دراسات قانونية

مبدأ الطلب القضائي (بحث قانوني)

من المبادئ الأساسية التي يستوحيها المشرع عموماً في تنظيمه لإجراءات الخصومة مبدأ الطلب القضائي(1). إذ لا يباشر القضاء وظيفته إلا بناء على طلب 0 و يعتبر هذا المبدأ تطبيقاً لمبدأ حياد القاضي ،إذا لو بدأ القاضي الخصومة من دون طلب لا صبح مدعياً وقاضياً في الوقت نفسه، وعلى ذلك الأساس إذا علم القاضي بوجود نزاع بين شخصين؛ فأنه لا يستطيع نظره دون طلب من أحدهما ،فالنظام لا يعمل من تلقاء نفسه(2). وهذا يتفق مع الفقه الإسلامي في أن الخليفة لا يستطيع البدء في نظر الظلامة المرفوعة ضد حكم القاضي إلا إذا جاء صاحب الشأن وطلب منه ذلك ، وهذا معنى قول الفقهاء أن المدعي لا يجبر على الخصومة لأن الحق الذي اعتدى عليه يعود له ولا يعود للقاضي أو الخليفة ،فالإنسان حر في المطالبة بحقه أو التنازل عنه(3). ولكن لو عرف القاضي الأعلى درجة بوجود مخالفة للقانون من قبل القاضي الأدنى درجة فهل يستطيع التدخل حينها ليرفع تلك المخالفة وأثارها ، ويعيد الأعمال السليم للقانون ، ومحاسبة المقصر على أساس أن القاضي لا ينفذ القانون فقط بل يطبقه أيضاً ويحافظ عليه ويلتزم به؟(4). هذا من جهة 0ومن جهة أخرى ،فأن من معايير ومظاهر استقلال السلطة القضائية عن غيرها من السلطات ،بل وعن بعضها البعض (5). هو وجود محكمة قضائية عليا ، تكون المرجع الذي يفصل في مراقبة قيام السلطة القضائية بأداء وظيفتها (6).

وأن كان جائزاً لهذه المحكمة التدخل فيما يتعلق بالأمور الجنائية عن طريق فكرة التدخل التمييزي(7). فأن ذلك لا يحق لها في ظل القضاء المدني ، وتبرير ذلك أن الحماية القضائية المدنية إنما تمنح لمن يحتاج إليها ،وليس أقدر من الشخص ذاته على تقدير حاجته لهذه الحماية ، وهو يفصح عن ذلك بواسطة الطلب القضائي ، ويسري هذا المبدأ ليس فقط بالنسبة لبدء الخصومة المدنية الاعتيادية ، بل لبدء مرحلة الطعن التمييزي وخصومته أيضاً ويسري كذلك بالنسبة لإصدار القرار الفاصل فيها من قبل محكمة الطعن ، وعلى هذا الأساس ليس لمحكمة الطعن عموماً أن تتجاوز في قرارها حدود ما قدمه الطاعن من طلب ، أو أن تقرر في أمرٍ لم يطلبه أحداً منها، أو أن تصدر قراراً عن سبب غير سبب الطلب إذا يعتبر قراراً بغير الطلب (8). ويستثنى من هذا المبدأ حالات محددة للقاضي أن يحكم فيها من تلقاء نفسه ، وهي تتعلق عموماً بالنظام العام والقانون0 وهذا الأمر يدل لنا على أن خصومة الطعن منفصلة عن خصومة الدعوى كأصلٍ ومظهرٍ عام باعتبار تقديم طلب قضائي جديد غير طلب الدعوى 0 وعلى هذا فلابد من أن يطلب الطاعن تدخل محكمة الطعن لنظر في موضوع طعنه ، ويتم هذا عن طريق تقديم طلب قضائي في الشكل الذي يتطلب القانون ، وإلى الجهة التي خولها القانون نظر ذلك الطلب ،من قبل شخص هو صاحب الحق في الطعن أو وكيله ، ولمعرفة طبيعة عريضة الطعن وإجراءاتها لابد لنا من أن نعرج إلى تقسيمات الأعمال الإجرائية التي يقوم بها الخصوم ….

أولاً:- تقسيم الأعمال الإجرائية

قسم الفقه الإجرائي تلك الأعمال العديدة بحسب، عمومياتها(9). مضمونها(10).ووظيفتها(11). وإذا ما زجنا الوظيفة مع المضمون ، فأننا نخلص إلى أن عريضة الطعن التمييزي ، تمثل عملاً إجرائياً يقصد به دفع خصومة الطعن إلى الحركة والتقدم ، ومضمونها هو إعلان الرغبة من جانب الطاعن في أن يقوم المعلن إليه ( محكمة الطعن) بعمل أو نشاط معين ، يدخل في وظيفته واختصاصه ، ويترتب على هذا الإعلان دائماً اثر قانوني مضمونة التزام القاضي بنظر الطلب وإصدار الحكم أو القرار ، وان لم يكن بقبوله أو إجابة رغبة طالبه ، ففي الأقل بعدم قبوله أو برفض تلك الرغبة 0 والخصم بإعلانه يقوم بلا شك بعمل إرادي ، بمعنى أن أرادته تتجه إلى القيام بهذا العمل ، على أن دور أرادته تقف إلى هذا الحد ولا تتعداه ، إذ ليس للإرادة أي سلطان في ما يترتب على هذا العمل من اثار0

ثانيا :- شكلية طلب الطعن التمييزي وعناصره

في معنى واسع للشكل يمكن أن نقصد به الحركة أو التغيير الذي يحدثه العمل القانوني في العالم الخارجي(12). ويقابل الفقه عموماً (13). بين عنصري العمل القانوني أي بين النشاط والحدث ويطلق على الأول اصطلاح الشكل وعلى الثاني اصطلاح المضمون فالشكل في معنى اقل اتساعاً هو الوسيلة التي يتحقق بها الحدث أي الوسيلة التي يظهر بها أمام الغير (14). والشكل بهذا المعنى موجود دائماً بالنسبة لكل الأعمال القانونية ومنها عريضة أو صحيفة الطعن(15). فعند الكلام عن شكلية العمل القانوني ، نقصد بذلك أن المشرع قد حدد الوسيلة التي يجب الالتجاء إليها لتحقيق مضمون العمل القانوني ، ويقسم فقهاء القانون الشكلية إلى قسمين(16). شكل جوهري أو أساسي ، وهي تلك الأمور التي لا يمكن تصور صحيفة من دونها والتي تعطي للعمل القانوني الذي تتضمنه وجوده وكيانه الذي يميزه عن غيره ، لكي تتحقق الغاية التي يريدها الشارع من العمل ، أما الشكل الثانوي ، فهي تلك الأمور التي لا تقتضيها فكرة الصحيفة بالضرورة ، والتي لا يؤدي تخلفها إلى عدم وجود الصحيفة ، وإنما إلى بطلانها إذا نص القانون على ذلك فهي بيانات ينص عليها القانون لكي ينتظم العمل على وجه أكمل ولكن مخالفتها لا تؤدي إلى القضاء على صفة العمل فتبقى رغم تحقق المخالفة(17). ولا ندخل في آراء واجتهادات القضاء في الشكلية فهي كثيرة وسنتناول مظاهر تلك الشكلية، ومظاهر الشكلية في عريضة الطعن ، تتمثل بتحرير عريضة الطعن كورقة رسمية تثبت محتوياتها بالكتابة كشكل لها ، وتكون باللغة العربية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك (18). وهذا يتماشى مع نظام الخصومة الكتابي الذي أخذ به التشريع الحديث ، أضافه إلى ضرورة توفر بيانات معينة نصت عليها المادة (173 م0م0ع) التي توضح القواعد العامة في هذه البيانات والمادة(205 /2 م0م0عراقي) وتوضح بالذات بيانات عريضة الطعن التمييزي والمادة(253م0م0مصري) ، وتشمل:-

1- بيانات تتعلق بأطراف الحكم ( الخصوم ) وهي أسم الطاعن ( المميز ) وأسم المطعون ضده ( المميز عليه ) ولقبهم وشهرتهم وصفاتهم في الدعوى والحكم ، ومحل أقامتهم ( موطنهم ) والمحل الذي يختاره الطاعن لغرض التبليغ ، ويعتبر الخطأ في تلك البيانات خطاً مغتفراً إذا ما أمكن معالجته أو الاستيضاح من محاضر الدعوى عن ما جهل فيه المادة(173 م0م0ع) 0

2-بيانات تتعلق بالحكم المطعون فيه ، إذ يجب أن يرد في متن عريضة الطعن تاريخ إصدار الحكم والمحكمة التي أصدرته وتاريخ التبليغ به المادة (173/1م0م0ع) ، (253م0م0مصري) ، وأضاف المشرع المصري مصطلح بيان الحكم(19). والهدف من ذلك هو معرفة ما إذا قدم الطعن في ميعاده أم لا مع ملاحظة وصل رسم الطعن ، وقد تشدد المشرع المصري في شكلية هذا البيان وأوجب أبطال الصحيفة إذا لم تتوفر فيها المادة(253م0م0مصري) ونرى في ذلك تشديداً لا مبرر له ، إذ يمكن لمحكمة الطعن التأكد والتعرف على تلك البيانات من نسخة الحكم التي تربط مع عريضة الطعن 0

3- ويجب أن تشمل عريضة أو صحيفة الطعن على أسباب الطعن، والتي أوجب قانون المرافعات عموماً على الطاعن أن يوضحها، ويبينها تبياناً واضحاً نافياً عنها كل غموض أو جهالة ، وهذا الواجب مفروض عليه منذ لحظة افتتاح خصومة الطعن بالنقض، وألا عد طعنه باطلاً (20). والأسباب عموماً هي التي نصت عليها المادة(203 م0م0عراقي)و المواد(248،249) من قانون المرافعات المصري وهذا مفهوم لان الطعن بالتمييز طريق غير عادي لمهاجمة الأحكام(21). وبناء على هذا لا يكفي لولوج الطعن بالتمييز أن تتوفر الخسارة في جانب الطاعن، بل يجب أن تتوفر إلى جانب هذه الخسارة وجه أو سبب من الأسباب التي أجاز المشرع بناء الطعن بالتمييز عليها ويجب أن تظهر تلك الأسباب في الصحيفة بشكل محدد وواضح وتقول في هذا محكمة النقض المصرية ” أنه يجب أن تحدد أسباب الطعن وتعرف تعريفاً واضحاً كاشفاً عن المقصود منها كشفاً وافياً نافياً عنها الغموض والجهالة وبحيث يبين فيها العيب الذي يعزوه الطاعن إلى الحكم وموضعه منه ، وأثره في قضائه، وأن تقدم معه لمحكمة النقض المستندات الدالة عليه وإلا كان النعي به غير مقبول، وإذا كان الطاعن لم يكشف في صحيفة طعنه عن وجه الدفاع الجوهري الذي أغفل الحكم المطعون فيه الرد عليه ، فأن النعي عليه بهذا السبب لا يقبل لوروده مجهلاً ” (22). وفي حكم أخر ” يكفي قانوناً أن يذكر الطاعن في تقريره أسباب الطعن على وجه اليقين والتحديد أما الاقتصار على ذكر عبارة غامضة كأن يقال أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون أو أنه قد وقع فيه بطلان جوهري ، من غير تفصيل تلك المخالفة أو ذلك البطلان تفصيلاً يخرجهما من التعميم إلى التخصيص فهذا لا يؤدي غرض القانون وبالتالي يكون الطعن باطلاً ” (23). والطاعن غير ملزم بإيراد النص التشريعي الذي يستند إليه أو الذي يرى مخالفة الحكم له ولا يلزم التمهيد لطعنه بذكر المراحل أو الوقائع التي مرت بها الدعوى ، والتداخل بين الأسباب لا يبطل الحكم طالما كانت واضحة ، حاسمة(24). وإذا كانت القاعدة في هذا المجال أنه لا يجوز تقديم أسباب جديدة يؤسس عليها الطعن بالتمييز وفق أحكام المادة(209/3م0م0ع) لم تقدم ابتداءٍ لمحكمة الموضوع ولم يشير إليها في صحيفة الطعن فأنه يستثنى من تلك الأسباب المتعلقة بالنظام العام، والأسباب القانونية البحتة(25). فهذه الأسباب يجوز إبداؤها في أي وقت أمام محكمة التمييز ، ويجوز لهذه الأخيرة أن تثيرها من تلقاء نفسها0 وعموماً يترتب البطلان على خلو عريضة الطعن من أسباب الطعن وتقرر المحكمة رد عريضة التمييز لخلوها من أسباب الطعن وتحميل المميز المصاريف ومصادرة التأمينات المادة(210/1م0م0ع)والتي تقابل المادة(263م 0م0 مصري) والتي خولت غرفة المشورة في محكمة النقض المصرية إصدار الأمر بعدم قبول الطعن(26). وبما أن القرار بعدم القبول الذي يصدر في غرفة المشورة متروك لتقديرها، لذا فإننا نعتقد انه في حقيقته رفض للطعن لعدم أقامته على أسباب موضوعية ، وبعبارة أخرى يكون الرفض موضوعياً وليس شكلياً حسبما يفترض في هذه الحالة(27). وإذا اشتملت عريضة الطعن على أسباب تتعلق بحكم سابق امتدت سلطة المحكمة لنظر ذلك الحكم ما لم يكن قد قبله طرحه المادة(253م0م0مصري)0 وفي العراق لا يوجد ما يمنع تطبيق ذلك فهو من القواعد العامة مادام الحكم المطعون فيه قد يبنى وأسس على ذلك الحكم السابق عليه0

4- طلبات الطاعن ، والقصد المباشر الذي يريد الطاعن تحقيقه من تقديم طلب الطعن وهي من جهة أخرى تحديد الأثر الناقل للطعن بالتمييز فمن المعروف أن لكل طريق من طرق الطعن مجموعة أثار يرتبها بالنسبة للمحكمة التي تنظر الطعن والذي يهمنا هنا هو تحديد الجزء من الحكم المطعون فيه والذي سيطرح على محكمة الطعن لتنظر فيه ،وفي العراق أعتبر الأصل في هذا الأثر أن الطاعن يهدف إلى نقض الحكم كله على أساس وحدة المحل في الطعن ما لم يحدد في طعنه الجزء المراد نقضه أو كان الحكم مكوناً من أجزاء قابلة للانفصال أو التجزئة ، فيجب في هذه الحال إيضاح ذلك0أما في مصر فأن الأصل أن على الطاعن أن يحدد ابتداءً الجزء الذي يريد نقضه من الحكم ، إلا أن ذلك لا يمنع من سكوته عن هذا التحديد فتفرض محكمة الطعن أن قصده قد أنصرف إلى الطعن بالحكم بأكمله(28). وعموماً فالطاعن يمكن له أن يطلب بنقض الحكم كله ، أو جزء منه ، أو إحالة الموضوع للمحكمة المختصة ، أو إلى محكمة إصدار الحكم لتفصل فيه من جديد ، وله أيضاً أن يطلب من محكمة الطعن أن تتصدى من جانبها للفصل في الموضوع ،بل وأن لمحكمة الطعن نفسها أن تتصدى وجوباً إذا توفرت شروط أعمال المادة (214 م0م0ع)والتي تقابل المادة(269/4م0م0مصري) 0

5- التوقيع ، بما أن رفع الطعن وتقديمه ، كمطالبة قضائية ،عبارة عن تصرف إرادي يجب الإفصاح عنه بتصرف مادي يكون بمثابة التعبير عن إرادة صاحب هذا التصرف ، أي الطاعن ، وخير وسيلة لذلك هو أستلزم توقيع منشئ عريضة الطعن عليها فالتوقيع في حقيقته ، فضلاً عن كونه شرطاً شكلياً لإنشاء عريضة الطعن ، فهو من جانب أخر يمثل ” ركن الرضا ” في إنشاء عريضة الطعن ، ويخضع التوقيع هنا لقواعد الإثبات في قانون الإثبات ،بشأن التوقيع على السندات العادية ، عن طريق الإمضاء الكتابي ،أو البصمة، أو الختم (29). مع أن يذكر صفته في الطعن ، أصيلا كان ،أو وكيلاً ،حائزاً، محكوماً عليه ، وصياً ، قيماً ، أو محامياً مقبولاً 00 الخ، ومن ثم تتحول صحيفة الطعن(حسبما نعتقد)إلى سند رسمي بتأشير القاضي عليها سواء بالقبول أو الرفض أو أي هامش أخر وتطبيق عليها أحكام السندات الرسمية من حيث الإثبات ( قوة وأثاراً ) 0 وإذا انتهينا من عريضة أو صحيفة الطعن فأن هناك أموراً أخرى ملحقة بها تعتبر من الإجراءات المكملة لرفع الطعن ،ولاستكمال البحث من الناحية النظرية والفنية نقول ، لا يكفي تقديم الطلب القضائي وحده إذ لابد أن يودع الطاعن معه الاتي:=

1- صور من الطلب القضائي :- لم يشترط القانون العراقي تقديم صور من الطلب القضائي(عريضة الطعن) بقدر عدد المطعون ضدهم ، وصورة لقلم الكتاب كما هو الحال بالنسبة للقانون المصري الذي اشترط ذلك في المادة (255م0م0مصري) (30).،إذ يكتفي بأن تقدم عريضة طعن تمييزي واحدة، ليفتح ملف لها وتحرك إجراءات الطعن بموجبها المادة( 205 م0م0ع ) ولا يترتب جزءاً قانونياً معيناً عند الإخلال بهذا الواجب، وهذا الأمر محل نظر عندنا، لأن من المتعذر لاحقا تبليغ المطعون ضده بصحيفة الطعن مما يخل بحقوقه لدفاع عن ما صدر من حكم لصالحه(31)0

2- الحكم المطعون فيه : لم ينص القانون المصري مثل ما نص عليه المشرع العراقي في المادة 173/1 م0م0ع ” 000 والحكم محل الطعن 000 ” لذا فقد أتجه الشراح المصريين(32). إلى اعتبار مصطلح المستندات التي تؤيد الطعن الواردة في المادة (255/2م0م0مصري) يتضمن بدوره صورة من الحكم المطعون فيه ( الاستئنافي ) وصورة من الحكم الابتدائي أن كان الحكم المطعون فيه قد أحال إليه في أسبابه أو وقائعه بعض الامور0وهذا ما سار عليه قضاء محكمة النقض المصرية، إذ جاء في أحد أحكامها “000 فمحكمة الاستئناف يكون لها عندما تؤيد الحكم الابتدائي أن تحيل على ما جاء فيه من أسباب ووقائع (33). فيعتبر الحكم الابتدائي هنا مكملاً للحكم الاستئنافي المطعون فيه ولا يعفي الطاعن من تقديم صورة عنه مع صحيفة الطعن إلا أن ذلك لا يعني أن الطعن منصب على هذا الحكم الابتدائي بل الطعن منصب على الحكم الاستئنافي دون القرار في الحكم الابتدائي ، فإذا كان الطاعن قد أبلغ بمضمون الحكم أمكن له تقديم الصورة التي أبلغ بها ، وإلا وجب عليه أن يستخرج من قلم المحكمة صورة رسمية له (34). ويذهب جانب من الفقه (35). إلى فرض جزاء شديد على عدم ربط صورة الحكم الرسمية ، إلا وهو بطلان الطعن وذلك وفق المادة (173 /1م0م0ع)، والمادة(255 /3م0م0مصري)، وهذا ما ستقر عليه العمل في القضاء المصري (36). بل ويسري هذا الحكم ( البطلان ) كجزاء لعدم إيداع صورة الحكم الابتدائي وأن تم إيداع الحكم الاستئنافي إذا قد تقرر ما نصه ” قد أستقر قضاء محكمة النقض المصرية على إيداع صورة من الحكم الابتدائي الذي أحال إليه الحكم المطعون فيه في أسبابه ، م 255 م0م0 مصري ، وهو من الإجراءات التي يترتب على إغفالها البطلان وعلى المحكمة أن تقضي برد الطعن من الناحية الشكلية” (37). ولا نعتقد هنا بأن هذا هو الجزاء المترتب على عدم تقديم صورة من الحكم إذ أنه لم ينص عليه بشكل واضح في نصوص القانون ، والرد من الناحية الشكلية يقرر فقط في حالة تقديم الطعن بعد فوات مدته أو عدم احتواء طلب الطعن على أسباب الطعن القانونية الواضحة كما نصَ على ذلك في قانون المرافعات العراقي المادة (210م0م0ع)، أضافه إلى أن الغاية من هذا الإجراء يمكن تحققها ،إذا أن محكمة الطعن ستطلع أجلاً أم عاجلاً على نسخة الحكم ،وأن كان من الجائز رد طلب الطعن لعدم اكتمال مستلزماته ،ومكملاته من الأوراق والمستندات الأخرى0لذلك نذهب مع بعض أحكام النقض المصرية والتي تسامحت في هذا الأمر لأسباب موضوعية خارج عن قدرة الطاعن ؛إذ نص أحد الأحكام القديمة على “000ومع هذا فإذا ثبت أن الصورة الرسمية من الحكم المطعون فيه لم تكن قد نضمت حتى نهاية الوقت المحدد للطعن فلا يكون هناك محل لمؤاخذة الطاعن (38) .

لقد ترك القانون العراقي الخيار للطاعن (المميز ) في أن يوكل محامي أو لا يفعل ذلك ،ويأتي ذلك متوافقاً مع الأصل في أن الأعمال الإجرائية يقوم بها الخصم ذاته، إلا أن المشرع المصري قد خرج على هذا الأصل والزم الطاعن أن يوكل عنه محامٍ مقبول أمام محكمة النقض ليحرر الطعن ويوقعه نيابة عنه وأصالة عن نفسه باعتبار ذلك شرطاً لازماً(39). وعلى هذا فلا بد من أن تربط وكالة مع طلب الطعن لإيضاح والتأكد من صفة المحامي ووكالته وفق احكام المادة(255م0م0مصري) والتي تنص على “000وسند توكيل المحامي الموكل في الطعن 000″ 0وظاهر النص المصري يفيد في ضرورة تقديم سند التوكيل في اللحظة ذاتها التي يقدم فيها طلب الطعن، وعلى هذا الأساس فقد اختلف الفقه والقضاء في مصر فيذهب بعض الشراح المصريين(40). وقضاء النقض(41). إلى إمكانية تقديم التوكيل لاحقاً على أن لا يتجاوز الجلسة الأولى المحددة للطعن، ويخالف البعض هذا الرأي(42). ويستندون إلى ما ذهبت إليه بعض أحكام النقض(43). في جواز مد فترة تقديم سند التوكيل إلى حين حجز القضية للحكم أعمالاً لنص المادة89/2 من قانون المحاماة المصري ودون الإشارة إلى تاريخ حصول التوكيل0 وبدورنا نؤيد الرأي الثاني مع ملاحظة انه أن جاز إيداع سند توكيل المحامي ولو بعد إيداع الصحيفة فان تاريخ التوكيل يجب أن يكون سابقاً على تاريخ إيداع الصحيفة وإلا كان الطعن غير مقبول؛ إذ لا تعمل هنا قاعدة الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة وان توفرت فرصة استطالة المدة لحين حجز الطعن للتقرير فيه وإلا كان الطعن باطلاًً ،ويقضى بعدم قبوله(44) .وان كنا نؤيد ما ذهبت إليه بعض أحكام النقض المصرية فيما نصه” 000 إذا أودع محامي المطعون ضده مذكرة بدفاعه أمام محكمة النقض من دون تقديم سند وكالته عنه وجب استبعاد ما ورد فيها من دفاع ” (45). ومن دون الحكم بعدم قبول الطعن وذلك تقليلاً من الجزاءات الشديدة لشكلية العمل الإجرائي 0 وإذا كان شرط المحامي المقبول مهماً في القانون المصري فأن القانون العراقي قد خفف من ذلك الشرط إذ يجوز أن يقدم الطعن أي محامٍ حائز لدرجة أ حسب قانون نقابة المحامين العراقيين (46). أو أن يكتبه الطاعن أو غيره أن كان لا يعرف الكتابة(47).

3-المذكرة الشارحة: قد يكون الحكم واسعاً وكبيراً ومتشعباً من حيث الوقائع ،والموضوع ،والأسباب ،والأطراف في الدعوى، أو قد يوجد لدى الطاعن مطاعين كثيرة بخصوص الحكم فلا تكفي صفحة واحدة لإبداء أسباب الطعن، فيقتصر محتواها على بيانات الصحيفة المهمة مع ذكر أسباب الطعن بصورة مقتضبة(48). وللتغلب على هذه المشكلة فقد سمَحَ لطاعن ان يقدم مذكرة شارحة لأسباب الطعن وهو مايمكن العمل به في العراق لعدم وجود نص قانوني يمنع ذلك ، أما في مصر فقد نص المشرع المصري في المادة (255م0م0مصري) بان يقدم الطاعن مذكرة شارحة لأسبابه0والمذكرة الشارحة :-هي ورقة من أوراق المرافعات تتيح للطاعن أن يفصل ما يكون قد أجمله من أسباب الطعن في طلبه ولا يلزم في المذكرة الشارحة شكل خاص بها ويكتفي فيها أن يحال إليها بمتن طلب الطعن(49). وإذا كانت العبرة فيما يورده الطاعن من أسباب الطعن في طلبه فدور المذكرة الشارحة يقتصر وينحصر فقط في تفصيل ما يكون قد تم أجماله من أسباب الطعن في صلب صحيفته وعلى هذا فلا يتصور أن تحل المذكرة الشارحة محل طلب الطاعن ذاته، وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض المصرية إذ جاء في أحد أحكامها ” إذا كان مانعته الطاعنة على الحكم المطعون فيه لم يرد في تقرير الطعن فلا يعتد بتحدثها عنه في مذكرتها الشارحة ” (50). ولا يترتب البطلان على عدم تقديم المذكرة الشارحة فيكتفي عندئذ بما ورد في طلب الطعن ذاته من أسباب تمَ بناء الطعن عليها 0 ويكون الجزاء على عدم تقديمها في القانون المصري هو عدم جواز حضور الطاعن أو محاميه جلسة المرافعات(51). أما في العراق فلا يترتب مثل هذا الجزاء لان الأصل عدم جواز إقامة مرافعة علنية أمام محكمة الطعن التمييزي؛ وتجري إجراءات نظر الطعن من دون حضور الخصوم أو وكلائهم أصلا ؛ وبالتالي لأتقدم مذكرات أو دفوع غير تلك التي قدمت ابتداء مع طلب الطعن (52). مع مراعاة الاستثناء الوارد بالمادة (209/ 2م0م0ع)0

4 – المستندات التي تؤيد الطعن : الأصل أن يقدم الطاعن الدليل على سبب طعنه وإلا اعتبر السبب عارياً من الدليل ووجب طرحه، فقد جاء في أحد أحكام النقض المصرية ما نصه ” فإذا كان سببه(أي الطعن ) مسخ الحكم لأقوال الشهود الثابتة بمحضر التحقيق وجب تقديم صورة طبق الأصل من هذا المحضر” (53). ويقصد بالمستندات الشارحة في هذا المقام مثلاً العقود المدعى بان الحكم المطعون فيه قد مسخها أو خالف القانون فيها ؛ فإذا كانت المستندات مقدمة من الطاعن في طعن أخر أو في إضبارة الدعوى فيكفي أن يشير الطاعن إلى ما يدل على هذا وتتخذ المحكمة ما تراه مناسبً للاطلاع على هذه المستندات ؛ وفي هذه الحالة لا يمكن النعي على الطاعن بأنه لم يقدم مستنداته مع طلب الطعن في ميعاد الطعن لان الأمر بالضم خارج عن أرادته في اغلب الأحوال حتماً، وتعتبر صور أوراق المرافعات والمذكرات ومحاضر الشهود مستندات مؤيدة للطعن كلما أمكن ذلك(54).

وإذ كان المشرع العراقي قد أجاز الطعن بأحكام البداءة والاستئناف على حد سواء (55). فقد جرى العمل في قضاء التمييز على تأخير نظر الدعوى من قبلها لحين صدور قرار الاستئناف بخصوص الحكم ومن ثم تنظر محكمة التمييز الطعن الذي قدم بخصوصه، وعلى هذا فقد قنن قانون المرافعات العراقي الحالي هذا التطبيق العملي بنصوص صريحة تكفل تطبيقه (56). وذلك منعاً من تقطيع أوصال الدعوى وتعقيد سيرها وتناقض الأحكام فيها فضلا عن الحاجة إلى تقديم طعن جديد بالتمييز في الحكم الصادر من محكمة الاستئناف (57). وهذا يدل على احترام درجات التقاضي من قبل المشرع والقضاء على حد سواء ولكن ما سيكون الحكم محل الطعن هل هو حكم البداءة الذي قدم فيه الطعن أولاً بإرادة الطاعن أم انه الحكم الاستئنافي الجديد الذي لم يرفع أحد عليه الطعن وقد يكون حكم البداءة قد فسخ من محكمة الاستئناف وقد يكون حكم الاستئناف موائماً ومتفقا مع مصلحة الطاعن الذي سيجبر على الطعن بحكم لا يريد طعنه وتجريحه0 ومدة الطعن في حكم الاستئناف من أين تبدأ، وإذا قدم أحد الخصوم الطعن بالحكم الاستئنافي الذي لم يلغِ حكم البداءة كليا فسنكون أمام طعن تمييزي متقابل وهذا ما منعه وحرمه القانون، والى متى يبقى الطعن مستاخراً، ومن ثم كيف ستعرف محكمة التمييز بإصرار الطاعن على طعنه في حكم صدر لصالحه ومن ثم رسوم الطعن من يتحملها عند صدور الحكم الاستئنافي والأسباب في عريضة الطعن الأولى كيف ستستبدل لتلائم أسباب الطعن بالحكم الجديد وهل توجد في قانون المرافعات نظرية الحلول أو ا انتقاص الطعن أو تحوله ؟ لذا نعتقد أن المعالجة التشريعية الجديدة قاصرة عن الوصول إلى مكمن المشكلة ونقترح أن تمنع محكمة الطعن التمييزي من نظر الطعن في حكم البداءة ( الدرجة الأولى) إلا بعد مرور خمسة عشر يوما من تاريخ إكمال التبليغات القانونية للحكم محل الطعن ،وعدم حصول الاستئناف عليه في تلك الفترة ولا يعني هذا تعاقب المدد بل تظل على تداخلها والواقع أن نظر الطعن قد يستطيل لا كثر من أربعة اشهر فلا تأثير لزيادة خمسة عشر يوما عليه (58). وبذلك نوفر على الطاعن مشقة وتكاليف حصول الاستشهاد وما تتعرض له محكمة الطعن من مفاجأة أحد الخصوم الآخرين بالطعن استئنافا بالحكم الذي تنظره محكمة التمييز0 ونشير هنا إلى أن فيما عدا إيداع صورة من الحكم لم ينص المشرع العراقي أو المصري صراحة على بطلان الطعن كجزءا لعدم إيداع أي من المرفقات الأخرى؛ على انه أيا كان العيب فان الأمر يخضع للقواعد العامة في حالات البطلان وأحكامه ولهذا فانه يمكن إيداع أي من المرفقات الأخرى بما فيها – صورة الحكم –بعد إيداع الطعن بشرط أن يكون ذلك في الميعاد 0 ولا يستثنى من هذا إلا صور صحيفة الطعن في القانون المصري فهذه يجب أن تقدم حتما عند إيداع الصحيفة (59). والاستشهاد المقرر في القانون العراقي فهو ملزم وحتمي للخصوم ( الطاعن ) والمحكمة التي تنظر الطعن.

 

(محاماه نت)

إغلاق