دراسات قانونية

أركان عقد الزواج في القانون العراقي

كل عقد من العقود له أركان وشروط ، فالأركان بها قوام الشي ، ولا تتحقق ماهيته إلا بها لكونها جزءا من حقيقة ، بحيث إذا انعدمت جميعها أو بعضها ، انعدم العقد ولم تتحقق . وعقد الزواج كغيره من العقود الثنائية الطرف ، لابد فيها من (التراضي – والمحل – والسبب) والتراضي ركن من أركان عقد الزواج ، ويتضمن عنصري الإيجاب والقبول ، اللذين يصدران من العاقدين ، فيرتبط أحدهما بالآخر فيتحقق العقد ، وكل عقد زواج لا بد له من عاقل ين وهما الرجل والمرأة أو وكيلاهما ، وصيغة ، ومعقود عليه . فالعاقد من يباشر العقد لنفسه أو لغيره . والصيغة هي (الإيجاب والقبول) ، والمعقود عليه أحد العاقدين في الزواج (1) والوكالة بالزواج إما أن تكون مصدقة من الكاتب العدل في العراق أو من القنصل العراقي خارج العراق ومصدقة بالطرق الدبلوماسية ، ويجوز أن تكون الوكالة أيضا أمام القاضي شفاها . ولا ~ أن تتضمن الوكالة اسمي الخاطب والمخطوبة ومقدار المهر أو أن يترك للوكيل تحديده ، أما الوكالة العامة المطلقة الخالية من ذلك فلا تصلح للتوكيل في هت الزواج . ‏وتناولت المادة الرابعة من قانون الأحوال الشخصية المعدل (2) : أركان عقد الزواج بقولها (ينعقد الزواج بإيجاب – يفيده لغة أو عرفا – من أحد العاقدين ، وقبول من الآخر ويقوم الوكيل مقامه) . مما تقدم يتضح لنا أن أركان عقد الزواج في القانون العراقي هما : العاقدان والايجاب والقبول ، ‏وتمشيا مع متطلبات البحث ، سوف نوزع هذا الموضوع على المطالب الآتية :-

المطلب الأول : العاقدان – الزوجان

‏الزواج من العقود الثنائية الطرف ، أي التي لا بد فيها من طرفين ، ولا ينعقد الزواج إلا بموافقة الزوجين بالذات ورضاهما ولا يملك أحد إجبارهما – الرجل والمرأة – على الزواج . لأن الأصل في العقود كافة- ومنها عقد الزواج- إنها لا تنعقد إلا بتوافر ركن الرضا ، أي تراضي الزوجين ، حيث أن الإكراه يعدم هذا الركن ، وعقد الزواج الذي يقع بالإكراه يعد باطلاً . ‏ولما كان عقد الزواج عقداً عظيم الخطر بالغ الأثر ، لا يتحقق إلا أن يباشره المتعاقدان (الزوجان) لبناء الأسرة وتحمل الأعباء الزوجية والعائلية والتزاماته المادية والاجتماعية ، لذا ينبغي أن يتم باختيار صحيح . ونصت المادة الخامسة على الشروط القانونية والشرعية في الزوجين بأنه متحقق الأهلية في عقد الزواج بتوافر الشروط القانونية والشرعية في العاقدين أو من يقوم مقامهما . ‏وأهلية العاقدين هي الصلاحية التي تمكن الرجل والمرأة أن يباشرا التصرفات والأعمال القانونية ، لذا فإن الأصل في الإنسان الأهلية ، أما نقص الأهلية وعدم الصلاحية لإجراء التصرفات القانونية فهو الاستثناء . ويقصد بأهلية الزواج صلاحية الخاطبين (الرجل والمرأة) في أن يتوليا عقد زواجهما بنفسيهما مباشرة إذا كان متمتعين بالأهلية الكاملة ، كما يجوز أن يوكل أحدهما غيره في إجراء العقد ، وأشارت المادة (٧ ‏/ ١) إلى أهلية النكاح بقولها ويشترط في تمام أهلية الزواج العقل ، واكمال الثامنة عشرة (3) فهذا النص يدل على بلوغ سن الزواج ، وهو علامة لصلاحية الشخص ليباشر زواجه بنفسه وقبل هذا يتوقف على حضور الولي أو على صدور أذن خاص من القاضي . ‏إذن ، واضح أن تحل يد كمال أهلية النكاح بسن معينة – موافق لما قرره بعض فقهاء الشريعة الإسلامية – هي بلوغ الخاطب والمخطوبة (العاقدين) سن الرشد واتمام الثامنة عشرة من العمر. أما قبل ذلك فيجب له إذن المحكمة وموافقة الولي …. . ‏والعقد إما يتولاه الزوجان أصالة أو وكالة إذا كانا أهلا للعقد والتوكيل أو يتولاه وليهما أو ولي أحدهما مع الثاني أو وكيله ، ويجوز أن يتولى العقد شخص واحد بأن يكون أصيلا عن نفسه ووكيلا عن الخاطب الثاني أو وكيلاً عن الخاطبين أو وليا عليهما ، كما لو كان الولي هو جد العاقدين لوالديهما . ‏بناء على ما تقدم ، فللرجل البالغ العاقل أن يزوج نفسه بمن أراد من النساء ممن تحل له شرعا دون اعتراض من أحد. وكذلك للمرأة البالغة العاقلة – عند أغلب المذاهب الإسلامية – أن تزوج نفسها بمن تشاء على أن يكون اختيارها لزوجها سليما . ويجوز التوكيل في عقد الزواج .

المطلب الثاني : الإيجاب والقبول

‏إن عقد الزواج من العقود المسماة التي خصها الشارع الحكيم وبين أركانها وشروطها وحدد الحقوق والواجبات المترتبة عليها ، فالزواج عقد من نوع خاص ، ونظرا لأهميته وخطورته في الحياة فإنه يلزم لتمام عقد الزواج أن يتبادل الزوجان التعبير عن إرادتين متطابقتين ويتحقق ذلك بإيجاب يتضمن عرضا من أحد الزوجين ، وقبول من جانب الزوج الآخر يفيد الموافقة على العرض وعندئذ يلزم تطابق الإيجاب والقبول ويتم العقد باقتران التعبيرين . ‏فالإيجاب ، هو التعبير المبين لإرادة أحد العاقدين معلناً فيه رغبته في ايجاد الرابطة الزوجية . ‏والقبول ، عبارة تصدر من العاقد الثاني للتدليل على رضاه وموافقته بما أوجبه الطرف الأخر ، وباجتماع الإرادتين على إيجاد المعنى المقصود يتحقق العقد . ‏ولا يشترط في الإيجاب أن يصدر من جانب الزوج أو الزوجة ، فإذا قال الرجل للمرأة ، تزوجتك . . فقالت المرأة قبلت . كان الرجل موجباً والمرأة قابلة . ويمكن أن تقول المرأة للرجل ، زوجتك نفسي أو وليها أو وكيلها يقول زوجتك فلانة . . . فقال الرجل قبلت ، كانت المرأة موجبة والرجل قابلا أو كما يقول وكيل الزوجة زوجت نفس موكلتي فلانة بنت فلان إلى نفس موكلك فلان ابن فلان ، ويقول وكيل الزوج قبلت تزويج نفس موكلتك فلانة بنت فلان من نفس موكلي فلان بن فلان ، وقس على ذلك . ‏الأصل في عقد الزواج أن يقع بألفاظ صحيحة دالة على المقصود كغيره من العقود ، فينعقد الزواج بالإيجاب والقبول ويجب أن يكون لفظهما بصيغة الماضي أو أحدهما للماضي والثاني للمضارع الدال على الحال . وعند الجعفرية ينبغي أن يكون الإيجاب والقبول بلفظي الماضي فقط (4) ، على الأرجح . وتطبيقا لذلك نصت المادة (77) من القانون المدني العراقي محلى أنه)يكون الإيجاب والقبول بصيغة الماضي ، كما يكونان بصيغة المضارع أو بصيغة الأمر إذا أريد بهما الحال) . وينعقد بألفاظ صريحة تدل على الزواج والنكاح ، كما ينعقد بأية لغة كانت ما دام كل من الزوجين والشهود يعرف أن المراد بذلك عقد الزواج . ‏بعد أن فرغنا من دراسة الإيجاب والقبول علينا أن نبحث في نقطة التقاء الإرادتين وذلك عندما يكون الزوجان (العاقدان) في مجلس واحد أي مجلس العقد ‏وعلى اتصال مباشر. ولا توجد فترة تفصل بين صدور القبول وعلم الموجب به . ‏وقد يتحقق ذلك على الرغم من اختلاف مكان كل من العاقدين (الزوجين) وأساليب التعبير عن الإرادة كثيرة منها .

١- عقد الزواج بالعبارة : ونعني بالعبارة هنا تلفظ الموجب بالإيجاب والقابل بالقبول ، ولا يصح محقد الزواج بغير العبارة ، ويصح العقد إذا وقع بلفظ (زوجت أو انكحت من المخطوبة أو من ينوب عنهما وقبلت أو رضيت من الخاطب أو من ينوب عنه).

3- عقد الزواج بالإشارة : كأن يكون أحد الزوجين أخرس لا يقدر على النطق أو الكتابة ، فإشارة الأخرس إذا فهم منها معنى العقد كافي لانعقاده ، إذا لم يكن يحسن الكتابة ، مع الإيجاب أو القبول بالإشارة متى كانت مفهومة وينعقد زواج الأخرس بإشارته إذا كانت معلومة .

3- عقد الزواج بالكتابة : كأن يرسل أحد طرفي العقد كتابا إلى امرأة يريد الزواج منها ، وترشدنا الفقرة (٢) من المادة (٦) محلى ذلك بقولها (ينعقد الزواج بالكتابة من الغائب لمن يريد أن يتزوجها بشرط أن تقرأ الكتاب أو تقرأه على الشاهدين وتسمعهما عبارته وتشهدهما على أنها قبلت الزواج منه ، ومحند الجعفرية لا ينعقد الزواج بالكتابة مع القدرة على النطق .

4- عقد الزواج بالرسول : فقد يحمل رسول إيجاب الطرف الأول إلى الطرف الثاني فيقول أنا رسول فلان ، أرسلني إليك ويقول لك زوجيني نفسك ، فإذا أحضرت المرأة الشهود ، وقالت : قبلت وانعقد الزواج بالإيجاب الذي بلغه الرسول وبالقبول منها (5) إلا أن القانون لم يشر إلى جواز العقد بوساطة الرسول بل أشار إلى الكتابة فقط . ‏والصيغة في عقد الزواج يجب أن تكون مطلقة من كل قيد ، خالية من التعليق على شرط وغير مضافة إلى زمن مستقبل أو حادثة غير محققة (م ٦ ‏من القانون).

المطلب الثالث : المحرمات

‏يشترط لصحة انعقاد الزواج ، أن لا ‏تكون المرأة محرمة على الرجل تحريماً مؤبدا ولا مؤقتا . وهذا ما نصت عليه المادة (١٢) من القانون بقولها (يشترط لصحة الزواج أن تكون المرأة غير محرمة شرعا على من يريد التزوج بها) . ‏وحرمت الشريعة الإسلامية بعض النساء على بعض الرجال لأسباب مؤبدة أو مؤقتة . وهذا ما أشارت إليه المادة (١٣) من القانون ذاته بقولها (أسباب التحريم ‏قسمان مؤبدة ومؤقتة . . .) (6) . ‏وهذا ما سنتناوله شيء من الإيجاز وعلى النحو الآتي : –

أولاً :- المحرمات تحريماً مؤبداً : –

‏وهن اللاتي يحرم الزواج بأي منهن ، أصلا ، بسبب تحريمهن لوصف غير قابل للزوال أبداً . وتشمل الحرمة المؤبدة حرمة المرأة على الرجل ، وحرمة الرجل على المرأة (م ١٤ ‏/ ٢) .

‏وأسباب الحرمة المؤبدة : هي ثلاثة : – (القرابة والمصاهرة والرضاع) .

1- المحرمات بسبب القرابة :- هن أربعة أصناف ، (المادة ١٤ ‏لم ١) (7) أن يحرم على الرجل : –

‏(أ) أصوله وإن علون ، كالأم والجدة .

‏(ب) فروعه وفروع فروعه وان نزلن ، كالبنت ، وبنت الابن ، وبنت البنت .

‏(جـ) فروع أحد الأبوين أو كليهما وفروع فروعهم من الإناث وان نزلن. كالأخت الشقيقة ، أو الأخت لأم أو لأب ، وبنت الأخ وبنت الأخ . . . ‏وكذلك فروع هؤلاء وفروع فروعهم . . . وان نزلن .

‏(د) فروع الأجداد والجدات المنفصلات ببطن واحد ، ويقتصر هذا التحريم على العمات والخالات مطلقا دون بناتهن وبنات الأعمام والأخوال ‏وفروعهن فلا يحرمن ، ويحل الزواج بعضهم من البعض .

‏ودليل هذا التحريم قوله تعالى : {حُرمتْ عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخلاتكم وبنات الأخ وبناتُ الأُختِ …} (8) .

ويحرم على المرأة الزواج من نفس القرابة المذكورة ، ‏من الرجال .

2- المحرمات بسبب المصاهرة : يحرم على التأبيد تزوج الرجل بامرأة بينه وبينها ‏مصاهرة ٠ ‏وهن اربعة اصناف ؟ (م ١٥) (9) .

‏(أ) اصول الزوجة وإن علون : سواء أدخل بزوجته أم لم يدخل ، حيث انه بمجرد العقد على امرأة ما ، تصبح أمها وجداتها محرمة على الزوج مطلقاً لقوله تعالى : {وأمهات نسائكم} (10) .

(ب) زوجة أحد أصوله وإن علا ، سواء أكان الأصل (الأب أو أب الأم وسواء دخل بها الاصل أم عقد عليها مجرد عقد ولم يدخل بها لقوله تعالى : {ولا تنكحوا ما نكح ءابآؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً} (11) .

(جـ) زوجة أحد فروعه وإن نزلوا ، كزوجة ابنه ، وابن ابنه وابن بنته وسواء أدخل بها الفرع لعموم قوله تعالى : {وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم} (12) .

(د) فروع الزوجة المدخول بها دخولاً حقيقياً وفروع فروعها وإن نزلن ، كبنات زوجته ، وبنات أولاد زوجته ، ويشترط في هذه الحالة الدخول الحقيقي بالزوجة ، ودليل ذلك قوله تعالى : {وربائبكم التي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن} (13) أما اذا لم يدخل بها كأن توفيت قبله (14) أو طلقها قبل الدخول فلا يحرم على الزوج التزوج بأحد فروعها لقوله تعالى : {فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جُناحَ عليكم} (15) . وعلى هذا الأساس وضع الفقهاء قاعدة مشهورة تقول (العقد على البنات يحرم الأمهات ، والدخول بالأمهات يحرم البنات) .

3- المحرمات بسبب الرضاعة : عدت الشريعة الإسلامية الغراء ، المرأة التي ‏أرضعت طفلا أما له من الرضاعة ، وأنزلتها منزلة أمه من النسب ، وكذلك عد زوج المرضعة أبا له من الرضاعة ، ويكون الرضيع ابنا لهما من الرضاعة لقوله تعالى : {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} (16) والحكمة من التحريم بسبب الرضاعة هي تشجيع الإرضاع بوصفه مظهرا من مظاهر الحنو والعطف من المرضع ، واحياء الأطفال الذين ليس لهم أمهات بهدف تشجيع العمل الإنساني النبيل ، فضلا محن أنه يؤدي إلى توسيع الدائرة الأسرية المتحادة ، لهذه الأسباب جعلت الشريعة المرضعة كالأم النسبية الحقيقية. ‏وتطبيقا للحديث الشريف (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) أكد قانون الأحوال الشخصية هذا البيان بصريح المادة (١٦) على أنه (كل من تحرم بالقرابة والمصاهرة ، تحرم بالرضاعة إلا فيما استثنى شرعا) . وعليه يحرم على الرجل ما حرم بسبب النسب وهن سبع نساء ، اثنتان بطريق الولادة وهما (الأمهات والبنات) ، وخمس منها بطريق الأخوة وهن (الأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت) وكذلك ما ذكر تحريمه بسبب المصاهرة . ‏والشق الأخير من نص المادة (. . . إلا فيما استثني شرعا) ، يعني ذلك وجود بعض الاستثناءات من القاعدة لانقطاع الصلة الحقيقية بين الطرفين فيها وزوال علمه التحريم فمثلا يجوز للرضيع أن يتزوج أم أخيه رضاعاً بينما لا يحل نسباً لأن أم الأخ من الرضاعة ليست بأم ولا زوجة أب . ويجوز للرجل أن يتزوج أخت ابنه رضاعاً لأنها ليست بنتا له ، وهكذا .

٤- المحرمات بسبب الزنا  : يعد الزنا في الشريعة الإسلامية من أكبر الكبائر وأشد الجرائم وعقوبته من أغلظ العقوبات فهي للزاني والزانية غير المحصنين (أي غير المتزوجين) (17) الجلد وهي للمحصن أي المتزوج أو المتزوجة الرجم حتى الموت لأن زنا المحصن يجمع مع الزنا الخيانة الزوجية – أي خيانة النفس وخيانة الزوج – وعلى هذا فإن الشريعة الاسلامية رتبت عقوبات أخرى منها حرمة الزواج وفي أمرين : –

‏(أ) الأمر الأول : – يتفق عليه في أغلب المذاهب الإسلامية مع خلاف بسيط فإن من زنا بامرأة ، أو لاط بغلام ، حرمت عليه أمهات المزني بها أو الغلام ، وكذلك بناتها ، وحرمت المزني بها على أباء الزاني وأبنائه ، وتكون الحرمة هنا حرمة مؤبدة كل ذلك اذا كان الزنا قبل العقد ، أما إذا كان الزنا بعد العقد ، أي أن يزين بأم زوجته مثلا فإنه لا يترتب على ذلك ‏الحرمة بين الزوجين ، هذا في المذهب الجعفري (18) وعند الحنفية (19) ‏والحنابلة (20) بل قالوا أن مثل الزنا المس بشهوة (21) أما عند الشافعي ومالك فان الزنا لا يوجب حرمة المصاهرة : أما الظاهرية فإنهم لم يرتبوا الحرمة إلا في موضع واحد هو تحريم الزواج بالمزني بها على أولاد الزاني فقط (22) .

‏(ب) الأمر التالي : – وقد قال به الجعفرية وهو أن من زنا بمتزوجة في عصمة رجل أو بمعتدة من طلاق رجعي عالماً بالزوجية وبالحرمة حرمت عليه مؤبداً ، ومن عقد على متزوجة أو معتدة عالما بذلك فإنه زنا يوجب الحرمة المؤبدة فإن كان جاهلاً بذلك ولم يدخل بها بطل العقد فقط أما إذا دخل بها فإنها تحرم عليه مؤبدا (23) .

5- المحرمات بسبب اللعان : إذا اتهم الرجل زوجته بالزنا أو نفي نسب المولود على فراشه وأنكرت الزوجة التهمة ، ولم يكن للزوج البينة الشرعية (أربعة شهود) جاز له أن يلاعنها ، لقوله تعالى : {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (24) وَالْخَامِسَةُ أن لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ أن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (25) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَالْخَامِسَةَ أن غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا أن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (27) .فإذا جرت الملاعنة بالشكل المذكور فإنه يترتب عليها ٠ ‏وجوب التفرقة بينها ونفي نسب المولود عن الرجل واتفق الشافعية والجعفرية والحنابلة والمالكية ، على أنه يترتب على ذلك حرمة مؤبدة ولا تحل له وان أكذب نفسه . أما الحنفية فقد قالوا أن الملاعنة كالطلاق فلا تحرم مؤبدا فإن أكذب نفسه ارتفع التحريم (28) .

ثانياً : المحرمات تحريماً مؤقتاً : –

‏هن اللاتي يكون سبب التحريم بالنسبة إليهن مؤقتا ، ويمكن زواله بزوال سببه ، أي هناك مانع يمنع الرجل من التزوج بالمرأة ومتى زال المانع صح الزواج بها . وأسباب الحرمة المؤقتة ، هي الحالات الآتية (29) :

1- الجمع بين محرمين : – أي بين امرأتين بينهما علاقة المحرمية فلو فرضنا أحدهما رجلا حرمت الثانية عليه. فلا يصح الجمح بين الأختين ، ولا بين امرأة وعمتها أو خالتها أو بنت أخيها أو بنت أختها . فنلاحظ الحرمة تثبت على الافتراض ، حيث أنه لو كان أحداهما رجلا لكانت الأخرى أخته أو عمته أو خالته . . . فتحرم عليه أن يتزوج إحداهن على زوجته سواء أكانت حال قيام الزوجية ، أم في العدة. والاصل في التحريم المؤقت قوله تعالى : {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء : 23] ولن اذا زال السبب بطلاق أو وفاة زالت الحرمة وعندئذ يحل للمرأة أن تتزوج الرجل الذي كان محرماً عليها . وقال عليه الصلاة والسلام (30) ، (لا تنكح المرأة على عمتها ، ولا على خالتها ولا على ابنة أخيها ، ولا على ابنة آختها ، فإنكم ‏ان فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم) وأخذ به جمهور الفقهاء (31) .

٢- الزواج بخامسة : لا يجوز الجمع بين زوجات يزدن على أربع فلا يحل له أن يتزوج الخامسة حتى يطلق احدى زوجاته الأربع وتنقضي عدتها ، أو اذا توفيت احداهن فإنه يجوز له التزوج بأخرى ، وقال تعالى في كتابه العزيز دليلاً على تحريم الزيادة على الأربع {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} (32) .

3- زوجة الغير : لا يجوز للرجل أن يتزوج زوجة شرعية وهي في عصمة رجل اخر ، كما لا يجوز خطبتها . والحكمة في هذا التحريم المؤقت الخوف من اختلاط الأنساب وضياع الأولاد بين زوجين ، وقال تعالى في معرض بيان المحرمات وعطفاً على أصناف المحرمات {والمحصنات من النساء} (33) أي ذوات الأزواج من النساء ، وعليه اذا تزوج أحد امرأة الغير فلا يصح زواجه أصلا .

4- معتدة الغير : يحوم على الرجل أن يتزوج امرأة معتدة قبل انقضاء عدتها سواء أكانت معتدة من طلاق أم فسخ أم بسبب وفاة الزوج ، والدليل على حرمة زواج المعتدة للغير قوله تعالى :{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } (34) وبهذا الاعتبار لا يبرم عقد النكاح إلا بعد انقضاء المدة . لأن المطلق في الطلاق الرجعي يحق له مراجعتها من غير حاجة الى عقد ومهر جديدين . وتحل له بعقد ومهر جديدين اذا كانت معتدة من طلاق بائن ببينونة صغرى (35) .

5- المطلقة ثلاث مرات متفرقة : لا يحل للرجل أن يتزوج مطلقته ثلاثاً متفرقة – لأنها مبانة منه ببينونة كبرى – إلا بعد زواجها من زوج أخر تزوجها بعقد صحيح ، ودخل بها دخولاً شرعياً وحقيقيا ، ثم فارقها بأي نوع من أنواع الفرقة كالموت عنها أو طلقها وانقضت عدتها منه ، عندئذ يجوز له أن يعقد زواجه عليها ويملك عليها ثلاث طلقات من جديد . ودليل ذلك قوله تعالى : {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره} (36) أي يراد بها الطلقة الثالثة .

6- المرأة التي لا تدين بدين سماوي : تؤكد صراحة النصوص القرانية ، ودلالات الأحاديث النبوية ، وإجماع الفقهاء ، على أنه لا يجوز للمسلم أن يتزوج من لا تدين بدين سماوي (أي لا تقر بنبي ولا تؤمن بكتاب منزل) كالوثنية والمجوسية والبوذية والهندوسية والبرهمية ما دامت على عقيدتها . ودليل ذلك قوله تعالى : {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } (37) .أما الكتابية وهي المسيحية واليهودية فيجوز للمسلم أن يتزوجها لأنها تلتقي معه في لب الفضائل الاجتماعية ، حيث أن الاديان السماوية أصولها واحدة .وتجمعها كلمة الإيمان بالله . كما أن الزوج المسلم يحترم دينها وقد تتأثر بزوجها وتتطلع الى أحكام الإسلام وتعاليمه فتشهر إسلامها .

7- زواج المسلمة بغير المسلم : – يحرم القران الكريم (38) والسنة النبوية وإجماع

الفقهاء تزويج المسلمة من غير المسلم سواء أكان مشركاً أم كتابياً . وقد روى أن سيدنا عمر فرق بين رجل من بني ثعلب أسلمت زوجته ، وأبى هو أن يسلم . وحكمه التحريم واضحة ، وهو أن الإسلام يحترم الأديان السماوية ووجود المسلمة في عصمة غير المسلم ، يجعلها عرضة لامتهان عقيدتها ، وإيذائها في شعورها الديني فتبقى الزوجة في ضيق يعكر صفو حياتها وسعادتها ويقطع التراحم والتعاطف بينهما (39) . وهذا ما أشارت إليه المادة (17) من القانون على أن (يصح للمسلم أن يتزوج كتابية ولا يصح زواج المسلمة من غير المسلم) . وتطرقت المادة (18) من القانون ذاته الى تطبيق أحكام الشريعة عند إسلام أحدهما بقولها (إسلام أحد الزوجين قبل الآخر تابع لأحكام الشريعة في بقاء الزوجية أو التفريق بين الزوجين) .

_____________________

1- انظر بدران أبو العينين بدران ، الفقه المقارن للأحوال الشخصية ، الزواج والطلاق ، الجزء الأول ، دار النهضة العربية ، بيروت ، ١٩٦٧ ، ص ٣٥ ‏.

‏وكذلك عبد القادر إبراهيم ، خلاصة المحاضرات في شرح قانون الاحوال الشخصية العراقي وتعديلاته الشرعية والقانونية ، 1984/1985 ، ص ١٣ ‏.

2- أشارت مجلة الأحوال الشخصية التونسية على أنه (لا ينعقد الزواج إلا برضا الزوجين ويشترط لصحة الزواج إشهاد شاهدين من أهل الثقة وتسميه مهر الزوجة) .‏ ونصت المادة (14) من قانون الأحوال الشخصية الاردني (ينعقد النكاح بإيجاب وقبول من الخاطبين أو وكليهما في مجلس العقد) . ‏وحددت المادة (5) من قانون الأحوال الشخصية السوري على انه (ينعقد الزواج بإيجاب من أحد العاقدين وقبول من الأخر) .

3. تنص المادة (5) من قانون الأحوال الشخصية الأردني رقم (61) لسنة ١٩٧٦ ‏على أنه (يشترط في أهلية الزواج أن يكون الخاطب والمخطوبة عاقلين وأن يتم الخاطب السنة السادسة عشرة وأن تتم المخطوبة الخامسة عشرة من العمر) ‏.

‏وتنص المادة (16) من قانون الأحوال الشخصية السوري على أن (تكمل أهلية الزواج في الفتى بتمام الثامنة عشرة وفي الفتاة بتمام السابعة عشرة من العمر).

4- انظر حسين على الاعظمي ، احكام الزواج ، مطبعة المعارف ، الطبعة الثانية بغداد 1948 – 1949 ، ص ١٧ ‏.

‏5- للمزيد من التفاصيل راجع الدكتور . احمد الكبيسي ، شرح قانون الاحوال الشخصية ، في الفقه والقضاء ، والقانون – الزواج والطلاق واثارهما ، مطبعة الارشاد ، بغداد – الجزء الاول ، 1970 ص ٤٢ ‏ ، و ص ٥٠‏ – ٥3 ‏. وكذلك حسين خلف الجبوري ، الزواج وبيان أحكامه في الشريعة الإسلامية ، ص ٤٧ ‏. و مصطفى السباعي ، شرح قانون الاحوال الشخصية ، الزواج وانحلاله ، مطبعة جامعة دمشق ، الجزء الاول ، الطبعة السابعة ، 1965 ، ص ٨٤ ‏و ٨٥ ‏. و زكي الدين شعبان ، الزواج والطلاق في الإسلام ، الدار القوصية للطباعة والنشر ، القاهرة ، ١١٦٤ ، ص ١٦ ‏- ١٨ ‏. وأحمد الحصري النكاح والقضايا المتعلقة بها ، مكتبة الكليات الأزهرية ، القاهرة الحديثة للطباعة ١٩٦٧ ، ص ٨٢ ‏- ٩٨ ‏. وعبد القادر إبراهيم خلاصة المحاضرات في شرح الأحوال الشخصية . . المرجع السابق ، ص ١٦ ‏.

6- انظر المواد (١٤- ٣١) من قانون الأحوال الشخصية الأردني رقم (٦١) لسنة ١٩٧٦ ‏وكذلك . نص الفصل (١٤) من قانون الأحوال الشخصية التونسي على موانع الزواج المؤبدة والمؤقتة وقالت (موانع الزواج قسمان ، مؤبدة ومؤقتة ، والمؤبدة هي القرابة والمصاهرة والرضاعة والتطليق ثلاثاً ، والمؤقتة تعلق حق الغير بزواج أو عدة) . ونص قانون الأحوال الشخصية السوري في المواد (23 و 35 و 20 و 21 و 22) .

‏7- نصت المادة (14 ‏/ ١) (يحرم على الرجل أن يتزوج من النسب امه وجدته وأن علت وبينه وبنت ابنه وبنت بنته وان نزلت . وأخته وبنت أخته وبنت أخيه وان نزلت وعمته وعنه أصوله وخالته وخاله أصوله) .

‏8- سورة النساء ، الآية (٢٣) .

9- تنص على أنه (يحرم على الرجل أن يتزوج بنت زوجته التي دخل بها وأم زوجته التي عقد عليها . وزوجة أصله وان علا وزوجة فرعه وان نزل) .

10- سورة النساء ، الآية (23) .

11- سورة النساء ، الآية (22) .

12- سورة النساء ، الآية (23) .

13- سورة النساء ، الآية (23) .

14- سورة النساء ، الآية (23) .

15- سورة النساء ، الآية (23) .

16 سورة النساء ، الآية : (٢٣).

‏(*) السبب الرابع والخامس لم يذكرا في قانون الأحوال الشخصية وحيث أنهما من مسائل الحل والحرمة فقد وجب ذكرهما .

‏17- مع أن الشريعة الإسلامية متشددة في عقوبة الزاني إلا أنها تفرق بين الحصن وغيره المحصن ، ‏وتراعي ظروف النفس البشرية فلا تعتبر الرجل والمرأة محصنين إلا من كان له زوج حاضر غير غائب عنه أو مفارق له فراقاً طويلاً.

18- انظر محسن الحكيم ، منهاج الصالحين ص ١٩٩ ‏.

19- فتح القدير ، ج ٢ ‏ ، ص ٣٦٥ ‏.

20- العدة شرح العمدة للمقدسي ، ص ٢٧٣ ‏ ، ومخصر الأوقاف ، ص ٤٣٢ ‏.

21- انظر الهداية ، ج ١ ‏ ، ص ١٩٣ ‏ ، علي الحنفي والخلاف للطوسي مسألة (١٨١) علي الجعفري .

22- المحلى ٩ ‏ص ٥٣٢ ‏.

23- السيد محسن الحكيم ، منهاج الصالحين ، ص ٢٠٠ ‏ ، المسالك باب الطلاق.

24- سورة النور ، الآيات (٦- ٩) .

25- المغني ، ‏ج ٧ ‏.

26- تنص المادة (١٣) على أنه (أسباب التحريم قسمان مؤبدة ومؤقتة ، فالمؤبدة . . . والمؤقتة الجمع بين زوجات يزدن على أربع وعدم الدين السماوي والتطليق ثلاثاً وتعلق حتى الغير بنكاح ، وعقدة وزواج أحد المحرمين مع قيام الزوجية بالأخرى .

27- نهى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أربع نسوة يجمع بينهن (المرأة وعمتها والمرأة وخالتها) رواه ابو هريرة .

28- ذهب الجعفرية بجواز زواج المرأة على عمتها أو خالتها ، بشرط رضا العمة والخالة والا كان العقد باطلا ويجوز زواج العمة على بنت اخيها والخالة على بنت أختها بدون رضا بنت الأخت وبنت الأخ ؟ راجع حسين علي الأعظمي ، احكام الزواج ؟ المرجع الاسبق ؟ ص ٥٠ ‏.

29- سورة النساء ، الآية (3) .

30- سورة النساء ، الآية (24) .

31- سورة البقرة ، الآية (228) .

32- وفي المذهب الجعفري اذا تزوج رجل زوجة الغير أو معتدته ودخل بها عالماً بحالها وبالحرمة بينهما فإن المرأة تحرم عليه حرمة مؤبدة عقوبة له وتطبيقاً لقاعدة (من استعجل بالشيء قبل أدائه عوقب بحرمانه) . وكذلك روي عن سيدنا عمر وفي قول الإمام احمد والإمام مالك أن المنكوحة في العدة تحرم عن الناكح – فتاوي ابن تيمية ج3 ص 24 .

33- سورة البقرة ، الآية (230) .

34- سورة البقرة ، الآية (221) .

35- نقرأ في القران الكريم قوله تعالى {اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حلٌ لكُمْ وطعامُكُم حلٌ والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم} سورة المائدة الآية (5) .

وقال تعالى أيضاً {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ …..} سورة الممتحنة الآية (10) .

36- لم تنفرد الشريعة الإسلامية بهذا الحكم فإن جميع الأديان منعت زواج أتباعها من اتباع الأديان الأخرى . لاحظ القواعد الفقهية لطائفة السريان الأرثوذكس (م17/3) والقواعد الفقهية للموسويين (م/5) اذا أوجبت إتحاد الدين لصحة الزواج . ولاحظ د. توفيق حسن فرج ، أحكام الأحوال الشخصية لغير المسلمين ، الدار الجامعية ، بيروت ط ١ ‏ ، ١٩٨٢، ص 288 .

 

بواسطة محاماة نت

إغلاق