دراسات قانونية

تسليم البضائع في عقد النقل البحري (بحث قانوني)

تسليم البضائع في عقد النقل البحري

Delivery of goods in the contract of Maritime Transport

شيهاب عينونة، طالبة في سلك الدكتوراه في القانون البحري والنشاطات المينائية

جامعة وهران 2 محمد بن أحمد، الجزائر.

Chiheb ainouna,university oran 2 mohamed ben ahmed,Algeria.

الملخص:
تسليم البضائع عملية مهمة في سلسلة النقل البحري وعلى أساسه ينقضي عقد النقل ويتحلل الناقل من مسؤوليته في حالة ما إذا وصلت البضائع سليمة إلى المرسل إليه بعد التحقق منها، أما إذا أصيبت البضائع بهلاك أو تلف وحتى التأخير في تسليمها فإن الناقل يصبح ملزمًا بتعويض المرسل إليه وفقًا لإجراءات الإخطار المحددة.

الكلمات المفتاحية: عقد النقل البحري، البضائع، تسليم، الناقل، المرسل إليه، هلاك، تلف، تأخير، مسؤولية.
Abstract :

Delivery of goods is an important process in the shipping chain, on the basis of which the contract of carriage terminates and the carrier degrades its liability in the event that the goods arrive intact to the consignee after verification, If the goods are damaged and even delayed delivery, the carrier becomes obliged to compensate the consignee in accordance with the specified notification procedures.

Keywords : Contract of Maritime Transport, the goods, Delivery, the carrier, consigner, destruction, damage, delay, liability.

مقدمة

عقد النقل هو العقد الذي يتعهد فيه الناقل بأن ينقل بحرا بضاعة للشاحن في الميناء المقصود لقاء أجر معلوم، و في ظل هذا العقد يترتب على الناقل تسليم البضائع بحالة سليمة إلى المرسل إليه، ويعد الناقل مسؤولا عند حدوث هلاك أو تلف، إلا إذا توفر لديه سبب من الأسباب التي تبيح له دفع المسؤولية عن كاهله والإعفاء منها، وعلى أساسه تطرح الإشكالية التالية: كيف يتم تسليم البضائع في ظل عقد النقل البحري؟

المبحث الأول: الإطار العام لعملية تسليم البضائع:

تسليم البضائع عمل قانوني يتحقق به تنفيذ الناقل لالتزاماته ويترتب عليه انقضاء عقد النقل البحري، فلا تنتهي مسؤولية الناقل عن البضاعة إلا بتسليمها للمرسل إليه أو نائبه تسليماً فعلياً بحيث تنتقل إليه حيازتها ويتمكن من فحصها والتحقق من حالتها أو مقدارها، ولا يغنى عن ذلك التسليم وصول البضاعة إلى الجهة المقصودة، ولو أخطر المرسل إليه بوصولها وأعذر باستلامها طالما أنه لم يتسلمها فعلاً.[1]

المطلب الأول: مفهوم تسليم البضائع:

النصوص الدولية من معاهدة بروكسل وقواعد هومبورغ وكدا اتفاقية روتردام لم تعط أية واحدة منها مفهوماً محدداً للتسليم، و قد عرف الأستاذ روديار التسليم كما يلي: يعد التسليم تصرفا ينهي الالتزام الأساسي للناقل بوضع البضائع لحساب المرسل إليه، و يقبل هذا الأخير بأخذ البضائع المسلمة له بحضوره، و يفهم من هذا التعريف أن التسليم لا يكتمل إلا بواسطة مساعدة و مؤازرة إرادة الناقل و المرسل إليه، و منه يتم التسليم من الطرفين: الناقل عنذما يلتزم بالتسليم والمرسل إليه بقبوله أخذ البضائع.

و قد أعطى القانون البحري الجزائري تعريفاً للتسليم ليس بالبعيد عن تعريف الأستاذ روديار و ذلك في المادة739 فقرة 02 بنصها: “التسليم هو تصرف قانوني يلتزم الناقل بموجبه بتسليم البضاعة المنقولة إلى المرسل إليه أو إلى ممثله القانوني، مع إبداء قبوله بها، ما لم ينص على خلاف ذلك في وثيقة الشحن”. [2]

ويستنتج من هذه المادة أن التسليم يتم في الوقت الذي يأخذ المرسل إليه البضائع، على اعتبار أن عقد النقل البحري يبدأ من يوم تحمل الناقل عملية شحن البضائع وينتهي إلى غاية تسليمها للمرسل إليه أو لممثله القانوني، و من الواضح أن هذه المادة لم تحدد بصورة دقيقة الوقت الذي يعتبر فيه أن البضائع قد سلمت للمرسل إليه، وينتج عن التسليم انتقال عبء تحمل الخسائر والأخطار إلى المرسل إليه وكذا بداية سريان آجال الإخطارات، غير أن هذه القاعدة لها استثناء إذ أنه يمكن انتقال عبء تحمل الأخطار إلى المرسل إليه دون حدوث تسليم وذلك في حالة ما إذا بلغ الناقل المرسل إليه بالتسليم ولا يتقدم هذا الأخير للتسليم أو رفض أخذ البضائع.[3]

ولا يعتبر تسليم البضاعة إلى مصلحة الجمارك تسليماً فعلياً؛لأن هذه المصلحة لا تعد نائبة عن المرسل إليه في استلام البضاعة وإنما تتسلمها بناء على الحق المخول لها بالقانون ابتغاء تحقيق مصلحة خاصة بها هي تحصيل الرسوم الجمركية المستحقة عليها.

وقد نصت قواعد هومبورغ في مادتها04 فقرة 02 بنذ – ب –على اعتبار أن البضائع قد تم تسليمها بمجرد تسليمها للمرسل إليه، أو بوضعها تحت تصرف المرسل إليه وفقاً للعقد أو القانون أو العرف المتبع في التجارة المعينة بميناء التفريغ، وذلك في الحالات التي لا يتسلم فيها المرسل إليه البضائع من الناقل، أو بتسليمها إلى سلطة أو طرف ثالث آخر توجب القوانين أو اللوائح السارية في ميناء التفريغ تسليم البضائع له.

وتسبق عملية التسليم عملية التحقق من البضاعة وفحصها والتي تحصل على الرصيف بعد التفريغ، وهذه العملية تشمل التحقق من ذاتية البضاعة وكميتها عداً وكيلاً أو مقاساً أو وزناً، و من حالتها إذا كان بها هلاك أو عجز أو تلف ، وتستهدف هذه العملية أغراضاً ثلاثة:

1- إثبات أن كل البضاعة قد فرغت.

2- معرفة حالتها وإثبات ما بها من تلف.

3- حساب الأجرة إذا كان متفقا على تحديد قدرها على أساس الكمية المفرغة.

والتحقق من البضاعة حق للمرسل إليه لا يتوقف على مكان التسليم أو طبيعة البضاعة أو الحالة الخارجية للطرود؛ فالتحقق يرد على الحالة الداخلية للطرود كما يرد على الحالة الخارجية ، وهو تحقق يحصل دون شكلية معينة و دون أية مصاريف، ولكن كيف يمكن للمرسل إليه فحص البضاعة وهو لم يتسلمها بعد طالما أن عملية التحقق من البضاعة وفحصها تسبق عملية التسليم؟

الواقع أن التسليم المقصود الذي ينهى عقد النقل البحري هو التسليم بالمعنى القانوني وهو يتكون من عدة عمليات:

1-وضع البضاعة في حيازة المرسل إليه أو بعبارة أخرى التسليم المادي الذي يتم بوضع البضاعة في حيازة المرسل إليه.

2- هي العملية التي يتم بها التسليم القانوني وتكون بعد حصول ذلك التحقق من جانب المرسل إليه حيث يسلم هذا الأخير الناقل سند الشحن مؤشراً عليه بما يفيد التخالص أو أية مخالصة أخرى.

ويقوم المرسل إليه عند وصول البضائع بتسليم سند الشحن إلى شركة الملاحة التي تسلمه في المقابل أمر التسليم “deliveryorder”، الذي يقدمه المرسل إليه إلى الربان ليتسلم بضاعته وأمر التسليم الموقع عليه من الناقل أو ممثله يخول المستفيذ حقاً مباشراً قبل الربان، ويتمتع حامل أمر التسليم بكافة الحقوق والالتزامات والمزايا التي يتمتع بها حائز سند الشحن بالنسبة للبضاعة ، وقد يكون أمر التسليم اسمياً أو لحامله كما قد يتضمن شرط الأذن.[4]

ويثار تساؤل حول ما إذا كان من الممكن أن يكون التفريغ ممزوجاً مع التسليم؟

فالتسليم لا يتم إلا في ميناء المرسل إليه مع الوضع في الحسبان الظروف الاستثائية كالحرب و الإضراب أن يتم التسليم في ميناء قريب ، فالتسليم لا يتم إلا مع نهاية التفريغ ، ولا يمكن أن يحصل التسليم قبل نهاية التفريغ ولكن يمكن أن يكون ملازما لنهاية التفريغ.

المطلب الثاني: تنفيذ الالتزام بالتسليم:

يعد وقت التسليم أحد المواضيع الأكثر إشكالاً في مجال النقل البحري على أساس أن النصوص لم تقم بتوضيح نهايته، فبالنظر إلى معاهدة بروكسل لم تتناول توضيح تسليم البضائع في الأحكام العامة، أما قواعد هومبورغ فحسب الفصل المتعلق بالأحكام العامة يمتد وقت التسليم إلى غاية تنفيذ الناقل لعملية التسليم.

أما عن طرق التسليم التي يقصد بها نهاية تنفيذ عمليات التسليم؛ فهذه الطرق لا تحكمها أية قواعد محددة سواء على الصعيد الدولي أو الداخلي، فالأطراف ي أحرار في الاتفاق على كيفية التسليم كشرط التسليم تحت الروافع.[5]

أولا- قبول تسلم البضائع:

عند وصول البضائع إلى مقصده، يعلم الناقل أو أحد أعوانه المرسل إليه بوصول البضاعة، حينها يجب على المرسل إليه الذي يطالب بتسليم البضائع إليه بمقتضى عقد النقل أن يقبل تسلم البضائع في الزمان والمكان المتفـق عليهـما في عـقـد النقل، وفي حال عدم وجود اتفاق على الزمان والمكان اللذين يمكن بصورة معقولة يوقع التسليم فيهما تراعى العادات أو الأعراف أو الممارسات المتبعة في المهنة و ظروف النقل.[6]

فقد أثارت المادة 43 من اتفاقية روتردام عدة نقاشات، وتوصل الفريق الإفريقي العامل على هذه الاتفاقية إلى أنه يجب التوضيح والتدقيق في توجيه الناقل للمرسل إليه إشعاراً بالوصول حتى يسمح له في أخذ الإجراءات الخاصة باستقبال البضائع.

فالمنطق يفرض أن يكون من له الحق في قبول التسليم على علم بأن “البضائع قد وصلت إلى مقصدها” كما يفهم من الجملة الأولى من المادة 43، وأخيراً أحكام المادة 43 لا تتناول سوى توضيح زمان التسليم ومكانه.

وزمان التسليم ومكانه لا يكون متفق عليها مبدئياً إلا في وثائق النقل التي تعبر عن العلاقة التعاقدية، وإذا لـم يحدد العقد زمان التسليم ومكانه، فـيجـب اللجـوء إلـى العادات أو الأعـراف أو الممارسات المتبعة في المهنة وظروف النقل طبقاً للمادة 43 منها.[7]

ثانيا- الإقرار بتسلم البضائع:

عند التسليم يقر المرسل إليه، بناء على طلب الناقل أو الطرف المنفذ الذي يسلم البضائع، بتسلم البضائع من الناقل أو الطـرف المنفذ على النحـو المـتعارف عليه في مكان التسليـم، و يجوز للناقل أن يرفض التسليم إذا رفض المرسل إليه أن يقر بذلك التسلم.[8]

المبحث الثاني: الإجراءات القانونية المتخذة عند حدوث إشكال في تنفيذ التسليم:

توجد بعض الإجراءات القانونية الواجب اتخاذها في حالة حدوث إشكال في تنفيذ تسليم البضائع، وهي غاية في الأهمية لدرجة أنه كثيرا ما يؤدي عدم احترامها أو عدم الإلمام بها أو التكاسل والتباطؤ في القيام بها في مدة محددة إلى فقدان الحق بكامله.

المطلب الأول: الإمتناع عن إستلام البضائع:

إذا لم يتقدم المرسل إليه لاستلام البضاعة، أو رفض استلامها، وإذا كان غير معروف،يودع الناقل البضاعة في المستودع في مكان أمين على نفقة المرسل إليه ويقوم فورا بإعلام الشاحن بذلك والمرسل إليه إذا كان معروفا، ويحق للناقل التعويض المطابق للخسائر التي تلحق به من جراء التأخير غير المبرر في استلام البضائع من قبل المرسل إليه.

وإذا لم تسحب البضائع التي وضعت المستودعات ولم تدفع جميع المبالغ المستحقة للناقل من طرف المرسل إليه عن نقل البضاعة خلال شهرين ابتداء من وصول السفينة إلى ميناء التفريغ،يجوز للناقل بيع البضاعة بموافقة السلطات القضائية المختصة،إلا إذا قدمت كفالة كافية من صاحب الحق في البضائع، وإذا كانت البضائع غير المطالب بها قابلة للتلف بسرعة أو كانت مصاريف إيداعها تزيد عن قيمتها فإنه يمكن بيعها قبل إيداعها في المستودع وقبل انقضاء شهرين، وإذا كان بيع البضائع لا يكفي لتغطية جميع ديون الناقل ومصاريفه المتعلقة بإيداع البضائع وكذلك مصاريف بيعها فيعد الشاحن مسؤولا عن الباقي.[9]

كما أجازت قواعد هومبورغ في المادة 04 فقرة 2 بند ب -2- تسليم البضاعة إلى أية سلطة مصرح لها بموجب القوانين و الأنظمة في ميناء الوصول.

و قد اعتبرت قواعد روتردام أن البضاعة غير مسلمة إذا كانت قد وصلت لمقصدها ولكن توجد إحدى الحالات الآتية:

– لم يقبل المرسل إليه تسلمها في الوقت والمكان المتفق عليهما أو المتوقع التسليم فيهما.

– تعذر العثور على الطرف المسيطر أو الشاحن أو الشاحن المستندي أو لم يوجه أي منهم إلى الناقل تعليمات وافية.

– أصبح للناقل الحق أو وجب عليه أن يرفض التسليم.

– لم يسمح للناقل بتسليم البضاعة إلى المرسل إليه بمقتضى قانون أو لوائح المكان الذي يطلب تسليم البضاعة فيه.

– تعذر للناقل تسليم البضاعة لأسباب أخرى غير ما سبق ذكره.[10]

وقد أعطت اتفاقية روتردام الحق في أن يتخذ على مسؤولية ونفقة أصحاب الحق في البضاعة ما تقتصيه الظروف من إجراءات مناسبة بما فيها:

– تخزين البضاعة في مكان مناسب.

– إذا كانت البضاعة داخل حاوية فيجدر بالناقل تفريغها منها والتصرف فيها بنقلها لمكان آخر أو العمل على إتلافها.

– بيع البضاعة وفقاً للأعراف المتبعة أو بمقتضي قانون أو لوائح المكان الذي توجد فيه البضاعة.

و لا يجوز للناقل ممارسة الحقوق السابقة إلا بعد توجيه إخطار بالتدابير التي يعتزم اتخاذها للشخص الذي يتعين إبلاغه بوصول البضاعة أو إلى المرسل إليه أو الطرف المسيطر أو الشاحن أن كان معروفاً لدى الناقل.

كما تعطى المادة 50 من اتفاقية روتردام للناقل الحق في حبس البضاعة لاستيفاء المبالغ المستحقة له؛ حيث تنص على أنه “ليس في هذه الاتفاقية ما يمس بما يكون للناقل أو الطرف المسيطر من حق في الاحتفاظ بالبضاعة بمقتضى عقد النقل أو القانون المطبق ضماناً لسداد المبالغ المستحقة له”.

وإذا بيعت البضاعة يجب على الناقل أن يحتفظ بعائدات البيع لمصلحة الشخص صاحب الحق في البضاعة بعد خصم كافة المصاريف التي تكبدها الناقل أو أي مبالغ أخرى مستحقة له.

ولا يسأل الناقل عما يحدث للبضاعة من تلف أو هلاك في أثناء الوقت الذي تبقي فيه غير مسلمة ما لم يثبت المطالب أن الهلاك أو التلف قد نجم عن عدم اتخاذ الناقل ما كان يعقل اتخاده في الظروف القائمة من خطوات للحفاظ على البضاعة ، وأن الناقل كان على علم أو كان يجدر به أن يعلم اأن عدم اتخاذ تلك الخطوات سيؤدي إلى هلاك البضاعة أو تلفها.[11]

كما نص القانون البحري الجزائري في مادته 793على أنه: “إذا لم يتقدم المرسل إليه لاستلام البضاعة أو رفض استلامها وإذا كان غير معروف، يودع الناقل البضاعة في المستودع في مكان أمين على نفقة المرسل إليه و يقوم فـوراً بإعـلام الشاحـن بذلك و المرسل إليه إذا كان معروفاً”.

و من ثم فإن إيداع البضائع في مستودع لا يعني تسليم البضائع إلى المرسل إليه، غير أن الناقل يبقي ملتزما تجاه الشاحن بوضع البضائع لشخص المرسل إليه أو من ينوب عنه، كما أن إيداع البضائع في مستودع يعدضمانا لتسديد أجرة النقل إذا كانت مستحقة على المرسل إليه.

و إذا مر على هذا الإيداع مدة شهرين أو لم تدفع المصاريف المستحقة على المرسل إليه، يمكن للناقل بيع البضائع بموجب حكم قضائي إلا إذا قدمت كفالة كافية من طرف أصحاب الحق في البضائع.[12]

المطلب الثاني:حالة حدوث ضرر بالبضائع.

لقد تضمنت الاتفاقـيات الدولـية ومعـظم القوانين على حث الشاحـنـيــن المضروريـن أو أصحاب الحق في المطالبة كالمرسل إليه باتخاذ إجراءات معينة في سبيل الرجوع على الناقل البحري بالتعويض من المسؤولية وذلك بإخطاره بحصول الضرر المتمثل في هلاك البضاعة أو تلفها.[13]

ويتعين علينا التعريف بطبيعة هذا الضرر سواء كان هلاكا أو تلفا أو تأخير في التسليم.

أولا: المقصود بالهلاك و التلف و التأخير:

هلاك البضائع قد يكون كليا أو جزئيا، والهلاك الجزئي يأخذ حكم التلف.

أما تلف البضاعة فيعنى وصولها كاملة من حيث مقدارها ولكنها تالفة كأجهزة تحطمت أو مرايا تهشمت، أو عطب جزء من البضاعة مع صلاحية الباقي؛ إذ يستوي أن يشمل العيب البضاعة كلها أو جزء منها.

و لكن ما هو الحكم لو تلف جزء من البضاعة بحيث لا يصلح استعمال الباقي فيما أعد له؟

يذهب رأي إلى أنه في هذه الحالة يعد هلاكا كليا للبضاعة ، إلا أن هذا الرأي عيب عليه على أساس أن فيصل التفرقة بين الهلاك الكلي والهلاك الجزئي هو حصول تسليم من عدمه، فإذا كانت البضاعة قد سلمت إلى المرسل إليه ومهما كان قدر التلف الذي لحق بجزء منها والذي يؤدي إلى عدم صلاحية الجزء الباقي للاستعمال فيما أعد له، فإن الأمر لا يرقي إلى حصول هلاك كلي.

إذ الفرض في الهلاك الكلي أنه ليس ثمة تسليم للبضاعة أو جزء منها، أما إذا حصل تسليم ولو كان التلف شاملا للبضاعة كلها فإننا نكون بصدد حالة تلف كلي و ليس هلاكا كليا.

ويأخذ الهلاك الجزئي حكم التلف ، وصورة الهلاك الجزئي أن يصل جانب من البضاعة فقط؛ أي أن يلحق البضاعة نقصان في الوزن أو الحجم أو المقاس أو العدد، مثال ذلك: أن تكون البضاعة عشرة طرود ولا يسلم منه عنذ الوصول غير سبعة طرود، غير أنه لا يعد نقصاً في البضاعة يسأل عنه الناقل البحري النقص العادي الذي يصيب البضاعة في أثناء نقلها بسبب طبيعتها أو بسبب عملية النقل وهو ما يعرف بعجز الطريق.

وتحديد وجود مقدار الهلاك الجزئي يكون بمقارنة ما هو وارد بسند الشحن من بيانات تتعلق بوزن أو قياس أو حجم أو عدد الطـرود التي تكـون مجمـوع البـضائع بوزن أو مقاس أو حجم أو عدد الطرود التي يسلمها الناقل لصاحب الحق في البضاعة عند الوصول.

وإذا تضمن سند الشحن تحفـظاً يتعلق بالبـيانات الواردة به، الخاصة بالـوزن أو المقاس أو الحجم أو عدد الطرود، فإنه يقع على عاتق المدعى بغية إثبات الهلاك الجزئي إثبات حقيقة المقدار المشحون من البضاعة، وإذا كان سند الشحن نظيفاً أي خالياً من التحفظات، فإن ذلك يفترض معه أن الناقل قد تسلم البضاعة في حالة جيدة، و من تم يسأل عن كل ما يصيب البضاعة من هلاك أو تلف.

أما المقصود بالتأخير فيعنى أن يكون ثمة تأخير من جانب الناقل في تسليم البضائع إذا لم يسلمها لصاحب الحق فيها في الميعاد المتفق عليه، أما إذا لم يكن ثمة ميعاد متفق عليه للتسليم فإن الناقل يتعين عليه أن يسلم البضائع في الميعاد الذي يسلمها فيه الناقل العادي في ظروف النقل المماثلة.

وفي حالة التأخير يفترض أن البضاعة وصلت سليمة، والتأخير على عكس الهلاك أو التلف ليس ضرراً بذاته، وإنـما يكـون الضرر في النتائـج التي تترتـب عـليه، والذي يكون بالضرورة ضرراً اقتصادياً يتمثل في فوات الكسب أو وقوع خسارة، وهذا الضرر قد يقع على البضاعة كما إذا كانت فاكهة وفسدت. ويسأل الناقل عن مثل هذا الضرر بوصفه تلفاً.

وقد يقع الضرر على الشاحن أو على منشأته كما إذا فوت عليه التأخير صفقة مربحة أو ألحق به خسارة نشأت عن تعطيل العمل في المنشأة بسبب تأخر وصول الآلات المطلوبة، فإثبات التأخير لا يثير أية صعوبة؛لأن مجرد حلول ذلك الميعاد دون حصول تسليم يكون بذاته خطأ عقديا، ومن ثم لا يحتاج المدعى بعد ذلك إلا إثبات الضرر بوجود علاقة سببية مفروضة بين الخطأ والضرر.[14]

ثانياً: الإخطار عن حدوث الهلاك أو التلف أو التأخير:

الحكمة من وراء عمل الإخطار هو إثبات الحالة التي عليها البضاعة في مواجهة الناقل تمهيداً لرفع الدعوى عليه، أو لتمكينه من مواجهة الموقف إذا كانت لديه أسباب تعفيه من المسؤولية، أو لإعطائه الفرصة لمحاولة التوصل إلى حل ومصالحة مع الشاحن بتعويضه أو لتقديم المنازعة إلى محكمين يتفق عليهم الأطراف.[15]

1-الإخطار في حالة الهلاك أو التلف:

لقد نصت المادة 03 فقرة 06 من معاهدة بروكسل على أنه: “إذا لم يحصل إخطار كتابي بالهلاك أو التلف، و بماهية هذا الهلاك أو التلف للناقل أو وكيله في ميناء التفريغ قبل وقت تسليم البضاعة أو في أثناء التسليم، ووضعها في عهدة الشخص الذي يكون له الحق في استلامها طبقا لعقد النقل، فإن هذا التسليم يعد قرينة على أن الناقل قد سلم البضائع بالكيفية الموصوفة بها في سند الشحن، إلى أن يثبت العكس، وإذا كان الهلاك أو التلف غير ظاهر فيجب أن يحصل الإخطار في مدى ثلاثة أيام من التسليم ، ولا يترتب على هذه الإخطارات المكتوبة أي أثر، إذا كانت معاينة البضاعة من التسليم قد حصلت.

وفي جميع الأحوال ترتفع عن الناقل والسفينة كل مسؤولية ناشئة عن الهلاك أو التلف إذا لم ترفع الدعوى في خلال سنة من تسليم البضاعة أو من التاريخ الذي كان ينبغى تسليمها فيه، وعلى الناقل ومستلم البضائع في حالة الهلاك أو التلف المحقق أو المدعى حدوثه أن يتبادلا تقديم التسهيلات المستطاعة للتفتيش على البضاعة والتحقق من عدد الطرود.

ويلاحظ أن البند الثالث الخاص بحالة إجراء المعاينة قد ترجم خطأ وترجمته الصحيحة هي أنه:”لا تكون هناك حاجة للإخطار الكتابي إذا كانت حالة البضائع وقت تسليمها محلا لمعاينة مشتركة أو تفتيش”.

وقد استقر القضاء على أن المقصود بالإخطار أن يحاط الناقل علماً بالعجز أو العوار المدعي به، وبأن المرسل إليه لا يرتضيه ويتمسك بحقوقه الناشئة عنه؛ حتى يتمكن الناقل من إعداد أدلته استعداداً لدعوى المسؤولية.

وعليه فإن علم الناقل بالعجز عند التسليم لا يعفى المرسل إليه من توجيه الإخطار حتى يفصح عن موقفه في هذا العجز، كما يشترط في الإخطار، حتى يحفظ حق المرسل إليه قبل الناقل، في حالة التلف أو العجز أن يسلم للناقل أو وكيله أو يثبت امتناعه عن استلامه.

كما عدوا عدم توجيه الإخطار قرينة على أن الناقل قد سلم البضاعة بالكيفية الموصوفة بها في سند الشحن إلا أنه يجوز إثبات عكسها، ويجب أن يوضح الإخطار الضرر على وجه التحديد بعد استلام البضاعة وفحصها، أما الإخطار الذي يرسل قبل استلام البضاعة ويقتصر على تحفظ المرسل إليه على ما قد يظهر بالبضاعة من عجز أو تلف عنذ استلامها فإنه لا يعتد به.

و عليه فإن المرسل إليه ملزمبأن يوجه الإخطار الكتابي وقت التسليم في الفترة المحددة، ولا يترتب على عدم توجيه الإخطار سقوط دعوى المسـؤولية أو عـدم قبولها، و إنما كل ما يترتب على ذلك أن تقوم في حق المرسل إليه قرينة بأنه تسلم البضائع بالحالة الموصوفة بها في سند الشحن، وهذه القرينة هي قرينة بسيطة قابلة لإثبات العكس بكافة طرق الإثبات.

ولا يسقط حق المرسل إليه في إقامة دعوى المسؤولية إلا بالتقادم، وقد اشترطت معاهدة بروكسل تقديم الإخطار إلى الناقل أو وكيله في ميناء التفريغ ولا محل للإخطار بطبيعة الحال في حالة الهلاك الكلي؛ لأنه لا يكون هناك تسليم ما.[16]

وقد تطرقت المادة 19 من قواعد هومبورغ للإخطار بالهلاك أو التلف أو التأخير فنصت على أنه: “ما لم يقم المرسل إليه بإخطار الناقل كتابة بالهلاك أو التلف مع تحديد الطبيعة العامة لهذا الهلاك أو التلف، و ذلك في تاريخ لا يتجاوز يوم العمل الذي يلي مباشرة تسليم بضائع إلى المرسل إليه، اعتبر هذا التسليم قرينة ظاهرة على أن الناقل سلم البضائع كما هي موصوفة في وثيقة النقل، فإذا لم تكن هذه الوثيقة قد أصدرت اعتبر قرينة ظاهرة على أنها سلمت بحالة سليمة.

– إذا كان الهلاك أو التلف غير ظاهر ، تسرى بالقدر نفسه أحكام الفقرة 01 من هذه المادة إذا لم يوجه الإخطار الكتابي خلال 15 يوما متصلة تلى مباشرة يوم تسليم البضائع إلى المرسل إليه.

– إذا كانت قد أجريت بصورة مشتركة من الطرفين عملية معاينة أو فحص لحالة البضائع وقت تسليمها إلى المرسل إليه انتفت الحاجة إلى توجيه الإخطار الكتابي عما يتم التحقق منه في أثناء المعاينة أو الفحص المذكورين من هلاك أو تلف.

– في حالة وجود أي هلاك أو تلف فعلي أو متصور، يجب على كل من الناقل والمرسل إليه أن يقدم إلى الآخر جميع التسهيلات المعقولة لفحص البضائع وجردها.

– لا يستحق أي تعويض عن أية خسارة تنتج عن التأخير في التسليم ما لم يوجه إخطار كتابي إلى الناقل خلال 60 يوما متصلة تلى يوم تسليم البضائع إلى المرسل إليه مباشرة.

– إذا قام ناقل فعلي بتسليم البضائع، فأي إخطار يوجه بمقتضى هذه المادة إلى الناقل الفعلي يكون له نفس الأثر كما لو كان قد وجه إلى الناقل، كما يكون لأي إخطار يوجه إلى الناقل نفس الأثر كما لو كان قد وجه إلى هذا الناقل الفعلي.

– ما لم يقم الناقل أو الناقل الفعلي بتوجيه إخطار كتابي عن الخسارة أو الضرر إلى الشاحن يحدد الطبيعة العامة لهذه الخسارة أو الضرر، و ذلك في موعد لا يتجاوز 90 يوما متصلة تلى وقوع الخسارة أو الضرر أو تسليم البضائع مباشرة، وفقاً للفقرة 02 من المادة 04، أيهما أبعد، فإن عدم توجيه مثل هذا الإخطار يكون قرينة ظاهرة على أنه لم تلحق بالناقل أو الناقل الفعلي أية خسارة أو ضرر يرجع إلى خطأ أو إهمال من جانب الشاحن أو مستخدميه أو وكلائه.

– لأغراض هذه المادة ، يعد كل إخطار يوجه إلى شخص يتصرف نيابة عن الناقل أو الناقل الفعلي بما في ذلك ربان السفينة أو الضابط المسول عنها، أو إلى شخص يتصرف نيابة عن الشاحن، كأنه قد وجه إلى الناقل، أو الناقل الفعلي، أو الشاحن حسب الحالة.”[17]

ومن ثم فالإخطار واجب في حالتي الهلاك الجزئي والتلف دون الهلاك الكلي؛ وفقا للفقرات الأربعة من المادة 19 من قواعد هومبورغ ، فثمة تسليم ومعاينة وفحص وجرد للبضائع ، وكلها أمور تنتفى في حالة الهلاك الكلي.

فالالتزام بالإخطار يقع على عاتق المرسل إليه ، وهو يقوم به بنفسه أو بواسطة نائب عنه، وكذلك فإن الإخطار قد يوجه إلى الناقل أو إلى نائبه كالربان أو وكيل الشحنة أو الضائط المسؤول عن السفينة، على اعتبار أن هذا الأخير يتصرف نيابة عن الناقل و هذا ما أتت به الفقرتان 06 و 08 من نص المادة 19. [18]

أما عن طبيعة الإخطار في قواعد هومبورغ فيجب أن يكون كتابياً ومبيناً لطبيعة الهلاك أو التلف، فاشترطت الكتابة لتفادى النزاع بشأن حصول الإخطار، و لا يلزم الإخطار في حالة إجراء معاينة مشتركة بين الطرفين وقت تسليم البضائع، إذ مثل هذه المعاينة تمكنهما من التحقق معاً مما لحق البضائع من هلاك أو تلف.[19]

وبالرجوع إلى اتفاقية روتردام فقد تطرقت المادة 23 للإخطار عن الهلاك أو التلف بنفس الطريقة التي تناولتها المادة 19 من قواعد هومبورغ؛ إذ تنص هذه المادة بأنه: “يفترض أن يكون الناقل، في غياب ما يثبت العكس، قد سلَّم البضائع وفقاً لوصفها الوارد في تفاصيل العقد، ما لم يكن قد وجه إشعارا بحدوث هلاك أو تلف للبضائع، يبين الطبيعة العامة لذلك الهلاك أو التلف، إلى الناقل أو الطرف المنفذ الذي سلم البضائع ، قبل وقت التسليم أو عنده، أو في غضون سبعة أيام عمل في مكان التسليم بعد تسليم البضائع إذا لم يكن الهلاك أو التلف ظاهراً”.

غير أن غياب توجيه هذا الإخطار لا يحدث أية نتيجة مؤسفة من شأنها ضياع حق طالب التعويض، وفقاً لنص الفقرة 02 من المادة 23 من اتفاقية روتردام التي تنص على أنه: “لا يجوز أن يفضي عدم توجيه الإشعار إلى الناقل أو الطرف المنفذ إلى المساس بالحق في المطالبة بالتعويض عن هلاك البضائع أو تلفها، و لا إلى المساس بعبء الإثبات”.

إلا أنه عملياً، في هذه الحالة الأخيرة، يكون من الصعب إثبات أن الخسارة حدثت في أثناء تواجد البضائع بين أيدي الناقل.[20]

ويختلف ميعاد الإخطار حسب ما إذا كان الهلاك أو التلف ظاهراً أو غير ظاهر.

تنص معاهدة بروكسل طبقا لمادتها 03 فقرة 06على أنه في حالة الهلاك أو التلف الظاهر يتم توجيه الإخطار “قبل تسليم البضاعة أو في أثناء التسليم” ، وقد تغير هذا الميعاد في قواعد هومبورغ بموجب الفقرة 01 من المادة 19 إلى “في تاريخ لا يتجاوز يوم العمل الذي يلى مباشرة تسليم البضائع إلى المرسل إليه”[21]، ويعنى ذلك أن للمرسل إليه يوم كامل لعمل الإخطار الذي يلى يوم التسليم، بالإضافة إلى يوم التسليم ذاته، وبشرط أن يكون ذلك اليوم الذي يلى يوم التسليم يوم عمل، فإذا كان يوم عطلة امتد العمل إلى يوم العمل الذي يليه.[22]

أما إذا كان الهلاك أو التلف غير ظاهر، فطبقا لمعاهدة بروكسل يجب أن يحصل الإخطار في مدة ثلاثة أيام من التسليم، إلا أن الفقرة 02 من المادة 19 من قواعد هومبورغ تطلبت أن يوجه الإخطار الكتابي خلال 15 يوماً متصلة تلي يوم تسليم البضائع إلى المرسل إليه مباشرة.[23]

و قد أحدثت اتفاقية روتردام تغييراً بخصوص مدة الإخطار على خلاف المعاهدتين السابقتين، إذ اشترطت أن يكون الإخطار قبل وقت التسليم أو عنده، أو في غضون سبعة أيام عمل في مكان التسليم بعد تسليم البضائع إذا لم يكن الهلاك أو التلف ظاهراً.[24]

ويدخل في حساب المدة المتصلة أيام العطلات التي تتخللها ، إلا أنه إذا كان اليوم الأخير من الميعاد عطلة رسمية امتد الميعاد إلى يوم العمل التالي.

ونستنتج من المادة 19 من قواعد هومبورغ أن الإعفاء من توجيه الإخطار الكتابي من جانب المرسل إليه قاصر على ما تم التحقق منه من ضرر في أثناء المعاينة المشتركة فقط، فإذا ما ثبت وجود أضرار أخرى بعد عملية المعاينة المشتركة وجب على المرسل إليه إخطار الناقل بشأنها في المواعيد القانونية.

و مثال ذلك: إذا تمت معاينة مشتركة بين الناقل أو المرسل إليه للهلاك أو التلف الظاهر فإن هذه المعاينة لا تغن المرسل إليه من عمل إخطار للناقل خلال 15 يوما من الاستلام إذا ما اكتشف عند فتح الطرود أو الحاويات هلاكاً أو تلفاً غير ظاهر.

كما توجب الفقرة 04 من المادة 19 على الطرفين أن يتبادلا التسهيلات المعقولة لفحص البضائع والكشف عن الهلاك أو التلف والتعرف على مداه.[25]

أما بالرجوع للقانون البحري الجزائري فقد حددت المادة 790 منه وقت تقديم التحفظات بنصها“إذا حصلت خسائر أو أضرار للبضاعة ، يقوم المرسل إليه أو من يمثله بتبليغ الناقل أو ممثله كتابياً في ميناء التجميل، قبل وقت تسليم البضاعة أو عند التسليم، وإذا لم يتم ذلك ، تعد البضائع مستلمة حسبما تم وصفها في وثيقة الشحن إلى أن يثبت العكس.

وإذا لم تكن الخسائر و الأضرار ظاهرة، يبلغ عنها خلال ثلاثة أيام عمل، بداية من استلام البضائع.

ولا جدوى من التبيلغ الكتابي إذا كانت حالة البضائع محققاً فيها حضورياً عند استلامها.

وتعد باطلة كل الشروط التعاقدية الناصة على تكاليف زائدة بالنسبة لمن أرسلت إليه البضائع عن الشروط المبينة أعلاه.

ويفهـم من نص هذه المادة أنه يتعين على المرسل إليه أو ممثله في حالة اكتشاف خسائر أو أضرار أن يقوم بتبليغ الناقل أو ممثله كتابياً في ميناء التحميل قبل وقت تسليم البضاعة أو في وقت التسليم، وإذا لم يتم ذلك تعد البضاعة مستلمة حسبما تم وصفها في وثيقة الشحن إلى أن يثبت العكس.

أما إذا لم تكن الأضرار والخسائر ظاهرة لمتسلم البضائع، فقد منحه المشرع ثلاثة أيام عمل ابتداء من استلام البضاعة، إذا كانت مسؤولية الناقل لا تنقضي إلا بتسليمه البضاعة إلى المرسل إليه أو إلى ممثله القانوني، فهذا يعني أن عملية تفريغ البضاعة يقع على عاتقه ويتحمل بالتالي الأضرار والخسائر التي تلحق بالبضاعة في أثناء التفريغ[26]، و عليه لا يتمكن المرسل إليه من إثارة دعوى المسؤولية ضد الناقل إلا إذا أثبت بأن البضائع تم تسليمها متضررة وقد لحقتها خسائر.[27]

ويترتب على الإخطار في الميعاد القانوني قيام قرينة قانونية لمصلحة المرسل إليه على أن الناقل لم يسلم البضاعة كما هي مبينة في سند الشحن، ويجوز للناقل في هذه الحالة إثبات العكس بكافة الطرق، فللناقل أن يثبت أن الأخطار لا محل له؛ لأن البضاعة سلمت فعلا بأكملها أو بحالة جيدة.

أما إذا لم يحصل الإخطار في الميعاد القانوني فلا يترتب على ذلك سقوط دعوى المسؤولية أو عدم قبولها، بل تقوم قرينة قانونية لمصلحة الناقل على أنه سلم البضاعة كما هي مبينة في سند الشحن ، وهذه القرينة بسيطة يجوز للمرسل إليه إثبات عكسها بكافة الطرق ، كأن يثبت حدوث الهلاك أو التلف في أثناء عملية النقل.

2-الإخطار في حالة التأخير:

يعد الناقل قد تأخر في التسليم إذا لم يسلم البضائع في الميعاد المتفق عليه أو في الميعاد الذي يسلمها فيه الناقل العادي في الظروف المماثلة إذا لم يوجد مثل هذا الاتفاق.[28]

وحسب رأي الأستاذ R ACHARD من الصعب السماح للناقل بحفظ حق تسليم البضائع متى يشاء هو بعيداً عن جميع الآجال المقررة لكل ناقل حريص، فالمبدأ هو أن يتم تسليم جميع البضائع في الآجال المتفق عليها، أما في حالة تسليمها في آجال غير متفق عليها فإنه يعد بمثابة تأخر في التسليم.[29]

وكما سبق تبيانه فإن نصوص معاهدة بوركسل لم تتطرق إلى حالة الإخطار بالتأخير، على عكس قواعد هومبورغ، فوفقاً للفقرة 02 من المادة 05 من قواعد هومبورغ: “يقع التأخير في التسليم إذا لم تسلم البضائع في ميناء التفريغ المنصوص عليه في عقد النقل في حدود المهلة المتفق عليها صراحة او في حالة عدم وجود هذا ااتفاق في حدود المهلة التي يكون من المعقول تطلب إتمام التسليم من ناقل يقظ ، مع مراعاة ظروف الحالة “.

كما تفرض الفقرة 05 من المادة 19 من قواعد هومبورغ على المرسل إليه الالتزام بعمل إخطار كتابي للناقل في حالة التأخير في تسليم البضائع، وذلك خلال 60 يوما متصلة التالية لذلك التسليم، ويبدأ سريانها في اليـوم التالي لليوم الذي تـم فـيه تسليـم البـضاعة إلى المرسل إليه، و أثر عدم القيام بالإخطار الكتابي في حالة التأخير عن التسليم يختلف أثره عنذ عدم القيام به في حالة الهلاك أو التلف الذي يعتري البضاعة. فعدم قيام المرسل إليه بالإخطار الكتابي في الحالة الأخيرة يقيم مجرد قرينة بسيطة على تسلم البضاعة بحالتها المذكورة في سند الشحن.

أما في التأخير في التسليم فإن عدم توجيه الإخطار الكتابي في الميعاد يؤدي إلى سقوط حق المرسل إليه في مطالبة الناقل بالتعويض، ومنه لا يتم مساءلة الناقل، وفي كل الأحوال إذا قام الناقل الفعلي بتسليم البضائع إلى المرسل إليه فإن أي أخطار كتابي يوجه إلى الناقل الفعلي يكون له نفس الأثر كما لو تم توجيهه إلى الناقل، كما يكون لأي إخطار كتابي يوجه إلى الناقل نفس الأثر كما لو كان قد وجه إلى هذا الناقل الفعلي.[30]

خاتمة:

التسليم يعني وضع البضاعة تحت تصرف الشاحن أو المرسل إليه (أي تسليم فعلي) كاملة وسليمة بحالتها التي تمت عند الشحن، ويسلم الربان البضاعة عند وصولها إلى الحامل الشرعي لسند الشحن أو من ينوب عنه في تسلمها، و منه نستخلص النتائج التالية:

– تسليم البضائع هو العملية القانونية التي ينتهي بها تنفيذ عقد النقل، وبذلك يتميز عن التفريغ الذي يعد مجرد عملية مادية.

– يقع الالتزام بالتسليم على عاتق الناقل وحده أو من ينوب عنه.

– العبرة من التسليم هو التسليم الفعلي الذي يتم بعد فحص البضاعة ومعاينتها للتحقق من عددها ووزنها وحالتها.

– يتعين على الناقل أو من يمثله تسليم البضائع في المكان المتفق عليه للمرسل إليه القانوني أو من يمثله والذي يطالب باستلامها بناء على نسخة من وثيقة الشحن وفي حالة عدم إصدار أية وثيقة فيكون بناء على وثيقة صحيحة.

وتجدر الإشارة إلى أنه إذا تعلق الأمر بسند شحن اسمييتوجب تسليم البضاعة لمن كان اسمه واردا فيه، أو لمن انتقل إليه بطريق حوالة الحق (أي لمن انتقل إليه هذا السند بموجب إجراءات حوالة حق). – إذا كان سند الشحن لأمر فتسلم البضاعة لمن صدر السند باسمه، مقترنا بشرط الأمر أو إلى المظهر إليه.

إذا كان سند الشحن لحامله فتسلم البضاعة لمن بيده سند الشحن عند الوصول.
ولكن في حالة تعدد حملة سند الشحن، فمن له حق تسلم البضاعة؟

– إذا تقدم عدة أشخاص يحملون نسخا من سند الشحن القابل للتداول بطلب تسلم البضاعة، وجب تفضيل حامل النسخة التي يكون أول تظهير فيها سابقا على تظهيرات النسخ الأخرى.

– إذا تسلم البضائع حامل حسن النية لإحدى النسخ، كانت له الأفضلية على حامل النسخ الأخرى، ولو كانت تظهيراتها أسبق تاريخيا.

ويعد تسليم البضائع من بين أهم المسائل التي تثير العديد من النزاعات، وعند الإخلال به ينتج حدوث أضرار تلحق بالبضائع المنقولة بحرا.

قائمة المراجع:

المؤلفات:

أحمد محمود حسنى، التعليق على نصوص اتفاقية هومبورغ، منشأة المعارف بالإسكندرية،1998.
بوكعبان العربي، الوجيز في القانون البحري الجزائري، دار الغرب للنشر والتوزيع، الطبعة 2002.
جلال وفاء محمدين، قانون التجارة البحرية، دار الجامعة الجديدة للنشر، طبعة 1997.
حمدى الغنيمي، محاضرات في القانون البحري الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر،1983.
كمال حمدى، مسؤولية الناقل البحري للبضائع،منشأة المعارف بالإسكندرية، الطبعة الثانية، 2003.
المعاهدات الدولية:

قواعد هومبورغ المسماة اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحري للبضائع، المؤرخة في 31 مارس 1978.
اتفاقية روتردام المسماة اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بعقود النقل الدولي للبضائع عن طريق البحر كليا أو جزئيا لسنة 2008، المبرمة في 11 كانون الأول/ديسمبر 2008.
القوانين:

الأمر رقم 76-80 المؤرخ في 23 أكتوبر 1976 المعدل والمتمم بالقانون 98-05 المؤرخ في 25 يونيو 1998 المنشور في الجريدة الرسمية رقم 47، والمعدل والمتمم بالقانون رقم 10-04 المؤرخ في 15 أوت 2010 المتضمن القانون البحري الجزائري المنشور في الجريدة الرسمية رقم 46.
المراجع الفرنسية:

الملتقيات:

Ibrahima khalildiallo,obligations et resposabilite du chargeur dans les regle de rotterdam,colloque du 21 septembre 2009 à rotterdam,faculté de droit de dakar,porte parole du groupe africain.
المذكرات:

Lekhmissi mammeri,la livraison de marchandises dans le contrat de transport maritime,centre de droit maritime et des transports Aix-en-provence,universite de droit d’economie et des sciences d’Aix-marseille,septembre 2001.
[1]كمال حمدى،مسؤولية الناقل البحري للبضائع،منشأة المعارف بالإسكندرية،2003،الطبعة الثانية،ص 31.

[2]الأمر رقم 76-80 المؤرخ في 23 أكتوبر 1976 المعدل والمتمم بالقانون 98-05 المؤرخ في 25 يونيو 1998 المنشور في الجريدة الرسمية رقم 47، والمعدل والمتمم بالقانون رقم 10-04 المؤرخ في 15 أوت 2010 المتضمن القانون البحري الجزائري المنشور في الجريدة الرسمية رقم 46.[2]

[3] Lekhmissimammeri,la livraison de marchandises dans le contrat de transport maritime,centre de droit maritime et des transports Aix-en-provence,universite de droit d’economie et des sciences d’Aix-marseille,septembre 2001,page 12.

[4] كمال حمدى،المرجع السابق،ص 32 – 34.

[5] Lekhmissimammeri,opcit ,page 52,66.

[6] اتفاقية روتردام، المسماة اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بعقود النقل الدولي للبضائع عن طريق البحر كليا أو جزئيا لسنة 2008، المبرمة في 11 كانون الأول/ديسمبر 2008،المادة 44.

[7] Ibrahima khalildiallo, obligations et resposabilite du chargeur dans les regle de rotterdam,colloque du 21 septembre 2009 à rotterdam,faculté de droit de dakar,porte parole du groupe africain,page 08.

[8] اتفاقية روتردام،المادة 44.

[9] حمدى الغنيمي،محاضرات في القانون البحري الجزائري،ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر،1983م،ص 92.

[10] انظر المادة 4 من قواعد هومبورغ، والمادة 48 من اتفاقية روتردام.

[11] Lekhmissi mammeri,op.cit,page 116.

[12] جلال وفاء محمدين،قانون التجارة البحرية،دار الجامعة الجديدة للنشر،طبعة 1997،ص 369.

[13] Lekhmissi mammeri,op.cit,page 116.

[14]جلال وفاء محمدين،المرجع السابق،ص 369.

[15] كمال حمدى،المرجع السابق،ص46،47،48،49.

[16] جلال وفاء محمدين،المرجع السابق،ص 332.

[17] قواعد هومبورغ،المادة 19.

[18] أحمد محمود حسنى،التعليق على نصوص اتفاقية هومبورغ،منشأة المعارف بالإسكندرية،1998،ص 192.

[19] كمال حمدى،المرجع السابق،ص 162.

[20] أحمد محمود حسنى،المرجع السابق،ص 194.

[21] Ibrahima khalildiallo,op.cit,page09.

[22] أحمد محمود حسنى،المرجع السابق،ص 194.

[23] كمال حمدى،المرجع السابق،ص 163.

[24] اتفاقية روتردام،المادة 23 فقرة 01.

[25] أحمد محمود حسنى،المرجع السابق،ص 194.

[26] بوكعبان العربي،الوجيز في القانون البحري الجزائري،دار الغرب للنشر و التوزيع، 2002م،ص 125.

[27] كمال حمدى،المرجع السابق،ص 163.

[28] أحمد محمود حسنى،المرجع السابق،ص 196.

[29] Lekhmissi mammeri,op.cit,page 114.

[30] جلال وفاء محمدين، المرجع السابق، ص 333 و 334.

إغلاق