دراسات قانونية
ورقة بحثية حول مرحلة جمع الأدلة في التحقيق الجنائي
مرحلة جمع الأدلة
المؤلف : عماد حامد احمد القدو
الكتاب أو المصدر : التحقيق الابتدائي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
الإنتقال : ذهاب المحقق أو نائب المدعي العام أو قاضي التحقيق الى مكان الذي ارتكب فيه الجريمة حيث توجد اثارها أو ادلتها.
والمعاينه : مشاهدة مسرح الجريمة واثبات الحاله فيها اي مشاهدة واثبات الآثار الماديه التي خلفها ارتكاب الجريمة للمساعده على اكتشاف الحقيقه، وهي مهمه جداً اذ قد يجد القاضي في مكان الجريمة من اثار مايدل على الجاني كجزء من ملابسه أو بصمات اقدامه أو اصابعه أو يستدل من وضع الأشياء بمكان الجريمة على كيفية حصولها كما ويستطيع تدوين اقوال الموجودين بمكان الحادث. وقد يتيح له الإنتقال أو اتخاذ إجراءات فوريه لم يكن متاح له القيام لولا وجوده في مكان الجريمة بها كسماع الشهود الحاضرين دفعه واحده ومواجهتهم ببعضهم أو القبض على المتهم الحاضر(1).
والإنتقال حركة مادية يقصد بها أن يباشر المحقق معه إجراء التحقيق في غير المقر العادي لهوليس الهدف منه إجراء المعاينة فقط ما قد يبادر إلى ذهن من عبارة إثبات الحالة من حيث يتيسر له مباشرة جميع إجراءات إذ تسهل له دعوة الشهود للإدلاء بمعلوماتهم ،وكذلك المعاينة التي تقوم بها ولقد أجاز المشرع للمحقق الإنتقال إلى مكان الحدث، والإنتقال ليس ملزماً عليه فقد ترك له المشرع حرية تقديره فائدة الإنتقال.
ويجب نقل صورة صحيحة صادقة لموضوع المعاينة دون تعليل لها أو بناء نتائج عليها، وتتجلى فائدة المعاينة في إثباتها لما تكشف عنه المادة من حقائق فهي في الغالب ذات أثر كبير في الدعوى، ويجب على النيابة إبلاغ الخصوم بيوم المعاينة والمكان ويجوز أن يكون الإنتقال في أي يوم حتى في أيام الجمعة والعطلات الرسمية ولا يترتب عليه أثر البطلان(2).
وعادة تبدأ إجراءات التحقيق الإبتدائي بـجمع الأدلة حول الجريمة المرتكبة فهو مفتاح عمل قاضي التحقيق وهو المادة الرئيسية لمعرفة الحقيقة ولكن ليس كل ما يسطر في ملف القضية من أدلة هي صحيحة، فالكثير من الأدلة وخاصة المعنوية منها أي أدلة القولية تبدو وكأنها صحيحة رغم كونها مستوفية للشروط القانونية عند تثبيتها، إلا إنها في الواقع ليس كذلك ومرده ذلك افتقارها إلى الشروط الفنية الواجبة الإتباع في أساليب وظروف جمعها في مرحلة التحقيق الإبتدائي التي هي ذات أهمية كبرى باعتبارها الركيزة الأساسية لجمع وتثبيت الحقائق، فعدم إتباع الشروط الفنية في هذا الخصوص يخلق صعوبات أمام القاضي التحقيق وقاضي الموضوع فيما بعد للتمييز بين الأدلة الحقيقة والمصطنعة مما قد يقود إلى الخطأ عند تقدير هذه الأدلة.
ومن المعلوم أن قوانين الإجراءات الشكلية ترسم في نصوصها الأسطر العامة للإجراءات التحقيقية التي من شأنها أن تجمع الأدلة الجنائية تاركة القواعد الفنية والعملية للحقائق بالتحقيق الإبتدائي في ضوء الأسس المستقاة من التجارب والعلوم الفنية(3). فهذه القواعد والشروط الفنية والعلمية تكون منظورة ولا يشار إليها في المحاضر التحقيقية لأن أساليب جمعها تتوقف غالباً على مدى حرص قاضي التحقيق والتزامه بقواعد جمعها وشعوره بالمسؤولية والإخلاص وتبدأ مرحلة جمع الأدلة عادة بعد الإبلاغ عن وقوع الجريمة سواء أكانت الجريمة واقعة على شخص المخبر أو حالة أو إشرافه ويقدم الأخبار إلى الجهات القضائية المختصة من حيث بدأ دور عضو الضبط القضائي المكلف بواجبات الضبط القضائي في تلك الجريمة بجمع المعلومات التي تفيد التحقيق لمعرفة الظروف التي أدت إلى ارتكاب الجريمة ومعرفة مرتكبيها فمرحلة جمع الأدلة هي مرحلة تحضير تسبق مرحلة التحقيق التي هي مرحلة تمحيص وتدقيق الأدلة للوصول إلى القرار المناسب بإحالة القضية إلى محكمة الموضوع إذا كانت الأدلة كافية للإدانة أو غلق الدعوى إذا كان الحادث قد حصل قضاء وقدراً أو إن الفاعل كان مجهولاً(4).
وقد تكون الدولة أو رجالها أو الملكية العامة هي محل الإعتداء فالإخبار قد يكون في مثل هذه الحالة شفهياً أو تحريرياً وقد يكون من خلال مكالمة هاتفية وقد يجهل المخبر لبعض تفاصيل الحادث ، كأن يكون الجاني مجهول الهوية أو يجهل شخص المجني عليه وحينذاك يتحتم على الجهات المختصة عند تلقيها إخباراً من هذا النوع بتحريك الدعوى الجزائية بلا شكوى من المجني عليه وعند ذاك يتخذ الإجراءات الصحيحة إذا كان الإخبار صحيحاً أو قد يحدث في بعض الأحيان أن تقع بلاغات إخبارية كاذبة عن وقوع جرائم وهمية. عليه نستنتج انه لا يشترط في المخبر عن الجريمة صفة معينة إذ قد يقوم الإخبار عن الجريمة من شخص غير معروف ينبغي أن يدون إخباره في محضر خاص يذيل بتوقيع المخبر وإذا تسلم عضو الضبط القضائي الأخبار عن وقوع جريمة أو شكوى المجني عليه فيجب إرسالها إلى قاضي التحقيق وفق المادة (41) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وقد بينت المادة (247) من الأصول الجهة التي يقدم إليها الإخبار وهم قاضي التحقيق أو المحقق أو الإدعاء العام أو أحد مراكز الشرطة وهذا يعني أن الإخبار يتم إلى أي من هؤلاء في مكان وقوع الجريمة(5). وقد لا يتمكن المخبر القيام بذلك فأنه يستطيع تقديم الأخبار أيضاً في محل إقامة الجاني إذا كان معروف لدى المخبر أو يقع في محل إقامة المجني عليه أو يقع الإخبار في مكان يستطيع فيه المخبر التوجه إلى مركز الشرطة إذا تعذر عليه تقديم الإخبار ضمن اختصاص المكان الذي وقعت فيه الجريمة، لإنه قد يكون في إحدى الطرق الخارجية وليس أمامه من وسيلة سوى إخبار مركز الشرطة الذي يقع في طريقه.
وقد أوجبت المادة (48) من الأصول على بعض الفئات الإخبار عن الجرائم وهذه الفئات هي : –
كل مكلف بخدمة عامة علم أثناء تأديته لعمله أو بسبب عمله بوقوع جريمة تحرك الدعوى فيها بلا شكوى عليه القيام بالإخبار عنها. كل من قدم مساعدته بحكم مهنته الطبية في حالة يشتبه معها بوقوع الجريمة عليه أن يخبر بها. كل شخص كان حاضراً ارتكاب جناية مشهودة أو علم بموت يشتبه معه بوقوع جريمة وعليه القيام بالإخبار عنها(6).
ولم يعتبر القانون الإنتقال أمراً وجوبياً على قاضي التحقيق في جميع الحالات وإنما ترك ذلك لتقديره فكثير من الجرائم يعتقد قاضي التحقيق إن الإنتقال فيها لمحل الحادث لا يؤدي إلى فائدة مثال لجريمة التزوير في أوراق رسمية، ولكن إذا كان الإنتقال بوجه عام جوازياً. إلى أن القانون قيد قاضي التحقيق بـوجوب) الإنتقال في حالة الجناية المشهودة) كلما كان ذلك ممكناً، وأن يخبر الإدعاء العام بذلك وتدوين كل ما موجود في محل الحادث من آثار الجريمة في محضر يوقعه هو ومن معه في نفس المكان خشية أن يؤدي تأجيل التدوين إلى نسيان أو إهمال أشياء لها علاقة بالجريمة أو الفاعل.
وللكشف على محل الحادث أهمية بالغة في التحقيق الإبتدائي إذ أنه يمكن القاضي من تكوين صورة عن كيفية ارتكاب الجريمة وكشف فاعلها والظروف التي أحاطت بارتكابها وذلك قبل ان تتغير آثارها ومعالمها نتيجة عبث الإنسان بتعمد أو بدون تعمد أو بفعل العوامل الطبيعية مثل الرياح والأمطار وتغيير درجات الحرارة(7).
كما أن الكشف على محل الحادث هو الوسيلة الأكثر اهمية في جمع الأدلة المادية في الجريمة الواقعة وذلك كأخذ البصمات التي يعثر عليها في مسرح الجريمة وضبط السلاح المحتمل استعماله فيها أو الظروف الفارغة أو محل مرتسم يحدد موقع المكان بالنسبة للجهات الأربعة الأصلية إلى غير ذلك من الأمور التي لها علاقة بالحادث من قريب أو بعيد.
هذا وإن الإنتقال ليس مقصوراً على مكان الجريمة محدد فيجوز لقاضي التحقيق ان ينتقل إلى مكان يجد فيه ما يحقق له كشف الحقيقة حتى لو أستلزم الأمر الذهاب إلى منزل المجني عليه أو المتهم أو الشاهد ومع هذا فإن الشارع قد اجاز لقاضي التحقيق أن ان ينيب ايقاضي تحقيق مختص القيام بأي إجراء من إجراءات التحقيق خارج منطقة إختصاصه بشرط أن يحدد له في قرار الإنابة طبيعة وماهية تلك الإجراءات وعليه فأن لقاضي التحقيق الحق أن يتجاوز حدود المنطقة التي فيها وظيفة فينتقل إلى الأماكن التي يرى الإنتقال إليها يؤدي كشف الحقيقة. ورغم هذا النص الوارد ذكره في مادة (56) من أصول المحاكمات الجزائية يتعارض مع الاختصاص المكاني إلا إنه يؤدي إلى تعاون جميع سلطات التحقيق إلى كشف الجريمة التي تخص المجتمع بكامله، شريطة أن يخبر قاضي التحقيق الآخر بما اتخذه من إجراء في منطقته(8).
أما المعاينة فهي جزء من عملية الكشف على محل الحادث فهي الأخرى من الإجراءات المهمة في التحقيق لا بل هي تشكل المرتبة الأولى بالنسبة لباقي الإجراءات التحقيقية والسبب في هذه الأهمية يعود لكونها تعطي صورة حية لمكان الجريمة فعن طريقها يتم تثبيت حالة الأمكنة والأشياء والأشخاص وتثبيت حالة المجني عليه وحالة المتهم إذا كان مقبوضاً عليه وتثبيت حالة الآثار الجرمية والأشياء المتروكة ووصف كل ذلك بصورة دقيقة وشاملة ويلاحظ من المعاينة وجوب الإسراع في إنجازها، حيث أن كل تواني أو تأخير في القيام بها يغري الجناة أو من له مصلحة بالإسراع في إخفاء آثار الجريمة وما يفيد التحقيق في الكشف عن فاعلها، ويجب ان يقوم بهذا الإجراء المحقق العدلي كلما أمكن ذلك إذا كان قاضي التحقيق بمهمة أخرى وقت الحادث، قبل بعثرة الآثار والتأثير على ما هو موجود فيها وعدم المحافظة والحرص عليها وكذلك إن هؤلاء الأشخاص لهم القدرة بالإمعان بالنظر في دقائق الأمور كما يفعل قاضي التحقيق أو المحقق العدلي مما له شأن كبير في كشف الحقيقة و إيقاع العقاب على مرتكب الجريمة(9).
ومن الأمور المهمة في المعاينة أن يرسم القائم بالتحقيق اثناءها مخططاً توضيحياً لمكان الحادث وأن يضع العلامات والرموز للدلالة على الأشياء والعوارض الداخلية والخارجية للمكان الذي تم الكشف عليه أو التقاط بعض الصور للمكان لغرض بيان كيفية وقوع الجريمة بصورة واضحة أقرب إلى الحقيقة. وينبغي على المحقق بعد انتهاءه من المعاينة أن يدون محضراً بإجراءاته يستند إليه فيما بعد للحفاظ على المعلومات التي تم الحصول عليها نتيجة هذا الإجراء على أن يكون محضر الكشف والمخطط واضحين وإلا فسوف يكون هناك نقصاً في التحقيق إن لم يكونا واضحين وبدون ذلك يعتبران باطلين ولا يمكن الأخذ بها(10). ووجوب إجراء كشف مخطط جديد وواضح تبين فيها ملامح التحدث بصورة جلية وفي حالة الاعتراض عليه، إذا لم يكن واضحاً ينبغي أيضاً إجراءه مجدداً من قبل المحكمة أو قاضي التحقيق بالذات وبحضور ذوي العلاقة كافة مع المفوض الذي أجرى الكشف الأول(11).
يرى الباحث :
إن الإنتقال والمعاينة في أمران مهمان لأن كليهما يتعلقان بالجريمة وإن أحدهما يكمل الآخر وعليه فيجب عدم التأخير بإصدار أمر الذهاب إلى موقع الجريمة والمعاينة لأن ذلك قد يطمس جزءاً من المعلومات المهمة الامر الذي سيؤثر لاحقاً على مسار التحقيق وحقوق المتهمين. وبالإنتقال السريع وجمع الادلة والمعاينة يمكن الحصول على معلومات حيوية وأولية ساخنة عن مجريات حصول الجريمة وملابستها.
ندب الخبراء
للمدعي العام أو قاضي التحقيق أثناء مباشرته التحقيق أن يندب من يشاء من الخبراء والاختصاص والفنيون وذلك لأخذ رأي أحدهم بأمر من الأمور الفنية والمتعلقة بالجريمة.
فالخبرة: تعرف على إنها معرفة فنية خاصة بأمور معينة يتجاوز اختصاص المحقق أو القاضي.
و الخبير: هو كل شخص له إلمام خاص بأي علم أو فن ويجب على الخبراء أن يحلفوا يميناً أمام قاضي التحقيق على أن يبدوا رأيهم بحياد وينبغي على الخبير المنتدب أن يباشر المأمورية بنفسه وليس له أن يحيلها من قبله على خبير لأنها إذا اقتضى الأمر الاستعانة بأخصائي آخر للقيام بعمل مادي بحيث دون تدخل منه في إبداء الرأي فله ذلك(12).
فالخبير أو الخبراء يجب ان يحلفوا اليمين القانونية بأن يقوموا بواجباتهم ومهامهم بكل نزاهة وصدق وأمانة فلا يجوز لهم مباشرة مهامهم بدون حلف اليمين، وإلا كان عملهم باطلاً. ويعتمد الخبير في ذلك على خبرته الشخصية وما يتوصل إليه من مهنته الفنية دون الاعتماد على المتهم واعترافه أو أقواله وحدها. ويجب عليه أن يقدم تقريراً مكتوباً بنتيجة المهمة او المأمورية المكلف بها ورأيه الشخصي الذي يتوصل إليه في المدة الزمنية المحددة له دون تأخير ،وللمحكمة سلطة تقديرية في أن تأخذ برأي الخبير أو لا تأخذ وفق قناعتها الوجدانية، فالخبير شأنها شأن بقية الأدلة الأخرى يخضع لتقدير المحكمة(13).
وكثيراً ما تعرض أثناء مباشرة التحقيق أمور يستدعي تعرضها بالاستعانة برأي أهل الخبرة وللإفادةبعلمهم وبناء النتائج على معلومات فنية دقيقة يمكن بطريقه الوصول لوجه الحق. ويجوز للمحقق الاستعانة بخبير إذا رأت المحكمة أن هناك ما يلزم لإثبات حالته للاستعانة برأيه مثال طبيب أو كيمياوي أو خبير في أسلحة وله أن يختار من يراه أهلاً لذلك، وللخصوم أن يطلبوا ندب الخبير ولكن للمحقق الحرية في إجابته إلى طلبهم أو رفضه وهو غير ملزم بإداء أسباب رفضه بيد إن هذا قد يكون ثغرة في التحقيق ينفذ إليها الخصوم لإضعاف الأدلة، ولا يشترط أن يكون الخبير من بين الخبراء المقيدون بجداول المحاكم بل للمحقق أن يستعين بأي شخص يرى الاستفادة من خبرته ويستطيع المحقق أن يستعين برأي أكثر من خبير(14). ويجب أن يكون حلف اليمين سابقاً على مباشرة إجراءات الخبرة، ولما كانت الإجراءات التي يباشرها الخبير في الغالب مسائل فنية كتشريح جثة أو مضاهاة بصمات أو تحقيق صحة خطوط فإنه لا فائدة تجنى من الخصوم، ونظراً لما تتسم به الإجراءات الجنائية من طابع السرعة وجب على الخبير أن ينتهي في المأمورية التي تناط به في أقرب أجل.
وقد جرى العمل على أن يمنح الخبير المهملة التي يطلبها الانتهاء من إجراءاته وتقديم التقرير.
ويقسم تقدير الخبير إلى ثلاث أقسام : –
موضوع الإنتداب وما يراد أخذ الرأي فيه.
الإجراءات التي يباشرها الخبير.
أن يتضمن النتيجة التي انتهى إليها وهي ما يروم المحقق معرفتها.
وأجاز القانون للمتهم الاستعانة بخبير استشاري إذا إستبان مثلاً من الإفادة خلاف مع الرأي حول نقاط فنية ويحق للخبير الإستشاري من الإطلاع على الأوراق الدعوى وما قدم للخبير الذي إختاره المحقق، ويبني عليه تقديره وله أن يطلع على التقرير الذي تقدم به الخبير المنتدب به على المحقق لأنه بإيداعه ملف الدعوى يصبح من بين الأوراق التي يمكن للخبير الإستشاري من الإطلاع عليها(15).
إن من بين إجراءات التحقيق المتخذة لكشف الجريمة هو الاستعانة بـخبير أو أكثر يقوم قاضي التحقيق أو المحقق بالاستعانة بالخبير تلقائياً أو بناء على طلب أحد الخصوم(16). فكثير من الوقائع التي قد تتعلق بشخص أو بشئ أو بحالة معينة يحتاج فحصها إلى معرفة معينة ولما كنت هذه المعلومات تخرج عن نطاق معلومات قاضي التحقيق القانونية فأنه لا يجوز له أن يحل بنفسه المسائل الفنية محل الخبير فإنه تصدى لهذه المسائل وأصدر قراره بناء على تقديره الشخصي لها كان التحقيق باطلاً(17). وقد يتطلب التحقيق الإستعانة بطبيب أو بغيره من أهل الخبرة فأباح القانون ذلك للمحقق الاستعانة من تلقاء نفسه أو بناء على طلب الخصوم باي من هؤلاء. عليه فإن الإثبات المادي تعززه أحياناً معلومات فنية ليس قاضي التحقيق مختصاً بها لذا أجاز له المشرع أن يستعين بذوي الإختصاص من رجال الخبرة يعينه للتوصل إلى المعلومات الفنية متعلقة بشخص المتهم أو بجسم الجريمة. ولكي تكون إجراءات الخبير أو الخبراء ونتائج كشفهم مما يمكن التعويل عليه والرجوع إليه في تقرير الحقيقة فقد أوجب القانون أن يقدم التقرير مكتوباً مما شوهد من وقائع وما توصل إليه من أمور. ومن أكثر المهام التي ينتدب إليها الخبراء من قبل قاضي التحقيق غالباً ما تتعلق بحوادث مرورية والخبير عندما ينتقل لمحل الحاث يصبح بما يراه شاهد، إلا إنه يختلف عن الشاهد الذي رأى الحادث عرف بنفسه أو سمع منه. فهو يتعرض إلى ما تعرض له الشاهد فهو خالي الذهن مطمئن البال يرى الوقائع بعين التفحص ومع ذلك فإن هناك عوامل يتعرض لها الخبراء والتي تؤدي إلى الوقوع في الخطأ(18).
ويمكن إجمال العوامل المؤثرة في صحة تقرير الخبير إلى ما يلي : –
ذكاء الخبير ودقته: لا شك إن الخبراء يتفاوتون في الذكاء والمقدرة الذهنية شأنهم شأن أي مجموعة بشرية تقوم بأعمال متشابهة حيث يحصل تفاوت في مستويات الذكاء الأمر الذي ينعكس على نتائج كل فرد من هذه المجموعة. الذي يتمتع بدقة من حيث التنظيم والصيانة والتبويب ورصد الوقائع وتقديم النتائج بشكل نهائي بعيداً عن التلبس والغموض.
المدة الزمنية بعد الحادث: إن إطالة المدة الزمنية بين الخبرة والتقرير تقلل من مدى دقة التقرير بسبب زوال بعض معالم الحادث أو حصول تغيير فيها من قبل الغير مما يجعل مهمة الخبير صعبة وقد يضطر إلى اللجوء إلى الإستنتاجات المبنية على الحدس والتخمين بحيث تتضائل الدقة في تقرير الخبير.
المبالغة في تأكيد المعرفة والأشخاص: وقد يلجأ بعض الخبراء وبشكل لا إرادي إلى إيراد تفصيلات وبإسهاب لا مبرر لها وعلى حساب القضايا الجوهرية ليظهر للغير ومنه قاضي التحقيق على أنه متمكن من صنعته وإنه ذو علم لا يجازيه غيره من الخبراء(19).
حرية الخبير في كتابة تقريره: وقد يلجأ قاضي التحقيق إلى توجيه أسئلة إلى الخبير للاستيضاح منه بصيغ إستفهامية إن هذه الأسئلة تجعل تقرير الخبير أكثر دقة مما لو جاء مبنياً على ملاحظاته الشخصية والصحيح هو العكس، ذلك إن هذه الصيغة تحد من حرية الخبير في صياغة افكاره المبنية على المعاينة والإطلاع على الوقائع.
ثقافة الخبير: لا يكفي الإختصاص الذي يحصله الخبير لأداء مهمته على الوجه المطلوب، إنما يجب ان يكون ذا ثقافة عامة في شتى مجالات المعرفة حتى ولو كانت بسيطة، لأن ما يصادفه الخبير في مجال عمله لا يستوعبه إختصاص الفن البحت.
أخطاء التذكر: يلجأ أكثر الخبراء عند إنتقالهم لمحل الحادث إلى تدوين المعلومات بشكل مختصر ومفهوم من يعتمد على ذاكرته فقط وعن عودته يبدأ بكتابة تقريره وهنا يتعرض الخبير إلى خطأ التذكر حيث يغفل أو ينسى ذكر بعض الأمور(20).
والخبراء نوعان:
خبير قضائي: وهو الذي سجل نفسه في جدول الخبراء بعد أدائه اليمين أمام اللجنة المختصة بأن يؤدي خبرته بصدق وأمانة وحياد قبل ان يمارس عمله كخبير وهو يحلف أمام القاضي في كل قضية تعرض أمام المحاكم بعدها.
خبير رسمي مختص: وهو موظف يعمل في الدوائر الحكومية يمكن الإستعانة به والاستفادة من معلوماته الفنية في بعض قضايا التحقيقية التي لا يمكن أن يقدم بها الخبير القضائي العادي.
المسائل التي تتطلب الإستعانة بخبرة الجهات الفنية والرسمية:
الطب العدلي: يتولى إبداء الخبرة في الأمور التالية:
تشريح جثث الموتى التي ترسل إليه من الجهات التحقيقية وبيان أسباب الوفاة إن كان عن واقعة جنائية أو مرض أو حادث عرضي والإجابة على أسئلة قاضي التحقيق المثبتة في إستمارة طلب التشريح. جرائم هتك العرض. كوجود تمزق في غشاء بكارة المجني عليها واللواطة وهل توجد علاقات قديمة أو جديدة لهذه الجريمة والزنا وهل هناك آثار مادة منوبة على العضو التناسلي للمرأة(21).
تحديد مسؤولية الفاعل وقدرته الفعلية عند وقوع الجريمة وبعدها.
فحق المجني عليه أو المتهم لبيان نسبة الكحول في الدم ومعرفة درجة السكر عنده لتحديد مسؤولية القانونية وخاصة في حوادث الدهس. تحديد نوع الإصابة في جسم المجني عليه والأداة المستعملة في إحداثها وحالة المصاب فيما إذا كانت خطيرة أو لا ومدة العلاج اللازمة لحين إكتساب الشفاء التام والمدة التي تقعده الإصابة عن القيام بأعماله الاعتيادية. تقدير عُمر المجني عليه لتحديد المادة القانونية عندما يكون هذا ركناً من أركان الجريمة كما في الجرائم الجنسية وجرائم الخطف وكذلك تقدير عُمر المتهم عندما يكون غير حامل وثيقة رسمية تحدد عُمره وذلك لغرض تحديد الجهة التي تتولى التحقيق معه وكذلك تحديد المحكمة التي سيتم إحالته إليها وهل هي محكمة الأحداث أم محكمة الجنايات. تقدير العطل بالعجز ونسبته، يقصد به فقدان العضو المصاب لوظيفته جزئياً أو كلياً دائماً أم بصورة مؤقتة. فحص البقع التي يشتبه بكونها دموية أو منوية أو قطعة صغيرة يشك بأنها جنين كامل الخلق أو جزء من الجنين أو ألياف يشك بكونها شعرية(22).
الفحوص المختبرية: وتشمل التلوثات النفطية والدهنية والصياغية والعقارية وبقايا الطعام التي يشك تلوثها بالسم أو المواد التي يشك بأنها مخدرة من نوع الأفيون أو الحشيش أو الكحول وغير ذلك. الأدلة الجنائية: وتتولى مكاتب التحقيق الأدلة الجنائية ما يلي:
فحص الأسلحة المضبوطة والظروف الفارغة والمقذوفات النارية التي يعثر عليها في محل الحادث وبيان الرأي إن كان المستند التحريري الرسمي أو العادي المطلوب إجراء المضاهاة عليه صحيحاً أو مزوراً بيان التلوث البارودي ونوع المتفجر المستعمل في الحادث. هذا ولا يجوز معاقبة الخبير عن امتناعه عن تقديم الخبرة ولكن يجوز للمتهم ولباقي الخصوم طلب رد الخبراء بناءً على أسباب معقولة وفق قواعد رد القضاة أو الطعن بخبرة الخبير وطلب انتخاب خبراء آخرين على أن يكون العدد – وتراً – والجهة القائمة بالتحقيق هي التي تقدر ذلك وقد لا تستجيب الجهة التحقيقية المطلب إن كان تقرير الخبير أو الخبراء صالحاً لأخذ به(23).فالخبير هو كالشاهد حيث أن كل منهما يستهدف بيان الحقيقة إلا أنهما يختلفان في بعض الأمور وكما يلي:
أن للقاضي مطلق الحرية في إختيار الخبير الذي يعتقد من ذوي الخبرة في حين ليس له خيار بالنسبة للشاهد. الخبير فأن رأيه ينصب على الوقائع الحاضرة أمامه من حيث الشاهد يُسال عما مضى من الوقائع والظروف. للقاضي أن يزيد أو يقلل من عدد الخبراء في حين ليس لقاضي سلطة في زيادة عدد الشهود. يقدر القاضي أجور للخبير عن خبرته بينما الشاهد لا يتقاضى أجور عن شهادته. الخبير يقدم تقريره مستعيناً يخبرته ويمكن أن يستعين بخبرة خبير آخر في حين أن الشاهد يدلي بمعلومات عن طريق حواسه الشخصية فقط.
موقف القضاء العراقي من ندب الخبراء
ليس للقضاء العراقي موقف ثابت حول انتداب الخبراء حيث أنه في حالات تجده لا يلزم بطلب أحد الخصوم بإحالة الموضوع إلى الخبير وفي حالات آخرى يؤكد على ضرورة إحالة الموضوع على أصحاب الخبرة والالتزام بتقاريرهم(24).
يرى الباحث:
الخبراء وندبهم كجزء لا يتجزأ من الإجراءات القانونية في مسار أي قضية قانونية، فالخبراء ولكثرة خبرتهم الفنية قد يساعد المحكمة على التوصل بصورة افضل إلى النتيجة في قضية معينة. ويجب على الخبير أن يتحلى بالنزاهة والحياد والأمانة والصدق والصراحة وبكل ما يتطلب عمله في هذا المجال. كما أن من صفاته الإلتزام بالوقت والحرص على دقة المواعيد والإنتقال لها بالأوان. ويتم استدعاء الخبير في حالة الإدراك بأن وجوده مهماً لسير عملية التحقيق ومن واجب الخبير الاطلاع على القضية ووثائقها ثم يكتب تقريراً حول موضوع وعليه أن يقسم بأنه قد تم تعيينه خبيراً في هذا المجال.
______________________
1 ـ د. محمد صبحي نجم – قانون أصول المحاكمات الجزائية – كلية الحقيق – الجامعة الأردنية – دار الثقافة للنشر والتوزيع – الطبعة الأولى / الإصدار الأول 2000 – ص 246 – 247
2 ـ د. حسن صادق المرصفاوي – أصول الإجراءات الجنائية – كلية الحقوق – جامعة الإسكندرية – منشأة معارف الإسكندرية – 1972 – ص 431 – 433
3ـ عبد الأمير العكيلي والدكتور سليم حرية – أصول المحاكمات الجزائية في الدعوي الجزائية ج 1 ص 94 – مطبعة بغداد – 1987 نقلاً عن القاضي كريم محمد علي حسون – دور قاضي التحقيق في التحقيق الإبتدائي – دراسة مقارنة – ص 19
4 ـ – عبد الأمير العكيلي والدكتور سليم حربة ،مصدر السابق ، ص 19
5ـ التحقيق الابتدائي وإجراءاته – البحث الذي قدمه القاضي زهير كاظم عبود لمجلس العدل ص 39 .
6ـ القاضي زهير عبود – مصدر السابق- ص 39 .
7ـ القاضي كريم محمد علي حسون –مصدر سا بق– ص 22
8 ـ القاضي كريم محمد علي حسون – مصدر سابق– ص 22 – 23
9 ـ القاضي كريم محمد علي حسون – مصدر سابق – ص 23
10ـ هذا ما جاء في القرار التمييزي المرقم 7/ تمييزية /69 في 12/4/1969 المنشور في الفقه الجنائي في قرارات محكمة التمييز للدكتور عباس الحسني وكامل السامرائي – المجلد الرابع – مطبعة الأزهر سنة 1969 ص 42
11ـ القرار التمييزي رقم 377/ تمييزية/ 77 في 2/5/1977 المنشور في جملة الأحكام العدلية العدد الثاني – السنة الثامنة سنة 1977 – ص 237 نقلاً عن القاضي كريم محمد علي حسون ، مصدر سابق ،ص 23 – 24
12 ـ د. رؤوف عبيد – مبادئ الإجراءات الجنائية في القانون المصري – كلية الحقوق جامعة عين شمس – مطبعة نهضة مصر بالعجافة طبعة سابعة – 1968 – ص 351
13ـ د. محمد صبحي نجم ، مصدر السابق ، صـ 248 – 250
14ـ د. حسن صادق المرصفاوي – مصدر سابق – صـ 450
15ـ د. حسن صادق المرصفاوي – مصدر سابق – صـ 456
16 ـ د. أحمد فتحي سرور-،مصدر سابق، صـ 576
17 ـ قرار محكمة النقض المصرية. – مجموعة أحكام النقض س/18 كانون الثاني 1968 – ص 887 نقلاً عن القاضي كريم محمد علي حسون – مصدر سابق – صـ 35
18 ـ د. عبد الأمير العكيلي –مصدر سابق – صـ 35 – 36
19. القاضي. كريم محمد علي حسون ، مصدر سابق –،صـ 36
20 . المصدر السابق ، صـ 36 – 37
21ـ القاضي. كريم محمد علي حسون ، مصدر سابق، صـ 37
22 ـ د. وصفي محمد علي ،الطب العدلي علماً وتطبيقاً ،ط 3 – مطبعة المعارف بغداد لسنة 1970 .ص10
23 ـ القاضي كريم محمد علي حسون – مصدر سابق – ص 38 – 39.
24. القاضي كريم محمد علي حسون ، مصدر سابق–،صـ 39 – 40