دراسات قانونية
بحث قانوني عن العمل الجمعوي وأهم معوقاته
بقلم ذ عبدالمجيد إدريسي منادي
طالب بكلية الحقوق فاس حاصل على الاجازة في القانون الخاص والاجازة المهنية تخصص الفاعل في التنمية الاجتماعية
مقدمة:
: كثيرا ما يقال أن المجتمع بدون حرية يعني مجتمع الاستبداد، والحرية بدون ضوابط قانونية تساوي مجتمع الفوضى، ومهمة رجال السلطة هي التوفيق بين السلطة و ﺇكراهاتها والحرية و انزلاقاتها. ومن الحريات التي يجب أن يتمتع بها المواطن داخل المجتمع نجد حرية تأسيس الجمعيات المنظمة في المغرب بموجب الظهير الشريف رقم1.58.376 صادر في 15 نونبر 1958 يضبط بموجبه حق تأسيس الجمعيات.
تلك الحرية التي يستند الحق فيها إلى المواثيق والعهود الدولية التي صادق عليها المغرب والتي تشكل قواعد نموذجية عالمية مستمدة أساسا من مجموعة من المواثيق يمكن تحديدها أساسا في الإعلان العالمي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي اعترف للأفراد بحق التجمع السلمي والحق في حرية المشاركة مع الآخرين بما في ذلك تشكيل النقابات.
والاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان التي أكدت في المادة 115 على أنه لكل شخص الحق في حرية الاجتماع السلمي و حرية تكوين الجمعيات، كما أكد الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان و الشعوب على حق كل إنسان أن يكون جمعيات مع الآخرين شريطة أن يلتزم بالأحكام التي حددها القانون.
والمغرب العضو الفعال في المجتمع الدولي والملتزم دستوريا باحترام المعاهدات والمواثيق الدولية التي هو طرفا فيها كان لا بد له أن يأخذ بعين الاعتبار القواعد النموذجية العالمية الخاصة بحرية تأسيس الجمعيات لذلك فقد عبر كباقي دول العالم عن رغبته في ترسيخ دولة الحريات مع مراعاة النصوص الدولية تجلى ذلك من خلال إقراره لظهير 1958 المتعلق بالحريات العامة الذي أقر في جزء منه مبدأ حق تأسيس الجمعيات بغير سابق إذن و لا تصريح ليعلن بذلك انخراطه ضمن الحق القانوني العالمي كدولة مستقلة و ذات سيادة.
غير أن التطبيق العملي لهذا الحق أثار جملة من الإشكاليات ارتبطت أساسا بفهم المقتضيات القانونية المنظمة لحق تأسيس الجمعيات مما ساهم في تأويلها تأويلا خاطئا من قبل الإدارة ألحق ضررا بحرية الأشخاص سواء من حيت الحق في تأسيس الجمعيات أو الانخراط فيها ,الشيء الذي يطرح العديد من الإشكالات من قبيل ما هي ماهية الصعوبات المرتبطة بالحق في تأسيس الجمعيات.
هل هي إكراهات مرتبطة بميلاد الجمعيات من حيث تسلم طلب التأسيس ,أم متصلة بمنح الوصل المؤقت والنهائي؟ وما هو دور التشريع والقضاء في الحد من هذه الصعوبات .وحماية الحق في تأسيس الجمعيات؟و أي تحديات تواجه العمل الجمعوي على إثر الممارسة في أرض الواقع؟
لمقاربة هذا الموضوع والإجابة عن الإشكالات الواردة أعلاه ارتأينا وضع التصميم الوارد اعلاه
المبحث الأول: الصعوبات التي تواجه الجمعيات على مستوى التأسيس
.
إن جوهر الصعوبات التي يمكن ان تجابه العمل الجمعوي عند الرغبة في إنجابه قد ترتبط بامتناع السلطات المعنية عن تسلم طلب التأسيس أو الامتناع عن إعطاء الوصل النهائي والمؤقت وهو ما سنتطرق إليه بتفصيل في (المطلب الأول) لنختم هذا المبحث باستعراض دور القضاء في الحد من هذه الصعوبات (المطلب الثاني)
المطلب الاول: الصعوبات المرتبطة بتسلم طلب التأسيس وتسليم الوصل المؤقت والنهائي.
من أهم السمات المميزة لقانون تأسيس الجمعيات نجد ارتكازها على مبدأ الحرية في التأسيس واعتماد نظام التصريح عند الإيداع وهو تقدم وتطور ينسجم مع منطق الأشياء ومع مقتضيات حقوق الإنسان، لكن البعض يرى أن عدم التدقيق في الصياغة القانونية للفصول والطبيعة المخزنية التسلطية لرجال السلطة وأجهزتها أفرغا هذا المبدأ من محتواه وحوله إلى نظام ترخيصي وقيدا مبدأ الحرية بحيث أصبح كل ذلك خاضعا لمزاج السلطة ولخصوصيات كلمرحلة وحسب موقف كل راغب في ممارسة الحرية من السلطة وموقف السلطة منه
ومن خلال قراءة في جميع ما يتم تداوله في هذا الشأن يمكن صياغة اشكال من قبيل ما طبيعة الصعوبات التي تواجه الصرح الجمعوي عند تاسيسه ؟ إن الاجابة عن طبيعة الصعوبات التي تواجه الجمعيات في المغرب عند التاسيس تنحصر في شكلين من التصرفات وهما امتناع السلطة الإدارية المحلية المختصة عن تسلم الملف القانوني للجمعية اولا.
وامتناع السلطة الإدارية المحلية المختصة عن تسليم الوصلين المؤقت والنهائي للجمعية ثانيا
ففي جميع هذه الحالات نسجل تصرفا سلبيا من جانب الإدارة يتجلى في الامتناع عن القيام بعمل منوط بها بموجب القانون. غير أن الأثر القانوني لهذا الامتناع يختلف حسب الحالة.
اولا: امتناع السلطة الإدارية المحلية المختصة عن تسلم الملف القانوني للجمعية
تحصل هذه الحالة غالبا لما يتعلق الأمر بجمعية ذات أهداف غير مرغوب فيها من طرف الدولة ، أو عندما يكون مكتب الجمعية يضم من بين أعضائه أشخاصا يتبنون أفكارا أو مبادئ تتنافى مع مقدسات الدولة. حيث غالبا ما توجه تعليمات للموظفين المكلفين بتسلم ملفات الجمعيات بعدم تسلم هذا النوع من الملفات.
وفي هذه الحالة نجد المشرع المغربي قد ملأ الفراغ وتدخل لينص في الفصل 5 على أنه”يجب أن تقدم كل جمعية تصريحا إلى مقر السلطة الإدارية المحلية الكائن به مقر الجمعية مباشرة أو بواسطة عون قضائي حيث أنه في الحالة التي يمتنع ممثل السلطة المحلية من تسلم ملف الجمعية تبقى الإمكانية مفتوحة أمام المعني بالأمر للجوء إلى تبليغ الملف عن طريق عون قضائي
فالمفوض القضائي مؤهل للقيام بعملية إيداع ملف الجمعية أمام السلطة الإدارية المحلية المختصة بناء على طلب من المعنيين بالأمر، ويقوم حسب الحالة بتحرير محضر تبليغ أو محضر امتناع عن التسلم يتم الرجوع إليه عند الاقتضاء.
ويوفر في هذه الحالة للطرف المعني دليلا على امتناع الإدارة من القيام بواجبها ويمكنه بناء على ذلك تقديم الطعن أمام الجهة القضائية المختصة، وذلك على خلاف الحالة التي يكون فيها الرفض شفويا حيث يصعب على الطاعن إثباته أمام القضاء خصوصا في حالة عدم الاعتراف بذلك من طرف الإدارة.
وللإشارة فإن غالبية المواطنين يلجئون في تطبيق هذه المسطرة إلى السيد رئيس المحكمة الابتدائية بصفته قاضيا للمستعجلات للحصول على أمر قضائي بالتبليغ في إطار مقتضيات الفصل 148 من قانون المسطرة المدنية المتعلق بالأوامر المبنية على طلب.
والحال أن القانون المنظم لمهنة المفوضين القضائيين يخولهم الحق في القيام بهذا الإجراء دون الرجوع لرئيس المحكمة وفي ذلك امتياز لطالب إجراء التبليغ يتجلى في ربح الوقت واقتصاد النفقات. لكن رغم ذلك فهذا الإجراء لا يخلو اللجوء إليه من صعوبات مادية تثقل كاهل المواطنين بنفقات إضافية هم في واقع الأمر معفون منها و قد تكون بداية لنفقات أخرى في حالة إحجام السلطة المحلية عن تسليم الوصلين المؤقت والنهائي وتفضيل المتضرر اللجوء إلى القضاء
ثانيا: امتناع السلطة الإدارية المحلية المختصة عن تسليم الوصلين المؤقت والنهائي للجمعية
نقرأ في العديد من الصحف والجرائد اليومية والمواقع الالكترونية معاناة بعض الجمعيات حول الحصول على وصل إيداع الجمعية سواء المؤقت أو النهائي. ويحصل ذلك لما يظهر بعد إيداع الملف والقيام بالأبحاث المخولة للسلطة المحلية المختصة بتسلم الملف بموجب الفصل الخامس كما تم تعديله أن بعض أو كل أعضاء الجمعية لهم انتماءات سياسية أو دينية متطرفة أو اعتناقهم لأفكار من شأنها المس بمقدسات الدولة أو أن الجمعية تخفي وراء نشاطها المعلن أنشطة أخرى قد تحقق إضرارا بالمصالح العليا للدولة.
فتمتنع عن تسليم الجمعية المعنية الوصل المؤقت أو النهائي حسب الحالة مما يجعلها في وضع بين المنزلتين، فهي من الناحية القانونية قد تأسست بمجرد استيفاء الشكلية المتعلقة بإيداع التصريح مكتملا طبقا لما نص عليه الفصل الخامس ويجب تمكينها من الوصل النهائي داخل أجل أقصاه ستون يوما ، وفي حالة الإخلال بهذا الواجب تصبح الجمعية قائمة الذات بصفة قانونية.الشيء الدي يدفعنا الى التساؤل عن مدى امكانية ممارسة الجمعية لأنشطتها وفقا للأهداف المسطرة في قوانينها؟
من الناحية العملية فهي لا يمكن للجمعية ممارسة أي نشاط بصفة قانونية ، حيث لا يمكنها استعمال القاعات العمومية في اجتماعاتها، ولا يمكنها تنظيم المظاهرات والمواكب والاستعراضات بالطرق العمومية ، و لا يمكنها فتح حساب بنكي لدى المؤسسات المصرفية ولا الحصول على دعم من إحدى المؤسسات أو المصالح التابعة للدولة لأنه عمليا يتطلب للقيام بكل ذلك تقديم الوصل النهائي للجمعية.
وفي غيابه فالجمعية تضل معطلة عن أداء مهامها بل أكثر من ذلك فقد يتعرض أعضاؤها للمضايقات وربما المتابعات القضائية بتهمة الانتماء لجمعية غير معترف بها على الرغم من أن هذه التهمة لا وجود لها في القانون المغربي. إذن فالعديد من الجمعيات التي لا تتوفر على الوصل النهائي وتستمر في العمل، فإن الوضع القانوني غير المؤكد يفقدها توازنها، ويحد من أنشطتها، ويخيف بعض أعضائها الحاليين والمحتملين
وبعدما كثر الحديث عن اتهام وزارة الداخلية بخرق القوانين المنظمة لحرية تأسيس الجمعيات ، تم طرح هذا الأمر في جلسة للأسئلة الشفوية بالبرلمان حيث أكد وزير الداخلية في معرض جوابه عن ذلك أن التعديلات التي أدخلت على القانون أصبح معها الوصل مجرد تأكيد على وضع الملف بشكل كامل بالإضافة إلى وجود عدة ضمانات منها العون القضائي وكذلك اللجوء إلى القضاء وحتى بعد مرور ستين يوما فالجمعية تعتبر
قانونية
المطلب الثاني: دور القضاء في الحد من هذه الصعوبات
إن دمقرطة المؤسسات تقتضي بسط القضاء لمراقبته على أعمال الإدارة ، وكل سلوك يصدر عن هذه الأخيرة فيه مخالفة للقانون يجب أن يكون موضوعا للطعن أمام القضاء الذي يتوفر على كامل الصلاحية لتصحيح السلوكات المشوبة بعيب مخالفة القانون أو الشطط في استعمال السلطة. وفي هذا الإطار نجد العمل القضائي قد دأب على إلغاء مجموعة من القرارات الإدارية الصريحة أو الضمنية القاضية برفض تسلم ملف الجمعية أو تسليم الوصل المؤقت و النهائي عنه.
فقد قضت المحكمة الإدارية بالرباط حديثا بإلغاء القرار الضمني لممثل السلطة المحلية الذي رفض تسلم ملف جمعية مستندة في ذلك على أحكام الدستور الجديد ومقتضيات ظهير 1958 الخاص بالجمعيات. ومما ورد في هذا الحكم القضائي الهام ما يلي: “حيث يهدف الطلب إلى الحكم بإلغاء القرار الإداري الصادر عن قائد …… والقاضي برفض تسلم الملف القانوني للجمعية مع ترتيب جميع النتائج القانونية على ذلك،
حيث تخلف المطلوب في الطعن عن الجواب رغم التوصل وحيث ينص الفصل 12 من الدستور على أنه “تؤسس جمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية ،وتمارس أنشطتها بكل حرية في نطاق احترام الدستور والقانون. لا يمكن حل هذه الجمعيات أو المنظمات أو توقيفها من لدن السلطات العمومية إلا بمقتضى مقرر قضائي” وحيث ينص الفصل 15 من الظهير الشريف رقم 1.58.376 صادر في 15 نونبر 1958 الضابط لحق تأسيس الجمعيات كما وقع تغييره وتتميمه بأنه ” تقدم كل جمعية تصريحا إلى مقر السلطة الإدارية المحلية الكائن به مقر الجمعية مباشرة أو بواسطة عون قضائي يسلم عنه وصل مؤقت مختوم ومؤرخ في الحال وتوجه السلطة المحلية المذكورة إلى النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية المختصة نسخة من التصريح المذكور وكذا نسخا من الوثائق المرفقة به المشار إليها في الفقرة الثالثة بعده، وذلك قصد تمكينها من إبداء رأيها في الطلب عند الاقتضاء”.
وحيث إن رفض قائد قيادة …. تسلم ملف الجمعية وتسليم الوصل المؤقت حسب الثابت من محضر المفوض القضائي لعدم الاختصاص رغم كونه مختص قانونا بتسلم الملف وتسليم التوصيل رغم توافر الملف على سائر الوثائق المتطلبة قانونا يشكل مخالفة دستورية لحرية تأسيس الجمعيات وللنظام التصريحي -وليس الترخيصي – الذي تقوم عليه والذي لا يمنح للإدارة أي صلاحية تقديرية بشأن التصريح مما يجعل القرار الإداري المطعون فيه يشكل اعتداء على صلاحية السلطة القضائية باعتبارها الجهة الوحيدة المخول لها دستوريا توقيف الجمعية أو حلها .
وحيث إن صيرورة القرار الإداري المطعون فيه منعدما باعتباره يشكل اعتداء ماديا على حق تأسيس الجمعيات،بشكل يجرده من المشروعية يجعله مشوبا بعيبي مخالفة القانون وعدم الاختصاص وحليفه الإلغاء
يتضح إذن من خلال حيثيات هذا الحكم أن القضاء استند على مقتضيات دستورية للقول بعدم شرعية القرار الإداري القاضي برفض تسلم الملف القانوني للجمعية نافيا أن يكون للإدارة أي دور في مراقبة مدى قانونية أو شرعية الجمعية بمناسبة تأسيسها حيث يقتصر دور السلطة المحلية على مراقبة توفر الوثائق المطلوبة في تكوين الملف ثم الإشهاد على هذه الواقعة من خلال تسليم وصل الإيداع.
وفي نازلة أخرى ألغى القضاء الإداري القرار الضمني لرئيس المنطقة الحضرية تطوان الأزهر القاضي برفض تمكين جمعية من وصل إيداع ملفها التأسيس وذلك لمخالفته لمقتضيات الفصل 5 من القانون المتعلق بحق تأسيس الجمعيات ومن حيثيات هذا الحكم ورد ما يلي:” وحيث في نازلة الحال ، لا تنازع الإدارة في أن الطاعنة قد تقدمت بتصريح بالتأسيس في إطار الفصل المذكور منذ 04/01/2006 دون أن تمكنها لا من الوصل المؤقت رغم التنصيص على فورية تسليمه ولا من الوصل النهائي رغم مرور أجل 60 يوم على واقعة إيداع التصريح.
وحيث يقتصر دور السلطة الإدارية المحلية في إطار مقتضيات الفصل 5 المشار إليه على تلقي التصريح بتأسيس الجمعيات وتسليم الوصل المؤقت فورا ثم إحالة نسخة من التصريح على النيابة العامة لدى المحكمة الابتدائية لإبداء رأيها للانتقال إلى مرحلة تسليم الوصل النهائي إثر مرور60 يوم على الإيداع الأول ، مما حاصله أن الرقابة التي تجريها الإدارة على التصريحات المذكورة لا تستدعي مبادرتها إلى اتخاذ إجراءات انفرادية كسلطة إدارية من خلال الامتناع عن تسليم الوصلين المذكورين ، بقدر ما تسمح لها بتحريك طلب التصريح ببطلان الجمعية أو حلها لدى الجهة القضائية المختصة في إطار الفصل 7 من نفس القانون .
وحيث بإحجامها عن تمكين الطاعنة من وصل التأسيس النهائي ، تكون الإدارة قد خالفت مقتضيات الفصل 5 من القانون المتعلق بحق تأسيس الجمعيات ، ويتعين الحكم بإلغاء قرارها المدكور.
وهذا الاتجاه الذي كرسته المحكمة الإدارية يؤكد ما سبقت الإشارة إليه من كون السلطة الإدارية المحلية المختصة بتسلم ملف التصريح بتأسيس الجمعية لا حق لها بتاتا في مناقشة مشروعية أو عدم مشروعية الجمعية حيث يبقى ذلك من اختصاص القضاء ويقتصر دور السلطة المحلية على الإشهاد على واقعة إيداع ملف الجمعية.
إذن يتضح من خلال ما سبق أن القضاء الإداري قد ساهم بشكل فعال في تصحيح سلوك الإدارة وضمان احترام النصوص القانونية المعمول بها
المبحث الثاني :الصعوبات التي تواجه الجمعيات أثناء ممارسة العمل
إن قيام الجمعيات بالدور الذي تطلع به قد يكون رهبن بمدى إمكانياتها المادية (المطلب الأول) بالإضافة المعدات اللوجستيكية (المطلب الثاني )
المطلب الأول: غياب الدعم المادي وتأثيره على استمرارية الجمعيات
إلى جانب مشكل الوصل النهائي او المؤقت، تعاني أغلب الجمعيات من صعوبة في التمويل مما ينعكس سلبا على مردودها و فعاليتها، إذ لا يمكن لجمعية ما أن تلعب دورها داخل المجتمع في غياب الدعم المادي الذي قد تتلقاه سواء من الأشخاص أو من الهيئات غير الحكومية أو من الدولة
و للتخفيف من مشكل التمويل، تقوم الدولة بتخصيص دعم سنوي لبعض الجمعيات، إلا أن هذا الدعم يعرف بعض الإختلالات سواء في معايير توزيعه على الجمعيات المستفيدة أو في طريقة صرفه من طرف هاته الجمعيات. و للحد من هاته الإختلالات قام المجلس الأعلى للحسابات مؤخرا بمطالبة جميع الجمعيات الناشطة في المملكة بتقديم بيانات تتعلق بتسييرها المالي و أوجه صرف الأموال التي تستفيد منها…
و في هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن الأرقام الرسمية تدل على أن 80 في المئة من الإعتمادات المالية المخصصة لدعم المجتمع المدني يستفيد منها 20 في المئة من الجمعيات فقط ! كما أن هذا الدعم الذي تقدمه الدولة (من خلال الجماعات المحلية مثلا) قد يؤثر على مدى استقلالية الجمعية في اتخاذ قراراتها و يجعلها تتخلى عن بعض صلاحياتها خاصة في مجال التقييم و المراقبة و الترافع …
و بما أن الجمعيات تعد من اهم عناصر المجتمع المدني، فهو يستفيد من دعم المؤسسات المنتخبة، لكن هذا الدعم لا يعمم على كل الجمعيات، كما يختلف مقداره من جمعية إلى أخرى، مما يطرح تساؤلات عدة حول المعايير المعتمدة لاختيار المستفيدين من الدعم المالي و كذا مقدار هذا الدعم. و يبقى التحدي الأكبر هو مدى قدرة هاته الجمعيات على المحافظة على استقلاليتها حتى لا يتم استغلالها لتحقيق أهداف إنتخابية ضيقة …
إن المكانة الجديدة التي أصبح يتبوؤها المجتمع المدني في الدستور تعتبر مكسبا حقيقيا، لكنه يبقى غير كاف إذا لم يتم اتخاذ إجراءات موازية تمكن من الرفع من مستوى الجمعيات، مع توفير الإمكانات المادية لضمان اشتغالها في أحسن الظروف بالإضافة إلى توفير أليات أو معدات لوجيستيكية قصد تمكين الجمعيات من النجاح في أنشطتها.
المطلب الثاني : غياب الدعم اللوجستيكي وتأثيره على أنشطة الجمعيات
إن بناء الصرح الجمعوي وتشيده قصد أداء الدور المنوط به لا يمكن أن يختزل في قدرات مادية وبشرية فحسب .
ولكن نجاعة الحقل الجمعوي ونجاحه لا يمكن أن يحصل إلا بتوفر معدات للوجستيكية قادرة على منح الفاعل الجمعوي إمكانية العمل بالمردودية .الشيء الذي أصبحت تعاني منه فعاليات المجتمع المدني قاطبة والجمعيات خاصة حيث غالبا ما تعاني الجمعيات من معدات التنقل قصد القيام بحملات التوعية بالبرامج التي تدخل في صميم اختصاصاتها مما يعرضها إلى عدم اقتناع بعض المنخرطين ببرامجها.ومن هذا المنطلق ازدادت الحاجة إلى الدعم اللوجستيكي للجمعيات حتى تنخرط في بناء الأجيال المستقبلية .
فضعف معدات العمل والاشتغال تجعل من بعض الجمعيات محصورة الأنشطة غير قادرة على مسايرة المستجدات الحالية .
وبالإضافة إلى ذلك فإن الدعم اللوجستيكي يضل عائقا يحول دون استمرارية أنشطة الجمعية مما يعرضها إلى الركود والبعد عن أهدافها المسطرة والحيلولة دون المساهمة الفعلية في صقل مواهب الشباب وتشجيع المبادرات الفردية والجماعية .
فالدولة حينما تنخرط في الاعتراف بحرية تأسيس الجمعيات يعني أن تكفل هذا الحق بتنزيل آليات ممارسته وهو ما يقتضي أن تضل المتابعة والمواكبة عبر خلق معدات اللوجستيكية قادرة ان ترقى بالعمل الجمعوي إلى مستوى تطلعات المجتمع المدني . فتوفير معدات العمل من بنية تحتية وتجهيزات تواصلية ومراكز إبداعية…كلها آليات كفيلة بخلق توازن بين طموحات الفاعل الجمعوي وتطلعات فئات المجتمع المدني
خاتمة
إن العمل الجمعوي كمكون من مكونات المجتمع المدني لازال يفتقر إلى العديد من الدراسات والأبحاث السوسيولوجية التي يجب أن تجتهد قدر الإمكان في توجيه جانب من اهتماماتها في خدمة هذا القطاع.
ونجاح عملية التطور رهين بمدى وعي الجمعويين بمسألة تقييم المشاريع والتجارب السابقة وإعادة النظر فيها، كما أنها مرتبطة بمدى نجاحهم في تحسين صورة العمل الجمعوي أمام المجتمع لتليين موقفه تجاه الجمعيات، إضافة إلى محاولة تلبية جميع طلبات الطفل والشاب، الشيء الذي يستحيل تحقيقه إلا إذا نجح الطرفان (الجمعيات والقطاع الوصي) في إيجاد صيغة للاتفاق والعمل على أرضية موحدة هدفها الأول خدمة الطفولة والشباب؛ حتى لا يبقى العمل الجمعوي عملا يؤطر الوقت الثالث ويسعى إلى خلق فضاء متواضع يجد فيه الشاب والطفل متعته فحسب،
وإنما ليصبح عملا يدخل في إطار ثورات المدن، وهو المنظور الجديد الذي يجب أن تتأقلم معه الجمعيات (لأنه دورها الحقيقي في المجتمع المدني)، ليس بدعوى الحداثة والشعارات الرنانة المرفوعة ولكن بما توجبه لنا من ثقافة تؤهلنا لمستقبل متعدد وديمقراطي.
فالعمل الجمعـوي بالمغرب. وخاصة الارياف التي تعاني من عزوف الشباب عن المشاركة الفعالة رغم أن العمل الجمعوي في منطلقاته و أهدافه شكل وعاء لصقــل إبداعات الشباب و مده بأسس ثقافيـة هامة , ليس فقط لكـون العمـل الجمعوي يهدف إلى تغيير بنيات الواقع فقط , و إنما إحداث تغييــر على مستـوى أشكال التفكير فيه و طريقة تصريف المعرفــة المكتسبة لبنـاء النموذج المرغوب فيه و تأطير الأداة البشرية المزمع تأهيلها لتحقيق ذلك البناء ,
فالعمـل الجمعوي هو حقل متميز ومجال خصب تنتعش فيه روح تحمل المسؤولية بشكل جماعي و يتم فيه الدفع بالشباب نحو تحرير طاقاتهــم و إمكانياتهم الإبداعية و خلــق أفراد يحكمون ضمائرهم الحية في الإنتاج و الإبداع و النقد. .الشيء الذي يدفعنا الى التساؤل عن مركز الجمعيات في ظل اللامركزية الادارية ومدى مساهمة هذه الاخيرة في تشجيع الحقل الجمعوي؟