دراسات قانونية
وضع البيئة والاستثمار في المغرب بين النص الدستوري والقانوني (بحث قانوني)
الوضع البيئي والاستثماري بالمغرب
بين النص الدستوري والقانوني –
عبد العزيز مرزاق[1]
دكتور في القانون العام و العلوم السياسية
عرف قانون حماية البيئة والاستثمار بالمغرب تطورا مستمرا في الوقت الراهن، حيث كرس المشرع منذ بداية القرن العشرين إلى إصدار ترسانة هامة من النصوص القانونية والتنظيمية تهدف إلى حماية البيئة وصيانة الثروات الطبيعية لحماية سلامة المواطنات والمواطنين، وكذا الاستثمار الذي عرف عدة محطات قانونية، ونجد على رأس هذه الترسانة القانونية، القانون الأسمى للبلاد وهو الدستور الذي تلته مجموعة من القوانين المنظمة للبيئة والاستثمار.
الوثيقة الدستورية لسنة 2011 نصت على حماية البيئة على خلاف الدساتير السابقة التي لم تتطرق إلى مصطلح البيئة بل إلى حماية الحقوق والحريات الأساسية[2].
القوانين المنظمة للبيئة: هناك مجموعة من النصوص القانونية التي كرسها المشرع المغربي من خلال الاتفاقيات والإعلانات الدولية لحماية البيئة والموارد الطبيعية لتحقيق التنمية المستدامة، بل كذلك فرض على المستثمرين الأخذ بعين الاعتبار المحيط البيئي وإدراجه ضمن المشاريع التنموية[3]، وهذا ما يحيلنا إلى الأهمية الاقتصادية لخلق استثمارات صديقة للبيئة.
الأهمية الاقتصادية: لاشك أن السيطرة على الثروات والموارد الطبيعية التي يتيحها الوسط البيئي للإنسان وضرورة تنظيم استغلالها وحمايتها وتنميتها، كل ذلك أدى إلى حصول وتداخل بين ما هو اقتصادي وما هو قانوني، فالظواهر البيئية هي ظواهر اقتصادية وقانونية تطرح من جهة، إشكالية مراعاة إكراهات ومتطلبات التنمية الاقتصادية والتي تقتضي تشجيع الاستثمار[4] الذي يتطلب من الجهة المختصة تحفيز المشاريع الصناعية والفلاحية والسياحية والثروات البحرية، ومن جهة أخرى على المحيط البيئي وحق عيش الإنسان في إطار حياة مستقرة وهادئة كما يضمن الحفاظ على العنصر البشري، وفق رؤية تضمن تنمية مستدامة للحفاظ على الأجيال الحاضرة والقادمة مقابل حق الإنسان في الانتفاع بها وصونها من كل اعتداء، وبذلك يتم الحفاظ على التوازنات الماكرواقتصادية مما يساهم في خلق توازنات ماكرو بيئية[5]، وهذا ما ذهب إليه المشرع المغربي من خلال قانون إطار رقم 95.18 بمثابة ميثاق للاستثمارات في المادة الثانية حيث نصت الفقرة الثانية، على تدابير تحفيزية للاستثمار وتشجيع التصدير وإنعاش التشغيل وتخفيض كلفة الإنتاج وترشيد استهلاك الطاقة والماء والمحافظة على البيئة[6]،
من هنا تطرح الإشكالية التي من خلالها يتم رصد الوضع البيئي والاستثماري بالمغرب بين النص الدستوري والقانوني. بمعنى أدق إلى أي حد استطاع المشرع المغربي ترسيخ الوضع البيئي والاستثماري بالمغرب بين النص الدستوري والقانوني؟
من خلال هذه الإشكالية نتطرق في المبحث الأول إلى التشريع البيئي بالمغرب ومبادئه. وفي المبحث الثاني إلى التشريع الاستثماري بالمغرب
المبحث الأول: التشريع البيئي بالمغرب ومبادئه
حظي مجال البيئة باهتمام قوي من خلال مؤتمر ستوكهولم، الذي أعطى انطلاقة لدى دول العالم لفرض قدرتها على حماية البيئة من أي تأثير قد يحيط بها، وهذا ما كرسه المغرب من خلال خلق مجموعة من المؤسسات التي تعنى بالبيئة ، وكذا التنصيص على مجموعة من القوانين التي تؤطر الحماية البيئية، التي تخلق تكاملا بين المؤسسات والقوانين لتفعيلها وتقويتها للمجال البيئي، وكذلك التركيز على مجموعة من المبادئ الأساسية لحماية البيئة حيث تعد هذه المبادئ من بين العناصر الأساسية التي يتم التركيز عليها في مؤتمر ستوكهولم وريو دي جنيرو، فالمشرع ركز على هذه المبادئ في القوانين البيئية، لأن المغرب يسعى إلى إقرار البيئة في أولويات اهتماماته الوطنية والدولية،لكي يكون له رؤية مستقبلية في انجاز المشاريع التنموية ذات أهمية بالبيئة، وهذا ما تم إقراره من طرف المشرع المغربي في القوانين المنظمة للبيئة لتحقيق التنمية المستدامة، وفرض مبادئ أساسية لحماية البيئة من الآثار المترتبة عن المشاريع الاستثمارية، هذا ما سنقف عليه من خلالالمطلب الأول: الإطار المؤسساتي والقانوني لحماية البيئة، أما المطلب الثاني: فيبرز المبادئ الأساسية لحماية البيئة.
المطلب الأول: الإطار المؤسساتي والقانوني للبيئة
لعبت المركزية دورا مهما في اتخاذ الإجراءات التنظيمية لحماية البيئة في بنياتها الإدارية لجعلها تتلاءم مع التحديات الجديدة لدمجها ضمن المخططات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، من خلال الدور الذي قامت به الدول منذ حصولها على الاستقلال إلى يومنا هذا، لوضع إدارة بيئية مستقلة عن الإدارات التي كانت توجد بها أقسام بيئية، لأن الاهتمام بالبيئة أصبح في وضعية مستقلة عن الإدارات الأخرى التي كانت تابعة لها، كما تم وضع مجموعة من القوانين التي تنظم البيئة، من خلال الإطار المؤسساتي والقوانين المنظمة للبيئة والتي تسعى إلى إيجاد التوازن البيئي المطلوب مع التنمية الاقتصادية، من خلال وضع الإطار المؤسساتي والقانوني لتنظيم الحقل البيئي، إلا أن نرى اليوم هناك تراجع في تحديد المكانة البيئية في الإطار المؤسساتي بحيث شرعت الحكومة الجديدة لسنة 2017 بإسقاط الوزارة المكلفة بالبيئة، بحيث تم إدراجها ضمن القطاع المتعلق بالماء والتنمية، وهذا ما سنتحدث عنه من خلال (الفقرة الأولى) الإطار المؤسساتي لحماية البيئة أما (الفقرة الثانية) الإطار القانوني المنظم للبيئة.
الفقرة الأولى: الإطار المؤسساتي لحماية البيئة
تم إعداد إطار مؤسساتي لتنظيم البيئة، من قبل السلطات العمومية للدولة لتدبير المجال البيئي، وتحديد اختصاصات البنيات الحكومية من خلال الهياكل الوزارية، وهيكلة كل الوزارات التي لها دور في المحافظة على الموارد الطبيعية، ومحاربة التلوث الذي قد يؤدي للإضرار بالمجتمع.
تأسيسا على ذلك، سنتطرق إلى التطور الذي عرفته الإدارة الحكومية المكلفة بالبيئة، إلى حدود سنة 2000، عند تبني الهيكلة التنظيمية الجديدة لكتابة الدولة المكلفة بالبيئة ضمن حكومة التناوب لسنة 1998، حيث لم تكن الإدارة الحكومية المكلفة بتدبير الشأن البيئي الوطني ذات كيان ومعالم واضحة، إذ كان تدبير الشأن البيئي منذ سنة 1985 يتم داخل المديرية العامة للتعمير وإعداد التراب والبيئة التابعة لوزارة الداخلية [7].
كما تم إحداث المجلس الوطني للبيئة سنة 1980 كمؤسسة استشارية توجيهية تضم جميع المتدخلين والمعنيين بالشأن البيئي من إدارة ترابية ومجتمع مدني وباحثين، والذي تم تغيير هيكلته وتوسيع مهامه سنة 1995 حيث عقد دورته السادسة يوم 11 ماي 2001 بالرباط، لكن قرارات وتوصيات هذه المؤسسة الاستشارية تبقى محدودة على مستوى ترجمتها إلى برامج ومبادرات ميدانية وكذا تفاعلات البرامج والمخططات القطاعية المعنية مع سياسات تدبير واستغلال الموارد الطبيعية والمجال الطبيعي.[8]
هذا ما جعل موضوع البيئة ضمن اختصاص واهتمام العديد من الوزارات والمؤسسات العمومية إلى جانب الوزارة المشرفة مباشرة على تنظيم القطاع، (حاليا كتابة الدولة المكلفة بالماء والبيئة لدى وزارة الطاقة والمعادن والماء والبيئة -حكومة 2007- وقبلها وزارة إعداد التراب والبيئة والماء -حكومة 2002[9]، كما تتوفر الوزارات الأخرى على أجهزة ومصالح إدارية مختصة في مجال حماية بعض الموارد أو المجالات البيئية الحيوية مثل الوزارة المكلفة بالقطاعات الفلاحية والتنمية القروية والصيد البحري، والوزارة المكلفة بالتعمير والإسكان والوزارة المشرفة على قطاع الصحة ووزارة التجهيز والنقل ووزارة الداخلية والجماعات الترابية، والمكتب الوطني للماء الصالح للشرب ووكالات الأحواض المائية والمجلس الوطني للبيئة والمجلس الأعلى للماء والمناخ وغيرها [10].
يلاحظ من هنا بأن التطور الزمني للمؤسسة المكلفة بالبيئة، قد مر بعدة مراحل منذ 1972 إلى 2007 [11] إذا كان خلق جهاز وزارة البيئة يعد عملا واضحا ودليلا على مدى إظهار الرغبة في تطبيق السياسة البيئية، وإذا كانت هذه السياسة تهدف إلى ترجيح الأولويات البيئية حسب الأسبقية على المصالح العامة الأخرى الجزئية، فإن ترك هذا الأمر كجهاز حكومي تقتصر مهامه في التنسيق والربط بين مختلف المتدخلين لا يندرج ضمن الضمانات الفعالة للسياسة البيئية.
لأن الجهاز الوزاري (وزارة البيئة) تظل قاصرة مادام دورها لا يتجاوز التنسيق والتحريك، وذلك بسبب صعوبة إدماج سياسة البيئة في مجموعة من القرارات العامة التي تتخذها الحكومة، إضافة إلى الأجهزة الحكومية الأخرى التي تريد الحفاظ على اختصاصاتها ككل لا يتجزأ [12].
هذا التشتت في الاختصاصات البيئية بين الوزارات وداخل البنيات الوزارية والمصالح يعيق المجال البيئي ويجعله متعارضا فيما بينه، لأن إيجاد سياسة موحدة لمواجهة قضايا البيئة يقتضي تقليصا لوجود أكثر من مصلحة وسلطة في مجال التدبير البيئي.
الفقرة الثانية: الإطار القانوني المنظم للبيئة
هناك قوانين كثيرة ومتعددة تنظم البيئة، والتي عرفت تطورا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة ويمكن سردها على الشكل التالي:
-تم إصدار أول قانون متعلق بالماء 10.95 [13]، الذي تم تغيره بالقانون الجديد رقم 36.15[14]، إذ تم تحيينه مع الإصلاحات الدستورية لصون هذه الموارد الطبيعية وحمايتها من التلوث، باعتبار أن الماء عنصر من عناصر البيئة وهذا ما أشار إليه القانون المتعلق بالماء.
-أما قانون رقم 11.03 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة،[15] الذي أتى بمجموعة من الأهداف والمبادئ العامة التي تحافظ على السياسة البيئية الوطنية من التلوث يروم بالأساس تحقيق الأهداف التالية:
حماية البيئة والمستوطنات البشرية،
حماية الطبيعة أو الموارد الطبيعية،
أشكال التلوث والإيذاءات،
آليات تدبير وحماية البيئة،
قواعد المسطرة.
قانون 12.03 المتعلق بدراسات التأثير على البيئة[16]، الذي تم من خلاله إدماج البعد البيئي في السياسة الاقتصادية والاجتماعية لأي نشاط يتعلق بالأشغال والمنشآت والتهيئات الذي قد يلحق التلوث بالمحيط البيئي، كما أن هذا القانون قد ركز على الأهداف والمضامين التي يجب أن تتضمنها كل الدراسات الخاصة بالتأثير على البيئة.
قانون 13.03 المتعلق بمكافحة تلوث الهواء[17]، بحيث خصص هذا القانون للوقاية من انبعاث الملوثات الهوائية أي الجو، لأن الإنسان والحيوان والتربة والمناخ قد تتضرر من هذا الانبعاث الحراري، كما حدد هذا القانون مجال التطبيق لحماية الهواء من التلوث للحفاظ على البيئة.
قانون 28.00 المعلق بتدبير النفايات والتخلص منها،[18] المشرع أصدر هذا القانون للحد من كل النفايات التي تلحق بالضرر البيئي، من خلال مجموعة من الأهداف منها الحماية ووقاية صحة الإنسان والحرص على البيئة.
قانون 22.07 المتعلق بالمناطق المحمية،[19] فالمشرع أصدر هذا القانون لحماية البيئة وهذا ما نصت عليه ديباجته حيث أن المغرب يتوفر على تراث طبيعي غني بالأنواع النادرة والأنظمة البيئية الطبيعية وبمناظر ذات قيمة عالية وجبت المحافظة عليها وصونها وحماية للموروث الثقافي من أي ضرر بيئي.
القانون رقم 99.12 بمثابة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة[20]، هذا القانون يحدد الأهداف الأساسية لحماية البيئة والتنمية المستدامة، في الاستراتيجيات والبرامج وتنفيذ السياسات ومخططات العمل من طرف الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية وشركات الدولة، وكذا الأطراف المتدخلة في المجال البيئة والتنمية المستدامة.
القانون 77.15 القاضي بمنع صنع الأكياس من مادة البلاستيك واستيرادها وتصديرها وتسويقها واستعمالها[21]، حيث أعطى المشرع المغربي اهتماما بالغا للحماية البيئية بمحاربة تأثير الأكياس البلاستيكية على حياة الإنسان، وذلك باتخاذ قرار مشترك بين كل من وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي ووزير الداخلية ووزير الاقتصاد والمالية والوزيرة المنتدبة لدى وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة بمنع استعمال هذه الأكياس ذات الخطورة البالغة على المجال البيئي[22]وذلك بتطبيق بعض أحكام القانون رقم 77.15، لحماية البيئة كتدبير وقائي احترازي يجرم استعمال البلاستيك.
من تم يلاحظ بان هذه القوانين لها رؤية استراتيجية لحماية البيئة، لكن ما يعاب عليها أنها قوانين متشتتة ومتناثرة، وليست محصورة في قانون واحد، إذ لا بد من تجميعها في قانون موحد (مدونة البيئة).
المطلب الثاني: مبادئ وآليات حماية البيئة
تضمن التشريع البيئي المغربي مجموعة من المبادئ والآليات لتحديد الأهداف المرجوة من كل سياسة بيئية، إذ يتعلق الأمر بالمصلحة العامة التي ترهن حاضر ومستقبل المجتمع الإنساني، باعتبار أن الإنسان هو المتضرر الأول من تضرر البيئة، مما دفع المشرع إلى ترسيخ هذه المبادئ والآليات ضمن القوانين البيئية التي سبق ذكرها،لأن دورها تحقيق المنفعة العامة للإنسان وحماية البيئة، مما يستلزم أخد كل الاحتياطات القانونية لتفعيلها على أرض الواقع بدل تركها حبرا على ورق، فالبيئة ليست مفهوما أو نسقا ظرفيا أو مؤقتا بل هي إرث للأجيال المقبلة يستمر عبر الزمن حاضره ومستقبله، لهذا يجب الحفاظ عليها ورعايتها من أي ضرر، وهذا ما ذهب إليه المشرع بتكريس مجموعة من المبادئ والآليات القانونية لرفع من الحماية البيئية، وهذا ما سنتطرق إليه من خلال الفقرة الأولى: المبادئ الأساسية لحماية البيئة، بالإضافة إلى آليات المحافظة على البيئة في فقرة ثانية.
الفقرة الأولى: المبادئ الأساسية لحماية البيئة
هناك مجموعة من المبادئ العامة لحماية البيئة سنتطرق إليها كالتالي:
البيئة قيمة ذات نفع عام:
إن الاعتراف بالبيئة كقيمة ذات مصلحة عامة سيكون لها تبعات قانونية، وذلك من خلال اعتبارها ضمن الحقوق والمبادئ الأساسية التي ينبغي مراعاتها عند سن النصوص التشريعية المنظمة للمجال البيئي، كما أن صفة النفع العام يستعجل القضاء يبسط رقابته على كل إجراء تتخذه الإدارة ابتغاء تحقيق المنفعة العامة وذلك إعمالا لنظرية الموازنة بين المنفعة المرجوة ومتطلبات حماية البيئية[23].
تأكيدا لهذا المبدأ، نجد مجموعة من النصوص التشريعية قد تطرقت إلى ذلك بما فيها، القانون رقم 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات في المادة 30[24]، وكذلك القانون 10.95 المتعلق بالماء في المادة 10 كما تم تغييره بالقانون [25]15.36 حيث اعتبر الأستاذ محمد الكشبور[26] في تحليل هذه المادة أن من يملك حقا مائيا خاصا أي مالك الحقوق المكتسبة على المياه فقط أو على المياه التي لا يستعملها إلا جزئيا في عقاره لا يمكنه أن ينقله كليا أو جزئيا إلا إلى شخص صاحب أرض زراعية أو الدولة وفي كافة الأحوال يمكن للسلطة العامة أن تنزعه منه من أجل المنفعة العامة.
يتبين بأن البيئة تكتسي صفة المصلحة العامة التي تتجاوز المصلحة الخاصة، وهذا ما أكدته المادة 18 من القانون 11.03[27] التي اعتبرت أن تدابير محاربة التصحر والفيضانات ذات منفعة عمومية، مما يوجب بضرورة الأخذ بهذا المبدأ إضافة لمبادئ أخرى لا تقل أهمية ومنها مبدأ الوقاية.
مبدأ الوقاية:
يعتبر من أهم المبادئ الأساسية التي يقوم عليها القانون البيئي على المستوى الدولي أو الوطني، من هذا المنطلق أخذ المغرب بمجموعة من التوصيات الدولية التي كرسها في مجموعة من القوانين المنظمة للبيئة، حيث نجد القانون 11.03 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة[28].
كما نجد في هذا الاتجاه القانون رقم 12.03 المتعلق بدراسات التأثير على البيئة[29]، إذ ذهب في اتجاه مبدأ الوقاية من خلال تدبير إجراءات متعلقة بالتأثير على البيئة، محددة العناصر الوقائية التي ينبغي أن تتضمنها الدراسات البيئية منها الإجراءات الوقائية والإصلاحية، التي يتعين اتخاذها اعتمادا على مقاييس ومعايير تأخذ بعين الاعتبار التأثيرات المحتملة على البيئة لأي نشاط أو مشروع، ومن خلالها ينبثق مبدأ الإجراءات المتخذة في المنبع الذي يهدف إلى الحد من الانبعاثات والملفوظات بغض النظر عن عدم ظهور أيه نتيجة ضارة بالوسط البيئي[30]، وكذا المنشآت المصنعة التي يجب عليها اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة قصد احترام المعايير البيئية كما حدد القانون 11.03 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة[31]، كيفية التعامل مع المنشآت المصنعة، وهذا ما أكده القانون رقم 28.00 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها[32]، والذي يمنع الترخيص بإقامة المطارح بجوار المناطق الحساسة، وهذا الاتجاه تبناه القانون 12.90 المتعلق بالتعمير[33]، لحماية كل مناطق التهيئة العمرانية، بحيث يعتبر نشاط المؤسسات المصنفة أو المنشآت المضرة بالصحة والمقلقة للراحة[34]، مصدرا من مصادر التلوث البيئي ذي الأصل الصناعي التي تلحق الإنسان مما يوجب اعتماد سياسة وقائية تقوم على تقنيات طوعية تدعى تقنيات الضبط الذاتي،[35] لتمكن كل الفاعلين الاقتصاديين من وضع معايير لحماية البيئة والالتزام باحترامها، واتخاذ كل الاحتياطات ضد الخسارة المحتملة المترتبة عن الحوادث البيئية وكذا آلية التدقيق البيئي[36]، ومن خلال هذا المبدأ سنتحدث عن مبدأ آخر مماثل إلى حد ما.
مبدأ الاحتياط
يختلف مبدأ الاحتياط عن الوقاية في كون مبدأ الاحتياط يتعلق بمخاطر محتملة لا يمكن للإنسان إقرار حدوثها بشكل قطعي في غياب براهين أو دراسات علمية دقيقة، بينما يقوم مفهوم الوقاية على تجنب أضرار معروفة الآثار مسبقا[37]، ترتيبا على ذلك فالاحتياط لا يهدف إلى تفادي وقوع مخاطر مجهولة لغياب تأكيد علمي مطلق،بل يجب ألا يحول دون الاحتراز من إمكانية وقوع خطر غير مؤكد تفاديا لاتخاذ تدابير احتياطية[38]، لذلك نجد بأن القوانين المنظمة للبيئة لم تشر إلى مبدأ الاحتياط إلا أننا نجد بأن هناك بعض القوانين التي نصت على القواعد والمبادئ الأساسية التي تتخذها السياسة الوطنية في حماية البيئة، وعلى احترام المواثيق الدولية المتعلقة بصيانتها، وكذا مراعاة مقتضياتها عند وضع المخططات وبرامج التنمية وإعداد التشريع البيئي، فمبدأ الاحتياط يجب أن يكون منصوصا عليه في القوانين البيئية لتفادي أي خطر قد يتسبب في الضرر البيئي.
مبدأ الملوث المؤدي:
ظهر هذا المبدأ في توصيات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية كما طبق أيضا ضمن المجموعة الأوروبية في برنامج عملها الأول المتعلق بالبيئة بتاريخ 22 نونبر 1973، وإذا كان قد صنف مبدئيا في خانة المعادلة واعتمد رسميا من قبل المجتمع الدولي،[39] كما تطرق إليه المشرع المغربي في القوانين المنظمة للبيئة، في كل من القانون 11.03[40]، والقانون 28.00[41] الذي نص على تحسين المرفق العمومي وكذلك القانون 10. 95 المتعلق بالماء[42] كما تم تغييره بالقانون 15.36، الذي نص على حماية الماء من التلوث كيف ما كانت طبيعة ونوع التلوث، مما استجوب استصدار مرسوم تنظيمي متعلق بالصب والسيلان والرمي والإيداع المباشر وغير المباشر في المياه السطحية أو الجوفية[43]، ومن هنا يتبين بأن المغرب كرس مجموعة من القوانين المتعلقة بالبيئة للحد من مبدأ التلوث المؤدي حيث نرى أنه يحمل في لفظه شعارا كبيرا يكرس المسؤولية التشاركية مما يتجاوز الإطار الفردي للحقوق ويراعي حقوق الجماعية للأجيال القادمة[44]، لأن التحليل الاقتصادي لا يتماشى بالضرورة مع المعطيات والقواعد القانونية، فالغلبة للتنمية الاقتصادية على حساب حماية البيئة كما هو الأمر في نازلة الحال.
الفقرة الثانية: آليات المحافظة على البيئة
سنقف عند آليات المحافظة على البيئة، من خلال تقنيات الضبط الإداري[45] الذي له علاقة مع الحريات العامة وحقوق الإنسان، مما يترجم مجموعة من التدخلات الإدارية الرامية إلى ضبط سلوك الأفراد مما يحتم عليهم ضرورة العيش داخل المجتمع[46] والحفاظ على النظام العام[47]، حيث تفرض طرق محاربة خطر التلوث على الإدارة ووضع قيود على بعض الحريات العامة على وجه الخصوص، مثل حرية التجارة والصناعة للوقاية من المخلفات الضارة التي يمكن أن تنشأ عن ممارستها[48]، لما تنتجه من مواد ضارة تنجم عن حركة النقل العمومي قرب الأماكن الخاصة والتي تؤدي لتلوث البيئة، من خلال تلوث الهواء بالغازات عن طريق المصانع.
وكذا تلوث قنوات الرمي والصرف بالمبيدات المستعملة في المزارع مما يجعل الإدارة تعتمد على مجموعة من الوسائل في سبيل تحقيق أهداف الضبط الإداري البيئي التي سنتطرق إليها على الشكل التالي:
أولا: الحظر
يعني النهي، ويكون الحظر إما مطلقا أو نسبيا، بالنسبة للحظر المطلق الذي يتمثل في منع الإتيان بأفعال معينة لما لها من آثار ضارة بالبيئة منعا باتا تاما لا استثناء فيه، ولا ترخيص بشأنه تتمثل هذه الأفعال في إلقاء القمامة في غير الأماكن التي تحددها الوحدات المحلية مما تقضي به القوانين، أو إلقاء النفط في مياه الأنهار أو البحر أو استخدم بعض أنواع المبيدات الحشرية وبعض أنواع الكيماويات في الصناعات الغذائية[49]، وهذا ما نص عليه المشرع المغربي في القانون 28.00 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها[50]، وكذلك القانون 10.95 المتعلق بالماء كما تم تغييره بالقانون رقم 15.36[51]الذي اقتبس مجموعة من التوصيات الدولية وتم إدراجها في القوانين المتعلقة بالبيئة.
أما الحظر النسبي يتجسد في منع القيام بأعمال معينة يمكن أن تلحق آثارا ضارة بالبيئة في أي عنصر من عناصرها، لا يمكن القيام بذلك إلا بعد الحصول على ترخيص من لدن السلطات المختصة وفق القوانين البيئية مثل إقامة المشروعات المتصلة بالصناعة ذات التأثير المحتمل على البيئة كالصناعة الكيماوية أو فتح المحلات الخطرة أو المقلقة للراحة أو صرف المخلفات في مياه الأنهار[52].
ثانيا: الالتزام والترخيص
ينص القانون في حمايته للبيئة على إلزام المتدخلين بضرورة القيام بعمل إيجابي معين خاصة أصحاب المشروعات الصناعية والتجارية للتخلص من المخلفات الضارة لمشروعاتهم بأقل الطرق إضرارا بالعناصر البيئية[53]، وهذا ما حدده القانون 28.00[54] المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها، حيث خصص له في القسم الثالث كيفية تدبير النفايات الهامدة والنفايات الفلاحية والنفايات النهائية والنفايات الصناعية غير الخطرة، إذ يتبين بأن المشرع ألزم أصحاب هذه المشروعات بتدابير صارمة للحد من أي ضرر للبيئة.
أما فيما يخص الترخيص، فهو الإذن الصادر من الإدارة المختصة لشرعنة ممارسة نشاط معين ولا يجوز القيام به دون ذلك، مثل حماية الأرواح وعدم حمل السلاح الناري إلا بشروط محددة وحماية الصحة العامة، كذلك الشأن بالنسبة لإقامة المشروعات الغذائية وحماية المنشآت والسكنية العامة عن طريق الترخيص باستخدام مكبرات الصوت وأيضا حماية الأمن العام[55]، وهذا الاتجاه حدده المشرع المغربي من خلال القانون 28.00 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها حسب المادة 56[56] وكذلك المادة91 من قانون الالتزامات والعقود المغربي[57]، بحيث حددت هذه المادة الوصف القانوني للضرر البيئي المنتج لرفع دعوى قضائية من طرف أصحاب الضرر الذي قد يلحقهم من المحلات الذي تم ترخيصه من قبل السلطات المختصة ويجب على حاملي الترخيص إلزامية تغيير المحلات التي تسببت في الإضرار بالجيران.
ثالثا: التصريح أو البلاغ
إن الأنظمة القانونية اتخذت بالتصريح لدى السلطات العمومية التي تباشر من خلال هيئاتها القيام بالضبط الإداري، لأن بعض الأشخاص يقومون بأعمال محتملة الضرر دون الحصول على ترخيص مسبق على الرغم من إمكانية تسببها في تلوث البيئة[58]، مما يمكن الإدارة المختصة من مراقبة الموقف بناء على التصريح السابق أو اللاحق، وذلك لكون احتمالات التلوث المترتبة عنها أقل، أو لأن المخاطر الناتجة عنها تبقى أقل جسامة، وإذا كان نظام التصريح لا يشكل مساسا كبيرا بحقوق الأفراد[59]، فإن السلطات الإدارية تتدخل لحماية البيئة بعدة تقنيات قانونية كالحظر والالتزام والترخيص والتصريح، كل هذه التقنيات تمكن من التدخل المباشر للحفاظ على النظام العام وإجبار الأفراد على احترام القانون دون اللجوء إلى القضاء وإجراءاته البطيئة[60]، مما يجعل الإدارة في موقف أقوى لاتخاذ قرارات التنفيذ الجبري وهذا ما سنتطرق إليه لاحقا.
رابعا: التنفيذ الجبري
هنا تكمن قوة الإدارة المختصة في اتخاذ التدابير اللازمة لحماية سلامة الأشخاص من أي ضرر قد يلحقهم، باستخدام القوة العمومية دون حاجة إلى إذن مسبق من طرف الهيئة القضائية[61]، وهذا ما ذهبت إليه أغلب الأنظمة القانونية للحماية البيئية، فالمشرع المغربي قد نص في المادة 66 من القانون رقم 28.00[62] المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها على ضرورة احترام القانون باعتبار أن الدولة هي ضامنة التوازن بين الإنسان ومحيطه، وهذا ما نص عليه الدستور المغربي لسنة 2011 من خلال تنصيصات الفصول 31 و71 و152[63] لحماية البيئة من أي تأثير، فالمشرع اعتمد هذه الآليات لحماية البيئة من خلال قوانين رادعة وملزمة، لكن هل الترسانة القانونية لوحدها كافية لصيانة البيئة من التلف؟
المبحث الثاني: التشريع الاستثماري بالمغرب
منذ فجر الاستقلال عرف المغرب تطورا سريعا في إعداد مجموعة من القوانين في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والبيئية إلى يومنا هذا، فعرفت المنظومة القانونية للاستثمار تطورا ملحوظا، وكذا القوانين المنظمة للنظام الضريبي من خلال الإعفاءات والإجراءات الجبائية لتشجيع الاستثمار الدولي والوطني لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لتقليص الفقر والبطالة والهشاشة الاجتماعية، وهذه الطريقة اتخذتها مجموعة من الدول المتقدمة والنامية.
فالمغرب كباقي الدول اختار منذ حصوله على الاستقلال نهج سياسة تشجيع الاستثمار من خلال الاعتماد على مجموعة من القوانين لتشكل توجهاته السياسة والاقتصادية لتحقيق التنمية، وهذا ما سنتطرق إليه من خلال فرعين: المطلب الأول: القوانين المنظمة للاستثمار، أما المطلب الثاني: فيتعلق بمضامين ميثاق الاستثمار والامتيازات الضريبية.
المطلب الأول: القوانين المنظمة للاستثمار
نهج المغرب سياسة تحفيزية للاستثمارات بإصلاح المنظومة الضريبية لخلق الإلتقائية بين البعد الدولي والوطني متوخيا الرفع من مؤشرات التنمية الاقتصادية، بحيث صدرت مجموعة من القوانين التي تخص الاستثمار في شموليته، كقانون الاستثمار الخاص بالتصدير وقانون الاستثمار الخاص بالصناعة التقليدية وقانون الاستثمارات السياحية، وقانون الاستثمارات البحرية وقانون الاستثمارات المنجمية، كل هذه القوانين ترمي إلى تجميعها في الاستثمار الذي يهدف إلى تسطير إجراءات تشجيعية لتخفيف العبء الضريبي والرفع من المردودية الاستثمارية، وسنتناول ذلك من خلال فقرتين الأولى: تؤسس لقوانين الاستثمار، أما الثانية: فتخص الترسانة القانونية المنظمة للقطاعات الاستثمارية.
الفقرة الأولى: بداية تأسيس قوانين الاستثمار
تم سن مجموعة من القوانين المتلاحقة لتشجيع لاستثمار منذ حصول المغرب على الاستقلال، فكان أول قانون ينظم الاستثمار بتاريخ 13 شتنبر 1958[64]، إلا أن المردودية الاستثمارية كانت ضعيفة امتيازات، لذا خضع هذا الأخير لتعديل كان الهدف منه تكتيف حجم الامتيازات الجبائية، لكن التعديل لم يرق مع ذلك إلى مستوى تحقيق الأهداف المرجوة منه ليتم إلغاؤه نهائيا وتعويضه بقانون استثمار جديد حل محله بمقتضى ظهير 31 دجنبر 1960[65] الذي أسس مدونة الاستثمارات بالمعنى الدقيق للكلمة، حيث يجب أن تحظى الاستثمارات بقبول لجنة الاستثمارات.
وبالتالي إمكانية الاستفادة من الامتيازات المقررة المتمثلة في المكافأة على التجهيز والسماح بإنشاء المدخرات من قبل المقاولات لاقتناء مواد التجهيز والإنتاج[66]، وفي سنة 1969 صدر قانون خاص بالاستثمارات الفلاحية[67]، يستهدف تشجيع التمويل الخاص والتمويل الأجنبي وقد حدد هذا القانون الامتيازات التي تمنح للمستثمر في حالة موافقة لجنة الاستثمارات على المشاريع المقترحة وتتلخص هذه الامتيازات في النقط التالية:
امتيازات مالية وذلك بإعطاء المستثمر منحة تتراوح بين 15 % بالنسبة لمواد التجهيز.
امتيازات ضريبية تتمثل في نقص معدل الضرائب وقبول عملية الاندثار السريع.
امتيازات مالية وذلك بمنح المستثمر نسبة تتراوح بين 15% و20% من الأموال المستثمرة.
امتيازات حول تحويل الأموال تتمثل في ضمان تحويل الأرباح والرساميل عند نهاية نشاط المشروع وتتعلق هذه الامتيازات بالمستثمرين الأجانب[68].
إلا أن هذا القانون لم يمتد كثيرا بحيث صدر قانون جديد يوم 13 غشت 1973[69] كان أكثر ليبرالية بالمقارنة بالقانون الأول، كما حددت الدولة مختلف التسهيلات والتشجيعات الموجهة إلى المستثمرين، ويتميز هذا القانون الجديد عن سابقيه بكونه أقر تخفيف الإجراءات الإدارية[70]، إلا أنه عرف حصيلة سلبية على العموم ويعود ذلك إلى أن عشرية السبعينات عرفت ظروفا اقتصادية تميزت بتدهور سعر المواد الأولية غير البترولية، وتعميق العجز المالي واختلالات حادة في الميزان التجاري وزيادة الديون الخارجية[71]، بعد تطبيقه 10 سنوات بعد ذلك تم إصدار قانون 1983[72] المتعلق بالاستثمار لخلق شروط جديدة لتنشيط الاقتصاد في ظل الأوضاع الجديد التي تميزت بفشل التجربة الاقتصادية المغربية وبداية سياسة إعداد التقويم الهيكلي وقد ركز هذا القانون على الجهوية وإنعاش المقاولات الصغرى والمتوسطة، وإنعاش الشغل بالتحفيز على إحداث مراكز عمل قارة والمحافظة على البيئة[73]، واقتصاد الطاقة والماء وتشجيع التصدير واقتناص العملة الصعبة والبحث الذؤوب على بناء اقتصاد مرتكز أساسا على الصناعة[74]، بتكريسه للاتجاه الليبرالي بالانفتاح على الرأسمال العالمي أكثر وإلغاءه بصفة ضمنية لقانون المغربة وذلك لتفادي التناقضات التي يحتويها القانون القديم وضمان انسجام مكونات الوثيقة الجديدة[75].
كما توسعت التدابير التشجيعية بخصوص الامتيازات التي يتمتع بها المستفيدون من هاته القوانين والضمانات التي توفرها للمستثمرين الأجانب وتبسيط المساطر الإدارية وتوفير مناخ استثماري ملائم، كما أصبح نظام الاتفاقيات المبرمة مع الدولة اختياريا، ورغم هذه الامتيازات الممنوحة ظلت الإسهامات الاستثمارية في الجهود الاقتصادية متواضعة لذلك حاولت السلطات العمومية إدخال المزيد من الإصلاحات بعد خمس سنوات[76]حيث تم إصدار قانون جديد لتحسين وضعيته الاستثمارية لسنة 1988[77]، إذ أعطى المزيد من الامتيازات التي تهم القطاعات الصناعية المحلية التنافسية لغزو الأسواق الجديدة إلا أنه كان للدولة تصورا آخر لقانون الاستثمار مما أظهر بعض السلبيات المرتبطة بالقوانين الاستثمارية، كالبيروقراطية والفوارق الجهوية وعدم التوازن بين القطاعات والتأويلات المتناقضة للاتفاقيات الاستثمارية ومحدودية نظام توجيه الاستثمارات[78]، فكل هذه المعطيات التي ذكرنا منذ أول قانون للاستثمار لسنة 1958 إلى قانون 1988 حيث كانت الدولة تتجه نحو إعطاء الأولوية إلى المجال الاقتصادي،وتم التفكير في إحداث أول ميثاق للاستثمار كخطوة أولى، وهذا ما سنتطرق إليه بعد معالجة القوانين المتعلقة بالقطاعات الاستثمارية الأخرى التي تم تدوينها بعد الاستقلال.
الفقرة الثانية: القوانين المنظمة للقطاعات الاستثمارية
اهتمت السلطات العامة بالاستثمار في القطاعات الاستثمارية الأخرى، المتمثلة في الاستثمارات الصناعية والصناعات التقليدية الاستثمارات البحرية والاستثمارات المنجمية والاستثمارات السياحية، منذ الاستقلال إلى حدود ميثاق الاستثمار الذي تم إلغاؤه، وسنتطرق في هذه الفقرة إلى أهم القوانين المحفزة للاستثمار.
أولا: قانون الاستثمار في الصناعة التقليدية: الذي تم التنصيص عليه بتاريخ 13 غشت 1973[79] صدر قانون يتعلق باتخاذ التدابير الخاصة بتشجيع المؤسسات المصدرة للمنتوجات الصناعية العصرية أو التقليدية، وتم تحديد القطاعات من خلال إصدار مرسوم[80] حسب هذا الظهير ومن خلال الفصل الأول ثم تحديد القطاعات الاستثمارية، كما نجد ظهير شريف بمثابة قانون يتعلق باتخاذ التدابير الخاصة بتشجيع الاستثمارات الصناعية التقليدية،[81] عكس الظهير الشريف الأول الذي يحدد التدابير الخاصة بتشجيع المؤسسات المصدرة لمنتوجات الصناعة العصرية أو التقليدية، لكن قطاع الصناعة التقليدية حظي باهتمام خاص من قبل الدولة، حيث تم إصدار ظهير شريف بمثابة قانون يعطي الاختصاص للمؤسسات التجارية المصدرة[82] باتخاذ التدابير الخاصة لتشجيع المؤسسات المصدرة للمنتوجات الصناعية العصرية والتقليدية كما تم الاهتمام بالاستثمارات الصناعية في نفس السنة، وفقا لمقتضيات الفصلين 2-6من الظهير السالف الذكر.
ثانيا: قانون الاستثمارات الصناعية: تم إصداره بظهير شريف يوم 17 يناير 1983[83] يتضمن الأمر بتنفيذ القانون رقم 17.82 المتعلق بالاستثمارات الصناعية، كما تم تنفيذه بمرسوم[84] بتطبيق القانون رقم 17.82، وكذلك قرار وزير التجارة والصناعة والسياحة[85]، الذي يحدد قائمة المعدات والأدوات والسلع التجهيزية بناء على الفصل 8 من القانون المتعلق بالاستثمارات الصناعية 17.82[86]
ثالثا: قانون الاستثمارات السياحية: لقد ثم الاهتمام بقطاع السياحة في سنة 1983، بحيث تم إصدار ظهير شريف بتنفيذ القانون 20.82 المتعلق باتخاذ تدابير لتشجيع الاستثمارات السياحية في سنة 1983[87]، كما تم إصدار مرسوم لتطبيق هذا القانون 20.82[88]، فالنظام الاستثماري السياحي، يلعب دورا مهما في إستراتيجية الأمن والاستقرار السياسي للبلاد، مما يدفع كل الدول إلى تشجيع السياحة وزيارة المآثر التاريخية كما نص الباب الأول،[89] من الظهير الشريف على استفادة كل المقاولات السياحية التي يكون غرضها في البناء أو التجهيز أو الترميم أو النقل أو التسويق السياحي.
رابعا: قانون الاستثمارات البحرية: في سنة 1984 تم إصدار قانون رقم 21.82 المتعلق بالاستثمارات البحرية،[90] كما عرف صدور مرسوم بتطبيق هذا القانون 21.82[91] لتنظيم الاستثمارات البحرية التي كانت تضم مقاولات التجهيز والقطاع التعاوني.
خامسا: قانون الاستثمارات المنجمية: تم إصدار قانون الاستثمارات المنجمية بظهير شريف تحت رقم 1.01.84 المتعلق باتخاذ تدابير مشجعة للاستثمارات المنجمية[92]، هذا القانون حدد كيفية الاستثمار في المناجم والجهات المخول لها ذلك منها المؤسسات المنجمية والمؤسسات ذات الطابع المنجمي، التي تقوم بالتنقيب على المواد المنجمية أو التمتع بمزايا نظام الاستيراد المؤقت.
المطلب الثاني: ميثاق الاستثمار والامتيازات الضريبية
يعد الاستثمار من المرتكزات الأساسية للنمو الاقتصادي لذلك تم إعداد ميثاق للاستثمار الذي تضمن عدة امتيازات ضريبية لدى المستثمرين للرفع من المردودية الاقتصادية والاجتماعية للدولة، لأن المجال الضريبي يعتبر العائق الأكبر لدى المستثمرين لهذا ذهب المشرع إلى إعطاء أهمية للمستثمرين من خلال الميثاق المنظم للاستثمار، وهذا الاتجاه ذهبت إليه مجموعة من الدول لتحقيق التنمية الاقتصادية، وهذا ما كرسه المشرع المغربي بوضع مجموعة من الامتيازات الضريبية من خلال الميثاق المتعلق بالاستثمار للرفع من السياسة الاقتصادية للدولة، التي أصبحت تتنافس مع الدول المتقدمة لجلب الاستثمار والمستمرين، فالمشرع ذهب في اتجاه الصحيح من خلال ميثاق الاستثمار وكذا الامتيازات التي جاء بها هذا الميثاق اتجاه المستثمر، وهذا ما سنعالجه من خلال التركيز على الأساس القانوني لميثاق الاستثمار في فقرة أولى: أما في الفقرة الثانية: فسنتناول بالتحليل الامتيازات الضريبية للمستثمرين.
الفقرة الأولى: الأساس القانوني لميثاق الاستثمار
تميز الأساس القانوني لميثاق الاستثمار، من خلال تعدد النقاشات والدراسات منذ أواخر الثمانيات، سواء على الصعيد النظري أو من طرف السلطات المختصة حول قوانين الاستثمار في المغرب منها، الرسائل الملكية حول الاستثمار كما تم تأسيس خلية وزارية برئاسة الوزير الأول للنظر في هذه القوانين و تعيين لجنة مهمتها إعداد دراسة حول قانون الاستثمار بغية ملاءمته وتبسيطه، أمام تضارب تقارير كل من اللجنة التقنية التابعة للوزير الأول وتقارير وزارة الاستثمارات الخارجية[93]، وكذا البنك الدولي من خلال دراسته التي تناولت الآثار والانعكاسات الجبائية والمالية لأهم مدونات الاستثمار التي جربها المغرب حيث خلصت إلى ضرورة إعادة صياغة قانون استثمار جديد، مما يميز هذه الدراسة باعتبارها الإطار النظري الذي شكل أرضية للتوجهات الجديدة التي يتأسس عليها مشروع قانون إطار بمثابة ميثاق الاستثمار[94] المعلن عنه في خطاب ملكي في 16 ماي 1995 بحيث تبنى قانون إطار بمثابة ميثاق الاستثمار لسنة 1995،[95] نتيجة لعدة متغيرات سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي[96] ليحل محل قوانين الاستثمارات القطاعية التي كانت من قبل، ولتجاوز السلبيات التي أفرزها التطبيق العملي لهذه القوانين، كما تم اعتماد على مبادئ جديدة بالنسبة لسياسة تشجيع الاستثمار[97].
وعليه يعتبر القانون 18.95 بمثابة ميثاق الاستثمارات من أهم القوانين التي مرت بتميزه بالأهداف الأساسية لدى الدولة[98]، و يهدف إلى سن تدابير تحفيزية للاستثمار، مما يفتح مرحلة جديدة لثقافة استثمارية تقوم على مرتكزات مضبوطة، منها على الخصوص تخفيف الضغط الجبائي على المقاولات، واعتماد أنظمة تفضيلية لصالح التنمية الجهوية وتعزيز وتقوية الضمانات الممنوحة للمستثمرين سيما على مستوى إصلاح الإدارة والقضاء، وتسهيل التعامل مع مديرية الضرائب وإنعاش المناطق المالية الحرة، كما أن ميثاق الاستثمار يتضمن عدة تحفيزات جمركية وجبائية[99] وهذا ما سنتطرق إليه من خلال الفقرة الثانية بعنوان الامتيازات الضريبية المستجدة بميثاق الاستثمار لتشجيع المستثمرين.
الفقرة الثانية: الامتيازات الضريبية لتحفيز المستثمرين
عرف الاستثمار مجموعة من التطورات على المستوى الضريبي، مرورا بالقوانين المنظمة للاستثمار إلى ميثاق الاستثمار الذي اعتبر وعاء للإعفاءات الضريبية التي تعد عاملا مهما تنهجه العديد من الدول ذات النظام السياسي الليبرالي قصد جلب الاستثمارات، وهذا ما تم نهجه من طرف المغرب حيث تبنى اتجاها تشريعيا مشجعا يعتمد الأداء الضريبي كمحفز لبعض الأنشطة الاقتصادية ذات الأسبقية، وقد تم تحقيق هذه المقاربة بواسطة مجموعة من القوانين المشجعة للاستثمار[100] لأجرأة السياسة الاستثمارية للدولة ومنح العديد من التحفيزات والامتيازات الضريبية منها[101].
الرسوم الجمركية،
الضريبة على القيمة المضافة،
رسوم التسجيل،
واجب التضامن الوطني،
الضريبة على الشركات،
الضريبة العامة على الدخل،
الاستهلاك والتنافسية،
الاحتياطي المرصد للاستثمار فيما يتعلق بالضريبة على الشركات والضريبة العامة على الدخل،
الضريبة على الأرباح العقارية،
الضريبة المهنية،
الضريبة الحضرية
الضريبة المحلية.
من تم يستخلص أن إعادة النظر في السياسات الضريبية يؤثر بشكل كبير في قرارات المستثمرين بشأن التوسع أو الحد أو الحفاظ على معدل التشغيل أو الإنتاج المتوقع في فترة قادمة، وتختلف الحوافز الضريبية للاستثمار باختلاف الدول المانحة لها كما تختلف باختلاف ظروف النشاط الاقتصادي[102].
كما سعى الميثاق إلى تكريس تدابير مالية وعقارية وإدارية التي تجعل المستثمر أمام أرضية إنجاز استثماراته، وكذا نظام الصرف الذي يشجع على المعاملة بالأوراق المالية لدى الدول فيما بينها كما تتكفل الدول ببعض النفقات لتشجيع الاستثمار وإحداث صندوق إنعاش الاستثمار والارتقاء بالمناطق الصناعيةمن طرف الدولة في الأقاليم أو العمالات ونهج سياسة استبدال المستثمرين وتقديم المساعدة لهم وخلق مرافق إدارية لتسهيل الإجراءات الإدارية.
يتبين من خلال هذه المواد بأن المشرع قد عمل على الأخذ بمبدأ القياس مع الدول المنافسة لجلب الاستثمار وإنعاش الاقتصاد الوطني، وهذا ما تبنه المشرع في ميثاق الاستثمار 18.95، لأن المعاملة الضريبية تعتبر عاملا أساسيا يجب أخده في الحسبان عند فرض الضريبة لكي تساهم هذه الأخيرة في تمويل الإنفاق العام مع المحافظة على وجوده وهو ما يفيد أن الطاقة الضريبية فكرة إنسانية واقتصادية في آن واحد[103]، هدفها تشجيع الاستثمار ومحاربة التملص الضريبي.
خاتمة:
بالرغم من ذلك فإن الوضع البيئي مازال يتناقض مع الوضع الاستثماري من خلال المجهودات المبذولة من طرف دول العالم، لخلق توازنات بين الدول المصنعة والدول غير المصنعة، لأن الوضع أصبح عليه ضروريا مواكبة التطور الاقتصادي والتكنولوجي والتقدم الاجتماعي، وكذا التوسع العمراني ونزايد السكان من جعل عدم توازن بين البيئة ومحيطها الاقتصادي، فالإطار التشريعي للبيئة والاستثمار بالمغرب، يتجلى في القوانين المنظمة لهما، وعلى رأس هذه القوانين نجد الدستور الذي يبقى أسمى قانون بالبلاد، منه تتفرع القوانين التنظيمية، بالإضافة إلى الفاعلين المتدخلين في الحقل البيئي والاستثمار، تعزيزا للمنظومة البيئية والاستثمارية التي تلعب دورا فعالا في تحقيق التنمية المستدامة، لأن البيئة رضيعة التنمية، والاستثمار شقيقها، وقد قطع المغرب أشواطا مهمة بسنه مجموعة من القوانين التي تنظم المجال البيئي الذي أصبح له اهتمام كبير من قبل جميع الأجهزة الدولية والوطنية، يسري ذات الأمر على الاستثمار بترسيخ ترسانة قانونية مهمة لتحقيق التنمية الاقتصادية للرفع من المردودية الاجتماعية عن طريق الفاعلين والمتدخلين لتلبية حاجيات المجتمع ككل.
بحيث كان الاهتمام بالمجال البيئي وعلاقته بالاستثمار في صلب التوجهات الخاصة بالسياسات العمومية، مما دفعه إلى إعداد مجموعة من القوانين التي تنظم المجال البيئي والاستثماري، باعتبارهما من بين الأوليات لدى الدولة، فالدولة بدون قوانين بيئية واستثمارية لا يمكن النهوض بمجالاتها التنموية، لوجود روابط جد وطيدة بين البيئة والاستثمار، مما يلزم كل الدول بوضع قوانين ذات صبغة ملائمة للتغيرات المناخية.
(محاماه نت)