دراسات قانونية
الكفيل ومركزه القانوني في التشريع المغربي حسب القواعد العامة ومدونة التجارة
نظم المشرع المغربي الإفلاس بمقتضى ظهير 12 غشت 1913 المعدل بوصفه نظاما يطبق على التجار المتوقفين عن الدفع، ووسيلة لحماية الائتمان واستقرار المعاملات التجارية. ويتصف القانون المذكور بكون قواعده جاءت متباينة وليست من طبيعة واحدة – شأنها في ذلك شأن قواعد الإفلاس في التشريع الفرنسي القديم وأغلب التشريعات العربية- إذ لم تتناول الحالات العامة التي يتوقف فيها المدين عن دفع ديونه على خلاف ما ذهب إليه كلا من القانون الهولندي والسويسري والإسباني، وإنما جعلت من الإفلاس نظاما يطبق على حالة خاصة هي حالة التاجر المتوقف عن دفع ديونه التجارية.
وقد استمر تطبيق هذا القانون إلى أن طرأ عليه أول تعديل مهم بمقتضى ظهير 10 فبراير 1951، وهو التعديل الذي استمد أغلب قواعده من القانون الفرنسي الصادر في غشت 1913، إلا أن المشرع المغربي أحدث على هذه القواعد الفرنسية بعض التغييرات الجوهرية حتى تتلاءم مع طبيعة التشريع المغربي.
وبعد جمود حركة التغيير التشريعي في المغرب لمدة تقارب نصف القرن والممتدة منذ 10 فبراير 1951 إلى غاية 3 أكتوبر 1997 تاريخ دخول الكتاب الخامس المتعلق بصعوبة المقاولة حيز التطبيق، شهد المغرب تغييرات جذرية ، إذ تخلى عن نظام الإفلاس في شكله الكلاسيكي القائم على المعطيات الصارمة، وتبنى نظام صعوبات المقاولة كبديل وذلك لحماية المقاولة ووقايتها من الصعوبات التي تعترض سيرها العادي، وإنقاذ المصالح الاجتماعية والاقتصادية للفرد والدولة(1). وقد خص المشرع المغربي نظام صعوبات المقاولة بمجموعة من الضمانات الكفيلة بالحفاظ على المقاولة وعلى استمرار نشاطها، وحماية الدائنين مثل نظام متابعة المقاولة بعد إصدار حكم التسوية القضائية لنشاطها(2)، وعدم سقوط أجل الديون بعد حكم التسوية القضائية(3)، ووقف المتابعات الفردية بعد حكم فتح المسطرة(4)، ووقف سريان الفوائد القانونية والاتفاقية وكذلك فوائد التأخير وكل زيادة بعد حكم فتح المسطرة(5)، وضع آليات جديدة لتمويل المقاولة بعد الحكم بالتسوية القضائية تكفل وتقدم للممولين المساهمين في عملية الإنقاذ ضمانات تشجعهم على إنقاذ المقاولة، على اعتبار أن سداد الديون الناشئة بصفة قانونية بعد صدور حكم فتح التسوية يتم بالأسبقية على كل الديون الأخرى سواء أكانت مقرونة بامتيازات أم لا(5)، وضع نظام مرن للعقود التي في طور التنفيذ أو العقود الجارية.
ويلاحظ أنه قد يكون للمدين المفتوحة ضده إحدى مساطر صعوبات المقاولة كفلاء يكفلون ديونه لصالح دائنيه.
وبالرجوع إلى قانون 95/15 نستشف أن المشرع المغربي لم يعالج مركز الكفيل بصفة شمولية، ولعل هذا ما دفع بالقضاء المغربي إلى الاحتكام للقواعد العامة وتطبيق العديد من أحكامها على النوازل المعروضة عليه.
وحتى يتبين لنا بجلاء المركز القانوني للكفيل في نظام معالجة صعوبات المقاولة مقارنة مع القواعد العامة، يتعين بداية توضيح هذه القواعد في ضوء الفقه والقضاء.
وهكذا، ففي معرض تعريف الأستاذ أحمد السنهوري(1) للكفالة، يرى أنها تعد إحدى الضمانات الشخصية التي تقوم على ضم ذمة إلى ذمة ضمانا للوفاء بالدين. وهي تختلف عن التأمينات العينية التي تقوم على تخصيص مال معين لضمان الوفاء بالدين. وتشترك الضمانات الشخصية مع العينية في أنها تضمن الوفاء بحق شخصي، سواء أكان ناشئا عن الإرادة (العقد والإرادة المنفردة) أو عن العمل غير المشروع أو عن الإثراء بلا سبب أو عن القانون، وسواء كان محل الحق الشخصي إعطاء شيء أو الامتناع عن عمل شيء. وتتبع الضمانات الشخصية(2) أو العينية الحق الذي تضمنه في صحته وبطلانه وبقائه وانقضائه.
وبالرجوع إلى التشريع المغربي نلاحظ أن هذا الأخير عالج الكفالة في الفصول 1117 إلى 1169 من ق.ل.ع، وعرفها في الفصل 117 من ق.ل.ع، الذي يستشف منه أنها عقد بين الكفيل والدائن، أما المدين الأصلي فليس طرفا فيها، بل إن كفالة المدين تجوز بغير علم المدين، وعلى الرغم من معارضته أحيانا. وإذا كانت الغاية من الكفالة هي ضمان التزام الكفيل، فيتعين أن يكون مبلغ الدين مذكورا بوضوح ودقة في عقد الكفالة.
ويتسم عقد الكفالة بمجموعة من الخصائص منها كونه من العقود الرضائية التي تنعقد بمجرد التراضي بين الكفيل والدائن. ولا يشترط أن يرد في شكل خاص، ويمكن إثبات الكفالة بالكتابة أو بالإقرار أو باليمين.
ويعتبر عقد الكفالة كذلك من العقود الملزمة لجانب واحد وهو الكفيل، فهذا الأخير هو وحده الذي يلتزم بالعقد المذكور أعلاه وبوفاء الدين للدائن إذا لم يف به المدين الأصلي، في حين أن الدائن لا يلتزم بأي شيء إزاء الكفيل. ويتصور أن تكون الكفالة من العقود الملزمة لجانبين إذا التزم الدائن نحو الكفيل بدفع مقابل في نظير كفالته للمدين، فيصبح كل من الكفيل والدائن ملتزما نحو الآخر، ويكون عقد الكفالة في هذه الحالة ملزما للجانبين. هذا من جهة، من جهة ثانية فإن الكفالة من العقود التبرعية بالنسبة للكفيل، إذ عادة ما يتبرع الكفيل بكفالته للدائن لأجل ذلك يتعين أن يكون الكفيل أهلا للتبرع، أما بالنسبة إلى الدائن المكفول فالكفالة عقد معاوضة، لأن الدائن يحصل على الكفالة في مقابل إعطاء الدين.
ويعتبر عقد الكفالة عقدا تابعا، إذ أن التزام الكفيل يعتبر حتما تابعا لالتزام المدين الأصلي. أما إذا التزم المسؤول عن دين الغير التزاما أصليا لا تبعيا، فإنه لا يكون كفيلا بل يكون مدينا أصليا، والتزامه تبعا لذلك مستقل عن التزام المدين ويتفرع عن ذلك أن الالتزام الأول لا يجوز أن يزيد على الالتزام الآخر، أو أن يكون أشد عبئا، أو أن يبقى قائما بعده، كذلك لا يجوز أن يكون التزام الكفيل ناجزا إذا كان التزام المدين الأصلي معلقا على شرط أو مقترنا بأجل، ولا منتجا لفوائد إذا كان التزام المدين الأصلي لا ينتج أية فوائد.
وتتبع الكفالة التزام المدين الأصلي في صحته وفي بطلانه، وفي قابليته للفسخ، وفي الدفوع التي يدفع بها المدين، ولكن يجوز للكفيل أن يلتزم التزاما أخف عبئا من التزام المدين الأصلي، فيكفل مثلا جزءا من الدين. وكذلك لا يكفل الكفيل ما زاد في عبء الدين الأصلي بعد الكفالة بإرادة المدين الأصلي أو سبب خطئه(1).
فإلى أي مدى يستفيد الكفيل من هذه المقتضيات في ضوء نظام معالجة صعوبات المقاولة، وهل يستفيد من الآجال والإجراءات ومن الحلول التي خص بها المشرع المكفول المدين الأصلي في إطار النظام المذكور أعلاه(2)؟
للإجابة على هذا التساؤل ارتأينا معالجة الموضوع في ضوء المبحثين الآتيين:
– المبحث الأول: أثر عدم التصريح بالديون على التزام الكفيل بين القواعد العامة والاجتهاد القضائي.
– المبحث الثاني: مركز الكفيل في ضوء المادة 662 من مدونة التجارة.
المبحث الأول: أثر عدم التصريح بالديون على التزام الكفيل بين القواعد العامة والاجتهاد القضائي
يترتب على الحكم الصادر بفتح مسطرة التسوية القضائية، وقف المتابعات الفردية، وفي مقابل ذلك فقد نص المشرع على مجموعة من المقتضيات لحماية حقوق الدائنين، من بينها وجوب التصريح بالديون داخل أجل شهرين ابتداء من نشر حكم فتح المسطرة(1).
ويعتبر التصريح بالديون من أهم آليات تصفية الخصوم فلا يتصور تحقيق الديون أو فحصها بدونه، ويعد عنصرا جوهريا في حصر العناصر السلبية والعناصر الإيجابية للمقاولة ضمانا لتوزيع الأصول توزيعا عادلا بين مختلف الدائنين حسب مراتبهم وحسب نوع المسطرة المتبعة أي سواء تعلق الأمر باستمرارية المقاولة أو تفويتها أو التصفية القضائية(2).
وبالرجوع إلى الكتاب الخامس من مدونة التجارة المتعلق بمعالجة صعوبات المقاولة نستشف أنه يتعين على الدائنين الذين يعود دينهم إلى ما قبل حكم فتح المسطرة، باستثناء المأجورين، أن يصرحوا بدينهم إلى السنديك(3) داخل أجل شهرين ابتداء من تاريخ نشر حكم فتح المسطرة بالجريدة الرســــميــــة(4)، ســـــــواء تعــــــلق الأمر بدين عادي أو امتيازي(1). وإن كان المشرع المغربي قد خص هذه الفئة الأخيرة بامتياز الإشعار شخصيا في موطنها المختار وفقا للمادة 686 من مدونة التجارة(2).
ويترتب قانونا على عدم التصريح بالديون داخل الأجل الذي حدده المشرع سقوط الدين ما لم ترفع عن الدائن حالة السقوط (3) من طرف القاضـي المنتدب للتسوية القضائية.
فماذا إذن عن مركز الكفيل في ضوء هذه المقتضيات؟
يلاحظ أن المشرع المغربي تجاهل الحديث عن مركز الكفيل خلال فترة المراقبة وهي الفقرة الممتدة ما بين الحكم بالتسوية القضائية وتحديد مخطط الاستمرارية وهي الفترة التي يتم فيها التصريح بالديون بخلاف نظيره الفرنسي الذي أضاف -بمقتضى القانون الصادر بتاريخ 10 يونيو 94- إلى المادة 55 من قانون 25 يناير 1985 المتعلق بمساطر وقاية ومعالجة صعوبات المقاولة فقرة تنص على أن التسوية القضائية تعلق كل متابعة ضد الكفلاء، الأشخاص الذاتيين، إلى حين صدور حكم بتحديد مخطط الاستمرارية أو حكم بالتصفية القضائية، مع منح الكفيل أداء مؤجلا قد يصل إلى مدة سنتين(1).
ويلاحظ أن محكمة النقض الفرنسة سارت في نفس النهج، وأصدرت قرارا خصت بمقتضاه الكفيل بحماية كبيرة، حيث قضت برفض مقاضاته في فترة المراقبة(2).هذا من جهة، من جهة ثانية وعلى غرار التوجه الذي سارت فيه المحكمة المذكورة والرامي إلى حماية الكفيل فقد قضت بثبوت حق الضامن لدين في مشروع خضع لإجراءات إصلاح المسار، في الدفع بانقضاء الدين إذا لم يصرح الدائن بدينه خلال المدة التي حددها القانون(3).
أما بالنسبة للقضاء المغربي فقد مر بمرحلتين، إذ تراجع في المرحلة الثانية عن التشدد الذي كان يطبعه في المرحلة الأولى، وهو ما يتضح مما يلي:
أولاً : مرحلة حرمان القضاء للكفيل من الاستفادة من مقتضيات مسطرة التسوية القضائية
تميزت هذه المرحلة بتشدد القضاء المغربي إزاء الكفيل، وبتجاهله للقواعد العامة التي تنص على أن انقضاء الالتزام الأصلي يؤدي إلى انقضاء الالتزام التبعي، ذلك أن المجلس الأعلى(محكمة النقض حاليا) قضى في قراره الصادر بتاريخ 12-06-02 بما يلي: “إذا كان المدين الأصلي يستفيد من مسطرة التسوية، فإن كفيله لا يمكنه الاستفادة من المسطرة المذكورة، مما لا مجال معه للتمسك بقاعدة “أن انقضاء الالتزام الأصلي يؤدي إلى انقضاء الالتزام التبعي”(1)
ويبدو أن هذا التوجه القضائي يطبعه التشدد اتجاه الكفيل ولعل ما يزيد الأمر تعقيدا هو عدم ارتكازه على أي سند قانوني وهو الأمر الذي تداركه المجلس الأعلى لاحقا.
ثانياً : مرحلة استفادة الكفيل من مقتضيات مسطرة التسوية القضائية
تميزت هذه المرحلة بتراجع المجلس الأعلى(محكمة النقض حاليا) عن قراره السابق، إذ قضى باستفادة الكفيل من مقتضيات مسطرة التسوية القضائية، على غرار المدين الأصلي.
وفي هذا الصدد قضى المجلس الأعلى بتاريخ 9-2-05 بما يلي: “حسب مفهوم المادة 690 من مدونة التجارة فإن الجزاء الذي رتبه المشرع عن عدم التصريح بالدين وعدم رفع دعوى السقوط أو رفعها وصدور أمر بعدم قبولها، ينسحب للدين في أساسه ولا يتعلق بشخص المدين، ويؤدي إلى انقضاء الدين وصيرورته منتهيا، وما دام دين المدينة الأصلية انقضى لعدم قبول دعوى رفع السقوط، فإنه يترتب عنه انقضاء التزام الكفيل لتبعيته للالتزام الأصلي حسب نص الفصل 1150 من ق.ل.ع”(2).
ويبدو أن بعض محاكم الموضوع تبنت هذا الطرح حتى قبل صدور قرار المجلس الأعلى(محكمة النقض حاليا) المذكور أعلاه، فكانت بالتالي أكثر جرأة مقارنة مع باقي المحاكم الأخرى، وطبقت القانون -القواعد العامة- بشكل سليم. وفي هذا السياق قضت المحكمة التجارية بالبيضاء بما يلي: “للبنك باعتباره كفيلا أن يتمسك في مواجهة الدائن بكل دفوع المدين الأصلي سواء كانت شخصية أو متعلقة بالدين المضمون بما في ذلك الدفع بسقوط حق المدعية في المطالبة بالدين لكون التصريح به جاء خارج الأجل القانوني”(1).
ونرى أن عدم تصريح الدائن بديونه لدى السنديك، وعدم استفادته من رفع السقوط من طرف القاضي المنتدب يستلزم وجوبا انقضاء الديون في مواجهة المدين الأصلي وأيضا في مواجهة الكفيل، وذلك إعمالا لمقتضيات الفصل 1150 من ق.ل.ع الذي ينص على ما يلي: “كل الأسباب التي يترتب عليها بطلان الالتزام الأصلي أو انقضاؤه يترتب عليها انتهاء الكفالة”.
ومن هذا المنطلق فإن التزام الكفيل ينقضي بطريق تبعي إذا انقضى الدين المكفول، لأن الكفالة تابعة للدين الأصلي، ومن ثمة فإن انقضاءه يستتبع وجوبا انقضاءها. (2)
المبحث الثاني: مركز الكفيل في ضوء المادة 662 من مدونة التجارة
تنص المادة 662من مدونة التجارة على ما يلي: “لا يمكن للكفلاء متضامنين كانوا أم لا، أن يتمسكوا:
– بمقتضيات مخطط الاستمرارية.
– بوقف سريان الفوائد المنصوص عليه في المادة 659.
– يحتج على الكفلاء بسقوط الأجل”.
لمقاربة المركز القانوني للكفيل في ضوء المادة 662 من مدونة التجارة لا مناص من الوقوف على مدى استفادة الكفيل من مخطط الاستمرارية، ومن وقف سريان الفوائد، وقاعدة سقوط الأجل.
أولاً : مدى استفادة الكفيل من مخطط الاستمرارية
أذا اتضح للمحكمة إبان بتها في الطلب المرفوع إليها، أن ثمة إمكانات جدية لتسوية المقاولة وسداد خصومها فإنها تقضي باستمراريتها وفقا للمادة 592 من مدونة التجارة(1).
والغاية من ذلك هي انقاد المقاولة وإعطاؤها فرصة أخرى لتجاوز الوضعية المالية المضطربة التي تعاني منها(1).
وإذا كان المشرع قد خص المدين الأصلي بمجموعة من الامتيازات سواء على مستوى أداء الديون أو على مستوى التخفيضات، فهل يستفيد الكفيل من ذلك؟
بالرجوع إلى المادة 662 من مدونة التجارة نستشف أنها تنص صراحة على عدم استفادة المدين من مخطط الاستمرارية، وذلك على خلاف القانون الفرنسي لسنة 1985 المعدل بمقتضى قانون 10 يونيو 1994 الذي يحصر عدم الاستفادة من الآجال في الكفلاء المتضامنين دون الكفلاء العاديين الذين يستفيدون من الآجال الممنوحة للمدين في إطار مخطط الاستمرارية، كما أن حكم فتح مسطرة التسوية القضائية يوقف من تاريخه إلى حين الحكم الموقف لمخطط الاستمرارية أو المعلن للتصفية القضائية، المتابعات ضد الكفلاء الأشخاص الطبيعيين وحدهم دون الكفلاء، الأشخاص المعنويين.
ويبدو أن المشرع المغربي عمم عدم استفادة الكفيل من مقتضيات مخطط الاستمرارية سواء تعلق الأمر بكفيل عادي أو متضامن، وسواء أكان شخصا طبيعيا أو معنويا. وخول بالتالي للدائنين مقاضاة الكفيل لاقتضاء ديونهم لأن الدعاوى التي تتوقف طبقا للمادة 653 من مدونة التجارة(2) هي الدعاوى التي ترفع ضد رئيس المقاولة الخاضع لمسطرة من مساطر المعالجة وليس ضد كفلائه.
ويلاحظ أن القضاء المغربي ممثلا في المجلس الأعلى ومحاكم الموضوع قد استقر على عدم استفادة الكفيل من مخطط الاستمرارية مفعلا بذلك مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 662 على الرغم من تشددها وإضرار مقتضياتها بمركز الكفيل.
وفي هذا السياق قضى المجلس الأعلى(محكمة النقض حاليا) بتاريخ 18/12/02 بما يلي:” إذا كان المدين الأصلي يستفيد من مسطرة التسوية القضائية فإن كفيله لا يمكنه الاستفادة من المسطرة المذكورة لصراحة المادة 662 من مدونة التجارة مما لا مجال معه للتمسك بقاعدة أن انقضاء الالتزام الأصلي يؤدي بالتبعية إلى انقضاء الالتزام التبعي”(1).
وفي قرار لاحق سار في نفس السياق حيث قضى بما يلي: “إن مقتضيات المادة 662 من مدونة التجارة تتعلق بمرحلة ما بعد حصر مخطط التسوية القضائية وتخص عدم إمكانية تمسك الكفلاء متضامنين أم لا بمقتضيات مخطط التسوية”(2).
ويلاحظ أن محاكم الموضوع سارت بدورها في نفس الطرح وتواترت على الحكم بعدم استفادة الكفيل من مخطط الاستمرارية. ونذكر على سبيل المثال لا الحصر الأمر الصادر عن المحكمة التجارية بمراكش بتاريخ 17/04/04 والذي قضت بمقتضاه برفض طلب كفيل مقاولة خاضعة لمسطرة التسوية القضائية يرمي إلى القول بوجود صعوبة واقعية وقانونية تعتري مواصلة التنفيذ على أمواله الخاصة. وقد عللت المحكمة المذكورة أمرها بما يلي: “الكفيل لا يستفيد من المساطر والإجراءات التي يستفيد منها المدين الأصلي في إطار التسوية الودية إذ لا تطبق فيها قاعدة تبعية الكفالة للالتزام الأصلي التي تتوارى لتحل محلها قاعدة عدم جواز تمسك الكفيل بمخطط الاستمرارية والتي لا مجال فيها لاستفادة الكفيل من الامتيازات التي يخص بها المدين الأصلي سواء من حيث آجال الديون أو التخفيضات أو وقف المتابعات الفردية. فهذه الامتيازات لا تمتد إليه، مما يجعل بوسع الدائنين مقاضاته من أجل اقتضاء ديونهم وسلوك مساطر التنفيذ التي تؤدي إلى ذلك(3)”.
ونرى أن التوجه القانوني الذي ينص على حرمان الكفيل من الاستفادة من مخطط الاستمرارية يتنافى مع مبادئ تحقيق العدالة لأنه يسيء إلى مركز الكفيل ويجحف بحقه، وهو موقف يتنافى مع قصد المشرع من تبني نظام معالجة صعوبات المقاولة الذي يهدف إلى إنقاذ المقاولة ومساعدتها على تجاوز الوضعية المالية المضطربة التي تعاني منها. فإذا كان المشرع قد خص المقاولة التي تعاني من صعوبات بمجموعة من الامتيازات عن طريق مخطط الاستمرارية، فإن كفيلها أيضا يستحق الحماية حتى تتحقق الغاية المنشودة من مساطر المعالجة، وبالتالي فالاحتجاج على الكفيل بمقتضى المادة 662 من مدونة التجارة من شأنه أن يعرقل المسطرة، ويزداد الأمر سوءا إذا كان الكفيل هو مسير المقاولة وصاحب أكبر حصة في رأسمالها. ففي هذه الحالة تصادر الغاية من مخطط الاستمرارية، ويزداد وضع المقاولة سوءا وتصير الديون المستحقة عرضة للضياع، ناهيك عن المخاطر التي تهدد عمال المقاولة الخاضعة للتسوية القضائية.
وقد آن الأوان ليتدخل المشرع المغربي ويتدارك الوضع لتحجيم الأضرار والمخاطر المترتبة عن تطبيق مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 662 من مدونة التجارة في مواجهة الكفيل. وفي انتظار ذلك، نتمنى أن يتراجع القضاء المغربي عن موقفه المتشدد والمتمثل في تطبيق المادة 662 من مدونة التجارة، وأن يقضي باستفادة الكفيل بدوره من مخطط الاستمرارية، على غرار التوجه الجريئ الذي سار فيه سابقا، والمتمثل في الحكم باستفادة الكفيل من مقتضيات التسوية القضائية، فيما يتعلق بانقضاء الديون التي لم يصرح بها داخل الأجل القانوني أمام السنديك.
ثانياً : مدى استفادة الكفيل من قاعدة وقف الفوائد
ينص المشرع المغربي بمقتضى المادة 659 من مدونة التجارة على أن حكم فتح مسطرة التسوية القضائية يوقف سريان الفوائد القانونية والاتفاقية وفوائد التأخير، وكل زيادة.
وتسري القاعدة على جميع الدائنين، سواء العاديين أو أصحاب الامتيازات العامة أو الخاصة أو أصحاب الرهون رسمية كانت أو حيازية وسواء كانت الديون مدنية أو تجارية، والغاية من ذلك، هي تفادي استفادة الدائنين المقترنة ديونهم بفوائد من بطء الإجراءات على حساب الدائنين الخالية ديونهم من اشتراط الفائدة، وكذا لتجنب إرهاق المقاولة بعد الحكم بالفوائد التي تثقل الديون الأصلية وتضخمها، الأمر الذي ينعكس سلبا على المقاولة ويحول دون إنقاذها، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن وقف الفوائد يسهل حصر خصوم المقاولة في تاريخ معين، ولا يجعل هذه الخصوم تتغير بالتغير اليومي للفوائد، ويساير أيضا رغبة المشرع في تقليص حقوق الدائنين السابقين عن الحكم لا لفائدة أو على حساب الدائنين اللاحقين فقط، وإنما كما ذهب إلى ذلك إيف شارتيي إلى منح المقاولة المثقلة بالديون فرصة ثمينة لاسترجاع أنفاسها وتحسين ظروف إنقاذها(1).
ويقتصر وقف سريان الفوائد بعد حكم فتح المسطرة على الديون الناشئة قبل الحكم المذكور، ولا تسري القاعدة على الديون التي تنشأ بعد حكم فتح المسطرة.
ويفضي وقف سريان الفوائد بعد حكم فتح المسطرة إلى إبراء ذمة المقاولة نهائيا من الفوائد الناشئة بعد الحكم سواء انتهت المسطرة إلى التفويت أو إلى التصفية القضائية، ولا تستأنف هذه الفوائد إلا في حالة وحيدة وهي الحكم باستمرارية المقاولة ابتداء من تاريخ الحكم المحدد لحصر مخطط الاستمرارية إعمالا لمقتضيات المادة 660 من مدونة التجارة.
ويلاحظ أن المشرع المغربي نص في الفقرة الثالثة من المادة 662 من مدونة التجارة على عدم جواز تمسك الكفلاء بوقف سريان الفوائد المنصوص عليه في المادة 659 من مدونة التجارة، فميز بذلك بين الكفيل والمدين الأصلي.
وبالرجوع إلى القانون الفرنسي، يتبين أنه ينص في الفقرة الأولى من المادة 55 من قانون 1985 المعدل بقانون 10 يونيو 1994 على عدم استفادة الكفلاء والشركاء في الالتزام من وقف سريان الفوائد(2).
ونرى أن التوجه التشريعي الذي سار فيه القانون المغربي غير عادل، ويضر بحقوق الكفيل ويتنافى مع الغاية التي نظمت من أجلها مساطر المعالجة، لا سيما في الحالة التي يكون فيها الكفيل هو ذاته مسير المقاولة وصاحب أكبر حصة من رأسمالها، إذ في هذه الحالة تصادر الغاية من استفادة المقاولة من مسطرة المعالجة التي قننها المشرع لإعطاء فرصة للمقاولة لاسترجاع أنفاسها وتحسين ظروفها.
لذا، فقد بات من الضروري أن يتدخل المشرع بتعديل عاجل للمادة 662 من مدونة التجارة وأن ينص على استفادة الكفيل أيضا من وقف سريان الفوائد على غرار المدين الأصلي.
ثالثاً : الاحتجاج على الكفيل بسقوط الأجل
تنص المادة 571 من مدونة التجارة على أنه لا يترتب عن إصدار حكم التسوية القضائية سقوط الأجل.
وقد نص المشرع الفرنسي على نفس القاعدة في المادة 56 من قانون 25 يناير 1985، ونص أيضا على منع كل الاتفاقات المخالفة لقاعدة عدم سقوط أجل الديون(1).
ويقصد بقاعدة عدم سقوط آجال الديون الإبقاء على الآجال كما هي، بمعنى أنه لا يترتب على حكم التسوية القضائية استحقاق الديون غير الحالة.
وتطبق هذه القاعدة خلال مرحلة إعداد الحل، حيث تستمر المقاولة في مزاولة نشاطها، كما تطبق في حالة حصر مخطط الاستمرارية، ولا تشمل حالة حصر مخطط التفويت الكلي وحالة التصفية القضائية(2).
ويلاحظ أن المشرع المغربي أورد استثناءا على القاعدة، حينما نص في الفقرة الأخيرة من المادة 662 من مدونة التجارة على الاحتجاج على الكفلاء بسقوط الأجل.
وفي معرض تساؤل الأستاذ محمد كرم(1) عن مدى حق الدائن في الرجوع على الكفيل بمجرد صدور حكم فتح المسطرة، يرى أنه لا يسوغ للدائن الرجوع على الكفيل إلا بعد انتهاء الفترة الانتقالية، لأن الآجال الممنوحة للمدين الأصلي في ظل هذا المخطط هي التي يستفيد منها الكفيل، أما القول بأن الآجال تسقط في مواجهة الكفيل ابتداءا من تاريخ الحكم بفتح المسطرة فيتناقض مع مبدأ تبعية الكفالة لالتزام الأصلي، إذ في هذه المرحلة يتم التصريح بالديون من طرف الدائنين، وكل دائن مهمل يسقط حقه وينقضي دينه إزاء المدين وإزاء الكفيل على حد سواء.
والحال أننا نؤيد مبدئيا الرأي المشار إليه أعلاه، مع بعض التحفظ الذي تفرضه المقتضيات القانونية الصارمة التي خص بها المشرع -في الكتاب الخامس من مدونة التجارة- الكفيل والتي تفضي إلى نتائج عكسية على وضعية كفيل المقاولة الخاضعة لإحدى مساطر المعالجة، علاوة على اصطدام الرأي المذكور مع قرارات -صادرة عن القضاء المغربي- تطبق في غالب الأحيان المقتضيات المذكورة بدلا من القواعد العامة.
وأمام هذا الوضع المجحف في حق الكفيل، نرى أن المشرع جاء بمقتضيات -بمقتضى الكتاب الخامس من مدونة التجارة- لحماية المقاولة وإنقاذها، ولكنه في نفس الآن أساء إلى مركز الكفيل وخصه بمقتضيات قاسية وصارمة تتنافى مع الغاية من تقنين الكفالة في المادة التجارية وهي دعم الائتمان، وتفعيل دور المقاولة في النسيج الاقتصادي.
من خلال مقاربتنا لمركز الكفيل في ضوء نظام معالجة صعوبات المقاولة نستشف أن المقتضيات التي خص بها المشرع المغربي الكفيل، جاءت متشددة ومجحفة في حقه، وهو الأمر الذي سار معه مركز الكفيل أسوأ من مركز المدين الأصلي، إثر حرمانه من الاستفادة من مخطط الاستمرارية، ومن وقف سريان الفوائد، والاحتجاج عليه بسقوط الأجل، وهي مقتضيات من شأنها إرهاق الوضع المالي للكفيل لمجرد أنه قبل كفالة مدين اضطربت أوضاعه المادية وصار يعاني من صعوبات، وهذه المقتضيات الصارمة ستؤدي إلى نتائج عكسية تتمثل في عزوف الكفلاء عن تقديم ضمانات للمقاولة مخافة السقوط تحت طائلة المقتضيات القاسية لنظام معالجة صعوبات المقاولة.
ويزداد الأمر تعقيدا إذا كان الكفيل هو مسير المقاولة ومالك أكبر حصة فيها، ففي هذه الحالة تصبح مقتضيات المعالجة عديمة الفعالية ومجرد حبر على ورق.
(1) أحمد شكري السباعي: الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها، الجزء الأول، مطبعة المعارف الجديدة ص: 42 وما بعدها.
(2) وفي هذا السياق تنص الفقرة الأولى من المادة 576 من مدونة التجارة على ما يلي: “يتابع نشاط المقاولة بعد إصدار حكم التسوية القضائية”
(3) تنص الفقرة الثانية من المادة 571 من مدونة التجارة على ما يلي: “لا يترتب عن إصدار الحكم سقوط الأجل”.
(4) تنص المادة 653 من مدونة التجارة على ما يلي: “يوقف حكم فتح المسطرة ويمنع كل دعوى قضائية يقيمها الدائنون أصحاب ديون نشأت قبل الحكم المذكور ترمي إلى:
– الحكم على المدين بأداء مبلغ من المال.
– فسخ عقد لعدم أداء مبلغ من المال.
كما يوقف الحكم ويمنع كل إجراء للتنفيذ يقيمه هؤلاء سواء على المنقولات أو على العقارات.
توقف تبعا لذلك الآجال المحددة تحت طائلة السقوط أو الفسخ”
(5) تنص المادة 695 من مدونة لتجارة على ما يلي: “يوقف حكم فتح المسطرة سريان الفوائد القانونية والاتفاقية وكذا كل فوائد التأخير وكل زيادة”.
(5) تنص المادة 575 م من مدونة لتجارة على ما يلي: “يتم سداد الديون الناشئة بصفة قانونية بعد صدور حكم فتح التسوية، بالأسبقية على كل ديون أخرى سواء أكانت مقرونة أم لا بامتيازات أو بضمانات”.
(1) الوسيط الجزء العاشر، ص: 13 وما بعدها.
(2) يلاحظ أن الضمانات الشخصية كانت أسبق في الظهور مقارنة مع الضمانات العينية، ويعزى ذلك لكون الضمانة العينية ينبغي أن تسبقها فكرة الملكية، وأن يقوم تنظيم قانوني لها. وهذا أمر لم يتوافر في المجتمعات البدائية القديمة لأنه يستلزم توافر قدر من الرقي والتمدن. ومن ناحية أخرى كان المدينون عادة هم الفقراء وليس لديهم ما يقدمونه كضمانة عينية، وأما الضمانة الشخصية فكان من اليسير تقديمها بضم ذمة أحد أفراد الأسرة أو القبيلة إلى ذمة المدين. وبعد ظهور الضمانات العينية طغت هذه الأخيرة على نظيرتها الشخصية سيما وأن الضمان الذي تقدمه أقوى مقارنة مع الضمانة الشخصية، مما يبقى معه الدائن في مأمن من إعسار المدين.
-الوسيط، م.س. ص:13 وما بعدها.
(1) أحمد السنهوري: الوسيط، م.س.ص: 24 وما بعدها.
(2) تفتتح مسطرة معالجة صعوبة المقاولة بمقتضى حكم قضائي إذا أصبحت المقاولة تعاني من صعوبات أدت بها إلى التوقف عن دفع ديونها الحالة. بما في ذلك الديون الناجمة عن الالتزامات المبرمة في إطار الاتفاق الودي المنصوص عليه في المادة 556 من مدونة التجارة.
وفي هذا الصدد تنص المادة 560 من مدونة التجارة على ما يلي: “تطبق مساطر معالجة صعوبات المقاولة على كل تاجر وكل حرفي وكل شركة تجارية ليس بمقدورهم سداد الديون المستحقة عليهم عند الحلول، بما في ذلك الديون الناجمة عن الالتزامات المبرمة في إطار الاتفاق الودي المنصوص عليه في المادة 556 أعلاه”. =
= وفي إطار تقدير بعض محاكم الموضوع لمفهوم التوقف عن الدفع ذهبت المحكمة التجارية بأكادير إلى ما يلي: “تنعقد حالة التوقف عن الدفع كما هو مأخوذ في العمل القضائي المقارن متى عجزت المقاولة عن تغطية خصومها من ذات أصولها دون الالتجاء إلى مصادر أجنبية.
عجز المقاولة عن أداء مستحقات القرض العقاري والسياحي واضطرار بعض ممونيها إلى سلوك المساطر القضائية والحجز على منقولاتها لاستخلاص ديونهم واضطرارها إلى المطالبة بالبيع الكلي للأصل التجاري قرينة على حصول التوقف عن الدفع دون أن يعني ذلك حصول الاختلال الذي لا رجعة فيه”.
قرار صادر بتاريخ 16-7-99 تحت عدد 04 في الملف عدد 4/99 منشور بمجلة المرافعة العدد 14 و15، ص: 276 وما يليها.
وفي نفس السياق قضت محكمة الاستئناف التجارية بمراكش بما يلي:
“إن مجرد الامتناع عن دفع دين واحد أو عدة ديون تجارية مستحقة لا يكفي وحده لاعتبار التاجر متوقفا عن الدفع.
إن التوقف الفعلي عن الدفع هو الذي ينبئ عن اضطراب في المركز المالي للتاجر يعجز معه على مواجهة الخصوم المستحقة عليه بالأصول المتوفرة.
يجب على المحكمة أن تتأكد من حالة التوقف الفعلي عن الدفع قبل أن تصدر حكمها بفتح مسطرة التسوية.”
قرار صادر بتاريخ 1- 10- 02 تحت عدد 202 في الملف التجاري عدد 2/6/02 منشور بمجلة المرافعة العدد 17 ص: 332 وما بعدها.
وقد خول المشرع المغربي بمقتضى قانون 95-15 لمجموعة من الجهات الحق في تقديم طلب فتح مسطرة المعالجة مثل رئيس المقاولة. وذلك في إطار المادة 561 من مدونة التجارة التي تنص على ما يلي: “يجب على رئيس المقاولة أن يطلب فتح مسطرة المعالجة في أجل أقصاه خمسة عشر يوما تلي توقفه عن الدفع”.
أو بطلب من أحد الدائنين أيا كانت طبيعة دينه، ويسوغ للمحكمة بدورها أن تضع يدها على المسطرة تلقائيا أو بطلب من النيابة العامة، لا سيما في حالة عدم تنفيذ الالتزامات المالية المبرمة في إطار الاتفاق الودي المنصوص عليه في المادة 556 من مدونة التجارة.
وقد تحكم المحكمة -بعد دراسة الملف المعروض على أنظارها- إما بالتسوية القضائية إذا تبين أن وضعية المقاولة ليست مختلة بشكل لا رجعة فيه، وفي هذه الحالة تتم المعالجة إما باعتماد مخطط الاستمرارية أو مخطط التفويت.
وقد تحكم المحكمة بالتصفية القضائية إذا تبين أن وضعية المقاولة مختلة بشكل لا رجعة فيه، وهذا الحكم يتم النطق به مباشرة وإما بعد فشل مسطرة التسوية القضائية.
(1) انظر في هذا الصدد:
Jean-François Martin: Redressement et liquidation judiciaire, 7eme édition, encyclopédie DELMAS P:195.
Yves Guyoun: Droit des Affaires, Tome 2 Enterprises en difficultés, Redressement judiciaire-Faillite, 7eme édition. P: 248.
(2) أحمد شكري السباعي: م.س. الجزء الثالث ص: 200 وما بعدها.
(3) وذلك طبقا للمادة 686 من مدونة التجارة التي تنص على ما يلي: “يوجه كل الدائنين الذين يعود دينهم إلى ما قبل صدور حكم فتح المسطرة، باستثناء المأجورين تصريحهم بديونهم إلى السنديك، يشعر شخصيا الدائنون الحاملون ضمانات أو عقد ائتمان إيجاري تم شهرهما، وإذا اقتضى الحال في موطنهم المختار.
يجب التصريح بالديون حتى وإن لم تكن مثبتة في سند، يمكن للدائن أن يقوم بالتصريح بالديون بنفسه أو بواسطة عون أو وكيل من اختياره”.
وفي نفس السياق تنص الفقرة الأخيرة من المادة 690 من مدونة التجارة على ما يلي: “تنقضي الديون التي لم يصرح بها ولم تكن موضوع دعوى رامية إلى فتح السقوط”.
(4) وفي هذا الصدد تنص المادة 687 من مدونة التجارة على ما يلي: “يجب تقديم التصريح بالديون داخل أجل شهرين ابتداء من تاريخ نشر حكم فتح المسطرة بالجريدة الرسمية، ويحدد هذا الأجل بشهرين بالنسبة إلى الدائنين القاطنين خارج المملكة المغربية.
فيما يخص المتعاقدين المشار إليهم في المادة 573، ينتهي أجل التصريح خمسة عشر يوما بعد تاريخ الحصول على التخلي عن مواصلة العقد، إذا كان هذا التاريخ لاحق لتاريخ الأجل المنصوص عليه في الفقرة الأولى”.
(1) وفي هذا الصدد قضى المجلس الأعلى(محكمة النقض حاليا) بما يلي: “في حالة فتح مسطرة التسوية القضائية ساوى المشرع المغربي بين الدائن العادي والدائن الامتيازي في إجبارية التصريح بالديون داخل الأجل المحدد قانونا. أما الصفة الامتيازية لدين الخزينة العامة، وإن كانت تخولها حق الأفضلية على غيرها من الدائنين الآخرين خلال مسطرة وفاء الديون في حدود ما هو مقرر لها قانونا فهي لا تعفيها من التصريح بديونها كما هو الشأن بالنسبة للمأجورين.
قرار صادر بتاريخ 31-3-04 تحت عدد 404 ملف تجاري عدد 1302/03 منشور بمجلة القضاء والقانون العدد 150 ص: 291 وما بعدها.
(2) ويبدو أن مسألة إشعار الدائن الحامل لامتيازات قد أثارت تضاربا على مستوى قضاء المجلس الأعلى حسب ما يستشف من القرارين الآتيين والصادرين بنفس التاريخ أي 22-9-04. إذ قضى المجلس الأعلى بمقتضى القرار عدد 1024 بما يلي: “لئن كانت المادة 686 من مدونة التجارة تنص على وجوب إشعار الدائنين الحاملين لضمانات أو عقد ائتمان إيجاري تم إشعارهما فإنها لم تتحدث عن الجهة التي تقوم بالإشعار ولا مضمون ولا الكيفية التي يتم بها”.
ملف عدد 555/02 منشور بمجلة المحاكم المغربية العدد 99 ص:101وما بعدها.
وفي السياق نفسه قضى بما يلي: “لئن نصت المادة 686 من مدونة التجارة على أنه يشعر شخصيا الدائنون الحاملون ضمانات أو عقد ائتمان إيجاري تم شهرهما فإنها لم تميز في وجوب الإشعار بين الدائنين الحاملين لضمانات انصبت على أموال المقاولة الموجودة في حالة صعوبة، أو الدائنين الحاملين لضمانات سلمت لهم من الأغيار”.
قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 22-9-04 تحت عدد 1025 ملف تجاري عدد 1432/02 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى العدد 63 ص: 157 وما بعدها.
(3) تنص الفقرات الأولى والثانية والثالثة من المادة 690 م.ت على ما يلي: حينما لا يتم القيام بالتصريح داخل الآجال المحددة في المادة 687، لا يقبل الدائنون في التوزيعات والمبالغ التي لم توزع إلا إذا رفع القاضي المنتدب عنهم هذا السقوط عندما يثبتون أن سبب عدم التصريح لا يعود إليهم. وفي هذه الحالة، لا يمكنهم المشاركة إلا في تقسيم التوزيعات الموالية لتاريخ طلبهم.
لا يواجه بالسقوط الدائنون الذين لم يشعروا شخصيا خرقا لمقتضيات المادة 686.
لا يمكن ممارسة دعوى رفع السقوط إلا داخل أجل سنة ابتداء من تاريخ صدور مقرر فتح المسطرة”
وعلى مستوى القضاء المغربي، قضى المجلس الأعلى في هذا الصدد بما يلي: “يمكن للدائن الذي لم يصرح بديونه داخل الأجل القانوني أن يستفيد من رفع حالة السقوط عن ديونه، إذا كان السبب في منعه من التصريح بها داخل الأجل يعود للقوة القاهرة”
-القرار رقم 146 الصادر بتاريخ 4/2/04 في الملف التجاري رقم 878/3/2/03.
أورده ذ.محمد منقار بنيس في مؤلفه المشار إليه سابقا، ص: 49 وما بعدها.
وبمراجعة بعض القرارات الصادرة عن بعض محاكم الموضوع، نستشف أن هذه الأخيرة لا تعتد بعدم العلم بالنشر بالجريدة الرسمية كموجب من موجبات السقوط.
وفي هذا الصدد قضت محكمة الاستئناف التجارية بمراكش بما يلي: “بما أن المستأنفة لم تصرح بديونها داخل الأجل القانوني الذي هو شهرين من تاريخ نشر الحكم القاضي بفتح المسطرة بالجريدة الرسمية، وأن عدم تصريحها لا يعزى لسبب خارج عن إرادتها، وأنها اعتبرت أن النشر بالجريدة الرسمية ليس دليلا على ضرورة علمها بالمسطرة المفتوحة في مواجهة المدينة، في حين أن المشرع اعتبر النشر هو الوسيلة الوحيدة لإخبار الدائنين من أجل التصريح بديونهم، وأنها لم تثبت أن عدم التصريح يرجع إلى سبب خارج عن إرادتها حتى يمكنها أن تستفيد من رفع السقوط، فإنه يتعين تبعا لذلك رد الاستئناف وتأييد الأمر المستأنف”.
قرار صادر بتاريخ 7-5-02 تحت عدد 373 ملف عدد 5/02 منشور بالمجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات عدد 5 ص: 157 وما بعدها.
ويلاحظ أن بعض محاكم الموضوع تتشدد كثيرا في استخلاص موجبات السقوط، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر القرار الصادر عن محكمة الاستئناف التجارية بالبيضاء والذي عللته المحكمة المذكورة بما يلي: “حالة مرض الممثل القانوني لشركة تجارية لا تنهض سببا لرفع السقوط عن التصريح بالدين. =
= حالة اعتقال سير شركة تجارية لا تنهض سببا لرفع السقوط من التصريح بالدين”.
قرار صادر بتاريخ 8/3/02 ملف عدد 604/02 منشور بمجلة الملف العدد5، ص: 341 وما بعده.
(1) والتي تنص على ما يلي:
“Le jugement d’ouverture de redressement judiciaire suspend jusqu’au jugement arrêtant le plan de redressement ou prononçant la liquidation toute action contre les cautions personnelles personnes physiques, le tribunal peut ensuite leur accorder des délais ou un différé de paiement dans la limite de deux ans”.
(2) انظر في هذا السياق: .cass.civ. 30 Avril 2002
أشار إليه ذ.محمد صبري في مؤلفه الأخطاء البنكية، الطبعة الأولى 2007 مطبعة النجاح الجديدة ص: 188.
(3) Cass .Com 19-6-1984 J.C.P 14908.
أشار إليه ذ.عبد الرافع موسى في كتابه نظام الإفلاس إلى أين التجربة الفرنسية دار النهضة العربية، 1995، ص:317.
(1) قرار عدد 1545 صادر في الملف التجاري عدد 640/02 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى لعدد 62، ص: 140 وما بعدها.
(2) قرار عدد 121 ملف تجاري عدد 766/04 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى العدد 64-65 ص: 218 وما بعدها.
وقد سارت محاكم الموضوع بدورها في هذا السياق غداة صدور القرار المذكور أعلاه، إذا قضت المحكمة بالبيضاء بما يلي:” إن انقضاء دين المدين الأصلي، نتيجة عدم التصريح به في مسطرة المعالجة، كما تنص على ذلك المادة 690 من مدونة التجارة، يترتب عليه انتهاء الكفالة وانقضاء دين الكفيل طبقا للفصل 1150 من قانون الالتزامات والعقود، وأن ذلك يشكل صعوبة قانونية تحول دون متابعة التنفيذ في مواجهة الكفيل”.
-أمر صادر بتاريخ 15-3-03 تحت 1353 في الملف 11/1/05 منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 99، ص: 29 وما بعدها.
(1) حكم صادر بتاريخ 7/11/02 عدد 12109 في الملف التجاري عدد 8022/02 منشور بمجلة الملف العدد 5، ص: 346 وما بعدها.
(2) تنقضي الكفالة إما بصفة تبعية أو بصفة أصلية.
أولاً : انقضاء الكفالة بصفة تبعية:
تتبع الكفالة الالتزام الأصلي الذي تضمنه من حيث الصحة، البطلان، الوجود والعدم. فإن كان الالتزام الأصلي باطلا، بطلت الكفالة بدورها. وإذا انقضى الالتزام لسبب من الأسباب المنصوص عليها في الفصل 319 من ق.ل.ع وهي الوفاء، استحالة التنفيذ، الإبراء الاختياري، التجديد، المقاصة، اتحاد الذمة، التقادم، الإقالة الاختيارية، فإن الكفالة تنقضي بدورها.
ثانياً : انقضاء الكفالة بصفة أصلية:
تنقضي الكفالة بصورة أصلية وبالاستقلال عن الدين الأصلي المضمون الذي يبقى قائما. وفي هذا الصدد ينص الفصل 1151 من ق.ل.ع على ما يلي: “الالتزام الناشئ عن الكفالة ينقضي بنفس الأسباب التي تنقضي بها الالتزامات الأخرى ولو استقلالا عن الالتزام الأصلي”.
وتنقضي الكفالة بنفس الأسباب التي تنقضي بها الالتزامات.
(1) تنص المادة 592 من مدونة التجارة على ما يلي: “تقرر المحكمة استمرارية المقاولة إذا كانت هناك إمكانات جدية لتسوية وضعها وسداد خصومها.
يشير مخطط الاستمرارية الذي تحصره المحكمة، إن اقتضى الحال، إلى التغييرات الواجب إدخالها على تسيير المقاولة وفقا للأحكام الموالية وبمقتضى كيفيات تصفية الخصوم المحددة تطبيقا للمواد من 598 إلى 602.
يمكن للمحكمة أن تحصر مخطط الاستمرارية حتى ولو لم تنته عملية تحقيق الديون التي تمت حسب مقتضيات المواد من 688 إلى 698.
ترفق هذه الاستمرارية بتوقيف أو إضافة أو تفويت بعض قطاعات النشاط، إن اقتضى الحال تخضع التفويتات التي تتم وفق هذه المادة لمقتضيات القسم الثالث من هذا الكتاب.
إن هذه القرارات المصاحبة للاستمرارية المذكورة أعلاه، إذا كانت ستؤدي إلى فسخ عقود العمل، فإنه يجب تطبيق القواعد المنصوص عليها في مدونة الشغل”.
(1) في هذا السياق قضت محكمة الاستئناف التجارية بفاس بما يلي: “غاية المشرع من مساطر معالجة المقاولة هي إنقاذها وهو ما يبرر الإبقاء على مسطرة التسوية القضائية وعدم تحويلها إلى التصفية القضائية لإعطائها فرصة الاستمرار متى كان ذلك ممكنا”.
قرار صادر بتاريخ 29/9/04 في الملف التجاري عدد 92/03 منشور بمجلة الملف العدد 7، ص: 345 وما بعدها.
(2) تنص المادة 653 م.ت على ما يلي:
“يوقف حكم فتح المسطرة ويمنع كل دعوى قضائية يقيمها الدائنون أصحاب ديون نشأت قبل الحكم المذكور ترمي إلى:
– الحكم على المدين قبل الحكم بأداء مبلغ من المال.
– فسخ عقد لعدم أداء مبلغ من المال.
كما يوقف الحكم ويمنع كل إجراء للتنفيذ يقيمه هؤلاء سواء على المنقولات أو العقارات.
توقف تبعا لذلك الآجال المحددة تحت طائلة السقوط أو الفسخ”.
(1) قرار عدد 154 ملف تجاري عدد 640/3/1/02 منشور بمجلة القضاء والقانون العدد 148، ص: 281 وما بعدها.
(2) قرار صادر عن المجلس الأعلى(محكمة النقض حاليا) بتاريخ 9/2/05 تحت عدد 121 في الملف التجاري 766/04 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى العدد 64و65، ص: 218 وما بعدها.
(3) أمر رقم 412 بتاريخ 17-4-07 ملف رقم 176/1/07 أشار إليه ذ.محمد صبري في مؤلفه الأخطاء البنكية، م.س، ص: 187.
(1) أشار إلى ذلك ذ. أحمد شكري السباعي، م.س.ص: 242.
في نفس السياق أنظر أيضا:
– محمد الشرقاوي، القانون التجاري، الجزء الثاني 1981، دار النهضة العربية ص: 157.
– سعيد محمد السعيد الهياجنة: آثار حكم شهر الإفلاس على جماعة الدائنين، دراسة مقارنة، طبعة 1992، مؤسسة الإخوة للطباعة ص: 198.
(2) تنص الفقرة الأولى من المادة 55 من قانون 1985 المعدل بقانون 10 يونيو 1994 على ما يلي:
“Le jugement d’ouverture du redressement judiciaire arrête le cours des intérêts légaux et conventionnels, ainsi que de tous intérêts de retard et majoration, à moins qu’il ne s’agisse des intérêts résultant de contrat de prêt conclus pour une durée égale ou supérieure à un an ou de contrat assortis d’un paiement différé d’un an ou plus. (L. n° 94-475,10 juin 1994, art.38-1) « Les cautions et coobligé ne peuvent se prévaloir des disposition du présent alinéa”
(1) تنص المادة 56 من قانون 25 يناير 1985 على ما يلي:
“Le jugement d’ouverture du redressement judiciaire ne rend pas exigibles les créances non échues à la date de son prononcé. Toute clause contraire est réputée non écrite”.
(2) عبد الرزاق الزيتوني: استمرارية المقاولة بعد التوقف عن الدفع وحماية الدائنين على ضوء القانون رقم 95-15 المتعلق بمدونة التجارة، أطروحة لنيل الدكتوراه في قانون الأعمال، السنة الجامعية 2005-2006، جامعة الحسن الثاني، ص: 329 وما بعدها.
(1) وضعية الكفيل أثناء مساطر الوقاية والمعالجة من صعوبات المقاولة، مقال منشور بمجلة الندوة، العدد الثالث يونيو 2002، ص: 141.
بقلم د. جودية خليل
استاذة بكلية الحقوق بمراكش