر الأدبي ، فالخسارة لاتزول لكن يقوم على جانبها كسب يعوض عنها ، وليس هناك من معيار لحصر أحوال التعويض عن الضرر الأدبي ، إذ كل ضرر يؤدي الإنسان في شرفه و اعتباره أو يصيب عاطفته وإحساسه و مشاعره يصلح أن يكون محلا لتعويض فيندرج في ذلك العدوان على حق ثابت للمضرور … مادام من شأنه أن يحدث لصاحب هذا الحق حزنا وغما و اسى وهذا هو الضرر الأدبي الذي يسوغ التعويض عنه “
فحتى في مجال صناعة الدواء ، ففي حالة تحقق الضرر من إستعمال هذا الأخير، وصعوبة إثباث الخطأ المحدث في جانب الصانع من قبل المضرور، يميل القضاء إلى إعفاء الصانع من المسؤولية ، بحجة أن الصانع لايلتزم بعدم الضرر المطلق للداوء في كل حالات الإستعمال ، والقانون لا يفرض عليه التزاما بمنع أضرار الدواء في كل حالة الإستعمال ، فقد ذهبت محكمة إستئناف باريس في قرارها الصادر تاريخ 15 دجنبر 1983 و الذي أيدته محكمة النقض الدائرة المدنية في 8 أبريل 1986 إلى عدم مساءلة صانعي الدوائين ( cordaron – paxid ) المستعملين في علاج المريض ، وذلك على اساس عدم نسبة خطأ محدد في جانب صانعي الدوائين ،وقد قرر القرار أن مصدر الضرر يرجع إلى الجمع بين المنتجين معا و مضاعفة الجرعة اليومية ، كما أن إستعمال كل من الدوائين منفردا يعطي نتائج علاجية ممتازة كما أتبث ذلك خبراء الدعوى أيضا ، وقد جاء في هذا القرار مايأتي :
S’il put sinsi etre tenu pour acqis que c’est l’emploi conjoint de ces deux produits ..qui a’l’origine des dits troubles,cette association qui a eu notamment pour effet de doubler les dosses quotidiennes,n est rien imputable à la société des laboratoires labaz ou à la société marelle-taroude qui ne peut sauraient en porter la resonsabilité puisqu elle entre dans le cadre de la thérapeuthique et résulte des perscriptions faites par les docteurs »
والضرر مسألة موضوع يختص بتقديره القضاء و يجب على المضرور إثباته سواء كان ماديا أو أدبيا ، و تكيف الأفعال بكونها تشكل ضررا أو لا، يخضع للشروط التي إستلزمها القانون من حيث كونها ضررا حالا أو مجرد ضرر محتمل ومن حيث وقوعه على حق أومصلحة مشروعة للمضرور ، ولذلك فإن تكييف قاضي الموضوع بشأنها خاضع لرقابة المجلس الأعلى، و يتوجب عليه أن يبين في حكمه عناصر الضرر .
ويبدو من هذا الإتجاه القضائي ميله إلى إعفاء الصانع من المسؤولية في حالة نسبة الضرر إلى إستعمال الأدوية في العلاج ، وذلك عند عدم إثبات الخطأ المحدد لكل دواء أستعمل في العلاج ، ومن ثم يطالب المضرور بإثبات الخطأ المحدد في جانب كل دواء إستعمل في العلاج ، ويبدو لنا أن هذا المطلب يستحيل على المضرور إثباته في أمور الدواء كما تبقى مسألة أخرى غاية في الأهمية تثير العديد من المشاكل القانونية خصوصا عندما تتزاحم أسباب متسلسلة من الأضرار المباشرة وغير المباشرة ، الأمر الذي يفرض علينا نوعية الأضرار القابلة للتعويض و العقوبة الجنائية من منظور القضاء للعلاقة السببية كركن آخر في المسؤولية الطبية، يلزم توافره بين العنصرين السابقين “الخطأ و الضرر”(الفقرة الثانية)
الفقرة الثانية: العلاقة السببية بين الخطأ والضرر في المجال الطبي
لم يتعرض المشرع المغربي شأنه شأن أغلب التشريعات لمسألة العلاقة السببية، إلا أن الرأي الغالب في الفقه درج على بحثها ضمن عناصر الركن المادي للجريمة باعتبارها الرابطة التي تجمع بين طرفيه، النشاط والنتيجة، حيث تشكل عنصرا ذا كيان مستقل في جرائم النتيجة بدليل أنه يتعين على حكم الإدانة إقامة الدليل عليها تحت طائلة النقض . فلايمكن القول بمسائلة الطبيب جنائيا إلا إذا توفرت علاقة سببية بين خطأ الطبيب والضرر، فعلاقة السببية هي الرابطة التي تربط بين الفعل والنتيجة، والتي من شأنها إثبات أن ارتكاب الفعل هو الذي أدى إلى حدوث النتيجة، وعليه فإن انتفاء العلاقة السببية يؤدي إلى انتفاء المسؤولية عنها .
فالرابطة السببية هي التي تجعل “الخطأ علة الضرر وسبب وقوعه” كما أنها تعد عنصرا في الركن المادي من اللازم توافرها في كل الجرائم، إلا أنها تثير من المشكلات في جرائم الإعتداء على الحياة وسلامة الجسم ما لا تثيره في غيرها من الجرائم، ذلك أن نتيجة السلوك في هذه الجرائم يمكن أن تتداخل عوامل أخرى في إحداثها، بحيث يثور الشك في مدى نسبة النتيجة إلى السلوك، فيثور البحث حول توافر رابطة السببية بين فعل الجاني والنتيجة الإجرامية، ويختلف الفقهاء وتتعدد النظريات ويرتبك القضاء ويقصر التشريع، عن توضيح معنى وجود علاقة السببية بين الخطأ والضرر في الجريمة.
لذلك يتعين علينا أن نعرض لمفهوم العلاقة السببية ومعاييرها حسب النظرياة التي تناولتها (النقطة الأولى) على أن نبين خصائص هذا الركن الأساسي في الجريمة –العلاقة السببية- بين ضرورة عنصر المباشرة والثبوت المحقق، حتى يجوز إسناد المسؤولية للمسؤول عن الضرر حسب موقف التشريع والقضاء (النقطة الثانية).
htmlspecialchars_decode(‘”‘) أولا: مفهوم ومعايير العلاقة السببية في الجريمة الطبية htmlspecialchars_decode(‘”‘)
أ- مفهوم العلاقة السببية
يرى جانب من الفقه أن تحديد معنى علاقة السببية من أدق المسائل التي تثيرها دراسة المسؤولية، وترجع دقة هذا الموضوع إلى أمرين:
– أنه ينذر أن ينفرد الخطأ بإحداث الضرر، بل الغالب أن يكون الخطأ أحد العوامل المتعددة التي ساهمت في وقوع هذا الضرر.
– إن الخطأ قد يؤدي إلى سلسلة من الأضرار يتعاقب واحد بعد الآخر فهل السببية لكل ضرر منها، أم تتحقق المسؤولية عنها جميعا مهما بعدت صلتها بالضرر.
وبالرغم من أن الإجماع حاصل على أن تحديد معنى علاقة السببية يصطدم بصعوبات وعراقيل، فإن بعض الفقه حاول تحديد مفهوم العلاقة السببية، فنجد المرحوم عبد الرزاق السنهوري يرى أن علاقة السببية معناها أن توجد علاقة مباشرة ما بين الخطأ الذي ارتكبه المسؤول والضرر الذي أصاب المضرور . فعلاقة السببية هي التي تسمح بإسناد النتيجة الإجرامية إلى الفعل الصادر عن الجاني، فتقوم بذلك مسؤوليته الجنائية، فهي بذلك عنصر لازم لتمام الركن المادي من جهة، وشرط أساسي من شروط المسؤولية الجنائية من ناحية .
ولعل السبب في تحديد معنى ومدلول للعلاقة السببية يرجع إلى تداخل الأسباب في إحداث الضرر، وبالتالي يصعب تحديد مسؤولية الجاني عن أفعاله في هذه الحالات،هل يتابع بالنتيجة ككل؟ أم يؤاخذ بالجرح الخفيف الذي أحدثه وتوزع المسؤولية. وبالتالي يتعذر تعيين ما يعتبر سببا حقيقيا لهذا الضرر؟
قد توسع الفقهاء المسلمون في دراسة المسائل الفقهية التي تتعلق بالرابطة السببية بين الخطأ والضرر، وقالوا بأن الضرر إما أن يحصل بالمباشرة أو عن طريق التسبب، وقد مثلوا للوضع الأول بالأضرار التي تتولد مباشرة عن فعل التعدي كالإتلاف والضرب والإحراق، بينما مثلوا للوضع الثاني بمن قطع حبل قنديل معلق فتكسر بسبب سقوطه أو كمن كسر قفصا به طير فتسبب في هروبه، وبالتالي إتلاف كل من الحبل وكسر القفص تم عن طريق المباشرة، أما بانكسار القفص وهروب الطير فقد تم عن طريق التسبب، ولا خلاف بين فقهاء المسلمين في وجوب ضمان الأضرار التي تحصل عن طريق المباشرة لا فرق في ذلك بين العمد والخطأ ويجمع الفقه على أن العبرة بالسبب المباشر، بمعنى أنه لا يكفي لقيام المسؤولية المدنية حصول ضرر لشخص ووقوع خطأ من شخص آخر، بل لابد من أن يكون هذا الخطأ هو السبب المباشر في حدوث الضرر، وإلا انعدمت المسؤولية المدنية ومثال ذلك، المثل الشهير الذي ساقه الفقيه بوتيه pothier لتوضيح علاقة السببية، وللتمييز بين ما يعتبر ضررا مباشرا وما لا يعتبر كذلك، والمتعلق بالفلاح الذي اشترى مواش مصابة بمرض معدي أدى إلى إصابة باقي المواشي، مما منعه من القيام بحرث أرضه، وبالتالي من القيام بوفاء ديونه، حيث اضطر الدائن للقيام بحجز أراضيه وبيعها بتمن تافه لسداد ما عليه من ديون، فهل يسأل البائع صاحب البقرة عن جميع هذه الأضرار المتعاقبة .
وفي هذا الإطار قضت محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 9 دجنبر 1979 بأن: ” موت الجنين في مرحلة الولادة بسبب تهتك الرحم وليس بسبب الألم المخاض، لا يدين الطبيب ولا القابلة، لأن إهمالهما لم يكن السبب في حصول هذا التّهتك” .
كما جاء في قرار المجلس الأعلى عدد 1167 بتاريخ 4 ماي 1977: ” إذا اقتصر الحكم في حيثياته المتعلقة بالدعوى العمومية على تعليل وجه إقتناع المحكمة بحضور المحكوم عليه واقعة المضاربة والمشاركة فيها، دون أن يبرز ثبوت العلاقة السببية التي هي عنصر من عناصر الضرب والجرح المؤديين إلى الموت، وأن الضرب الواقع على المجني عليه كان هو السبب المباشر في موته، يكون القرار ناقص التعليل ومنعدم الاساس القانوني ويتعين نقضه”.
وحتى نستبين بوضوح الاشكالات القانونية المترتبة عن العلاقة السببية مع تزاحم الاسباب المؤدية الى حصول النتيجة في الجريمة بوجه عام – الجريمة الطبية بوجه خاص- نرى الوقوف على النظريات التي حاولت خلق معيار محدد لحل هاته الاشكالية في النقطة الثانية.
ب- معايير العلاقة السببية في الجريمة الطبية
يمكن تصنيف الاتجاهات الفقهية السائدة التي قامت بدراسة السببية في حال تعددها الى ثلاث اتجاهات رئيسية: اتجاه السبيية المباشرة، واتجاه السببية الملائمة ثم اتجاه تعدد الأسباب.
1- اتجاه السببية الملائمة
ومؤدى هذه النظرية أن الشخص الجاني لا يكون مسؤولا عن النتيجة إلا إذا كان نشاطه هو السبب القوي أو الأساسي الذي أدى إلى حصول النتيجة ويتصل بها اتصالا مباشرا . وإذا حصل وتداخلت عوامل أخرى كخطأ الطبيب المعالج، أو مرض سابق أو اصطدام سيارة الإسعاف التي تنقل المصاب الى المستشفى، فلا يسـأل الفاعل عن النتيجة النهائية – الوفاة مثلا- وإنما يسأل فقط عن النتيجة المترتبة عن فعله مباشرة، كالجرح البسيط أو العاهة الدائمة . وما قيل عن هذه النظرية (السببية المباشرة أو نظرية السبب الأقوى أو المهيمن) ينطبق كذلك على الميدان المدني، إذ الأخذ بها سيجعل المدعى عليه مدنيا في وضعية مريحة، لأن أي سبب مهما تفه دوره – في احداث النتيجة – فإنه لابد رافع عنه المسؤولية المدنية ولو جزئيا ، فنستخلص من هذه النظرية أنه إذا حصلت عدة عوامل بين الفعل الاجرامي والنتيجة وأثرت في حدوثها، فإن الجاني لن يكون مسؤولا عنها لإنقطاع رابطة السببية بين نشاطه والنتيجة التي حصلت، وإنطلاقا من هذا المنظور نلاحظ أن النظرية تتميز بخاصة وهي المحافظة على مصالح المتهم الذي يبقى مسؤولا في حدود الفعل الذي قام به .
وهذا الاتجاه كما يتضح يؤدي اعماله إلى التضييق من نطاق المسؤولية الجنائية، فهو يراعي أكثر مصلحة المتهم، مما قد يؤدي إلى إفلات الجاني من المسؤولية كلما تداخلت الى جانب الفعل الصادر عنه أفعال أو ” عوامل” أخرى أجنبية ولو بصورة مألوفة، أو ساهمت بقسط يسير في احداث النتيجة .
هذا وإذا كانت المحاكم تتأرجح بين الأخذ بالنظرية أحيانا وتجاهلها أحيانا أخرى، حيث جاء في قرار المجلس الأعلى بأنه عندما صرحت المحكمة: ” بأن الظنين صدم الضحية وأصابها بجروح بليغة ماتت من جراء الصدمة في نفس اليوم بالمستشفى إثر عملية جراحية أجريت لها بدون جدوى، وأن الضحية ماتت من جراء الصدمة بسبب عدم تبصر المتهم أو عدم احتياطه ومخالفته للنظم والقوانين، وأن هذا الفعل الثابت في حقه يكون جريمة القتل بغير عمد، لم يكن عليها مع اقتناعها الصميم بأن السبب المباشر لوفاة الضحية هو الصدمة التي أصيبت بها، أن تأمر بتعيين خبير لتحديد السبب المباشر للوفاة” .
فإن الفقه يرى بحق أن رابطة السببية التي ينبغي لقيام الركن المادي للجريمة عموما لا يلزم فيها أن تكون مباشرة .
2- اتجاه السببية الملائمة أو السببية المنتجة
حسب هذه النظرية لا يعتبر سببا إلا العامل الذي من شأنه أن يؤدي عادة الى حصول النتيجة، أما الاسباب العارضة، فإنها لا تعتبر سببا من الناحية القانونية، ومن تم فإن مرض المجني عليه السابق على النشاط المجرم سبب عارض لا ينفي رابطة السببية بين النشاط الاجرامي والنتيجة ، أي يعد نشاط الجاني سببا للنتيجة إذا كان من المحتمل أن يؤدي إليها تبعا للمألوف من تسلسل الحوادث في الحياة العامة، وتطبيقا لذلك يعد فعل الجاني سببا ملائما للوفاة بالقتل مثلا، كلما توفرت فيه – وفقا للمجرى العادي والمألوف للأمور- الامكانيات الموضوعية أو القدرة الذاتية لتحقيق هذه النتيجة، أما إذا تدخل في مجرى الحوادث عامل شاذ غير مألوف ولا متوقع في حصول النتيجة، فإنه يقطع علاقة السببية بينه وبين الفعل الصادر عن الفاعل، كما لو كان موت المصاب بجروح مثلا نتيجة احتراق المستشفى الذي نقل إليه ، أو إذا تداخلت عوامل وأسباب ليست عادية – أي شاذة- في حصول النتيجة – كتدخل خاطئ من الطبيب بلغ حدا من الجسامة جعله بمثابة تدخل من شخص غير طبيب، أو خطأ في وضع الكمية من المخذر، أو عملية في نقل الدم … وهو ما نجد له تطبيقا في القضاء الفرنسي، حيث قضت محكمة باريس في 26 أبريل 1945 بما يلي : ” إذا ما توفي المجروح نتيجة اصابته بمرض التّيتانوس، فإن عدم ملاحظة الطبيب المعالج لأوامر جراح المستشفى الى جميع الموظفين الذين يعملون بها، والتي تقضي بوجوب اعطاء حقنة مصل التيتانوس لجميع الجرحى لا يكفي لقبول دعوى المسؤولية ضده، إلا إذا أثبت أن عدم إعطاء حقنة المصل في تلك الحالة كان مخالفا للقواعد الفنية الطبية والأصول العلمية المتفق عليها، كما أن عدم اعطاء الحقنة كان سببا في وفاة المصاب. وبناء عليه إذا ما اتضح لتقرير الخبراء أن هذه الحالة لم تكن خاصة بجرح كبير عميق متسخ، لكنها كانت حالة جرح سطحي بسيط، وبطبيعته إذا ما برر إعطاء حقنة المصل فإنه لا يفرضها بصورة وجوبية حتمية، كما أنه لا يمكن إثبات أن الحقنة الوقائية كان من شأنها منع تطور المرض بسبب خطورة التيتانوس الذي أصيب به المريض وأدى الى وفاته، لأن الدليل على توافر علاقة السببية بين عدم إعطاء الحقنة والوفاة يكون غير قائم”، فما لم تتحقق العلاقة السببية بين النشاط الإجرامي والنتيجة لا يمكن أن ينسب لمرتكب الفعل المحظور – الطبيب – أي تهمة.
وللإشارة فالقانون المغربي لم يتعرض للحل الواجب اتباعه عندما تتضافر عدة عوامل في احداث النتيجة الإجرامية ليبقى القول للقضاء، وكلمة الفصل في تحديد العلاقة السببية بين نشاط الجاني والنتيجة على ضوء ملابسات كل قضية على حدة.
3- اتجاه تعادل أو تكافئ الأسباب
لقد قال بها لأول مرة الفقيه الألماني von buri في نهاية القرن 19، وهذه النظرية بكونها تعطي نفس الأهمية من الناحية القانونية لكل العوامل أو الأسباب التي ساهمت في احداث النتيجة . بمعنى أن كل من يأتي نشاطا يكون من جملة الأسباب والعوامل التي أسهمت في حدوث النتيجة، إلا ويكون مسؤولا مسؤولية جنائية كاملة عن النتيجة . فيكون بحسب هذه النظرية إذن أن الذي يأتي نشاطا أيا كان، مسؤول من الناحية المدنية والجنائية على السواء إذا كان هذا النشاط فقط أحد الأسباب التي أدت الى حصول النتيجة، حتى ولو ساهمت معه أسباب أو -عوامل- شاذة أجنبية عنه، ولها دور قوي ومؤكد في إحداث تلك النتيجة، كأن يصرع شخص آخر فيلقيه أرضا، فيأتي ثالث ويذبحه، حيث يكون الذي صرع الضحية حسب هذه النظرية، ارتكب بدوره القتل، لأنه لو لم يصرعه ويلقيه أرضا لما عجز عن الدفاع عن نفسه، ولما تمكن القاتل من قتله بالذبح، فقد قضى القضاء بخصوص هذه النظرية في حادثة قضائية أقام عليها الفقه نظريته، تتلخص وقائعها في أن : ” شخصا دخل الى مسرح، وقام بتسليم معطفه الذي يحتوي على مسدسه الى الحارس المكلف بحراسة الملابس، وحدث أثناء تعليقه على المشجب أن وقع المعطف على الأرض، فسقط منه المسدس الذي انقض عليه أحد الخدم وقتل به خادما آخر لعداوة سابقة بينهما، ولما أحيل صاحب المسدس على القضاء اعتبره شريكا في الجريمة بحجة أن هناك اهمالا منه في التحرز على مسك السلاح وحراسته له، الشئ الذي سهل على الخادم ارتكاب الجريمة، ولذلك فإن هذا الإهمال من صاحب السلاح والفعل الذي قام به الغير(الخادم) يعتبران سببان متكافئان، إذ بدون أحدهما لن يقع الآخر، لولا المسدس الذي نفذ به القتل لما وقع هذا الأخير”.
وتعتبر هذه النظرية أساس كل النظريات الأخرى التي جاءت بعدها ، وقد أخذ القضاء – في مصر وفرنسا والمغرب- بنظرية تعدد الأسباب، فالى عهد قريب اعتبر القضاء الفرنسي أسباب جميع العوامل التي أدى اشتراكها الى وقوع الضرر، وتعد كلها متعادلة من حيث التسبب من حيث وقوعه، ويتبنى القضاء المغربي بدوره في بعض الأحيان حلولا مستوحاة مما توصل إليه أنصار نظرية تعدد الأسباب .
ج- خصائص العلاقة السببية حسب التشريع والقضاء الجنائي
1- ضرورة أن تكون علاقة السببية مباشرة
يقصد بعلاقة السببية المباشرة، أن يكون الضرر الذي وقع بالضحية نتيجة مباشرة لخطأ المسؤول عن الضرر، والضرر المباشر هو ما كان باستطاعة المضرور أن يتوخاه ببذل جهد معقول .
فالمشرع المغربي من خلال الفصلين 77 و78 من ق.ل.ع المغربي، والمادتين 97، 98 من قانون الالتزامات والعقود الموريتاني، تعلق مسؤولية المخطئ بتعويض الضرر على كون الخطأ هو السبب المباشر في الضرر ، ونفس الشيء أكدته المادة 1151 من القانون المدني الفرنسي، أن تكون الأضرار والفوائد نتيجة فورية أو مباشرة لعدم تنفيذ الاتفاق المبرم بين المتعاقدين، وهذا ما أكده المشرع المصري من خلال المادة 221 من القانون المدني ، أما القانون الإيطالي، ينص في المادة 41 منه على أنه: ” إذا تعاونت في إحداث الجريمة أسباب سابقة أو معاصرة أو لاحقة ولو كانت مستقلة عن سلوك المجرم، فإن هذا لا يمنع من قيام صلة السببية بين فعله أو امتناعه، وبين الحادث الإجرامي، ولكن الاسباب اللاحقة تمنع هذه الصلة إذا كانت كافية بذاتها لاحداث هذا الحدث. وعند ذلك لا يعاقب المجرم عن فلعه أو امتناعه إذا كون في ذاته جريمة، ومما يبدوا في الفقرة الأولى من النص أنه يستبعد نظرية السببية المباشرة. وفي الفقرة الثانية أنه يميل الى الأخذ بالسببية الكافية أو الملائمة، وفي نفس الاتجاه ذهب موقف القانون السوري في المادة 203 من قانون الجزاء، في حين المشرع الكويتي لم يأخذ بنظرية واحدة من هذه النظريات، وإنما أورد المادة 157 من قانون الجزاء عدة حالات، وفي كل حالة أخذ بمعيار مختلف .
فإذا عدّ هذا موقف التشريع المتذبذب بين إعمال السببية تارة وتجاوزها أخرى، فإن الموقف القضائي يميل إلى تبني نفس الرأي، وهو ما ينطبق على القضاء المقارن، والقضاء المغربي على حد سواء، ما دام كلا القضاءين- المغربي والمقارن- لم يتبنيا معيارا واحدا للعلاقة السببية، ولكن سنركز على الاحكام التي تطلبت عنصر السببية المباشرة في نطاق الاعمال الطبية الجنائية على وجه الخصوص، دون أن يمنعنا ذلك من الاستئناس بالمادة المدنية، وحتى القضايا الوثيقة الصلة بهذا الموضوع، وهي كالآتي:
حيث جاء في قرار المحكمة الادارية بمكناس أنه: ” حيث إن المحكمة تبعا بما لها من سلطة تقديرية في تقييم الحجج الطبية المدلى بها، واستنادا الى تقرير الخبرة المذكورة، فإن السببية تثبت أيضا أن الضرر الذي أصاب المدعي والخطأ المصلحي المتمثل في عدم الاحتياط باعطاء أدوية بصورة متوالية بواسطة القشرانية دون إجراء الفحوص الضرورية والتأكد من البنية الجسمية للمعني بالأمر، وتأثير الدواء عليها. أي أن الخطأ المرفقي هو السبب المباشر للضرر، مما يتعين معه القول بأن الدولة مسؤولة عن الاصابات اللاحقة بالمدعي مسؤولية إدارية كاملة عملا بمقتضيات الفصل 79 من ق.ل.ع في شقه الثاني” .
وفي قرار آخر صادر عن محكمة الاستئناف جاء فيه أنه: ” يجب على المحكمة أن تبرز العلاقة السببية بين الفعل المادي والنتيجة التي هي الوفاة، ومن تم فإن معرفة سببها في حالة الشك هي من الأمور التقنية التي يعود لذوي الاختصاص أمر البث فيها” .
وفي قرار صادر عن المجلس الأعلى ( ملف إداري)، بتاريخ 13 يوليوز 1973، والذي جاء فيه: ” … وحيث إن الحكم المطعون فيه، طبقا لما جاء في الوسيلة المحتج بها، لم يبين العلاقة السببية بين الخطأ المدعى إرتكابه من طرف موظفي الصحة، وبين الموت المدعى ترتبه على إثر الحقن الذي عولج به الطفل، وأن الاستناد إلى مجرد شهادة د.ك … المشتبه لكون الانتفاخ الذي أصيب به الطفل كان نتيجة الحقن التي عولج بها ،لا يمكن أن يبرر العلاقة السببية الواجب توافرها بين الخطأ المدعى ارتكابه والموت الناتج عنه ،مما يجعل الحكم غير مرتكز على أساس قانوني …”
وكما جاء في الحكم المدني الصادر عن استئنافية مراكش القاضي بتأييد الحكم الابتدائي القاضي برفض التعويض لانعدام العلاقة السببية بين فعل الطبيب والضرر الحاصل للمدعية معللا ذلك بما يلي :” حيث أنه في النازلة فان المدعية تمسكت بأن الدواء الذي أعطاه لها الطبيب والحقنة التي حقنها بها هما السبب المباشر الذي أدى الى فقدان عينها اليمنى ، لكن حيث أفادت الخبرة المأمور بها من طرف قضاة الدرجة الأولى أنه لا يمكن للحقنة و لا للدواء المستعمل أن يؤديا الى ضياع العين اليمنى ، وإنما المرض هو من كان وراء ضياع العين ،وحيث انه بناء عليه فانه لا يوجد بين وثائق الملف ما يثبت وجود خطأ ما من جانب المستأنف عليه – الظنين – خاصة أنه فعل ما كان في وسعه لمعالجتها ،ولما استعصى عليه الامر بعتها الى طبيب أخصائي أخر وهو استاذ جامعي مختص في أمراض العيون، وهذا ما يثبث انه قام بواجبه على أحسن وجه ، ولذا وجب تأييد الحكم الابتدائي “.
كما جاء في الحكم المدني الصادر عن استئنافية فاس بتاريخ 2/2/1981 ما يلي :” وحيث أنه بانتفاء عنصر الخطأ عن المستأنف عليه- وهو طبيب مولد- وبالتالي انتفاء العلاقة السببية بين هذا الخطأ ووفاة الضحية، تكون طلبات المستأنف غير مؤسسة على سند من القانون، الشئ الذي يكون معه الحكم المستأنف القاضي برفضها في محله ويتعين تأييده” .
وفي قرار محكمة الاستئناف بمراكش تظهر العلاقة السببية واضحة، حيث ورد فيه: ” وحيث تبعا لذلك وفي هذه الحالة بالذات فإنه لا يمكن إقامة الدليل على أن الاهمال الاحتمالي المنسوب للمتهم كان هو السبب الأساسي والمباشر في الوفاة لانعدام السببية بين هذا السلوك ( الخطأ الإحتمالي) والنتيجة التي حصلت يوم 24/ 04/ 1988 التي هي الوفاة، وأن الفقه والاجتهاد القضائي قد جعل من هذا العنصر النقطة الحاسمة لمعاقبة الطبيب على أساس القتل غير العمد ” .
وفي الحكم الجنحي الصادر عن استئنافية البيضاء في 22 مارس 1984، أنه: ” وحيث أن المتهم – طبيب جراح- أنكر جميع التهم المنسوبة إليه، ولم يثبت من المناقشة الموضوعية ولا من الحجج المدلى بها من الطرفين تواجد العلاقة السببية بين وفاة المريضة وبين ما قام به المتهم بوصفه طبيبا جراحا من أعمال، سواء قبل إجراء العملية أو أثناءها أو بعدها… وحيث أن المحكمة إذا رأت أن الإثبات غير قائم، وأن الفعل المنسوب الى المتهم لا تترتب عليه مخالفة القانون، فإنه تقرر عدم الادانة. وتقضي بالبراءة وعدم الاختصاص في المطالب المدنية، عملا بالفصلين 388 و 418 من ق.م.ج” .
وفي حكم جنحي حديث صدر عن استئنافية مراكش بتاريخ 12/ 11/ 1990 أنه: ” وحيث إن المحكمة بعد مراجعتها لوثائق الملف ثبت لديها واقتنعت ببراءة المتهم من هذه الجريمة، بعدم توافر العلاقة السببية بين الافعال المنسوبة إليها، والمتمثلة في عدم تقديم المساعدة لشخص في خطر، والنتيجة التي حصلت للهالكة بصفة يقينية لا جدال فيها” .
أما بالنسبة للقضاء الفرنسي نجد حكم صادر عن محكمة الاستئناف بباريس بتاريخ 24 فبراير 1973، جاء فيه: ” الاهمال والقصور في تنظيم المصحة، وإن تم ثبوته في حق الطبيب، إلا أنه لا يشكل في حد ذاته السبب الحقيقي والأكيد فيما حصل من ضرر، وبالتالي لا يكفي لتبرير الحكم بالادانة” .
وفي القضاء المصري نجد محكمة النقض المصرية ترفض الطعن الذي قدمته إحدى المصحات في مواجهة القرار الذي صدر بأداء تعويضات عن ضياع حق الطفل في الازدياد سليما من العواقب التي بقي يشكوا منها، بسبب ما قامت به المولدة أثناء ساعة الولادة، وذلك استنادا على أن غياب الطبيب كانت له علاقة مباشرة مع فقدان الحظ في الازدياد” .
وفي حكم آخر لها مؤرخ بـ 12 / 03/ 78 قضت بأنه: ” لما كان الطاعن لا ينازع في أن ما أورده الحكم نقلا عن تقرير الصفة التشريحية له معينه الصحيح من هذا التقرير، وكان مؤداه أن إصابة المجني عليها على بساطتها وما صاحبها أثناء الشجار من إنفعال نفساوي ومجهود جسماني، كل ذلك قد أدى الى تنبيه العصب السماوي، مما ألقى عبئا جسيما على حالة القلب والدورة الدموية، والتي كانت متأثرة أصلا بحالة مرضية متقدمة بالقلب، مما مهد وعجل بظهور نوبة هبوط القلب السريع التي إنتهت بالوفاة.
وحيث أن الشجار وما صاحبه من الاصابة على بساطتها لا يمكن إخلاء مسؤولية المتهم من المساهمة في التعجيل بحدوث النوبة القلبية التي انتهت بالوفاة، فإن في ذلك ما يقطع بتوافر رابطة السببية بين الفعل المسند إلى الطاعن وبين الوفاة… ومن أن مرض المجني عليه إنما هو من الأمور التي لا تقطع هذه الرابطة، وبالتالي فإن النعي على الحكم بالفساد في الاستدلال يكون غير سديد” .
ومن خلال القراءة للأحكام والقرارات المومأ إليها أعلاه، عموما يتضح أن موقف القضاء يميل الى إعطاء تعويض للضحية بأي شكل من الأشكال، لكن أحيانا يعفي الطبيب من المسؤولية لغياب الرابطة السببية بين الخطأ والضرر في العمل المنسوب للطبيب في الادعاء المدني والقول بعدم الاختصاص في الادعاء المدني التبعي أمام المحاكم الزجرية. وحتى في الخطأ المرفقي في إطار مسؤولية الدولة عن الأضرار عملا بمقتضيات الفصل 79 من ق.ل.ع. على أن المساءلة الجنائية لا محيد عنها متى تبث صور الخطأ الطبي المؤسسة في الفصلين 432- 433 من القانون الجنائي المغربي. لذلك يتعين على – الطبيب- وعلى – المريض- في المنازعات الطبية الركون والتوسل بالخبرة القضائية، لتبرز في هذا الصدد توافر العلاقة السببية بين النشاط الاجرامي والنتيجة في الجريمة الطبية، حتى تثار المسؤولية الشخصية للطبيب- الجاني- في الضرر الذي ألحقه بالضحية – المريض الذي يخضع للعلاج- سواء أثناء أو قبل أو بعد العمل الطبي أمام القضاء الجنائي، على أن المطالبة بالتعويض عن الأضرار لن يتحقق في حالة إنتفاء الرابطة السببية بين الخطأ والضرر في المسؤولية المدنية.
وبناء عليه، حيث أن عنصر المباشرة في العلاقة السببية خاصية نجد سندها في النصوص القانونية التي اشارت إلى هذه ” الرابطة ” بشكل مباشر أو غير مباشر، والتي عمل القضاء على فبركتها وصنعها تطبيقا في النزاعات المعروضة أمامه حول القضايا الطبية وغيرها، فإنه وجب لتكتمل الصفة القضائية اشتراط هذا الأخير خاصية أخرى مكملة للأولى – العلاقة السببية المباشرة- أن تكون العلاقة السببية -ثابتة- اختلفت فيها مواقف القضاء، حسب ما إذا كان مرتكب الفعل المجرم معروفا أو مجهولا، وهو ما سنعمد إلى التدقيق حوله في النقطة الموالية.
2- وجوب أن تكون العلاقة السببية ثابتة
وتتنازعها فرضيتان تباينت فيها مواقف القضاء وهي:
• فرضية كون مرتكب الخطأ معروفا
في فرنسا، وتطبيقا للقواعد العامة التي تقضي بمساءلة المدين من عدم تنفيذه للإلتزام التعاقدي إذا لم يثبت أن ذلك يعود إلى سبب أجنبي عنه ( الفصل 1147 القانون المدني)، فإن المضرور وباعتباره المدعى الدائن هو من يقع عليه عبء إثبات العلاقة السببية، فيما أصابه من ضرر، والخطأ الذي كان سببا في ذلك، على أنه إذا ثبت أن هذا الخطأ لم يكن السبب في تحقيق النتيجة، فإن علاقة السببية تعد منتفية بينهما .
وتطبيقا لذلك قضت محكمة الاستئناف بروان بأن: ” سائق السيارة الذي مر بسيارته قرب عربة يجرها حصان، فاضطرب الحصان وانقلبت العربة وأصيب الراكب بجراح، هذا السائق غير مسؤول عن هذه الإصابة، لأن علاقة السببية غير متوافرة بين قيادته سيارته على هذا النحو والجروح التي أصابت المضرور، لأنه لم يثبت أن السيارة كانت تسير بسرعة كبيرة أو أنها كانت تحدث ضوضاء غير عادية، وأنه لا يمكن بناء على ذلك القول بأن مرور السيارة هو سبب اضطراب الحصان” .
وقد ذهب القضاء الفرنسي الى أبعد من ذلك، فإعتبر أنه إذا بقيت مسألة إثبات علاقة السببية بين الفعل والنتيجة موضوع شك، فإنها لا تعد متوافرة بينهم، حيث قضى بأنه : ” إذا أحدث فعل المتهم جروحا بالمجني عليه الذي مات بعد ذلك ولكن الخبير قرر إستحالة تحديد سبب الموت والقول باسهام الفعل في احداثه، فإن علاقة السببية لا تعد متوافرة بينهما”.
ويستلزم القضاء المصري – كما هو الشأن بالنسبة للقضاء الفرنسي- ثبوت علاقة السببية بين الخطأ والضرر لامكانية مساءلة المدعى عليه، وقد قضت محكمة النقض المصرية في شأن وجوب إثبات توافر العلاقة السببية أنه : ” يجب أن يثبت بالحكم الصادر بعقوبة في جريمة الضرب أفضى إلى موت إرتباط الوفاة بالضرب المسبب بالسبب والعلة بالمعلول” كما قضت أيضا: ” إذا كان الحكم قد أغفل بيان توافر رابطة السببية، تعين نقضه لقصوره”.
ويتبنى القضاء المغربي اتجاها خاصا يتمثل في أن اثبات العلاقة السببية يكون على عاتق المدعي بناء على مقتضيات الفصل 399 من ق.ل.ع، الذي يقضي بأن: ” إثبات الالتزام على مدعيه”، حيث قضت محكمة الاستئناف بمراكش: ” حيث أن المحكمة بعد مراجعتها لوثائق الملف ثبت لديها واقتنعت ببراءة المتهم من هذه الجريمة لعدم توفر العلاقة السببية بين الافعال المنسوبة إليه…” والنتيجة التي حصلت للهالكة بصفة يقينية لا جدال فيها” .
هذا ما قرره القضاء المغربي في مجال المسؤولية القائمة على خطأ واجب الاثبات، أما مجال المسؤولية المفترضة فقد اعتمد معيارا قرر بواسطته أن مسؤولية المدعي تعتبر قائمة بمجرد تدخل الشئ، أو بسبب فعل الحيوان الذي يوجد تحت حراسته في تحقيق الضرر، حيث يعتبر أنه هو السبب الأساسي في تحقق هذه النتيجة، وهكذا قررت الغرفة المدنية بالمجلس الأعلى أنه: ” في اثبات علاقة سببية في اثبات الضرر الحاصل للضحية والأشياء المستعملة من طرف الادارة، لاعتبار هذه الأخيرة مسؤولة” .
كما اعتبرت في قرار آخر أن: ” ما علل به قرار قضاءه من أن المكتب يعد مرفقا من مرافق الدولة مسؤوليته تنتج ولو بدون خطأ، ويكفي معه وجود علاقة سببية بين الضرر والأشياء الخطيرة التي يستعملها المكتب في نطاق تسيير مصالحه ولا سبيل لاعفاءه من المسؤولية إلا باثبات خطأ الضحية، هذا الخطأ الذي لم يثبت من بين أوراق الملف يجعله قد أجاب ضمنيا عن دفع الطالب، وجاء معللا تعليلا كافيا وسليما لتبرير ما قضى به، مما يجعل الوسيلة بدون أساس” .
والأمر محسوم عندنا في القانون المغربي بموجب ظهير 22 فبراير 1955، والذي يقضي من خلال فصله الخامس ما يلي: ” إذا كان مرتكب الحادثة مجهولا فإن الطلب الذي يقدمه المصابون بالحادثة أو ذوي حقوقهم للحصول على تعويض، في مقابل ما لحقهم من ضرر يجب أن يوجه الى صندوق أموال الضمان في طرف ستة أشهر تبتدئ من يوم وقوع الحادثة ” .
وإعمالا للقضايا الآنفة، فإن مسؤولية الطبيب الجزائية في الجرائم الطبية قياسا على شرط وجوب كون الرابطة السببية ثابتة بين الخطأ والنتيجة الاجرامية – الضرر- يلاحظ معه أن رغبة المحاكم في إحقاق الحقوق لأصحابها لا تضيع معه الدعاوي المرفوعة ضد الأطباء مدنيا وجنائيا، بما أن الفاعل- الطبيب الجاني- معروفا وثابتا في مقره المهني، باثبات العلاقة السببية بين نشاط المدعى عليه ( خطأ، فعل الأشياء، فعل الغير)، والضرر الحاصل – الضرر المدني- والنتيجة الاجرامية ” الضرر الجنائي” مسألة في غاية الأهمية، لا يستطيع الكشف عنها وعن خصوصياتها إلا وجدان القاضي وقناعته. وإن كان فرض الفاعل المجهول في هذه الجرائم – الجرائم الطبية- يترجم غالبا عجز القانون والقضاء –معا- تحقيق العدالة.
• فرضية كون مرتكب الخطأ مجهولا
ما عدا الحماية التي أقرها ظهير 22 ماي 1955 بشأن حماية ضحايا حوادث السير من مرتكبي الحادثة المجهولين وكذا المعسرين ماديا، فإنه ما عدا حوادث السير فإنه لا مجال لتطبيق هذه الحماية.
وبمعنى أوضح أن ضحايا الحوادث الأخرى سوف يكونون مجبرين على تحمل الأضرار التي لحقتهم ما لم يستطيعوا التعرف على المتسبب فيها .
وفي رأينا في – ضحايا الأخطاء الطبية- نطاق ضمانهم ينأى عن الخضوع لهذا الظهير، لأن مرتكب الجريمة هو طبيب معروف يمارس مهامه داخل مستشفى عمومي أو مصحة خاصة أو مركز استشفائي في اطار فريق طبي أو عمل انفرادي داخل مجال التخصص المهني، ففي حال انتفاء المسؤولية الشخصية لهذا الأخير، فإن المسؤولية المرفقية تظل قائمة بناء على الفصلين 79 و 80 من ق.ل.ع المغربي، سواء بناء على نظرية المخاطر أو بناء على نظرية الأضرار. ولا مجال لإخراج أعمال وسلوكات الطبيب عن أحكام وقواعد القوانين الطبية، إذ يظل الضمان الوحيد في التعويض المدني عن الأضرار هو إثارة مسؤولية الدولة في الخطأ الطبي أو المرفق الصحي الذي ينتمي له الطبيب، مهما كانت الرابطة العقدية أو التقصيرية الذي تربطه بالمستشفى ( عقد الاستشفاء…).
فأخطاء الأطباء، وإن كان هذا الأخير مجهولا أو منتحلا للصفة، تلحق المرفق الذي ينتمي له الطبيب، وتتحمل الدولة آثار ذلك. والدليل منطوق الفصل 122 من دستور فاتح يوليوز 2011، الذي نص بصريح العبارة: ” يحق لكل متضرر من خطأ قضائي الحصول على تعويض تتحمله الدولة”.
وعليه فالقضاء سيحرص كل الحرص، على أن لا يقصد المتضرر من خطأ طبي مقارعة صندوق الدولة بسببه نتيجة تعليل ناقص في المنازعات الطبية التي ينظر فيها.
وفي الأخير يستخلص أن أركان الجريمة الطبية متى توافرت فإنها تخلف آثارا ذات درجات متفاوتة في المسؤولية الجنائية للطبيب عن الفعل الشخصي، وعن فعل الغير، وحتى في نطاق الروابط العقدية أحيانا وفي تعامله مع الصيادلة، وهو ما يدق الناقوس لعالم الجريمة الطبية، إستشكالا في المطلب الثاني.
المطلب الثاني: دور الخبرة في المسؤولية الجنائية للطبيب
إن القاضي مهما اتسع نطاق ثقافته ومعارفه، لا يمكنه أن يبلغ مبلغ الأخصائيين الفنيين في مجال تخصصهم وهو أحوج ما يكون إلى تقنية الخبرة في قضايا المسؤولية الطبية والجراحية بالذات، والتي يتطلب تقديرها إلماما دقيقا بأصول وقواد الفن الطبي والجراحي وخصوصياته التقنية الدقيقة والمعقدة . فكيف تتحدد علاقة الطبيب بالسلطة القضائية (الفقرة الأولى) وماهي آثار وحجية الخبرة في المنازعات الطبية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: علاقة الطبيب بالقاضي أو السلطة المكلفة بالتحقيق
سوف نعمد إلى الاختصار الشديد من خلال استنطاق بعض الأحكام القضائية لاستجلاء العلاقة بين الطبيب والسلطة القضائية في الخبرة التي تعهد له من طرف هذه الأخيرة، فمثلا ورد في قرار للمجلس الأعلى سنة 2002:
“حيث تبين من أوراق الملف الطبي للمستأنف عليها وكذا الخبرة، أن استئصال غدتها الدرقية خطأ تسبب لها في ألم مهم وكان له أثر نفسي عليها وعلى حياتها المستقبلية، وبذلك فإن ملف النازلة يتوفر على جميع العناصر اللازمة للبث في التعويض، مما يجعل ما أثير غير جدي وبالتالي يكون الحكم المستأنف مصادفا للصواب”.
كما كرس المجلس الأعلى نظرية الخطأ من خلال قرار صادر عنه بتاريخ 28-3-2007 جاء فيه: “لكن حيث يتبين من تقرير الخبرة أن الخبيرة الوزاني خلصت فيه إلى أن المرض الذي تم إجراء العملية بسببه قد يؤدي بذاته إلى تطورات ينتج عنها العمى كيفما كانت الطريقة المتبعة في العلاج طالما أن المستأنف عليه مصاب بمرض السكري غير المستقر.
وحيث إن هذه الحالة تستلزم إجراء تحليلات قبل إقدامها على إجراء العملية على عين المستأنف عليه، لمعرفة مدى ملاءمة هذه العملية مع وضعه الصحي، وهو ما يشكل تقصيرا من طرف الطبيبة المعالجة، مما تكون معه العلاقة السببية ثابة بين الخطأ المذكور والضرر الحاصل للمستأنف عليه المتمثل في عمى عينه اليمنى مما يكون ما أثير بدون أساس” .
يتبين ويستنتج معه أن الخبرة ملازمة للعمل القضائي في الخطأ الطبي كيفما كان ولأيما نسب.
الفقرة الثانية: آثار الخبرة وحجيتها في المسؤولية الطبية
إن الاستعانة بالخبير تكون فقط بقصد المساعدة على فهمها وتقديرها على وجه يتفق مع المبادئ العلمية والفنية، فالخبرة ليست وسيلة إثبات لتقدير الدليل. لأنه يتنافى مع قواعد المنطق السليم، القول بأن هناك وسيلة إثبات غرضها اثبات أو تقدير وسيلة إثبات أقوى، فإنما أن يتعلق الأمر بوسيلة إثبات، أي وسيلة اكتشاف لعناصر غير قائمة أصلا في الدعوى، وإما إن بتجاوز الغرض منها هذا الحد فنكون أما وصف آخر. وعلى ذلك ولما كانت الخبرة وسيلة لتقدير أو فهم أو تفسير ميألة ما ثابتة في مجال الدعوى، فأقرب إلى الصفة القول: أن الأمر يتعلق بإجراء مساعد للقاضي، لأنه يختص أصلا يتقدير تلك الوسائل والعناصر المختلفة .
غير أنه في حالة امتناع أحد الخصوم من تقديم مستند من المستندات الى الخبير أو عدم السماح له بفحصه، والحال أن هذا المستند ضروري لإنجاز الخبرة، فإن القانون أعطى للقاضي فور إعلامه بذلك صلاحية إصدار أمر قضائي بالترخيص بهذا الفحص أو التسليم تحت طائلة عرامة تهديدية عند الاقتضاء، أو الاذن للخبير بتجاوز ذلك المستند وإعداد تقريره على الحالة .
وتبقى في نهاية المطاف سلطة القاضي التقديرية في تقدير الخبرة الطبية حتى تحوز حجيتها في مواجهة أطراف النزاع الطبي حسب منطوق المادة 66 من قانون المسطرة المدنية. كما أنه لا يسوغ للمحكمة أن تعتمد على نتيجة الخبرة في إدانة المتهم دون مناقشة مكونات الجريمة وما يتعلق بها، فالخبرة لا تعفيها من وجوب أن يكون التعليل كاملا، والجانب القانوني لا يعتمد على مجرد الخبرة، فلا يرتكز على أساس قانوني الحكم الذي قضى بالإدانة بمجرد الاعتماد على تقرير الخبير دون بيان الأفعال المكونة للجريمة ، والنصوص المطبقة عليها، ودون التصريح بأن اقتناع القاضي كان مبنيا على دراسة الملف، وهكذا يمكن للمجلس الأعلى نقض الحكم بخصوص ما يتعلق بإجراء الخبرة في إطار عدم كفاية التعليل ، وفي المغرب ومن واقع إستقراء مجموع من القرارات التي تواترت عن المجلس الأعلى، في مادة الخبرة العقلية. يتبين أن القضاء المغربي يحاول الترسيخ لاجتهاد قانوني هام وهو إلزامية استشارة من الخبراء النفسانيين كلما أثيرت أثناء سريان الدعوى العمومية مسألة التثبت من القدرات العقلية في الأشخاص المتابعين والمتهمين بارتكاب أفعال إجرامية، وكان ملف القضية يتوفر على بعض الحجج الأولية التي قد تؤسس لفرضية وجود مثل هذا الخلل كشواهد والوصفات الطبية أو اللفيفات العدلية المتعلقة بالإختلالات العقلية ونسوق على سبيل الإستدلال للتأكيد التوجه الجديد للمجلس الاعلى الذي جاء في حيثياته المعتمدة للقول بالنقض والإبطال:
” حيث أن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه، لما تقدم لها دفاع العارضة بملتمس إجراء خبرة طبية عليها، للتأكد من سلامة قواه العقلية، ورفضت الملتمس المذكور بعلة عدم تقديمه إلا أثناء المحاكمة، وعدم إدلاء بأي إشهاد طبي يؤكد واقعة الخلل العقلي المدعى به، وأن اللفيف العدلي المدلى به المتعلق بإثبات الخلل العقلي لا يمكن أن ينهض دليل لإثباته تدعيمه بأي ملف طبي، وأن الوصفة الطبية المدلى بها من طرف دفاعها لا يمكن الركون إليها، لعدم ترقيمها وإدراجها بسجلات المستشفى الحسني بالناظور، وتحرير من طرف طبيب عام عير مختص، ولا تشير إلى نوع المرض، ولم يتم الإدلاء بملف الطبي من المؤسسة السجنية، تكون قد بثت في مسألة فنية بحثة، لا تستطيع بنفسها إبداء الرأي فيها، مما كان معه عليها الاستعانة بأهل الخبرة إلى غاية الأمر فيها للتأكد من القوى العقلية للمتهمة لتحديد مسؤوليتها، التي من شأنها أن تثبت وجودا أو عدما أو نقصنا أن تغير مجرى العقوبة والإجراء الذي يمكن أن يصدر في حقها خاصة وأنها إلتزمت الصمت التام أثناء جلسات المحاكمة، ولم تتفوه بأي كلمة رغم إلحاح المحكمة عليها بالجواب، وإشعارها بأن من مصلحتها الدفاع عن نفسها…وأن عدم استجابت المحكمة للملتمس يتعلق بمسألة فنية من اختصاص الأطباء النفسانيين يعتبر خرق لحقوق الدفاع، أدى إلى فساد التعليل والتناقض الموازي لانعدامه مما يعرض قرارها للنقض والإبطال”
المطلب الثالث: آثار المسؤولية الطبية الجنائية على الطبيب
يترتب على توافر عناصر المسؤولية عن العمل الشخصي التزام المسؤول عن الضرر بتعويض الطرف المتضرر عما لحقه من ضرر، وإذا لم يقم هذا الشخص المسؤول بدفع التعويض رضاء، حق للمتضرر أن يراجع السلطة القضائية بحقوقه ، كما يترتب أيضا إثارة الدعوى العمومية متى تحققت عناصر الدعوى الشخصية في الفعل المجرم الذي يعاقب عليه القانون ، وإذا كان المبدأ أن العمل الطبي يمارس من قبل الطبيب الذي فحص المريض واطلع على حالته الصحية، وأشرف عليه شخصيا في جميع مراحل العمل الطبي، سواء قبل العملية، أو أثناءها، أو بعدها، على النحو الذي رأيناه سابقا، فإنه تنعقد مسؤوليته الشخصية في مواجهة- ضحية الخطأ الطبي- علما أنه لقيام هذه المسؤولية، فإن يلزم أركان المسؤولية المدنية والجنائية ذات المصادر المختلفة -القانون، العقد-
فقد ترتكب الجريمة من قبل شخص واحد ينفرد بتنفيذ مادياتها، فتكون ثمرة لنشاطه الإجرامي ووليدة إرادته، وهنا لا تقوم صعوبة تذكر في تحديد المسؤولية جنائيا عن هذه الجريمة، وقد تقترف الجريمة من قبل عدة أشخاص لكل واحد منهم دور يؤديه، وهذه الأدوار تتفاوت من حيث الأهلية ومقدار مساهمة كل منهم في تحقيق عناصر الجريمة، وهو ما يفسر اختلاف أحكام القانون الجنائي بشأن تحديد المركز القانون لكل صنف من أصناف المجرمين الذي يجمع بينهم اتفاق أو اشتراك جنائي ، والعمل الطبي لا يخرج عن الإطار العام الذي سطره المشرع في المجموع الجنائية (الفصول 128 إلى 131 في الباب الأول في المساهمة في الجريمة والمشاركة فيها)
وعليه، فمتى أقر القضاء في إطار العمل الشخصي الذي يلحق الطبيب في الجريمة الطبية مسؤوليته الشخصية، نكون إزاء المسؤولية عن الفعل الشخصي (الفقرة الأولى) في حين أن لو أدين الطبيب باعتباره مسؤولا في إطار الفريق الطبي على وجه الخصوص فإنه تثار المسؤولية عن فعل الغير ( الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: مسؤولية الطبيب عن الفعل الشخصي في الجريمة الطبية الجنائية
العقوبة جزاء يوقع باسم المجتمع تنفيذا لحكم قضائي من ارتكب فعلا يشكل جريمة في القانون، ومن أهم خصائصها صفة الشخصية . والتي تعني أن جميع العقوبات يشترط فيها أن توقع وتنفذ على مرتكب الجريمة أو المشارك فيها وحدهم دون غيرهم تطبيقا لمبدأ شخصية العقوبة في القانون، وطبقا للآية الكريمة ” ولا تزر وزارة وزر أخرى” ، فالمسؤولية الجزائية محددة لموارد قانونية واضحة المعالم، يحاسب على إثرها الطبيب جنائيا ومدنيا عن أفعاله الشخصية، وبالمناسبة يمكن التذكير بأنه ليس بإمكان الطبيب قانونيا أن يتفق مع مريضه على إعفائه من مسؤوليته عن الأخطاء التي يقع فيها أثناء العملية الجراحية أو أخطاء التشخيص، على اعتبار أن كل اتفاق تعارض مع سلامة الإنسان يكون باطلا ، لذلك نتساءل عن طبيعة مسؤولية الطبيب الشخصية ووفق أي أسس (أولا) وكيفية الإثبات في دعوى المسؤولية عن العمل الشخصي للطبيب (ثانيا).
أولا: طبيعة مسؤولية الطبيب الشخصية
إذا كان القانون يعاقب الطبيب أو الجراح عن خطئه أثناء أو بمناسبة ممارسته لمهنة الطب، فإن هذا يؤسس لمبدأ أساسي، هو أن الطبيب عليه أن يمارس عمله الطبي بنفسه، خصوصا في بعض الحالات التي تقتضي الوقوف الشخصي على حالة المريض انطلاقا من فحصه والحوار معه، إلى درجة اعتبره بعض الفقه أن الطبيب هو قاضي التحقيق عليه أن يتفحص كل أقوال وإشارات المريض حتى يتمكن من الكشف عن الداء بشكل دقيق ، هذا ومسؤولية الجراح عن خطئه الشخصي إما أن يكون مصدرها العقد المبرم بين المريض والجراح، حيث يتولى هذا الأخير إجراء الجراحة بناءا على طلب مريضه وبموجب اتفاق صريح أو ضمني بينهما، فهنا تكون مسؤوليته عقدية، أما إذا كان تدخل الجراح بسبب ظروف اضطرارية واستوجب تدخل الجراح الفوري لإنقاذ المريض الذي أصيب في حادث مثلا دون أن يحصل منه على إذن مسبق، أو من وليه أو أحد أقاربه، فإن مسؤولية الجراح هنا تكون مسؤولية تقصيرية، نظرا لعدم وجود العلاقة التعاقدية بينه وبين المريض،
حيث يعتبر عمل الجراح هنا من قبيل الفضالة، وتعتبر مسؤوليته تقصيرية أيضا، ولو كان تدخله بناءا على دعوة من الجمهور ، ثم إن ارتكاب الطبيب لخطأ شخصي، يجعله مسؤولا شخصيا عن الضرر الناشئ عنه، إذا كان الخطأ جسيما أو ارتكبه الطبيب عن سوء نية، أي كل هفوة لا تغتفر ، كما يمكن أن يساءل في الأخطاء المنفصلة عن الوظيفة، فإذا كان الخطأ جسيما كالخطأ الذي يرتكبه الطبيب داخل واجباته المهنية فإنه يسأل على قدر من الجسامة كنسيان جسم غريب في جسد المريض، وإهمال تنظيف البطن بعد إخراج الجسم الغريب من جسد المريض، ونؤيد هنا الأمر ما قضت به المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء في حكمها المدني عدد 4333 الصادر بتاريخ 23/09/1975 ملف عدد 248/27، وحكم محكمة الاستئناف بتازة، والجهل بأصول الصنعة كأن يكون الطبيب متطببا دعيا على صنعة الطب وإنما غرر المريض وخدعه بادعاء المعرفة، أو ان تكون له معرفة بسيطة لكنها لا تؤهله لممارسة هذا الفن ( كطالب الطب مثلا) ، وبكل الأحوال يمكن حصر محاسبة الطبيب جزائيا في ثلاث حالات هي:
1- حالة الجرائم العادية التي يرتكبها الطبيب كأي إنسان ليس طبيبا
2- حالة الجرائم المرتكبة أثناء ممارسة الطبيب لمهنته كطبيب
3- حالات استثنائية
فالضمانات القانونية لحماية المريض الشخصية في سلامة جسده وشخصه مقررة بموجب القواعد العامة في القانون، وأيضا بموجب القوانين المهنية الطبية، وهي إشارة صريحة على أن المشرع المغربي يقر المسؤولية الشخصية جنائيا، خاصة إذا انحدر عمله -الطبيب- إلى مصاف فعل أو امتناع يستوجب المساءلة الجنائية ، وفي هذا الإطار عمد القضاء إلى استصدار رزمة من الأحكام تسائل الأطباء عن أخطائهم الطبية طبقا للفصلين 432-433 من القانون الجنائي المغربي، فالمادتين 30 و 11 من مدونة السلوك الطبي المشار إليهما في سابق هذه الدراسة، دليل ضمني على أن الطبيب مسؤول شخصيا في نطاق التشخيص (-المادة 30 – وفي الوصفات الطبية – المادة 11-). وإلا يكون في مواجهة صور الخطأ الطبي كما هي مضمنة في القانون الجنائي المغربي.
والطبيب يسأل شخصيا عن الإهمال في اختيار الشخص الذي يرافقه، فممارسته للمهنة يجب أن تتم بصفة شخصية كقاعدة. وفي حالة مخالفته هذه الأخيرة وإسناد القيام بمهمته لشخص مكانه، بدون موجب شرعي فإنه يجب محاسبته، ونظرا لوجود نصوص قانونية تحدد اختصاص ومجال عمل كل موظف أو مستخدم تابع للمرفق الصحي، فإن المشرع نفسه حدد الأعمال التي لا يمكن أن تقوم بها إلا طبيب أو جراح، والأعمال التي يمكن أن يقوم بها المعاونون إما تحت إشرافه ومراقبة الطبيب أو الجراح أو بأمر من أحدهما ودون حضوره ، والأحكام الواردة في هذا الباب لا يستهان بها وقد أشرنا إليها سلفا ولا داعي للتكرار.
وفي هذا الإطار فإننا نشبه عمل الطبيب بهيأة الحكم (القضاء الجالس)، فإذا كان القانون يفرض ألا يتم تعويض أي عضو في القضاء الجالس، وإلا أعيد النظر في القضية من بدايتها، وكذلك مهنة الطب، فلا يمكن للطبيب أن يصف الدواء لشخص بناء على فحص قام به طبيب آخر، ولا يمكن للطبيب الجراح أن يجري عملية جراحية لمريض، ما لم يضطلع على طبيعة المرض ومكانه في جسم المريض، والقضاء أفرد لنا مجموعة من الشروط والأسس الواقعية، والقانونية، والمهنية، لاستخلاص خطأ الطبيب أو الجراح في العمل الطبي لإثارة مسؤوليته الشخصية ومساءلته عن المنسوب له في مواجهة – الضحية – المجني عليه، في الجراحة أو العلاج أو الوصفة الطبية.
و يمكننا استخلاص بعضها على سبيل المثال لا الحصر، لأن الأمر يتطلب تفريد كل حكم على حدة، واستنباط كل- قاعدة- قرار قضائي طبي، طبقا لملابسات كل نازلة في منازعة تتعلق بالجريمة الطبية، والتي تستتبع الجزاء بكافة أشكاله وهي كالآتي:
– خروج الطبيب عن القواعد الفنية والقواعد العادية، والتي يجب عليه اتباعها مهنيا ترتب عنها خطأ جسيم .
– أن يعهد الطبيب لشخص لا يتوفر على المؤهلات والكفاءة والخبرة المهنية لمواجهة أي حادث طارئ أو مضاعفات لاحقة، إذ يعتبر الطبيب مخلا بالرقابة الشخصية لنتائج العملية.
– استخدام الطبيب لأدوات طبية … أو غير معمقة أو قيامه بإجراء عمل جراحي وهو في حالة سكر.
– الإمتناع عن الاستمرار في معالجة المريض
– إهمال الطبيب في توخي الحيطة والحذر والتزام السلامة والتبصير بالمخاطر المتوقعة وغير المتوقعة، ما لم تكن استثنائية .
– تعنت الطبيب في عدم اتباع ما أوجبه القانون من ضرورة الحصول على إذن المريض وعائلته وممثليه الشرعيين، ما لم تستوجب ذلك حالة الضرورة.
– ارتكاب الطبيب خطأ عن سوء نية أو عن طريق التدليس وغير ذلك من وسائل الاحتيال المهنية لحث المريض الامتثال لأهواء الطبيب في العلاج وغير ذلك، أحدث ضررا جنائيا…
ولكن يدفعنا الفضول العلمي لإثارة مسؤولية الطبيب عن الوصفة الطبية في علاقته بالصيدلي، وما مدى التزام هذا الأخير في تنفيذ الوصفة العلاجية بكل دقة، وهل يحضر عليه تغيير أو تبديل أو تعديل الأدوية الموصوفة المدونة بالوصفة الطبية دون الرجوع إلى الطبيب الذي حررها؟
في ظل الصمت التشريعي المنظم لمزاولة مهنتي الطب والصيدلة، فإن القضاء اعتبر أن الصيدلي ملزم بضمان مطابقة الأدوية المنصرفة للأدوية الموصوفة بالوصفة الطبية، وتحميله المسؤولية عن كل إضافة أو تغيير أو تعديل في الوصفة الطبية، وهو ما ذهبت إليه محكمة الجنح عندما أدانت صيدلانية قامت بصرف دواء يسمى sunoxol بنسبة 33% بينما الدواء الموصوف في الوصفة كانت بنسبة 4 % وكان الطبيب قد وضع تحت النسبة ثلاث سطور ، كما قضى أيضا بمسؤولية صيدلانية أخرى لصرفها دواء يسمى 1000 Aspégic بدلا من الدواء الموصوف بالوصفة الطبية لطفل عمره ثلاث سنوات وهو 100 Aspégic وما قضت به محكمة كليرمون من ارتكاب الصيدلي لخطأ جسيم عندما لم يتأكد من أن الدواء الذي يقوم بصرفه مطابق تماما للدواء الموصوف بالوصفة الطبية، وكان الدواء الموصوف soluté istonique de chruire de sodium 8% فقام الصيدلي بصرف دواء آخر يسمى soluté hypertonique à 20% .
فالصيدلي يجب عليه الخنوع والخضوع للوصفة الطبية دونما أي اجتهاد لأي فعل من شأنه أن يثير مسؤوليته الشخصية في مواجهة حامل الوصفة الطبية، خصوصا إذا تخلف عن ذلك ضررا طبيا، يصلح أن يكون محلا للمسائلة الجنائية والمدنية معا، فمتى قام بمخالفة المكتوب الحرفي للوصفة الطبية، فإنه سيعتبر أنه قام بصرف أدوية بدون وصفة طبي، وكدا ممارسا للطب بطريقة غير مشروعة، وإلا انقلب التكييف القضائي للجريمة من مجرد جنحة القتل أو الجرح الخطأ إلى جريمة القتل أو الجرح العمد، فالاستعانة بالوصفة الطبية دليل براءة للطبيب وسند قانوني لإدانة الصيدلي، فكأنما يمكن اعتبارها – الوصفة الطبية بمثابة -أمرعسكري طبي موجه إليه – الصيدلي – وفي حالة عدم الامتثال له، فإن الجزاء القانوني سيقع حسب جسامته المخالفة. هل تتطلب فقط الغرامة والتعويض المدني، أم تتطلب العقوبة الجنائية في الخطأ قياسا على جرائم العصيان والفرار العسكري .
ثانيا: الإثبات في دعوى المسؤولية عن العمل الشخصي الطبي
إن الجرائم التي تقع بمناسبة المهنة الطبية ذات نطاق واسع ولعل أهمها:
– جرائم النصب والاحتيال الطبي كالتهويل بأمراض غير موجودة لدى المريض بقصد ابتزازه.
– جرائم العرض وأكثر ما ترتكب من قبل أطباء الأسنان وأطباء الأمراض التناسلية، حيث يستغل الطبيب مهنته وظروف مريضته، ويأتي معها أفعالا لا يرتضيها الخلق الرفيع وآداب المهنة، خاصة عندما تكون تحت تأثير التخدير أو وسائل التقويم المغناطيسي لدى الأطباء النفسانيين.
– جريمة نسبة المواليد إلى غير ذويهم وأكثر ما ترتكب هذه الجريمة من قبل الدايات والقابلات وأطباء التوليد، من ذلك مثلا الذكر بالأنثى أو العكس أو سرقة الأطفال مقابل مبالغ المال إلخ…. وهذه الجرائم نادرة عندنا والحمد لله.
– جريمة انتهاك حرمة الموتى وأكثر من يرتكبها طلاب كليات الطب تحت ستار البحث العلمي، حيث يقومون أحيانا بتقطيع جثث الموتى بأشكال غير إنسانية.
– جريمة إعطاء الخبرات غير الصحيحة، أو امتناع عن إعطاء الخبرات الطبية أمام القضاء. والخبرة الطبية تعد من جملة أعمال الطبيب الإنسانية، التي تساهم في إحقاق الحق ونصرة العدالة ولا يجوز الامتناع عن إعطائها وبصدق علمي خالص…
ولكن صمت التشريع لم يتوافى في تحديد قواعد الإثبات بشكل عام سواء في الالتزامات والروابط العقدية، أو في نطاق المسؤولية التقصيرية، وفي المادة الجنائية، لذا يثور التساؤل حول الإثبات في دعوى المسؤولية عن العمل الشخصي في الجريمة الطبية؟
إن المبدأ العام في المجال الجنائي هو أن الشخص لا يمكن مساءلته إلا عن الأفعال الإجرامية التي يرتكبها بنفسه، وهذا المبدأ يصطلح على تسميته ب “شخصية المسؤولية الجنائية” وهذا ما ينص عليه الفصل 132 من القانون الجنائي المغربي في فقرته الأولى والذي يقابله الفصل 1.121 من القانون الجنائي الفرنسي
والمشرع المغربي لم يعرف الإثبات لا في القانون المدني ولا في القانون الجنائي لكن يمكن تعريفه بأنه ” إقامة الدليل على أن المتهم ارتكب الفعل المنسوب إليه”. وهكذا ففي الميدان المدني فإن وسائل الإثبات تهيأ قبل إثارة الدعوى، عكس ما عليه الحال في الميدان الزجري، فقد توسع المشرع المغربي في إثبات الأفعال المجرمة ” لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ” وأجاز إثباتها بجميع وسائل الإثبات وهي طريقتان :
1- الطريقة القانونية: وهي الطريقة التي حددها القانون وألزم القاضي باتباعها ولا دخل للسلطة التقديرية للقاضي في هذه الطريقة، فمثلا دعوى الدين التي تفوق قيمته 250 درهم لا تثبت إلا بحجة رسمية أو عرفية ( الفصل 443 ق ل ع)، ودعوى بيع العقار لا يمكن إثباتها إلا بمحرر ثابت التاريخ الفصل 489 ق ل ع.
2- الطريقة الوجدانية: وتعتمد على قناعة القاضي بكون المتهم ارتكب المنسوب إليه أم لم يرتكبه.
ويقع عبء الإثبات في الميدان الزجري على عاتق النيابة العامة، والتي تمثل المجتمع وتملك سلطة الإتهام (الفصول 3-39 – 40 من قانون المسطرة الجنائية ) ووسائل الإثبات هي :
– الاعتراف
– المعاينة
– الخبرة
– شهادة الشهود
– الأوراق والمحررات الكتابية
وعبء الإثبات في موضوع الجريمة الطبية التي تستوجب المساءلة الجنائية، يقع على عاتق المدعي عموما – المريض أو ضحية الخطأ الطبي – وبما أن المسؤولية عن العمل الشخصي تتطلب لقيامها حصول خطأ وضرر وعلاقة سببية بين الخطأ والضرر، فإنه على المدعي أن يثبت هذه المسائل جميعها، فالملف الطبي الغير الممسوك أصلا من الأجهزة الطبية، والموسوم بالتعسف في استعمال الحق بصدده كما بينا سابقا في نطاق القانون الداخلي للمستشفيات، يعد حلقة الوصل الضائعة في ميدان الإثبات التي يبنى عليها الدليل بالجزم واليقين لا الشك واللبس، فهل يعقل أن ينهض طبيبا دليلا على نفسه أمام العدالة وماهي احتمالات حدوث ذلك؟
وهل من التصور أن يقدم المدعى عليه – الطبيب – حجية كتابية – الشهادة الطبية- وهي تتضمن خطأ قاتلا يدينه مدنيا و جنائيا بالواقعة الإجرامية الطبية؟
إن الوقائع المكونة للإدعاء الجنائي، من منظور الفقه والقضاء والعموم ” غاية لاتدرك”، مادام عبء الإثبات يصطدم بفراغ النصوص وعدم جاهزيتها حتى تستقل أجهزة التحقيق الجنائي- البحث التمهيدي و التحقيق الإعدادي – بأخد الإرتسامات الدقيقة لمعالم الجريمة في أغوار الواقع الصحي لبلادنا.
فالاعتراف القضائي/ غير القضائي، المعاينة، الخبرة، شهادة الشهود، الحجة الكتابية، كلها أدوات تفقد عذريتها في ضبط الجريمة الطبية الجنائية، مالم تكتمل النصوص المهنية المنظمة للمجال الطبي، والتأثيث لسياسة جنائية هادفة تقتضي أثر الإلزام لجزاء يخدم جهاز الإدعاء الأول- النيابة العامة- في تحرك المتابعة الجنائية، باعتبارها خصم شريف يدور مع الحق أينما كان ومع المسؤولية طالما وجدت.
وتجدر الإشارة أن المسؤولية الشخصية أو ما يصطلح عليه “بالمسؤولية الشخصية الجنائية”، قد تلحق مساعدي الطبيب ومن يدخل في حكمهم في منازعة جنائية إما كأطراف مشاركة، مساهمة أو فاعلة معنويا، والأمر في دلك موكول للقضاء في الإثبات و المؤاخذة وحتى النطق بالحكم النهائي . فكيف يمكن استخلاص هذا النوع من العلاقة بين الأطباء في نطاق الفريق الطبي، أو ما يمكن أن يصطلح عليه بالمسؤولية عن فعل الغير (الفقرة الثانية).
الفقرة الثانية: مسؤولية الطبيب عن فعل الغير في الجريمة الطبية الجنائية
تعتبر المسؤولية عن فعل الغير، استثناءا من القاعدة الأصلية القائلة بأن الإنسان لايسأل إلا عن فعله الشخصي، ومن تم لاينبغي التوسع في تفسير أي استثناء يقضي بمسؤولية الإنسان عن فعل غيره، بل يتعين التقيد بالأصل العام ، وباعتبار أن المسؤولية عن فعل الغير ما هي في الواقع إلا حالات استثنائية لذلك، فإنه يلزم أن يكون هناك سبب جدي ومعقول لتحمل الفرد لنتائج أفعال هذا الغير، كأن يتولى رقابته أو تعليمه بمقتضى نص في القانون، أو بناء على اتفاق مسبق يؤكد هذا الإرتباط بين الشخص المسؤول ومن صدر عنه الفعل الضار. وتقوم المسؤولية عن فعل الغير في حالتين :
أ- إذا كانت لهذا الشخص سلطة الرقابة على هذا الغير وذلك إما بسبب قصره أي أنه لم يبلغ سن الرشد بعد، وإما بسبب حالته العقلية أو الجسمية أي أن يكون مجنونا أو معتوها أو مصاب بعاهة كما لو كان أعمى أو مقعدا وذلك ولو كان راشدا.
ب- إذا كان مرتكب الخطا يقوم بعمل لحساب شخص آخر وهو الشخص المسؤول وكان خاضعا لذلك في إشراف وإدارة هذا الأخير، أي أن تكون هناك علاقة تبعية قائمة بين هذين الشخصين، سواء كان مصدر هذا الالتزام بالرقابة مقررا بمقتضى نص قانوني أو بمجرد الاتفاق.
ويشترط لتحقيق هذه المسؤولية أن يرتكب المشمول بالرقابة عملا غير مشروع أو خطأ يسبب ضررا للغير، فإذا تحقق هذا الشرط فإن المكلف بالرقابة يكون مسؤولا عن الأضرار التي تسببت في هذا الفعل، ففي المجال المدني يتبنى المشرع المسؤولية عن فعل الغير في العديد من الحالات ، ليتدخل بدوره القانون الجنائي، بصورة استثنائية ليقرر المسؤولية الجنائية عن فعل الغير، ومثال ذلك تقرير المسؤولية الجنائية للأطباء عن أفعال مساعديهم، أو مسؤوليتهم عن فعل الفريق الطبي، أو في إطارالعلاقة والموجبات القانونية في الرقابة والتنظيم وتتبع العمل الجراحي، والوقوف على التفاصيل المتعلقة بالمحيط الطبي في علاج مريض ما، أو عملية جراحية أو تخدير موضعي أو جانبي أو كلي…لذا سنعرض لمسؤولية الطبيب عن فعل الغير في حالة وجود عقد طبي بينه وبين المريض، ثم في الحالة التي لا يكون فيها هذا العقد موجودا، وهي الحالة التي يطلق عليها مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعيه، علما بأن عنصر الخطأ يصاحب أعمال الطبيب وتابعيه ويتبوأ فيها – الخطأ- مظاهر مختلفة:
– المسؤولية عن فعل الغير التي تستلزم إثبات الخطأ.
– المسؤولية عن فعل الغير القائمة على افتراض الخطأ القابل لإثبات العكس.
– المسؤولية عن فعل الغير الذي يعد غير قابلا لإثبات العكس.
فالخطأ الطبي الجنائي يتضارب فيه عنصر الإثبات بين موجب الوصول إلى نتيجة واعتبار بذل غاية، يقع عبء الإثبات تارة على المريض وأخرى على الطبيب، لايعنينا نحن في هذا الإطار، سوى استخلاص مسؤولية الطبيب في إطار علاقته بالمرفق الصحي العام- المستشفى- والمرفق الصحي- الخاص-، عن فعل الغير- الفريق الطبي- (أولا) ثم هل يمكن أن يعاقب الطبيب بسبب جريمة ارتكبت من طرف غيره ولو في نطاق الروابط العقدية( متعهدي جمع القمامة والنفايات الطبية مثلا) (ثانيا) وأي دور للتأمين الطبي في تحمله للمسؤولية القانونية نيابة عن المرفق الذي ينتمي له الطبيب، أو نيابة عن الطبيب نفسه (ثالثا).
أولا: مسؤولية الطبيب عن أخطاء الفريق الطبي
إن العلاقة بين الطبيب الجراح في المستشفى العام وأعضاء الفريق الطبي العاملين معه علاقة لا تبعية، ولذلك فإن الطبيب لايسأل جنائيا عن فعل يقوم به أحد مساعديه من الفريق الطبي إلا إذا أمكن أن ينسب إلى الطبيب نفسه خطأ وحده دون أي منهم، وإذا لم يكن أي من هؤلاء إلا منفذا لأوامر الطبيب، ولم يقع من أحدهم نفسه خطأ ما . ولا يتعلق الأمر بالمستشفيات التابعة لوزارة الصحة العمومية والخاضعة للتنظيم الإستشفائي الذي جاء به مرسوم 2007، بل يشمل جميع مرافق الصحة العمومية أيا كانت وضعيتها القانونية، ولايكون المرفق الصحي العمومي مسؤولا بذاته إلا إذا كان معتبرا مؤسسة عامة متمتعة بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري، كما هو الشأن للمراكز الاستشفائية المستقلة- قانون رقم 80-37 الصادر 15 يناير 1983، فإذا لم تكن له شخصية معنوية مستقلة، فإن المسؤول في هذه هو الشخص المعنوي العام المالك للمرفق الصحي حتى لو كان هدا الأخير يدار بصورة مستقلة. كما هو الشأن بالنسبة للمصالح والمراكز الاستشفائية التابعة لوزارة الصحة العمومية، وكذلك الشأن بالنسبة للمصحات المملوكة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ، فقد يجد المريض نفسه، وقد دخل إلى المستشفى من المستشفيات العامة أمام طبيب لم يختره، هو الذي يتولى علاجه، بل إنه عندما يتعامل مع هذا الطبيب، لا يتعامل معه بصفته الشخصية، بل بصفته موظف يعمل في مرفق عام هو المرفق الصحي، ومن هذا المنطلق فإن العلاقة القائمة بين المريض والطبيب لا يمكن نعتها بالتعاقدية، مادام أن حقوق والتزامات كل منهما، لا تتحدد بمقتضى العقد، وإنما من خلال اللوائح المنظمة لنشاط المرفق الصحي العام الذي تديره المستشفى، ويتجه القضاء إلى تطبيق قواعد المسؤولية التقصيرية عند تحديد مسؤولية المستشفى العام عن الضرر الذي يصيب المريض، وعلى ذلك فقد قضت محكمة باريس” المسؤولية التي يتعرض لها أطباء المستشفيات بصفة عامة، ذات طابع تقصيري، ذلك أن تكوين العقد الطبي، يتطلب حرية المريض في اختيار طبيعة، وقبول الطبيب، فإن مثل هذا العقد لا وجود له بين الأطباء العاملين في المستشفيات، وبين المرضى الذين يدخلون المستشفى عن طريق مصالح الرعاية العامة، وبذلك فإنه للمطالبة بالتعويض الذي تسبب فيه الطبيب في هذه الحالة لا بد من التمسك بالمسؤولية التقصيرية”
ففيما يتعلق بطبيعة العلاقة بين الطبيب والمستشفى، فقد ذهب اتجاه إلى أن استقلال الطبيب في أداء عمله من الناحية الفنية، يمنع كونه تابعا لشخص آخر إن لم يكن طبيبا مثله، يمكنه مراقبته في مثل هذا العمل. وعلى ذلك قضت محكمة مصر الأهلية بخصوص مسؤولية إدارة المستشفى الخاص “أن الطبيب لا يعتبر على العموم تابعا للمستشفى أو الجهة التي يعمل بها، إلا إذ أن كان مدير تلك الجهة طبيبا مثله حتى يمكنه رقابة عمله” وقد قضت محكمة الاستئناف مصر الوطنية بأن:
” المتبوع يكون مسؤولا عن عماله الأصغرين الثانويين، ولو كان تعيينهم بمعرفة الموظفين من الاختصاصات، فإذا حوكم ممرض لتسببه بإهماله في وفاة المريض وحكم عليه نهائيا بالعقوبة، فالمتبوع يسأل عن الإهمال، سواء أكان هو الذي أقام الطبيب في المستشفى في وظيفته، وهذا الأخير هو الذي عين الممرض ومن في حكمه، أم كان المتبوع هو الذي عين الجميع مباشرة” .
فالطبيب الذي يكلف شخصا غير حائز على المؤهلات الطبية بإجراء عمل طبي يكون مسؤول عنه، إذا ما ارتكب خطأ في عملية الجراحة، حيث تنص على ذلك المادة 85 ق.ل.ع عند تقريرها مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعية، لم تميز بين طبيب وغيره. كما قضت بذلك محكمة النقض المصرية في حكمها الصادر بتاريخ 03/07/1969 . ويعد مسؤولا كذلك الطبيب الذي يترك للممرض أن يقوم بعمل هو من صميم اختصاصه، ويسأل كذلك عن الأضرار التي تترتب على عدم قيامه بما يقتضي عليه الواجب من البقاء مقربة من مريض إلى أن يعود هذا المريض إلى وعيه، دون أن يباشر الجراح بنفسه في هذه الفترة كل ما يجب عليه من علاج نحو المريض شخصيا، أو دون مراقبة لمساعديه بما أمرهم من إجرائه، ويسأل الطبيب كذلك في حالة إهماله التأكد من مطابقة تركيب الدواء للأصول المقررة إذا كان هذا الدواء ساما وقد ترك تحضيره للممرض، فترتب على خطأ في التحضير فيصاب المريض بأضرار أو يتوفى نتيجة تناوله ذلك ، وفي هذا السياق أدانت محكمة باريس ” الطبيب الذي يعهد إلى ممرضة، بمزاولة العلاج بالاشعة، فقامت هذه الأخيرة بدون علم إدارة المستشفى باستخدام الالآت التقنية التي لا يجب ألا يستخذمها إلا أخصائي الأشعة، وهو عمل خارج عن اختصاصها العادي فأحدثت بالمريض حروقا جسيمة بسبب علاجات بالموجات القصيرة، وبالتالي اعتبرت المحكمة الطبيب مسؤول عن خطأ الممرض، حيث إذا كانت العادة تقتضي أن الأطباء يسندون إلى المساعدين مباشرة العلاج بواسطة الموجاة القصيرة فإن ذلك يكون تحت مسؤوليتهم، وبالتالي فمسؤولية الطبيب الجنائية مبنية على أساس الخطأ المفترض الذي يتمثل في عدم القيام بواجب الرقابة والأشراف” .
والمسؤولية الجنائية للطبيب عن مساعدية لا تقتصر على المساعد الذي لا يكون غير كفؤ، أو بسبب التقصير والإشراف، وإنما يثور في إطار المسؤولية المشتركة ولو كان المساعد مختص بالعمل المسند إليه، كما هو الشأن بالنسبة للمخدر، خصوصا إذا وجدت مشاركة في بعض القرارات، حتى بالنسبة للمسائل التي تخص بصفة أساسية اختصاص طبيب التخدير مثلا: وسيلة التخديراو تحديد ساعة العملية الجراحية… وفي هذا الاتجاه قررت الدائرة الجنائية المشتركة لكل من الجراح وأخصائي التخدير، “حيث أنه في ظل الفريق الجراحي المشكل من الجراح وأخصائي التخدير، فإن عدم وجود جهاز الإنعاش قبل مباشرة العملية الجراحية على مريضة تشكل إهمالا يسند لكل من عضوي هذا الفريق”
فالسند الواقعي لإضفاء الشخصية على الفريق الطبي، هو صعوبة تقدير أو تحديد مرتكب الخطأ، في الحالة التي يبقى فيها غير معروف، في حين أنه لا يمكن تصور قيام مسؤولية المصحة أو الفريق الطبي أو الطبيب الجراح دون وجود ركن الخطأ الدي يعتبر أساسيا وجوهريا، ففي الحالة التي يتعذر معرفة مرتكب الخطأ، لا يمكن نسبة الفعل إلى أي أحد من أعضاء الفريق الطبي سواء كان جراحا أو طبيب تخدير أو ممرضا مساعدا، الشيء الذي يؤدي إلى ضرورة التسليم بخطأ الفريق الطبي، وهو فرض لا يمكن تصوره إلا بمنحه الشخصية المعنوية.
بالإضافة إلى ذلك لايمكن تسمية مسؤولية الطبيب (بالمسؤولية عن فعل الغير ( لأن الطبيب لايسأل دائما عن فعل يصدر من المساعد، فهناك الكثير من الحالات يسأل فيها المساعد دون الطبيب، ومن ذلك هناك قضيتان هما قضية (هليار) وقضية (كولد)، إذ نلاحظ في هاتين القضيتين أن المسؤولية قد أقيمت على المساعد وتمت تبرئة مدير المستشفى في الحالة الأولى والمجلس المحلي في الحالة الثانية، ويرى القاضي (salvaire) أن القضاء الجزائي بدأ يتقبل إحدى نظريات القانون العام، وهي التفريق في التنفيذ والخطأ في الخدمة، فإذا نشأت الجريمة عن الخطأ في التنفيذ ارتكبه العامل أو من في حكمه يتحمل وحده المسؤولية الجزائية، أما إذا نشأت الجريمة عن خطأ في الخدمة فإن الرئيس يسأل جزائيا، كما يسأل العامل بوصفه فاعلا أصليا إذا أمكن الخطأ إليه، أما موقف القضاء فهو لايتمسك بهذه الاعتبارات النظرية (كونها مسؤولية شخصية عن فعل الغير) وإنما يسلك مسلك عمليا بتقرير مسؤولية الطبيب عن الأخطاء التي تصدر عنه، وإن اشترك في إحداث النتيجة الضارة عدة أخطاء (خطأ الطبيب وخطأ المساعد)، أو كان الخطأ صادر من الطبيب وحدة دون المساعد، وإن كان الضرر ناتجا بالفعل المادي الصادر من المساعد فتقوم مسؤولية الطبيب دون المساعد، وبذلك ذهب الفقه والقضاء الجنائي، إلى أن الطبيب لايسأل جنائيا عن فعل يقوم به مساعده إلا إذا أمكن إثبات خطأ في حقهم وفق القواعد العامة، أما مسؤولية المساعد فقد ذهبت بعض الأحكام إلى أن المساعد إذا كان منفذا لأوامر الطبيب ولم يقع منه خطأ غير أنه يجب علينا أن تفرق بين العمل الطبيب الرئيسي والعمل الطبي المرتبط ، فعندما يتوجه المريض إلى المستشفى فإنه يضع ثقته فيها بإعتبارها مركزا طبيا قادرا على أن يوفر له تلك العناية ، وذلك على عكس التوجه إلى طبيب اختصاصي في عيادته، ففي هذه الحالة يكون قد اعتمد على قيام المستشفى بذلك، فإنها تكون مسؤولة عن أفعال الطبيب الاختصاصي أو الجراح .
وعموما فإن مسؤولية الطبيب عن فعل الغير ، تكاد أشبه بمعادلة رياضية متشابكة ومعقدة ، فالروابط القانونية التي قد تنشأ بين الأطباء ومساعديهم ، أو بين الأطباء في إطار العمل الجماعي -الفريق الطبي- أو في علاقة الطبيب بالمستشفى العمومي ، أو في إطار الرابطة العقدية الطبية مع المستشفى الخاص في ( العقد الطبي ، عقد الإستشفاء ) تكون إما مسؤولية شخصية يتحمل وزرها الطبيب فقط في الخطأ الذي يعزى له نتيجة أوامره لمرؤوسيه – المساعدين والممرضين – أو مسؤولية مشتركة إذا كان القانون يفرض التزامات محددة منذ إجراء العملية حتى النهاية، كما هو الشأن للمسؤولية الواجبة على الطبيب الجراح وطبيب التخدير في التزام السلامة الذي أشرنا إليه في سابق هذه الدراسة ، أو مسؤولية يتحملها المرفق الصحي الذي يضم الطبيب مع إمكانية رجوع هذا الأخير عليه – الطبيب – في إطار المسؤولية الشخصية – غالبا المسؤولية المدنية – وهي مساعي قانونية، لا تنفي استقلال مسؤولية الطبيب عن الفريق الذي ينتمي له في القطاعين معا (القطاع الصحي والقطاع الخاص)، مما يبرهن وبوضوح تام أن مسؤولية الطبيب في الجريمة الطبية عن فعل الغير، قائمة وثابتة ومؤكدة على شرط أن ينسب للطبيب وبشكل قطعي خطأ شخصي من خلال عمله الطبي، وبطبيعة الحال لا نرى تحقق ذلك إلا في الأخطاء الفنية غالبا، والتي تحدد الطريق لقيام مسؤولية الطبيب الجنائية. فالطبيب – المشار إليه بأصابع الإتهام – لن يسلم من المساءلة أينما حل وارتحل، ومهما اختلفت وضعيته القانونية، إلا في حالة واحدة يتحفظ فيها القضاء بالنسبة للطبيب الأجير الذي تربطه بالمستشفى أو العيادة أو المصحة علاقة عمل، ويقرر مسؤولية المستشفى عن خطأ الطبيب، نظر الوجود عقد طبي بين المريض والمستشفى أو العيادة التي يعمل فيها الطبيب، حيث يعتبر المستشفى بنوعيه-العام والخاص- مسؤولا عن كل خطأ يصدر من العاملين فيه، هذا في جانبه العقدي والتقصيري للمطالبة بالتعويض، على أن الجانب الزجري العقابي في المادة الجناية لن يرحم الطبيب شيء إلا وسيلته في نفي المنسوب له ” والبينة على من ادعى”.
ويمكن القول كقاعدة عامة بأنه” المسؤولية عن فعل الغير” استثناء فتحه المشرع المغربي على مصراعيه انطلاقا من مبدأ “شخصية المسؤولية الجنائية” في الفقرة الأولى من الفصل 132 من القانون الجنائي انطلاقا من الفقرة الأخيرة من نفس الفصل ، فالطبيب ليس مسؤولا فقط عن أخطاء الفريق الطبي تحت إمرته أو الأخطاء المتبادلة، بل تقع على مسؤوليته حتى الأدوات الطبية وقت وقوع السبب من فعل الغيرالذي يوجد تحت رقابته وتوجيهه إما بنفسه أو بواسطة أحد الأشخاص، ولامجال للخوض فيها، يدفعنا الأمر إلى استخلاص واستبيان مسؤولية الطبيب في إطار “رابطة عقدية من نوع خاص”- حسب تعبيرنا- ويتعلق الأمر بمسؤولية الطبيب عن فعل متعهدي جمع القمامة والنفايات الطبية طبقا للقانون رقم 00-28 والمرسوم التطبيقي له على ضوء دراسة مقارنة (ثانيا).
ثانيا: مسؤولية الطبيب عن أخطاء متعهدي جمع القمامة والنفايات الطبية
المسؤولية القانونية عن النفايات الطبية قد تثار في ظل القواعد الخاصة التي تنظم تداول وإدارة هذا المصدر الخطر للعدوى والمرض، ولكنها قد تثار أيضا في ظل القواعد العامة في المسؤولية، فالتنظيم القانوني في قوانين البيئة يعتمد في كل الأحيان على حماية ” الاشخاص” من خطر هذه النفايات، ويرتب المسؤولية الجنائية للمتسبب ” عمدا” في النتيجة ، ويعد القانون رقم 28.00 الخاص بتدبير النفايات والتخلص منها، أول نص قانوني يواجه بشكل مباشر معضلة النفايات، حيث يتضمن مبادئ وقواعد وإجراءات تشريعية وتنظيمية ومالية تشكل مرجعية أساسية لتدبير عقلاني عصري وفاعل لظاهرة النفايات، ويعرف القانون 28.00 في مادته الثالثة النفايات بأنها ، ” كل المخلفات الناتجة عن عمليات استخلاص أو استغلال او تحويل أو إنتاج أو استهلاك او استعمال أو مراقبة أو تصفية وبصفة عامة، كل الاشياء والمواد المتخلى عنها او التي يلزم صاحبها بالتخلص منها بهدف عدم الإضرار بالصحة والنظافة العمومية والبيئة”.
وتصنف النفايات الطبية والصيدلية بحسب خاصيتها وطبيعتها على النحو الآتين كما نصت المادة 3 :
“الصنف 1:
أ- نفايات تحتوي على خطر العدوى لاحتوائها على كائنات دقيقة أو سميات قادرة على أن تسبب المرض للإنسان أو لكائنات حية أخرى، وكذا الأعضاء والأنسجة البشرية أو الحيوانية غير قابلة للتعرف.
ب- أدوات حادة أو قاطعة متخلى عنها كانت في تماس مع مادة بيولوجية أو لم تكن في تماس معها.
ج- منتوجات ومشتقات الدم المخصصة للعلاج غير مستعملة أو فاسدة أو انتهت مدة صلاحيتها
الصنف2:
أ- أدوية ومواد كيماوية وبيولوجية غير مستعملة أو فاسدة أو انتهت مدة صلاحيتها.
ب- نفايات الأدوية أو المواد المانعة لانقسام الخلايا والمانعة التسمم غير أنه يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار عند تدبير النفايات الناجمة عن استعمال المواد السامة السامة التشريع المطبق على هذه المواد
الصنف 3
أ- أعضاء وأنسجة بشرية أو حيوانية سهلة التعرف عليها من طرف شخص
غير متخصص
الصنف 4:
نفايات مماثلة للنفايات المنزلية”
أما المادة 4 من نفس المرسوم فتشير:
“يتعين على منتجي النفايات الطبية والصيدلية وضع نظام داخلي للتدبير يتضمن على الخصوص:
– تعيين وحدة مسؤولة عن تدبير هذه النفايات
– التوفر على طاقم من الأشخاص المؤهلين والمكونين لممارسة الأنشطة المتعلقة بتدبير هذه النفايات.
– مسك سجل تدون فيه كميات وصنف ومصدر النفايات المنتجة والمجمعة والمخزونة والمتخلص منها.
غير أنه يمكن للمنتجين لكمية من النفايات الطبية والصيدلية من الصنفين 1 و 2 تقل عن 10 كيلوغرام في اليوم الاقتصار على تعيين مسؤول مؤهل مكلف بتدبير هذه النفايات ومسك السجل.
أما فيما يتعلق بكيفيات الفرز والتلفيف والتخزين فإن المادة 6 حددت الطريقة للتعامل مع كل نوع من هذه النفايات، حيث نصت على ما يلي:
” تفرز النفايات الطبية والصيدلية حسب إنتاجها حسب أصنافها وتوضع في أكياس بلاستيكية أو في أوعية ذات ألوان مختلفة وذات استعمال وحيد تستجيب للمواصفات الجاري بها العمل، وذلك وفق الكيفيات التالية
– أكياس من البلاستيك المقوى وغير مسربة للسوائل ذات لون أحمر
توضع فيها من الصنف (1-أ) و (1-ج)
– أوعية صلبة تغلف بأحكام ذات لون أصفر توضع فيها النفايات من الصنف (1-ب)
– أكياس من البلاستيك المقوى غير مسربة للسوائل ذات لون توضع فيها النفايات من الصنف 2
– أوعية أو أكياس من البلاستيك ذات لون أبيض غير شفاف توضع فيها الأعضاء والأنسجة البشرية أو الحيوانية (الصنف 3)
– أكياس من البلاستيك المقوى وغير مسربة للسوائل ذات لون أسود توضع فيها النفايات من الصنف 4″
وما دمنا في نطاق المسؤولية الجنائية للطبيب عن أخطائه المهنية ينتابنا شعور للتساؤل حول مجال إخضاع الطبيب للمساءلة الجنائية عن الضرر الذي يلحق المصاب بوباء أو عدوى هاته النفايات داخل المستشفيات والمصحات، وهل مسؤولية الطبيب تعد مسؤولية شخصية في ذلك؟ وما هي المسؤولية القانونية للمستشفى أو المصلحة؟
بتفحصنا لقانون 00-28 ، ومرسوم 21 ماي 2009 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها من خلال المواد المذكورة سابقا، والتي صنفت النفايات الطبية والصيدلية، والتي أوجبت وضع نظام داخلي يحدد مجموعة من الموجبات القانونية التي تستلزم التوفر على وحدات مسؤولة عن تدبير النفايات، إضافة إلى مجموعة من الإجراءات الشكلية لضبط السجلات، نخلص بصيغة صريحة من خلال استقرائنا للمواد المومأ إليها إلى الآتي:
– ما تشير إليه المادة 4 من المرسوم، تجعل قراءة النص القانوني بمفهوم المخالفة يعني أن عدم تعيين وحدة مسؤولة عن تدبير هذه النفايات من طرف مدير المستشفى أو المصلحة سبب كافي لإثارة مسؤوليته الشخصية في مواجهة المتضرر من النفايات الطبية، طبعا بعد ثبوت ذلك عن طريق الخبرة الطبية المتخصصة في هذا المجال، فلا يكفي مجرد التعويض المدني بل احتمال المساءلة الجنائية وارد خاصة إذا امتنع هذا الأخير، كما يلزمه القانون من ضرورة التوفر على وحدات مسؤولة عن هذه النفايات أو على طاقم مؤهل للتعامل السليم مع التدبير المؤذي والضار للنفايات الطبية والصيدلية.
– لننتقل إلى الافتراض جدلا أن الضرر والتلفيف والتخزين المشار إليه في المادة 6 من نفس المرسوم لم يحترم ضوابط المواصفات الجاري بها العمل المتعلقة بالأكياس المصنفة لكل نوع من النفايات الطبية والصيدلية على حدة، مثلا تم تلفيف النفايات ذات لون اصفر المحتوية للصنف أو ب المشار إليه في المادة 3 المرسوم دائما مكان النفايات ذات اللون الأحمر المتضمنة للنفايات من الصنف (1-أ) و(51-ج) فنشأت حادثة معينة لسبب رئيسي أو خارجي ألحق ضررا بضحية ما، من يتحمل المسؤولية؟ هل يمكن مساءلة الطبيب أو مدير المستشفى أو متعهدي جمع القمامة والنفايات الطبية والصيدلية؟
إن أي تحريك لهذه النفايات بهدف الجمع أو النقل أو التخزين أو المعالجة أو الاستخدام يجب أن يكون مرخص للقائم على التداول بهذا العمل، وطبيعي أنه لن يحصل على الترخيص إلا بعد استيفاء الاشتراطات اللازمة في اللائحة التنظيمية، فإذا كان “المتعهد” حاصلا على الترخيص فإن التعاقد معه سيكون جائزا، ولا شأن للطبيب أو المستشفى –بعد ذلك- في التزام “المتعهد” بشروط الترخيص من عدمه أو بعملية طرق النقل أو التخزين أو المعالجة أو الاستخدام من عدمه فهذا شأن الجهات الإدارية المختصة مانحة الترخيص .
والعقوبات التي جاء بها القانون الذي لم يفعل بعد –في هذه النقطة نعترض على التعليق الصحفي- ما دام القانون قد نشر بالجريدة الرسمية- تبدأ من دفع 200 درهم لتصل إلى 20 ألف درهم، أما العقوبة الحبسية فتراوح بين شهرين وسنتين سجنا، في المقابل ينفي غالبية الفاعلين في قطاع الصحة من أطباء وصيادلة ارتكابهم لأية مخالفات في مجال التخلص من النفايات الطبية وبالتالي التزامهم بالتخلص منها عبر التعاقد مع شركات مخصصة لهذا الغرض .
ونثمن ما جاءت به المادة 74 في الباب الثاني: “المخالفات والعقوبات” التي نصت: “يعاقب بغرامة من 10 آلاف (10.000) إلى مليون (100000) درهم وبحبس من شهر إلى سنة أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من قام بتسليم نفايات خطرة لشخص أو لمنشأة غير مرخص لها بذلك بغرض معالجتها أو تثمينها أو إحراقها أو تخزينها أو التخلص منها”
وهو فصل صريح يشير إلى مسؤولية الأطباء الجنائية في حالة القيام بالأفعال المنصوص عليها في المادة أعلاه. فقد يبرم المستشفى أو الطبيب اتفاقا مع إحدى الجهات أو الشركات أو المصانع أو الوسطاء من شأنه شراء المشيمة والسقط والأعضاء الأدمية الأخرى الممكن الاستفادة منها لاستخلاص أدوية أو مستحضرات تجميل أو استعمالها في أغراض أخرى وهو ما يستخلص معه أن الجريمة الطبية في هذا الباب محتملة من جانب الطبيب أوجهة المستشفى إذ يكفي ثبوت الفعل الذي يسبب ضررا للغير -ضحية أخطاء النفايات الطبية- فيسأل الطبيب على إثر ذلك في هذه النقطة على أساس النص الخاص الذي جرمه قانون 00-28 لا على أساس القواعد العامة الفصلين 432 و 433 من القانون الجنائي المغربي، فالفعل أو الامتناع هنا، لا يتخد من الخطأ ركنا لقيام المسؤولية الجنائية بل يترجم فعلا محظورا يعاقب عليه القانون الطبي في الباب الثاني (المخالفات والعقوبات) من قانون 00-28 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها بالعقوبة الحبسية دون السجنية مهما بلغت جسامة الضرر الذي يعد –المواطن- عرضة له في أي وقت وفي أي مكان، والأدهى أن المشرع المغربي يعتبر –ربما- أنها حالات استثنائية نادرة الحدوث.
ومن هذا المنطلق فإن راهنية الأطباء والمستشفيات والمصحات …على التأمين الطبي الذي ظل ردحا طويلا من الزمن يفتقر إلى الإرادة الطبية –المرفق والأطباء- لتلبية طلبات المضرورين من الحوادث الطبية يعتبر إسهاما قانونيا حقا، بمقتضى نصوص التشريع وإقرار القضاء لحماية ضحايا الأخطاء يبقى موضوعا للمناقشة والتحليل في النقطة اللاحقة.
ثالثا: دور التأمين الطبي في إقرار الحماية القانونية للمرضى
نظرا لأهمية التأمين على الأطباء للأخطاء الطبية فقد جعله المشرع الفرنسي إلزاميا لجميع العاملين في مجال الصحة، وكذلك المؤسسات الصحية وجميع التنظيمات العاملة في مجال العلاج والتشخيص والصحة، حيث يلزمهم جميعا قانون الصحة العامة الفرنسي الصادر عام 2002 بالتأمين لتغطية المسؤولية المدنية عن الأخطاء الطبية . وهكذا نجد جل المطالبات القضائية تتجه نحو الرجوع على المصلحة بالتعويض لملاءة ذمتها إذا ما قورنت بالأطباء العاملين لديها من جهة، ومن جهة أخرى لشمول التأمين المبرم من طرفها لمختلف الأضرار الناتجة عن أخطاء أجرائها، فما دامت المصحة قد أمنت مسبقا الضرر الناتج عن خطأ الطبيب الأجير، فلا مجال للبحث في مسؤولته الشخصية، كون النتيجة المنطقية لعقد التأمين تفرض الرجوع عليها مع إحلال شركة التأمين التي تبقى متعهدة بجبر الضرر، وذلك ما حدا بالقضاء المغربي إلى إقرار مسؤولية المصحة استنادا إلى مقتضيات عقد التأمين، فقد جاء في قرار المجلس الأعلى عدد 1327 مؤرخ في 04/05/2005 وهو قرار حديث للمجلس الأعلى:
“المحكمة أجابت عن الدفع المثار في الوسيلة بقولها أن الثابت من عقد التأمين أن الضمان يشمل جميع الأضرار اللاحقة بمرضى المصحة بسبب الأخطاء المرتكبة من طرف الأطباء العاملين بها، وهو ما اصطلح عليه بالاشتراط لمصلحة الغير، وبذلك تكون المحكمة قد اعتبرت عن صواب أن من حق المطلوبة المتضررة رفع الدعوى المباشرة على الطالبة وفقا للقواعد العامة المبنية على الاشتراط لمصلحة الغير حيث يكون لهذا الغير أن يطلب باسمه من المتعهد تنفيذ التزامه نحوه ما لم يمنعه العقد من ذلك الشيء الذي يثبت من نصوص وثيقة التأمين التي اعتمدتها المحكمة والتي تفيد انصراف إرادة المتعاقدين إلى ترتيب حق التعويض لفائدة مرضى المصحة عن الأضرار اللاحقة بهم من أخطاء الفريق المعالج التابع لهما في ذمة المتعهدة شركة التأمين التي التزمت بدفع التعويض” .
وإذا كان كل من الواقع والممارسة الطبية والاجتهاد القضائي يسير في اتجاه إقرار مسؤولية المستشفيات العمومية والمصحات والعيادات والمستوصفات عن التأمين، فإن قانون 10.94 المتعلق بمزاولة الطب يخلو من أي إشارة لذلك، وهو ما يستنتج أيضا من القانون الداخلي للمستشفيات السابق ذكره، وأيضا ظهير 28.00 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها، وكذا المرسوم التطبيقي له رقم 139-09-2.
ذلك ما تنبه إليه المشرع الفرنسي فنص على إجبارية التأمين من المسؤولية المدنية في الفصل 1142 من قانون 14 مارس 2002 ، وألقى على عاتق الأطباء والمؤسسات الطبية عبء تعويض الأضرار الناجمة عن انتقال العدوى واعتبر المسؤولية متحققة في بعض الحالات دون تحقق خطأ الطبيب، مما كان له أثر سلبي على الأطباء، حيث رفضت شركات التامين تغطية مسؤولية الاطباء، أو قبول تغطيتها نظير أقساط مرتفعة، وهو ما شكل عقبة أمام تطيق نظام التأمين .
وما ينبغي الإشارة إليه، أن حتى في حالة تمام عقد التأمين، فهذا لا يعني بتاتا أن المضرور من خطأ طبي سيحصل على التعويض المدني مباشرة بل لا بد من تخطي عقبة الإثبات،فالمؤمن له – الطبيب أو المستشفى- ملزم بعدم الاعتراف بالمسؤولية وعدم التصالح مع المضرور، فالمادة 214-2 من قانون التأمين الفرنسي الحالي المقابلة للمادة 30 من قانون1930فيها ما يلي: “يمكن للمؤمن أن يشترط أي اعتراف بالمسؤولية وأي تصالح يجري خارجا عنه، لا يمكن الاحتجاج به عليه، الإقرار بالوقائع المادية لا يعتبر اعترافا بالمسؤولية”.
كما جاء في المادة 25 من قرار 25 يناير 1965 ما يلي: “… ولا يمكن أن يتعرض على الشركة بأي اعتراف بمسؤولية ولا بأي صلح يتم دون علم الشركة، كما أن الاعتراف بالصيغة المادية لفعل من الأفعال لا يمكن أن يشبه باعتراف بمسؤولية، وكل عمل إنساني ينجز لفائدة المصاب مثلا العلاجات الطبية والصيدلية المقدمة لجريح وقت وقوع الحادثة أو مثل نقله لمنزله أو المستشفى لا يمكن اعتباره بداية صلح أو قبول لمسؤولية ما عدا إذا كان يترتب عنه تعهد”
وقد أكد كل من المشرع المغربي والفرنسي على ضرورة الفصل بين الاعتراف بالمسؤولية والإقرار بالوقائع المادية والتمييز بينهما، فإذا كان اعتراف المؤمن له بمسؤوليته ممنوع بموجب شرط في العقد، فإن الإقرار بوقائع الحادثة جائز، ولا يعطل حق المؤمن في إدارة دعوى المسؤولية، ذلك أن الوقائع المادية ملك لمن يطلبها ولا يجوز أن يتفق المؤمن والمؤمن له على إخفائها إضرارا بالمصاب، والتزام الصمت بشأنها أو عدم الإدلاء بها يعوق سير العدالة ويضللها، ويكون الضحية في نهاية المطاف هو المصاب في الحادثة .
وهو ما يظهر منه قياسا أن القانون يتصدى لضحية الخطأ الطبي وغايته التوفيق بين مصالح متعارضة – ضحية الخطأ الطبي ومصلحة شركات التأمين- ما يجعل التسليم بأن المسؤولية الطبية قائمة على أساس تحمل التبعة في نطاق التأمين أو في نطاق صندوق مشترك يكون خصيصا لهذا الغرض ، ولا يكتمل مردودها المدني على وجه الخصوص لضحية الخطأ الطبي إلا عبر تعديل أو بالأحرى ترميم مدونة التأمينات بنصوص قانونية من شأنها النهوض بالشأن الطبي. وليس الإجهاز عليه، وهو ما ينبغي على المشرع التدخل العاجل والمستعجل لمواكبته.
الفصل الثاني: نطاق المسؤولية الجنائية للأطباء في ضوء العمل القضائي
يتيح العمل فرصة الاتصال بزملاء المهنة على اختلاف اتجاهاتهم، مع ما يثيره ذلك من مشاكل قد تدفع إلى بعض صور السلوك الإجرامي، بل إن الممارسة اليومية للعمل قد تكون مناسبة يتعرض فيها الشخص لظروف تدفعه إلى الإجرام .
وإذا كان للمهنة دور مهم في تحديد الالتزامات التي تثقل كاهل المهني في علاقته مع زبنائه أو عملائه، فإنها تلعب دورا بارزا في مجال المسؤولية وتعيين نطاقها ، والمشرع المغربي حدد الجرائم التي يمكن أن يرتكبها الطبيب وتترتب مسؤوليته جنائيا، إلا أنه لم ينظم هذه الجرائم في مدونة قانونية خاصة، بل نجد بعضها وارد في القانون الجنائي والبعض الآخر متناثر ضمن قوانين خاصة ، ولعل أول ما يلفت الانتباه بالنسبة لنظامنا الجنائي هو تشتت النصوص والمقتضيات الجنائية في عدة قوانين خاصة، على نحو يجعل ما الصعوبة بمكان – عمليا- الاطلاع عليها والاهتداء إليها بسهولة ويسر، حتى أننا لا نجد قانونا خاصا لا توجد مقتضيات زجرية ، ولعل تحديد نطاق العمل القضائي في الجرائم الطبية تحيد مواقفه أحيانا عن منطق الليونة والتساهل إلى اتخاذ موقف الحزم والشدة مع فئة غير قليلة من الأطباء التي تخرج عمدا عن السلوك الواجب الالتزام به في مهنة الطب، أو ثلة من الأطباء المنضبطة لعادات وأعراف المهنة الطبية على ضوء معيار الخطأ الذي تقوم عليه المسؤولية في الجرائم الغير العمدية، وإذا كان علماء الإجرام يتفقون على حقيقة يتم إثباتها بالاستناد إلى المعطيات الرقمية للإحصائيات الجنائية نفسها، وهي أنه منذ تاريخ ارتكاب الجريمة وقيام الشرطة بالتحقيق في ظروف وماديات ارتكابها، وصولا إلى تدخل النيابة العانة، وصولا إلى إحالة المتهم على العدالة الجنائية قصد محاكمته، أي كلما تعددت إجراءات المتابعة والأجهزة المكلفة بالقيام بذلك، كلما قلت حظوظ إصدار أحكام الإدانة، وبالتالي إدراجها ضمن إحصائيات القضاء ، فإنه يصعب عمليا تحديد ماديات الجريمة الطبية بين جرأة النصوص القانونية وافتقارها للعقوبة المتكافئة للفعل أو الامتناع في الجريمة الطبية، وبين تجزيئ القضاء لكل جريمة على حدة خارج النصوص العامة – القانون الجنائي المغربي- إلا استثناءا يتطلب من القاضي جهدا جبارا للاطلاع والمعرفة بالقوانين والنصوص التي توجب العقوبة الجنائية للمخالفات والجرائم الطبية.
لذلك ومحاولة منا لمعالجة “نطاق الجرائم الطبية للطبيب بين سبل التشريع وعمل القضاء” في هذا الفصل تقسيمه إلى مبحثين:
المبحث الأول: التطبيقات القضائية للمسؤولية الجنائية للطبيب الناشئة عن خطأ غير عمدي
المبحث الثاني: محدودية تدخل القضاء في المسؤواية الجنائية للطبيب وخالات انتفائها
المبحث الأول : التطبيقات القضائية للمسؤولية الجنائية للطبيب الناشئة عن خطأ غير عمدي
لعل المرجع الأساسي الذي يتم الركون إليه في حالة عدم وجود تعريف مدقق لمفهوم معين في قانون معين، هو الشريعة العامة لقوانين الشكل أو الموضوع. وما دمنا في كنف الشق الموضوعي-القانون الجنائي المغربي- ونحن بصدد دراسة صور الخطأ الطبي المنحدر من مفهوم الخطأ بشكل عام، هذا الأخير الذي لم يتعرف التشريع بيانه في نطاق الأعمال الطبية، ولم يخلع له إسما معينا، مما حدا بالقضاء إلى القواعد العامة في المسؤولية الجنائية للأطباء شأنهم في ذلك شأن جميع أرباب المهن الأخرى كالمهندسين والصيادلة، وذلك لقلة النصوص الصريحة في هذا الجانب، اللهم ما كان من الفصلان 432 و 433 اللذين يشكلان نصا عاما يطبق على الطبيب كما يطبق على غيره.
وباعتبار أن الطبيب يجد مبرر تدخله وتعرضه لأجسام الأشخاص في الفصلين 124-125 من القانون الجنائي لكون مهنة الطب تعتبر واجبا إنسانيا، والأفعال التي يقوم بها أوجبها القانون وأمرت بها السلطة الشرعية، فإنه وجب لتقرير مسؤولية الطبيب إثبات ارتكابه خطأ أدى إلى وفاة أو جرح أو إلى تشويه الخلقة أو بتر أحد الأعضاء . و حيث أن المشرع أورد في نصوص مختلفة من المجموعة الجنائية صورا للخطأ الجنائي، وهي من الشمول بحيث تتسع لجميع حالات الخطأ التي يمكن تصورها في الواقع ما دام المشرع الجنائي المغربي في هذا الإطار قد نحى منحى التشريعات التي عددت صور الخطأ الجنائي إلا أنه لم يذكرها جميعا إلا في الفصلين 432-433 وهي كلها صور لجرائم غير عمدية وردت في صياغة عامة، لم تحدد الخطأ بعينه مما يعني أنه خطأ قابل لأن ينطبق على الطبيب، بتوافر إحدى هذه الصور فقط دون الأخرى.
وهي صور لأخطاء طبية مادية، أي أنها تشكل صورا للخطأ العادي، في حين الأخطاء الطبية الفنية هي حالات لأخطاء مهنية ذات صلة بأعمال الطبيب في مراحل مختلفة تبتدئ من مرحلة التشخيص حتى تصل أخطاء تحرير الوصفة الطبية أي عملية تنفيذ العلاج بصورة غير مباشرة أو مباشرة في علاقته بالمريض.
ولإلقاء الضوء على هاته الأمور، سنقسم هذه الفقرة إلى نقطتين أيضا، نعمد فيها إلى بسط أهم الجوانب لتسليط الضوء على أشكالها حتى تمد القارئ عموما والباحث في المجال الطبي خصوصا، بالسمات الجوهرية التي تنفرد بها هاته الصور. وذلك من خلال القواعد القضائية المسطرة في هذا الباب.
فما هي إذن أهم التطبيقات القضائية لهذه لصور الخطأ الطبي؟ و كيف يمكن مؤاخذة الطبيب على جرمه الغير العمدي وعلى أي أساس؟.
المطلب الأول: التطبيقات القضائية لصور الخطأ الطبي الواردة في القانون الجنائي المغربي
الفقرة الأولى: عدم التبصر وعدم الإحتياط
1-عدم التبصر
لعل من أهم التطبيقات القضائية الفرنسية ما قضت به محكمة النقض الفرنسية في هذا الشأن: “الذي أحدثه في رحم المجني عليها بجهاز الشفط، ثم أمره بإيقاف فحص التجويف البطني عن طريق المسطرة الذي أمر به طبيب التخدير، وانتهاء بعدم فتح البطن الذي كان ضروريا لإيقاف نزيف داخلي حاد” وأيضا ما قضت به محكمة السين Seine بتاريخ 25 يناير 1949 حينما أدانت” طبيبا جراحا بجنحة الإصابة الخطأ لرعونته وإهماله، حينما أجرى عملية جراحية في الفخذ الأيمن للمريض بدلا من الأيسر، في حين لو رجع إلى الملف الخاص بالمريض لوجد أن صورة الأشعة والبيانات المدونة الخاصة به تشير إلى موضع العملية الصحيح وبالتالي كان في استطاعته تجنب الوقوع في هذا الخطأ ولو تذرع بالحيطة والعناية، وهذا يكفي بإدانته بجنحة الإصابة الخطأ” وفي نفس المعنى أدانت محكمة Douie بتاريخ 12 نوفمبر 1952 “طبيبا جراحا خالف ما جرى إليه العمل بين الأطباء من حيث الإستعانة أثناء إجراء العملية الجراحية بمتخصص حاصل على دبلوم في التخدير أو على الأقل ذو خبرة طويلة في هذا الفن والإكتفاء بإسناد مهمة التخدير لعاملة بسيطة رغم علمه بأنها غير حاصلة على دبلوم فني في التخدير وعديمة الخبرة بالمواد المخدرة مما أدى إلى وفاة المريضة أثناء التخدير” .
أما ما يتعلق بالقضاء المصري، نجد ما قضت به محكمة النقض بأن: “الآثار الحيوية الموجودة برأس الجنين الذي عثر عليه الطب الشرعي بالتجويف البطني تشير إلى أنه وقت إجراء عملية التخدير كان الجنين مازال حيا وغير متعفن كما يقرر المتهم، وأنه يفسر تشخيص المتهم لوفاة الجنين ما زال حيا وغير متعفن كما يقرر المتهم، فضلا عما ظهر من وجود تمزق كبير بالرحم، وأن ذلك مفاده أنه قد أخطأ في الطريقة التي اتبعها في إنزال الجنين الأمر الذي أدى إلى حدوث الوفاة نتيجة تمزق الرحم وما صحبه من نزيف وصدمة عصبية. وانتهى الطبيب الشرعي في تقريره إلى أن ذلك في رأيه يعتبر خطأ مهنيا جسيما. وأنه كما يزيد من مسؤولية المتهم أنه قد فوت على المجني عليها فرصة علاجها على يد أخصائي بعدم تحويلها إلى أحد المستشفيات ثم خلص الحكم إلى ثبوت الإتهام المسند إلى الطاعن في قوله: “و من حيث أنه يتبين مما تقدم أن التهمة الأولى ثابتة من أقوال الشهود سالفة الذكر. قد جاءت قاطعة الدلالة على أن المتهم أجرى عملية إجهاض للمجني عليها أودت بحيلتها ومن أقوال المتهم نفسه، وقد اعترف بإجرائه تلك العملية مستعملا جفة البويضة، ومع التقرير الطبي الشرعي و قد ثبت منه أنه ما كان ينبغي للمتهم استعمال ذلك الجفت وهو يدرك أن المجني عليها في الشهر الخامس الرحمي، كما أن استعمال تلك الآلة قد أدى إلى إحداث تمزيق كبير في الرحم، و أن ذلك يعتبر خطأ مهنيا جسيما من المتهم. و لما كان ذلك، وكانت القاعدة أن الطبيب أو الجراح المرخص له بتعاطي أعمال مهنية لا يسأل عن الجريمة العمدية وإنما يسأل عن خطئه الجسيم، وكان المتهم قد أخطأ في إجراء تلك العملية خطأ جسيما فأهمل ولم يتبع الأصول الطبية. ولا أدل على جسامة خطئه من تركه رأس الجنين وقد وجدها الطبيب الشرعي بالتجويف البطني عند تشريح جثة المجني عليها ولما كان ذلك قد أدى مباشرة إلى وفاة المجني عليها فإنه يتعين إدانة المتهم طبقا للمادة 238 من قانون العقوبات”
وهو ما يدل على أن عدم التبصر – الرعونة – كأحد صور الخطأ الطبي الجنائي تنطبق على التعريف الذي رسمه الدكتور أبو المعاطي حافظ أبو الفتوح:
“هو عدم إدراك الجاني لحقيقة الأخطار التي يمكن أن تترتب على فعله”.
و بالنسبة للقضاء المغربي نجد تطبيقا بارزا لخطأ عدم التبصر الجنائي في حكم حديث صادر عن ابتدائية واد زم بتاريخ 10/07/2006 الطبيب المعالج والطبيب رئيس المستوصف والممرض الرئيسي والمسؤولة عن الصيدلة مشيرا:
“وحيث أنه بالنظر إلى طبيعة العلاقة التي تربط الطبيب بمريضه التي تحكمها اعتبارات شخصية، يجب أن يباشر الطبيب بنفسه علاج المريض وأن يتتبع بنفسه حالته. وإذا ما قرر الإعتماد على شخص آخر فإنه يبقى مسؤولا إزاء مريضه ويكون مسؤولا عندما يكلف آخر ليحل مكانه عند غيابه إذا تبين أن هذا الأخير لا تجربة له…
وحيث أن إقدام الطبيب الأول على وصف الدواء دون أن يكلف نفسه عناء تتبع حالة المريضة الصحية، وحيث إنه و كما معلوم أن العلاج بالعقاقير والأدوية بات ينذر يوما بعد يوم بمخاطر جمة إذا لم يتقن استعمالها وفقا لمعايير دقيقة ومحكمة. ونظرا لما تنطوي عليه من مواد قد تصل إلى درجة عالية من الخطورة وكل ذلك يقتضي من الطبيب الإلتزام في علاج مرضاه جانبا كبيرا من اليقظة والحيطة لئلا يقع في أخطاء فلا يمكن تدارك عواقبها كما يقتضي منه أخذ كل الحيطة عندما يضطر إلى استعمالها ومتابعة مدى تأثير الدواء على المريض وما إذا كانت له مضاعفات أم لا…
وحيث اعترفت الظنينة الخامسة تمهيديا باعتبارها الممرضة التي أشرفت على عملية الحقن بأنه استعصى عليها إيلاج شوكة الإبرة وأعادت ذلك مرة ثانية بعد تسريح مجرى الدم، وحيث إن من واجب هذه الأخيرة أيضا التأكد من صلاحية الدواء وأخذ كافة الإحتياطات اللازمة لتفادي وقوع أي خطر محتمل حيث كان يتوجب عليها بعدما استعصى عليها إيلاج الشوكة إخبار الطبيب بذلك لكي يتسنى لهذا الأخير التدخل ومعرفة سبب هذه الصعوبة وتفادي أي مضاعفات يمكن أن تنجم عن ذلك الشيء الذي لم تقم به مما يعد ذلك أيضا تقصيرا وعدم تبصر وإهمال من طرفها بصفتها ممرضة وتضطلع بمسؤولية جسيمة…
وحيث إنه ومن خلال تفحص مختلف أوراق الملف فإن الظنينة الرابعة هي التي تتولى حراسة صيدلية المستوصف وهي المسؤولة عن الدواء المتواجد بها، وحيث إن عملها هذا يقتضي منها بالدرجة الأولى معرفة صلاحية الدواء قبل تسليمه للممرضة…
وحيث أضافت الظنينة الرابعة في تصريحها التمهيدي بأنها تقوم بمعية كل من طبيب المستوصف والممرض الرئيسي بإحراق الدواء عندما يصبح فاسدا.
وحيث تكون بذلك مسؤولية الطبيب باعتباره رئيس المستوصف جسيمة كما أن مسؤولية الممرض الرئيسي والمسؤولة عن الصيدلة جسيمة أيضا سيما و أنهم مسؤولون عن صلاحية الأدوية المتوفرة بالصيدلية التابعة للمستوصف…
وحيث إن كل واحد من هؤلاء الأظناء أخل بالتزام عام يفرضه القانون على الناس كافة، وهذا يقتضي أن يتجنب الإنسان كل تصرف من شأنه المساس بالحقوق والمصالح التي يحميها القانون وأن يكون متبصرا بعواقب تصرفاته وهذا الإلتزام يفترض أن يكون الوفاء به ممكنا وإذ ” لا إلتزام إلا بمستحيل، ولا تكليف إلا بمقدور كما يقول الأصوليون”.
وحيث إن ما كان مفروضا على الأظناء كان ممكنا تفاديه بأخذ التبصر وترك الإهمال و اللامبالاة واحترام النظم والقوانين المعمول بها، و حيث إنه ما دام أن عمل هؤلاء الأشخاص هو جسم الإنسان فالقانون يقرر أن كل أذى يلحق بجسم الإنسان بعدم تبصره أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو إهماله وعدم مراعاته النظم والقوانين يشكل جريمة يعاقب عليها القانون الجنائي حسب ما يستفاد من الفصل 433 وهو فصل المتابعة أعلاه.
وحيث تكون بذلك أفعال الأظناء عدم تبصر وإهمال وعدم مراعاة للنظم والضوابط أدى إلى إصابة الضحية بشلل على مستوى أطرافها السفلى وحيث إن العلاقة السببية بين ما تعرضت له الضحية والخطأ في حق المتهمين الأول والثاني والرابعة والخامسة ثابتة وفق ما هو مبين أعلاه بشكل لا يرقى إليه الشك سيما وأن حالة المريضة بعد الإصابة شخصت على أساس أن ما حصل لها كان نتيجة حقنها بمادة الأكستنسلين بصفة مباشرة…”
لئن كان الحكم أعلاه يحوي جميع صور الخطأ المنصوص عليها في إطار الفصلين 432 و 433 من القانون الجنائي المغربي، فإنه يجعل وكما أومأنا أنه ليس ضروريا أن يكون الخطأ الطبي الجنائي الذي يدخل في تكوين الجنحة خطأ غير منفصل عن صور الخطأ لقيام مسؤولية الطبيب الجنائية عن أخطائه المهنية. فعنصر الإتصال والترابط بين صور الخطأ الطبي ليس شرطا لتحريك المسؤولية الطبية بل تخلف إحداها لا يؤثر على مجريات الواقعة الجرمية الطبية.
ولا مجال للإحتجاج بأن هاته الصور قد وردت على سبيل الحصر حتى نقول بانتفاء مسؤولية الطبيب الجنائية لتظل حكرا فقط على الخطأ المدني في إطار قواعد المسؤولية المدنية. لأنه حتى وإن سلمنا بذلك فالصور الأربعة الواردة في إطار الفصلين 432 و433 تكون كافية لاحتواء جميع عناصر الخطأ بكافة أشكالها كيفما كانت مدنية أو جنائية. و في هذا الصدد يتجه أيضا الدكتور أبو المعاطي حافظ أبو الفتوح:
“الصور التي ذكرها المشرع من الإتساع بحيث يمكن أن تشمل كل صور الخطأ التي عدد المشرع”.
لننتهي أن مؤاخذة الطبيب عن جرمه الغير العمدي، في عدم التبصر كأحد صور الخطأ الطبي قياسا على صور الخطأ بشكل عام، تتطلب ثبوت المنسوب إليه بتوافر العلاقة السببية بين الخطأ والضرر. غير أن أهم المفارقات القضائية تجعل من ثبوت ذلك مجرد جنحة موقوفة التنفيذ، مما يجسد سمو عمل الطبيب على رقابة القضاء كما في الحكم أعلاه. فأي ضمانة تبقى لضحية الخطأ الطبي الجنائي في ألفية ثورة النصوص الدستورية والقوانين المعدلة كما هو الشأن لدستور المغرب فاتح يوليوز 2011 الذي نص في فصله 22:
“لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، و من قبل أي جهة كانت خاصة أو عامة.
لا يجوز لأحد أن يعامل الغير تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أولا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية
ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد، جريمة يعاقب عليها القانون”.
وحامي الحقوق و الحريات – القضاء – يقف عاجزا أمام بحر العلوم عام، و الطب خاصة. باعتبار مهنة الأطباء تقوم على تقديس حياة الإنسان والحفاظ على جسمه، فيتساهل في تطبيق النصوص رغم جرأة -بعض-الأطباء واستخفافهم بواجبهم وعدم رعايتهم لقواعد المهنة. فالخدمات ومراكز الإستقبال الصحية ببلادنا هي – أعرف من أن تعرف – فمتى يعي المشرع خطورة الوضع وإلى متى ستظل فصول المتابعة الجنائية غير قابلة للتنزيل تحت ذريعة تعاطف القاضي الجنائي، ووسيلته في ذلك سلطته التقديرية غير الخاضعة لرقابة المجلس الأعلى في غير مقام الشأن الطبي؟
هذا ما يهم عدم التبصر كأحد صور الخطأ الطبي، فماذا يمكن القول عن عدم الإحتياط كصورة أخرى لا تخلو أهمية من نشاطات وسلوكات طبية ذات طابع
إيجابي؟
2 – عدم الإحتياط
أما القضاء المصري فقد ذهب بدوره إلى إدانة طبيب في نقض جنائي ارتأينا أن نعرضه أدناه بالتفصيل:
“وحيث أنه يبين من الحكم الإبتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه أنه حمل واقعة الدعوى بما هو مجزء أن المجني عليه مورث المطعون ضدهم كان يعمل حدادا بشركة مصر للبترول (الطاعنة الأخرى) وفوجئ أثناء عمله بدخول جسم غريب في عينه اليسرى فأخرجه، و لما توجه إلى طبيب الشركة أحاله إلى الطاعن بوصفه أخصائيا في الرمد تعاقدت معه الشركة على علاج العاملين بها، و بعد أن أوقع الكشف الطبي عليه حقنه في عينيه و أجرى له جراحة في عينيه معا ثم صرفه بعد ساعة من إجراءها و ظل يتردد على الطاعن بسبب تورم عينيه ووجهه حوالي أربعين يوما للعلاج أن تحقق فيما بعد أنه فقد إبصاره مع أنه كان سليم البصر قبل الجراحة التي لم يستأذن الطاعن في إجرائها. ولم يجري مخصوصا قبلها وقد تخلفت لديه بسبب الطاعن عاهة مستديمة وهي فقد بصره كلية، وبعد أن عرض الحكم لبيان مختلف التقارير الطبية الفنية المقدمة في الدعوى وأقوال واضعها أثبتت أن المجني عليه لم يكن في حاجة إلى الجراحة بالسرعة التي أجراها له الطاعن، عول في ثبوت خطأ الطاعن على ما أورده من تقرير أخصائي مصلحة الطب الشرعي الدموي مع أنه كان يتعين على الطاعن إجراء الفحوص الباطنية والمعملية اللازمة التي توجبها الأصول الفنية للمريض قبل الجراحة وأن إجراء الجراحة في العينين معا قد يعرض المريض إلى مضاعفات إذا أصابت العينين معا بسبب بؤرة مستكنه أو عدوى خارجية أو أثناء الجراحة قد تفقدهما الإبصار وهو ما حدث في حالة المجني عليه، و أن الجراحة لو أجريت على عين واحدة فقط لأمكن اتخاذ الإجراءات الواقية ضد الحساسية عند إجراء الجراحة على العين الأخرى، و لما حدثت المضاعفات في العينين معا مما أدى إلى فقدهما الإبصار كلية، فضلا عن أن الطاعن أخصائي في طب العيون فإنه يطالب ببذل غاية الحذر في علاجه” وهو ما أكده الحكم المستأنف: “… وبذلك يكون المتهم مسؤولا عن النتيجة التي انتهت إليها حالة المريض وهي فقد إبصاره لا بسبب خطأ علمي وإنما كان نتيجة عدم تبصر شخصي منه وهو أمر معنوي تقديري ليس ميزان خاص”.
أما محكمة النقض فقد عللت تأييدها للحكم المطعون فيه بما يلي: “… فإن هذا القدر الثابت من الخطأ يكفي وحده لحمل مسؤولية الطاعن جنائيا ومدنيا، ذلك أنه من المقرر أن إباحة عمل الطبيب مشروطة بأن يكون ما يجريه مطابقة للأصول العلمية المقررة، فإن فرط في اتباع هذه الأصول أو خالفها حقت عليه المسؤولية الجنائية بحسب تعمده الفعل ونتيجته أو تقصيره وعدم تحرزه في أداء عمله، وإذا كان يكفي للعقاب على جريمة الإصابة الخطأ أن تتوافر صورة واحدة من صور الخطأ التي أوردتها المادة 233 من قانون العقوبات، فإن النسف على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون في هذا الخصوص يكون غير سديد”.
أما التطبيقات القضائية لهذا النشاط الإيجابي كصورة من صور الخطأ الجنائي في المغرب فقد أدانت المحكمة الإبتدائية بالبيضاء في حكم جنحي صادر عنها في 19 فبراير 1988 “”طبيبا جراحا متخصصا في فن التوليد لعدم اتخاذه الإحتياطات الكفيلة بالحفاظ على حياة المريضة الضحية على الرغم من توفره على بطاقة المعلومات الشخصية بها… حيث إنه لم يعمل قبل إجراء عملية الولادة على اخذ صور للجنين داخل بطن أمه حتى يتمكن من معرفة وضعيته، ولم يقم بتهيئ كمية الدم اللازمة لحالة الطوارئ، ولا بتهيئ المحضنة لاستقبال المولود الذي ولد بتاريخ سابق لتاريخ الولادة (30 أسبوعا)، وإنما عمد إلى عملية قلب الجنين داخل الرحم وتوليد الضحية دون إجراء فحوص دقيقة، ودون حضور الطبيب المخدر المنعش مما عجل بوفاة المريضة”.
وفي حكم ابتدائية تازة و التي تتلخص وقائعه في أن “طبيبة مختصة في أمراض النساء و الولادة قامت بإجراء عملية قيصرية لسيدة قصدت عيادتها للولادة، و بعد إجراء العملية استمرت تحس بالآلام على مستوى رحمها اضطرت منه المريضة إلى مراجعة الطبيبة عدة مرات. إلا أن حالتها ازدادت سوءا و اضطرت إلى الإنتقال إلى مستشفى إبن سينا بالرباط حيث خضعت لعملية جراحية تبين من خلالها أن الطبيبة التي أجرت العملية القيصرية نسيت جسما غريبا في بطنها هو عبارة عن ضماد تسبب في تعفن الرحم، حيث خضعت لعملية جراحية لإزالة هذا الجسم الغريب و هو من مخلفات العملية الأولى المنجزة من طرف المتهمة… و بالتالي تبقى هذه الأخيرة مسؤولة عن ذلك مسؤولية كاملة في إطار الفصل 433 من ق. ج لعدم تبصرها أثناء عملية إغلاق الجرح و إهمالها في احتساب ما استعملته من قطع نسيج أثناء العملية بصورة دقيقة و مركزة خاصة و أن مسؤولية الطبيبة في هذا الشق لا تندفع بمبدأ إبداء غاية أو تحقيق نتيجة. مما يتعين مؤاخذة المتهمة بما نسب إليها وفق فصل المتابعة…”
على أن الأحكام لا تنتهي دائما بالإدانة ومؤاخذة الطبيب بالمنسوب إليه، فقد ذهبت المحكمة الإبتدائية بتازة في جنحة الإيذاء الغير العمدي نتيجة عدم اتخاذ الإحتياطات اللازمة طبقا للفصل 433 من ق ج معللة حكمها في قضية ولادة ترتب وجود شلل الظفيرة بيد الوضع الآتي:
“… وحيث أنه وما دامت الولادة قد تمت بطريقة عادية وأن المولود استمر حيا بعد ذلك وهو ما يؤكد أن الطبيب المولد استعمل يقظته وحنكته وراعى في هذه الولادة للحفاظ على حياة الأم والمولودة خاصة. وأن تقرير الخبرة أفاد أن الطبيب كان أمام ولادة مستعصية ومستعجلة تطلبت إجراءاها خلال 20 دقيقة بالنظر لكون الأم لم تلتحق بالمصحة إلا خلال الساعة الرابعة وأربعين دقيقة مساء، وأن الوضع كان على الساعة الخامسة مساء وهي العناصر التي تدخلت بدورها في جعل الولادة مستعصية وأن الشلل الجزئي للظفيرة الذراعية اليمنى للمولودة ما هو إلا نتيجة محتمة لمثل هذه الولادة في مثل هذه الظروف، وهو ما أكد الشاهد في معرض شهادته.
وحيث أنه لم يثبت للمحكمة من خلال ما ذكر أعلاه أن المتهم قام أو ارتكب إهمالا أو لم يراع القوانين والنظم ولم يتبصر خلال عملية الولادة، مما تبقى معه العناصر التكوينية لجنحة الفصل 433 من ق ج غير متوفرة هذا من جهة، ومن جهة أخرى الطرف المشتكي صرح في محضر الضابطة القضائية أنه زار الطبيب في العيادة صباحا ونصحهم بارتياد المصحة على الفور لكن لم يلتحقوا إلا خلال المساء وبعد الزوال مما يؤكد صحة ما ورد بشهادة الولادة من ضبطه للتواريخ لم ينازع فيها المشتكين رغم اطلاعهم عليها بعد الولادة.
وحيث أن المحكمة من خلال المناقشات الشفاهية وما راج أمامها وانطلاقا من معطيات الملف لم يثبت لديها العناصر الكافية للقول بإدانة المتهم خصوصا وأن عمل الطبيب ليس مبنيا على تحقيق نتيجة وإنما بذل عناية.
وحيث أن الأصل هو البراءة وأن الشك يفسر لمصلحة المتهم وهي القاعدة القانونية التي ارتأى نظر المحكمة إعمالها أمام عدم ثبوت السبب المباشر في حدوث الضرر وعدم إمكانية الجزم بكونه ناتج عن إهمال الطبيب وتقصيره وارتأت تبعا لذلك القول ببراءته” .
إن مؤاخذة الطبيب بأحد صور الخطأ المنصوص عليها في الفصلين 432 و433 من القانون الجنائي المغربي تستلزم على الطبيب الحيطة والحذر، وإلا أصبح مسؤولا في مواجهة مريضه أمام القضاء الجنائي الذي لن يحيد ويتوارى في تطبيق قواعد الخطأ الغير العمدي، في حالة ثبوت القصد الجنائي للطبيب في تخلفه عن القيام بما كان يلزم، واتخاذه كافة سبل الإحتراز الواقعي والمادي والمهني لدحض ما يواجه به، سواء من طرف النيابة العامة في إطار تحريك الدعوى العمومية، أو من ضحية عمله الطبي جنائيا أو مدنيا في إطار الدعوى العمومية أو الدعوى المدنية التابعة لها، و أيضا في إطار أحكام المسؤولية المدنية أمام القضاء المدني.
هذا ما قد يخلفه الخطأ في عدم الإحتياط فماذا بخصوص الإهمال وعدم الإنتباه الطبي اتجاه المريض؟ و ما هو أثره القانوني الجنائي في الجريمة الطبية؟
الفقرة الثانية: الإهمال وعدم مراعاة النظم و القوانين
1 – الإهمال و عدم الإنتباه
ففي القضاء المصري نجد حكم لمحكمة النقض يقضي في هذا الصدد: “حيث أن الحكم المطعون فيه في سياق بيانه لواقعة الدعوى قد أورد العناصر التي يتوافر فيها ركن الخطأ فيما نسب إلى الطاعن فقال أن المصاب عرض على المتهم الثاني المفتش للصحة فأثبت أن به إصابات من عقر الكلب وظل يعالجه فترة ادعى أنه شفي في حين كانت تبدو منه حركات غريبة لاحظها أقارب المجني عليه بعد خروجه من عيادة المتهم الثاني، فذهب خال المجني عليه يرجوه في أن يرسله لمستشفى الكلب لمعالجته فرفض الطاعن، ثم ذكر الحكم أن الخطأ الذي وقع من الطاعن هو امتناعه عن إرسال المصاب إلى مستشفى الكلي ليعطى المصل الوافي أخذا بما جاء بتقرير الطبيب الشرعي من أن الإصابات كما وصفت بتقرير الطبيب الكشاف تقع بالأنف والجبهة مما يحتم معه إرسال المصاب فورا لإجراء العلاج بالحقن دون انتظار ملاحظة الحيوان العاقر. و قال الحكم إن تصرف الطبيب على النحو الذي تصرف به كان سببا في وفاة المريض. و فيما أثبته الحكم من ذلك ما يدل على أن المحكمة قد استظهرت وقوع الخطأ من الطاعن الذي أدى إلى وفاة المجني عليه. لما كان ذلك، و كانت المادة 238 من قانون العقوبات التي طبقتها المحكمة على جريمة الطاعن لا تستلزم توافر جميع مظاهر الخطأ الواردة بها. وإذا فمتى كان الحكم قد أثبت توافر عنصر الإهمال في حق المتهم “مفتش الصحة” بعد اتباعه بما يقضي به منشور وزارة الداخلية رقم 23 لسنة 1927 الذي يقضي بإرسال المعقورين إلى مستشفى الكلب، و لوقوعه في خطأ يتعين على كل طبيب أن يدركه ويراعيه بغض النظر عن تعليمات وزارة الصحة…”
والإهمال و عدم الإنتباه كصورة للخطأ الطبي السلبي في القضاء المغربي تظهر جليا في مجموعة من الأحكام والقرارات. حيث جاء في قرار لمحكمة استئناف تازة أدان طبيبة لم تراع اهتماما لازما على إثره نسيت قطعة ثوب في جسم المريضة ما تعليله: “… و هو ما يفيد أن المتهمة و أثناء إجراءها العملية المذكورة قد انعدم لديها التبصر ولم تتخذ الإحتياط ولم ترد انتباها بما تقتضيه القواعد الطبية العادية، إذ أن نسيان قطعة ثوب في الجسم وهو أحد أدوات إجراء العملية ليس من الأخطاء العملية والفنية الفائقة الدقة التي تقتضي تطبيق نظريات طبية قد يثبت نجاحها أو فشلها بتجربتها والتي يمكن التساهل فيها وعدم المساءلة، وإنما هو تقصير في مسلك الطبيب العادي ولا يقع من طبيب يقظ و نبيه وجد في نفس الظروف التي أحاطت به، أو هو إخلال بواجب سابق في عدم عد الضمادات والأدوات المستعملة عدا دقيقا والتأكد من استرجاع ما تم استعماله في جسم الضحية طالما أن الضحية تكون أثناء العملية فاقدة الوعي والطبيب مسؤولا عن سلامته.
وحيث إن ما سبق بيانه قد تسبب في ضرر للضحية ببتر الخرطوم الأيمن للرحم بسبب ما أصابه من تحلل وتعفن بسبب الخرقة المذكورة كما هو ثابت من التقرير المذكور وهو كاف للقول بثبوت مقتضيات الفصل 433 من ق ج في حق المتهمة…”
وفي هذا الصدد أدانت ابتدائية فاس في حكمها بتاريخ 24/05/2007 مكلف بالتخدير بتهمة التسبب في القتل الخطأ عن طريق الإهمال وعدم الإحتياط ومما جاء فيه: “حيث إن المتهم و عند الإستماع إليه في سائر المراحل أفاد أنه هو الذي قام بعملية تخدير الضحية أثناء قيام الطبيب بعملية جراحية على مستوى جانب أنفها بطول سنتمتر بشكل عمودي وأنها توفيت أثناء إجراء العملية الجراحية لها، و تبين للمحكمة أن سبب وفاة الضحية يدخل في إطار حادث تخدير، علاوة على أن الضحية كان بالإمكان إنقاذها ولو خضعت لطريقة إنعاش مؤطرة وسريعة من طرف المكلف بالإنعاش، و حيث وأن المحكمة ومراعاة لما اتضح لها أن المتهم ارتكب إهمالا أثناء تخديره للضحية وتقصير أثناء إنعاشها، ذلك أنه لم يتخذ الإحتياطات اللازمة أثناء عملية التخدير ولم يقم بعملية إنعاش للضحية سريعة ومؤطرة لإنقاد حياتها وبذلك تكون مقتضيات الفصل 432 من القانون الجنائي ثابتة في حقه”.
هذا عموما ما يتعلق بالإهمال وعدم الإنتباه كأحد صور الخطأ الطبي، فالمتتبع للعمل القضائي بشأن جريمة الخطأ الغير العمدي من خلال صور الخطأ الثلاث: “عدم التبصر، عدم الإحتياط، الإهمال وعدم الإنتباه” المضمنة في قانون العقوبات، إن على مستوى التشريعات المقارنة أو التشريع الوطني المغربي – الفصلين 432 – 433 من القانون الجنائي – سيستشف مدى الترابط والتناغم بين عناصر الخطأ الثلاث، مما يجعل مجرد توافر إحدى الصور كفيلا للقول بضم جميع الصور الأخرى في الفعل الجرمي، وكأن انتفاء ثبوت جميع الصور لا يلغي توافر مجرد أحد الصور في الخطأ حتى تتحقق المساءلة الجنائية في حق الطبيب عن أخطائه المهنية.
فالأحكام و القرارات الآنفة خير دليل على أن القضاء – المقارن والوطني- يسائل الأطباء عموما والأخصائيين بشكل خاص بمجرد وجود إحدى صور الخطأ الجنائي الذي يتسع ليشمل باقي صور الخطأ المحتملة خارج ما هو محدد في الفصلين 432 و 433، مما يجعل من الخطأ الطبي الجنائي في صوره الثلاث يندرج في سياق الخطأ العام والذي يشكل فيه مبدأ – عبء الإثبات – إشكالا قانونيا كونه رهينا بأمور مادية وفنية دقيقة تتسع معها دائرة التملص من المسؤولية الجنائية. في حين عدم مراعاة القوانين و الأنظمة كصورة رابعة من صور الخطأ الجنائي بمثابة صورة رابعة مستقلة عن الصور السالفة، و لذلك أطلق على هذه الصورة “بالخطأ الخاص” لتمييزه عن “الخطأ العام” الذي يتسع لبقية صور الخطأ.
وعليه كيف يمكن أن تتحدد المسؤولية في عدم مراعاة النظم والقوانين في المجال الطبي؟ و كيف يمكن مساءلة الأطباء في ضوء هذا “الخطأ الخاص”؟ و هل مجال الإثبات في هذه الصورة يتسع أم يضيق، ولصالح من؟ و هو ما سنقف عليه في النقطة الموالية.
2 – عدم مراعاة النظم و القوانين:
كما أسلفنا فإن لفظ القوانين واللوائح يحمل على أوسع معانيه، فلا يقتصر على اللوائح التي تصدرها جهات الإدارة، بل يشمل القوانين والقرارات والتعليمات التي توضع لحفظ النظام والأمن وصيانة الصحة العامة، ولعل أهم تطبيق قضائي لذلك، قرار لمحكمة النقض المصرية لسنة 1927 ورد فيه: “إذا كان الثابت أن مفتش الصحة قد أخطأ بعدم اتباعه ما يقضي به منشور الداخلية رقم 33 لسنة 1927 م والذي يقضي بإرسال المعقور إلى مستشفى الكلب، فإنه يكون مسؤولا عن وفاة المصاب”.
ويعد هذا القرار أهم تطبيق لهذه الصورة. وفي نقض مصري آخر بتاريخ 25 فبراير 1931 ذهبت محكمة النقض إلى أن: “الطبيب الذي يجري عملية دون أن يكون مرخصا له بمزاولة المهنة يرتكب المخالفة بذلك و جنحة الإصابة الخطأ. فلا يعاقب إلا على الإصابة إذ المخالفة والجنحة نشأتا عن فعل واحد هو إجراء العملية ولكن الطبيب في هذه الحالة يرتكب جرحا عمدا، لأن إجراء العملية لا يباح له إلا بالترخيص بمزاولة المهنة.
وما دمنا لم نتوفق في تشريعنا الوطني – القانون المغربي – لتطبيق قضائي يتعلق بهذا الجانب، تجدر الإشارة إلى أن عدم الإلتزام بالقرارات الوزارية أو المناشير أو اللوائح تعد مخالفة مهنية لقاعدة قانونية صريحة وملزمة، فمثلا ينص قرار لوزير الصحة العمومية رقم 64.SM بتاريخ 27 يوينو 1967 بتحديد كيفيات تطبيق المرسوم الملكي رقم 554.65 الصادر في 17 ربيع الأول 1387 (26 يوينو 1967) بمثابة قانون يوجب التصريح ببعض الأمراض و اتخاذ تدابير وقائية للقضاء على هذه الأمراض على إجبارية التصريح ببعض الأمراض وردت على سبيل الحصر. مما يعني أن مخالفة الطبيب لذلك يعد خطأ ومخالفة صريحة للقانون.
كخلاصة لهاته الفقرة صور الخطأ الطبي إجمالا: “الخطأ العام والخطأ الخاص”. فإن هذا الأخير يكتسي أهمية خاصة في ميدان الإثبات الجنائي، وذلك لما يغلب على مهنة الطب من اعتبارات تقنية وفنية دقيقة ومعقدة، تكون في الغالب بمثابة مجسمات لحالات الخطأ الطبي الفني والعادي معا. والذي سنستنتج بأنها تشكل فعلا عبئا حقيقيا على القضاء في استنباط القرائن القضائية، لأنها تعد مرحلة لعمل طبي تترامى فيه وسائل الإثبات بين الشك واليقين، وتتجاذبه اعتبارات المهنة وتعاطف العدالة أحيانا، وصعوبة الإثبات بالنسبة لأطراف النزاع الطبي، وحتى متاهة قناعة القاضي في الجزم بالإدانة أو العكس.
المطلب الثاني: التطبيقات القضائية لصور الخطأ الطبي المادية والفنية
إن حالات أو صور الخطأ الطبي هي مجسمات إما لأخطاء مادية لا تتصل بالأمور التقنية والفنية التي تتطلب المهارة والدقة في إنجاز العمل الطبي. وهي عادة لا تحتاج إلى خبرة لإثبات مراعاة الطبيب لقواعد المهنة. وأمثلتها إجراء جراحة على الكلية السليمة بدلا من الكلية المريضة أو استئصال العين اليمنى بدل اليسرى أو زرع عضو في غير ما اتفق عليه… وإما تكون صورة لأخطاء طبية فنية ذات طابع تقني. وفي كل هذه الحالات قد ينحرف الطبيب عن السلوك المعتاد مما قد يصيب المريض بأضرار قد تكون مميتة.
و سواء تعلق الأمر بأخطاء عادية مادية أو بأخطاء تقنية فنية فإن الإجتهاد القضائي قد أوجب على الطبيب تجنبها وإعطاء المريض عناية يقظة متفقة مع المعطيات العلمية، وهذه هي طريقة أداء الطبيب العادي متوسط الحرص والعناية الذي يعتبره الفقه معيارا للقياس في مختلف مراحل العمل الطبي بدءا من تشخيص المرض والفحوصات والتحاليل الأولية وانتهاء بالعلاج. وعليه سنحاول التعرض لهاته الأخطاء من خلال محاولة فصل الأخطاء المادية عن الأخطاء الفنية وإن كان أحيانا الخطأ المادي الطبي ما هو إلا صورة تطبيقية للخطأ الطبي الفني والعكس صحيح.
إذ نجد حالات تتعلق بمرحلة التشخيص والعلاج ومرحلة الجراحة والتخدير تقوم فيها مسؤولية الطبيب على أساس الإلتزام ببذل عناية وضمان السلامة وتمثل أخطاء مادية بالإضافة إلى وجود حالات استثنائية يلتزم فيها الطبيب بتحقيق نتيجة سواء في عمليات نقل الدم أو التحاليل الطبية وحالات الجراحة التجميلية والتركيبات الصناعية حيث تشكل أخطاء فنية. فهل صحيح أن التزام الطبيب في الحالات المادية يظل ثابتا على مبدأ تحقيق غاية؟ ثم هل هذا الإلتزام في الأخطاء الفنية لا يحيد عن مبدأ تحقق نتيجة؟ وإلى أي مدى يمكن القول بصحة هذه المعادلة؟ وهو ما سنتناوله اتباعا كالآتي:
htmlspecialchars_decode(‘”‘) الفقرة الأولى: الأخطاء المادية htmlspecialchars_decode(‘”‘)
وفيها يكون الطبيب محل مساءلة جنائية. ويتعلق الأمر بالخطأ في التشخيص، والخطأ في مرحلة العلاج أو خلال إجراء عملية جراحية.
أولا: الخطأ الطبي في التشخيص
التشخيص هو فن معرفة واكتشاف مرض معين بأبعاده المرتبطة بعضها ببعض، الذي منح له الفحص الإشعاعي نجاحا كبيرا، وهو نشاط يمارس من جميع الأطباء كيفما كانت تخصصاتهم المهنية والتشخيص يتضمن أول إجراء طبي يواجه به الطبيب المرض لاستعرافه وتوضيحه بعد إجراء الفحص. ويعرف التشخيص بأنه ذلك الجزء من العمل الطبي الذي يهدف إلى تحديد المرض ووضعه في الإطار المحدد، فهو بمثابة حكم يصدره الطبيب بعد دراسة حالة المريض و الإلمام بالأعراض الظاهرة والخفية، وقد يستعين الطبيب في قيامه بهذه المهمة بغيره من الإختصاصيين إذا وجد إزاء حالة لا يسعفه فيها علمه وتكوينه، وقد يستعين ببعض الفحوص و الأشعة و التحاليل إذا كان يتطلب ذلك.
أو هو “استفهام” المريض عما يعانيه مع الإحاطة بجميع المعلومات الصحية . هذا الواجب والفرض – استفهام واستجواب المريض – يقود الطبيب طبعا إلى عملية فحص مريضه لاستكناه طبيعة الألم ومصدره، وهو إما ظاهري أو فحص دقيق حسب قناعة الطبيب بضرورة ذلك. فالفحص الطبي إذن هو قيام الطبيب بمناظرة المريض ظاهريا من خلال ملاحظة بعض العلامات التي قد تظهر على جسمه، وذلك ليتحقق من وجود ظواهر معينة تساعده على تشخيص المرض ووصف الدواء، أو مباشرة طريقة من طرق العلاج أو الجراحة. بعد ذلك يتم التشخيص على مراحل تبدأ بالإستماع لإفادات المريض ورصد الأعراض المرضية ثم إجراء الفحص السريري والإستعانة بآلات أو فحوصات شخصية (أشعة، تحاليل و غيرها) وكذلك بأطباء آخرين عند الإقتضاء.
و التشخيص يجد سنده القانوني في التشريع المغربي انطلاقا من الفصل 30 من مدونة السلوك الطبي التي نصت على أن: “الطبيب يجب أن يقوم بالتشخيص بفائق العناية دون اعتبار الوقت الذي يستغرقه هذا العمل، وعند الإقتضاء يستعين تبعا للإمكانيات المتوفرة بالأطباء الأكثر معرفة وبالطرق العلمية الأصلح”.
وعليه، كيف تتم مساءلة الأطباء عن أخطاء التشخيص؟ وبالطبع نخص موقف القضاء من ذلك.
إن الأحكام التي وردت بشأن أخطاء التشخيص متعددة على مستوى القضاء المقارن و نظيره المغربي. ونظرا لأن دهاقنة و فطاحلة العلوم الطبية يمكن أن يخطئوا في التشخيص، فإن المحاكم نفسها مستقرة في قراراتها على القول: “إن الطبيب حر في تشخيصه” أو إن الغلط في التشخيص لا يشكل في حد ذاته خطأ مهنيا” أو في قول أكثر جرأة “لا يشكل الغلط في التشخيص خطأ” . فمن أهم التطبيقات القضائية لأخطاء التشخيص على مستوى القضاء المقارن و المغربي.
ففي الفحوصات الطبية استقر القضاء الفرنسي على أن إجراء الفحوص الطبية التمهيدية للمريض يعد أمرا ضروريا قبل الإقدام على إجراء الجراحة، وبالتالي فإن الإهمال الواقع من الطبيب في إجراء مثل هذه الفحوص يشكل خطأ في جانبه تقوم به مسؤوليته.
حيث أدانت محكمة “بواتييه” طبيبا كان قد اكتفى بالمعلومات المختصرة التي قدمتها المريضة كتابة، لكي يحدد تشخيصه، ويصف علاجا للتخسيس أودى بحياتها، ووفقا لتقرير الخبراء فإن الطبيب قد تجاهل على نحو غير مقبول الأصول المستقرة للعلوم الطبية”. كما رفضت محكمة “كولمار” أن تعفي طبيب من واجبه في أن يستعلم من طبيب آخر، حتى ولو كان هذا الأخير طبيبا أعفاه من هذا الإلتزام ، وفي نفس الإتجاه نص حكم صادر عن ابتدائية سلا بتاريخ 08/08/1989: “إنه كان يتعين على الطبيب الجراح في هذه الحالة اتخاذ كل الإحتياطات الواجب القيام بها والتي ينبغي، بل يجب اتخاذها قبل العملية كتحضير المريضة لإجراء سلسلة من الفحوص الطبية للتأكد من سلامتها والقيام بفحصها سريريا و قياس ضغط شرايينها وسرعة نبضها وإفراغ بطنها وهي فحوص على جانب كبير من الأهمية، وهو غير مستبان من خلال الإطلاع على الملف الطبي المتعلق بالهالكة، أي المتهم “الطبيب الجراح” وقبل شروعه في العملية القيصرية لم يقم بالإجراءات المذكورة وهي على جانب كبير من الأهمية”.
على أن الخطأ في التشخيص لا يكون محل متابعة جنائية دائما خاصة إذا كان الخطأ يرجع إلى تضليل المريض في البيانات التي أدلى بها عن آلامه وأعراض المرض أو إخفائه لبعض الحقائق، هذا وقد حذا القضاء المصري حذو القضاء الفرنسي، في صدد اغتفار الخطأ في التشخيص طالما لم يتم هذا الخطأ عن جهل واضح بمبادئ الفن الطبي، وعلى ذلك قضت محكمة مصر الأهلية بأن: “الطبيب لا يسأل عن خطئه في تشخيص مرض أو عدم مهارته في مباشرة عملية جراحية، إلا أن يكون مسؤولا عن خطئه الجسيم مدنيا وجنائيا إلا إذا أثبت أنه لم يتخذ الإجراءات التي يوجبها الفن”. كما أدانت محكمة باريس طبيب بسبب استعماله طرقا طبية قديمة مهجورة في الكشف على سيدة حامل، لا سيما وأن من شأن هذه الطرق أن تلحق أضرارا بالجنين.
و عليه هل هناك سبيل لإعفاء الطبيب في أخطاء التشخيص؟
الأمر يجب أن يتعلق باستعصاء تقني دقيق للفحص أو يعزى إلى عنصر أجنبي أو حالة الضرورة والإستعجال. ففي حكم لمحكمة النقض الفرنسية قضت: “بتبرئة طبيب أخطأ في التشخيص حيث استبعد الإنسداد المعوي الذي تسبب في وفاة المريضة، واستندت المحكمة في حكمها إلى تعقيد وعدم وضوح الأعراض مما أدى إلى صعوبة ملاحظة الإنسداد”.
وفي نفس الصدد قضى حكم لإدارية وجدة بتاريخ 02/03/2005 بتحميل المسؤولية لوزارة الصحة في خطأ طبي ورد فيه الآتي: “وحيث يستفاد من المقال الإفتتاحي أن إبن المدعي قد أصيب بتاريخ 28/11/1999 بعينه اليمنى ونقل على إثر ذلك إلى مستشفى الفارابي وقد صادف ذلك اليوم عطلة فلم تنجز الفحوصات لمدة ثلاثة أيام مما تسبب في نزيف بعينه، مما جعله يعرض ابنه على اختصاصي لأمراض العيون بالقطاع الخاص بتاريخ 10/12/1999 الذي أكد وقوع خطأ جسيم وإهمال في التشخيص، وفي ضوء هذا المعطى نقل ابنه إلى المركز الجامعي الإستشفائي الجامعي بالرباط، هذا الأخير قام بعملية جراحية على العين اليمنى للإبن بتاريخ 06/01/2000 فجاء تقرير العملية مؤكدا وقوع نزيف حاد سابق على العين وأن العين أصبيت بالعمى، وبعد الإستماع إلى الطبيب المعالج أوضح أن يوم دخول المريض إلى المستشفى كان يوم عطلة ونودي عليه في منزله وبعد أن جاء وفحص المريض تبين له أنها لا تستدعي القيام بعملية، وأن في هاته الحالة يجب استعمال آلة Viltreotone التي ليست متواجدة بالمستشفى و لا تتواجد حتى بالمستشفى الجامعي بالرباط”.
وقد ميز القضاء الجنائي بين التشخيص المعقد الذي لا يشكل خطأ لا يثير مسؤولية الطبيب وبين التشخيص الواضح الذي يستوجب الخطأ فيه مساءلة الطبيب. وتطبيقا لذلك قضت المحكمة الإتحادية العليا لدولة الإمارات بنقض حكم استئنافي قضى بإدانة طبيب واستندت في قضائها إلى تعقد حالة المريض و صعوبة التشخيص معللة بالآتي: “… إن قسم الأشعة لم يخطر الطبيب الطاعن الذي كان على رأس الجراحة بوجود قصور في تكوين الجيوب الأنفية، وانعدام خلفي للنواتي الخطافية، ولم يتوفر للطبيب سوى صور أشعة مقطعية سمك 15 مللتر وبمستوى رؤية ضعيفة غير واضح منها تفاصيل التركيبات العظيمة الفوهية مما أوهم الطبيب بأن حالة المريض تشخيص في التهاب مزمن وضيق الجيوب الأنفية”.
وتجدر الإشارة أنه ليس هناك سبيل لتملص الطبيب من مسؤولية الجنائية احتجاجا بعدم علمه بحالة المريض النفسية. وهو ما يجد له تطبيقا في قرار للمجلس الأعلى حول حالة مريض أدخل مستشفى الإختصاصات بالرباط بيوم 17/12/2000 وأنه انتحر يوم 14/12/2000 أي بعد مرور أسبوع، وأن زوجة الهالك تقدمت بدعوى بتاريخ 15/02/2002 توضح فيها أنها أرملة الهالك، وأن زوجها كان مريضا بمرض نفسي وأن المسؤولين بهذا المستشفى تركوه بمفرده بالطابق الثالث بمستشفى الإختصاصات دون اتخاذ الإحتياطات اللازمة، إلا أن المركز الجامعي استأنف الحكم نظرا لتحميلة المسؤولية لشركة التأمين وقد استأنف لتحميل المسؤولية للزوجة التي تعرف حالة زوجها علما أن المحكمة حملت العارض المسؤولية لتقصيره في تشخيص المرض وعدم توفير العناية اللازمة رغم العلم بتدهور حالة المريض. كما أن بقائه لمدة أسبوع يمكن للإدارة والطاقم الطبي من معرفة مرضه وإرساله إلى مستشفى الأمراض العقلية، فضلا على أن ممرض المصلحة أكد أن الهالك كان يعاني من مرض السفيليس وفي مرحلة متأخرة (مضاعفات السيفيليس النفسية في حالة متأخرة) وأن حالته النفسية جد متدهورة الشيء الذي يؤكد أن المستشفى كان على علم بحالة المريض، وبذلك يكون مسؤولا طبقا لمقتضيات الفصل 79 من ق.ل.ع في فقرته الأولى.
أمام هذا قضى المجلس الأعلى بإلغاء الحكم المستأنف جزئيا فيما قضى به بإخراج شركة التأمين الوطنية والحكم من جديد بإحلالها محل مؤمنها في الأداء واعتبار الخطأ خطأ في التشخيص”.
أمام هذا التنوع في قرارات و أحكام القضاء التي تقر مبدأ مساءلة الطبيب أثناء مرحلة التشخيص، فبعدما اختلفت محاكم القضاء الفرنسي في شأن تقرير مسؤولية الطبيب عن الخطأ في التشخيص فقضت بعضها بانتفاء المسؤولية الجنائية للطبيب في ذلك، قضى البعض الآخر بقيام مسؤولية الطبيب – جنائيا ومدنيا – شريطة أن يكون الخطأ نتيجة جهل وإهمال جسيم من الطبيب كما أسلفنا. وأخيرا استقر القضاء على أن الخطأ في التشخيص نتيجة إهمال أو عدم احتياط من جانب الطبيب. بمثابة ثبوت جنائي إذا نشأ عن فعله إصابة المريض أو وفاته. أصبحنا نسائل الطبيب عن الإخلال بمبدأ الإلتزام ببذل عناية”.
الفرض والواجب على الطبيب والذي يجد له صدى في حكم لمحكمة باريس بتاريخ 26/09/2002: “الطبيب الذي أجرى تصويرا صوتيا Echographie قد أخل بالتزامه ببذل عناية حيث أكد للأبوين أن للجنين أطرافه الأربعة كاملة، وذلك بمناسبة فحصه للأم بين الأسبوع العشرين والأسبوع الرابع والثلاثين من الحمل، وتبين بعد الوضع أن الطفل فاقد لذراعه الأيسر وهو أمر يمكن تشخيصه بنجاح عادة منذ الأسبوع الثاني عشر من الحمل”.
كما أن عدم استشارة الطبيب في التشخيص لطب التخصص يجعله محل متابعة جنائية، حين قضت محكمة ليون: “أن الطبيب (الطب العام) المرتكب خطأ في قراءة صورة التشخيص الطبي للقلب L’électrocardiograme التي لم تكن تبين بوضوح علامات تظهر جلطة قلبية متنامية، ولكنه ارتكب خطأ لعدم احترامه لالتزامه بالإستشارة حين أهمل توجيه المريض الأخصائي في القلب وشخص المرض بكونه مجرد شعبة رئوية Bronchite”.
وعموما فإن مبدأ “الإلتزام ببذل عناية” الملزم للطبيب في مرحلة التشخيص يتأسس بناءا على الحالات التالية:
1 – يسأل الطبيب إذا أخطأ في التشخيص خطأ واضحا ينم عن جهل واضح بأصول المهنة وتقنية الفن الطبي.
2 – إذا لم يستعمل الوسائل العلمية الحديثة المتفق على استعماليها وفي حدود توفرها، وإذا كانت حالة المريض الصحية من شأنها تحمل تلك الآلات.
3 – إذا استعمل آلات مهجورة من شأنها إلحاق الأذى بالمرض.
4 – إذا لم يستشر زملاؤه الأكثر تخصصا ولو كانت القاعدة العامة تقضي أن الطبيب لا يلتزم باستشارة طبيب آخر أكثر منه خبرة وتخصصا إلا أن هناك حالات استثنائية تستدعي ذلك وبصفة خاصة إذا طلب المريض أو ذووه منه ذلك.
فإذا كان هذا هو موقف القضاء من مرحلة التشخيص والذي أقر مبدأ مساءلة الطبيب. فما هو الوضع إزاء مرحلة أخرى لعمل طبي يكون فيها العلاج التزام أيضا “ببذل عناية” ملقى على عاتق الطبيب؟
ثانيا: الخطأ الطبي في العلاج
من المبادئ المستقر عليها فقها وقضاء أن الطبيب حر في اختيار طريقة علاجه التي يراها ملائمة وفي مصلحة المريض، فلا مانع يمنع الطبيب من اتباع علاج شخصي خاص به شريطة أن يكون العلاج المذكور مبنيا على أسس طبية علمية صحيحة ، وهو مقيد في ذلك بمصلحة المريض وما تقضي به اللوائح و القوانين المنظمة لمهنة الطب، وأيضا المنظمة لاستخدام المواد السامة والمخدرة. و قد أكد المشرع الفرنسي على ذلك في المادة التاسعة من قانون أخلاقيات المهنة بقوله: “الطبيب حر في وصف العلاج الذي يتناسب مع حالة المريض”. كما نص في المادة الثامنة عشر من ذات القانون: “يجب على الطبيب أن يمتنع عن الفحص والعلاج الذي يترتب عليه مخاطر لا مبرر لها، ويجب أن يراعي أن تكون الأخطار التي تترتب على هذا العلاج أقل من أخطار المرض نفسه، وأن يكون استعماله مبررا بحالة المريض ومصلحته في الشفاء و إلا عد الطبيب مسؤولا عن خطئه”.
كما أن للطبيب أن يقوم بالعلاج بنفسه، أو يستعين بالغير من المؤهلين لذلك طبقا للفصل 23 من القرار المقيمي بشأن قواعد السلوك الطبي ، غير أن الطبيب يسأل في حالة مرضية يفوق علاجها مستواه العلمي وكفاءته المهنية إذا لم يستعن بأطباء اختصاصيين واستشارتهم في طريقة العلاج فالطبيب ملزم باتباع الأصول العلمية وقت تنفيذ العلاج الطبي، باعتباره “التزام عام” يقع على عاتق الأطباء باتخاذ العناية اللازمة وعدم الإهمال أو الجهل الجسيم بأصول المهنة، أو في حالة خطأ نتيجة استخدام لفن قديم منتهي في العلاج، وهو ما ذهبت إليه إحدى المحاكم الكندية: “بإدانة طبيب أجرى تجبيرا لكسر بفخذ طفل، متبعا طريقة بدائية نتج عنها تلف سريع للعضو اقتضت الضرورة العلاجية بتره، وفي هذه القضية نبهت المحكمة إلى الواجبات الأساسية للطبيب أن يستخدم وسائل معروفة وعلما حديثا و أن يحدد علمه حتى يكون مسايرا للعلوم الحديثة وقت تنفيذ العلاج”.
ولا سبيل للطبيب في دفع مسؤوليته بحجة فقر المريض وعدم قدرته على دفع الأتعاب الطبية، وهو ما يجد له صدى في حكم محكمة جنح الجيزة: “في سنة 1935 بصدد مسؤولية الطبيب عن عدم وضع المريضة تحت ملاحظته في عيادته والتردد عليها يوميا حيث تستدعي حالتها ذلك وأنه لا يخليه من هذه المسؤولية أن تكون المريضة فقيرة، لأن الطبيب كان يجب عليه أن يبحث هذه الوجهة قبل إجراء العملية لا بعدها، فإما أن يقبل العلاج وإما أن يرفض فيتحمل أهل المريضة المسؤولية ويرسلونه إلى المستشفى أو يتركونه يموت ميتة أخرى لا مسؤولية عليه فيها”.
ولا وسيلة للطبيب أيضا في الإحتجاج برفض المريض للعلاج إلا بتوافر شرط الكتابة، وهو ما يجد له صدى أيضا في القضاء: “الطبيب يسأل عن الرحيل المبكر للمريض من المستشفى بعد إجراء العملية الجراحية وما ينتج عن ذلك من ضرر، حيث كان ينبغي على الطبيب الحصول كتابة من المريض على ما يثبت رفضه للبقاء”.
ولا يسأل الطبيب عن الخطأ في العلاج إلا إذا كان ظاهرا أو أن الطبيب أظهر جهلا بأصول العلم الطبي وهو ما يجد له صدى في قرار لمحكمة النقض بمصر: “إن إباحة عمل الطبيب مشروطة بأن يكون ما يجريه مطابقا للأصول العلمية المقررة، فإذا فرط في اتباع هذه الأصول أو خالفها حقت عليه المسؤولية الجنائية و المدنية، متى توافر الضرر بحسب تعمد الفعل ونتيجته أو تقصيره و عدم تحرزه في أداء عمله أيا كانت درجة جسامة الخطأ المستوجب لمسؤولية مرتكبه جنائيا ومدنيا، وقد قررت أن الطاعن قد أخطأ بتصديه لعلاج الفتق الأربي الأيمن جراحيا في عيادته الخاصة، مع عدم قدرته على مجابهة ما صحب الحالة من غرغرينا بالأمعاء الدقيقة و الخصية رغم علمه مسبقا قبل تدخله جراحيا بأن وجود الغرغرينا أمر متوقع، الأمر الذي انتهى إلى وفاة المريض، فإن هذا القدر الثابت من الخطأ يكفي وحده لحمل مسؤولية الطاعن جنائيا ومدنيا”.
وأكثر من ذلك، فلقد فرض القضاء الفرنسي على الطبيب التزاما بمراقبة تنفيذ تعليماته. و”أقرت محكمة “تولوز” الإبتدائية بمسؤولية الطبيب عن النتائج الضارة الناشئة عن عدم مراعاة تعليماته، وكان الطبيب قد أعطى تعليماته لرجل أصيب في حادث تصادم بأخذ حقنة مضادة للتيتانوس، ولم يتناول المصاب الحقنة لأسباب غير معروفة فأصيب بهذا المرض ثم شفي منه، ولكن تخلفت لديه أضرار كبيرة نسب للطبيب عدم مباشرته بنفسه علاج الحقن الموصوف للمريض وقد ألزمته المحكمة بدفع تعويض للمريض، بعد أن أسندت إليه عدم تأكده بنفسه من تنفيذ علاجه”.
وفي حكم صادر عن محكمة استئناف مصر قضت فيه: “بالنسبة للأطباء الأخصائيين فإنه يجب استعمال منتهى الشدة معهم، وجعلهم مسؤولين عن أي خطأ و لو كان يسيرا إذا ساءت حالة المريض بسبب معالجتهم لأن من واجبهم الدقة في التشخيص وعدم الإهمال في معالجتهم”.
كما يجب على الطبيب اللجوء إلى العلاج بالأدوية قبل اللجوء إلى العمليات الجراحية وبالأخص في المرحلة الأولى للمرض، ويجب عليه تجنب استخدام وسائل علاجية طويلة الأمد أو معقدة و مضرة بالصحة، و هذا ما أكدته المادة 18 من قانون أخلاقيات المهنة، ويجب عليه توخي الحيطة والحذر أثناء فترة العلاج، ويعد مسؤولا في حالة انقطاعه عن معالجة مريضه دون مبرر و في وقت غير مناسب وهو ما قضت به محكمة النقض الدولية الفرنسية: “بإدانة طبيب بجريمة القتل الخطأ بسبب عدم قيامه بفحص إكلينيكي شامل للمريضة، وهذا عاق تشخيص المرض بدقة وأخر التدخل الجراحي مم نجم عنه وفاة المجني عليها”.
إن علاج الطبيب يكون محل متابعة جنائية نتيجة أخطائه، فالإضافة إلى الحيطة و الحذر ومراقبة تتبع العلاج والإكتشافات الطبية فإنه بالمقابل ليس من حق الطبيب استعمال علاج إن كان في طور التجريب أو ما زال لم يؤذن باستعماله. وتعتبر وصفة العلاج التي يحررها الطبيب هي محرك عملية العلاج، وعادة ما تكون هي الحد الفاصل بين التشخيص و العلاج، وتعتبر الوصفة وثيقة خطيرة من شأنها أن تثير مسؤولية الطبيب، وفي أحوال أخرى مسؤولية الصيدلي الذي يسلم الدواء أو الممرضة التي تشرف على العلاج، وقد قضى القضاء الفرنسي “عن وفاة مريض كان الطبيب قد حرر له وصفة بدواء سام وكتب عليها الحرف الأول من كلمة « Gouttes » نقاط، الشيء الذي حذا بمساعد الصيدلي لأن يركب الدواء على أساس 25 غرام (25Grammes) فقضت المحكمة أن الطبيب ارتكب خطأ بعدم توضيح الوصفة الطبية بما فيه الكفاية، وإدانة الصيدلي ومساعده بوصفهما شريكين لأن الصيدلي ملزم بالإعتراض على الوصفة إذا خالفت الصيغة الصيدلية وإشعار الطبيب بما يلاحظه من أمور غير عادية تبدو له غلطا”.
وفي هذا الإتجاه نحى حكم محكمة واد زم الذي أومأنا إليه سابقا، يستفاد معه أن أخطاء الطبيب في العلاج تبتدئ من لحظة تحرير الوصفة حتى مرحلة تنفيذ العلاج وتتبع المريض بالملاحظة والإرشادات والتدخل الآني إذا استدعت الظروف ذلك.
بقي لنا أن نتساءل عن حالة الطبيب الذي يفوت فرصة العلاج؟
والطبيب الذي احترم قرار مريضته في رفض العلاج تماشيا مع مبدأ الرضا؟ وما محل المسؤولية الجنائية في هذا الفعل؟ و هل يشكل جريمة يعاقب عليها القانون؟
تتعدد فرصة العلاج بين تفويت الفرصة في استمرار الحياة، وتفويت الفرصة في الشفاء أو الشفاء بلا آثار، وتفويت فرصة تجنب الضرر الذي يشكو منه المريض، وتفويت فرصة التحسن، وتفويت فرصة العلاج على يد أخصائي، و تفويت فرصة الحياة العادية دون إعاقة. وهي جميعا صور لتطبيقات قضائية في القضاء المقارن نصوغها بالتلخيص أدناه لإستجلاء مكونات الفعل الذي يوجب قيام مسؤولية الطبيب عن تفويت فرصة العلاج للمريض.
فقد قضى القضاء في تفويت فرصة استمرار الحياة بأنه: “يعد مسؤولا الطبيب الذي أخطأ في استئصال الزائدة الدودية، فهو وإن لم يؤدي إلى الوفاة إلا أنه حرم المريضة من الحياة”.
وفي تفويت فرصة الشفاء بلا آثار اعتبرت المحكمة “مسؤولا الطبيب الذي تسبب بإهماله الملاحظة والعناية، في ترك الأنيميا والعطب يزدادان لدى المريضة، فعلاقة السببية و إن لم تقم بين الخطأ و الوفاة، إلا أنه فوت على المريضة فرصة الشفاء”.
وفي حالة تفويت فرصة تجنب الضرر الذي يشكو منه المريض “اعتبر القضاء مسؤولا الجراح الذي يمتنع – دون مبرر مقبول – عبر التدخل وفحص المريض بالأشعة، مما يساعد على تقدم المرض، وإن لم يكن قد أدى إلى حدوث الضرر، إلا أنه أَضاع على المريض فرصة تجنب الضرر الذي يشكو منه”.
وفي تفويت فرصة التحسن قضى: “بأنه يعد مسؤولا الطبيب الذي يمتنع عن وصف العلاج المعهود رغم تعليمات معهد السرطان مما أدى إلى إجراء جراحة – أصبحت حتمية للمريض – بعد عدة شهور، فهذا الإمتناع بعض فرص الشفاء أو التحسن، وهذه الفرص وإن كانت ضئيلة، إلا أنها مع ذلك ليست افتراضية، بل محققة و يلتزم الطبيب بتعويض الضرر الناتج عن ذلك”.
وفي تفويت فرصة العلاج على يد أخصائي في قضية تتلخص وقائعها: “في أن طبيبا ليس أخصائيا في أمراض النساء، حاول إجهاض امرأة باستعمال جفة البويضة، فأحدث بها تمزيقا كبيرا بالرحم و صدمة عصبية أدت إلى وفاتها وكان ما أثبته الحكم فيما تقدم من عناصر الخطأ التي وقعت من الطاعن، تكفي لحمل مسؤوليته جنائيا”.
هذه نماذج بعض التطبيقات القضائية لحالة تفويت فرصة العلاج بجميع صوره، والتي تظهر أن القضاء يقر ثبوت مسؤولية الطبيب المدنية والجنائية. فالعلاقة التي تربط الطبيب بالمريض تلزم الأول بالدقة والحرص المتناهي في جميع مراحل العلاج، فالطبيب هو صاحب الدراية والمعرفة الفائقة بأصول المهنة. و عليه لا يجب أن يساير و يرضخ لإرادة المريض في الإمتناع ورفض العلاج. و هو ما يجد له صدى في قرار لمجلس الدولة الفرنسي في قضية بتاريخ 29/07/1994 Affaire garnier حيث: “تم تشخيص سرطان الثدي عند مريضة إلا أنها رفضت متابعة العلاج، مما جعل الطبيب يسايرها في البداية عندما قررت أن تعالج بحمية خاصة Homéopathie إلا أن السرطان استفحل مما جعل الطبيب يرسلها إلى طبيب متخصص في السرطان، فرفضت المريضة الدواء مجددا ورفعت شكاية إلى المجلس الجهوي للأطباء الذي عاقب الطبيب الأول و شدد هاته العقوبة للأطباء. وجاء قرار مجلس الدولة في 29/07/1994 الذي أكد على أن الطبيب حينما وافق المريضة متابعة تلك الأدوية، جعلها تحرم من فرصة العلاج وفرصة الحياة”.
فكأنما القضاء ينزل المريض منزلة المجنون المرفوع عنه القلم، و يرفع الطبيب إلى مقام الوصي والولي على المحجور والقاصر وناقص الأهلية. فالمريض يكون تحت وطأة إكراه المرض وضغط نفسي يجعل إرادته معيبة في علاقته بمؤسسة الطب، والتي يجب أن تأخذ بعين الإعتبار الوضع الصحي للمريض، فتسمو بإرادتها فوق كل اعتبار.
هذا عموما ما توفرنا عليه من قرارات وأحكام لمرحلة تعد من أدق مراحل العلاج الطب، والتي يشكل فيها الخطأ عنصرا مهما لطرق باب القضاء عن الأضرار الجسدية والنفسية التي تلحق ضحية الخطأ الطبي في مرحلة العلاج. فماذا يكون بخصوص مرحلة أخرى لا تخلو أهمية من المساءلة الجنائية للأطباء و يتعلق الأمر بمرحلة الجراحة والتخدير؟
ثالثا : الخطأ الطبي في الجراحة والتخدير
مما لا شك فيه أن الجراحة قدمت إلى الإنسانية الكثير، إلا انها تنطوي على كثير من الخطر، لذلك لا يجوز تقريرها إلا بعد تفكير وروية وبالأخص في حالة كونها جراحة يتم عملها في مكان خطير مثل جراحات القلب والكلي ونقل الأعضاء…. ، وفي الغالب يتم اللجوء إلى الجراحة لإنقاد إنسان لم يجدي معه العلاج الغير الجراحي في حين يعتبر التخذير، وبحق فتحا عظيما في الميدان الطبي، وقد بدأت مزاولته منذ سنة 1864 واستعمل منذ ذلك التاريخ كما تعددت وسائله وتطورت تقنياته التي فتحت آفاقا جديدة في الميدان الجراحي، إذ بفضله أمكن للأطباء الجراحين إجراء التدخلات الجراحية على قدر كبير من الثقة والتعقيد ومهما استغرقته من وقت .
وما يشترط لدحض وسائل الإثبات في الميدان الجراحي وطب التخذير حتى تنتفي المسؤولية الجنائية عن هذا النوع من طلب التخصص هو التزامات عديدة قبل العملية وخلالها وبعدها :
1- يجب إجراء فحص عام وعمل أشعة
2- الإحتياط للعملية الجراحية بإحضار طبيب مختص في التخذير للتدخل قبل الجراحة وتخذير المريض بعد فحصه، والاستمرار في مراقبته أثناء العملية والاطمئنان على صحوة المريض بعد الانتهاء من العملية الجراحية .
3- اتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة المحيطة بالجراحة والتخذير داخل غرفة العمليات
4- عدم ارتكاب خطأ جسيم أثناء عملية سد وإغلاق الجروح
5- تتبع المريض بعد العملية الجراحية إلى حين قيامه بالسلامة
ومما يجدر التنبيه إليه في هذا الخصوص، أن الفحوص الأولية التي يجريها الجراح للمريض سواء تعلق الأمر بالفحوص البيولوجية او الراديولوجية او الفحوص القلبية بواسطة مخطط القلب الكهربائي L’électrocardiographie لا تقوم مقام تلك التي يجريها المخذر، فالفحوص التي يقوم بها الطبيب الجراح، تبقى الغاية الأساسية منها التحقق مما إذا كان المريض يتقبل العملية فعلا أم لا، في حين أن الفحوص الذي يجريها المخذر هي تحدد بالدرجة الأولى الشروط التي في ضوئها سيتم تخذير المريض كالفحوص القلبية العرقية les examens cardio-vasculaire والفحص الرئوي l’examen pulmonaire وتحلون الدم والبول une sanguine glycémieوزمن الإدماء temps de saignement ووقت التخثر temps de coagulationثم إن الفحوص الأولية التي يجريها الجراح لا تمنعه، ان اقتضى الأمر ذلك من إجراء فحوص إضافية او تكميلية أو حتى استجواب المريض، وتبقى الإشارة إلى ان الطبيب الجراح لا يكون ملزما بإجراء كل هاته الفحوص في الحالات الاستعجالية القصوى والتي تقتضي بطبيعتها تدخلا فوريا من أجل إنقاذ المريض أو المصاب .
هذا باختصار نوع العلاقة التي تربط الطبيب الجراح بالطبيب المخذر فمتى تثور مسؤولية كل مؤسسة على حدة؟ وهل هناك احتمال وارد لإثارة مسؤولية كلا المؤسستين معا وكيف ذلك؟
التطبيقات القضائية في مؤسسة طب الجراحة ومؤسسة طب التخذير وافرة ومتعددة، والمسؤولية الطبية تعد حلقة الوصل بين التدخل الجراجي وطب التخذير في العمليات الجراحية، والتي يكون مناطها خطأ طبي ألحق ضررا بالضحية في جميع مراحل العمل الطبي على جسد المريض أثناء العملية وخلالها وبعدها لتتبع حالته الصحية. وأخطاء الطبيب أثناء ذلك يمكن أن تكتسي وصف الأخطاء المادية كما يمكن أن تكتسي وصف الأخطاء الفنية، كما أنها قد تمتد لتشمل مسؤولية الطبيب عن تابعيه.
وفي هذا يرى الفقه والقضاء أن الطبيب والجراح يعتبر مسؤولا عن الفريق الطبي بكامله ، هذا في الوقت الذي أخذ فيه الاجتهاد القضائي الفرنسي يتضح بشأن تحديد مسؤولية طبيب التخذير، الذي يناط به دور مراقبة تنويم المريض بواسطة البنج، وكذلك مراقبة استيقاظه بعد العملية الجراحية ، وما بين المرحلتين مراقبة تنفس المريض ودورية الدموية، وقد قضت محكمة مونبولي الفرنسية ” أن الطبيب التخذير ملزم بمساعدة ومراقبة المريض الخاضع لعملية جراحية إلى حين استرجاعه لكامل وعيه، وأن يستعمل كل وسائل الإنعاش المتطلبة لتحقيق ذلك” .
ومن التطبيقات القضائية للجانب المتعلق بطب الجراحة في جميع مراحلها ما قضت به المحاكم الفرنسية من إدانة لجراج في مرحلة الإعداد لعملية حيث:
” تم تشخيص ورما شخصيا على أنه ورم خبيث وقام ببثره، ثم تبين أنه ليس كذلك ، نتيجة لخطئه في الفحص الذي أدى إلى خطأ في التشخيص والتدخل الجراحي “. كما قضت محكمة النقض المصرية في 11 فبراير 1973 ” بإدانة أخصائي في الجراحة لم يتخذ كافة الاحتياطات اللازمة لتأمين نتيجتها والتزام في العينين معا وفي وقت واحد مع عدم الحاجة إلى الإسراع في إجراء العيون عن جريمة إصابة خطأ ترتب عنها فقد الإبصار ” . كما أدان القضاء المصري أيضا طبيبا أجرى عملية بدون مرض ونشأ عنها نزيف بعد أن اتضح أن النزيف سببه شرياين قطعت لم يقم الطبيب بربطها مع أن الأصول الطبية تقضي بذلك”.
وفي قضية لمحكمة النقض الفرنسية ” أدانت أحد الجراحين بجريمة المساس غير العمدي بسلامة الجسم، حيث سمح بوضع زجاجة ماء حار في سرير المريض بعد إجراء العملية الجراحية له، وقبل إتمام إفاقته مما سبب له حروقا في بعض أجزاء جسده ” . وفي حكم صادر عن المحكمة الاتحادية العليا للإمارات قضى :” بتأييد الحكم المطعون فيه الذي أدان طبيب جراح عن مسؤولية عن خطأ الطبيب يتمثل في المس بسلامة جسم المريض على أساس تلوث الجرح بفعل الطبيب حيث تعامل معه لكثرة فتحه دون أن يكون ذلك في غرفة معقمة ” .
وإذا ما خالف الطبيب الجراح القواعد الطبية والتقنيات العلمية فإنه يكون محل متابعة جنائية، وهو ما وقع لجراح في عملية ختان حيث قضت محكمة الاستئناف الكويتية 4 يونيو 1980 :” بإدانة الطبيب الجراح الذي أزال كامل الجلد المغلف للعضو الذكري وانتظام خلف الاخذوذ التاجي للأحليل ” وفي قرار لمحكمة النقض الفرنسية حول قضية متخصص في جراحة الأسنان stomatologieقام بعملية ختان، تعرض الطفل بعدها إلى نزيف حاد مما جعل الطبيب يطلب من العائلة الذهاب بابنهم إلى المستشفى مع وعد انه سيزور الطفل يوم غذ إلا أنه زار الطفل بعد 36 ساعة وقع بعدها تفحم غير رجعي لعضوه التناسلي مما دفع محكمة الاستئناف بباريس إلى تحميل المسؤولية للطبيب بتاريخ 12/02/1992 وهو ما اكدته محكمة النقض ” .
ويسأل الطبيب عن كل الأخطاء التي يرتكبها أثناء مباشرة العملية الجراحية، وهذا ما أكدته محكمة الاستئناف بالدار البيضاء في أحد قراراتها الذي جاء فيه :” حيث إن الدكتور … بنسيانه للجسم الغريب في جسم المدعية أثناء القيام بالعملية الجراحية يكون قد ارتكب خطأ جسيما أخل بالمقتضيات العامة التي تفرضها عليه مهنة الطب، والتي تستوجب بذل عناية ومجهود حاد ويقظ تتفق والمسلك الطبي الذي يفترض في كل طبيب يقظ في مستواه المهني ، وجد في نفس الظروف الخارجية التي أحاطت به فهو يسأل عن خطئه العادي أيا كانت جسامته ” كما يمكن أن يترتب خطأ الجراح عن إهمال وانعدام الحيطة والحذر وهذا ما تأكد من خلال قرار للمحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 24/12/2002″ حيث تتمسك المدعية في مقالها بكونها دخلت مستشفى ابن سينا بالرباط بقصد إجراء عملية على ورم بالغذة الذرقية إلا أن الطبيب المشرف عوض أن يجري لها هاته العملية بتر لها مرارتها بالرغم من كونها جد سليمة مما دفع المحكمة إلى قبول الدعوى والحكم بالتعويض لصالح الضحية” .
وفي نفس التوجه نحى قرار مدني سنة 1992 في قضية طبيب جراح سمح للمريضة بمغادرة المصحة رغم اكتشافه أن هناك مضاعفات ناتجة عن تعفن الجروح للعملية وعن وجود سائل بالغشاء الرئوي وقد ورد في حيثياته ما يلي :
” حيث يتبين مما ذكر أن كلا من الطبيبين مسؤول عن المضاعفات التي حددثت للمريضة بعد دخولها من أجل الولادة وذلك بسبب إهمالهما وتقصيرهما في بذل العناية اللازمة التي تفرضها قواعد المهنة . وذلك بعدم القيام بالفحوصات والتحليلات الطبية اللازمة قبل إجراء العملية الأولى او الثانية وعدم بذل العناية اللازمة والسماح لها بالخروج من المصحة وهي لازالت في حالة الاستشفاء الشيء الذي نتج عنه مضاعفات خطيرة أدت بها إلى إجراء فتح شرح اصطناعي وكل هذا ما كان ليقع لو قام الطبيبان بواجبهما في أحسن الظروف ووفقا لما تفرضه قواعد المهنة خاصة وأن كلا منهما طبيبين اختصاصيين وليس طبيبين عاديين يفترض فيهما أخذ الحيطة والحذر وبذل فائق عنايتها للمريضة” .
كما لم يفت القضاء المغربي تحديد مسؤولية الطبيب الجراح في إطار طاقمه الطبي ،ولئن كان يسأل عن عدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة كالتأكد من أن المريض قد امتنع عن الأكل وشرب الماء ، فإن تبصره لهاته الجوانب المهمة قبل بدء العملية الجراحية يعفيه من المسؤولية وهو ما يجد له صدى قرار لمحكمة الاستئناف بالرباط لسنة 1989 ، والذي قضى ببراءة الطبيب الجراح والطاقم الطبي معللا ذلك بما يلي :
” حيث إن الاجتهاد القضائي يستلزم لوجود مسؤولية الجراح كرئيس للفريق الطبي إثبات وجود خطأ هذا الأخير وإثبات علاقة الخطأ بالنتيجة الحاصلة ، وهذا هو ما لم يستطع الحكم الابتدائي إثباته.
وحيث لئن كان الحكم الابتدائي يعيب على الطاقم الطبي عدم إفراغ بطن المريضة، فهذا مخالف للحقيقة التي أثبتت بواسطة الجهود والخبراء، وهي أن الهالكة صرحت بأنها لم تتناول إلا رشفة حليب وجزء من بسكويتة، وهذا ما كان مخالفا للحقيقة ، فهي التي تتحمل مسؤوليته، إذ ان القضاء اعتبر الطبيب لا يسأل عن خطئه إذا كان تضليل المريض له بإعطائه بيانات خاطئة أو أخفى عنه بعض الحقائق الخاصة به، آلة إفراغ الأكل فإنه رغم ذلك فقد قام الطاقم الطبي بتركيب آلة إفراغ الأكل او ما يسمى ب la sonde gnostique ومهمتها امتصاص محتوى المعدة ومن تم فإن عملية تركيب أنبوب الامتصاص قد وقعت في وقتها، وهذا ما دفع الأساتذة الدكاترة الخبراء إلى التصريح في تقريرهم على أن جميع الاحتياطات الأولى قبل التخدير قد اتخذت ”
كما أن خطأ الجراح الذي لا يرقى إلى درجة الخطأ المهني يعد عذرا مقبولا لإعفائه من المسؤولية حيث أخطأ طبيب متخصص في الأنف والأذن والحنجرة حديث التخصص قام بإجراء عملية استئصال للوزتين لطفل وقام بحشو بلعوم الطفل بقطعة من الشاش لمنع تسرب الدماء الخارجة من الجراحة ونزولها إلى المريئ والقصبة الهوائية ، وبعد انتهاء العملية نسي إزالة الحشو الذي وضعه في حنجرة المريض وأدى إلى وفاته اختناقا وهو ما دفع القضاء المصري إلى القول : ” وحيث لم تكن هناك أي عيوب في تحضير المريض أو التخدير وجميع مقومات التداخل ولكن ترك هذه الشاشة كان خطأ واضحا مادامت قد تشبعت بالدم بحيث أصبح لونها يضاهي لون الغشاء المخاطي للبلعوم مما يجعل خطأه خطأ لا يرقى إلى مرتبة الخطأ المهني حتى يساءل ” .
وكخلاصة لهذا الشق المتعلق بأخطاء الجراحة، فإن مناط مسؤولية الطبيب الجراح أخطائه المادية والفنية معا. فإذا كانت التزاماته اتجاه العملية الجراحية لا تشكل خطأ جسيما إذ ذاك يمكن القول بان التزام الطبيب الجراح هو التزام ببذل عناية وإن كان العكس فهو يلتزم ببذل نتيجة والقول في ذلك للخبرة ورقابة القضاء ، والحال أنه مسؤول في كليهما حسب ثبوت الخطأ المنسوب إليه، غير أنه يعفى من المسؤولية إذا اقتصر خطئه على مخالفة الأطباء الآخرين في اختيار طريقة العلاج . لكن مع ضابط مراعاة الأصول العلمية والفنية لقواعد المهنة، دون التطاول عليها وإلا عد اجتهادا جراحيا ينزل منزلة إجراء التجارب الطبية دون مراعاة النظم والقوانين ويستوجب المساءلة الجنائية لمقترف الجريمة الطبية على جسم المريض .
هذه بعض النماذج لتطبيقات قضائية في طب الجراحة، فما موقف القضاء بخصوص طب التخذير؟ وما هي التزامات الطبيب المخذر للتحلل من المسؤولية أثناء العملية الجراحية ؟
المبدأ يقضي باستقلال الطبيب المخذر في العمل الطبي الجراحي وأيضا في المسؤولية الجنائية، والتخذير إما أن يكون موضعيا عن طريق الحقن الموضعي، أو تخذيرا نخاعيا وأخيرا هناك التخذير الوريدي والتخذير الاستنشاقي الذي يعد وجود طبيب التخذير أمر لا مناص منه . ولعل المتتبع لعمل القضاء في هذا الشأن سيخلص إلى كيف أن هذا الأخير خضع لنفس التطور الحاصل على المستوى الفقهي، ففي مرحلة أولى كان المخذر مجرد مساعد- لا أقل ولا أكثر – للطبيب الجراح يخضع ممارسته لمهامه لرقابته وإشرافه ويتصرف تحت مسؤوليته، ولكن مع تطور تقنيات التخذير والإنعاش وأساليبه واتجاهه اكثر نحو التخصص الفني، وازدياد أهمية الدور الذي يلعبه المخذر واتجاهه على مستوى الفريق الطبي الجراحي، وخلال مختلف مراحل العمل الطبي انتهى الاجتهاد القضائي إلى الاعتراف له باستقلالية مهنية فعلية وبمسؤوليته بالتالي عن نتائج اعماله . وهو فصل تام للمسؤوليات والأخطاء يعزى بطبيعة الحال إلى الاستقلال التقني والفني لطب التخذير عن طب الجراحة.
ويعتبر القضاء الجنائي اول من كرس فعليا فكرة الفصل بين الطبيب الجراح والطبيب المخذر، وذلك تطبيقا لمبدأ” شخصانية المسوؤلية والأخطاء” في القانون الجنائي كما أشار أستاذنا- نور الدين العمراني-
وفي هذا الصدد صدر حكم عن محكمة AIY بتاريخ 26 نوفمبر 1965 والذي حدد بوضوح المهام والأعمال التي تدخل في صميم اختصاص الطبيب المخذر في نطاق العمل الجراحي، والتي يتحمل وحدة المسؤولية عنها، حيث لخصتها المحكمة فيما يلي “ضمان تنويم المريض لتمكين الجراح من مباشرة تدخله الجراحي ، في ظروف آمنة… والسهر أثناء العملية على الحالة النفسية والقبلية للمريض وبهذه العملية ملازمة المريض المبضوع وضمان صحوته التامة من التحذير وعودته إلى كامل وعيه مع اتخاذ كافة التدابيراللازمة لاسيما وسائل الإنعاش ، إذا اقتضى الحال ذلك ، ولذلك استبعدت المحكمة مسؤولية الطبيب الجراح عن هاته الأمور تطبيقا لفكرة الفصل التام للمهام و للمسؤولية في إطار الفريق الجراحي لأن هذا الأخير تقول المحكمة، بلجوئه إلى طبيب متخصص في التخذير والإنعاش والذي يتوفر على كفاءة وخبرة فنية في هذا الميدان، يصبح غير مسؤول تبعا لذلك عن الاعمال التي يباشرها هذا الأخير، والتي تدخل في صميم اختصاصه وان غايتهما وإن كانت واحدة فإن كلا منهما يباشر مهامه على وجه الاستقلال عن الطرف الآخر”.
وما يتوجب على الطبيب الجراح من شروط يلزم أيضا الطبيب المخذر فعليه ان يفحص المريض ويقوم باستجوابه لمعرفة حالته وعلاجاته المتبعة وأعراضه السابقة مع البحث عن إمكانية حساسية لعلاج ما، وهو ما يعني بمفهوم المخالفة ان عدم الامتثال لهذه الالتزامات الطبية والواجبات المهنية المؤطرة بمقتضى قوانين واعراف الطب الجراحي وطب التخذير بمثابة ثبوت جنائي يجرم فعل الطبيب.
وإنه وإن كانت الوسيلة المتبعة في التخذير لا تخضع لأي قيد قانوني في نهج طريقة محددة ، فتبقى سلطة الطبيب المخذر في تقدير ذلك حسب نوعية العملية الجراحية لحالة المريض ولا دخل فيها لتقدير القضاء ، وهو ما يعني ان ذهاب الطبيب المخذر عكس مقتضيات المسائل الفنية وإهمال إخضاع المريض للكشوفات الأولية مخالفة صريحة توجب المسؤولية. حيث أدين طبيب في قرار لمحكمة الاستئناف بباريس :
” حيث إن الطبيب أخل بالتزاماته ولم يقم بالفحص والاستجواب الكافي، كما انه لم يقم بالاحتياطات اللازمة عندما قام بتخذير المريضة بمادة الألفاتيزين Alfatesine علما أن المريضة تعاني من حساسية مفرطة ، وهاته المادة معروفة بمخاطرها مما ادى إلى وفاة المريضة” .
ومن جهتها قضت محكمة باريس بأن :” وجود ممرضة إلى جانب المريض الذي خضع لعملية جراحية، لا يعفي طبيب التخذير من القيام بدوره بصفة شخصية في مراقبة المريض ، طالما أن هذا الطبيب كان يعلم ان الممرضة مكلفة بمرض آخرين، ولم يكن بمقدورها البقاء كامل الوقت مع المريض المعني” وفي نفس الصدد ذهبت محكمة ميتز في حكم بتاريخ 19/03/1974 ان :
” مهمة طبيب التخذير هي تتبع ومساعدة المريض الذي أجريت له عملية جراحية لحين استرجاعه وعيه الكامل، وأن اعتقاده بان بإمكانه ترك هذه المهمة للطاقم الطبي في مرحلة حرجة هي المرحلة المتراوحة بين نهاية العملية الجراحية ولحظة الاستيقاظ فإنه يقوم بذلك متحملا كافة المخاطر، لأن الطاقم الطبي لا يمكنه أن يكون مسؤولا سوى عن العلاج الاستشفائي العادي وليست له علاقة لصيقة بالعلاج الطبي أو الجراحي ”
هذا الالتزام القانوني لطبيب التخذير في المراقبة والتتبع لحالة مرضية رهين بمكنة الوسائل المادية والبشرية، بمعنى ان لا يكون الاستحالة على طبيب ممارسة مهامه في ظل الاكتظاظ وكثرة العمليات التي يجريها في اليوم على وجه السرعة او الاستعجال، فذلك يخضع للقواعد المستقرة لمهنة الطب في حدود الإمكانيات المتاحة وهو ما قضت به محكمة الاستئناف بالرباط:
” أنه إذا كان في الميدان الطبي نظرية تقول بحتمية قيصرية ثالثة عن وجود قيصريتين سابقتين وهذه النظرية طبية قابلة للنقاش العلمي… فإن هذا لا يعني انه يجب على الطبيب في مثل هذه الحالة المكوث حول المريضة وإلا لوجب تخصيص طبيب لكل حامل والكل متفق على استحالة ذلك” .
وفي خطأ لطبيب الأسنان في عدم الاستعانة بطبيب التخذير المرضي قضت محكمة الاستئناف بباريس في 10 فبراير سنة 1961:
” بإدانة جراح اسنان بتهمة قتل بإهمال والذي باشر عملية جراحية على قدر من الصعوبة ودون أي وجه الاستعجال تتمثل في خلع سبع أسنان لبنية لفتاة تبلغ من العمر 10 سنوات ، تحت تأثير مخذر كلي باشره بنفسه أدى إلى وفاة الفتاة بسبب وقوع جزء من ضرسها في إحدى شعبتها الهوائية” ولعل حكم محكمة جنح مونبلييه Montpellier في القضية المشهورة بقضية سوزان سيحدد لنا بدقة لتزامات كل من الطبيب المخذر والطبيب الجراح كما أورده أستاذنا نور الدين العمراني والذي كرس بوضوح فكرة فصل الالتزامات المهنية المتقابلة لكل مؤسسة على حدة- طب الجراحة وطب التخذير-، قبل العملية أو أثناءها أو بعدها ، وبالتالي تتحدد مسؤولية كل فئة طبية على حدة ضمن دائرة الاختصاص المهني. فقبل العملية نسبت إليه خطئين هما :
عدم قيامه بالفحوص الأولية اللازمة وعدم تحديده الفئة الدموية للمريضة الضحية، مما يشكل خروجا واضحا عن قواعد المهنة وأصولها الفنية وأثناء العملية تمت مؤاخذته أيضا إغفاله إجراء عملية نقل الدم اللازمة للمريضة خصوصا وأن العملية استغرقت ساعتين من الزمن وصاحبها نزيف حاد، بالنظر إلى الصعوبة التي انطوت عليها عملية استئصال الكلية المريضة ” La néphrectomie مما كان يقتضي منه توفير كميات الدم الكافية منذ البداية، مع ما لاحظه من خطورة وتعقيد تنطوي عليهما العملية ، وأنها ستستغرق وقتا لا يستهان به أما بعد العملية فقد أعزت إليه الأخطاء التالية:
“عدم اتخاذ الحيطة اللازمة حيث تغيير وضعية المريضة، وأنه كان يتعين انضمام شخصين او اكثر لهاته الغاية بدل ترك الممرضة تقوم بذلك لوحدها، مما أدى إلى حصول توقف في التنفس لدى المريضة ناتج عن سوء عملية استلقائها على الظهر وبالتالي إلى حصول سكتة قلبية مما عجل بوفاتها.”
وهكذا خلصت المحكمة انه من أولى الواجبات المفروضة على المخذر ضمان سلامة المريض ، وذلك باتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة لتجنب حصول أي طارئ او حادث أثناء العملية وأن الخفة والسرعة في تحضير المريضة للعملية، وعدم اتخاذ الاحتياطات والإجراءات اللازمة وغياب اليقظة والانتباه… كلها تشكل أخطاء يتحمل المخذر المنعش وحده المسؤولية عنها.
وهو ما يجد له تطبيقا في القضاء المغربي- تفريد الأخطاء وتوزيع المسؤولية بين المخذرة والجراح في القضاء المغربي-، فقد جاء في الحكم الجنحي الصادر عن استئنافية الرباط في قضية د.ة ازنيبر ما يلي :
” … إن الاجتهاد القضائي استقر على أن الجراح لم يعد مسؤولا عن الأخطاء التي تصدر عن طبيب التخذير طالما أن المريض لم يعترض عليه. ومن ثم يسأل كل منهما عن الأخطاء التي تصدر منه، سواء قبل العملية أو أثناءها أو بعدها …” .
هذا الفصل القضائي التام بين مسؤوليات كل من الجراح والمخذر في العملية الجراحية قضى بنقضه اجتهاد قضائي آخر في قرارين مشهورين صادر عن محكمة النقض الفرنسية في تاريخ 22 يونيو 1972 الاول صدر في قضية سوزان A.Sarrazin السالف الإشارة إليه وكانت محكمة النقض في هذه القضية قد نقضت الحكم الاستئنافي الصادر فيها والذي قضى ببراءة الطبيب الجراح وإدانة المخذر على نحو ما أشرنا إليه من قبل ، حيث اخذت عليه مبالغته في منح الاستقلالية العملية للمخدر في إطار الفريق الجراحي، ونفي أي خطأ من الجراح، أي أنها أعفت الجراح من جميع التزامات سواء قبل العملية او أثناءها أو بعدها وخصت بها المخدر وحده أي تبقى مهمة الجراح فقط إتمام العملية وتخلى مسؤوليته فاستندت محكمة النقض في حكمها القاضي بمساءلة كلاهما الجراح والمخدر إلى فكرتين أساسيتين :
– روح التضامن والتآزر الذي ينبغي ان يطبع العلاقة بين أعضاء الفريق الطبي الجراحي وفي مقدمتهم الجراح والمخدر
– التشديد على الدور الأساسي الذي يضطلع به الجراح في الفريق معللة بالآتي: “في إطار فريق جراحي مكون اساسا من الجراح والمخدر المنعش، يشكل عدم إحضار جهاز للإنعاش قبل إجراء عملية جراحية طويلة ومعقدة على مريضة حالتها الصحية متردية للغاية وتشكو ضعفا ملحوظا ناتجا عن خضوعها لعدة عمليات جراحية ، خطأ بالامتناع يرتب مسؤولية كل من المخدر المنعش والجراح اللذان يعملان معا من أجل إتمام العملية الجراحية على وجه الصحيح كما تم الاتفاق على ذلك، ثم إنه يترتب عن فكرة الفريق الطبي الجراحي وعن التضامن والتكامل القائم بين أعضائه وجود منطقة للاختصاصات المشتركة في إطار هذا الفريق هاته المنطقة تضم أعمالا تدخل ضمن اختصاص المخدر والجراح معا، كعملية نقل الدم وتغيير وضعية المريضة والتي ليس بوسع الجراح ان يغفل عنها ” .
يتضح انه هناك نقط حمراء مشتركة بين الطبيبين الجراح والمخدر في مواجهة المريض ضحية الخطأ الطبي في حالة ارتكابهما لخطأ مشترك زد على ذلك ان الطبيب يسأل عن الأخطاء التي يرتكبها الطبيب المخدر إذا كان هذا الأخير من اختياره باعتباره نظرية التابع عن المتبوع والتي تشكل التزامات رئيسية تقع على الجراح تحت طائلة العقاب والمساءلة الجنائية عن أخطاء المخدر. على خلاف إذا كان الالتجاء إلى الطبيب المخدر قد تم بإشارة من المريض نفسه في مثل هذه الحالة فإن عقدا يكون قد نشأ بين المريض والطبيب المخذر إلى جانب تعاقده مع الطبيب الجراح… وبالتالي فإن كل منهما لا يسأل إلا في حدود ما تم الاتفاق عليه. وقد ذهب المجلس الاعلى في أحد قراراته إلى اعتبار المصحة مسؤولة عن خطئها في اختيار الطبيب المخذر للقيام بعملية التخذير معللا بالأتي :
” لكن فإن المحكمة لما صرحت بأن العملية تمت بمصحة … وأن هذه الاخيرة هي التي تتعامل مع الطبيب المخذر وهي التي تهيئ للطبيب الجراح جميع الظروف لإجراء العملية، وبالتالي تبقى مسؤولة عن … الذي جلبته للقيام بعملية التخدير وما نتج عنها من سوء التخدير والوفاة تكون قد اعتبرت الطاعنة مسؤولة عن خطئها في اختيار الطبيب المخدر للقيام بالمهمة في أحسن الظروف كعنصر من العناصر التي تتكلف بتهيئها للطبيب الجراح، وذلك بناءا على ما ثبت لها من عناصر الملف، وهذا كاف في تبرير قضائها ” .
يتضح منه أن العقد الذي يربط المريض والمخدر تؤطره قواعد وأحكام القانون المدني، ولا تثار المسؤولية الجنائية للطبيب المتعاقد -بفعل العقد- مع المريض إلا بإخلاله بالأصول والقواعد الفنية وعدم احتياطه وإهماله، نتج عنه خطأ ألحق ضررا واضحا ينم عن جهل ولا مبالاة لصور الخطأ الطبي التي عرضناها سابقا منذ بداية العملية حتى انتهائها دائما مع فرض التتبع لاحقا لصحة المريض إلى حين تعافيه.
كما أدانت محكمة أنجير في 11 مارس 1971″ مصحة لأنها عهدت لطبيب تخذير واحد بمراقبة جناح التخذير بكامله مما جعل مهمته في مراقبة المرض مستحيلة لكثرة التدخلات الجراحية ”
وعليه ، أمام صعوبة ودقة التخذير اللامتناهية، وما يثيره من إشكاليات على مستوى وسائل إثبات أخطاء التخدير الفنية بوجه الخصوص. دون الالتزامات التي عمل القضاء على تفريدها بين طب الجراحة وطب التخذير ، ما هو السبيل او الطريقة العلمية في المجال الطبي دون إفلات طبيب التخذير من أخطائه الطبية اثناء العمليات الجراحية ؟
” ينصح احد أطباء التخدير باستعمال جهاز ” المونيتور ” أثناء التخدير وبتعميمه في كل العمليات الجراحية تحت التخدير العام ” وهو أمر تم رفضه من طرف القضاء المصري وأمام النقابة لأنه لم يستطع تقديم الدليل القاطع على صحة افتراضه ”
لذلك يبقى الأمر موكولا للمحكمة على ضوء الخبرة القضائية الطبية، أن تبين ما إذا كان السلوك الذي صدر من الطبيب المخدر أو الجراح ينطوي على خطأ لا يمكن اغتفاره .
الفقرة الثانية: الاخطاء الفنية
أحيانا يصعب فرز الخطأ المادي عن الفني ، ولكننا عمدنا ذلك لفصل بعض الحالات والصور في الخطأ الطبي، حتى يستبين القارئ عموما والباحث خصوصا بعض أوجه الاختلاف بين الخطئين معا- المادي والفني – فإن كانت الأولى يغلب عليها طابع الالتزام ببذل غاية، فإن الثانية تجسد صور الخطأ في مبدأ الالتزام بتحقيق نتيجة وهي التزامات الطبيب بنقل الدم والتحاليل الطبية والجراحة التجميلية والتركيبات الصناعية. وهو ما سنتناوله اتباعا وفق الآتي .
1- الخطأ الطبي في نقل الدم والتحاليل الطبية
تعد عملية نقل الدم من أهم لحظات التدخل الجراحي وأيسر وسيلة لانتشار الأمراض المعدية اثناء حقن الدم، لذلك حرص المشرع على ضرورة خضوعها للمراقبة المشددة والمستمرة من لدن عدة جهات مكلفة فكل عملية من هذا النوع يجب أن تكون مسبوقة بفحوص وتحاليل للتأكد من سلامة المعطي والمتسلم من جهة ، ومن وجود توافق بين الفصيلتين لكل واحد منهما من جهة أخرى. والأصل أن التزام الطبيب هو التزام بتحقيق نتيجة في هذه المرحلة فهو لا يسأل فقط على عمليات نقل الدم التي يجريها الأشخاص بمراعاة القواعد الطبية وإنما يسأل أيضا بالنسبة للتحاليل الطبية فكيف ذلك؟
المسؤولية في هذا النوع من الاخطاء قد يتحملها الطبيب أو الجهة التي أوكل لها المشرع مهمة التوزيع، فمركز تحاقن الدم يعتبر مسئولا عن توزيع الدم بالمستشفيات ولا يتم تسليم الدم أو مشتقاته إلا بطلب من الطبيب المعالج حسب المادة 10 من قانون التبرع بالدم التي ورد فيها: “لا يتم تسليم الدم أو مشتقاته إلا بطلب مكتوب من طرف الطبيب المعالج “.
ويفهم من ذلك على أن مسؤولية الطبيب تقوم على الأساس التقصيري بفعل اخلاله بما ألزمه القانون، ويتعلق الأمر بمراقبة دماء المتبرعين وعدم أخذ دم ملوث من المتبرعين حسب المادة 60 من القانون أعلاه، والتزامات الطبيب حددتها مواد القانون المذكور فمثلا :
المادة 11 تلزم الطبيب بإخبار المريض بإيجابيات الحقن
المادتين 13 و 16 تؤكد على فحص الدم قبل حقنه .
المادة 9 تلزم الطبيب قبل الحقن معرفة فصيلة المحقون وأوجه التطابق بين دم مركز التحاقن والمتلقي.
هذا الإلزام المصاحب للطبيب أثناء عملية حقن الدم يتأسس بناء على صور الخطأ الطبي كما حددتها القواعد العامة للقانون الجنائي بناء على الفصلين 432 و 433 وهو ما يجد له تطبيقات قضائية متعددة . فمثلا في الرعونة -عدم التبصر – كصورة من صور الخطأ الطبي فقد ذهبت محكمة استئناف باريس في أحد قراراتها :
” … بأن الطبيب يعد مخطئا إذا ما نقل دما بغير ان يجري فحصا إكلينيكيا ولا يقبل منه الدفع باتباع القواعد العلمية المتعارف عليها. وهي ان يجري تحليل الدم في فترات دورية ، فهذا العرف لا يرفع عن المحاكم سلطة التقدير. ولها أن ترفضه إذا ما اتضح أنه غير كاف أو مخالف للقواعد العامة في الحذر ” .
وفي الإهمال وعدم الانتباه فقد قضت المحاكم الفرنسية” بالمسؤولية الناتجة عن أخطاء تمثلت في وفاة شخص إثر حقنه بدم ليس من نفس عينة دمه، وجاء نتيجة خطأ ارتكبته مستخدمة بالمصلحة حيث كتبت على عينة دم المريض وهي تهم مريض آخر بسبب إجراء التحليلين في وقت واحد ”
” وكذلك حين أخطأت الممرضة فسلمت الطبيب بطاقة تتعلق بمريضة أخرى غير المريضة المعنية ولم ينتبه الطبيب لذلك مما ترتب عنه صدمة خطيرة تطلبت اللجوء إلى العلاج بالدياليز
تصفية الدم – وتبين من التحقيق أن الممرضة سلمت للطبيب البطاقة المتعلقة بمريضة أخرى كانت قد غادرت المصحة قبل ذلك بايام ”
كما حكمت المحكمة بمسؤولية المختبر بناء على خطأ في نقل نتيجة التحاليل على الوصفة أثبتت أن دم المريض من فصيلة ( AB) وأن الخطأ تسرب إلى الوصفة التي بقين إليها النتيجة محرفة ( فصيلة O) مما تسبب في وفاة المريض الذي كان سنة 79 سنة ” .
وقد قضى المجلس الأعلى بتاريخ 26/03/1998 وهو ينظر في استئناف رفعته الدولة المغربية ضد حكم أصدرته بالرباط أنه ” كان على المسؤولين على مراكز تحاقن الدم الذين يزودون المستشفيات العمومية والمصحات الخاصة بكميات الدم التي يحتاجون إليها من مختلف الفصائل والأنواع ان يتحروا قبل الإقدام على هذه العملية” : .
وهو قرار أعفى الطبيب من المسؤولية وألحقها بمراكز تحاقن الدم كما أخرج المستشفى العمومي ابن سينا من الدعوى وهو القرار الذي أثار حفيظة الدكتور- أحمد أدريوش- في مؤاخذاته على تبرير المحكمة كون المركز – مركز تحاقن الدم – هو المسؤول على توريد الدم وهو المسؤول شخصيا دون غيره في مواجهة المريض، ما يؤاخذه الأستاذ الفاضل بناء على مجموعة من الاستيقافات نوردها كالاتي :
-قد تستند المسؤولية إلى التزام المرفق الصحي العمومي بتقديم خدماته الطبية لجمهور المنتفعين ومن بينها الحقن بدم سليم ولن يثير الحكم بالتضامن في هذه الحالة أية مشكلة لأن الدولة هي التي تكون مسؤولة في الحالتين معا وفقا للفصل 79 ق ل ع .
-وقد تستند إلى عقد بين المريض ومصحة خاصة ( عقد الاستشفاء ) تلتزم بموجبه هذه الأخيرة بتسليم دم سليم وهو التزام بتحقيق نتيجة .
وقد تستند إلى عقد بين الطبيب المعالج والمريض ( العقد الطبي) يلزم الأول بأن يقوم بتبصير المريض بجميع المخاطر التي قد تترتب على حقن الدم بأن يقوم بفحص الدم قبل حقنه في المريض ، وهذان التزامان عامان يفرضهما العقد الطبي حتى من غير حاجة إلى النص عليهما في صلب العقد، وفي هاتين الحالتين تظهر أهمية الحكم بالتضامن.
وهو ما تدعمه المواد 11/13/16/9 /60 من قانون التبرع بالدم والمواد 5 و 6 و 7 من مرسوم التطبيقي
وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض الفرنسية ” بمسؤولية مدير مركز الطبي لتحاقن الدم عن الدم الملوث بداء السيدا الذي سمح بتداوله بين سنة 1984 و 1985 والذي تسبب في وفاة العديد من الضحايا وبإدانته بأربع سنوات حبسا نافذا وغرامة قدرها 5000.000 فرنك ” وفي نفس التوجه أيضا نجد حكما صادرا عن المحكمة الإدارية بالرباط :
” وحيث أكد الخبير بأنه استعان بدكتور سابق لمركز تحاقن الدم واختصاصي في أمراض الدم، فتبين لهما أنه من المحتمل جد أن تكون الإصابة بمرض التهاب الكبد ناتجة عن نقل الدم إليه نظرا لتسلسل الأحداث ، ابتداء من دخوله المستشفى ” .
على أن المسؤولية في هذا المجال – نقل الدم – قد يتحلل منها الطبيب وتتعداه إلى المرفق الذي ينتمي له، أو قد تنسحب إلى الدولة وتتعداه إلى المرفق الذي ينتمي له، أو قد تنسحب إلى الدولة في شخص الوزير الأول ،إذا كان يكتسي الخطأ المرتكب صبغة الخطأ المصلحي. وفي هذا وردت مجموعة من الأحكام والقرارات ففي قرار للمجلس الاعلى الإسباني بتاريخ 18 فبراير 1997 :
” حول حقن الدم لمريض نتيجة نزف احد المفاصل في بداية الثمانينات حيث أنه في مرحلة 1983 لم تكن مراكز تحاقن الدم في العالم تقوم بتحليلات الكشف عن السيدا في دم المتبرعين فكان قرار المجلس الأعلى تحميل المسؤولية للمستشفى لإخبار المريض حول إمكانية انتقال السيدا إليه ” وفي حكم جنحي لمحكمة تولوز بتاريخ 07/07/ 1960 “قضية عدم تسخين البلازما الذي يعطى لمرض الهيموفيليا لاعتبارات اقتصادية توبع كلا من الوزير الأول ووزيرين آخرين سنة 1999 أمام مجلس الدولة الفرنسي ليتحمل خطأ ذلك فيما بعد وزير الصحة الفرنسي لإهماله وعدم حفاظه على السلامة ”
وفي قرار للغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى :” يتبين من وقائع القضية أن سيدة كانت مريضة بفقر الدم ونقلت إلى مستشفى إبن زهير بمراكش 28/9/1998 لحقنها بالدم إلا انه أثناء تلقيها الاسعافات الأولية تم تطعيمها لدم مخالف لفصيلتها الدموية ( O+) مما تسبب في وفاتها اليوم الموالي، كما أن الخطأ ارتكب من طرف الممرض والدكتور المسؤولان عن حقن الدم بالمستشفى التابع لوزارة الصحة فإن الخطأ له صبغة الخطأ المصلحي الذي تتحمل الدولة مسئوليته طبقا للفصل 79 فحكم بخطأ المستشفى والتعويض” .
إن أخطاء الطبيب في حقن الدم تكون موضوعا لمتابعة مدنية وجنائية معا، بينما الخطأ الذي ينسب إلى مركز المرفق الذي ينتمي إليه الطبيب فإنه غالبا ما يجنب الطبيب المساءلة الجنائية. فلا يمكن الحكم على شخص اعتباري بعقوبة حبسية سالبة للحرية، ليظل جزاء الحل والمصادرة كافيا في نظرنا تجنيب ضحايا أخطاء تحاقن الدم تبعات الضرر بسبب سوء التصرف والتعامل في الأدوية والإهمال أثناء إجراء التحاليل الطبية على منتوج بشري لا يقدر بثمن أو نقل دم تتوقف حالة مريض عليه لشفائه.
ويدخل في نطاق التحاليل الطبية استعمال الأشعة في تشخيص وعلاج الأمراض وتتحقق مسؤولية الطبيب هنا إما في حالة إهماله لتحري الدقة في قراءة صورا الأشعة، وإما افتقاد للخبرة الفنية اللازم توافرها في أخصائي الأشعة، فالتحاليل البيولوجية تعتبر دقيقة للغاية يكون فيها التزام البيولوجي مبني على مبدأ تحقيق نتيجة ” .
والبيولوجي يتميز التزامه عن التزام الطبيب بالمعنى الضيق للكلمة من زاويتين” :
-الأولى : وهي أن المشرع قد حدد مضمونه في نص قانوني وهو قانون رقم 01-12 الذي نص في مادته الأولى على أنه: “يتمثل في القيام بأعمال التحاليل البيولوجية الطبية والفحوص المختبرية الرامية إلى تسهيل التشخيص الطبي او العلاج او الوقاية من الأمراض البشرية… ” ورخصت المادة 2 منه القيام باعمال التشريح المريض وفق شروط معينة فيما نصت المادة 3 على أنه ” لا يجوز أن تنجز التحاليل البيولوجية الطبية إلا بأمر من دكتور في الطب أو في طب الأسنان في مجال اختصاصه ما عدا إذا تعلق الأمر بتحاليل دورة سبق أن أمر طبيب بإجرائها “.
وبالإضافة إلى هذا النص العام أصدر المشرع عدة مقتضيات تنظيمية حدد بموجبها المعايير التقنية الدنيا التي يجب ان تتوافر في المختبرات من جهة، وكذا دليل قواعد حسن إنجاز التحاليل البيولوجية من جهة اخرى .
-الثانية : وتتعلق بمدى التزام البيولوجي صاحب المختبر من حيث هو التزام بتحقيق نتيجة وهي :
– إنجاز التحاليل الطبية دون غيرها
– التاكد من صحة النتائج المتوصل إليها قبل الإفصاح عنها
– تسليم النتائج النهائية للتحاليل بشكل يجعلها قابلة للتوظيف من طرف الطبيب الذي أمر بها إما للتشخيص او للعلاج او للوقاية .
وقد ذهبت المحكمة الابتدائية بالجديدة في حكم سنة 2003:
” إلى تأسيس مسؤولية البيولوجي صاحب المختبر على إخلاله بالالتزام بإجراء التحاليل المأمور بها دون غيرها ، إذ انجز تحاليل خاطئة حول إصابة الزبونة بالسيدا مع أن طبيبها لم يأمر بمثل هذه التحاليل ، كما بينته ايضا على إخلاله بالالتزام بالتأكد من صحة النتائج المتوصل إليها قبل إفصاح عنها، إذن التحاليل المضادة التي قامت بها الزبونة لدى مختبرات المستشفى الجامعي ابن رشد أثبتت خلوها من هذا المرض ” .
ثانيا-الخطأ الطبي في جراحة التجميل
ذهب البعض إلى تعريف الجراحة التجميلية، او جراحة الترف، او جراحة الشكل chirurgie plostique بأنها الجراحة التي لا يكون الغرض منها علاج المريض، عن طريق التدخل الجراحي، بل إزالة تشويه حدث في جسم المريض بفعل مكتسب او خلقي أو وظيفي ، والجراحة التجميلية تهدف إلى معالجة مرض عضوي أو نفسي والشفاء منه، كتصغير وتكبير التديين للنساء بهدف رشاقة الجسم وجماله ومنع تهدلهما وتحسين منظرهما أوإزالة الشحم والشامات والشعر من الساقين والفخذين ومن الذقن وشد الوجه وتجميل الأنف وتحويل فروة الرأس، او إزالة التجاعيد أو الأصبع الزائد أو الزوائد اللحمية، أو آثار الحروق فالعجوز تريد أن تعود شابة والسمينة تود أن تصبح هيفاء ممشوقة القوام، وتود القصيرة لو طالت والطويلة لو قصرت والسمراء لو ابيضت والبيضاء لو لفحتها الشمس…. ولذلك فقد ذهب الدكتور “لويس “دارتيج” إلى تعريف الجراحة التجميلية بأنها (مجموعة العمليات التي تتعلق بالشكل والتي يكون الغرض منها علاج عيوب طبيعية أو مكتسبة في ظاهر الجسم البشري، تؤثر في القيمة الشخصية أو الاجتماعية للفرد).
ويقسم الفقهاء جراحة التجميل بحسب درجة أهميتها ولزومها للإنسان إلى ثلاثة أنواع وذلك على النحو التالي :
النوع الاول : وهو ما تدعو إليه الضرورة من تصحيح وتعويض في البدن نشأ عن حادثة او اعتداء، وذلك كالحوادث التي نتج عنها بتر عضو، او تحدث به منظر غير مألوف والحرائق التي تسبب تشوهات في البدن، وكذلك بناء المثانة بالشرائح العضلية التي تتحكم في البول عند الإنسان، وإلا أصيب الإنسان بسلس البول وعن طريق الجراحة بواسطة الأطباء المهرة، يمكن إصلاح كل العيوب وإعادة الصحة المفقودة وإزالة العلة أو تقليلها بقدر الإمكان.
النوع الثاني: وهو ما تدعوا إليه حاجة التداوي من إصلاح العيوب الخلقية التي يولد بها الإنسان منذ الصغر، وتسبب لصاحبها أذى نفسيا ويمكن لحذاق الأطباء أن يعيدوا الحال إلى ما كان عليه، بقدر الإمكان وذلك مثل عملية التئام الشفتين المفتوحتين، ونحو ذلك مما تدعو إليه حاجة الناس، وتدفع عنهم الألم النفسي وتذهب عنهم الغم والهم والكرب.
النوع الثالث: وهو ما لا تدعوا إليه الحاجة، ولكن يقصد بها الغلو في مقاييس الجمال، وذلك كترقيق الأنف أو تفليج الأسنان أو الحاجب أو نحو ذلك . فهذا النوع من الجراحات لا تدعوا إليه الضرورة ، ويدخل في دائرة المنهي عنه في الحديث الشريف وهو ما روي عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لعن الله الواشمات والموشمات والنامصات والمتنصمات ، والفالجات والمتفلجات للحسن ، المغيرات خلق الله ).
فما محل المسؤولية الجنائية للطبيب عموما في الجراحة التجميلية؟ وما هي حدود التزاماته الطبية الموجبة للمسؤولية القانونية بشكل عام والمسؤولية الجنائية على وجه التحديد؟
من أهم الشروط الواجب توافرها قبل الإقدام على عملية التجميل :
– إنجاز جمعيع الفحوصات الطبية كالتعرف على فصيلة الد، نسبة السكر الضغط الدموي، تخطيط القلب…
– أن يكون الطبيب مؤهلا من ناحية الاختصاص العلمي والكفاءة الطبية.
– رضا المريض .
– إعلام المريض بالعلاج وطبيعة مخاطره.
– اتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة.
هذه الواجبات هي مناط إثارة مسؤولية الطبيب الجنائية في حالة تخلف أحدها ترتب عنه ضرر لحق ضحية الخطأ الطبي التجميلي . هذا إلى جانب التزام الجراح التجميلي بإشعار المريض بالنتيجة المتوخاة من تدخله مهما كانت ثانوية او نادرة الحدوث طبعا دائما في حدود قاعدة ” على المدعي إثبات ما يدعيه” وبطبيعة الحال الملزم بالإثبات هنا هو ضحية الخطأ التجميلي الجراحي .
أما صعوبة التمييز بين جراحة التجميل وجراحة التقويم فإن جانبا من الفقه الفرنسي دهب إلى القول تمييزا بين هذين النوعين – بان الجراحة العلاجية هدفها علاج عيب أصلي كالتشوهات الولادية، والجراحة التجميلية تهدف إلى علاج عيب مكتسب حاصل بفعل الحرب او الكوارث او حوادث السير.
غير أن هذا الرأي لم يلق قبولا لدى الكثيرين مما دفع البعض إلى القول بأن الجراحة العلاجية تهدف إلى إصلاح العيوب الأصلية أو المكتسبة الحاصلة بفعل الحوادث أو الأمراض، وأن الجراحة التجميلية تأتي طبيعيا مع تقدم العمر كالغضون أو تهدل الفك، إلا أن هذا الرأي لم يلق قبولا كذلك ذلك أن الفتاة التي تعاني من تضخم التديين لا يمكن القول بأن العمل الطبي الذي يهدف إلى علاج هذا التضخم هو فقط عمل علاجي
فما موقف القضاء إذن من جراحة التجميل وجراحة التقويم ؟ وإذا كان مناط التزام الطبيب في جراحة التجميل chirurgie esthétique التزام بتحقيق غاية وفي جراحة التقويم chirurgie réparatrice التزام بتحقيق نتيجة فعلى أي أساس ؟ وكيف يمكن إثبات المسؤولية الجنائية للطبيب في الالتزامين معا ؟
إن التزام الطبيب في الجراحتين معا هو – عقد العلاج- وفي هذا النوع من الجراحة، لابد من القول بتوافر عقد طبي بين الجراح والمريض في المنازعة الناشئة بينهما، مادام المحدد الرئيسي في المسؤولية الطبية هو التدخل الجراحي التجميلي او التدخل الجراحي التقويمي مع تقابل الواجبات الملقاة على الطبيب في الجراحتين معا.ولقج قوضي بسبب هذا النوع من الجراحة كثير من الجراحين خصوصا في فرنسا خاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الأخيرة ، وكانت نظرة القضاء الفرنسي إليه في البداية مفعمة لا بالشك والريبة فحسب، وإنما بالسخط والكره حتى أن محكمة ” باريس الابتدائية قضت في حكم لها:
” بأن مجرد إقدام الجراح على عملية لا يقصد منها إلا تجميل من أجريت له ، يكون خطأ في ذاته، يتحمل بنسبة الجراح كل الأضرار التي تنشأ عن العملية حتى إذا كانت تلك العملية قد اجريت طبقا لقواعد العلم والفن الصحيحين” . حيث قضت محكمة استئناف باريس بأنه :” إذا لم يكن الغرض من العملية الجراحية شفاء مريض من علة بل مجرد إصلاح تشوية جسمه، وجب على الجراح استعمال منتهى الحيطة واليقظة في الفحص قبل إجراء العملية، وتقدير المخاطر التي قد يتعرض لها من استعمل له تلك العملية وإعطاء صورة صحيحة كاملة عن تلك المخاطر وإلا كان مسؤولا” .
وفي حكم قضائي قضت محكمة الاستئناف بباريس” بمسوؤلية طبيب التجميل الذي أجرى جراحة في سياق مريضة ترتب عنه غرغرينة استدعت بتر ساق المريضة إذ اعتبرت المحكمة الجراح مسؤولا لأنه لم يبصر المريضة بكل المخاطر” وفي هذا الصدد صدر حكم عن محكمة استئناف باريس” في قضية لسيدة عمرها 66 عاما اتفقت مع جراح تجميلي على أن يجري لها عملية لإزالة الجيوب الموجودة تحت عينيها وقد نتج عن هذه العملية عمى العين اليمني فذهبت المحكمة إلى أن المخاطر الجسيمة كخطر العمي الذي ينذر أن يحدث توجب على الجراح أن يخبر الشخص باحتمال وقوعه ” .
ومن القضايا التي عرضت على القضاء الكويتي في هذا المجال ” قضية طبيب قام بإجراء عملية ختان، أزال بها على خلاف الأصول الفنية و القواعد العلمية كامل الجلد المخلف للذكر، ولم يقتصر على إزالة الجزء الزائد من جلد مقدمة الطبيب والمعروف طبيا باسم بريبوس ” perpus” ويوصف ب ” Redendom akin مما ترتب عليه تشويه القضيب وهو الأمر الذي يفيد بان الطبيب الجراح ارتكب خطأ مهنيا يوجب المساءلة المدنية ” وأيضا المساءلة الجنائية.
كما قضت محكمة باريس: ” بأن النتيجة فقط هي التي تبرر التدخل الجراحي بهدف التجميل ، فنظرا لأن تلك الجراحة لا تستلزمها صحة المريض فإن على الطبيب ان يمتنع عن التدخل إذا ما قامت هناك مخاطر جادة للفشل ولم يتم تحذيرا المريض منها، فينبغي على الطبيب ألا يقوم بالعملية إلا إذا كان واثقا من نجاحها نظرا لأن الأمر ليس على درجة من الحيوية التي تتعلق بها حياة المريض ” كما أدانت المحكمة- الطبيب- رغم ثبوت قيامه بالجهود واليقظة اللازمين لأنه لم يقدم ما يبرر فشل العملية عكس ما هو متوقع وما يحدث عادة هي مثل هذا النوع من العمليات” .
وجدير بالذكر أن اتجاه التشديد قد بدأ ينتقل إلى محكمة النقض المصرية حيث تطلبت من جراح التجميل عناية أكبر هذا بالإضافة إلى تخفيفها لعبء إثبات خطأ المريض بإقامة قرينة بسيطة لصالحه ففي حكم حديث لها نسبيا تقول المحكمة ” إن مسؤولية الطبيب الذي اختاره المريض ، أو نائبه للعلاج هي مسؤولية عقدية، والطبيب إن كان لا يلتزم بمقتضى العقد الذي ينعقد بينه وبين مريضه بشفائه او بنجاح العملية التي يجريها له، لأن التزام الطبيب ليس التزامات بتحقيق نتيجة، وإنما هو التزام ببذل عناية أي أن العناية المطلوبة منه تقتضي أن يبذل لمريضه جهودا صادقة يقظة تتفق مع الأصول المستقرة في علم الطب، فيسأل الطبيب عن كل تقصير في مسلكه الطبي لا يقع من طبيب يقظ في مستواه المهني وجد في نفس الظروف الخارجة التي أحاطت بالطبيب المسؤول وجراح التجميل كغيره من الأطباء لا يضمن نجاح العملية التي يجريها إلا أن العناية المطلوبة منه ، أكثر منها في أحوال الجراحة الأخرى، اعتبارا بأن جراحة التجميل لا يقصد منها شفاء المريض من علة في جسمه، وإنما إصلاح تشويه لا يعرض حياته لأي خطر. ولئن كان مقتضى اعتبار التزام الطبيب التزاما ببذل عناية،خاصة أن المريض إذا انكر على الطبيب بذل العناية الواجبة فإن عبء إثبات ذلك يقع على المريض إلا أنه إذا أثبت هذا المريض واقعة ترجح إهمال الطبيب . كما إذ أثبت أن الترقيع الذي أجراه له جراح التجميل في موضع الجرح، والذي نتج عنه تشويه ظاهر بجسمه لم يكن يقتضيه السير العادي لعملية التجميل، وفقا للأصول الطبية المستقرة. فإن المريض يكون بذلك قد أقام قرينة قضائية على عدم تنفيذ الطبيب لالتزامه، فينتقل عبء الإثبات بمقتضاه إلى الطبيب ويتعين عليه لكي يدرأ المسؤولية عن نفسه، أن يثبت قيام حالة الضرورة التي اقتضت إجراء الترقيع والتي من شأنها أن تنفي عنه الإهمال” .
وفي المغرب” فقد قال القضاء عندنا بمشروعية الجراحة التجميلية، حيث قبل النظر في المنازعة الناشئة عن عقد طبي، التزم الطبيب بموجبه إجراء عمليتين جراحيتين في البطن والخصر لتجميل جسد زبونته وتحسين رشاقتها بالرغم من ان الغاية العلاجية غير واضحة من هذه العملية وأكثر من هذا فقد قضى بمسؤولية الطبيب وكذا بمسؤولية المصحة عن خطأ الطبيب عن الأضرار الجانبية الناتجة عن هذه العملية وحكم للضحية. بمبالغ ضخمة، وقد سبق لمحكمة ابتدائية الدارالبيضاء أن قضت على المدعى عليهما الدكتور ( س د ح ) والدكتور ( ط ر ) بأدئهما للمدعية تعويضا إجماليا قدر 150.000 ومبلغ 800.000 عن المصارف الطبية مع إحلال شركتي التأمين ( ش ف ) و ( م م ) محل مؤمنيها في الأداء وبصفة تضامنية وبالفوائد القانونية من تاريخ الحكم وإخراج مصحة ( س ط ) وشركة التأمين ( و ف ) من الدعوى ” .
لكن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء قضت بإلغاء هذا الحكم المستأنف جزئيا فيما قضى به من إخراج مصحة ( س . ط ) وشركة التأمين ( و ف ) من الدعوى، وتحميل مسؤولية الخطأ الطبي للطبيب الدكتور ( ش د ح ) و ( ط ر ) واعتبار مصحة ( س ط ) مسؤولة مدنيا وتأييده فيما عدا ذلك مع التعديل برفع التعويض إلى مبلغ مليون وخمسمائة درهم وعن المصاريف الطبية إلى مبلغ 27105450 درهم مع الفوائد القانونية عن القدر الزائد استئنافيا من تاريخ هذا القرار وإحلال شركة التأمين ( و ف ) محل مؤمنتها في الأداء مصحة ( س ط ) وهو القرار الذي أبرمه المجلس الأعلى بعدة علل لعل أهمها تلك المتعلقة بتحميل المسؤولية للمصحة وإحلالها محل الطبيب اللذين أجريا عملية تجميل الجسد والبطن جاء فيها :
” لكن ردا على ما أثير فإن فاتورة أداء مصاريف العمليتين الجراحيتين التي أجرتها المتضررة ( ب ج غ ) بتاريخ 9/9/ و6/10/1977 داخل مصحة (س ط) لاستعادة رشاقة جسمها والمسلمة إليها عن المصحة المذكورة تفيد ان الاتفاق على إجراء العمليتين تم داخل المصحة المذكورة تفيد أن الاتفاق على إجراء العمليتين تم داخل المصحة بين هذه الاخيرة والمتضررة بتجهيزاتها الطبية اللازمة وطاقمها الطبي مقابل أجر تأخذه من المتضررة وهي بذلك مسؤولة عن كيفية تنفيذ التزامها أو العاملين لحسابها بحكم التبعية والسلطة الفعلية في الرقابة والإشراف والتوجيه تحت عهدتها طالما أنها لم تثبت أنها فعلت ما كان ضروريا لتجنب الحادثة أو ان الضرر ناتج عن قوة قاهرة أو حادث فجائي.
ومن جهة ثانية فإن عقد التأمين الرابط بين المطالبة ومصحة ( س ط ) لا يتضمن ما يفيد استثناء الأخطاء الطبية ، والعمليات الجراحية التي ترتكبها الأطباء المستقلون داخل المصحة.
والمحكمة لما صرحت بأن مصحة ( س ط ) التزمت اتجاه المضرورة بإجراء عمليتين جراحيتين بواسطة فريق طبي كونته هي، ودون أي تدخل من المتضررة وصرحت بناءا على ذلك بأن المصحة المذكورة مسؤولة عن الخطأ الطبي الذي تسبب فيه الطبيبان الدكتور ( ش د ح ) والدكتور ( ط ر ) على أساس ان المصحة هي التي تعاقدت مع المتضرر على إجراء العمليتين مقابل مبلغ مالي أدته لها المتضررة بواسطة الفاتورة المستدل بها، وأن عقد التأمين الرابط بين المصحة والطالبة يشمل المسؤولية المدنية بما فيها الأضرار البدنية ، ولم يستثنى الأخطاء الطبية والمهنية من الضمان، فإنها لم تخالف الفصول المستدل بها، ولم تخرق مضمون عقد التأمين، وعللت قرارها تعليلا كافيا، وما بالوسيلة والفرعين المضمومين إليها على غير أساس ” .
ولعل مضمون الأحكام المدنية التي أورناها على سبيل الاستئناس اعلاه، يجسده بدقة مسؤولية الطبيب الجراح في جراحة التجميل عن أخطائه المهنية. والتي يكون مضمونها عقد طبي بين الطبيب والمريض –غالبا-، فتأسس بذلك قواعد وأحكام المسؤولية المدنية في المنازعات الطبية نتيجة خطأ طبي رتب ضررا يستوجب التعويض المدني أمام القضاء المدني، أو أمام القضاء الزجري في المسؤولية المدنية التابعة. فالطبيب ملزم بإعلام المريض عن جميع المخاطر المحتملة كفيما كانت بدقة متناهية، فمجرد حضور هذا الاخير إلى العملية يجعل ركن الرضى متوفر ولا مجال لإثارة مسؤولية الطبيب، بناءا على شرط المريض. وإنما الأساس القانوني الذي ستثار فيه المسؤولية الجزائية للطبيب مناطه، شرط إعلام المريض فتنتفي بذلك مسؤولية الطبيب الجراح .
فالقضاء متشدد حول موجب الإعلام في العملية التجميلية نظرا لالتزام الطبيب بنتيجة، وإن كان الاصل بذل عناية. وهو ما يجد له صدى في قرار محكمة الاستئناف بليون 8/1/1981 وكذلك في قرار محكمة نقض في 17/02/1998 ” الذي ادان فيه الطبيب لعدم إعلام مريضة حول مخاطر العملية ومضاعفاتها ” .
وفي قرار آخر أيضا لمحكمة النقض بتاريخ 17/01/1992 أعفى فيه القضاء طبيبا لنفس السبب جراح قام بعدة عمليات لتقويم نهدي السيدة ( MR) إلا أن السيدة لم تعجبها العملية وتبين بعد الخبرات الطبية أن الطبيب التزم بكل ما تقتضيه المهنة من موجب إعلام وحيطة وحذر فتم رفض الدعوى ” وفي قضية عرفها القضاء الإيطالي للمحكمة الابتدائية لبادوي padoue لمريضة حاولت أن تزيل الوشم للكتف الأيسر عن طريق عملية تجميلية باللايزر، دون أن يعلمها الطبيب الجراح بالمضاعفات الممكنة ، وفعلا كان التئام الجرح معيبا مما دفع القضاء إلى إجباره على موجب الإعلام لكل مريض مستقبلا وتحميله مسؤولية الجروح غير المتعمدة ” .
فالمبدأ العام أن الطبيب إذا ارتكب الفعل الطبي الجراحي التجميلي في جريمة عمدية ، فإنه يتابع بجنحة الإيذاء العمدي، أما إذا كان الفعل -غير عمديا- نتيجة عدم تبصر أو إهمال أو عدم مراعاة النظم والقوانين أو عدم الاحتياط، فإن أساس المتابعة الجنائية للمنسوب له-الطبيب- يقوم على ركن الخطأ، فلا مسؤولية بدون خطأ كقاعدة عامة . يثيرنا لنتساءل عن موجب المسؤولية للطبيب في الجراحة التقويمية ؟
لعل المثير في هذا النوع من الجراحة هو وسائل الإثبات لصالح مريض الجراحة التقويمية، فهذا الأخير يكون شبه معفى من إثبات خطأ الطبيب لأن هذا الأخير بدوره يكون ملزما بضمان نتيجة العملية لأنها تنطوي على إصلاح تشوهات تكون دواعي التدخل الطبي لإصلاحها ليست ذات بعد وظيفي من اجل العلاج بل تقويمي تجميلي قابل للتحقق تقريبا مائة بالمائة.
ولا مناص للطبيب لدرء مسؤوليته الجنائية في هذا النوع من الجراحة إلا إذا أثبت أن الخطأ الطبي الجراحي التقويمي الذي لحق الضحية يرجع إلى قوة قاهرة أو خطأ المريض أو فعل الغير وهو ما يجد له تطبيقا في حكم للمحكمة الابتدائية بالدار البيضاء ورد فيه ” إن مسؤولية الطبيب… تنعقد بمجرد إثبات الضرر الحاصل للمريض وقيام علاقة سببية بين الضرر والتدخل الطبي، ولا يستطيع الطبيب درء تلك المسؤولية إلا بإثبات أن الضرر الذي لحق المريض يرجع إلى قوة قاهرة او خطأ المريض أو فعل الغير، وبعبارة أخرى أن يقيم الدليل على انعدام الرابطة السببية بين فعله والضرر الحاصل او إثبات قيام حالة الضرورة التي من شأنها ان تنفي عنه وصف الإهمال ” .
ولعل الحكم الوارد أعلاه يجسد بدقة المسؤولية الجنائية للخطأ الجراحي التقويمي من منطلق الشروط والالتزامات الملزمة للطبيب الجراح التي أوردها سلفا، وعدم قيام الطبيب بذلك أو مخالفته النتيجة التي اعلم بها المريض تجعل من التزامه بنتيجة. وإن كان هذا النوع من الجراحة التجميلية أقرب إلى العلاج. وقد قبل القضاء عندنا -المغرب – النظر في المنازعة الناشئة عن عقد طبي التزم فيه الطبيب بتجميل أنف زبونته الذي تشوه نتيجة حروق.
وإذا كان القضاء قد أخضع جراح التقويم لنفس أحكام ومقتضيات مسؤولية الجراح من حيث المبدأ، إلا أنه طلب منه حيطة اكبر ويقظة أكثر، مما هو مطلوب في طبيب العلاج بالجراحة، في أداء العمل وفي إخبارالمريض. وهو ما قضت به المحكمة الابتدائية للدار البيضاء عندما صرحت بأن:”
الطبيب الجراح في مجال عملية التجميل بالإضافة إلى الالتزام ببذل عناية فهو ملزم بتحقيق النتيجة المتفق عليها خصوصا أن دواعي التدخل الطبي ليس وظيفيا من أجل العلاج، من مرض معين بل هو تقويمي تجميلي وهو ما لم يتحقق بالنسبة للمدعية” .
وعموما يستخلص بأن الخطأ الطبي في الجراحة التجميلية والجراحة التقويمية أو جراحة الشكل، يجد مستنده في الالتزامات الملزمة للطبيب اتجاه مريضه، فالفعل المنسوب للطبيب قد يرقى إلى مساءلة جنائية متى لحقه وصف صور الخطأ الطبي كما هي محددة في الفصلين (432 و 433) من القانون الجنائي المغربي في الخطأ الغير العمدي، كما أنه قد يكون محلا لمتابعة بجريمة جنحة -الإيذاء العمدي- متى توفر وثبت القصد الجنائي لدى الجراح التجميلي اوالتقويمي في إلحاق ضرر طبي. على أن إثارة المسؤولية المدنية أمر هين مقارنة بالمسؤولية الجنائية، وإن كان ركن الخطأ بمثابة المحور الذي تنبني عليه تحريك المتابعة المدنية و الجنائية معا بمجرد ثبوت الخطأ الطبي للفاعل –الطبيب- في الممارسات الطبية المجردة من أي غرض علاجي.
ثالثا : الخطأ الطبي في التركيبات الصناعية
أدى التقدم العلمي إلى إمكان الاستعاضة عما يفقده الإنسان من أعضائه الطبيعية، بأعضاء صناعية لتزيل عيب الشكل الذي يسفر عنه نقصا وتؤدي على قدر الإمكان بعض وظائف الأعضاء الطبيعية كالأسنان والأطراف الصناعية وعملية تركيب الأعضاء الصناعية تجد تطبيقاتها غالبا أمام القضاء بالنسبة للصيادلة وجراحي الأسنان من وجهتين.
الأولى: تتمثل في مدى فعالية العضو الصناعي واتفاقه مع حالة المريض وتعويضه عن النقص القائم لديه والتزام الطبيب هنا هو التزام ببذل عناية.
الثانية: فيتعلق في مدى سلامة العضو وصناعته وجودته، وهذا الجانب ذوطبيعة تقنية، وهنا التزام الطبيب هو التزام بتحقيق نتيجة .
فما هي حدود التزامات الطبيب في التركيبات الصناعية؟ وما هو مثار المسؤولية الطبية خاصة الجنائية بالنسبة له، وعلى أي أساس ؟
في تكييفها لطبيعة عقد تركيب الأسنان كانت المحاكم الفرنسية تتجه نحو اعتباره بيعا بشرط التجربة معلقا على شرط واقف هو ارتضاء التركيبة الصناعية، وعلى ذلك فقد قضت محكمة (متز ) :” بأن الاتفاق على صنع أسنان صناعية ليس عقدا موضوعه علاج المريض بل هو بيع بشرط التجربة ، معلقا من تم على شرط واقف هو ارتضاء التركيبة الصناعية، بعد تجربتها ومناسبتها ، ويتخلف الشرط بعدم ارتضائه لها، ويعتبر العقد كأن لم يكن إذا تخلف الشرط”
ولكن الفقه قد انتقد هذا القضاء لخطئه في تكييف العقد ومجافاته لوقائع العمل الطبي الذي يقوم به طبيب الأسنان، فالعبرة في تكييف العقد هي بالغرض الاقتصادي الذي يستهدف منها، ووفقا للالتزامات التي يرتبها في ذمة طرفيه، ولا يجوز تجزئة العقد والاعتماد في تكييفه على بعض عناصره ولذلك اتجه القضاء إلى ان تقديم الطبيب الأسنان الصناعية لا يخلع عن اتفاقه بشأنه وصف العقد الطبي، والذي ينشئ على عاتقه إلى جانب الالتزام بوضع الأسنان الصناحية بعد تهيئة الفم لها ، ومحله بذل عناية، التزاما بتقديم الأسنان ومحله تحقيق نتيجة، وهي وضع أسنان ملائمة ولا تحدث ضررا، فإذا لم تكن الأسنان ملائمة للعميل، او احدثت ضررا به، كان الطبيب مخلا بالتزامه وقامت مسؤوليته. إلا إذا أقام الدليل على أن إخلاله به يرجع إلى سبب أجنبي لا يد له فيه .
فالأمر يتعلق بموقف قضائي وفقهي حول طبيعة عقد تركيب الأسنان الصناعية،و التي تبدو علاقة الطبيب في الإتزام الطبي بموجب العقد الرابط بينه وبين المريض ذات طابع مدني في نطاق قواعد المسؤولية المدنية.فلا جدال بأن المسؤولية الجنائية غير واردة مادام العقد الطبي يطبعه التزام غير ملزم-للطبيب- بالوصول إلى نتيجة محققة حينها. غير أن طبيعة ومضمون التزام طبيب الأسنان وبصفة خاصة أخصائي أمراض الفم وجراحة الأسنان فيما يتعلق بتركيب الأسنان الصناعية ” طاقم الأسنان ” سنستشف أنها بمثابة المحدد والضابط لإثارة المسؤولية الجنائية لهذا الصنف من الجراحة الذي يلزمه منطوق القضاء بتحقيق نتيجة، بعد رسو القاعدة القضائية على ترسيخ المبدأ – تحقيق نتيجة- في عتادها المنازعاتي .
ففي المرحلة الأولى ( اعتبار التزام طبيب الأسنان بتحقيق نتيجة) ذهبت بعض أحكام القضاء الفرنسي إلى اعتبار التزام جراح الأسنان بوجه عام التزاما بتحقيق نتيجة، بحيث يفترض خطؤه بمجرد وقوع ضرر للمريض. بينما توسطت أحكام أخرى وقصرت هذا الالتزام على حالة تركيب أسنان صناعية للمريض وعلى ذلك قضت محكمة ديجون في حكمها الصادر في 24/1/1952 بأن : “العقد المبرم بين طبيب أسنان والعميل لتركيب طاقم أسنان يفرض على الأول التزاما بعناية محله بذل الجهود الأمينة واليقظة في وضع وصيانة الأسنان الصناعية ، ويفرض عليه كذلك التزامات بتحقيق نتيجة، محله تقديم الأسنان الصناعية بالشكل والأوصاف والحالة التي يمكن معها أن تؤدي وظيفة الأسنان الطبيعية فإذا أخل الطبيب من غير قصد بهذا الالتزام ثارت مسوؤليته العقدية ويلتزم بتعويض المريض، إذا ما ترتب على التركيب المعيب للأسنان الصناعية التهابات حادة باللثة وتبدو تلك المسؤولية اكثر وضوحا، إذا ما تبين أن المريض يتمتع بفم طبيعي وأنه قام بتنبيه الطبيب عدة مرات إلى سوء حالة الأسنان ” .
وفي المرحلة الثانية ( مرحلة التمييز ما بين العمل الطبي الفني والذي يلتزم فيه طبيب الأسنان ببذل عناية ، وبين الطبيعة التقنية لعمله في هذه الحالة وتتضمن سلامة الأسنان الصناعية وملاءمتها لفم المريض وهو التزام محدد بنتيجة ) فإنه يتعين على طبيب الأسنان أن يضمن جودة رماة اوجهاز التبديل prothèse dentaire حيث قررت محكمة النقض الفرنسية ” بأن القواعد المطبقة في مجال الرمامة – أي جراحة الترميم والترقيع والتقويم- تلزم طبيب الأسنان المتخصص في هذا المجال بأن يركب جهازا مناسبا لفك المريض، ويبقى ملتزما بذلك إلا إذا أقام الدليل على قيام سبب أجنبي حال دون قيامه بذلك ” وفي حكم آخر لها قررت :” بأن المريض يكون محقا في امتناعه عن دفع أخصائي الأسنان ومطالبته بتخفيضها، حيث أن القواعد المطبقة في هذا الشأن تقضي بالتزام الطبيب الأخصائي في هذا المجال بتركيب “الطاقم ” الملائم لفم المريض هذا ما لم يثبت قيام عوامل خارجة عن إرادته وغير متوقعة منعته من الوفاء بالتزامه، وقد تبين لقاضي الموضوع باعتراف الطبيب نفسه بأن الطاقم لم يكن مناسبا- أن العناية المبذولة لا تتفق مع الأصول المهنية المتعارف عليها، لذا قرر- بحق- أن المريض- عقب المعاناة التي لاقاها – كان محقا في شكه في مدى نجاح وفاعلية الطاقم، وبالتالي التجائه لطبيب آخر للحصول بسرعة على الأسنان الصناعية الضرورية الملائمة لفمه ” .
ولعل التزام الطبيب الجراح في هذا النوع دائما من الجراحة يجعل التزامه الوصول إلى نتيجة مرجوة ومحققةّ، مما يجعل تخلف ذلك يثير مسؤولية الطبية أمام ضحية الخطأ الطبي في جراحة الأسنان لمركب صناعي جانب الصواب الطبي، وألحق ضررا يستوجب المساءلة عن الفعل الجرمي نتيجة إهمال او تقصير أو عدم احتياط . فمثلا لو نشأ عن طاقم الفم التهابا خطيرا نتج عنه مرض خطير، فإن مسؤولية الطبيب الجزائية ستتسع لتشمل وتصب في نطاق قواعد وأحكام المسؤولية الجنائية بناء على الخطأ الغير العمدي الذي تؤطره فصول المتابعة، وفق ضوابط نصوص القانون الجنائي المغربي- قانون العقوبات في التشريعات المقارنة- خاصة الفصلين 432-433 حسب جسامة الفعل المرتكب، ووفق قواعد الإثبات في ظل مبدأ الالتزام بتحقيق نتيجة في هذا النوع من الجراحة التركيبية لعضو معين في الجسم البشري. ولعل الأحكام التي اوردناها سابقا بخصوص مسؤولية الصيادلة عن بعض المركبات الصناعية تؤكد بجلاء طبيعة التزام هؤلاء بتحقيق نتيجة في المركبات الصناعية ذات الطبيعة الفنية خاصة عند عدم التدقيق في وصفات الطبيب، وفي حالة عدم الرجوع إلى الكتب الفنية الموثوق بها عند تحضير الأدوية والمخدرات وخلافه. وقد شهد قضاء محكمة النقض المصرية تطبيقا لهذه المسألة جاء فيه ما يلي :
” إذا كان الحكم الصادر بإدانة المتهم – في جريمة القتل الخطأ- قد أثبت خطأ المتهم الاول ( صيدلي ) فيما قاله من أنه حضر محلول البوتتوكايين كمخذر موضعي بنسبة 1 %وهي تزيد على النسبة المسموح بها طبيا وهي 1/1000 أو 1/800 ولا يعفيه من المسؤولية قوله أن رئيسه طلب منه تحضيره بنسبة 1 % طالما انه ثبت له من مناقشة هذا الرئيس في التيليفون انه لا يدري شيئا عن كنه هذا المخذر ومدى سميه،هذا إلى جانب انه موظف مختص بتحضير الأدوية ومنها المخذر، ومسؤول عن كل خطأ يصدر منه، ومن انه لجأ في الاستفسار عن نسبة تحضير هذا المصدر إلى زميل له قد يخطئ ويصيب ، وكان لزاما عليه أن يتصل بذوي الشأن في المصلحة التي يتبعها، او الاستعانة بذلك بالرجوع إلى الكتب الفنية الموثوق بها كالفارماكوبيا، ومن إقراره صراحة بأنه ما كان يعرف شيئا عن هذا المخذر قبل تحضيره، فكان حسن التصرف يقتضيه ان يتأكد من النسب الصحيحة التي يحضر بها فلا ينساق بذلك وراء نصيحة زميل له، ومن أنه لم ينبه المتهم الثاني وغيره من الأطباء ، ممن قد يستعملون هذا المحلول بأنه استعاض به عن ” النوفوكايين” فإن ما أثبته الحكم أخطاء وقع فيها المتهم يكفي لحمل مسؤوليته جنائيا ومدنيا “.
ويستنتج معه، أن الصيدلي في المستحضرات التركيبية ملزم باليقظة والحذر وضمان السلامة مع واجب وفرض تتبع دستور الأدوية “الفارماكوبيا” لضبط النسب المحددة طبيا ومواكبة المتغيرات الطبية حتى تنتفي مسؤوليته الطبية في مواجهة مرضاه.
وعليه فإن الأخطاء الفنية للطبيب بصفة عامة سواء في طب الجراحة التجميلية او التقويمية، نقل الدم والتحاليل الطبية، وفي المركبات الصناعية يجمعها قاسم مشترك، يحدده التزام الطبيب بتحقيق نتيجة مع الدور المنوط باضطلاع القضاء في البحث عن القصد الجنائي العام والخاص للطبيب المحدث لخطأ طبي، يجعل من قواعد الإثبات مفترضة، وتنصهر لصالح ضحية الخطأ الطبي –الفني بالأخص- تقع على عاتق الطبيب الجراح والأخصائي لنفي المسؤولية الطبية. وإلا فالمتابعة الزجرية الجنائية ستعد الفيصل القانوني الحاسم لردع أي تطاول طبي يحدث ضررا لا يحمد عقباه.
وعموما فإن التطبيقات القضائية للخطأ الطبي سواء ما يتعلق بالخطأ في التشخيص، الخطأ في العلاج، الخطأ في الجراحة والتخذير، نقل الدم، التحاليل البيولوجية، اخطاء الجراحة والتجميل والمركبات الصناعية، إلى جانب الخطّأ في تحرير الوصفة الطبية… كلها أخطاء تمتزج بين الطابع الفني للخطأ الطبي والخطأ العادي. وتجعل من الصعوبة فرز كل نوع على حدة هذا من جهة، ثم إن التزام الطبيب بنتيجة يصعب التسليم به مادام المبدأ العام هو التزام هذا الأخير ببذل غاية أو عناية، ليظل المسلك هو قول القضاء في ظروف وملابسات كل قضية على حدة، في تحميل المسؤولية الطبية عموما والجنائية خصوصا لطبيب مهمل، ودلك بمراعاة الظروف الخارجية المحيطة بخطئه المهني مرتكزه -الخطأ الغير العمدي- لصور الخطأ الطبي في القواعد العامة للقانون الجنائي في الفصلين 432 و 433.
المبحث الثاني: محدودية تدخل القضاء في المسؤواية الجنائية للطبيب وحالات انتفائها
سنقف في هذا المبحث على استقصاء منطوق القضاء في الأحكام الطبية ذات الطبيعة الجنائية، لاستخلاص واستنتاج موقف هذا الأخير من المسؤولية الجنائية للأطباء في بعض الجرائم العلمية الحديثة. فننخصص قسما مهما من الدراسة للمسؤولية الجنائية للطبيب عن خطأ مقصود. ثم نشير للتذكير بحالات الاعفاء من المسؤولية الجنائية للطبيب في العمل الطبي ارتباطا بالخطأ أساسا .
المطلب الأول: التطبيقات القضائية للخطأ الطبي في بعض جرائم العصر
htmlspecialchars_decode(‘”‘) الفقرة الأولى:التجارب البيوطبية على الإنسان htmlspecialchars_decode(‘”‘)
المشرع المقارن نظم هذا النوع من العمليات فجس النبض القضائي الذي تصدى لهذا النوع من الظواهر وألزم الطبيب بمجموعة من الالتزامات.
وما يظهر من خلاله، أن التزام الإعلام للمريض بمخاطر العملية إن كان يتطلب إخفاء بعض الوقائع في بعض العمليات، فإنه في أخرى يلزم الإخبار الكامل والأمين بكل المعطيات والمخاطر وهو ما يجد له صدى في مجال التجارب الطبية لأحكام متفرقة في القضاء الفرنسي .
ففي حكم صدر عن محكمة السين الفرنسية بتاريخ 16 ماي 1935 والذي” أدان طبيبا (رئيس قسم مستشفى) نصح مريضا بأن يجري فحصا بالأشعة وهو يقصد في الحقيقة تسهيل الأبحاث العلمية التي يجريها بعض طلبة كلية الطب، حيث اقدم على حقن المريض بمستحضر جديد على سبيل التجربة، وإجراء تدخل جراحي بطبيعته على هذا الأخير، دون أن يعلم بطبيعته والغرض منه والمخاطر التي ينطوي عليها مما أدى إلى وفاته حيث انتهت المحكمة إلى مؤاخذة الطبيب واعتباره مسؤولا جنائيا على الوفاة التي حصلت من جراء العملية، وإقدامه على إجراء تجربة عليه دونما داع ولا ضرورة علاجية وبغير رضائه الحر المستثير”.
وفي حكم صدر هو الآخر عن محكمة باريس بتاريخ 11 مارس 1937 قضى” بأن أي عمل طبي أو جراحي لا يكون مشروعا إلا إذا كان في مصلحة المريض وينطوي على منفعة شخصية مباشرة بالنسبة له، ولذلك فقد قررت المحكمة مؤاخذة جراح سمح لطالبين بالمستشفى بإجراء تدخل جراحي على مريض دونما ضرورة علاجية وإنما فقط لمجرد التجريب وإجراء بعض الأبحاث العلمية”.
وفي القضاء الكندي نذكر في هذا الصدد بما جاء في حكم صدر سنة 1965 في قضية Haluslushka V.Huniversity of sackatchewanوالذي أدان طبيبا قام بإجراء تجريب علمي على أحد طلاب كلية الطب تطوع للمشاركة في تجريب يرمي إلى اختبار مادة مخذرة لا تنطوي على مخاطر تذكر، حيث عمد هذا الأخير إلى التوقيع على وثيقة تثبت موافقته المبدئية على المشاركة في التجريب، لكن دون إعلامه بأن الأمر يتعلق بمستحضر جديد سيتم استخدامه على سبيل التجربة، وأن أنبوبة – وهذا هو المهم – سيتم إدخالها في ذراعه تصل إلى قلبه مما تسبب في إصابته بأضرار بليغة ومستمرة (توقف في القلب وأضرار مستمرة في الأعصاب) ومما جاء في الحكم:
” أنه إذا كان من الممكن إخفاء بعض الوقائع الدقيقة على المريض الذي سيخضع للعلاج طالما أن ذلك يلعب دورا حاسما في نجاح العملية فإن الأمر يختلف في مجال التجريب العلمي المحض، حيث يتعين الالتزام بالإعلام الكامل والأمين بكل المعطيات والمخاطر، وكل الاحتمالات التي يمكن أن تأخذ في الاعتبار لدى الشخص العادي حتى يوافق بأن يكون موضوع تجريب”.
ولعل الضرورة – العلاجية أو العلمية- في ظل القانون المقارن تجعل من التمييز بين الالتزام بالإعلام المجرد من التفصيل المدقق لظروف العملية ومخلفاتها المتوقعة، وبين الالتزام بالتبصير بكافة ظروف التجربة المزمع إجراؤها ومخاطرها، فكثيرا ما تعقد المحاكم أهمية خاصة بخصوص الالتزام بالتبصير في نطاق التجارب الطبية تحديدا، وفي هذا الصدد تفرق المحكمة الفدرالية العليا الأمريكية بين التبصير بمناظر العلاج التجريبي، فيكون التبصير كافيا في الحالة الأولى، بينما في الحالة الثانية فيجب أن يتضمن التبصير كافة ظروف التجربة والمخاطر التي تنطوي عليها على نحو كامل ومفصل، ففي حكم صادر عن نفس المحكمة لسنة 1974 في قضية karp ضد كولى cooly وتتلخص وقائعه في:
“أن مريض توفي بعد 32 ساعة من خضوعه لعملية جراحية على القلب متأثرا بفشل كلوي حاد، وادعت أرملة المتوفى بأن زوجها الهالك لم يتم تبصيره تبصيرا وافيا، إذ أن الجراحة لم تكن تقليدية معتادة وإنما تجربة جديدة، إلا أن المحكمة قضت بعدم مسؤولية الطبيب على اعتبار أن الزوجة المدعية لم تقم الأدلة الكافية على عدم حصول الطبيب على رضا متبصر من زوجها المتوفي، كما لم تثبت الخطأ المهني في جانبه ومع ذلك اضافت المحكمة أنه عندما يقوم الطبيب باستعمال وسيلة علاجية جديدة، فإن درجة التبصير المطلوبة تختلف عن تلك المطلوبة للعلاج التقليدي” .
ونفس المقتضى أكده قانون الآداب الطبية اللبناني حيث نص: ” لا يجوز استعمال العلاجات الجديدة إلا بعد موافقة المريض، وشريطة أن يعطيه العلاج فائدة مباشرة وبعد أن تكون قد أجريت الدراسات العلمية الواقية والمناسبة لكل حالة” .
الفقرة الثانية: جرائم الأجنة البشرية
إن التطرق إلى كراء الأرحام سيجعلنا نسوغ عدة إشكاليات وتساؤلات نظرا لغياب تشريع يحدد أحكام وقواعد هذا النظام الجديد في الدول المتقدمة فبالأحرى الدول النامية وفي هذا المجال نلفت الانتباه إلى قضيتين عرضتا على قضاء الدول الغربية، الأولى سنة 1980، والثانية سنة 1995. فبالنسبة للأولى تتمثل في أن إحدى الزوجات بالولايات المتحدة الأمريكية رفعت دعوى على المركز(يعمل هبه أطباء) على اثر إنجابها لطفل اسمر البشرة مع أن الزوجين كانا من الجنس الأبيض، فتم إجراء أبحاث وتحاليل على مستوى مركز الحفظ، فكشفت عن وقوع خطاء في المختبر أثناء استعمال العينات المحفوظة. أما بخصوص الثانية فتتمثل في أنه على اثر إجراء عملية تلقيح خارج الرحم لتوأمين ولد أحدهما بمواصفات مختلفة عن الآخر، كما أن مواصفاته كانت مختلفة عن والديه اذ كان يحمل مواصفات رجل إفريقي اسمر اللون،وانف مفرضخ، وبعد فترة من البحث والتحري على مستوى المركز المعالج، تبين لعائلة المرأة أنه حصل فعلا خطاء علمي غير عمدي ناجم عن استخدام المركز المعالج أنبوب حفظ منطف سبق استخدامه لحفظ نطف رجل اسمر ولم يتم تنظيفه بصفة كاملة، وهو الأمر الذي نتج عنه ميلاد أحد التوأمين بمواصفات خاصة .
ورغم أن الموضوع يبدوا للوهلة الأولة بعيدا عن التطبيق في بلدنا إلا أنه في الواقع ليس كذلك، فقد أضحى من الممكن إنجاز عملية الاخصاب الخارجي في مراكز خاصة وبإشراف أطباء كتخصصين على قدر متميز من الكفاءة والمهارة . وأوضح أحد الأخصائيين المغاربة في علم بيولوجية الإنجاب –د. عصمان- أن أول حالة للحمل تمت عن طريق نقل جنين في طور التكوين بعد أن كان محفوظا في درجة حرارة منخفضة تم انجازها سنة ، 1984، مبرزا أن هذه التقنية عرفت تطورا كبيرا بالمغرب منذ ذلك الوقت، وقد تم اقتراح عدة توصيات في هذا الصدد ضمن عدد 16 من دفاتر الطبيب، تمخضت عن دراسات مشتركة قام بها فقهاء في الدين ومختصون في طب الإنجاب، تلزم كل الفرق الطبية المغربية المختصة في هذا المجال أن تعمل بها، تتعلق بالأساس باستجابة مراكز الإنجاب تحت المراقبة الطبية للمواصفات الدوليية، ومنع التبرع بالخلايا الجرثومية البشرية، أو اللجوء إلى أسلوب الأم الحامل لجنين ليس من صلبها، واحترم مبدأ تطبيق العلاج على الرجل والمرأة المرتبطين بعقد زواج شرعي .
هذا ما يخص التشريعات ذات النظام الفدرالي، والذي بحكمه يتميز بمرونة القوانين .
الذي يتضح من خلال النازلتين أنه ليس هناك ما يمنع من رفع دعوى إثبات النسب أو نفيه بهذا الخصوص ،لكن مادا عن التشريعات العربية أو بالأخص التشريع المغربي؟
بالرجوع إلى التشريع المغربي فإنه لم نعثر على نص ينظم هدا النظام العلمي والجديد مما يجعلنا نسوغ عدة إشكاليات من باب الجدل لا من باب الإحاطة أو التفصيل :
-هل هناك مانع يمنع الزوجين من اللجوء إلى هذا النظام البديل ؟
-هل يحق رفع دعوى إثبات النسب أو نفيه على المركز المختص في حالة الخطأ العمدي أو غير العمدي ؟
-مادا عن حالة المرأة المستأجرة لكراء الرحم وإذا بها تمتنع عن التنازل عن الولد لصالح من استأجرها، هل واقعة الولادة ستعتبر حجة على النسب في هده الحالة ؟
– ماذا بخصوص الإجراءات الشكلية وكيف سيتم التعامل مع النوازل في هذا الباب ؟
-هل سيعطى للنيابة العامة اختصاص فوري بإثبات حالة الخطأ أم يتم اللجوء إلى القضاء الاستعجالي؟
-هل توجد خبرة ذات كفاءة معتمدة لدى المحاكم لإجراء خبرة مضادة أو تكميلية بهذا الخصوص ؟ …
وهذا ما يتطلب من المشرع أن يهيأ سبله لأننا في زمن الألفية الثالثة. فثمة أفعال مسكوت عنها في القانون المغربي على الرغم مما تشكله من خطورة وتهديد لحقوق الأفراد ولقيم المجتمع ونخص بالذكر عدم تجريم بعض الممارسات البيوطبية الحديثة، التي تشكل بطبيعتها تحديا مرعبا للثوابت والقيم الانسانية والأخلاقية المستقرة، وانتهاكا لكرامة الإنسان وحرمته وسلامته، كالتلاعب بالذمة الجينية للإنسان والتعديل في صفاته الوراثية، والمتاجرة والتلاعب بالنطف الآدمية، وإجراء التجارب العلمية البحتة –على الإنسان- المجردة من أي غرض علاجي يعود بالنفع على المرضى، والمحاولة العابثة باستنساخ البشر، كما أن هناك ممارسات طبية أخرى تمارس ببلادنا في غياب إطار قانوني يضبط ممارستها ويرسم حدود مباشرتها ويمنع إساءة استخدامها تحت طائلة الجزاء الجنائي، لسيما تقنية الإنجاب (التخصيب الصناعي) procréation médicalement assistée
المطلب الثاني: محدودية دور القضاء في قضايا المسؤولية الجنائية للطبيب
للقضاء منزلته الرفيعة كملاذ لطالب العدالة والإنصاف على مر العصور والأزمان يدرأ عنهم ظلم الظالمين ويفصل في منازعاتهم وخصوماتهم، ويعطي كل ذي حق حقه من خلال ما أنيط به من واجب الفصل في الخصومات . وفي مجال القانون الطبي والمنازعات الطبية فإننا نلمس مطارحات قضائية عديدة تتجاذبها عدة اعتبارات فنية وتقنية تكون رهينة بمقياس الخبرة الطبية القضائية في نهاية المطاف.
ونظرا لشساعة الموضوع وتشتت النصوص القانونية المنظمة للمهن الطبية، وحسب ما أوردناه في نطاق المبحث الأول من تطبيقات قضائية لمختلف مراحل العلاج الذي يجريه الطبيب على جسم المريض –ضحية الخطأ الطبي- وتفاديا للتكرار سنعمد إلى استحضار بعض نماذج العمل القضائي الحديث في مجال المسؤولية الجنائية للأطباء بالمغرب في بعض محاكم المملكة خاصة بالنسبة للأحكام التي تعاقب الطبيب. وذلك لاستبيان نمط الجزاء المتذبذب بين التوفيق بالمنسوب للأطباء في الجرائم الطبية ذات البعد الجنائي بين هاجس الادانة والحكم بالبراءة.
1- نذرة الأحكام القاضية بالإدانة
تتنوع الأحكام ولكن منطوقها واحد هو إدانة الطبيب في جرائم الخطأ الطبي بناء على فصول المتابعة في القواعد العامة –الفصلين 432/433- وإن كانت تتفاوت أحيانا بين العقوبة السالبة للحرية والعقوبة الموقوفة التنفيذ وللقضاء في ذلك تبريرات وتعليلات مختلفة حسب ملابسات كل نازلة على حدة. وهي كالتالي:
ففي حكم صادر عن ابتدائية الرباط بتاريخ 13 يونيو 2000 قضى بإدانة أحد الأطباء من أجل الإمساك عمدا عن تقديم المساعدة لشخص في خطر وذلك طبقا للفصل 431 من ق.ج.م وتتلخص وقائع هذه القضية في شخص كان قد حضر إلى إحدى مصحات القلب والشرايين لزيارة أحد أصدقائه الذي كان نزيلا في المصحة، وبعد صعوده إلى الطابق الرابع عبر السلالم العادية –كون المصعد خاص بالمرضى- أحس بإعياء ثم تابع الصعود إلى الطابق الخامس حيث مصحة القلب والشرايين، فاتضح عياؤه مما جعل بعض الأشخاص يساعدونه في الجلوس على أحد المقاعد عند مدخل المصحة، ثم أخذ يصيح طالبا إغاثه وبعد حضور الطبيب تبين أه يحتاج إلى إنعاش، ورأى الطبيب تطبيقا لنظام المعمول به في المصحة، إلا يشرع في ذلك إلا بعد القيام بالإجراءات الإدارية وأداء كفالة مالية لصندوق المصحة، حتى انتهى الأمر بوفاة الزائر بسبب تأخر تقديم النوع الملائم من الاسعافات.
حيث أن المحكمة عللت حكمها بما يلي: (حيث أن الامتناع الإرادي يستخلص من ظروف وملابسات كل قضية، وأن الطبيب كان عالما بصفة مباشرة بالخطر الذي كان يحدق بالهالك والذي أدى إلى وفاته خصوصا أنه طبيبا متخصص في القلب والشرايين، والواجب كان يفرض عليه التدخل الشخصي لإنقاد الهالك دون الخوض بنفسه بالإجراءات الإدارية، وإدخاله مباشرة إلى قاعة الإنعاش المركزي وكما أضافت بالخبرة القضائية بأن عنصر الزمن هو عنصر جوهري وأن الوقت يحسب بالثواني وليس بالدقائق، وعلى الطبيب أن يسرع بتقديم الاسعافات للمريض، في حين أن الطبيب لم قم بأي الاسعافات للمريض، في حين أن الطبيب لم يقم بأي الاسعافات للمريض، في حين أن الطبيب لم يقم بأي إسعاف لمدة 45 دقيقة بشهادة الشهود، ولم يقدم له أية أدوية، مما يكون معه الامتناع عن تقديم مساعدة ثانية في حقه… ) .
وفي الحكم الجنحي الصادر عن ابتدائية بركان بتاريخ: 26/06/2000: “…حيث أن طبيبا قام بحقن طفل بالغ من العمر 5 سنوات بواسطة مادة مخدرة، وهي عبارة عن محلول كيلاكين/ 5 تحت الجلد لتخديره من أجل إجراء عملية جراحية له والتي تتمثل في إزالة آثار الحروق التي كان قد أصيب بها هذا الأخير، على مستوى عنقه من جهته اليسرى، ولقد تسبب له هذا المخدر بالإغماء وتم نقل الطفل إلى قسم المستعجلات بمستشفى الدراق لكن الطفل كان قد فارق الحياة بالمستشفى وقد تم إدانة الطبيب بتهمة القتل الخطأ الناتج عن الاهمال، معتبرة أن الطبيب غير متخصص بالجراحة فهو طبيب عام، ولم يستعن أيضا بطبيب متخصص في الجراحة كما أنه لم يحضر طبيب مبنج في العملية الجراحية وبذلك يكون الطبيب قد ارتكب خطئا مهنيا في عدم الاستعانة بطبيب متخصص وله دراية كافية بعملية التخدير كما أن هذا النوع من الجراحة يدخل ضمن تخصص منفرد لا يمكن القيام به إلا من طبيب متخصص في مجال التجميل” .
وفي حكم جنحي آخر صادر عن نفس المحكمة والتي قضت بإدانة الطبيب ورد في حيثياته ما يلي: “…حيث أن طبيبا تسبب في تعفن أصاب يد رضيعة والتي قرر الأطباء بأنه لابد من بتر يدها اليسرى، وعند الاستماع الى الضنين الاول بوصفه الطبيب المعالج للضحية صرح بأنه لم يصدر منه أي اهمال بل إنه أنقذ الرضيعة التي تقدمت بها والدتها إلى المستشفى وهي في حالة خطيرة وهذا ما أكد بأنه لم يترك الحزام الجلدي مربوطا على ذراع الطفلة، وهذا ما أكدته الظنينة الثانية (الممرضة) لدى الاستماع إليها تمهيديا…بذلك صرحت المحكمة بمؤاخذة الظنينين من أجل المنسوب إليهما وعقاب كل واحد منهما بشهرين حبسا موقوفة التنفيذ وغرامة قدرها 500 درهم مع الصائر والاجبار في الأدنى” .
وفي حكم آخر ذهبت محكمة الاستئناف بأكادير إلى “إدانة طبيب وممرضة مساعدة وكذلك المصحة في عملية اجهاض ناتج عن اغتصاب لطالبة في حكم حديث لها بتاريخ 19مارس2008، قضى بمؤاخذة مالك المستشفى بستة أشهر حبسا موقوفة التنفيذ مع المنع من ممارسة المهنة رغم إدانة الطبيب كامارا (camara) في عملية الاجهاض، وقضى بحبس الممرضة حبيبة بثلاثة أشهر موقوفة التنفيذ بتهمة المشاركة في العملية”
وفي حكم جنحي صادر عن محكمة الاستئناف بفاس بتاريخ 09/08/2006 والذي ذهب إلى إدانة طبيبا جراحا مديرا لمصحة وممرضا مساعدا مختصا في البنج في عملية ختان شاب من ساحل العاج أراد الارتباط بفتاة مسلمة، ولم يحترم فيها الطبيب الفحوصات الاستباقية للعلاج ورد في حيثياته ما يلي: “…وحيث اتضح من خلال التقارير الطبية أن الضحية كان يعاني من بعض المضاعفات ولم يراع الطبيب الجراح تلك المضاعفات كما لم يتم إجراء التحليلات الطبية قبل القيام بالعملية وبذلك يكون قد اقترف خطئا جسيما… فتمت إدانته على أساس جنحة القتل الخطأ طبقا للفصل 432 من مجموعة القانون الجنائي المغربي بسنة واحدة سجنا وغرامة مالية قدرها 1000 درهم لكل منهما .
إن ما يمكن استنتاجه من خلال هذه الدينامية القضائية، أن القاضي المغربي أصبح يتعامل بنوع من التشدد مع الأطباء في الخطأ الطبي، فتتأسس المسؤولية الجنائية بناء على جاهزية الفصلين 432 و 433 من القانون الجنائي المغربي، فالأمر لا يعدو أن يكون مجرد جنحة يواجه بها الطبيب مهما بلغت جسامة خطئه المهني، فلا خوف عليك أيها الطبيب من أن تساءل بعقوبات سجنية مادام القانون الجنائي عاجز عن مواجهتك بها. لذى نعتقد أنه أصبح لزاما على المشرع أن يرضخ جبرا لصحوة مسؤولة طبيا وجنائيا لحماية المرضى ضحايا الاخطاء الطبية المقصودة والمتهورة واللامسؤولة، فالأخطاء الطبية لا جرد لها في ظل تنامي ثقافة الرشوة والمحسوبية واللامهنية، فهل أصبح الوقت ضيقا لاحتواء الظواهر الطبية ونحن في ثورة النصوص التشريعية والمتغيرات الاقليمية والدولية؟ فإذا كنت أيها المشرع تحمي نزلاء السجون إلى حد ما في بعض الجوانب، فالأحرى بك أن تترفع عن اقتصاد الريع واحتكار المقاولات العائلية.
2-: هيمنة الأحكام القاضية بالبراءة
القضاء لا يميل دائما إلى إدانة الأطباء، بل يعمد إلى استقصاء كافة السبل الفنية والتقنية المهنية لتزكية أحكامه حتى لا يؤاخذ أحدا بمظلمة، فنجد كما وافرا من الأحكام سواء في ظل القضاء المقارن وفي جانب القضاء المغربي، يذهب إلى تبرئة الطبيب ما لم تتحقق أركان النازلة الطبية في ثبوت الخطأ الطبي من جهة الطبيب مع شرط توافر الضرر وثبوت العلاقة السببية. أضف إلى ذلك إخلال الطبيب بالتزاماته القانونية أثناء العمليات وقبلها وبعدها كل في مجال تخصصه ومسؤولياته. فالطب كمهنة نبيلة وشريفة قبل كل شيء يجب أن يكرم مزاولوها –الأطباء ومن في حكمهم- تحت شعار القانون. وهو ما سنتطرق إليه في الأحكام التالية:
فمثلا ورد في قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالبيضاء بتاريخ 22 مارس 1984 والذي ألغى الحكم الابتدائي الصادر بتاريخ 14 فبراير 1983 وقد اكتفى هذا باستبعاد مسؤولية الطبيب الجراح لعدم ثبوت الخطأ في حقه وكذلك العلاقة السببية بين وفاة الضحية والفعل الصادر عنه…وقد جاء في هذا الحكم (…وحيث أن المتهم أنكر جميع التهم المنسوبة إليه ولم يثبت من المناقشة الموضوعية، ولا من الحجج المدلى بها من الطرفين تواجد العلاقة السببية بين وفاة المريضة وبين ما قام به المتهم، بوصفه طبيبا جراحا من أعمال، سواء قبل إجراء العملية أو أثناءها أو بعدها… وحيث أن المحكمة إذ رأت أن الإثبات غير قائم، وأن الفعل المنسوب إلى المتهم لا يترتب عليه مخالفه للقانون، فإنها تقرر عدم لأدانه وتقضي بالبراءة وبعدم الاختصاص في المطالب المدنية عملا بالفصلين 389 و 411 من ق.م.ج)
وفي قرار آخر صادر عن محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 31 مارس 1989 ، وقد ألغى الحكم الابتدائي الصادر بشأنها بتاريخ –ابتدائية سلا 8/8/14 1988، والذي قضى بإدانة كل من الطبيب الجراح والممرضة المخدرة وكذلك الطبيب المسؤول عن المصحة والتي أجريت فيها العملية القيصرية على الهالكة.
كما جاء في قرار صادر عن محكمة البيضاء بتاريخ 6 دجنبر 1989 “قد قضى هو الآخر، ببراءة طبيب مولد من تهمة القتل الخطأ التي سبق وأدين من أجلها من قبل المحكمة الابتدائية بالبيضاء في 16 فبراير 1989، وقد استندت المحكمة في حكمها هذا إلى بعض المبادئ المقررة في نطاق الأعمال الطبية، نذكر منها بالأساس ما يلي :
– أن عدم إقدام الطبيب “الظنين” على إجراء عملية قيصرية للهالك، رغم طلب زوج الهالكة منه إجراءها يعتبر عملا تقنيا يدخل في اختصاص الطبيب المعالج حسب كفاءته المهنية وضميره المهني، كما أن الطبيب المعالج هو الذي له صلاحية الإقدام على العملية القيصرية أو عدم الإقدام عليها لأنه الخبير بحالة مريضه
– الطبيب لا يؤمر ساعة اتخاذ قرار المعالجة بالطريقة التي يجب عليه اتباعها خاصة من شخص غير طبيب مختص لأن الطبيب هو المسئول عن عمله الطبي وفقا لرسالته وضميره المهني”.
وفي قرار صادر عن محكمة الاستئناف بأكادير بتاريخ 23/03/2005 قضى بنقض حكم ابتدائي جنحي صادر عن المحكمة الابتدائية بانزكان بتاريخ 17/02/2004 تحت عدد 115 والقاضي بعدم مؤاخذة الطبيب بما نسب إليه والحكم ببرائته وبمؤاخذة الضنينين (ش. ب) و(إ. ع)، بثلاثة أشهر حبسا موقوفة التنفيذ وبغرامة قدرها 1000 درهم مع الصائر في 100 درهم والإجبار في 20 يوم لإدانتهما بجريمة القتل الخطأ المنصوص عليها في الفصل 432 من ق. ج، ورد في حيثياته ما يلي: “…وحيث أنه على إثر وفاة الضحية فاطمة الحداد أمر السيد الوكيل العام للملك بإجراء التشريح الطبي لجثتها فتكونت لجنة طبية يترأسها الطبيب مدير مستشفى الحسن الثاني بأكادير الدكتور عبد السلام دامو وبعضوية كل من الدكتور خالد العلمي جراح بنفس المستشفى والدكتور عبد الفتاح موتشو، وبعد القيام بمهمة التشريح أنجزوا تقريرا مفصلا مؤرخا في 20/06/2003 انتهوا فيه إلى أن سبب وفاة المريضة يرجع إلى ما يلي:
– نظرا لوجود علامات أعشاش مصابة ومتعفنة متمركزة أساسا على مستوى الرئتين فإن الوفاة قد تكون ناجمة عن صدمة انطلاقا من عش متعفن على مستوى الغدد التناسلية، وهذه المعطيات اكدتها الفحوصات المتعلقة بالأنسجة، وحيث أن نتيجة التشريح الطبي جاءت لتزكي ما ذهب إليه الظنين من كون المضاعفات الصحية للمريضة كانت نتيجة العملية الجراحية وللإنتشار الكثيف للمكروبات بجسدها بعد العملية وليس بسبب العملية نفسها أو لخطأ طبي ارتكبه المتدخلون في العملية، فالثابت من التشريح الطبي أن المكروبات انتقلت الى رأتي المريضة وتكدست بها وأصابتها بتعفن مما أدى إلى صدمة الوفاة.
وحيث أنه مما سطر أعلاه لم يثبت أن الظنين قبل جراء العملية الجراحية أو أثناءها أو بعدها أتى عملا من أعمال التقصصير أو الرعونة أو عدم الاحتياط أو عدم احترام النظم والقةانين الطبية، بل ثبت أنه قام بما يجب القيام به وبذل العناية اللازمة لإنقاذ حياة المريضة وبذلك تنعدم العلاقة السببية بين ما صدر منه من أفعال وبين وفاة الضحية ومن ثم تكون مقتضيات الفصل 432 ق. ج موضوع المتابعة غير قائمة في حقه يتعين عدم مؤاخذته من أجلها والحكم الابتدائي عندما قضى بإدانته يكون قد جانب الصواب مما تعين معه إلغائه والتصدي والتصريح ببراءة الظنين…
وحيث أنه بحكم أن الظنين (…) كان مساعدا فقط فإنه لا دخل له في مآل العملية الجراحية سواء من جهت التخدير أو من جهة الجراحة ولم يسجل عليه أي من الطبيبين الآخرين أي تهاون أو تقصير في المهام وبالتالي لا يمكن مساءلته عما يخرج عن اختصاصه…تكون التهمة المنسوبة إليه غير ثابتة في حقه، والحكم الابتدائي عندما برأ ساحته منها يكون قد صادف الصواب مما يتعين معه تأييده…
…وحيث أن عمل الطبيب المخدر ينحصر في تهييء المريض للعملية الجراحية بالاحتفاظ به تحت تأثير المخدر طيلة العملية… وبعد انتهاء العملية يتكفل …على إعادة المريض إلى وعيه من جديد وقد ثبت من المعطيات المسطرة أعلاه أن العملية الجراحية تمت في ظروف عادية واستعادت المريضة وعيها بعد ذلك وكون العملية الجراحية نجمت عنها مضاعفات صحية بعد ذلك لا دخل للظنين فيها…”.
فقضت المحكمة حضوريا ونهائيا وعلنيا بإلغاء الحكم الابتدائي فيما قضى به من إدانة الظنينين (…) و (…) من أجل ما نسب إليهما والتصدي والتصريح بعدم مؤاخذتهما من أجل ذلك والحكم ببرائتهما منه وتأييده في باقي مقتضياته وتحميل الخزينة العامة الصائر.
إجمالا يمكن نخلص إلى أن القضاء ضمانة حقة للموازنة بين معادلة حماية المرضى وزرع الثقة والقرب لدى الأطباء، فالعمل الطبي الفني يخضع لرقابة الخبر الطبية قبل كل شيء وما على القضاء إلا أن يضع بصمته النهائية لمنطوق الأحكام. فلا خوف عليك أيها الطبيب ما دمت تحترم العمل المهني وتنضبط للقانون.
المطلب الثالث: المسؤولية الجنائية للطبيب الناجمة عن خطأ غير مقصود (عمدي)
إذا كان الهدف من ممارسة مهنة الطب، هو علاج المريض في المعنى الواسع للعلاج شفاء من المرض أو سيطرة على حدته أو مجرد التخفيف من آلامه، فإن القانون والواقع يفرضان على الطبيب أن يتعامل في مجال عمله بكل ما يتطلبه الضمير الإنساني، من الاستقامة في العمل والتمسك بحسن النية، استجابة لقسم أبقراط الذي يؤديه الطبيب قبل التخرج لمزاولة المهنة ، ولعل أهم الجرائم التي يسأل عنها الطبيب جنائيا والتي يتم ارتكابها عن قصد أي عن علم وإرادة واتجاه السلوك الطبي إلى تحقيق النتيجة الإجرامية تظل خاضعة للقواعد التقليدية المنصوص عليها في القانون الجنائي ، والتي تجعل من الصعوبة ما كان الإجابة على بعض المشاكل الطبية خاصة المنازعات الجنائية اعتمادا على قواعد القانون الجنائي.
إن المشرع المغربي لم ينظم قواعد خاصة بالمسؤولية الجنائية للطبيب، إنما أخضع هذه الأخيرة لنصوص متفرقة في القانون الجنائي من جهة (الفقرة الأولى) والقوانين الجنائية الخاصة من جهة أخرى (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الجرائم الطبية المنصوص عليها في القانون الجنائي المغربي
يستند أساس المسؤولية الجنائية للطبيب عن أخطائه المهنية في التشريع الجنائي المغربي إلى نصوص متفرقة نظمها المشرع المغربي في الفصول الآتية: (431-432) اللذين يعتبران الشريعة الأم لاحتواء جميع أنواع الأخطاء الطبية إن على المستوى المدني أو الجنائي، ثم الفصول: 451- 446 و248، وهي في مجملها فصول تتعلق بالأفعال الجنائية للطبيب الآتية: القتل والجرح الخطأ، الإجهاض وإفشاء السر المهني (أولا)، ثم رشوة الطبيب، تزوير الشهادات وشهادة الزور، ثم جريمة الامتناع عن تقديم مساعدة (ثانيا).
أولا: جرائم القتل والجرح الخطأ والإجهاض وإفشاء السر المهني
1- جريمة القتل والجرح الخطأ
بالرجوع إلى مقتضيات القانون الجنائي المغربي، نجد أن المشرع في الفصلين (432 و433) المنظمين لجريمتي القتل والجرح الخطأ، لم يخص بالذكر مباشرة الأطباء والجراحين، ذلك أن نطاق هذين الفصلين يطبق على الجميع بدون استثناء، فكل من تسبب بعدم تبصره، أو عدم الاحتياط، أو عدم الانتباه أو الإهمال، ثم عدم مراعاة النظم والقوانين يخضع طبقا للقانون للأحكام والقواعد المصاغة في إطار الفصلين الآنفين، وبالرغم من أن المشرع الجنائي لم يشر إلى طائفة الأطباء في الفصلين المذكورين إلى أن مقتضياتهما تنطبق عليهم في كل الحالات التي تثبت فيها جريمة القتل الخطأ أو الجرح الخطأ.
ثم إن جرائم القتل والجرح الخطأ المرتكبة من طرف طبيب أو جراح هي من الجرائم التي لا تتحقق إلا بحدوث فعل ضار يتجلى في قتل الضحية أو جرحه من غير قصد ، وهي كذلك جرائم ذات طابع فني (تقني) محور المساءلة الجنائية للطبيب في هذا النوع من الجرائم يتأسس على النتيجة الضارة لا تتحقق إلا في حالة وفاة المريض في جريمة القتل الخطأ أو في حالة إصابته أو جرحه الخطأ فعنصر المساءلة للأطباء في هذه الجرائم الغير العمدية ينبني على الخطأ، وهذا ما أكده القضاء المغربي الذي أوضح بمناسبة النظر في قضية طبيب توبع بجنحة القتل الخطأ نتيجة إهمال طبقا لأحكام المادة 432 من القانون الجنائي إلى: “أن محور المسؤولية في فصل المتابعة هو الخطأ الجنائي المتمثل في كل فعل أو امتناع خاطئ بمعنى صادر عن عدم تبصر أو عدم احتياط أو عدم مراعاة النظم والقوانين يأتيه المخطئ عن إرادة واعية تريد الفعل ولا تقصد أبدا إلى إحداث النتيجة التي أدى إليها وحيث أن الأطباء كغيرهم مسؤولون بمقتضيات الفصل التي لا توحي بأي تمييز أو استثناء لهؤلاء من قاعدة المسؤولية عن الخطأ أو الأخطاء التي يرتكبونها أثناء القيام بوظيفتهم أو بسببها” .
ومن التطبيقات القضائية بجرائم القتل أو الجرح الخطأ ما ورد من قرارات قضائية صادرة من المجلس الأعلى جاء فيها ما يلي :
“عندما صرحت المحكمة أن الظنين صدم الضحية وأصابها بجروح بليغة ماتت بها في نفس اليوم بمستشفى القرطبي إثر عملية جراحية أجريت لها بدون جدوى وأن الضحية ماتت من جراء الصدمة بسبب عدم تبصر المتهم أو عدم احتياطه ومخالفته للنظم والقوانين وأن هذا الفعل الثابت في حقه يكون جريمة القتل بغير عمل لم يكن عليها من اقتناعها الصميم بأن السبب المباشر لوفاة الصحية هو الصدمة التي أصيب بها الطاعن من طرف العارض أن تأمر بتعيين خبير لتحديد السبب المباشر للوفاة”.
وفي قرار آخر قضى: “إن الفصل 432 من مجموعة القانون الجنائي خاص بجريمة القتل الخطأ عندما يموت ضحيتها إنسان.
أما القتل الخطأ عندما يكون ضحيته حيوان فمعاقب عليه في الفصل 609 من القانون الجنائي الفقرة 36 منه المكونة لمخالفة من الدرجة الثالثة” .
أما موقف محاكم الاستئناف، فإنه يتبنى ما ذهب إليه قضاء المجلس الأعلى اعتبار خطأ الطبيب خطأ غير عمدي في جرائم القتل والجرح الخطأ ما لم يتوفر أركان الجريمة بثبوت الضرر وتوافر العلاقة السببية، وأخرى يدين الطبيب لسوء تقديره في عمله الطبي وما خلفه فعل الامتناع من ضرر يرقى إلى مرتبة الخطأ الجسيم الذي يمنح للقضاء مؤاخذة الطبيب بتهمة القتل الخطأ، وهو ما يتضح من خلال القرارات التالية :
“المسؤولية الجنائية للأطباء تقتضي الكثير من الاعتدال في تحديدها خلافا للمسؤولية المدنية التي قد يصح التساهل في قبولها أحيانا، فمسؤولية الأطباء الجنائية ذات صبغة خاصة تحف بها اعتبارات دقيقة متنوعة من كل جانب وتثار فيها وجوه الخلاف في الرأي والتضارب بين المدارس العلاجية المختلفة، مما يستوجب مراعاة اعتبارات موضوعية متعددة عند تقدير خطأ الطبيب.
الاجتهاد القضائي اعتبر أنه لا يكفي حصول ضرر للمريض لابد من وجود علاقة مباشرة ما بين الخطأ والضرر الحاصل، وبعد تحديد رابطة السببية في الميدان الطبي من الأمور العسيرة نظرا التعقد جسم الإنسان وتغير حالاته وخصائصه وقد ترجع أسباب الضرر إلى عوامل بعيدة أو خفية ترجع إلى طبيعة تركيب جسم المريض” .
وفي قرار آخر يبرئ الطبيب من المنسوب إليه: “علم فرض ثبوت خطأ جسيم في حق الطبيب إزاء عدم إنجاز تقرير تشريحي بعد الوفاة يحدد سبب هذه الأخيرة، فإنه لا يمكن مساءلة الطبيب عن القتل الخطأ لانعدام ثبوت العلاقة السببية في الخطأ المذكور والوفاة” .
فالخطأ الجسيم لا يعد معيار المؤاخذة الطبيب، بل العلاقة السببية هي الحكم – بالفتح- الأول والأخير في إدانة أو تبرئة في الخطأ الطبي في جريمة القتل أو الجرح الخطأ. وهو موقف غريب للمجلس الأعلى حتى بعد ثبوت المنسوب للطبيب بعد عدم إنجاز تقرير تشريحي عقب الوفاة، فالقضاء الحارس – المجلس الأعلى- يقر من جهة للمريض بما أصابه من خطأ في جريمة القتل الخطأ أو الجرح، ولكنه عاجز عن جبر ضرره لانعدام رابطة السببية في الخطأ التي نتج عنه الوفاة، أو ليس هذا يدعو كافة الشرائح القطاعية المعنية بضغط واعي ومسؤول من أجل إقرار نص تشريعي يلزم القيام بتشريح طبي عقب كل ضرر لحق ضحية خطأ طبي عمدي أو غير عمدي، تتأتى معه إمكانية الثبوت الفوري للعلاقة السببية في الخطأ الطبي، وبالتالي عدم إفلات الطبيب وتخطي هاجس حماية المريض.
الطبيب أمان الموقف المتذبذب للقضاء الأعلى – المجلس الأعلى- وقضاء الدرجة الثانية- محاكم الاستئناف- بين ترسيخ قواعد ودحر أخرى، نجد المحاكم الابتدائية تتبنى مواقف جريئة تسائل الأطباء عن أخطائهم في جرائم القتل الخطأ بقولها: “إن الطبيب لم يقدر ما يمكن أن يحصل لمريضه عمد الإحجام عن فحصها يعد مرتكب لخطأ جسيم يبرر إدانته من أجل القتل الخطأ الذي قد يحصل فيما بعد” .
وينبغي الإشارة أنه لا عقاب على المحاولة في جرائم القتل الخطأ ما دامت العبرة في النهاية بالنتيجة الضارة .
وذلك مع التنبيه إلى أن جريمة القتل الخطأ أو الجرح في العمل الطبي لابد أن تمر عبر مسلسل البحث والتحقيق الجنائي في أركان الجريمة الثلاث:
– خطأ الطبيب الجنائي؛
– النتيجة الإجرامية للضرر الذي أحدثه بالضحية؛
– علاقة السببية بين الخطأ الطبي والنتيجة الإجرامية.
وهو ما يصطلح عليه بالركن الثاني للجريمة بصفة عامة، إلى جانب الركن القانوني ثم الركن المعنوي . فبراءة المتهم – الطبيب- رهين بتخلف الركن المعنوي وإن توافرت الجريمة لأن “الشك يفسر لصالح المتهم”، وهو ما يجد له صدى في محكمة الاستئناف بالدار البيضاء: لطبيب حقن مريضا بمادة البنسلين فمات، وذلك بعدما تبين لها:
“أنه ليست هناك أية علاقة سببية بين حقن المريض بمادة البنسلين وبين وفاته ومادام جسم المريض (الضحية) قد كان يتقبل المادة المذكورة دون ظهور أية أعراض تدل على أي أثر سلبي وهو ما أكدته الخبرة الطبية المنجزة التي جاء فيها بأن الضحية توفي نتيجة اختناقه ولم تشر إطلاقا إلى أن الوفاة كانت نتيجة الحقن بالبنسلين أو بسبب الإهمال أو عدم التبصر…” .
على أن العلاقة السببية ترتسم في أحكام القضاء وبجلاء وتجعل من توافر عنصر الضرر شرطا غير كافيا لقيام المسؤولية، وهو ما أيده القضاء المغربي في شخص محكمة الاستئناف بالرباط في أحد قراراتها:
“وحيث أنه في غياب ركني الخطأ والعلاقة السببية… فإنه لا يمكن بتاتا تحميل الأطباء هذه المسؤولية بناءا على توافر ركن واحد هو حصول الضرر” .
ثانيا-جريمة الإجهاض
اتجهت أغلب التشريعات الجنائية المقارنة ومنها التشريع المغربي إلى إضفاء الحماية القانونية علم الجنين ما لخطة الإخصاب وحتى بداية الوضع الطبيعي وذلك من خلال تجريم فعل الإجهاض . لذلك عرف الإجهاض تطورا خطيرا رغم تجريمه من قبل معظم التشريعات الجنائية واختلافها بين اعتبار الإجهاض جنحة أو جنائية، كما هو الشأن بالنسبة للقانون الفرنسي الذي كان يعتبر الإجهاض جنائية لكن سرعان ما غير موقفه سنة 1933 حيث جعله جنحة، ثم صدر تعديل آخر سنة 1939 عاقب المرأة المجهضة ولو لم تكن حاملا وهو اتجاه في واقعه متشدد .
أما المشرع المغربي فقد جاء بعقوبات تختلف تبعا لكل حالة إجهاض على حدة، فقد اعتبرها جنحة في الفصل 449، وتشدد العقاب عليها وفق الشروط الواردة في الفصل 450 من نفس القانون في حالة العود، والإجهاض من الجرائم العمدية التي تمس نظام الأسرة وحق الجنين في الحياة، والطبيب بفعل طبيعة عمله قد يكون أمام مواقف تحتم عليه الرضوح للإجهاض وهو أنواع ، والمشرع المغربي خصه بعشرة فصول من القانون الجنائي من 449 إلى 458، لا يسعنا الوقت لاستنطاقها وتحديد أركان جريمة الإجهاض (محل الجريمة / الركن المادي/ الركن المعنوي، لذا سنركز على الاجتهاد القضائي في هذا الجانب، ففي قرارات للمجلس الاعلى ومحاكم الاستئناف ورد ما يلي : “أن المشاركة في التحريض على محاولة إجهاض امرأة لنفسها لم يرد في القانون أي نص على معاقبته، وأنه وإن كان يمكن أن يوصف هذا الفعل بوصف آخر فإن ما أدين به الطاعن لا يستقيم وفصول المتابعة، إذ لا يمكن إدانة شخص واحد بالمحاولة لما بين الجريمتين من تباين” .
وفي قرار آخر: “يعرف فقه الإجهاض بأنه إسقاط الجنين قبل أوانه سواء قدر له أن يعيش أو يموت”.
من المعلوم أن الإجهاض الطبي هو عملية إخراج الجنين من الرحم إن وجود الجنين ببطن أمه ميتا ينتفي معه وقوع فعل الإجهاض” .
وفي قرار استئنافي: “الظنين تعرف على المسماة (…) التي كانت تتردد على شقيقته (…) وزوجها (…) فأخذها إلى منزله ومارس عليها الجنس بطريقة عادية، مما أدى إلى حملها، فأشعر شقيقته التي تغيرت معاملتها معه ومع خليلته، فاشترطت عليه شقيقته إسقاط الجنين، فوافق واستدرج خليلته إلى شقة شقيقته، وعلى إثر اتفاق مسبق بين شقيقته وزوجها، أحضر هذا الأخير مشروب كوكا كولا، ومزجه بأربعة أقراص من الأسبرين وأجبر المعنية على شربه، وفي اليوم الموالي قام زوجها بغلي مجموعة من الأعشاب بالماء وبعد تصفيتها أرغم الظنينة (الخليلة) على شربها، وفي المرحلة الأخيرة أحضر إبرتين طبيبتين واستقدام الظنينة الثانية (شقيقته) وحقنت الظنينة (خليلته) بواسطتها، مما أدى إلى سيلان الدم منها، ولما اشتد بها الألم رافقها (خليلها) إلى قسم المستعجلات، حيث وضعت مولودا من جنس أنثى” .
وفي شأن الجرائم المنسوبة للأطباء والقابلات والممرضات وأشباههم ورد في حيثيات قرار قضائي : “وحيث إن إنكار المتهمين لا يهدفان من ورائه سوى التملص من المسؤولية الجنائية والعقاب، وتدحظه ظروف القضية وملابساتها والقرائن المحيطة بها والمتمثلة في عدم إدلاء المتهم (…) بالملف الطبي للضحية لإثبات أن العملية تتعلق بإيقاف النزيف وغسل الرحم وليس بعملية إجهاض فيؤاخذ الطبيب بثلاثة أشهر موقوفة التنفيذ”، وفي قرار آخر: “أن المشتكية (…) تقدمت بشكاية مفادها أنها تعرفت على المتهم (…) خلال شهر أبريل وأنها أقامت علاقة جنسية معه ترتب عنها حمل منه ولما أخبرته بذلك وقع معها في خلاف طالبها على إثره بعد إبرام عقد الزواج أن ترافقه إلى مدينة سلا قصد زيارة عمه وعند وصولها أخذها إلى عيادة الطبيب (…) المتهم المتخصص في أمراض النساء والولادة هذا الأخير الذي أخبرها بأن قرن الرحم به انتفاخ وأنه يجب معالجته فرحت بالفكرة فأدخلها إلى إحدى الغرف حيث كانت تتواجد المتهمة (…) وشخص آخر تجهله وهذا الأخير هو من قام بتخديرها وأنها لما استيقظت فوجئت بأنها أخضعت لعملية إجهاض حملها” .
كما جاء في قرار قضائي أن “الطبيبة بعد اتفاقها مع المتهم على المبلغ الذي ستتقاضاه مقابل إجرائها لعملية إجهاض فتاة محدد في 8000 درهم قامت في عيادتها بإجهاضها عن طريق عملية قيصرية نتج عنها وفاة الفتاة” .
كما أدان القضاء الفرنسي “طبيبا عجل بتوليد امرأة قبل الأوان ليس لشيء إلا لرغبته في السفر في عطلة خاصة تزامن موعدها مع وجود هذه المرأة بالمصحة التي يرأسها وقد اعتمد في ذلك طريقة خطيرة على تخدير المريضة كليا، تم إخراج الجنين بواسطة ملقط الولادة الشيء الذي أدى إلى وفاتها” . وسنعمد إلى إدراج بعض الاحصائيات والمعطيات لجريمة الاجهاض وفق المبين أسفله :
الحصيلة الرسمية لجرائم الإجهاض بالمغرب
بداية فهذه الإحصائيات التي نعمل على دراستها كما سيأتي، هي إحصائيات رسمية مأخوذة من وزارة العدل المغربية، بغية معرفة عدد القضايا المتعلقة بالإجهاض في البلاد في كل سنة قضائية، وعدد السنوات القضائية التي حصلنا على إحصائياتها 6 سنوات، من سنة 2005 إلى سنة 2010، وكان طلبنا لإحصائيات هذه السنوات يجد سنده في معرفة تطور عدد جرائم الإجهاض التي وصلت إلى المحاكم المغربية خلال الست السنوات الأخيرة، لمحاولة مقارنتها ببعضها من جهة، ومقاربتها بالواقع المغربي من جهة أخرى.
جدول يتعلق بإحصائيات قضائية لجرائم الإجهاض بالمغرب من سنة 2005 إلى سنة 2010
للإطلاع الى الجدول يرجى مراجعة النسخة المرفقة أسفله
يتبين لنا من خلال الجدول أن عدد جرائم الإجهاض يتذبذب بين الارتفاع والانخفاض، ففي سنة 2005 كان العدد مرتفعا إذ يصل إلى 68 قضية، ثم انخفضت لتصل إلى 55 قضية سنة 2006، و41 قضية سنة 2007، و39 قضية سنة 2008، لتعاود الارتفاع سنة 2009 لتصل إلى 54 قضية، ثم شهدت ارتفاعا كبيرا سنة 2010 ليصل عدد قضايا الإجهاض التي وصلت إلى المحاكم المغربية 95 قضية، وهذا العدد مرتفع مقارنة مع السنوات الأخرى المدروسة.
كما نلاحظ كذلك أن عدد الذكور المتابعين بجرائم الإجهاض خلال الست سنوات مجتمعة، مرتفع مقارنة مع عدد الإناث والأجانب، إذ يصل عدد الذكور إلى 187 شخص في حين أن عدد الإناث هو 163 امرأة، وبقي شخص واحد أجنبي، ويبقى العدد الإجمالي لقضايا الإجهاض خلال الست سنوات مجتمعة هو 351 قضية.
كما يتبين لنا كذلك أن عدد الأشخاص المتابعين بالسراح مرتفعا، إذ يصل خلال ست سنوات إلى 116 بالنسبة للذكور و102 للإناث وشخص واحد من الأجانب، مقارنة مع عدد المعتقلين، وعدد الذين في حالة فرار، بالنسبة لعدد المعتقلين يصل عند الذكور 66 معتقل، وعند الإناث 59 معتقلة، وصفر حالة بالنسبة للأجانب، أما من هم في حالة فرار خلال الست السنوات مجتمعة كذلك فعددهم قليل يصل عند الذكور إلى 5 فارين، وعند الإناث فارتين، وصفر حالة فرار بالنسبة للأجانب.
أما إذا قمنا بمقاربة هذه الإحصائيات بالواقع المغربي فسنجدها وكأنها لا تمت بالواقع بصلة، ذلكم أن الواقع كما هو معلن عنه إعلاميا غير ما هو عليه الأمر في المحاكم، إذ يقول الدكتور “شفيق الشرايبي” رئيس الجمعية المغربية لمناهضة الإجهاض السري، “أن الوعي بضرورة إعادة النظر في القانون المنظم لعمليات الإجهاض تحول إلى أمر ملح، بعدما أصبحت أكثر من 800 حالة إجهاض سري تقام في المغرب يوميا، يكون فيها مصير الأجنة والأم مجهولا”. منها 600 حالة تتعرض لإجهاض طبي سري، و200 حالة لإجهاض غير طبي بوسائل تقليدية، غير أن هذه المعطيات تعرضت لانتقادات شديدة من طرف وزارة الصحة المغربية وهيئات طبية، اعتبرتها غير دقيقة، لكن وزارة الصحة لم تقدم لحدود الآن إحصائياتها بخصوص عمليات الإجهاض السري التي تخضع لها الفتيات المغربيات.
وأمام ازدياد ضغط فعاليات المجتمع المدني المعنية بالموضوع والداعية لتغير نصوص القانون الجنائي الحالية لاعتبارها مجحفة في حق المرأة، وخاصة الفصل 453 المتعلق بحالات عدم تجريم الإجهاض، والفصل 455 المتعلق بالتحريض على الإجهاض، وإقرار بالتالي قانونا جديدا يقنن الإجهاض ويؤنسنه . أمام هذا الضغط وصلت القضية إلى قبة البرلمان المغربي، فأكدت وزيرة الصحة “ياسمينة بادو” أمام مجلس النواب أن “معالجة هذا الملف يتعين أن تكون محط إجماع وطني بمقاربة شمولية من خلال أخذ آراء جميع الفرقاء من حكومة وعلماء دين وأطباء وحقوقيين وسياسيين وخبراء ومجتمع مدني”. وأضافت الوزيرة أن “صياغة مشروع مجتمعي لا يتعارض مع المقومات الإسلامية، وأحد الحقوق الأساسية للإنسان والمتمثلة في الحق في الحياة من جهة، وتأخذ بعين الاعتبار الظروف التي تستوجب الإجهاض كضرورة للمحافظة على صحة أو حياة الأم من جهة أخرى”.
والغريب حسب الدكتور “شفيق الشرايبي” أن معظم الحالات التي تبحث عن سبل التخلص من حمل غير مرغوب فيه أو من شأنه أن يزيد من صعوبة وضعها الاجتماعي هي لنساء تعرضن للاغتصاب أو مشردات أو مختلات عقليا أو نفسيا أو كن ضحايا لزنا المحارم..
للإطلاع على المبيان يرجى مراجعة النسخة المرفقة أسفله
يلاحظ من خلال هذا المبيان، وكما مر معنا في تحليلنا للجدول، أن الارتفاع في عدد قضايا الإجهاض برسم سنة 2010 ملحوظ، ويمكن تفسير ذلك لوعي الناس بخطورة الإجهاض، كما يمكن تفسيره أيضا بإفشاء جريمة الإجهاض والإبلاغ عنها لدى السلطات المعنية، من طرف أي شخص علم بحمل امرأة، وتسعى هذه الأخيرة للتخلص من حملها. وقد يكون أخيرا أنها حالات وصلت فيها حالة المرأة الحامل إلى الخطر أو الوفاة، عند التخلص من جنينها، نتيجة لهذا الخطر أو الوفاة فوصلت القضية ا إلى لمحاكم.
هذا علما بأن حالات الإجهاض التي تقع سرا تبقى في عداد الرقم الأسود كما سلف معنا، خاصة إذا كان الحمل غير شرعي، يضطر النساء معه إلى التخلص من الجنين تفاديا للعار، والمحافظة على سمعتهم في بلد تحكمه العادات وأعراف دينية متجدرة، ووجود عقلية تحريمية لا يمكن القضاء عليها بتغير القوانين.
ويقسم الدكتور “شفيق الشرايبي” “الإجهاض بالمغرب إلى نوعين، الأول تقليدي يتم بواسطة المواد السامة والأعشاب ويتم داخل البيوت تفاديا للفضيحة والعار، والثاني طبي تحتضنه العيادات الخاصة”، ويضيف الدكتور “شفيق الشرايبي”…وبعلم السلطات المحلية التي لا تتدخل في الأمر لأن وجود هذا النوع من الأطباء يحل لها بعض المشاكل المجتمعية، كما أن السلطات الأمنية لا تتدخل لمنع أحد الأطباء من القيام بعمليات الإجهاض، إلا إذا تعلق الأمر بحالة وفاة”، وأضاف الدكتور “شفيق الشرايبي” “أن الظروف التي تتم فيها عمليات الإجهاض خطيرة لعدم توفر التعقيم والتخدير المناسبين، وغياب الأجهزة الطبية اللازمة في حال حصول مضاعفات لدى المرأة”، ويتراوح ثمن العملية الواحدة حسب الدكتور “شفيق الشرايبي” أيضا ما بين 1500 درهم و15000 درهم حسب حالة المرأة وعمر الجنين.
للإطلاع على المبيان يرجى مراجعة النسخة المرفقة أسفله
يلاحظ من خلال هذا المبيان الدائري ، وكما مر معنا في تحليلنا للمبيان السابق، أن الارتفاع في عدد قضايا الإجهاض برسم سنة 2010 ظاهر، إذ تصل نسبته إلى 27,07%، في حين سجلت باقي السنوات نسبا مختلفة، ففي سنة 2005 كانت النسبة 19 ,37%، وفي سنة 2006 كانت النسبة هي 15,67%، أما في سنة 2007 نلاحظ تراجع النسبة لتصل إلى 11 ,68%، لتزداد تراجعا وتصل في سنة 2008 إلى 11 ,11% ثم تعاود الارتفاع في سنة 2009 لتصل إلى 15 ,38% .
للإطلاع على الجدول يرجى مراجعة النسخة المرفقة أسفله
يلاحظ من خلال جدول إحصائيات جرائم الإجهاض برسم سنة 2010 حسب الدوائر القضائية، وعدد هذه الدائر القضائية هو إحدى وعشرون دائرة قضائية، أن عددا من الداوئر القضائية لا يسجل فيها ولا قضية إجهاض واحدة رغم كونها ذات كثافة سكانية كبيرة، ومعروفة بجرائم الفساد والمخدرات والسرقة وغيرها من السلوكيات التي تطل علينا من خلال بوابة الإعلام، ومن تلكم الدوائر نجد دائرة الرباط التي تضم المحاكم الابتدائية لكل من الرباط وسلا والخميسات والرماني وتمارة. في حين أن دوائر أخرى تسجل عددا قليلا من قضايا الإجهاض رغم كثافتها السكانية الكبيرة، والتي تعد الأكثر كثافة في المغرب، وهي دائرة الدار البيضاء التي تضم المحاكم الابتدائية لكل من الدار البيضاء والمحمدية وابن سليمان، إذ سجلت فقط ست قضايا، رغم ما ينشط فيها من جرائم الفساد وانتشار أوكار الدعارة، والعلب الليلية، التي تشجع على الممارسات الجنسية غير الشرعية مما قد ينتج عنه حمل غير شرعي، لكن لا ننسى أن كلا الدائرتين المذكورتين تجتمع فيهما عددا كبيرا من العيادات الطبية المتطورة والتي قد تجرى فيها عمليات الإجهاض السري غير المشروع.
حصيلة جرائم الإجهاض بالدائرة القضائية لبني ملال
برسم سنة 2010
للإطلاع على المبيان يرجى مراجعة النسخة المرفقة أسفله
وباعتبار دائرة بني ملال تشكل استثناءا من حيث عدد القضايا المسجلة في محاكمها والمتعلقة بالإجهاض، والتي تتعدى مجموع قضايا الإجهاض المسجلة في باقي الدوائر مجتمعة، حيث أن دائرة بني ملال وحدها سجلت في 2010، 65 قضية إجهاض مرفوعة إلى المحاكم، في حين أن الدوائر الأخرى مجتمعة سجلت فقط 30 قضية إجهاض مرفوعة إلى المحاكم. وإذا فصلنا العدد المسجل في دائرة بني ملال على محاكمها الابتدائية التابعة لها، نجد أن قضيتان فقط مسجلة في بني ملال في حين أن 63 قضية إجهاض سجلت في مدينة أزيلال جميع المتابعين فيها من الذكور، حيث أن 27 منهم معتقلون، و36 شخصا في حالة فرار، يستنتج من خلال المتابعين أن جرائم الإجهاض المسجلة في أزيلال من الذكور وليس من النساء، وفي الاعتقاد افتراضا أن ذلك يفسر في كون أن حمل النساء شرعي فاندفعن إلى المحاكم لجبر الضرر الذي حصل لهن من جراء الاعتداء عليهن وذلك لدوافع كل حالة على حدة.
الخلاصة المستنتجة من جميع ما تقدم أن حالات الإجهاض المعروضة على القضاء قليلة جدا مما يفسر ندرة الاجتهاد القضائي، من جهة ومما يفسر أيضا استفحال الإجهاض السري من جهة أخرى.
كما أن أغلب حالات الإجهاض تتعلق بالحمل الناتج عن علاقة غير شرعية وخارج نطاق الزواج، وتتسع هذه الحالات، كما أسلفنا بالسرية، نتيجة لاتفاق يسري بين الطبيب وزبونته، الأمر الذي يؤدي إلى عدم كشف الحقيقة وعدم إحاطة القضاء بمجريات الإجهاض.
وأمام تصاعد النداءات المنادية بالتساهل في العقاب على الإجهاض من جهة، والمنادية أيضا بتوسيع حالات الإجهاض الضروري، ليشمل الإجهاض الناتج عن اغتصاب، والإجهاض الناتج عن فساد، والإجهاض الناتج عن زنا محارم، وإجهاض الجنين المشوه، إضافة إلى الحالتان المنصوص عليهما في الفصل 453.
والتي في نظرنا إذ وضع لهذه النداءات اعتبار، فإننا أمام ذلكم لا نكون في حاجة إلى نصوص تجرم الإجهاض بالمرة، علما أن ضحية الإجهاض دائما هو الجنين الذي لا ذنب له.
لذلك يبدو أنه من الضروري أن تتظافر الجهود من أجل فضح كل المخططات السرية منها والعلنية الداعية إلى إباحة الإجهاض، ضدا على الشرعية القانونية والدينية والأخلاقية.
هذا ما يتعلق بالأحكام التي توفرنا عليها بخصوص الإجهاض فماذا يمكن القول بجريمة إفشاء السر المهني وما هو أساسها القانوني؟
ثالثا: إفشاء السر المهني.
يقصد بسر المهنة الذي يشكل جوهر هذا الالتزام كل ما يعرفه الطبيب أثناء أو يكتشفه عن المريض من أسرار تخص هذا الأخير ولا يفشيها للغير .
ولقد عاقب المشرع المغربي على إفشاء السر المهني الواقع من الأطباء والجراحين وملاحظي الصحة وكذلك الصيادلة والمولدات وكذا كل الأشخاص الذين تربطهم صلة بالجهاز الطبي، وغايته من وراء ذلك هي ضمان ثقة المرضى إزاء الأطباء والجراحين وحمايتهم من التشهير بأسرار أمراضهم التي يجب الائتمان عليها.
فالمحافظة على السر المهني واجب مفروض على الأطباء والتزام يقع على عاتقهم وهو التزام يجد مصدره في العقد وفي القانون، ذلك أن قواعد السلوك الطبي تقتضي المحافظة على السر المهني وعدم إفشاء الطبيب للغير ما يصل إلى علمه أو يكتشفه من خبايا تخص المريض ولو لم ينص على ذلك العقد الطبي صراحة. الى انه هناك حالات محددة يعفى منها الطبيب من هذا الالتزام بحيث يكون افشاؤه لسر المريض مباحا وبالتالي يستطيع متى ثبت قيام حالة منها أن ينفي عن نفسه قرينة الخطأ وهي اذا أباح المريض للطبيب أن يفشى السر، اذا كان الطبيب يقوم بالعمل بناء على تكليف من القضاء،اذا كان افشاء السر أداء لمهمة يقرها القانون أو حماية لمصلحة عامة أو اتقاء لخطر وشيك .
كما أن الفصل 446 من القانون الجنائي عاقب على هذه الجريمة بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من مائة وعشرين إلى ألف درهم.
إلا أن هناك بعض الحالات الإستثنائية التي يكون فيها إفشاء السر المهني مباحا، وسنقف عندها في حينها(2)، بعد التعرض للأركان اللازمة لقيام جريمة إفشاء السر المهني (1).
3-1 أركان الجريمة.
لكي تتحقق جريمة إفشاء السر المهني لابد أن تتوافر أربعة أركان:
الركن الأول: فعل الإفشاء
الإفشاء هو كشف السر وإطلاع الغير عليه وهو تعمد الجاني اطلاع الغير على سر أؤتمن عليه، بمقتضى عمله في غير الأحوال التي يجب عليه أو يجوز له فيها ذلك ويتحقق الإفشاء إذا أعلن السر بأية وسيلة، ولا يتطلب القانون ذكر اسم صاحب السر، وإنما يكتفي بكشف بعض معالم شخصيته التي يمكن من خلالها تحديده.
والمشرع المغربي لم يحدد وسيلة معينة لوقوع الإفشاء، فهو يتحقق بأية وسيلة من الوسائل وسواء كان صريحا أو ضمنيا، وسواء كان شفويا أو مكتوبا. على أن توافر واقعة الإفشاء من عدمها من المسائل الموضوعية التي يعود أمر تقديرها لقاضي الموضوع وحده.
وتتحقق جريمة الإفشاء حتى ولو كان ما تم إفشاؤه جزئيا فقط، وقد استقر القضاء الفرنسي على أنه لا يجوز للطبيب أن يستند في إفشائه للسر إلى أنه أصبح معروفا لدى العامة، وذلك أن حجية العامة وأقوال الصحافة تكون غير مؤكدة ولا تصدق رواياتها.
والطبيب يكون ملزما بكتمان السر المهني حتى وإن توفي مريضه، ذلك أنه يجوز لورثة هذا الأخير المطالبة بالتعويض إذا لحقهم ضرر بسبب هذا الإفشاء.
الركن الثاني: أن يكون ما تم إفشاؤه سرا
لم يعرف المشرع المغربي كغير من التشريعات الحديثة السر، لذلك قدمت له تعريفات متعددة سواء من جانب الفقه، أو من جانب القضاء، فقد عرفه الفقه الفرنسي على أنه: “كل أمر يعهد به إلى صاحب مهنة على سبيل السر”، وعرفه الدكتور رؤوف عبيد بأنه: “كل ما يضر إفشاؤه بالسمعة أو بالكرامة”، بينما عرف القضاء الفرنسي السر على أنه: “كل ما يقف عليه الطبيب أو يسمعه أو يشاهده أثناء مباشرته لمهنته”.
وعلى هذا الأساس فإن السر هو ما يتطلب الكتمان، أو هو ما يؤدي إفشاؤه إلى إلحاق ضرر أدبي أو مادي أو هما معا بالمريض، أو بعائلته، كأن يفشي الطبيب المعالج بأن مريضه يعاني من مرض يمنعه من الزواج، فيشفى هذا المريض بعد ذلك فيكون قد تعرض لضرر مادي أو أدبي (معنوي) يتمثل في عدم زواجه لما أشيع عنه بأنه مريض لا يصلح للزواج.
لذلك يجب على الطبيب أن يحفظ السر ولا ينشره سواء علم به عن طريق فحص المريض أو عن طريق محادثته أو بأي طريق آخر.
وحتى يكون للواقعة صفة السر المهني، يجب أن يكون لهذا السر صلة مباشرة بالعمل الطبي أو بالأحرى بمهنة الطبيب، ذلك أن الطبيب الذي يكشف أن مريضه قد قام بجريمة معينة (جريمة قتل، أو سرقة…) لا يكون ملزما بالكتمان، ولا يشترط القانون في مودع السر أن يكون ذا أهلية قانونية أو أن يكون عقد العلاج الذي يربطه بالمريض صحيحا كأن يعالج مجنونا أو صبيا مثلا.
وقد يثور التساؤل حول ما إذا كانت جميع الأمراض التي قد يصاب بها المريض ويطلع عليها الطبيب تدخل في حكم السر الطبي، أم أن هناك بعض الأمراض تخرج عن دائرة التجريم ولا يعاقب على إفشائها؟
إن المشرع المغربي لم يجعل من قاعدة الإلتزام بكتمان السر المهني قاعدة مطلقة وإنما أورد عليها مجموعة من الحالات الإستثنائية التي يجوز للأطباء أو يجب عليهم إفشاء السر المهني فيها.
فالأمراض كلها لا تندرج تحت وصف السر الطبي ذلك أن المريض الذي يعاني مثلا من التسوس في إحدى أضراسه لا يمكن له أن يدعي بأن الطبيب قد أفشى السر المهني إذا ذكر ذلك لأحد أقاربه (أقارب المريض).
وهذا بخلاف أمراض أخرى خطيرة وتتطلب الكتمان تحت طائلة تحمل الطبيب للمسؤولية الجنائية عن إفشائها، كما هو الشأن مثلا بالنسبة للإيدز أو الضعف الجنسي. وما يفهم معه أن الاسرار ذات الطبيعة العادية لا تثير أي اشكال بالنسبة للطبيب في باب السر المهني. على أن الاسرار التي تمس الحياة الخاصة للمريض تظل محل مساءلة جنائية متى ترتب عن ذلك مثلا انهيار نفسي لدى ضحية السر الطبي المباح نتج عنه انتحار أو …
الركن الثالث: أن يقع الإفشاء من طبيب أو من في حكمه
إن هذا الركن يتعلق بصفة الجاني، أي يجب أن يكون الشخص الملزم بكتمان السر قد أودع لديه بمقتضى صناعته أو وظيفته الدائمة أو المؤقتة.
وقد عاقب المشرع المغربي في المادة 446 ق. ج على جريمة إفشاء السر المهني الواقعة من طرف الأطباء والجراحين وملاحظي الصحة والصيادلة والمولدات.
على أن التنصيص على هذه الطائفة من الأشخاص ليس تنصيصا حصريا، ذلك أن القانون يعاقب أيضا على جريمة الإفشاء متى كانت واقعة من طرف أشخاص آخرين ليسوا أطباء ولكن لهم اتصال بالأطباء بحكم مهنتهم أو وظيفتهم التي تتيح لهم فرصة الإطلاع على أسرار المرض، كمساعدي الأطباء والمعاونين (الممرضين مثلا) وكذا طلبة الطب الذين يتدربون في المراكز الإستشفائية والمستشفيات.
الركن الرابع: القصد الجنائي
إن جريمة إفشاء السر المهني جريمة عمدية قوامها القصد الجنائي بعنصريه: العلم، الإرادة، علم الطبيب أن للواقعة صفة سر وأن لهذا السر الطابع المهني وأن المريض غير راض على إفشاء هذا السر، ثم اتجاه إرادته إلى فعل الإفشاء وإلى النتيجة التي تترتب عليه وهي حصول الغير وعلمه بالسر.
والقانون لا يعاقب على إفشاء السر المهني بسب الإهمال أو عدم الإحتياط في المحافظة عليه وكتمانه، فالطبيب الذي يترك بيانات تتعلق بمريضه فوق مكتبه فيطلع عليها الغير، لا يعتبر مرتكبا لجريمة الإفشاء، لكن هذا لا يمنع من مساءلته مدنيا عن الأضرار التي تسبب فيها بسبب إهماله وعدم اتخاذه الإحتياط اللازم لمنع إفشاء أسرار مرضاه.
3-2 حالات إباحة إفشاء السر المهني
إذا كان المشرع الجنائي المغربي قد ألزم الأطباء ومن في حكمهم بالمحافظة على أسرار مرضاهم وعدم إفشائها، فإنه قد استثنى من هذا الإلزام حالات معينة أجاز فيها إفشاء السر دون ترتيب أي جزاء، ويتعلق الأمر بالحالات التالية:
ـ التبليغ عن الجرائم
بخلاف المشرع المصري الذي جعل من التزام الطبيب بالإفشاء عن الجرائم التي تصل إلى علمه وبمناسبة مهنته التزاما مندوبا فقط (المادة 310 من قانون العقوبات المصري) فإن المشرع المغربي قد ألزم الطبيب طبقا للمادة 446 ق. ج بأن يبذل كل ما في وسعه لمنع وقوع الجريمة، حتى ولو أدى به الأمر إلى إفشاء السر، ويتعلق الأمر هنا بجريمة الإجهاض.
فالطبيب الذي تتقدم عنده امرأة وتطلب منه مساعدتها على الإجهاض أو يدعى إلى علاجها فيتبين له أن مرضها ناشئ عن إجهاض فيبلغ عنها لا يمكن ولا يتصور إطلاقا متابعته من أجل جريمة الإفشاء.
ـ التبليغ عن الأمراض ذات الصبغة الاجتماعية أو المعدية أو الوبائية
شأنه شأن باقي التشريعات المقارنة فقد أوجب المشرع المغربي على أصحاب المهن الطبية ضرورة التعجيل بإبلاغ السلطات الإدارية بكل حالة من حالات الأمراض الجاري عليها الحجر الصحي أو الأمراض ذات الصبغة الإجتماعية والأمراض المعدية أو الوبائية المنصوص عليها في قرار وزير الصحة العمومية المؤرخ في 27/06/1997 .
ـ التبليغ عن الأمراض المهنية وإصابات العمل
تنص المادة 9 من ظهير 31/5/1943 المتعلق بالأمراض المهنية والمعدل بظهير 29/9/1952 على أنه “يتعين على كل طبيب مزاول لمهنة الطب أن يقدم تصريحا بالمرض المهني أو المظنون أنه مهني، الذي شاهده في أحد العمال سواء كان ذلك المرض مبينا أو غير مبين في اللائحة التي ستعين في قرار لمدير الشغل والشؤون الإجتماعية (أي وزير الشغل والشؤون الإجتماعية بعد الإستقلال).وهو ما أشرنا اليه في الفصل السابق. كما يجب أن يضمن الطبيب في التصريح إشارة دقيقة إلى نوع المرض ونوع المادة السامة التي سببته ومهنة المصاب ويقدم التصريح إلى السلطة البلدية أو سلطة المراقبة المحلية وهي التي ترسله بدورها إلى مدير الشغل والشؤون الإجتماعية”.
فتقديم التصريح من طرف الطبيب وفقا لهذه المادة لا يعتبر إفشاء للسر المهني بل حالة من الحالات التي يباح فيها للطبيب إفشاء السر المهني.
ـ التبليغ عن المواليد والوفيات
لقد أوجب القانون على الأطباء وغيرهم من الأشخاص (ملاحظي الصحة، الحكيمة، المولدة…)، القيام بالتبليغ عن المواليد والوفيات التي تصل إلى علمهم إلى السلطات المختصة وذلك بمقتضى المواد 22-45-48 من ظهير 4/9/1915 المتعلق بنظام الحالة المدنية الذي تم تغييره بظهير 2/9/1931 وكذا المادة 468 من القانون الجنائي.
فالطبيب الذي يبلغ السلطات العامة بالمواليد والوفيات لا يعد مفشيا لسر مهني وإنما مؤديا لواجب فرضه القانون عليه.
ـ التبليغ عن المصابين بأمراض عقلية
لقد أوجب المشرع المغربي بمقتضى الظهير الشريف رقم: 1.58.2.95 الصادر بتاريخ 15 ماي 1959 والمتعلق بالوقاية من الأمراض العقلية ومعالجتها على الطبيب المبادرة إلى إبلاغ السلطات العامة بالمصابين بالأمراض العقلية.
إن الطبيب الذي يخبر السلطات العامة بالمصابين بالأمراض العقلية لا يعد مرتكبا لجريمة إفشاء السر المهني، بل على العكس من ذلك، فإنه يسأل جنائيا إذا هو أخل بهذا الواجب ويعرض نفسه للعقوبة المنصوص عليها في المادة 35 من قانون الوقاية من الأمراض العقلية المذكور.
لكن ما يجدر التنبيه إليه هو أن الطبيب يكون ملزما بإبلاغ السلطات العامة فقط بحالة المرضى العقلية، والتي من شأنها أن تخل بالأمن والنظام العام وليس له أن يخبر الغير بذلك وإلا فإنه سيكون مسؤولا عن إفشاء السر المهني الطبي وبالتالي معرضا نفسه للعقوبة المشار إليها في المادة 446 من ق. ج.
ـ أداء الشهادة أمام القضاء
إن أداء الشهادة أمر إلزامي ومفروض على كافة الناس وبدون أي استثناء، إلا أن المشرع الجنائي خير في المادة 446 من ق. ج/ فقرة 3 الأطباء والجراحين وغيرهم ممن ذكرتهم المادة فجعلهم أحرارا في الإدلاء بشهادتهم أمام القضاء إذا تعلق الأمر بقضية إجهاض، لذلك فإن الطبيب الذي اختار أن يدلي بشهادته أمام القضاء في موضوع الإجهاض لا يعتبر مفشيا للسر المهني الطبي، وبالتالي تكون أمام حالة أخرى من الحالات التي يجوز فيها ويباح للطبيب أن يفشي سرا مهنيا دون أن يتعرض لأي عقوبة أو مساءلة جنائية.
ـ أعمال الخبرة
فمن المفروغ منه أن الفصل 446 ق. ج لا ينطبق على الطبيب الذي يكون ملزما بتبليغ القاضي الذي كلفه بإجراء الخبرة بكل ما لاحظه، لكن شريطة ألا يضمن تقريره إلا العناصر التي طلب منه إجراء خبرته عليها.
ذلك أن الطبيب الذي تنتدبه المحكمة للقيام بخبرة طبية يستفيد من سبب يبيح له إفشاء السر المهني.
ومن المعلوم أن الخبرة عموما والخبرة الطبية خصوصا من الأمور التي نص عليها المشرع المغربي ونظمها وذلك لما لها من دور كبير في مساعدة القضاء وضمان حسن سير العدالة، على أن الطبيب الخبير يجب أن يكون صادقا في تقرير الخبرة التي عهد إليه القيام بها، وألا يذكر في تقريره مسائل لم يطلب منه ذكرها، وهو ما ذهبت إليه محكمة الإستئناف بليون التي قضت بأن الطبيب لا يمكنه القيام بمعاينة أو تحقيق لا علاقة له بمهمة الخبرة.
وفي هذا الإتجاه يذهب الدكتور محمد الإدريسي العلوي المشيشي إلى القول: “وفي هذا الإطار قد يكتشف الطبيب انحرافات بل وجرائم أخرى لكنها لا علاقة لها نهائيا بموضوع الخبرة في النازلة وبالتالي لا صلاحية له في تمكين القاضي من الإطلاع عليها، فالخبرة ليست تحقيقا ولا بحثا جنائيا وإنما هي عمل تقني”.
ـ رضاء صاحب السر
هناك شبه إجماع عند الفقه بأن رضا المجني عليه لا يؤثر على قيام الجريمة ولا يعفي الجاني من العقاب، وبالتالي فقد ذهب أغلب الفقه إلى القول بأن جريمة إفشاء السر المهني هي من النظام العام وبالتالي فلا يصح أن يكون رضا المجني عليه سببا من أسباب إباحتها. وهذا ما أكده أيضا القضاء الفرنسي وذلك خلافا لما ذهب إليه المشرع المصري عندما قرر في المادة 2 من قانون الإثبات على أنه “يجب على الأشخاص المذكورين أن يؤدوا الشهادة على تلك الواقعة أو المعلومات متى طلب منهم ذلك من أسرها إليهم”.
على أن إيرادنا لحالة رضاء صاحب السر كحالة من حالات إباحة الإفشاء جاء فقط في إطار مقارنة بين التشريع المصري الذي أقرها وبين التشريع الفرنسي ونظيره المغربي اللذين لم يعترفا بها لا صراحة ولا ضمنا.
ففي التشريع المغربي لا يوجد هناك أي نص لا في القانون الجنائي ولا في النصوص الخاصة المتعلقة بمهنة الطب يفهم منه صراحة أو ضمنا أن رضاء المريض بإفشاء السر يكون سببا من أسباب الإباحة.
ـ حالة الضرورة
اختلفت آراء الفقهاء حول حق الطبيب في إفشاء السر المهني في حالة الضرورة بين قائل بالإجازة وقائل بالتحريم.
ففي فرنسا يذهب الفقه إلى القول بأن نص المادة 378 من قانون العقوبات المجرم لإفشاء السر المهني جاء مطلقا وبالتالي فإن حالة الضرورة لا يمكن أن تنهض سببا من أسباب الإباحة، وهذا ما أيده جانب من القضاء الفرنسي الذي ذهب إلى أن الطبيب يمنع عليه إخبار والد الخطيبة بالمرض المصاب به خطيبها ويتعين عليه كتمانه مهما كانت النتائج الخطيرة بالنسبة للأسرة كما أدانت محكمة سان إتيان الطبيب الذي أبلغ والد الخطيبة بنقل الخطيب لابنته مرضا سريا.
وذهب جانب آخر من الفقه إلى القول بضرورة إباحة الإفشاء بالسر الطبي في حالة وجود مرض معد، وفي هذا الصدد ذهبت محكمة لييج إلى التصريح ببراءة الطبيب الذي أبلغ الغير بإصابة أحد المرضى بمرض الزهري.
أما في المغرب وفي غياب نص صريح وفي غياب أي اجتهاد قضائي –على حد علمنا- في الموضوع فإن نظرية الضرورة باعتبارها الفاصل بين الإفشاء المشروع والإفشاء غير المشروع لا مانع يمنع من الأخذ بها إذا كان السبب مشروعا، فالطبيب الذي يفشي سر المريض لزوج المريضة لتجنيبه خطر المرض لا يعد مفشيا للسر المهني في حالات مخددة أشرن إليها سالفا في الفصل الأول المستشفة من العمل القضائي.
ـ التأمين على الحياة
في التأمين على الحياة قد تلجأ شركة التأمين إلى إحالة طالب التأمين على طبيبها قصد إجراء كشف طبي عليه، ومعلوم أنه على ضوء التقرير الطبي المذكور تقرر شركة التأمين إما قبول طلب التأمين أو رفضه.
وذهب القضاء الفرنسي إلى اعتبار الطبيب في هذه الحالة ممثلا لشركة التأمين التي يعمل فيها، وأن قيامه بفحص طالب التأمين يشكل جزءا من عملها، وبالتالي فإن تقديمه التقرير الطبي لها لا يشكل إفشاءا للسر المهني الطبي، وإن كان ذلك التقرير يتضمن ما يفيد بأن المعني بالأمر (طالب التأمين) مصاب بأحد الأمراض الخطيرة التي لا يرغب في البوح بها.
على أن الطبيب في هذه الحالة يمنع عليه أن يخبر الغير بنتيجة الكشف الذي أجراه على المعني بالأمر، فإباحة إفشاء السر الطبي هنا تقتصر على إخبار شركة التأمين وحدها دون غيرها بتلك النتيجة.
ومما تجدر الإشارة إليه في الأخير أن طبيب شركة التأمين إذا كان مأذونا له بإفشاء السر، فإن ذلك محدد ومحصور في إطار الوقائع التي انتدب من أجل فحصها فقط، بحيث يحظر عليه إفشاء وقائع لا علاقة لها بالفحص الطبي الذي انتدب له.إد يعتبر فعله في هده الحالة مشروعا في نطاق القانون.
رابعا: تزوير الشهادات وشهادة الزور والإمتناع عن تقديم مساعدة ورشوة الطبيب
1: تزوير الشهادات الطبية
الشهادة الطبية هي وثيقة تصدر عن الطبيب، وتسلم للمريض، وتتضمن وقائع عاينها على جسمه، ويحدد بمقتضاها آثار عنف أو حادثة أو حالة من الحالات المتعلقة بقدرة الجسم على القيام بوظيفته أو وجود مرض أو عاهة، أو بالعكس على نفي وجود تلك الحالات.
والشهادة الطبية قد تكون رسمية إذا صدرت من طبيب موظف مع الدولة، وقد تكون عادية إذا صدرت من طبيب يعمل في إطار القطاع الخاص.
والأصل أن تزوير الشهادة الطبية يخضع للأحكام العامة للتزوير.
إن الشهادة الطبية تكون ذات خطورة بالغة إذا ما سلمت لشخص لم يتم فحصه أو تضمنت معلومات كاذبة نظرا لما يمكنها أن تخلفه من آثار وخيمة على الغير خاصة إذا ما تم تقديمها أمام المحكمة التي تضعها في عين الإعتبار عند إصدار أحكامها.
لذلك فإن المشرع المغربي مثله مثل باقي التشريعات لم يفته التنصيص على هذه الجريمة، وذلك في إطار المادة 364 من ق. ج.
ولكي تتحقق جريمة التزوير لابد من توافر الشروط الآتية:
ـ صفة الجاني
اشترط المشرع المغربي في المادة 364 من القانون الجنائي في مسلم الشهادة الطبية المزورة أو الكاذبة أن يكون طبيبا أو جراحا أو ملاحظا للصحة أو قابلة، وأن يسلم تلك الشهادة أثناء مزاولته المهنة الطبية.
والمقصود بالطبيب هنا هو الطبيب المزاول لمهنة الطب بصفة مشروعة وقانونية، ذلك أنه لو أصدر شخص شهادة طبية تتضمن بيانات كاذبة وهو لا يحمل صفة طبيب، فإنه لا يخضع لأحكام المادة المذكورة.
وما تجدر الإشارة إليه في هذا الإطار، هو أن المشرع لم يميز بين الطبيب الذي يعمل في القطاع العام وبين الطبيب الذي يخضع للقطاع الخاص.
ـ موضوع الشهادة
يجب أن يتعلق موضوع الشهادة بإثبات أو نفي واقعة حمل أو عاهة أو مرض أو وفاة أو عجز… على خلاف الحقيقة حتى يمكن القول بأن الجريمة هي جريمة تزوير شهادة طبية.
فالطبيب الذي تعينه المحكمة من أجل تبيان الأسباب الحقيقية لوفاة الضحية فيعمد إلى إعطائها أسبابا غير حقيقية للوفاة بهدف تخليص المتهم من العقاب يعد مرتكبا لجريمة التزوير ويعاقب عليها بهذه الصفة.
وعلى أية حال، فإن الجريمة تتحقق مهما كان الدافع الذي حدا بالطبيب أو الجراح أو طبيب الأسنان أو القابلة وغيرهم من الأشخاص الوارد تعدادهم بالمادة 364 ق. ج، إلى ارتكابها، ولا أهمية بعد ذلك للجهة التي ستقدم أمامها الشهادة الطبية المخالفة للحقيقة سواء كانت جهة قضائية أو جهة إدارية.
ـ القصد الجنائي
جريمة تزوير الشهادات الطبية جريمة عمدية قوامها القصد الجنائي بعنصريه: العلم والإرادة، أي علم الجاني (الطبيب) بأنه يثبت في الشهادة ما يخالف الحقيقة، واتجاه إرادته إلى إتيان الفعل المخالف للقانون بحرية واختيار.
لكن إذا كان تغيير الحقيقة عن غير قصد إما لنقص في الخبرة أو نتيجة تقصير أو إهمال، فإن القصد الجنائي ينتفي وبالتالي تنتفي الجريمة.
ومثال ذلك أن يتقدم شخص غير الشخص الحقيقي أمام الطبيب لفحصه، ودون أن يتأكد هذا الأخير من هويته فيسلمه شهادة طبية تثبت وجود أو عدم وجود المرض، فالطبيب في هذه الحالة لا يساءل جنائيا وهذا ما أكدته المحكمة الإبتدائية بتازة التي برأت طبيبا من تهمة التزوير تأسيسا على أن التهمة يحوم حولها الشك معللة حكمها بما يلي:
“…ووقائع القضية تتلخص في أن إحدى المشتكيات تقدمت بشكاية أمام السيد قاضي التحقيق مفادها أن المشتكى به (…) تزوج بها بمقتضى عقد نكاح وأنها زفت إليه، ولما دخل بها ادعى أنها ثيبا وأن الدكتور المشتكى به فحصها وأكد أنها ثيب ومكن المشتكى به الأول بشهادة طبية تفيد ذلك.
وأضافت أنها بعد ذلك عرضت نفسها على مجموعة من الأطباء الذين أكدوا بكارتها ومن بينهم الطبيب المشتكى به.
ولدى الإستماع إلى الطبيب أوضح أنه فعلا قام بفحص المشتكية في بيت زوجها فوجدها غير مفتضة وسلمها شهادة بذلك… وأنه بعد مدة طويلة حضرت لديه المشتكية وسلمها شهادة تبين أنها غير ثيب مبررا ذلك بأن الفحص الأول كان سطحيا فقط…
وبعد ذلك أمر السيد قاضي التحقيق بإجراء خبرة طبية على المشتكية، فأوضح الطبيب الخبير أن الضحية غير مفتضة وأنه لا يستطيع الجزم مما إذا كانت بكارتها أصلية أو مصطنعة بالنظر لكون أثر الخياطة يندثر بعد أربعة عشر يوما من تاريخ العملية”.
2-شهادة الزور الواقعة من طبيب أو جراح
تنص المادة 375 من القانون الجنائي على أن: “الخبير الذي تعينه السلطة القضائية، إذا قدم شفويا أو كتابيا في أي مرحلة من مراحل الدعوى رأيا كاذبا أو قرر وقائع يعلم أنها مخالفة للحقيقة يعاقب بعقوبة شهادة الزور حسب التفصيلات المشار إليها في الفصول من 369 إلى 372”.
فالطبيب أو الجراح الذي تنتدبه المحكمة للقيام بمهمة ما وإبداء رأيه الفني بشأنها عن طريق إجراء فحص طبي على المتهم مثلا من أجل التأكد من مدى سلامة قواه العقلية، وبالتالي مدى مسؤوليته أو عدم مسؤوليته الجنائية، فيعاقب على هذا الأساس بالعقوبة المقررة لشهادة الزور. ولكي نكون أمام جريمة شهادة الزور الواقعة من طرف طبيب أو جراح لابد من توافر العناصر الأربعة التالية:
ـ أداء الشهادة أمام السلطة القضائية من طرف خبير
يجب أن يكون شاهد الزور خبيرا معينا من طرف السلطة القضائية، وأن يؤدي شهادة الزور أمامها.
ولا نعني بالطبيب الخبير فقط ذلك الطبيب المسجل في إطار جدول الخبراء طبق الشروط الواردة في ظهير 30/3/1960 المتعلق بتنظيم الخبرة، بل حتى الطبيب الغير المسجل في الجدول المذكور تطبق عليه العقوبة المقررة لشهادة الزور ولكن شريطة فقط أن يكون قد أدى شهادته المزورة أمام الجهة القضائية التي انتدبته بعد أداء اليمين القانونية أمامها، وذلك بالنظر إلى أن أقوال الأفراد لا تصلح حجة على الغير إلا إذا دعمت باليمين.
ـ أن تكون الشهادة مخالفة للحقيقة
ذلك أنه لا يمكن مساءلة الطبيب أو الجراح إلا إذا كان الرأي الذي أعطاه للجهة القضائية التي انتدبته رأيا كاذبا، ولكن شريطة أن يكون هذا الرأي المتضمن لشهادة الزور متعلقا بموضوع الدعوى التي طلب منه إجراء خبرة بشأنها، ومن الممكن أن يؤثر في مجرياتها ويساهم في تضليل العدالة، ولا يهم بعد ذلك إن كان تغيير الحقيقة جزئيا أو كليا، فالجريمة تتحقق في الحالين معا.
لكن إذا سكت الطبيب عن شيء لا أهمية له في الشهادة ولا أثر له في موضوع الدعوى، فإنه لا يسأل جنائيا.
ـ وجود الضرر
لسنا ندري لماذا يصر أغلب الفقهاء على ضرورة توافر عنصر الضرر حتى يمكن القول باكتمال عناصر شهادة الزور الواقعة من طرف طبيب أو جراح، ففي نظرنا يعتبر الطبيب الخبير شاهدا للزور ويعاقب على ذلك بصرف النظر عما إذا أدت شهادته إلى حصول ضرر أو لم تؤدي إلى ذلك، أي بغض النظر عما إذا أدين من شهد زورا لفائدته أو بريء من شهد زورا ضده.
لكن ما تجدر الإشارة إليه هو أن عدول الطبيب عن أقواله الكاذبة يؤدي إلى عدم مساءلته جنائيا شريطة أن يكون هذا العدول قد تم قبل إقفال باب المرافعة في الدعوى، وهذا ما يستفاد من أحكام المادة 368 من القانون الجنائي، التي أوجبت أن تكون أقوال الخبير المغيرة للحقيقة نهائية وذلك بالنظر لما يمكن أن يلعبه هذا العدول من دور في منع وقوع الضرر.
أما إذا أقفل باب المرافعة، فإن العدول لا ينفع في شيء وتبقى الجريمة قائمة.
ـ القصد الجنائي
جريمة شهادة الزور جريمة عمدية قوامها القصد الجنائي بعنصريه العلم والإرادة، أي علم الطبيب بأن ما يدلي به هو خلاف للحقيقة واتجاه إرادته الحرة إلى ذلك، فالجريمة لا تتحقق إلا إذا ثبت سوء نية الطبيب واستهدافه من وراء تغيير الحقيقة تضليل العدالة.
لكن إذا كان تغيير الحقيقة ناشئا عن عدم احتياط أو عن تسرع في الإجابة وسوء تصور وتقدير للوقائع فإن الجريمة لا تتحقق.
3: الإمتناع عن تقديم المساعدة لشخص في خطر
لقد نص المشرع على هذه الجريمة في المادة 431 من القانون الجنائي التي تنص على أن “من أمسك عمدا عن تقديم مساعدة لشخص في خطر رغم أنه كان يستطيع أن يقدم تلك المساعدة إما بتدخله الشخصي وإما بطلب الإغاثة دون تعريض نفسه أو غيره لأي خطر يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى خمس سنوات وغرامة من 200 إلى ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط”.
وبالرجوع أيضا إلى المادتين 3 و7 من قانون أخلاقيات المهنة، نجدهما قد نصتا على أن كل طبيب ملزم بتقديم المساعدة لكل مريض يوجد في حالة خطر حال…. ما لم توجد قوة قاهرة أو إذن من السلطة.
فالطبيب أو المصحة أو المستشفى الذي يمتنع عن إسعاف مريض أو شخص في حالة نزيف أو أزمة مرضية حادة، أو يرفض استقبال مصاب ليست له القدرة على تقديم تكاليف العلاج، يعتبر مخلا بمبادئ وقيم الطب التي لا يجوز أن تمارس حسب المادة 2 من ظهير 21 غشت 1996 باعتبارها نشاطا تجاريا، ويعتبر أيضا مخلا بواجب إنساني طبقا للمادة 1 من نفس الظهير التي تعتبر مهنة الطب خلافا لباقي المهن مهنة إنسانية، والأكثر من ذلك هو اعتباره مخلا بالتزام قانوني تنتج عنه مسؤوليته الجنائية وبالتالي تطبق عليه أحكام المادة 431 من ق. ج التي سبقت الإشارة إلى نصفها.
وما تجدر الإشارة إليه هو أن المادة 431 المتعلقة بالإمتناع عن تقديم المساعدة لشخص في خطر قد جاءت بشكل عام ومجرد تنطبق على كل الأشخاص الذين توافرت فيهم شروطها، فهي لا تتعلق بزمرة الأطباء والجراحين ومن في حكمهم فقط.
وقد استقر القضاء الفرنسي على أن التزام الطبيب بتقديم المساعدة واجب عليه في حالة وجود الشخص في خطر، فإذا امتنع اعتبر مرتكبا لجريمة الإمتناع المنصوص عليها في المادة 63/2 من قانون العقوبات الفرنسي، إلا أن مسؤوليته تنتفي في حالة القوة القاهرة la force majeurs أو في حالة وجود خطر عليه .وتطبيقا لذلك قضت محكمة بوردو بإدانة طبيب رفض تقديم مساعدة لشخص في خطر واستدعاء الطبيب المعالج الذي يقيم على مسافة بعيدة من محل إقامته.
وفي قرار صادر عن المجلس الأعلى: “القانون أوجب على كل فرد أن يقدم الاسعاف لشخص في خطر وفرض عقوبة على الامتناع إذا ثبت أن ذلك في المستطاع وأن هذا الامتناع أدى إلى ضرر خطير كان بوسع الممتنع أن يقدره بداهة. ولم يقيد القانون الشخص في تقديم الاسعاف لغيره في النتيجة السلبية كانت أو إيجابية بل أمره بإسعاف في كل الحالات سيما إذا كان الاسعاف السبيل الوحيد لحياة المسعف . وفي قرار آخر عن استئنافية مكناس قضى بما يلي: “عدم وجود الشخص في خطر محقق وعدم ثبوت الامساك العمدي عن تقديم المساعدة له لا يشكل العناصر التكوينية لجريمة عدم تقديم المساعدة لشخص في خطر .
وعلى العموم، فلكي تتحقق الجريمة التي نحن بصددها لابد من توافر ركنين: ركن مادي، وركن معنوي.
الركن المادي
ويتمثل في امتناع الطبيب عن تقديم المساعدة لشخص في خطر، والجدير بالذكر أن المشرع لم يحدد المقصود بمفهوم الخطر مما يدفعنا إلى القول بأن الخطر الذي يقصده المشرع هو الخطر الحال والثابت الذي يتطلب تدخل الطبيب دون تأخير، وعلى هذا الأساس يجب استبعاد الخطر المحتمل أو المفترض أو الوهمي.
لذلك فالخطر الموجب للمسؤولية هو الخطر الحقيقي لا الوهمي، وهذا الخطر يجب أن يكون ثابتا، أي يمكن إثباته من طرف الضحية أو أقاربه أو الغير.
أما بالنسبة للمساعدة التي يلزم الطبيب بتقديمها، فإما أن تكون عن طريق تدخله الشخصي والمباشر وإما أن تكون عن طريق طلب الإغاثة كالإستعانة بطبيب اختصاصي آخر أو استدعاء سيارة الإسعاف لنقل المريض إلى عيادة متخصصة. على أن ما يجدر التنبيه إليه في الأخير هو أن اعتبار الخطر حالا وثابتا من عدمه هو من المسائل الموضوعية التي يعود أمر تقديرها إلى قاضي الموضوع حسب ظروف كل حالة على حدة. ويمكن لهذا الأخير أن يستعين بخبرة أهل الفن إذا دعت الضرورة إلى ذلك.
الركن المعنوي: القصد الجنائي
تعتبر جريمة امتناع الطبيب عن تقديم المساعدة من الجرائم العمدية يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي، وهو يتحقق بتوافر علم الجاني بأركان الجريمة واتجاه إرادته إلى اقترافها، ويتحقق هذا الركن بمجرد علم الطبيب بالخطر واتجاه إرادته إلى الإمتناع عن تقديم المساعدة، أي يكفي توافر القصد الجنائي العام.
وهكذا فقد ذهب القضاء الفرنسي إلى التصريح بإدانة طبيب بجريمة الامتناع عن تقديم المساعدة لامرأة مريضة استدعاه زوجها وأعلمه بخطورة حالها فامتنع عن الحضور والتدخل لإنقاذها على الرغم من قدرته على ذلك إلى أن توفيت.
لكن هل يحق للطبيب أن ينقطع عن علاج المريض في وقت من الأوقات؟
لقد استقر الرأي في هذا الخصوص على أن هناك مجموعة من الحالات التي يجد فيها الطبيب لنفسه مبررا لترك علاج المريض وهي:
– أولا: إهمال المريض اتباع تعليمات الطبيب أو تعمد عدم اتباعها.
– ثانيا: استعانة المريض بطبيب آخر خفية عن الطبيب الذي يعالجه.
– ثالثا: امتناع المريض عن دفع أجر الطبيب في مواعيده.
ففي مثل هذه الحالات يجوز للطبيب ترك علاج المريض، ولكن شريطة ألا يكون هذا في ظروف غير لائقة (أي في حالة الخطر الحال)، وإلا تحمل الطبيب مسؤولية هذا الترك وما ينشأ عنه من أضرار.
4: رشوة الطبيب أو الجراح
جاء في المادة 248 من القانون الجنائي ما يلي:
“يعد مرتكبا لجريمة الرشوة ويعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس وغرامة من 250 إلى 5000 درهم من طلب أو قبل عرضا، أو وعدا أو طلب أو تسلم هبة أو هدية أو أية فائدة أخرى من أجل:
1- ………..
2- …………..
3- …………..
4- إعطاء شهادة كاذبة بوجود أو عدم وجود مرض أو عاهة أو حمل أو تقديم بيانات كاذبة من أجل مرض أو عاهة أو عن سبب وفاة وذلك بصفته طبيبا أو جراحا أو طبيب أسنان أو مولدة”
فالمادة 148 جاءت عامة ومتعلقة بجميع الأشخاص الذين يمارسون وظيفة أو مهنة أو عملا معينا، ولكن مع ذلك فالفقرة الرابعة تتعلق بالأطباء ومن في حكمهم، وبالتالي فهي تغني عن اللجوء إلى القياس على القواعد العامة كما هو الشأن بالنسبة لبعض الجرائم السابقة الذكر.
ومهما يكن فلقيام جريمة الرشوة يجب توافر ثلاثة أركان:
– صفة الجاني
ومعنى ذلك أنه يجب أن يكون من قام بالفعل طبيبا أو جراحا أو طبيب أسنان أو مولدة، وأن يكون مزاولا لمهنته بصورة قانونية ومشروعة. فلو أصدر شخص شهادة طبية بدعوى أنه طبيب وهو ليس كذلك، أو أصدرها ممرض بل وحتى طبيب غير مرخص له، فإنه لن يتابع بأحكام المادة 248/4 من القانون الحنائي وإنما سيخضع لأحكام المادة السابعة من ظهير 19/02/1960 التي سنقف عندها عند دراستنا للجرائم المنصوص عليها في القوانين الطبية. والمتعلقة بممارسة المهنة بدون ترخيص.
ونشير في هذا الإطار إلى أن المشرع قصد بالأطباء الجراحين ومن في حكمهم أولئك العاملين في القطاع الخاص، وإلا كان قد أدخلهم تحت مدلول الموظفين العموميين.
ـ تقديم شهادة كاذبة (أو بيانات كاذبة)
لقد اشترط المشرع لمساءلة الطبيب جنائيا عن جريمة الرشوة أن تكون الشواهد أو البيانات الصادرة عنه كاذبة أي مخالفة للحقيقة، لكن إذا كانت البيانات التي أدلى بها الطبيب صحيحة وغير كاذبة، فإن الجريمة لا تتحقق مهما كان الدافع.
ويجب أيضا لكي تتحقق جريمة الرشوة أن تكون الشهادة أو البيان الكاذب تتعلق بتغيير الحقيقة بخصوص وجود أو عدم وجود مرض أو عاهة أو حمل… وأن تكون هذه الشهادة أو البيان قد سلمت للغير بناء على طلب الطبيب أو قبوله عرضا أو وعدا بتسلم هدية أو هبة أو أية فائدة أخرى.
ـ القصد الجنائي
يقوم هذا القصد على عنصرين هما: العلم والإرادة:
ـ العلم: يجب أن يعلم الطبيب المرتشي بتوافر جميع أركان الجريمة، أي أن يعلم بأنه طبيب –أو من في حكمه- وأنه مختص بالعمل المطلوب منه، وأن الرشوة التي طلبها أو قبلها أو تسلمها… ليست إلا ثمنا لعمله. الذي ليس سوى بيان كاذب.
ـ الإرادة: فضلا عن عنصر العلم يجب أن تتجه إرادة الطبيب أو الجراح…. إلى طلب الرشوة أو قبولها أو تسلمها، وإلا فإن القصد الجنائي ينتفي.
الفقرة الثانية: مسؤولية الطبيب الجنائية في جرائم المهن الطبية وفي بعض القوانين الخاصة
النقطة الأولى: الجرائم المنصوص عليها في القوانين الطبية
صدر في 19/02/1960 ظهير متعلق بتنظيم مزاولة مهن الأطباء والصيادلة وجراحي الأسنان والعقاقيريين، وقد نص هذا الظهير على مجموعة من الأفعال والتصرفات التي يمكن أن تصدر من الأطباء أثناء مزاولتهم لمهمتهم أو بسببها فجرمها وأفرد لكل واحدة منها العقوبة المناسبة لها.
ومن ضمن الأفعال والتصرفات المجرمة، المزاولة غير المشروعة لمهنة الطب، (أولا)، وانتحال الألقاب الطبية (ثانيا)، وبيع الأدوية من طرف الطبيب (ثالثا).
أولا: المزاولة غير المشروعة للمهن الطبية
نص الظهير المذكور على هذه الجريمة في المادة السادسة منه، وقد نصت هذه الأخيرة على أنه: “يعتبر مزاولا لمهنة الطب بصفة غير مشروعة:
1- الطبيب الذي يزاول المهنة قبل الحصول على الإذن في المزاولة الذي يسلمه عند الإقتضاء الكاتب العام للحكومة بعد استشارة وزير الصحة العمومية.
2- كل شخص غير محرز على الإجازة أو الشهادة التي تخوله الحق في مزاولة مهنة طبيب أو جراح أسنان أو قابلة… ما عدا في حالة الإستعجال الثابتة.
ونشير في هذا الإطار إلى أن المشرع استثنى طلبة الطب الذين يعملون بصفة مساعدين لطبيب، وكذا الممرضين، شريطة أن يمارسوا مهامهم تحت رقابته.
3- الطبيب الذي يصدر في حقه حكم جنائي يقضي بحرمانه من مزاولة مهنة الطب.
4- الطبيب الذي يصدر في حقه حكم تأديبي يقضي بتوقيفه عن ممارسة المهنة أو بالحذف من الجدول إما بصفة مؤقتة أو نهائية.
وقد نص المشرع المصري أيضا على هذه الجريمة التي نحن بصددها، وذلك في إطار المادة العاشرة من القانون رقم 415 لسنة 1954 في شأن مزاولة مهنة الطب التي جاء فيها: “كل من زاول مهنة الطب على وجه يخالف أحكام هذا القانون….” كما نص عليها المشرع الفرنسي في إطار المادة 372 من قانون الصحة العامة.
على أية حال لتوضيح معالم هذه الجريمة أكثر سوف نحاول الوقوف على أركانها ويتعلق الأمر بركنين: ركن مادي وركن معنوي.
1 ـ الركن المادي
يتمثل الركن المادي في مزاولة المهنة الطبية بصفة غير مشروعة في قيام الشخص بأحد الأعمال الطبية التي سبقت الإشارة إليها في الفصل التمهيدي (كالفحص، أو التشخيص أو العلاج…) على وجه الإعتياد أو الإستمرار.
وعليه، فالشخص الذي يتولى معالجة مريض أو يسلمه وصفة طبية أو يجري له عملية جراحية، وهو لا يتوفر على الإذن لمزاولة الطب أو غير محرز على الإجازة التي تخوله حق ممارستها يعتبر مسؤولا وبالتالي مرتكبا لجريمة المزاولة غير المشروعة لمهنة الطب.
وجريمة الممارسة غير المشروعة لمهنة الطب تتحقق حتى ولو لم تترتب عنها أية نتيجة سلبية.
ولعل تنصيص المشرع المغربي وغيره على هذه الجريمة، راجع إلى كون جسم الإنسان –من حيث المبدأ- محمي من طرف القانون ولا يجوز لأحد المساس به إلا إذا كان طبيبا مأذونا له بمباشرة العمل الطبي.
2 ـ الركن المعنوي
جريمة مزاولة مهنة الطب بصفة غير مشروعة جريمة عمدية قوامها القصد الجنائي بعنصريه العلم والإرادة أي علم الفاعل بأن ما يقوم به من أعمال يدخل في مفهوم العمل الطبي الذي لا يملك حق مباشرته إلا من كان طبيبا مأذونا له بذلك، واتجاه إرادته إلى مزاولة هذا العمل عن بينة واختيار.
ـ العقوبة المقررة لجريمة المزاولة غير المشروعة لمهنة الطب
في الأحوال العادية يعاقب الشخص المزاول لمهنة الطب بصفة غير مشروعة بغرامة يتراوح مقدارها ما بين 2000 و20000 درهم.
وإذا كانت جنحة المزاولة غير المشروعة مصحوبة بانتحال الإجازات، فإن العقوبة يصبح مقدارها في هذه الحالة يتراوح ما بين 5000 درهم إلى 20000 درهم.
وفي حالة تكرار الفعل تضاعف الغرامة مع إمكانية معاقبة الفاعل بالسجن لمدة لا تتجاوز سنة واحدة.
ثانيا: انتحال الألقاب الطبية
نشير في البداية أن هذه الجريمة منصوص عليها في المادة السابعة من ظهير 19/02/1960 المتعلق بمزاولة مهنة الطب، الصيدلة، …. كما أنها منصوص عليها في إطار المادة 381 من القانون الجنائي، إلا أن هذه الأخيرة قد وردت بشكل عام، لذلك كان من الممكن دراستها في إطار المطلب الأول المتعلق بالأساس القانوني للمسؤولية الجنائية للطبيب وفق نصوص القانون الجنائي لولا أن المادة السابعة من الظهير المذكور نصت على هذه الجريمة وأسعفتنا في خلق نوع من التوازن المنطقي في منهجية هذا البحث.
فحسب هذه المادة الأخيرة فإن الشخص الذي يدعي صفة طبيب أو جراح أسنان وهو لا يتوفر على شروطها يعتبر مزاولا للمهنة بصورة غير قانونية وتجب مساءلته جنائيا، كما أن الشخص الذي يفتح عيادة –ولو كان طبيبا- ويدعي أنه أخصائي في علاج مرض من الأمراض، كالقلب أو السكري أو أمراض العيون وهو لا يتوفر على الشهادة التي تخوله ذلك يكون مخالفا للقانون وبالتالي يجب مساءلته جنائيا متى ثبت أنه سيء النية.
وقد اعتبر المشرع أن الشخص الذي يحمل لقب دكتور في تخصص معين غير الطب يعتبر منتحلا للقب طبي، إذا مارس عملا طبيا مستغلا صفته كدكتور دون أن يبين بدقة نوع المادة العلمية التي حصل فيها على درجة الدكتوراه كالحقوق أو الرياضيات وذلك بقصد التحايل على الناس وإيهامهم بكونه طبيبا.
كما أن المشرع قد أوجب على الأطباء ومن في حكمهم أن يضمنوا باللوحات الدالة عليهم والموضوعة في مدخل المكان الذي يزاولون فيه مهامهم أسماءهم العائلية والشخصية وصفتهم ومهنتهم وتخصصهم عند الاقتضاء، ومنع عليهم مزاولة مهنة الطب تحت اسم مستعار .معتبر ذلك من قبيل المزاولة غير المشروعة.
أن المشرع المغربي عاقب الأطباء الذين لم يعترف لهم بصفة “طبيب اختصاصي” أو “طبيب مبرز” ويتمادون في استعمالها أثناء ممارستهم لمهمتهم بغرامة قدرها بين 1000 و10000 درهم وضاعف المبلغ الأقصى للغرامة في حالة العود إلى ارتكاب الفعل داخل أجل خمس سنوات.
ثالثا: بيع الأدوية من طرف الطبيب
كما نعلم، فالصيدلي هو الذي يتولى بيع الأدوية من حيث المبدأ، إلا أن هناك بعض الحالات الإستثنائية التي يجوز فيها للطبيب بيع الأدوية لمرضاه، إلا أنه خارج هذه الحالات يمنع عليه منعا باتا القيام بذلك البيع وإلا تعرض للمساءلة الجنائية وبالتالي العقاب.
فقد نصت المادة الخامسة من الظهير المنظم لمزاولة مهن الأطباء والصيادلة وجراحي الأسنان والعقاقيريين والقوابل (19/02/1960) على الحالات التي يمكن فيها للطبيب بيع الأدوية لمرضاه وهي:
1 ـ حالة عدم وجود أية صيدلية في المنطقة التي يمارس فيها مهنته كطبيب وفي دائرة ترابية تقدر مساحتها ب25 كليو مترا.
ونظن أن هذه الحالة يستحيل تحققها في الوقت الراهن وذلك نظرا للعدد المتزايد من الصيدليات والصيدليين.
وعلى كل حال، فعندما توجد في محل إقامة الطبيب صيدلية فإنه يحرم عليه بيع الأدوية سواء في منطقته أو في المنطقة المجاورة لأن العبرة للإستفادة من الإستثناء المذكور هي بمحل إقامة الطبيب لا بمحل إقامة المريض.
وقد يحدث أن تكون الصيدلية غير متوفرة على دواء معين، فيقوم الطبيب ببيع هذا الأخير للمريض الذي تستدعي حالته الصحية التعجيل بالحصول عليه، ففي هذه الحالة لا يعتبر الطبيب مخالفا للقانون ولا يسأل جنائيا ما دام تصرفه قد كان نتيجة لحالة الضرورة.
2 ـ حالة الإستعجال.
لتطبيق هذا الإستثناء يجب أن يكون من المتعذر الحصول على الأدوية من الصيدلية في الوقت المناسب من أجل مواجهة حالة مرضية خطيرة ومستعجلة .إلا أن الأدوية المسموح ببيعها في هذه الحالة يجب ألا تتعدى القدر الكافي لدفع الضرر أو منع تفاقمه، على أنه لا يعد مرتكبا لجريمة (بيع الأدوية) أو ممارسة مهنة الصيدلة بدون ترخيص، الطبيب الذي يشتري الدواء لمريضه من الصيدلية ويناوله إياه شريطة أن يكون الدواء محضرا باسمه أو لحالة مرضية معينة(كمسؤواية الصيادلة السابق الإشارة إليها في الفصل الأول)، حيث أن الطبيب في هذه الحالة لا يعدو أن يكون نائبا عن مريضه، وهذا ما يجري في أغلب العيادات.
ومع ذلك، فليس هناك ما يمنعنا من ملاحظة أن أغلب المصحات في المغرب تزاوج بين ممارسة العمل الطبي والعمل الصيدلي في آن واحد، حيث نجد أن الطبيب في المصحة يصف الدواء ويبيعه، وقد تعدى الأمر ذلك إلى المستشفيات والمستوصفات العمومية أيضا، حيث نجد أن الأدوية الموجودة لعلاج المرضى بالمجان أصبحت تباع لهم تارة، وتارة أخرى تباع بالجملة في الصيدليات في إطار عقود تواطئية بين الطبيب والصيدلي.
على أنه لا يفوتنا في هذا الإطار أن ننوه ببعض الإجراءات الإحترازية التي نهجتها وزارة الصحة للحد من هذه الظاهرة، ومن ضمنها كتابة عبارة “يمنع بيع هذا الدواء” أو عبارة “بالمجان” فوق ظهر علب الأدوية وأيضا وضع خطين، واحد أحمر وآخر أخضر كإشارة إلى أن الدواء مدعم من طرف الوزارة، وذلك تفاديا لبيعه من طرف عديمي الضمائر.
وفي الأخير نود أن نشير إلى أنه يمنع الجمع في آن واحد بين مهنة الطبيب ومهنة الصيدلي، حتى ولو في حالة توفر الشخص على شهادات تخوله الحق في مزاولة هذه المهن، ولكن دائما مع مراعاة الحالتين الإستثنائين السابق الإشارة إليهما.
ومنعا لكل تلاعب فقد حرص المشرع المغربي على منع الأطباء من فتح عياداتهم داخل الصيدليات أو في دكاكين وذلك تحت طائلة المساءلة الجنائية وهو ما يحقق العدالة الجنائية.
النقطة الثانية : الجرائم المنصوص عليها في بعض القوانين الخاصة
اولا: جرائم الطبيب في قانون المخدرات
من المعلوم أن المشرع المغربي مثله مثل باقي التشريعات (المصري والفرنسي والسعودي….) قد أجاز في بعض الحالات لبعض الأشخاص كالأطباء والصيادلة الإتصال بالمواد المخدرة من أجل استعمالها واستخدامها لأغراض مشروعة، لكنه عاقب على كل تجاوز لحدود هذه الإجازة.
لذلك فالطبيب أو الجراح المرخص له بحيازة المواد المخدرة واستعمالها ضمن حدود معينة يكون عمله مشروعا ولا يسأل جنائيا إلا خارج حدود الترخيص الممنوح له.
ومن المعلوم أن المشرع المغربي في إطار ظهير 21 ماي 1974 المتعلق بالمخدرات قد أورد نوعين من التصرفات الغير المشروعة الصادرة عن الأطباء واعتبرها بمثابة جرائم معاقب عليها، ويتعلق الأمر بتلك التصرفات التي تتجلى في تحرير وصفات طبية صورية (أولا)، وتلك التصرفات المتعلقة بحيازة الطبيب للمواد المخدرة بصفة غير مشروعة (ثانيا).
أ- تحرير الطبيب وصفات صورية
إن القانون يجيز لكل شخص مرخص له قانونا بمزاولة مهنة الطب أن يصف المخدرات للمرضى بمقتضى وصفات طبية قصد مساعدتهم على العلاج، ولكن وفق شروط معينة، فقد جاء في المادة 17 من ظهير 02/12/1922 ما يلي: “ينبغي لمحرر الوصفة الطبية أن يؤرخها ويوقع عليها ويذكر فيها اسمه وعنوانه ويبين بحروف كاملة وواضحة كمية المواد السامة الموصوفة وكيفية استعمالها في المعالجة، وإذا لم يفعل استوجب العقوبات المقررة بظهيرنا الشريف هذا”.
كما جاء في الظهير الشريف المؤرخ في 19 فبراير 1960 والسابق ذكره، وبالضبط في المادة 14 منه ما يلي:
1- إن وصفة الطبيب أو جراح الأسنان أو القابلة أو البيطري يجب أن تؤرخ وتحرر بصفة واضحة..
2- إذا كان هذا الأمر بالأدوية يتعلق بمواد سامة، فإنه يتعين على صاحبه أن يعلن عن مقدار أو مقادير المواد السامة المأمور بها بجميع حروفه مع تعيين كيفية استعمال الدواء”.
هذا إذا كان قصد الطبيب من وراء تحريره للوصفة الطبية هو علاج مرضاه، لكن قد يكون غرض الطبيب من وراء ذلك هو تسهيل تعاطي المريض (الزبون في هذه الحالة) للمخدرات، وفي هذه الحالة فإن الطبيب يسأل جنائيا ويعاقب طبقا لأحكام المادة الثالثة من ظهير المخدرات التي تنص على أنه “يعاقب بالحبس من سنة إلى عشر سنوات وغرامة يتراوح قدرها ما بين 5000 و50 ألف درهم:
ـ كل دكتور في الطب يسلم وصفة صورية تساعد الغير على استعمال المواد المخدرة في النباتات المعتبرة مخدرات”.
إن الوصفة الطبية التي يسمح بموجبها الحصول على المواد المخدرة يجب أن تتوافر فيها مجموعة من الشروط وهي:
أ ـ يجب أن تكون الوصفة صحيحة لا تزوير فيها ولا تشطيب.
ب ـ يجب أن يكون الطبيب محرر الوصفة حسن النية، فالطبيب مثلا الذي يسلم للمريض عدة وصفات طبية في اليوم ومتضمنة لمواد مخدرة يعتبر سيء النية وتجب مساءلته جنائيا.
على أن ما تجدر الإشارة هنا إليه هو أن مسألة حسن النية من المسائل الموضوعية التي يعود أمر استخلاصها لمحكمة الموضوع وذلك انطلاقا من ظروف كل قضية على حدة.
د ـ يجب ألا يتعدى الطبيب المقدار والنوع المرخص به.
ومع ذلك فإننا نسجل مجموعة من الملاحظات في هذا الإطار:
فرغم صرامة الإجراءات في هذا المجال، إلا أن هناك مجموعة من المخاطر التي تحوم حوله، فمثلا قد يلجأ المريض لمجموعة من الأطباء فيشخصون حالته ويحددون أنه يجب أن يعالج بمخدر معين (كالمورفين مثلا) فيتم تحرير عدة وصفات من طرف هؤلاء الأطباء، وبالتالي يستطيع المريض المعني بالأمر الحصول على كمية هامة من المواد المخدرة من صيدليات متعددة فيبدأ في ترويجها مما يؤدي إلى نتائج خطيرة داخل النسيج الإجتماعي، فهذه الحالة التي ذكرناها شائعة جدا في أوساط اجتماعية مختلفة بالمغرب، ومن المعلوم أن التعاطي للحبوب المخدرة والتي يصطلح عليها بالحبوب المسببة للهلوسة ، ينتج عنه ارتكاب جرائم خطيرة للغاية (قتل الأصول، الإغتصاب، السرقة الموصوفة….)
ب: حيازة الطبيب للمواد المخدرة بصفة غير مشروعة
قد يستغل الطبيب الرخصة الممنوحة له من أجل استعمال المواد المخدرة واستخدامها في علاج مرضاه، فيعمد إلى استخدامها لأغراض أخرى غير تلك المرخص له بها، فيسلمها مثلا للغير بمقابل أو يعمد إلى الإحتفاظ بما تبقى منها بعد علاج المرضى في عيادته، ففي مثل هذه الحالات وما شابهها يكون الطبيب قد خالف القانون وخرج عن حدود الإذن الممنوح له في الإتصال بالمخدرات ويجب مساءلته جنائيا ومعاقبته كأي فرد عادي إذا ضبط وهو ماسك للمخدرات بصفة غير مشروعة .وأهمها :
-تصرف في المخدر لغير الغرض الشرعي المرخص له ،فالطبيب المرخص له في حيازة المواد المخدرة واستعمالها ضمن حدود معينة يكون عمله مشروعا ولا يقع تحت طائلة العقاب اذا هو تصرف ضمن حدود الترخيص المنوح له، كتحضير الأدوية لاستعمالها في المعالجات الطبية مثلا,اما اذا خرج عن حدود الرخصة الممنوحة له واستعمل المواد المخدرة في غير الأغراض المرخص له بها ،كاحتفاظه بكمية منها قصد للأغيار وبيعها لهم ،فانه يسأل جنائيا ويعاقب.
-تحرير الطبيب وصفات طبية صورية لتسهيل تعاطي المخدرات: فالطبيب يسأل عن فعله جنائيا طبقا للمادة 3 في الفقرة 2 من قانون زجر الادمان عن مخدرات سامة.
– حيازة الطبيب للمواد مخدرة بصفة غير مشروعة : قد يستغل الطبيب الرخصة المنوحة له في استعمال المواد المخدرة واستخدامها في علاج مرضاه فيعمد الى استعمالها لأغراض أخرى غير تلك المرخص له بها،كتسليمها للغير بمقابل أو يعمد الى الاحتفاظ بما تبقى لديه منها بعد علاج المرضى في عيادته. ففي مثل هذه الحالات وما شببها يكون الطبيب قد خالف القانون وخرج عن حدود الاذن الممنوح له في الاتصال بالمخدرات ويجب مساءلته ومعاقبته كأي فرد عادي اذا ضبط وهو ماسك للمخدرات بصفة غير مشروعة – يكيف الفعل هنا على الاساس جريمة مسك المخدرات تتطلب توافر ركنها المادي والمعنوي –
ثانيا: جرائم الطبيب في مدونة الشغل
أوجب المشرع إحداث مصالح طبية للشغل مستقلة لدى المقاولات الصناعية والتجارية ومقاولات الصناعات التقليدية والاستغلالات الفلاحية والغابوية وتوابعها إذا كانت تشغل ما لا يقل عن 50 أجيرا، حيث أسند المشرع لهذه المصالح جملة من الاختصاصات قصد تمكينها من إنجاز دورها المتمثل في توفير وسائل الوقاية للأجراء، هكذا يتولى طبيب الشغل إجراء الفحوص الطبية على الأجراء خاصة الفحص الرامي إلى التأكد من ملاءمة منصب الشغل للحالة الصحية للأجير عند بداية تشغيله وإلى تجنيب الأجراء الإضرار بصحتهم بسبب الشغل من خلال مراقبة شروط النظافة في مكان الشغل، ومكان العدوى والحالة الصحية للأجراء (المادة 318 م. ش)، كما يجوز له بصفة استثنائية تقديم علاجات للأجراء في الأحوال المستعجلة عند وقوع حوادث أو ظهور أمراض داخل المقاولة، وإسعاف الأجير الذي تعرض لحادثة الشغل ( المادة 319 م. ش) .
كما يلزم طبيب الشغل أثناء ممارسة مهامه بتكوين مجموعة من الوثائق الطبية التي تسمح له بمتابعة الحالة الصحية للأجراء، ويتعلق الأمر بالملف الطبي وبطاقة القدرة على العمل. وفي سياق الإحصاءات دائما، نشير إلى أن هناك فقط 1740 مصلحة طبية للشغل مقبولة من طرف وزارة التشغيل من مجموع 5000 مقاولة خاضعة نظريا لنظام طب الشغل، أي بمعدل مؤسسة واحدة من كل ثلاث مؤسسات خاضعة.
ويبلع عمليا عدد الأجراء المحميين بهذه المصالح 350.000، ولا يمثل هذا العدد سوى 8.4 بالمائة من السكان النشيطين العاملين بالوسط الحضري والمقدر عددهم ب 4.175.000، أي أن أزيد من تسعة عمال على عشرة لا يتمتعون بأي حماية طبية، أما الساكنة النشيطة العاملة بالوسط القروي والتي تقدر ب 5.186.000 أجيرا فلا يتمتعون بأية حماية طبية، فهل هذا معقول؟
وبمقتضى م. 310 من م. ش يجب أن يكون أطباء الشغل حاصلين على شهادة تثبت أنهم مختصين في طب الشغل، وأن يكونوا مسجلين في جدول هيئة الأطباء، ومرخصا لهم بمزاولة الطب.
وتعتبر الشهادة الطبية الوسيلة الأنجع لإثبات المرض وتحديد مدته، وهذا ما أكد عليه المشرع في الفقرة الثانية من المادة 271 م.ش. حيث يلزم الأجير بالإدلاء لمشغله لشهادة طبية تبرر غيابه وإخباره بالمدة المحتملة لذلك، ويهدف المشرع من وراء ذلك إلى تحقيق مصلحتي طرفي العلاقة التعاقدية حيث أن مصلحة المشغل تقتضي بأن يكون على علم بالمدة التي يستغرقها مرض العامل وذلك حتى يتسنى له اتخاذ الإجراء المناسب لضمان السير الطبيعي للمقاولة كتعويض العامل المريض بعامل آخر مثلا.
كما أن مصلحة العامل تتحقق أيضا فعند الإدلاء بالشهادة الطبية والتي تحدد مدة التغيب يقطع الطريق أمام المشغل في اعتبار غيابه غير مبرر وبالتالي الحق في فصله بناء على المادة 39 التي تعتبر الغياب لأكثر من أربعة بغير مبرر خطأ جسيم يبرر فصل الأجير . ويتعين تحديد مدة العجز الكلي المؤقت بكل موضوعية وحذر، نظرا لتأثيرها الكبير والخطير على تككييف المتابعة الجنائية للمتسبب في الضرر، وعلى التعويض الذي يمكن به أن يطالب به الشخص المضرور سواء في إطار دعوى مدنية تابعة أو دعوى مستقلة، وينبغي التأكيد أيضا علة ضرورة تضمين الشهادة مكان الفحص وتاريخه بالسنة والشهر واليوم والساعة .
ثم إن المقتضيات المنظمة لطب الشغل تشهد على أن طبيب الشغل قد يكون محل مساءلة جنائية، هاته الأخير لا تجد أساسها القانوني في المقتضيات التي تنبع منها مسؤولية المشغل الجنائية بهذا الخصوص فحسب، بل إنها تستمد وجودها كذلك من التشريع المنظم للتعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية والقانون الجنائي العام. وإثارة المسؤولية الجنائية لطبيب الشغل ترتبط في أغلب الحالات بارتكاب أحد الأفعال التالية :
– عدم إنجاز طبيب الشغل للتقرير السنوي وتوجيهه إلى مفتش الشغل، وإلى الطبيب مفتش الشغل.
– عدم قيام الطبيب للإعلان عن الأمراض المهنية التي يطلع عليها بالمؤسسة.
عدم التزامه بكتمان سر الصنع.
– قيام طبيب الشغل بجلب أو محاولة جلب المصابين إلى عيادته أو إلى صيدليته ماسا بذلك بحرية الإختيار المخولة لهم عن طريق الوعد بتسليم نقود، أو التخفيض من مبلغ الأتعاب الطبية، أو من ثمن المنوجات الصيدلية لفائدة المصابين بحوادث الشغل، سواء بطرقة مباشرة أو غير مباشرة.
– قيام الطبيب بطلب ثمن عيادات لم ينجزها.
– قيامه بتحريف عواقب الحادثة في الشهادات المسلمة لتطبيق الظهير(1963 المنظم للتعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية).
– قيامه بمعالجة المصابين في حوادث الشغل بعد المنع المفروض غليه في ذلك.
– عدم المحافظة على السر المهني.
– إعطاء شهادة كاذبة بوجود أو عدم وجود عاهة أو مرض، أو حمل، أو تقديم بيانات كاذبة عن أصل مرض أو عاهة أو عن سبب وفاة، وذلك بصفته طبيبا.
– إذا طلب أو قبل عرضا أو وعدا أو تسلم هبة أو هدية أو عمولة أو خصما أو مكافئة مباشرة أو عن طريق وسيط دون موافقة مخدومه ودون علمه وذلك من أجل القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال خدمته، أو عمل خارج عن اختصاصاته الشخصية ولكن خدمته سهلته أو كان من الممكن أن تسهل له.
وتأسيسا على ما سبق يظهر أن المشرع الجنائي للشغل حريص على ضمان حقوق الأجراء حماية للمقاولة، فهو لم يتساهل مع طبيب الشغل بل ألزمه بمجموعة من الشروط والواجبات أثناء مزاولته لطب الشغل حتى تنتفي مسؤوليته الجنائية في المنازعات الاجتماعية لهذه المؤسسة. فكيف يمكن أن نستشف ضابط العلاقة بين حماية حقوق أطراف أخرى –النزلاء في المؤسسات السجنية- حرص المشرع على صيانتها جنائيا داخل مؤسسات يحيط بها نوع من الخصوصية والتفرد في المعاملة طبقا لقواعد حماية حقوق الإنسان داخل المؤسسات السجنية لطب السجون منبعا للدراسة الموالية.
ثالثا: جرائم الطبيب في القانون المنظم للسجون
ما يهمنا في هذا الإطار هو أن نقف بصدد المرسوم رقم 2.00.485 صادر في 6 شعبان 1421 (3 نوفمبر 2000) تحدد بموجبه كيفية تطبيق القانون رقم 23.98 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.99.200 بتاريخ 13 من جمادى الأولى 1420 (25 غشت 1999) . والذي حدد في الباب الثامن الخدمات الصحية (الفرع الأول) الخدمات الصحية ومهام أطباء المؤسسات السجنية (الفرع الثاني)، والاستشفاء (الفرع الثالث). ما مجموعه –الفروع الثلاثة- 15 مادة جميعها تصب في نطاق حماية نزيل المؤسسة السجنية في سلامته الجسدية والصحية. لذا سنعمد إلى استقراء بعض الجوانب المتعلقة بالمسؤولية الطبية الملقاة على عاتق أطباء السجون في علاقتهم بالمعتقلين داخل هاته المؤسسات، وذلك لاستنباط نوع من الحماية التي خص بها المشرع السجني فئة النزلاء؟
نصت المادة 129 من القانون أعلاه:
“يجب أن يقوم طبيب المؤسسة المكلف بالسهر على صحة المعتقلين البدنية والعقلية بفحص يشمل:
– المعتقلين الجدد بالمؤسسة
– المعتقلين الذين أشعر بمرضهم أو الذين صرخوا بذلك
– المعتقلين الموضوعين بزنزانة التأديب أو الموضوعين في العزلة
– المعتقلين الذين سيتم ترحيلهم
– المعتقلين الموجودين بالمصحة
– المعتقلين الذين طالبوا لأسباب صحية، بإعفائهم من أي نشاط مهني، أو رياضي أو بتعيير المؤسسة.
إذا تبين للطبيب، أن صحة المعتقل البدنية أو العقلة عرضة للخطر، بسبب نظام الاعتقال، فإنه يشعر كتابة بذلك مدير المؤسسة، الذي يجب عليه اتخاذ التدابير المؤقتة اللازمة. ويخبر بدوره مدير إدارة السجون. وإذا تعلق الأمر بمعتقل احتياطي، فعليه أن يخبر أيضا السلطة القضائية المختصة”.
من هنا تتبين الأهمية القصوى التي أولاها المشرع للنزلاء فالخطاب صريح الدلالة على أن الطبيب ملزم وليس مخير بالحفاظ على صحة المعتقلين البدنية والعقلية. فلفظ “بفحص” يفيد أنه فحص مستمر طوال الفترة العقابية السالبة للحرية التي سيقضيها النزيل داخل المؤسسة السجنية أو المعتقل الاحتياطي لنفس المدة، فالمشرع الغيور على صحة المواطن تؤكده النصوص الإلزامية بالنسبة للقانون المتعلق بتنظيم بالسجون بما يتوافق ومنظومة حقوق الإنسان، فهاته العناية يفتقدها المواطن الحر بحيث نلمس شبه غياب لهذا الموفور الحمائي في القانون الداخلي للمستشفيات السابق التعليق عليه والغامض الدلالة في نصوصه المنظمة خاصة للملف الطبي الذي يفتقد لعنصر الإلزام، عكس ما سنوضحه بخصوص هذا القانون الحقوقي بامتياز حسب منطوق المادة 128.
المادة 130: “يتعين على الطبيب كذلك:
– السهر علة نظافة التغذية والمؤسسة
– السهر على تطبيق القواعد المتعلقة بحصر المرضى طريحي الفراش، وذوي الأمراض المعدية والأمراض العقلية، وعند اقتضاء الأمر بإيداعهم بالمصحة، أو نقلهم إلى فرع صحي متخصص بمؤسسة سجنية أخرى أو الأمر باستشفائهم
– اقتراح استشفاء المرضى المفرج عنهم الذين يتعذر عليهم لأسباب صحية الإلتحاق بسكناهم
– الأمر بإجراء الفحوص لدى أطباء متخصصين
– تحديد المآل المناسب بخصوص الأدوية الموجودة بحوزة المعتقلين أو الموجهة إليهم من خارج المؤسسة
إنجاز شهادة الوفاة في حالة حدوثها داخل المؤسسة
– تسليم الشواهد الطبية المنصوص عليها في القوانين الجاري بها العمل عند وقوع حادثة شغل أو مرض مهني أو حادث جرمي
تسليم شواهد طبية للمعتقلين، وعند موافقتهم الصريحة، لعائلاتهم أو لمحاميهم،
تسليم شواهد طبية تخص الحالة الصحية للمعتقلين، كلما طلب منهم ذلك، لإدارة السجون أو للسلطة القضائية المختصة، تتضمن المعلومات الضرورية لتوجيههم ومعاملتهم داخل المؤسسة ورعايتهم بعد الإفراج عنهم”.
وهو ما يستشف منه أن المشرع أحاط الطبيب بمجموعة من الالتزامات على سبيل الوجوب للحفاظ على صحة النزلاء ومواكبتهم ومراقبتهم عن كثب، فالمشرع لم يكتف بالمسلمات البديهية من أكل ومشرب ونظافة بل منح الطبيب إمكانية اقتراح استشفاء المرضى الذين يتعذر عليهم لأسباب صحية الالتحاق بسكناهم، ما يعني أن ما لم يتوفق المشرع في احتوائه وضمه في القانون الداخلي للمستشفيات تداركه القانون المنظم للسجون فكأنما نقول للمجرم :
“ارتكب جريمة واستعد لتهيئ نفسك للالتحاق بفندق خمس نجوم”.
أضف إلى ذلك أن حوادث الشغل والأمراض المهنية تتوقف على شهادة الطبيب بالحادثة ناهيك عن تسليم شواهد طبية لعائلاتهم أو لمحاميهم لكن بعد الموافقة الصريحة للمعتقل فيا لكرم وجود المشرع في ترسنة حقوق السجناء دون حقوق الأحرار. ثم إن تسليم الشواهد الطبية التي تخص الحالة الصحية للمعتقلين لإدارة السجون أو للسطة القضائية المختصة يحدد عنصر الرقابة التي تمارسها هاته الأجهزة لا لشيء إلا من أجل السجين.
إن القراءة المقتضبة لهذه المادة تجعلنا أمام أمرين:
– المسائلة الجنائية للطبيب مؤثثة بنصوص الفقرات الصحيحة، لأن أي مخالفة لما أوجبه القانون على الطبيب تجاه النزيل – المعتقل- تحدد مآل المتابعة لطبيب السجن بناء على شكاية أو النيابة العامة في ما إذا تعلق الأمر بجنحة أو جناية تستدعي تحريك المساطر القانونية اعتمادا على خرق الالتزامات المحددة في القانون إذا ترتب بالطبع عن فعل او امتناع الطبيب مسؤولية جنائية.
– عبء الاثبات متاهة محصنة داخل قلعة محكمة بأسيجة وأسلاك ومتاريس لا يمكن تخطيها ولو تمثلت الجهات المعنية الرسمية والغير رسمية باستبيان الاختلالات والخرق السافر للانضباط للقانون وإعمال وتنزيل النصوص.
المادة 131:” في حالة إضراب معتقل عن الطعام، يخبر بذلك مدير إدارة السجون وعائلة المعتقل كما تخبر السلطة القضائية، إذا تعلق الأمر بمعتقل احتياطي.
يمكن اجبار المعتقل على التغذية إذا أصبحت حياته معرضة للخطر وذلك بناء على تعليمات الطبيب وتحت مراقبته”.
نحن أمام أمرين، اخبار مدير إدارة السجون بالحالة المستجدة لاتخاذ ما يلزم ولو بالإكراه للحفاظ على حياة المعتقل وهو ما يثير مجموعة من الاستيقافات:
– إضراب المعتقل نتيجة سوء المعاملة أو التمرد على الوضع إما بعدم الرضى أو أو لإثارة انتباه المسئولين داخل المؤسسة السجنية يمنح السلطة الفعلية الآنية لمدير إدارة السجون حق التصرف حسب سلطته التقديرية لإخراس والإطباق على المطالب الشرعية في غالب الأحيان.
– إخبار السلطة القضائية بخصوص المعتقلين لدى المؤسسات السجنية يجرد مدير إدارة المستشفى وكذى الطبيب لديها من أي سلطة أو امتياز فتصبح هذه الأخيرة خاضعة قانونيا لأوامر الجهاز القضائي في شخص النيابة العامة أو قاضي التحقيق.
– الطبيب بالمؤسسة السجنية قد يتواطئ في إقبار صوت النزلاء بناء على شهادته الطبية وتحت مراقبته أو قد يمنح حياة أخرى للنزيل تشكل بارقة أمل بالنسبة لهذا الأخير. فما محل المساءلة الجنائية للطبيب في هذه الحالات؟
الأمر لا يعدو أن يكون إلا ضربا من ضروب الإفتراض لأنه مالم يتحرك مدير إدارة السجون في مواجهة الطبيب أو العكس اقتدارا بحب المهنة وتشبعا بالمبادئ والقيم فإنه لا مجال لإعمال أو تحريك المسؤولية الجنائية للطبيب إلا من زاوية إدارة السجن في الغالب كعنصر إثبات يحوز حجيته في نازلة ما.
المادة 132: ” يمنع إخضاع المعتقلين للتجارب الطبية أو العلمية”
الصمت التشريعي واضح بخصوص ماهية الجزاء مما يقودنا للتوسل للقواعد العامة المنظمة في القانون الجنائي طبعا بناءا على عنصر الخطأ كركن محدد للمسؤولية الجنائية للطبيب بناءا على الفصلين 432 و 433. هذا بعد ثبوت المنسوب للشخص المعنوي –ادارة السجون- وثكنة –أطباء التجارب- على المتعتقلين.
المادة 133: “لا يمكن التبرع بالدم من طرف المعتقلين المتطوعين إلا داخل المؤسسة السجنية وبعد موافقة مدير إدارة السجون”
إن اشتراط المشرع أن يتم التبرع بالدم داخل المؤسسة السجنية وليس خارجها يبين النية المبيتة لواضعي التشريع السجني، فالتبرع خارج أسوار المؤسسة لدى مختبر متخصص عام أو خاص قد يسبب مجموعة من الاستشكالات، ففرضا أنه تبين أن النزيل مصاب بمرض وبائي معدي أو خطير فلا محال المسؤولية الجنائية لن تطال الطبيب فقط بل ستلحق المرفق العمومي في حالة استفحال الوباء داخل سرية الاعتقال السجني. وبالتالي فإنه تفاديا لإثارة زوبعة من النقد من الرأي العام الوطني والدولي عمد المشرع إلى إحاطة هذه العملية الانسانية بسياج استتباب الأمن بسبب احتياطات الأمن والاستقرار.
المادة 134: “يكون الطبيب الملف الطبي للمعتقلين ويدلي برأيه التقني من أجل تصنيفهم وتوزيعهم”.
ربما يعد هذا النص من حسنات هذا القانون، ولكن ما هو الضمان دون تعسف الطبيب تجاه النزلاء واستبزازهم لمآرب خفية، فلأكيد أن مثل هذا الفعل يشكل جريمة جنائية قد تدخل في نطاق رشوة الطبيب في ظل القواعد العامة دائما ولكن أين الإثبات؟ ومن الذي يكفله؟
المادة 135: “يمسك سجل خاص بمصحة تسجل به تعليمات الطبيب يجب التأشير على هذا السجل من طرف الأطباء والمفتشين أثناء قيامهم بتفقد المؤسسة، يقوم المساعدون الطبيون تحت مراقبة الطبيب باعطاء العلاجات الموصوفة من طرفه”.
فالشرح المبهم لقانون المشرع المفحم، يستشري هذه المرة تأكيد على تأكيد أي تأشير الطبيب المفتش على السجل الممسك من طبيب السجن في العلاج، فحتى نقف موقف حياد تجاه الأطباء العاملين بالقطاع السجني نقول بأن المادة 135 تعد ضمانة حقيقية للسجناء عن طريق المفتشيات الطبية، ولعل السياسة الجنائية للمشرع في هذه النقطة وإن كانت تستهدف بالدرجة الأولى حماية السجين وإعادة تأهيله تحت ضغط الإتفاقيات والعهود الدولية، فإن المسؤولية الجنائية لا يمكن أن يثيرها إلا أطباء تجاة زملاء المهنة، فهل يعقل أن يساءل طبيب طبيب زميل ويزج به في متاهة التحقيق؟!.
الفرع الثالث:
الاستشفاء
المادة 136: “يجب أن يودع المعتقلون بأقرب مستشفى كلما ارتأى طبيب المؤسسة أن العلاجات الضرورية لا يمكن اعطاؤها بعين المكان، أو في حالة إصابتهم بأمراض وبائية.
يتعين على الطبيب رئيس المصلحة، تحت مسؤوليته، أن يفحص المعتقل من أجل التأكد من ضرورة بقائه بالمستشفى. ويصدر أمرا بإرجاعه إلى السجن في أي وقت تبين فيه أن المعتقل يمكن معالجته داخل السجن.
لا يمكن إيداع المعتقلين بمصحات خصوصية ولو على نفقتهم إلا بموافقة وزير العدل. تسري نفس المقتضيات المنصوص عليها في الفقرة الثانية أعلاه على الطبيب مدير المصحة الخصوصية.
المادة 137: “لا يتم الاستشفاء، إلا بناء على تعليمات طبية، وتشعر بذلك إدارة السجون، قبل نقل المعتقل المريض. وإذا تعلق الأمر بمعتقل احتياطي، تعين كذلك إشعار السلطة القضائية المختصة.
في حالة الاستعجال، يتم الإشعار بعد إنجاز الاستشفاء.
يجب على مدير المؤسسة، إعطاء المعلومات الكافية للسلطة المعنية، قصد تمكينها من اتخاذ الاجراءات اللازمة لخفر وحراسة المعتقل نزيل المستشفى، بواسطة مصالح المستشفى أو الدرك، وبصفة عامة، من تحديد التدابير الكفيلة بمنع أي حادث، مع أخذ شخصية المعتقل بعين الاعتبار.
يعتبر المعتقلون المودعون بالمستشفى مواصلين لتنفيذ عقوبتهم أو اعتقالهم الاحتياطي، ويطبق في حقهم في هذه الحالة نظام الاعتقال بالمؤسسات السجنية.
ترفع حالة الاعتقال، إذا انتهت مدة العقوبة أثناء استشفاء المعتقل”.
فحتى الاستشفاء خارج السجن يبقى رهين برأي طبيب السجن، فقد يتعسف هذا الأخير في المبادرة المستعجلة لنزيل محدد فتنعدم معه ضمانة الحياة، فيبقى عبء الإثبات مجردا من فاعليته ما لم يتحرى ذلك وبنزاهة مفتشي السجون –الأطباء- لإثارة المسؤولية الجنائية لزميل المهنة، لدلك نرى أنه يتوجب مباشرة بعد أي وفاة أو عاهة خطيرة تنسب أو يشك أن لطبيب السجن علاقة بها أن تتخذ النيابة العامة الإجراءات الكفيلة عبر اعتماد خبرة قضائية خارجية لإثارة والكشف عن أي تستر مهني.
عموما يبقى ولو –القانون المنظم للسجون- في نصوصه الشكلية قانونا بامتياز لأنه فعلا تضمن جرأة وضمانة حقيقية لإثارة المسؤولية الطبية بوجه عام والجنائية بوجه خاص، لكن ماهي الوسيلة القانونية الجريئة لتفعيل ذلك وما هي ضمانات الإثبات؟
المطلب الثالث: حالة الإعفاء من المسؤولية الجنائية للطبيب
إن مسؤولية الطبيب تقوم في حالة ارتكابه لأخطاء أو جرائم طبية، وهذه المسؤولية لا تنتفي إلا في حالة تواجد اسباب خارجة عن إرادته. وعليه سنتعرض للإعفاء المرتبط بالعامل الأجنبي -حالة الضرورة والقوة القاهرة- وخطأ المريض في (الفقرة الأولى) ثم لاإعفاء المرتبط بإباحة العمل الطبي(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الاعفاء المرتبط بالعامل الأجنبي وخطأ المريض
العامل الأجنبي لا يخرج عن نطاق حالة الضرورة والقوة القاهرة. ويقصد بالقوة القاهرة، تلك القوة التي لا تنتج إلا عن حادث مستقل عن الإرادة التي لا تستطيع توقعها إو مناداتها ، وعادة يكون مصدرها قوة خارجية كما لو وقعت هزة أرضية أودت بحياة المريض بعد سقوطه من سرير الانعاش مباشرة بعد اجراء العملية الجراحية، فالطبيب في هذه الحالة لا يمكن مساءلته على أساس الإهمال وإنما يعتبر بريئا مادامت هذه القوة هي التي تسبب بشكل مباشر في وفاة المريض .
ويقصد بالحادث المفاجئ أو الطارئ، ذلك الحادث الذي يعزى للمصادفة البحثة، بحث لا يمكن توقعه أو دفعه ، ومثال ذلك إذا كان الطبيب بصدد إجراء العملية الجراحية لمريض فحصلت وفاته بسبب سكتة قلبية مثلا .
وفي حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء نص: ” إن مسؤولية الطبيب… تنعقد بمجرد اثبات الضرر الحاصل للمريض، وقيام علاقة سببية بين الضرر والتدخل الطبي، ولا يستطيع الطبيب درئ تلك المسؤولية إلا باثبات أن الضرر الذي لحق المريض يرجع الى قوة قاهرة أو خطأ المريض أو فعل الغير، وبعبارة أن يقيم الدليل على انعدام الرابطة السببية بين فعله والضرر الحاصل، أو اثبات قيام حالة الضرورة التي من شانها أن تنفي عنه وصف الاهمال” .
ففي هذه الحلات لا تقوم مسؤولية الطبيب كما يعفى أيضا من المتابعة الجنائية اذا كان الاهمال الواقع من المريض في تعاطي العلاج ترتب هنه مضاعفات له . والأمر ذلك متروك للسلطة القضائية مادام الرأي الغالب في الفقه والقضاء المعاصرين يذهب إلى اعتبار حالات الضرورة واحدا من اسباب انتفاء ركن الخطأ ولو بصورة نسبية حسب اجتهاد القضاء .
الفقرة الثانية: امتناع مسؤولية الطبيب بإباحة العمل الطبي الجنائي
تعد أعمال الطبيب أعمالا مباحة ما دامت في نطاق القانون وتستمد شرعيتها من نصوص المهن الطبية والتشريع الجنائي طبقا للفصلين 124 و 125. ومن هنا نقول أن اعفاء الطبيب على ما هو قانوني مرجعه هو المشرع نفسه، أي أن المشرع هو الذي أذن للأطباء بمباشرة العمل الطبي .
ناهيك عن الظروف الواقعية والمهنية واعتبارات المشرع في مسؤولية الطبيب الجنائية لظروف العمل الشخصية والموضوعية، مع الإعتداد برضى المريض وقيام الطبيب بالالتزامات الطبية التي أوجبها القانون قبل مباشرة عمله الطبي.
فالطبيب لا يسأل عن إفشائه السر المهني لحماية المصلحة العامة أو في إطار انتداب قضائي. كما لا يساءل في عمليات الاجهاض العلاجي أو تلبية لنداء استغاثة فردية، أو بناء على أمر صادر من السلطة العامة
خاتمة:
لا يسعنا في نهاية قسم هذه الدراسة المتواضعة إلا أن نؤكد أن مسؤولية الأطباء جنائيا عن أخطائهم المهنية،باتت تفرض نفسها أكثر من أي وقت مضى،وأضحت قضايا هذه المسؤولية بالذات تحتل نسبة لا يستهان بها ضمن مجموع القضايا الرائجة أمام المحاكم ببلادنا. بالنظر إلى تفاقم الأخطاء الطبية الجراحية في السنوات الأخيرة من جهة،وتنامي الحس الحقوقي وثقافة حقوق الإنسان- بما في ذلك حقوق المرضى- من جهة أخرى…
كم نسعى من خلال هذه الدراسة أن نساهم ولو بنصيب، في تفعيل نوع من الخطاب التوافقي من أجل التأسيس لترسانة تشريعية، تلائم بين معادلة حماية المريض وتحقيق مصلحة الطبيب.
لذلك سنعمد إلى بسط بعض الاقتراحات والتوصيات، وكلنا أمل أن تثير نوعا من الرذع والخوف من المساءلة، وعسى أن تنمي ثقافة الإحساس بالمسؤولية والمهنية. وهي ما سنورده كالآتي:
– أولا،يتعين إفراد نصوص جنائية خاصة بالمسؤولية الجنائية للأطباء بالنظر إلى تطور وتنامي هده المسؤولية، بموازاة مع تصاعد وثيرة الأخطاء الطبية.فلم تعدو الحالة هذه -القواعد والنصوص الجنائية العامة- بقوالبها الجامدة منسجمة مع واقع هذه المسؤولية ومواكبة لمستجداتها.
– ثانيا، يجب تدارك بعض الهفوات والنواقص التشريعية ذات الدلالات الغامضة في النصوص القانونية للقوانين الطبية، والتي تخاطب بالأساس فئة الأطباء المجردة من الجزاء القانوني عن المخالفات المهنية، كما ينبغي أن تحث لغة القانون على الإمتثال للقواعد القانونية، والالتزامات الملقاة على عاتق الأطباء قبل وأثناء وبعد العمل الطبي تجاه المرضى .
– ثالثا، يجب تعديل القانون 10/94 المنظم لمزاولة المهن الطبية بأجرأة مجموعة من القواعد الزجرية، حتى لا يفهم بأن القانون يقتصر على ما هو تأديبي، دون أن يرقى إلى المساءلة الجنائية.
– رابعا، يجب ويتعين على المشرع أن يؤسس قانونا طبيا ينظم القطاع الخاص ويضبط العلاقة بين المزاولين للمهن الطبية وبين المرافق الصحية، خاصة ما يتعلق بالقانون الداخلي لهاته المؤسسات، والتي –حسب علمنا- لم نتوفق في التوفر على هذا القانون الداخلي إن وجد، ولكن على أن يتضمن مفاهيم ومصطلحات صريحة، لا تفتح باب التأويل للتملص من المسؤولية الجنائية على شاكلة القانون الداخلي للمستشفيات في القطاع العام كما بينا في سابق هذه الدراسة.
خامسا، يجب سن قانون أو منشور يلزم بدقة الأطباء، والمستشفيات، والمصحات، والمراكز الاستشفائية، والعيادات، بضبط الملف الصحي للطبيب، وتسليمه له شخصيا. وتخطي عقبة التعتيم الاداري عن الامتناع بتسليم هذا الأخير والدفع بالسر المهني.
سادسا، يتعين أيضا تحديد مدونة قانونية مفصلة، تحدد نظام قانوني خاص ينظم عمل الطب الشعبي والعمل الطبي للقابلات، فهاته الأخيرة لا ينحصر نطاق عملها في العالم القروي فحسب بل الظاهرة عامة وتطال المجال الحضري.
سابعا، يتوجب أيضا ترنح المشرع وتغاضيه عن أزمة النصوص القانونية، واستصدار مدونة طبية جامعة لمختلف القوانين الطبية المشتتة بين القواعد القانونية والقوانين الخاصة، تتوافق والتعديل الدستوري الأخير لفاتح يوليوز 2011 بما يحقق مكسبا للسلامة الجسدية كما هي مقررة بنص الدستور، وحتى لا يتيه القاضي الزجري في البحث عن النصوص المجرمة للفعل الطبي بين هذا وذاك.
ثامنا، أصبح لزاما أيضا اعتناء المشرع بميدان الخبرة القضائية واستنهاض الهمم التشريعية، والفقهية،، والقضائية الرسمية وغير الرسمية، والمجتمع المدني، للإحاطة والتدارس حول السبل الأنجع لمحاربة ظاهرة التضامن المهني بين الأطباء، بشكل جلي وواضح يخاطب الخبراء القضائيين بالعقوبة الزجرية، وذلك من خلال إحداث خلية مستقلة على صعيد الجهات للتفتيش المفاجئ لتقارير الخبراء طبعا مع تخويل حق النقض أمام أعلى هيئة للأطباء بالمركز.
ثاسعا، المشرع ملزم بتنظيم بعض القوانين الطبية ذات الطبيعة التقنية في العلوم الحديثة كالتجارب البيو طبية، الإنجاب الصناعي، الاستنساخ البشري…حتى لا يظل في منأى عن مسايرة الركب الدولي والأممي في المجال الطبي، وحتى لا يقف القضاء عاجزا عن مساءلة الجاني –الطبيب- عن كل فعل أو امتناع في هذا الباب، ووسيلته غياب النص المجرم “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص”.
وفي الأخير، لا يسعنا إلا أن نستعير الخطاب الذي وجهته الدكتورة رجاء ناجي للمشرع بقولها:
“المشرع لم يعد مطالبا بأن يصنع نصوص القانون وهو تحت القبة التي تأويه، وإنما عليه أن يكتسب لغة حوار جديدة تمكنه من فهم ما يجري على ساحة الواقع، حتى تنهض النصوص أقرب ما تكون من انشغالات المواطن، وأكثر ما تكون إحاطة بما تفرزه العلوم البيو طبية” .
لائحة المراجع
الكتب العامة:
مأمون الكزبري ״ نظرية الإلتزامات في ضوء ق ل ع المغربي الجزء الثاني״ أوصاف الإلتزام وانتقاله وانقضاؤه״ بيرون 1970.
آمال عثمان: “شرح قانون العقوبات”. القسم الخاص، 1974 بدون ذكر المطبعة.
أبو المعاطي حافظ أبو الفتوح ״ شرح القانون الجنائي المغربي القسم العام״ مطبعة النجاح الجديدة الطبعة الأولى 1401- 1980 الدار البيضاء.
مأمون الكزبري ״ نظرية الإلتزامات في ضوء ق ل ع المغربي، الجزء الأول الطبعة الأولى״ بيروت 1982.
أبو المعاطي حافظ أبو الفتوح، ״شرح قانون المسطرة الجنائية״ مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى 1982 الدار البيضاء.
فريدة اليوموري ״ علاقة السببية في مجال المسؤولية التقصيرية بين رأي الفقه وموقف القضاء״ مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة 1430- 2009 الدار البيضاء.
الطاهر كركري ״ المسؤولية المدنية التقصيرية والعقدية״ مطبعة أنفوبرانت ، الطبعة الثانية ، فاس 2004.
عبد القادر العرعاري ״مصادر الإلتزامات الكتاب الأول نظرية العقد- دراسة على ضوء التعديلات الجديدة التي عرفها ق ل ع المغربي״ مطبعة الكرامة، الطبعة الثانية الرباط 2005.
عبد القادر العرعاري ״ مصادر الإلتزامات الكتاب الثاني المسؤولية المدنية״ مطبعة الكرامة، الطبعة الثانية الرباط 2005.
محمد بفقير ״ مجموعة القانون الجنائي والعمل القضائي المغربي״ منشورات سجلماسة العمل القضائي والقانون المغربيين العدد 4 الطبعة 1 2007.
محمد البوشواري ״ المسؤولية المدنية: العقدية، التقصيرية״ مطبعة أشرف تاسيلا الطبعة الأولى 2007 أكادير.
محمد البوشواري، “الوجيز في القانون الجنائي العام المغربي”مطبعة طوب بريس الرباط 2007.
محمد بنحساين، “شروح في القانون المتعلق بمدونة الشغل مدعمة بمختارات من عمل القضاء الإجتماعي”،مطبعة طوب بريس،الطبعة الثانية الرباط2007
عبد الواحد العلمي ״ شرح القانون الجنائي المغربي القسم العام: دراسة في المبادئ العامة التي تحكم الجريمة، المجرم والعقوبة والتدبير الوقائي״ الطبعة الثالثة 2009.
عبد الواحد العلمي ״ شرح القانون الجنائي المغربي القسم الخاص״ الطبعة الثانية 2009.
مصطفى الكيلة “التقدير القضائي للتعويض دراسة مقارنة في مجال المسؤولية المدنية” منشورات مجلة الحقوق المغربية :سلسلة دراسات قضائية العدد الاول نونبر 2008، الطبعة الأولى 2009.
إدريس الحياني، ״ دروس مختصرة في القانون الجنائي الخاص المغربي״ الطبعة الثانية 2009- 2010.
محمد أحداف، “علم الإجرام: النظريات العلمية والسلوك الإجرامي” مطبعة سجلماسة مكناس2009- 2010
محمد أحداف،”شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد”مطبعة سجلماسة،الطبعة الثانية الجزء اللأول،مكناس2010-2011
محمد أحداف،،” شرح المسطرة الجنائية:مسطرة التحقيق الإعدادي””مطبعة سجلماسة، الطبعة الثانية الجزءالثاني،مكناس2010-2011
نور الدين العمراني ״ شرح القسم الخاص من القانون الجنائي المغربي״ مطبعة سجلماسة مكناس 2010- 2011.
امنة سميع، “محاضرات في علم الإجرام”״ مطبعة سجلماسة مكناس، 2010-2011.
نور الدين العمراني/المعزوز البكاي ״ مدخل لدراسة القانون الخاص״ مطبعة سجلماسة الطبعة الثانية 2010-2011.
نور الدين العمراني ״ شرح القسم العام من القانون الجنائي المغربي״ مطبعة سجلماسة، الطبعة الثالثة 2011 مكناس.
المختار بن أحمد عطار ״ النظرية العامة للإلتزامات في ضوء القانون المغربي״ مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى 2011 الدار البيضاء.
محمد أوغريس، “جرائم المخدرات في التشريع المغربي”، دراسة مدعمة بأحدث قرارات المجلس الأعلى، سلسلة الدراسات القانونية، مطبعة دار القرويين بالدار البيضاء، الطبعة الخامسة، مارس 2011.
فريدة المحمودي،”محاضرات في قانون الإلتزامات والعقود” مطبعة سجلماسة، مكناس2011-2012″
نور الدين العمراني،”شرح القسم العام من القانون الجنائي المغربي” مطبعة سجلماسة مكناس2012.
الكتب الخاصة:
– أدولف رييوليت ״ الخبرة في ميدان الطب الشرعي״ مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء 1988.
– أحمد ادريوش، ״ مسؤولية الأطباء المدنية بالمغرب: محاولة وتأصيل فقه القضاء واجتهاد الفقه״ مطبعة الأمنية 1989.
– أسامة عبد الله قايد،” المسؤولية الجنائية للأطباء دراسة مقارنة”دار النهضة العربية،الطبعة الثانية القاهرة 1990.
– وفاء حلمي أبو جميل،”الخطأ الطبي دراسة تحليلية فقهية وقضائية في كل من مصر وفرنسا” دار النهضة العربية، مطبعة الفتح التجارية1991.
– محمد الإدريسي العلوي المشيشي: ” المسطرة الجنائية، الجزء الأول، المؤسسات القضائية”. ط: 1. 1991.
– أحمد ادريوش ״ اتجاه القضاء المغربي في موضوع المسؤولية الطبية״ سلسلة المعرفة القانونية الطبعة الأولى 1995 مطبعة الأمنية الرباط.
– رأفت محمد أحمد حماد،”أحكام العمليات الجراحية دراسة مقارنة بين القانون المدني والفقه الإسلامي”دار النهضة العربية القاهرة 1996
– محمد عبد الوهاب الخولي ״ المسؤولية الجنائية للأطباء عن استخدام الأساليب المستخدمة في الطب والجراحة: دراسة مقارنة ﴿التلقيح الصناعي- طفل الأنابيب- نقل الأعضاء﴾ الطبعة الأولى 1997 بدون ذكر المطبعة.
– موفق علي عبيد ״ المسؤولية الجزائية للأطباء عن إفشاء السر المهني״ مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1998 عمان الأردن.
– أحمد ادريوش ״ مسؤولية مرافق الصحة العمومية״ الكتاب السابع، الطبعة الأولى، مطبعة البوكيلي القنيطرة 1999.
– رضا عبد الحليم عبد المجيد ״ المسؤولية القانونية عن النفايات الطبية دراسة مقارنة بالقانون الفرنسي״ درا النهضة العربية 1999 القاهرة.
– أسامة إبراهيم علي التايه ״ مسؤولية الطبيب الجنائية في الشريعة الإسلامية״ دار البيارق للنشر والتوزيع الطبعة الأولى عمان الأردن 1999.
– هدى سالم محمد الأطرقجي، ״ مسؤولية مساعدي الطبيب الجزائية، دراسة مقارنة״ الدار العلمية الدولية العلمية ودار الثقافة للتوزيع والنشر عمان- الأردن الطبعة الأولى 2001.
– حسني عودة زعال ״ التصرف غير المشروع بالأعضاء البشرية في القانون الجنائي״ الدار العلمية الدولية ودار الثقافة للنشر والتوزيع الطبعة الأولى 2001 عمان الأردن.
– طارق سرور ״ نقل الأعضاء البشرية بين الأحياء دراسة مقارنة״ دار النهضة العربية الطبعة الأولى القاهرة 2001.
– شريف الطباخ ״ جرائم الخطأ الطبي والتعويض عنها في ضوء الفقه والقضاء״ دار الفكر الجامعي، مطبعة شركة الجلال للطباعة الطبعة الأولى 2003 الإسكندرية.
– محمود القبلاوي، ״ المسؤولية الجنائية للطبيب״ دار الفكر الجامعي الإسكندرية 2004.
– حسن محمد ربيع ״ المسؤولية الجنائية في مهنة التوليد دراسة مقارنة״ دار النهضة العربية القاهرة بدون ذكر الطبعة والسنة.
– محمد عبد النباوي ״ المسؤولية المدنية لأطباء القطاع الخاص” رسالة لاستكمال دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، طبعة يناير 2005.
– غوتي محمد الأغظف، “مدونة الأدوية والصيدلة:مقاربة قانونية نظرية وتطبيقية مرفقة بأحدث الوثائق والأحكام القضائية”، زالطبعة الأولى2007،بدون ذكر المطبعة.
– محمد الكشبور، “البنوة والنسب في مدونة الأسرة، قراءة في المستجدات البيولوجية- دراسة قانونية وشرعية مقارنة”، سلسلة الدراسات القانونية المعاصرة 14، مطبعة النجاح الجديدة- الدار البيضاء، 2007
– منير رياض حنا، ״ الخطأ الطبي الجراحي في الشريعة الإسلامية والقوانين العربية والأوربية والأمريكية״ دار الفكر الجامعي الطبعة الأولى الإسكندرية 2008.
– أمير فرج يوسف،”خطأ الطبيب من الناحية المدنية والجنائية معلقا عليه بالمستجد والمستحدث من اراء الفقهاء وأحكام محكمة النقض المدنية والجنائية ملحقا به كافة التشريعات الطبية وتعديلاتها الأخيرة”،المكتب الجامعي الحديث2008
– أحمد أدريوش، ״ العقد الطبي: تأملات حول المشاكل القانونية التي تثيرها العلاقة بين الطبيب وزبونه״ مطبعة الأمنية الطبعة الأولى الرباط 2009
– عادل عبد الحميد الفجال،”أحكام التصرف في الدم البشري واثاره في القانون المدني والفقه الإسلامي:دراسة مقارنة”مطبعة شركة الجلال للطباعة،منشورات منشأة المعارف الإسكندرية،الطبعة الأولى2009
– محمد محمد أحمد سويلم،”مسؤولية الطبيب والجراح وأسباب الإعفاء منها في القانون المدني والفقه الإسلامي:دراسة مقارنة”،مطبعة القدس، منشورات منشأة المعارف الإسكندرية، الطبعة الأولى2009
– منير رياض حنا، “النظرية العامة للمسؤولية الطبية في التشريعات المدنية ودعوى التعويض الناشئة عنها”،دار الفكر الجامعي الإسكندرية2011
– خالد مصطفى فهمي،”النظام القانوني لزرع الأعضاء البشرية ومكافحة جرائم الإتجار بالأعضاء البشرية في ضوء القانون لسنة2010 والإتفاقيات الدولية والتشريعات العربية دراسة مقارنة”، دار الفكر الجامعي الطبعة الأولى الإسكندرية 2012.
– عامر أحمد القيسي ״ مشكلات المسؤولية الطبية المترتبة عن التلقيح الصناعي: دراسة مقارنة بين القانون الوضعي والفقه الإسلامي״ الدار العلمية الدولية للنشر والتوزيع عمان، بدون ذكر الطبعة.
الأطروحات والرسائل والبحوث الجامعية
1- الأطروحـــات:
– رجاء ناجي ״ نقل وزرع الأعضاء –دراسة مقارنة״ أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط أكدال السنة الجامعية 1996- 1997.
– وفاء جوهر ״ تأصيل الخطأ الجنائي والخطأ المدني في التشريع المغربي دراسة مقارنة״ رسالة لنيل الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش السنة الجامعية 2000- 2001.
– البكاي المعزوز ״ تأمين المسؤولية المدنية في حوادث السير بين السقوط وعدم الضمان״ أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة السنة الجامعية 2001- 2002.
– وفاء الصالحي،”مركز الخطأ بين المسؤوليتين العقدية والتقصيرية:دراسة مقارنة”״ أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص وحدة القانون المدني، جامعة الحسن الثاني:عين الشق،كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الدار البيضاء ،2001-2002
– سميرة كميلي،”القانون الجنائي للشغل” أطروحة لنيل دكتوراه في الحقوق شعبة القانون الخاص في اطار وحدة التكوين والبحث قانون الأعمال،جامعة الحسن الثاني:عين الشق،كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الدار البيضاء ،2001-2002
– صباح بنقدور، ״ الخيار بين المسؤوليتين العقدية والتقصيرية –دراسة مقارنة-״ أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، جامعة الحسن الثاني عين الشق كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الدار البيضاء السنة الجامعية 2003- 2004.
– نور الدين العمراني ״ التجارب البيوطبية على الإنسان: مقاربة قانونية تطبيقية في ضوء القانون المغربي والمقارن״ أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس أكدال كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط السنة الجامعية 2004-2005.
– أمينة عتيوي ״ شرعية تنفيذ الجزاء الجنائي״ أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش السنة الجامعية 2004- 2005.
– عبد الجليل اليزيدي ״ تأصيل الخطأ في المسؤولية المهنية بين النظر الفقهي والنص القانوني״ أطروحة لنيل دكتوراه في الحقوق، جامعة القاضي عياض كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش السنة الجامعية 2005-2006.
– أنوار يولافو، ״ مسؤولية الصيدلي المدنية عن أخطائه المهنية دراسة مقارنة״ أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق جامعة الحسن الثاني- عين الشق كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الدار البيضاء السنة الجامعية 2008- 2009.
– العربي جنان ״ الأنظمة المعلوماتية والأنترنيت بين التنظيم القانوني وأحكام المسؤولية: النظرية والتأصيل״ أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، جامعة القاضي عياض كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش السنة الجامعية 2009- 2010.
– حفيظة توتة ״ دور النيابة العامة في المجال الأسري״ أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش، السنة الجامعية 2009- 2010.
2- الرسائـــل:
– أحمد ادريوش ״ مسؤولية الأطباء المدنية بالمغرب״ جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط السنة الجامعية 1983- 1984.
– أحمد أطرطور، “الضمان والمسؤولية دراسة مقارنة”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط، السنة الجامعية 1988 – 1989.
– مينة بنمبارك، “الجريمة ما وراء العمدية دراسة مقارنة”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط، السنة الجامعية 1992 – 1993.
– نور الدين العمراني ״ مسؤولية الطبيب الجراح الجنائية بالمغرب״ رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط السنة الجامعية 1993- 1994.
– عبد الغني الكلخة ” التزام الطبيب بالحفاظ على السر المهني” بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون المدني، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط –أكدال- السنة الجامعية 1999.
– عادل العشابي ״ الشهادة الطبية في القانون المغربي״ رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون المدني، جامعة محمد الخامس أكدال، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط السنة الجامعية 2001- 2002.
– بوجمعة زفو ” حماية المستهلك في العقد الطبي” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، جامعة محمد الأول كلية العلوم القانونية والاقتصادية وجدة ، السنة الجامعية 2005-2004.
– محمد الزهري”حق الطفل في الهوية:الحالة المدنية نمودجا” بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ظهر المهراز- فاس السنة الجامعية 2005- 2006م.
– أسماء بندوزو “التبرع بالأعضاء البشرية” رسالة لاستكمال دبلوم الدراسات العليا المعمقة جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط –أكدال- السنة الجامعية2006-2007.
– مولاي إسماعيل أحتيتيش” المسؤولية عن فعل الغير في القانون الطبي” بحث تأهيلي لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط -أكدال -السنة الجامعية2006-2007.
– محمد أمين المحجوبي ” عبء اثبات الخطأ الطبي” بحث في إطار الدراسات العليا المعمقة جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط –أكدال- السنة الجامعية 2006-2007.
– سهام صبري ״ المسؤولية الجنائية للأطباء״ رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة محمد الأول كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة السنة الجامعية 2006- 2007.
– محمد الهراق ״ المسؤولية الجنائية للطبيب بالمغرب״ بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة سيدي محمد بن عبد الله كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية فاس السنة الجامعية 1428- 1429هـ/2007- 2008م.
– نزهة مويم، “أثر الخطأ على درجة المسؤولية المدنية” رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طنجة، 2007-2008.
– سلوى الحشادي،”المسؤولية عن الفعل التعاقدي” بحث تكتمل به الوحدات الواجب استيفاؤها لنيل دبلوم الماستر في الدراسة الميتودولوجية لقانون الإلتزام التعاقدي والعقار،جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية فاس السنة الجامعية 2007- 2008م
– عبد الصمد عدنان، “مدى حجية وسائل التقدم العلمية في الإثبات الجنائي:الطب الشرعي نموذجا” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية، طنجة.السنة الجامعية 2007-2008.
– محمود صادق فايز الاسعد ” المسؤولية الجنائية عن الخطأ الطبي دراسة مقارنة” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية، طنجة.السنة الجامعية 2007-2008.
– الحسين الزباح” أخلاقيات الطب وعلم الوراثة وأثرها في ضبط قوانين الاسرة”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية، طنجة. السنة الجامعية 2007-2008.
– جميلة بونيت ״ مسؤولية الدولة عن الخطأ الطبي في ضوء الاجتهاد القضائي المغربي״ بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المتخصصة، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي الرباط السنة الجامعية 2008- 2009.
– عبد الصمد بوشريط،”دور طب الشغل في حفظ صحة وسلامة الأجراء داخل المقاولة”تقرير لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة ،جامعة الحسن الثاني: عين الشق- كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الدار البيضاء 2008- 2009
– محمد حمدان ״ المسؤولية الجنائية للطبيب في القانون المغربي دراسة مقارنة״ رسالة لنيل دبلوم الماستر في العلوم الجنائية، جامعة القاضي عياض كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش السنة الجامعية 2008- 2009.
– إكرام الدكي ״ المسؤولية الجنائية للطبيب في القانون المغربي دراسة مقارنة״ جامعة محمد الأول كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة السنة الجامعية 2009- 2010.
– الحسين العبوري “أثار الجهل والغلط على المسؤولية الجنائية” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص،جامعة عبد المالك السعدي كلية العلوم القانونية والاقتصادية، طنجة.السنة الجامعية 2009-2010.
– خدوج بلخالة،”طب الشغل تنظيما ووظيفة” رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص،وحدة:قانون الأعمال والمقاولات، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقصادية والاجتماعية السويسي الرباط أكتوبر2010
– بريان المولود ״ طبيب الشغل مهامه وحمايته״ رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص، جامعة مولاي إسماعيل كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مكناس، السنة الجامعية 2010- 2011.
– نعيمة حباش،”دور الطب الشرعي في تطوير العدالة الجنائية” رسالة لنيل شهادة الماستر في قانون المنازعات ،جامعة المولى اسماعيل ،كلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية مكناس،2010-2011
– عبد السلام النغموش ״ الحماية الجنائية للجنين في القانون المغربي״ رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة المولى إسماعيل كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مكناس السنة الجامعية 2010- 2011.
– عمرو بومزوغ،”قضايا وزارة الصحة أمام المحاكم المغربية” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا للجامعة في المهن القضائية والقانونية، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي الرباط ، السنة الجامعية 2010- 2011.
– بوبكري محمادين ״ خصوصيات الخطأ في المجال الطبي״ رسالة لنيل شهادة الماستر جامعة المولى إسماعيل كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مكناس السنة الجامعية 2011- 2012
– نور الدين بلخيري،”مرض الأجير” رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة المولى إسماعيل كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مكناس السنة الجامعية 2011- 2012
البحــوث:
– عبد الباسط عزاوي / أسامة عبد الرحمن ״ مسؤولية الأطباء المدنية والجنائية وفقا للتشريع المغربي، جامعة محمد الأول كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة السنة الجامعية 2002- 2003.
– كريمة بن خليفة / حفيظة بوفتيشة ״ الخطأ الطبي لأطباء القطاع الخاص״ بحث لنيل الإجازة في القانون الخاص جامعة سيدي محمد بن عبد الله الكلية المتعددة التخصصات تازة، السنة الجامعية 1426- 1427/2005- 2006م.
– حسن سلام / عبد الله الثلثاوي ״ المسؤولية الجنائية لأطباء القطاع العام״ بحث لنيل الإجازة في القانون الخاص، جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس الموسم الجامعي 1427/1428هـ/2006- 2007 م.
– محمد العلاوي״ المسؤولية المدنية والجنائية للأطباء في التشريع المغربي والمقارن״ ״ بحث لنيل الإجازة في القانون الخاص، جامعة المولى إسماعيل، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مكناس 2006-2007
– هدى بوليدام / حنان العسري ״ زراعة الأعضاء البشرية بين الأحياء والأموات״، ״ بحث لنيل الإجازة في القانون الخاص، جامعة ابن زهر كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكادير السنة الجامعية 2009- 2010.
– يوسف أديب/عبد اللطيف عمارة/ليلى الخشالي/عزيز أباكريم،” وسائل إثبات النسب ونفيه بين الشريعة والقانون المغربي:دراسة للبصمة الوراثية كمستجد بيولوجي علمي ينازع اللعان كلازمة شرعية في مجال النسب” ״ بحث لنيل الإجازة في القانون الخاص، جامعة ابن زهر كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكادير السنة الجامعية 2009- 2010.
المجلات و المقـــالات:
– محمد سلام ״ دعوى المسؤولية عن حراسة الأشياء״ مجلة المحاكم المغربية عدد 90 شتنبر – أكتوبر 2001.
– نادية الرامي ״ المسؤولية الطبية في المغرب״ مجلة رسالة المحاماة العدد 20 يوليوز 2003.
– رشيد تاشفين ״ المسؤولية الجنائية للطبيب على ضوء القوانين الجديدة المتعلقة بالطب والأعمال الطبية״ مجلة الدفاع العدد الرابع شتنبر 2005.
– نور الدين العمراني ” قراءة وتعليق على القانون رقم 16-98 المتعلق بنقل وزرع الاعضاء والأنسجة البشرية”، المجلة المغربية للأنظمة القانونية والسياسية العدد 6 دجنبر 2005.
– نور الدين العمراني ״ تقنيات الإنجاب الصناعي بالمغرب بين الممارسة الطبية وغياب الضوابط القانونية״ المجلة المغربية للأنظمة القانونية والسياسية العدد الخامس السنة الرابعة يناير 2005.
– عبد الكافي ورياشي ״ إرهاصات خبرة الطب الشرعي في الشريعة الإسلامية״ Remald المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية العدد 74 ماي- يونيو 2007.
– نور الدين العمراني ״ سياسة التجريم والعقاب في إطار المجموعة الجنائية: أية ملاءمة״ مجلة الملف العدد 15 نونبر 2009.
– إبراهيم كومغار ״ حماية البيئة بآليات الشرطة الإدارية״ Remald المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية العدد 26 ماي يونيو 2009.
– حكمت سوسو،”المسؤولية المدنية والجزائية للطبيب في التشريع السوري”مجلة المحاكم المغربية،عدد121 يوليوز-غشت2009
– سميرة أقرورو ״ الحماية الشرعية والتشريعية للأجنة البشرية وإشكالية حماية الأجنة المخصبة خارج الرحم ﴿دراسة مقارنة﴾ مجلة القصر العدد 25 يناير 2010.
– رشيد الزعيم ״ الخطأ الجسيم بين تعدد المفاهيم ووحدة المعايير״ مجلة القضاء المدني، مطبعة المعاريف الجديدة العدد 3 الرباط 2011.
– أحمد ادريوش ״ الخطأ الطبي والمسؤولية عرض الإشكالية والتقييم للقوانين الوطنية״ مجلة القضاء المدني العدد الرابع، السنة الثانية – صيف / خريف 2011.
– أحمد أجوييد ״ التلقيح الاصطناعي وإثبات النسب״ ، مجلة الدراسات العلمية في حقول المعرفة الحقوقية والاقتصادية والاجتماعية العدد 5 السنة 1411.
– نور الدين العمراني ״ العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة وتكريس أزمة السياسة العقابية بالمغرب״ مجلة الملف العدد 18/ أكتوبر 2011.
– عمرو بومزوغ،”الخبرة الطبية القضائية: أي أثر على القاضي المغربي؟ ” المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 101، نونبر- دجنبر 2011.
– ضياء علي أحمد نعمان،”إثبات الخطأ الطبي بين الواقع والقانون”״ المجلة المغربية للدراسات القانونية والقضائية Remald ،العدد8 يونيو 2012
– نادية النحلي،”المسؤولية الجنائية للطبيب في قانون ممارسة مهنة الطب بالمغرب ومونة الواجبات المهنية” المجلة المغربية للدراسات القانونية والقضائية Remald، ماي- يونيو 201
التقرير
” مسؤولية الطبيب” تقرير المؤتمر الوطني الطبي السابع للجمعية المغربية للعلوم الطبية 1989.
موقع الإلكترونية
موقع تخريج الأحاديث: “الدرر السنية- مرجع علمي موثق على منهج أهل السنة والجماعة”(. www.dorar.net
http://bayamealyaoume.press.ma/index.php?option=com
النصوص التشريعية
– ظهير شريف رقم 295- 58- 1 بتاريخ 21 شوال 1378 ﴿30 أبريل 1959﴾ بشأن الوقاية من الأمراض العقلية ومعالجتها وحماية المرضى المصابين بها ﴿الجريدة الرسمية عدد 2429 بتاريخ 7 ذي القعدة 1378 الموافق 15 ماي 1995﴾ ص. 1507.
– ظهير شريف رقم 252- 02- 1 الصادر في 25 رجب 1423 الموافق 3 أكتوبر 2002 بتنفيذ القانون رقم 12.01 المتعلق بالمختبرات الخاصة للتحاليل البيولوجية الطبية.-الجريدة الرسمية….
– الظهير الشريف رقم 123 – 96 – 1 صادر في 5 ربيع الآخر 1417 (21 أغسطس 1996) بتنفيذ القانون رقم 10.94 المتعلق بمزاولة الطب المنشور بالجريدة الرسمية عدد 4432 بتاريخ 21 نونبر 1996 و الذي غير ظهير 19 فبراير 1960 المتعلق بمزاولة مهنة الطب و الصيدلة و جراحة الأسنان و العقاقريين و القوابل.
– الظهير الشريف رقم 133 – 95- 1 صادر في 19 من صفر 1416 (18 يولوز 1995) بتنفيذ القانون رقم 03.94 المتعلق بالدم البشري و أخذخ و استخدامه ج – ر بتاريخ 23 أغسطس 1995.
– الظهير الشريف رقم 208 -99 – 1 صادر في 13 من جمادى الأولى 1420 (25 أغسطس 1999) بتنفيذ القانون رقم 16.98 المتعلق بالتبرع بالأعضاء و الأنسجة البشرية و أخذها و زرعها ج – ر عدد 4726 بتاريخ 16 شتنبر 1999 .
– ثم قانون السلوك الطبي (مدونة الواجبات المهنية للأطباء) الجريدة الرسمية رقم 121 بتاريخ 19 يونيو 1953 و التي صدرت بمقتضى قرار مقيمي بتاريخ 8 يونيو 1953.
– – ظهير شريف رقم 153-06-1 صادر من شوال 1427 (22 نوفمبر 2006) بتنفيذ القانون رقم 00-28 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5480-15 ذو القعدة 1427 (7 ديسمبر 2006) صحيفة 3747.
– ظهير شريف رقم 1.11.03 صادر في 14 من ربيع الأول 1432 (18 فبراير 2011) بتنفيذ القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك.
– مرسوم رقم 2824.01.2 صادر في 6 جمادى الأولى 1423 ﴿17 يوليوز 2002﴾ بتطبيق أحكام القانون رقم 45.00 المتعلق بالخبراء القضائيين ﴿الجريدة الرسمية عدد 5030 بتاريخ 6 جمادى الآخرة 1423/15 أغسطس 2002﴾ ص. 2334- 2335.
Ouvrages en langue francaise :
-les ouvrages spéciaux :
-annick dorsner-dolivet :la responsabilité du médecin
Jean – hené Binet, “cours droit medical”; Montchrestien, loxtento editions, 2010
Leila ben Sedrine Ech cherif El kettani, « La responsabilité pénale et desciplinaire du medecin au Maroc insuffisances et défaillances d’un système » , Revue Marocain d’administration lorale et de développement » , première édition 2006, collection manuels et travaux universitaires.
La thèse
leila ben sedrine echerif elkattani, « l’interruption valanntaire de grossese au maroc,non effeciente d’une loi »R.E.M.AL.D. N°104-mai juin 2012
الفهـرس
مقدمة………………………………………………………………………………………………………..1
الفصل الأول: الخطأ أساس المسؤولية الجنائية للأطباء………………………………………………….7
المبحث الأول: ماهية الخطأ الطبي، صوره ووسائل إثباته……………………………………………..11
المطلب الأول: ماهية الخطأ الطبي الجنائي………………………………………………………………12
الفقرة الأولى: مفهوم الخطأ الطبي ومعيار تقديره وصوره…………………………………………….12
أ – تعريف الخطأ الطبي……………………………………………………………………………………13
ب – معيار تقدير الخطأ الطبي…………………………………………………………………………….17
1 – المعيار الشخصي……………………………………………………………………………………..17
2 – المعيار الموضوعي…………………………………………………………………………………..18
3- المعيار الراجح…………………………………………………………………………………………19
الفقرة الثانية: صور الخطأ الطبي………………………………………………………………………..19
1 – عدم التبصر……………………………………………………………………………………………19
2-عدم الإحتياط…………………………………………………………………………………………….20
3-الإهمال وعدم الإنتباه……………………………………………………………………………………21
4- عدم مراعاة النظم والقوانين…………………………………………………………………………..22
المطلب الثاني: الصعوبات التي تكتنف إثبات الخطأ الطبي………………………………………………25
الفقرة الأولى: إثبات الخطأ الطبي والصعوبات الواردة عليه…………………………………………..26
ت- التزام الطبيب بالتبصير……………………………………………………………………..27
ث- التزام الطبيب بالحصول على رضى المريض………………………………………………33
ج) الإلتزام بالسلامة بين التدخل التشريعي وإقرار القضاء…………………………………….41
الفقرة الثانية : الصعوبات التي تكتنف إثبات الخطأ الطبي……………………………………..48
أ) تضامن أصحاب المهن الطبية…………………………………………………………………49
ب) هيمنة السرية على الأعمال الطبية الجراحية ………………………………………………55
ج) عدم مسك الملف الطبي الخاص بالمريض………………………………………………….60
المبحث الثاني : عنصري الضرر ( النتيجة الاجرامية) والعلاقة السببية في نطاق المسؤولية الجنائية للأطباء……………………………………………………………………………………………70
المطلب الأول : تحقق الضرر الطبي وثبوت العلاقة السببية في جريمة الخطأ الطبي…………72
الفقرة الاولى : صور الضرر الطبي وشروطه………………………………………………….73
أولا: صور الضرر الطبي……………………………………………………………………….73
ت- الضرر المادي………………………………………………………………….74
ث- الضرر الأدبي – المعنوي ……………………………………………………………….78
ثانيا : شروط الضرر الطبي وتقديره………………………………………………………….82
ت- أن يكون الضرر محققا وحالا………………………………………………………….82
ث- أن يكون الضرر شخصيا ومباشرا……………………………………………………83
ج- تقدير الضرر الطبي قضائيا……………………………………………………………88
الفقرة الثانية: العلاقة السببية بين الخطأ والضرر في المجال الطبي…………………………91
أولا: مفهوم ومعايير العلاقة السببية في الجريمة الطبية………………………………………92
ب- مفهوم العلاقة السببية…………………………………………………92
ب- معايير العلاقة السببية في الجريمة الطبية………………………………..92
4- اتجاه السببية الملائمة………………………………………………………….95
5- اتجاه السببية الملائمة أو السببية المنتجة…………………………………….96
6- اتجاه تعادل أو تكافئ الأسباب………………………………………………….97
ج- خصائص العلاقة السببية حسب التشريع والقضاء الجنائي……………….98
3- ضرورة أن تكون علاقة السببية مباشرة………………………………………98
4- وجوب أن تكون العلاقة السببية ثابتة………………………………………..104
المطلب الثاني: دور الخبرة في المسؤولية الجنائية للطبيب………………………………….107
الفقرة الأولى: علاقة الطبيب بالقاضي أو السلطة المكلفة بالتحقيق…………………………107
الفقرة الثانية: آثار الخبرة وحجيتها في المسؤولية الطبية…………………………………..108
المطلب الثالث: آثار المسؤولية الطبية الجنائية على الطبيب…………………………………110
الفقرة الأولى: مسؤولية الطبيب عن الفعل الشخصي في الجريمة الطبية الجنائية………….111
أولا: طبيعة مسؤولية الطبيب الشخصية………………………………………………………111
ثانيا: الإثبات في دعوى المسؤولية عن العمل الشخصي الطبي…………………………….115
3- الطريقة القانونية………………………………………………………………………116
4- الطريقة الوجدانية……………………………………………………………………..117
الفقرة الثانية: مسؤولية الطبيب عن فعل الغير في الجريمة الطبية الجنائية…………………………120
أولا: مسؤولية الطبيب عن أخطاء الفريق الطبي……………………………………………..122
ثانيا: مسؤولية الطبيب عن أخطاء متعهدي جمع القمامة والنفايات الطبية…………………127
ثالثا: دور التأمين الطبي في إقرار الحماية القانونية للمرضى……………………………133
الفصل الثاني: نطاق المسؤولية الجنائية للأطباء في ضوء العمل القضائي………….138
المبحث الأول : التطبيقات القضائية للمسؤولية الجنائية للطبيب الناشئة عن خطأ غير عمدي…………………………………………………………………………………………………140
المطلب الأول: التطبيقات القضائية لصور الخطأ الطبي الواردة في القانون الجنائي المغربي…………………………………………………………………………………………………141
الفقرة الأولى: عدم التبصر وعدم الإحتياط…………………………………………………..141
1-عدم التبصر…………………………………………………………………………………..141
2 – عدم الإحتياط……………………………………………………………………………….146
الفقرة الثانية: الإهمال وعدم مراعاة النظم و القوانين………………………………………149
1 – الإهمال و عدم الإنتباه……………………………………………………………………..149
2 – عدم مراعاة النظم و القوانين……………………………………………………………..151
المطلب الثاني: التطبيقات القضائية لصور الخطأ الطبي المادية والفنية…………………….153
الفقرة الأولى: الأخطاء المادية…………………………………………………………………153
أولا: الخطأ الطبي في التشخيص………………………………………………………………154
ثانيا: الخطأ الطبي في العلاج…………………………………………………………………..159
ثالثا : الخطأ الطبي في الجراحة والتخدير……………………………………………………..164
الفقرة الثانية:الاخطاء الفنية……………………………………………………………………177
2- الخطأ الطبي في نقل الدم والتحاليل الطبية……………………………………………177
ثانيا-الخطأ الطبي في جراحة التجميل………………………………………………………….182
ثالثا : الخطأ الطبي في التركيبات الصناعية…………………………………………………..191
المبحث الثاني: محدودية تدخل القضاء في المسؤواية الجنائية للطبيب وحالات انتفائها……………………………………………………………………………………………………196
المطلب الأول: التطبيقات القضائية للخطأ الطبي في بعض جرائم العصر……………………196
الفقرة الأولى:التجارب البيوطبية على الإنسان………………………………………………..196
الفقرة الثانية:جرائم الأجنة البشرية……………………………………………………………198
المطلب الثاني: محدودية دور القضاء في قضايا المسؤولية الجنائية للطبيب……………….201
2- نذرة الأحكام القاضية بالإدانة………………………………………………………….201
2- هيمنة الأحكام القاضية بالبراءة…………………………………………………………….204
المطلب الثالث: المسؤولية الجنائية للطبيب الناجمة عن خطأ غير مقصود (عمدي)……………………………………………………………………………………………207
الفقرة الأولى: الجرائم الطبية المنصوص عليها في القانون الجنائي المغربي……………………………………………………………………………………………208
أولا: جرائم القتل والجرح الخطأ والإجهاض وإفشاء السر المهني……………………208
ثانيا-جريمة الإجهاض………………………………………………………………………212
ثالثا: إفشاء السر المهني……………………………………………………………………223
3-1 أركان الجريمة……………………………………………………………………..224
الركن الأول: فعل الإفشاء…………………………………………………………………….224
الركن الثاني: أن يكون ما تم إفشاؤه سرا……………………………………………………224
الركن الثالث: أن يقع الإفشاء من طبيب أو من في حكمه…………………………………..226
الركن الرابع: القصد الجنائي………………………………………………………………….226
3-2 حالات إباحة إفشاء السر المهني………………………………………………………..227
ـ التبليغ عن الجرائم…………………………………………………………………………….227
ـ التبليغ عن الأمراض ذات الصبغة الاجتماعية أو المعدية أو الوبائية………………………227
ـ التبليغ عن الأمراض المهنية وإصابات العمل……………………………………………….228
ـ التبليغ عن المواليد والوفيات…………………………………………………………………228
ـ التبليغ عن المصابين بأمراض عقلية………………………………………………………..228
ـ أداء الشهادة أمام القضاء…………………………………………………………………….229
ـ أعمال الخبرة…………………………………………………………………………………229
ـ رضاء صاحب السر…………………………………………………………………………..230
ـ حالة الضرورة………………………………………………………………………………..231
ـ التأمين على الحياة……………………………………………………………………………232
رابعا: تزوير الشهادات وشهادة الزور والإمتناع عن تقديم مساعدة ورشوة الطبيب………………………………………………………………………………………………..232
1: تزوير الشهادات الطبية…………………………………………………………………….232
2-شهادة الزور الواقعة من طبيب أو جراح…………………………………………………..235
3: الإمتناع عن تقديم المساعدة لشخص في خطر……………………………………………237
4: رشوة الطبيب أو الجراح……………………………………………………………………240
الفقرة الثانية: مسؤولية الطبيب الجنائية في جرائم المهن الطبية وفي بعض القوانين الخاصة……………………………………………………………………………………………………242
النقطة الأولى: الجرائم المنصوص عليها في القوانين الطبية………………………………..242
أولا: المزاولة غير المشروعة للمهن الطبية………………………………………………….243
ثانيا: انتحال الألقاب الطبية…………………………………………………………………….245
ثالثا: بيع الأدوية من طرف الطبيب……………………………………………………………246
النقطة الثانية : الجرائم المنصوص عليها في بعض القوانين الخاصة………………………248
أولا: جرائم الطبيب في قانون المخدرات…………………………………………………….248
أ- تحرير الطبيب وصفات صورية……………………………………………………………..248
ب: حيازة الطبيب للمواد المخدرة بصفة غير مشروعة………………………………………250
ثانيا: جرائم الطبيب في مدونة الشغل………………………………………………………..251
ثالثا: جرائم الطبيب في القانون المنظم للسجون…………………………………………….254
المطلب الثالث: حالة الإعفاء من المسؤولية الجنائية للطبيب………………………………..260
الفقرة الأولى: الإعفاء المرتبط بالعامل الأجنبي وخطأ المريض……………………………..261
الفقرة الثانية: امتناع مسؤولية الطبيب بإباحة العمل الطبي الجنائي………………………..262
خاتمة……………………………………………………………………………………………263