دراسات قانونية
بحث متميز حول طرق الطعن العادية في الأحكام المدنية
طــرق الطعـن العـاديـة
فـــي
الأحكــام المدنيــةمقدمـــة :
إن القاضي بشر غير معصوم من الخطأ شأنه في ذلك شأن أي إنسان ، و لا تسلم نفوس المتقاضين من الضغائن و الأحقاد ، فلا يتصور أن يصدر القضاء مطابقا لحقيقة الواقع، كما أن الشعور بعدم الثقة هو شعور طبيعي لدى المحكوم عليه فكان من الواجب على المشرع أن يعمل على تأمين مصلحة الخصوم بإجازة الطعن في الأحكام القضائية، و طرق الطعن هي الوسائل التي حددها القانون على سبيل الحصر و التي بمقتضاها يتمكن الخصوم من التظلم في الأحكام الصادرة عليهم بقصد إعادة النظر فيما قضت به أو بقصد إلغائها بسبب بطلانها أو بطلان الإجراءات التي بنيت عليها، و حكمة هذه القاعدة إن إستقرار الحقوق لأصحابها يقتضي إحترام الأحكام فلا يطعن فيها إلا بطرق خاصة و إجراءات خاصة و في مواعيد معينة بحيث إذ إنقضت هذه المواعيد دون الطعن في الحكم و أصبح غير قابل للطعن فيه حد في نضر المشرع عنوانا للحقيقة و الصحة و إغلاق كل السبل إعادة النظر فيه.
إن طرق الطعن تنقسم إلى نوعين طرق عادية تتمثل في المعارضة و الإستئناف و طرق غير عادية تتمثل في النقض و إلتماس إعادة النظر و إعتراض الغير الخارج عن الخصومة في أساس هذا التقسيم أن طرق الطعن العادية لم يحصر القانون أسبابها و لم يحدد حالاتها، فيمكن الطعن بها لأي عيب من العيوب سواء تتعلق بالوقائع أو بالقانون أما طرق الطعن غير العادية فقد حدد المشرع أسبابا معينة لكل طريق منها ، بحيث لا يجوز الطعن بأي طريق من هذه الطرق إلا بناء على أسباب معينة منصوص عليها إلا أن هذا لا يعني أن للمحكوم عليه أن يطعن بالطرق العادية بغير إبداء أسباب للطعن و إنما المقصود أن للطاعن أن يبني طعنه على ما يتراءى له من الأسباب دون أن يكون مقيدا، في ذلك بأسباب معينة كما أنه لا يجوز الطعن بطريق غير عادي إلا بعد إستنفاذ طرق الطعن العادية.
و بإعتبار موضوع دراستنا يقتصر على طرق الطعن العادية المتمثلة في المعارضة و الإستئناف فإننا سنقوم بتحليل كيفية إعمالهما في مجال الأحكام المدنية و التي يقصد بها الأحكام الصادرة عن المحكمة في قسمها المدني بمختلف فروعه، و الإشكاليات القانونية التي يثيرها هذا الموضوع تتمثل أساسا في ما هو مفهوم كل من الطعنين و ما هي الشروط الواجب توافرها فيهما حتى يتم قبولهما من طرف الجهات القضائية و ما هي إجراءات رفعهما أمامها و ما هي الآثار المترتبة على إعمالهما و كيف يتم الفصل فيهما من قبل الجهات القضائية المقدمان أمامها ؟.
إن المعارضة و الاستئناف و إن كان يتفقان من حيث الطبيعة القانونية إلا أنهما يختلفان من عدة زوايا إجرائية و إن دراسة هذا الموضوع دراسة منتظمة تستلزم منا دراسة كل طعن على حدى في فصل خاص به من أجل تفادي الغموض و الخلط الذي ينجر عن دراستهما بصفة مندمجة أو موحدة و خدمة لموضوع البحث من أجل التوسع في دراسته لذلك سنخصص الفصل الأول لدراسة الطعن بالمعارضة بينما نخص الفصل الثاني لدراسة الطعن بالإستئناف معالجين في كل فصل مفهوم كل طعن و شروط قبوله و إجراءات رفعه و الآثار المترتبة على أعماله و كيفية الفصل فيه و شروط قبوله و إجراءات رفعه و الآثار المترتبة على أعماله و كيفية الفصل فيه من قبل الجهة القضائية المقدم أمامها و ذلك وفق الخطة التالية:
الفصل الأول: الطعن بالمعارضة في الأحكام المدنية
المبحث الأول: مفهوم الطعن بالمعارضة
المطلب الأول: تعريف المعارضة
المطلب الثاني: الأساس القانوني للمعارضة
المبحث الثاني: شروط قبول الطعن بالمعارضة و إجراءات رفعها.
المطلب الأول: الشروط العامة لقبول الطعن بالمعارضة
المطلب الثاني: الشروط الخاصة لقبول الطعن بالمعارضة
المطلب الثالث: إجراءات رفع الطعن بالمعارضة
المبحث الثالث: أثار الطعن بالمعارضة و كيفية الفصل فيها.
المطلب الأول: أثار الطعن بالمعارضة
المطلب الثاني: الفصل في الطعن بالمعارضة.
المطلب الثالث: التنازل عن الطعن بالمعارضة.
الفصل الثاني: الطعن بالإستئناف في الأحكام المدنية.
المبحث الأول: مفهوم الطعن بالإستئناف
المطلب الأول: تعريف الإستئناف
المطلب الثاني: الأساس القانوني للطعن بالإستئناف
المطلب الثالث: أنواع الإستئناف.
المبحث الثاني: شروط قبول الطعن بالإستئناف و إجراءات رفعه.
المطلب الأول: الشروط العامة لقبول الطعن بالإستئناف
المطلب الثاني: الشروط الخاصة لقبول الطعن بالإستئناف
المطلب الثالث: إجراءات رفع الطعن بالإستئناف.
المبحث الثالث: أثار الطعن بالإستئناف و كيفية الفصل فيه .
المطلب الأول: أثار الطعن بالإستئناف .
المطلب الثاني: كيفية الفصل في الطعن بالإستئناف
المطلب الثالث: التنازل عن الطعن بالإستئناف .
الخاتمــــة.
طــرق الطعـن العـاديـة فـــي الأحكــام المدنيــة
الفصل الأول: الطعن بالمعارضة في الأحكام المدنية :
تعد المعارضة طريق طعن عادي و إن دراسته دراستها تحليلية تستلزم منا تحديد مفهومها و أساسها القانوني و شروط قبولها و الآثار المترتبة على إعمالها و إجراءات رفعها و كيفية الفصل فيها من قبل الجهة القضائية المقدمة أمامها و هي المسائل التي سنقوم بتحليلها في مضمون هذا الفصل.
المبحث الأول: مفهوم الطعن بالمعارضة.
لقد نص المشرع على المعارضة في المواد من 98 إلى 101 ق إ م إلا أنه لم يحدد تعريفها و لا أساسها القانوني و هما المسألتين اللتان سنحاول تحديدهما فيما يلي:
المطلب الأول: تعريف المعارضة .
لقد إختلف الفقهاء في تعريف المعارضة حيث قدمت عدة تعاريف أهمها:
– ” أنها الطلب المرفوع من المحكوم عليه غيابيا في خصومة إلى المحكمة نفسها التي أصدرت الحكم لكي تسمع دفاعه، و تلغي أو تعدل الحكم المذكور ، إذ ليس من العدل أن لا يسمع دفاع شخص في خصومة مرفوعة عليه، لجواز أن يكون ذا عذر في التأخير عن الحضور” ( ) .
– ” المعارضة طريق من طرق الطعن العادية يركن إليها المحكوم عليه غيابيا للوصول إلى إلغاء أو تعديل الحكم الذي صدر في غيبته و ذلك بالإلتجاء لنفس المحكمة التي أصدرت الحكم ” ( ).
-” المعارضة طريق طعن عادي في الأحكام الغيابية بمقتضاها يتقدم من صدر حكم عليه في غيبته إلى ذات المحكمة التي أصدرته طالبا منها سحبه و إعادة النظر دعوى من واقع دفاعه الذي لم يبديه حال صدور الحكم الغيابي ” ( ).
و ما يمكن إستخلاصه من هذه التعاريف المختلفة أن المعارضة تعد طريق طعن عادي و مجال إعمالها هي الأحكام الغيابية و هدفها هو تمكين الخصم الغائب من إبداء دفوعه في موضوع النزاع و ذلك أمام نفس الجهة القضائية التي أصدرت الحكم المعارض فيه بهدف سحبه و إعادة الفصل في القضية على موجب أقوال المحكوم عليه الغائب.
المطلب الثاني: الأساس القانوني للطعن بالمعارضة .
إن المعارضة كطريق طعن تعد تطبيقا ا لأحد المبادئ الأساسية التي تقوم عليها الخصومة القضائية و هو مبدأ المواجهة أو الوجاهية و يتمثل هذا المبدأ أساسا في حق الشخص المطالب أمام القضاء بمعنى الخصم أو المدعى عليه في حضور جلسات المحاكمة و تقديمه لدفوعه و طلباته المقابلة إلى جانب المدعي مقدم الطلب.
بحيث أنه كلما صدر الحكم الفاصل في النزاع بدون حضور المدعى عليه أو وكيله و بدون تقديمه لدفوعه يعد الحكم غيابيا قابلا للطعن بالمعارضة إلا في الحالات المستثناة قانونا .
لقد نظم المشرع الطعن بالمعارضة في الباب الخامس من الكتاب الثاني من قانون الإجراءات المدنية تحت عنوان ” في المعارضة” و ذلك في المواد من 98 إلى 101 ق إ م ، فالسؤال المطروح إذا ما هي شروط قبول الطعن بالمعارضة و ما هي إجراءات تقديمها أو رفعها ؟
المبحث الثاني: شروط قبول الطعن بالمعارضة و إجراءات رفعها.
يشترط المشرع لقبول الطعن بالمعارضة ضرورة توافر مجموعة من الشروط منها ما يتعلق بطبيعة الحكم محل الطعن و منها ما يتعلق بالميعاد الذي يجب أن يرفع خلاله، ذلك بالإضافة إلى وجوب توافر الشروط العامة لقبول الدعوى ، كما حدد المشرع الإجراءات التي يجب أن تتبع لرفع الطعن حتى تنعقد خصومة المعارضة، فما هي إذن شروط قبول المعارضة و ما هي إجراءات رفعها”.
المطلب الأول: الشروط العامة لقبول الطعن بالمعارضة.
تنص المادة 459 ق إ م على أنه ” لا يجوز لأحد أن يرفع دعوى أمام القضاء ما لم يكن حائزا لصفة و أهلية التقاضي و له مصلحة في ذلك.
و يقرر القاضي من تلقاء نفسه إنعدام الصفة أو الأهلية كما يقرر من تلقاء نسه عدم وجود إذن برفع الدعوى إذا كان هذا الإذن لازما ” ، و نستخلص من هذه المادة إذا أنه يشترط قبول الطعن بالمعارضة وجوب توفر شروط قبول الدعوى و التي تتمثل في الصفة و المصلحة و الأهلية (1)
الفرع الأول: الصفة.
طبقا للمبدأ العام الذي يقتضي بعدم جواز إقتضاء الشخص لحقه بنفسه أصبح القانون يكفل لصاحب الحق الحماية القضائية في حالة الإعتداء على حقه و يجب على هذا الأخير أن يتمسك بهذا الحق بنفسه أو بواسطة من ينوب عنه قانونا و تطبيقا لهذا المبدأ فإنه يشترط لقبول الطعن بالمعارضة أن يرفع الطعن من ذي صفة و على ذي صفة (2) .
و تثبت الصفة في المعارضة للخصم الذي صدر الحكم في غيبته، و تبعا لذلك فلا يمكن أن يرفع الطعن بالمعارضة إلا من طرف المدعى عليه في الدعوى الأصلية و الذي صدر الحكم غيابيا في مواجهته بحيث لم يتمكن من تقيم دفوعه و طلباته، و يجب أن يرفع الطعن ضد المدعي أو المدعين الأصليين الذين صدر الحكم لصالحهم.
و نتيجة لذلك فالمعارضة لا يمكن تقديمها إلا من قبل المدعى عليه فهو المعارض في دعوى المعارضة و يجب أن ترفع ضد المدعي أو المدعين الأصليين الذي يشغل دائما مركز المعارض ضده ( )
طــرق الطعـن العـاديـة فـــي الأحكــام المدنيــة
كما تثبت الصفة للخصم الأصلي فإنها تثبت للخلف العام (الوارث)، أو الخلف الخاص (دائن موصى له، محال إليه ، المشتري) و ذلك إذ كان الحقوق المتنازع فيها قد ألت إلى الخلف الخاص بعد رفع الدعوى لأنه يعتبر ممثلا في الخصومة بواسطة المخلف عنه (2).
و تبقى لكل من المعارض و المعارض ضده في خصومة المعارضة صفته في الخصومة الأصلية مع النتائج المترتبة على هذه الصفة، بمعنى أنه تبقى للمعارض صفة المدعى عليه و للمعارض ضده صفة المدعي و بتالي يبقى عبء الإثبات على عاتق المدعي الأصلي الذي هو المعارض ضده طبقا للمبادئ العامة في الإثبات (3-4-5).
و لقد أكدت المحكمة العليا في العديد من قرارتها وجوب توافر الصفة بقبول الطعن بالمعارضة ، ففي القرار الصادر عن الغرفة المدنية للمحكمة العليا تحت رقم 039 المؤرخ في 05/04/1989 و الذي جاء فيه : ” من المقرر قانونا أنه يجوز لكل ذي مصلحة أن يطعن في حكم لم يكن طرفا فيه بطريق إعتراض الغير الخارج عن الخصومة.
و من المقرر أيضا أنه لا يجوز لأحد أن يرفع دعوى أمام القضاء ما لم يكن حائزا لصفة و أهلية التقاضي و له مصلحة في ذلك، و من ثم فإن القضاء بما يخالف هاذين المبدأين يعد خرقا للإجراءات.
و لما كان من الثابت في قضية الحال، أن أحد المطعون ضدهم لم يكن طرفا في الحكم الغيابي المعارض فيه، فإن قضاة الموضوع بقبولهم معارضة شخص لم يكن طرفا في الحكم الغيابي المعارض فيه و إن كانت له مصلحة في الدعوى ، كان عليه أن يقوم بطعن الغير الخارج عن الخصومة خرقوا قواعد جوهرية في الإجراءات ” (6) .
و ما يمكن إستخلاصه من أحكام المادة 459 ق إ م و هذا القرار أنه لا يجوز قبول المعارضة إلا إذا رفعت من طرف الخصم الذي صدر الحكم الفاصل في الخصومة الأصلية غيابيا في مواجهته و يجب أن ترفع ضد الخصم أو الخصوم اللذين صدر الحكم لصالحهم.
غير أن هذا المبدأ لا يعني أنه في حالة تعدد المدعى عليهم اللذين صدر الحكم غيابيا بالنسبة لهم وجوب رفع الطعن من طرفهم جميعا حتى يكون مقبولا و إنما تقبل المعارضة متى قدمت من أحدهم دون الأخرين، بحيث يعاد دراسة الحكم بالنسبة له دون الأطراف الأخرى التي يبقى الحكم قائما في مواجهتهم.
كذلك تعدد المحكوم لهم و رفع الطعن ضد أحدهم فقط فلا ينتج الطعن أثره إلا في مواجهة من رفع عليه الطعن و هذه القاعدة هي تطبيق لمبدأ من المبادئ الأساسية و هو مبدأ نسبية الأثر المترتب على إجراءات المرافعات فلا يقيد من الإجراء إلا من باشره و لا يحتج به إلا في مواجهته (1).
إلا أن هذا المبدأ ترد عليه بعض الإستثناءات تتمثل في الحالات التالية:
1-حالة ما إذا كان موضوع الحكم محل الطعن لا يقبل التجزئة مثل حق إرتفاق مقرر على عقار مملوك على الشيوع أو كان موضوع الحكم إلتزام بالتضامن أو دعوى يوجب القانون فيها إختصام أشخاص معنيين مثل دعوى الشفعة التي يوجب القانون المدني أن يختصم فيها كل من بائع العقار و المشتري م 802 قانون مدني، فإذا صدر في مثل هذه الدعاوي حكم على محكوم عليهم متعددين ، تم قبل بعضهم الحكم أو فوت أحدهم على نفسه ميعاد الطعن فيجوز لمن أسقط حقه في الطعن أن يطعن في الحكم مع ذلك أثناء نظر الطعن المرفوع في الميعاد من أحد زملائه منظما إليه في طلباته.
و إذا صدر في مثل هذه الدعاوي المتقدمة حكم لمصلحة محكوم لهم متعددين و طعن فيه المحكوم عليه في مواجهة أحد المحكوم لهم في الميعاد و فوت الميعاد بالنسبة للباقين، وجب في هذه الحالة إختصام الباقين و لو بعد فوات الميعاد و هذا الإستثناء أملته الرغبة في الإحتياط من تضارب الأحكام في الدعاوي التي يتعدد أطرافها مع عدم قابليتها للتجزئة (2)
2-حالة الحكم في دعوى يكون الضامن و طالب الضمان خصوما فيها بشرط أن يتحد دفعهما فإذا صدر الحكم في الدعوى لمصلحة منازع طالب الضمان و طعن فيه في الميعاد طالب الضمان أو الضامن أو فوت الأخر ميعاد الطعن على نفسه فيجوز له مع ذلك أن يطعن في الحكم أثناء نظر الطعن المرفوع في الميعاد من زميله.
و إذا صدر الحكم على منازع صاحب الضمان و طعن فيه في الميعاد في مواجهة الضامن أو طالب الضمان جاز في هذه الحالة إختصام الأخر في الطعن و لو بعد فوات الطعن بالنسبة له و كل هذا مشروط بأن يتحد في الدعوى دفاع طالب الضمان و الضامن.
و الفرق بين الحالتين أنه في الحالة الأولى فإنه يجب إختصام باقي المحكوم لهم و لو بعد فوات الميعاد أما في الحالة الثانية فإن إختصام الطرف الأخر جوازي للطاعن (3).
الفرع الثاني المصلحة.
بإعتبار المصلحة هي مناط الدعوى فهي مناط الطعن كذلك و بالتالي يشترط لقبول الطعن بالمعارضة أن تكون لدى الطاعن مصلحة في الطعن بإعتبار هذا الأخير طلبا قضائيا و يقصد بالمصلحة في الطعن تلك الفائدة العملية أو الواقعية التي تعود على الطاعن من الحكم له بما طلبه في طعنه، بحيث أنه لا يجوز الإلتجاء إلى القضاء عبثا دون تحقيق منفعة ما، لأن القضاء مرفق عام يهدف إلى إشباع حاجيات الناس من الحماية القضائية و بذلك فهو يهدف إلى تحقيق منفعة عامة، و عليه إذا إتضح أن الغرض من الطعن هو مجرد الكيد فعلى القضاء الحكم بعدم قبوله .
و تتحقق المصلحة للمعارض إذا كان الحكم محل الطعن قد ألحق به ضرارا بحيث يهدف من طعنه إلى إزالة هذا الضرر من خلال إلغاء الحكم المطعون فيه، و يجب أن تتحقق هذه المصلحة وقت تقديم الطعن و يشترط فيها أن تكون قانونية بحيث يهدف الطاعن إلى حماية حق يعترف به القانون، كما أنه يجب أن تكون مشروعة بمعنى غير مخالفة للنظام العام و الأداب العامة، كما يجب أن تكون قائمة و حالة بمعنى مؤكدة غير إحتمالية و أن لا تكون مستقبلية و تكون كذلك إذا لم يقع إعتداء فعلي على الحق الذي يحميه القانون، أما إذا لم يكن للطاعن أية مصلحة وقت تقديم الطعن أو تخلف شرط من شروط قيامها يتعين على القضاء التصريح بعدم قبول المعارضة لإنتفاء المصلحة لدى الطاعن (1).
الفرع الثالث: الأهلية .
إذا كان المشرع قد نص على شرط الأهلية ضمن نص المادة 459 ق إ م التي حددت شروط قبول الدعوى، فإن الأهلية لا تعد شرطا لقبول المعارضة و إنما تعد شرطا لصحة إجراءات الطعن لأن الأهلية تعد شرطا من صحة إجراءات الخصومة و ليست شرطا لقبول الدعوى ذلك أن الحق في الطعن بالمعارضة يثبت لكل شخص صدر في مواجهته حكم غيابي ألحق به ضررا بغض النظر عما إذا كان كامل الأهلية أو ناقصها، و إن المقصود بالأهلية هي أهلية الأداء و هي تثبت لكل شخص بلغ سن 19 سنة و كان يتمتع بكافة قواه العقلية، و الأهلية مشترطة في الطاعن، وقت رفع الطعن و ليس وقت صدور الحكم فعليه إذا فقد المحكوم عليه غيابيا أهليته بعد صدور الحكم وجب رفع الطعن بالمعارضة من نائبه القانوني كالوصي أو الولي أو القيم، أما إذا كان المحكوم عليه غير أهلا للتقاضي وقت صدور الحكم ثم أصبح يتمتع بكامل أهليته أثناء ميعاد الطعن فبإمكانه رفع الطعن بنفسه.
و نتيجة لذلك فإن الأهلية تعد شرطا لصحة إجراءات الطعن بالمعارضة و ليست شرطا لقبولها و يترتب على تخلف الأهلية لدى المعارض وقت رفع الطعن بطلان إجراءات المعارضة .
و بعد تحديد هذه الشروط فالتسائل الذي يمكن طرحه بشأنها هو مدى تعلقها بالنظام العام و هل يجوز للقاضي أن يقرر إتعدامها من تلقاء نفسه حتى و إن لم يثره الخصوم ؟
للإجابة على هذا التساؤل يجب التمييز بين شرطي الصفة و الأهلية و شرط المصلحة، ذلك أنه فيما يخص شرطي الصفة و الأهلية فإن المشرع قد قرر صراحة بنص المادة 459 ق إ م على أن للقاضي أن يقرر من تلقاء نفسه إنعدامهما و بالتالي فهما متعلقان بالنظام العام فهل يفهم من ذالك و بمفهوم المخالفة للمادة 459 ق إ م أن شرط المصلحة لا يتعلق بالنظام العام و أنه لا يجوز للقاضي أن يقرر إنعدامهما من تلقاء نفسه مادام أن النص المذكور أعلاه إكتفى بذكر الصفة و الأهلية دون المصلحة ؟.
للإجابة على هذا التساؤل يمكن القول أن مرفق القضاء وضع لإشباع حاجيات الناس من الحماية القضائية بمعنى أنه يهدف إلى تحقيق مصلحة عامة و بالتالي يجب أن لا يستعمل إستعمالا كيديا و إلا حكم القاضي برفض الإستعمال المخالف لغاية المرفق العام ، إن حسن سير العدالة و سعيها إلى تحقيق المصلحة العامة يعتبر من النظام العام و بالتالي يحكم القاضي من تلقاء نفسه بإنعدام المصلحة لتعلقها بالنظام العام.
و نتيجة لذلك يجب أن تتوفر لدى المعارض الصفة و المصلحة وقت رفع الطعن و إلا حكم القاضي بعدم قبولها (1).
المطلب الثاني : الشروط الخاصة لقبول الطعن بالمعارضة.
تنص المادة 98 فقرة 1 ق إ م على أنه ” يجوز الطعن في الأحكام الغيابية بطريق المعارضة ضمن مهلة 10 أيام من تاريخ التبليغ الحاصل وفقا للمواد 22، 23 ،24 و 26 … “، من خلال إستقراء هذا النص تستخلص أنه أورد شرطين لقبول المعارضة أولهما يتعلق بطبيعة الحكم محل الطعن و الثاني يتعلق بميعاد الطعن و هما الشرطان اللذان سنقوم بتحليلهما فيما يلي:
الفرع الأول: شرط الحكم محل الطعن بالمعارضة.
تنص المادة 98 الفقرة 01 على أنه ” يجوز الطعن في الأحكام الغيابية بطريق المعارضة ….” و عليه فإن الحكم الذي يكون محلا للطعن بالمعارضة هو الحكم الغيابي، فالسؤال المطروح إذا ما هو الحكم الغيابي و ما هي الإستثناءات التي ترد عليه (2).
1-تحديد الحكم الغيابي: تنص المادة 35/02 ق إ م على أنه : ” إذ لم يحضر المدعى عليه أو محاميه أو وكيله في اليوم المحدد رغم صحة التبليغ يقضى في غيبته ” و عليه الحكم الغيابي هو ذلك الحكم الصادر في خصومة قضائية تمت بدون حضور المدعى عليه و لم يحضر عنه محاميه أو وكيله في اليوم المحدد بالرغم من صحة التبليغ.
من خلال هذا التعريف المبسط للحكم الغيابي نستخلص أنه يجب توافر شرطين لإعتبار الحكم حكما غيابيا و هي:
أ-عدم حضور المدعى عليه في اليوم المحدد بصفة شخصية و لم يحضر عنه محاميه أو وكيله :
ذلك أنه إذا حضر المحامي أو الوكيل دون المدعى عليه فالحكم سيصدر حضوريا (3) كذلك إذا حضر المدعى عليه و إمتنع عن تقديم مذكراته يعتبر حاضرا و يصدر الحكم حضوريا بالنسبة له .
ب-صحة التبليغ أو الإستدعاء:
المقصود بالتبليغ أو الإستدعاء هو تكليف المدعى عليه بالحضور للجلسة بحيث يشترط لإصدار حكم غيابي ضد المدعى عليه أن يتم إستدعائه للجلسة إستدعاء صحيحا و بالرغم من ذلك لم يحضر.
ذلك أنه في حالة عدم إستدعائه فإن الخصومة القضائية لا تنعقد أصلا مما يتعين على القاضي الناظر في الدعوى التصريح بعدم قبولها، و المقصود بالإستدعاء الصحيح هو أن يقوم المدعي بتكليف المدعى عليه بالحضور للجلسة طبقا للإجراءات المنصوص عليها في المواد 22، 23، 24، 26 و رغم ذلك لم يحضر هذا الأخير ، و تبعا لذلك فإنه يتعين على القاضي الذي ينظر في الدعوى أن يتحقق أولا من صحة التكليف بالحضور من عدمه فإذا تبين له أن هذا الأخير صحيح غير أن المدعى عليه لم يحضر فصل في القضية بموجب حكم غيابي طبقا لأحكام المادة 35 فقرة 2.
2-الإستثناءات :
لقد حدد المشرع بعض الحالات التي يصدر فيها الحكم حضوريا غير قابل للمعارضة بالرغم من عدم حضور المدعى عليه تتمثل في :
الحالة الأولى: حالة تسليم التكليف بالحضور إلى المدعى عليه شخصيا .
نصت المادة 98/3 ق إ م على أنه: ” و مع ذلك عندما يكون التكليف بالحضور مسلما بالذات يعد الحكم حضوريا و يكون غير قابل للطعن فيه بالمعارضة ” و تبعا لذلك إذا تم تسليم التكليف بالحضور إلى المدعى عليه شخصيا، و لم يحضر رغم ذلك فيتعين على القاضي في هذه الحالة أن يصدر حكمه حضوريا، و هو الأمر الذي يسهل على القاضي التأكد منه من خلال الإطلاع على محضر التكليف بالحضور حيث يذكر فيه أن المدعى عليه تسلم الإستدعاء بصفة شخصية بالإضافة إلى توقيعه، و الحكمة التي توخاها المشرع هي عدم السماح للمدعى عليه سيئ النية من تقديم معارضة في الحكم بعد أن تغيب عمدا عن الجلسة رغم علمه اليقيني بتاريخها (1) و أن الحكم الذي يصدره القاضي في هذه الحالة هو حكم حضوري و ليس إعتباري حضوري (2).
الحالة الثانية : حالة تعدد المدعى عليهم.
تنص المادة 37 ق إ م على أنه : ” إذا تعدد المدعى عليهم و لم يحضرا أحدهم بالذات أو بواسطة وكيل أجل القاضي الدعوى مع من حضرها أو مثل فيها من الأطراف إلى جلسة أخرى ، و كلف الخصم المتغيب من جديد بالحضور إلى الجلسة التي يحددها ، و ذلك بموجب تكليف بالحضور يتم وفق القواعد المنصوص عليها في المادة 26، و في ذلك اليوم يقضي بحكم واحد بالنسبة لجميع أطراف الخصومة و يكون هذا الحكم غير قابل للمعارضة ” ، فطبقا لهذا النص فإنه يجب على القاضي في حالة تعدد المدعى عليهم و لم يحضر أحدهم بالذات أو بواسطة وكيل عنه أن يؤجل الدعوى مع من حضرها إلى جلسة أخرى و يطلب من المدعي تكليف المدعى عليه أو المدعى عليهم الغائبين بالحضور مرة ثانية لجلسة محددة و في هذه الجلسة يفصل القاضي بموجب حكم واحد بالنسبة لجميع أطراف الخصومة و ذلك بحكم حضوري بالنسبة للجميع غير قابل للمعارضة.
غير أن الشائع لدى بعض المحاكم هو القضاء بحكم حضوري بالنسبة لمن حضر و غيابي لمن لم يحضر و الصحيح هو القضاء بحكم حضوري للجميع .
الحالة الثالثة : قسمة التركات .
أوجب المشرع في المادة 183 من قانون أسرة إتباع الإجراءات المستعجلة في حالة قسمة التركات فيما يتعلق بالمواعيد و سرعة الفصل في الموضوع و طرق الطعن في أحكامها، و ما دامت الأوامر الإستعجالية غير قابلة للطعن بالمعارضة فإن الحكم الصادر عن محكمة الموضوع القاضي بقسمة التركة غير قابل للمعارضة نظرا لخضوعهما لنفس الإجراءات و هذا بخلاف الحكم المتضمن إنهاء حالات الشيوع الأخرى الناجمة عن سبب أخر غير الميراث بحيث يجوز الطعن فيه بالمعارضة .
بالإضافة إلى هذه الحالات التي يكون فيها الحكم غير قابل للمعارضة بالرغم من غياب المدعى عليه فإن المشرع خص بعض الأعمال الصادرة عن رئيس المحكمة بإجراءات خاصة و جعلها هي الأخرى غير قابلة للمعارضة و هي المسألة التي سنقوم بتوضيحها فيما يلي:
1-الأوامر الإستعجالية : إن الأوامر الإستعجالية غير قابلة للطعن فيها بالمعارضة طبقا للمادة 188 ق إ م سواء صدرت في حضور الخصم أو غيبته (1) و تعد عدم قابلية الأوامر الإستعجالية للمعارضة من النظام العام و يسوغ للمحكمة إثارتها من تلقاء نفسها ، و قد أكدت الغرفة المدنية للمحكمة العليا هذا المبدأ في القرار رقم 290-29 المؤرخ في 05/01/1983 الذي جاء فيه ” متى نص القانون على عدم قابلية الأوامر الإستعجالية للمعارضة وجب إعتبار ذلك الحظر من النظام العام ” (2).
و الحكمة التي إبتغاها المشرع من وراء هذا المنع هي الإسراع في إستقرار الأوضاع التي تقررها أو تنشئها الأوامر الإستعجالية.
و بالرغم من أن موضوع دراستنا يقتصر على الطعن بالمعارضة في الأحكام فلا مانع من إجراء مقارنة بسيطة من حيث مدى قبول الطعن بالمعارضة في القرارات الإستعجالية الصادرة في المواد المدنية و الإدارية .
حيث يذهب البعض إلى أن القرارات الإستعجالية الصادرة في المواد المدنية قابلة للطعن فيها بالمعارضة (3) و هو نفس الإتجاه الذي إستقر عليه قضاء المحكمة العليا (4).
غير أن هناك من يرى أن القرارات الإستعجالية الغيابية غير قابلة للمعارضة على أساس أن المادة 188 من ق إ م التي تمنع المعارضة في الأوامر الإستعجالية وردت في الكتاب الرابع من قانون إجراءات مدنية في باب الأحكام المشتركة بين المحاكم و المجالس القضائية، كما أن الحكمة من منع المعارضة في الأوامر الإستعجالية هي ذاتها في القرارات، زد إلى ذلك أن المعارضة بطبيعتها لا تتلائم مع إجراءات الإستعجال لذلك يجب الأخذ بما هو معمول به في الأوامر الإستعجالية .
كما أن موقف المحكمة العليا هذا يوصلنا إلى نتيجة شاذة (1)
أما فيما يتعلق بالقرارات الإستعجالية الصادرة في المادة الإدارية فقد أكدت الغرفة الإدارية للمحكمة العليا سابقا على مبدأ عدم جواز الطعن بالمعارضة فيها (2).
2-الأوامر على العرائض : الأمر على عريضة عبارة عن قرار يصدر من رئيس المحكمة على ذيل العريضة التي يقدمها العارض دون مناقشة حضورية و لا يخل غياب مبدأ المواجهة بحقوق الدفاع لأن المشرع لم يقم سوى بجعل الوضع مقلوبا مقارنة من المنازعات العادية التي يفصل فيها بعد تحقق مبدأ المواجهة ، بحيث يسمح بإتخاذ الأمر أولا ثم يجيز المنازعة فيه لاحقا، و نتيجة لذلك فإن الأمر على عريضة غير قابل للطعن لا بالمعارضة و لا بغيرها من طرق الطعن و إنما هي قابلة للتظلم فيها أمام قاضي الموضوع (3) .
3-أمـــر الأداء: لقد أورد المشرع في المواد من 174 إلى 182 ق إ م إجراء خاصا للمطالبة ببعض الحقوق الثابتة بالكتابة بطريق سريع و هو أمر الأداء، بحيث يجوز للدائن بمبلغ من النقود الثابت بالكتابة و معين المقدار و حال الأداء أن يستصدر أمرا من رئيس المحكمة على ذيل عريضة يقضي بإلزام المدين بأداء مبلغ الدين ،
أما الطبيعة القانونية لأمر الأداء فهو يعد عملا قضائيا و إن إتخذ شكل العمل الولائي لأنه يهدف إلى إزالة عقبة مادية و هي إمتناع المدين عن تنفيذ إلتزامه تنفيذ تلقائيا (4).
ما يهمنا هنا هو أن المشرع نص في المادتين 178-179 ق إ م على حق المدين في الطعن في أمر الأداء بالمعارضة، و إن كان المشرع قد إستعمل مصطلح المعارضة فإنه لا يقصد بها ذلك الطعن الذي يستعمل ضد الأحكام الغيابية لأن أمر الأداء يصدر أصلا في غيبة المدين و المقصود بمصطلح المعارضة حسب المادتين هو الإعتراض أو التظلم ضد أمر الأداء أمام قاضي الموضوع و يتأكد هذا الطرح بالرجوع إلى المصطلح المستعمل باللغة الفرنسية هو contredit أي إعتراض و ليس opposition أي معارضة.
كذلك الحكم الصادر من قاضي الموضوع الناظر في التظلم المدفوع ضد أمر الأداء يكون حكما حضوريا غير قابل للمعارضة سواء حضر المعترض ضده أو لم يحضر بشرط أن يتأكد القاضي من إستدعائه و هذا طبقا لنص المادة 179 ق إ م .
الفرع الثاني: شرط الميعاد.
يقصد بميعاد الطعن تلك الأجال التي يتعين رفع الطعن خلالها و التي بإنقضائها يسقط الحق في الطعن .
وتنص المادة 98 ق إ م على أنه : ” يجوز الطعن في الأحكام الغيابية بطريق المعارضة ضمن مهلة 10 أيام من تاريخ التبيلغ الحاصل وفقا للمواد 22-23-24-26 .
و يجب أن يذكر في سند التبليغ تحت طائلة البطلان أنه بإنقضاء المهلة المذكورة، يسقط حق الطرف في المعارضة ” . و عليه سنقوم بدراسة هذا الشرط من خلال تحديد ميعاد المعارضة و تحديد نقطة بداية سريانه و كيفية حسابه و حالات إمتداده .
1-ميعاد المعارضة: طبقا للمادة 98 ق إ م فإن ميعاد الطعن بالمعارضة في الأحكام هو عشرة 10 أيام، أما ميعاد المعارضة في القرارات المدنية هو 15 يوما طبقا للمادة 165 ، أما الميعاد الطعن بالمعارضة في القرارات الإدارية هو شهر واحد طبقا للمادة 171 /2 ق إ م .
و تبعا لذلك فإنه يتعين على المحكوم عليه غيابيا أن يرفع معارضته في الحكم خلال 10 أيام من تاريخ تبليغه به و إلا سقط حقه في الطعن، ذلك أنه يترتب على إنقضاء الميعاد سقوط الحق في المعارضة طبقا للمادة 461 ق إ م .
2-بداية سريان الميعاد: طبقا للمادة 98 ق إ م فإن بداية حساب ميعاد المعارضة يكون من تاريخ تبليغ الحكم، إلا أن هذا المبدأ لا يمنع الخصم المتغيب من توقيع معارضته في الحكم حتى قبل تبليغه به في حالة ما إذا علم به، ذلك أن إرتباط سريان الميعاد بالتبليغ قاعدة مقررة لمصلحة المحكوم عليه و إذا إنعدم التبليغ فإن الميعاد لا يبدأ في السريان مهما كانت المدة التي مرت عن صدور الحكم (1).
و عليه يشترط المشرع لبداية سريان الميعاد تبليغ الحكم و أن يكون هذا التبليغ صحيحا و حتى يكون هذا الأخير كذلك يجب أن يتم وفق الإجراءات المنصوص عليها في المواد 22-23-24-26 ق إ م و أن يذكر في سند التبليغ تحت طائلة البطلان أنه بإنقضاء المهلة المذكورة يسقط حق الطرف في المعارضة طبقا لنص المادة 98 ق إ م .
و قد أكدت المحكمة العليا هذا المبدأ في القرار الصادر بتاريخ 24/06/1985 تحت رقم 500 52 و الذي جاء فيه : ” أنه يشترط لبداية سريان ميعاد المعارضة أن يتم تبليغ الحكم الغيابي وفقا المادة 98 التي تستوجب تطبيق المواد 22-23-24-26 ق إ م ” (2).
و قد أشارت المحكمة العليا في العديد من قرارتها إلى الشروط الواجب توافرها في التبليغ حتى يكون صحيحا و هي:
-أن يتم تبليغ الحكم إلى الشخص المطلوب تبليغه من طرف محضر قضائي مختص محليا.
-أن يتم تبليغ الحكم إلى الشخص المعني أو في موطنه أو في محل إقامته .
-يجب أن يكون تبليغ الحكم مصحوبا بتسليم نسخة رسمية منه أو نسخة مطابقة للأصل للمبلغ له (3).
-تحرير محضر يتضمن تأكيد واقعة التبليغ و يجب أن يتضمن هذا المحضر بيان تاريخ التبليغ و توقيع الموظف الذي قام به و ختم الجهة القضائية ، و تحديد الشخص المسلم له الحكم بالإضافة إلى توقيعه، و في حالة رفض التوقيع أو عدم القدرة يؤشر بذلك على المحضر (1).
-يجب أن يذكر في سند التبليغ تحت طائلة البطلان أنه يسقط الحق في المعارضة بإنقضاء مهلة 10 أيام (2).
-أما إذا استحال تبليغ الحكم إما لعدم مقابلة الخصم المراد تبليغه أو من يقيم في موطنه أو محل إقامته أو بسبب رفضهم استلام الحكم فيذكر ذلك في المحضر و يرسل الحكم ضمن ظرف مومى عليه مع علم الوصول .
-أما إذا لم يكن للمطلوب تبليغه أي موطن معروف بالجزائر و لا محل إقامة معتاد فيعلق هذا الحكم على لوحة إعلانات المحكمة المصدرة للحكم و تسلم نسخة ثانية منه إلى النيابة التي تؤشر على الأصل بالإستيلام.
-أما إذا كان الشخص المراد تبليغه يقيم في الخارج فترسل النيابة نسخة من الحكم إلى وزارة الشؤون الخارجية أو أية سلطة أخرى مختصة بذلك طبقا للاتفاقيات الدبلوماسية.
-أما إذا كان الشخص المراد تبليغه شخصا معنويا فالتبليغ يعتبر صحيحا إذا تم إلى ممثله القانوني أو إلى مفوض عنه أو إلى أي شخص أخر مؤهل لذلك،
– و إذا كانت المادة 98 ق إ م تشترط لصحة التبليغ أن يتضمن هذا الأخير الإشارة إلى أن حق المعارضة يسط مرور 10 أيام من تاريخ تبليغ الحكم فالسؤال المطروح ما هو الجزاء المترتب إذا لم يتضمن سند التبليغ الإشارة إلى هذا الأجل ؟
لقد جاء في قرار المحكمة العليا : ” أنه من المقرر قانونا أنه يجب أن يذكر في سند التبليغ تحت طائلة البطلان أنه يسقط الحق في المعارضة بانقضاء مهلة 10 أيام و من ثم فإن القضاء بما يخالف ذلك يعد خرقا للإجراءات الجوهرية ” ، و النتيجة التي يمكن استخلاصها من هذا القرار هي بطلان إجراءات التبليغ و بالتالي لا يبدأ الميعاد في السريان.
-إلا أن هناك من يرى أنه للإجابة على هذا التساؤل يجب التمييز بين حالتين : حالة عدم قيام المبلغ له بالطعن بالمعارضة ضمن الأجال المحددة ففي هذه الحالة يكون تبليغ الحكم باطلا و لا يترتب عليه بداية الميعاد ، أما في حالة قيام المبلغ له بالمعارضة في الحكم ضمن الآجال بالرغم من أن سند التبليغ لم يتضمن الإشارة إلى الميعاد فإن التبليغ يعد صحيحا مادام أن الغاية منه قد تحققت و هو إعلام الخصم بالحكم و قيامه برفع الطعن ضمن الآجال (3).
-و إذا كان المبدأ أن ميعاد المعارضة لا يبدأ في السريان إلا من تاريخ تبليغ الحكم إلا أن المشرع أورد استئنافا على هذا المبدأ في المادة 231 من قانون تجاري حيث نص على بداية سريان ميعاد المعارضة في الأحكام الصادرة في مادة الإفلاس و التسوية القضائية من تاريخ الحكم، أما الأحكام التي يشترط فيها الإعلان و النشر فإن الميعاد لا يسري إلا من إتمام آخر إجراء مطلوب.
3-كيفية حساب الميعاد : ميعاد المعارضة هو ميعاد إجرائي و هو فترة زمنية بين لحظتين حددها القانون لاتخاذ هذا الإجراء أثناء سريانه، و طبقا للمادة 463 ق إ م فإن جميع المواعيد المنصوص عليها في هذا القانون تعتبر مواعيد كاملة و هذا المبدأ ذا أثر هام في كيفية حساب الميعاد بحيث لا يحتسب فيه يوم بدايته و لا يوم إنقضائه، و بإعتبار ميعاد المعارضة محددا بالأيام فيبدأ ميعادها بالسريان في اليوم التالي لليوم الذي تم فيه التبليغ أيا كانت الساعة التي تم فيها هذا الأخير و لا يحسب كذلك اليوم الأخير من الميعاد.
و لتوضيح كيفية حساب ميعاد العشرة أيام المقررة للمعارضة نقدم المثال التالي، فإذا بلغ الحكم يوم 10 جانفي فإن الميعاد يبدأ في السريان من اليوم الموالي أي 11 جانفي و يمكن تقديم الطعن في جميع الأيام التالية له و رغم أن الميعاد ينقضي بتاريخ 20 جانفي فإنه نظرا لإعتبار كل المواعيد كاملة فإنه يجوز تقديم الطعن في 21 جانفي (1).
4-إمتداد ميعاد المعارضة: نص المشرع على حالة واحدة يمتد فيها ميعاد المعارضة و هي العطلة الرسمية طبقا للمادة 463 ق إ م ، و يقصد بالعطل الرسمية أيام الراحة الأسبوعية و الأعياد الرسمية طبقا للمادة 464 ق إ م و تبعا لذلك إذا صادف أخر يوم من الميعاد يوم عطلة فإنه يمتد إلى أول يوم عمل يليه، و العبرة تكون باليوم الأخير فقط و لا أثر لأيام العطلة التي تكون خلال سريان الميعاد و لا يمتد هذا الأخير إلا بيوم واحد مهما كان عدد أيام العطلة التي تخللته و الهدف من هذا الإمتداد هو تمكين الخصم من الإستفادة من اليوم الأخير (2)
المطلب الثالث: إجراءات رفع الطعن بالمعارضة.
تنص المادة 99 ق إ م على أنه : ” ترفع المعارضة بالشكل المنصوص عليه في المادتين 12 و 13 المذكورتين أعلاه ، و يبلغ المدعي الأصلي بالحضور للجلسة طبقا للقواعد المقررة في المواد من 22 إلى 27 السابق ذكرها “، و نستخلص من هذه المادة أن إجراءات الطعن بالمعارضة تتمثل أساسا في إيداع عريضة الطعن، و تكليف المعارض ضده بالحضور و هما المسألتين اللتان سنوضحهما فيما يلي:
الفرع الأول: إيداع عريضة الطعن بالمعارضة .
تنص المادة 99 ق إ م على أن المعارضة ترفع بالشكل المنصوص عليه في المادتين 12 و 13 المذكورتين أعلاه ، و طبقا لهذا النص فإن المعارضة تقدم طبقا للإجراءات المعتادة لرفع الدعاوي، حيث يتم الطعن بإيداع المعارض أو وكيله لعريضة مكتوبة و مؤرخة و موقعة منه لدى كتابة ضبط المحكمة المصدرة للحكم مع إرفاقها بنسخة من الحكم المعارض فيه و محضر التبليغ مع دفع الرسوم القضائية.
كما أن المادة 12 ق إ م نصت على إمكانية رفع الدعوى بحضور المدعي أمام المحكمة حيث يتولى كاتب الضبط تحرير محضر بتصريحاته و يوقع عليه أو يذكر فيه أنه لا يمكنه التوقيع، و تبعا لذلك فإنه يجوز كذلك رفع الطعن بالمعارضة بحضور المعارض أمام المحكمة حيث يتولى كاتب الضبط أو أحد أعوان مكتب الضبط تحرير محضر بتصريحات الطاعن الذي يوقع عليه أو يذكر فيه أنه لا يمكنه التوقيع مع تسليمه لنسخة من الحكم المعارض فيه و دفع الطاعن للرسوم القضائية إلا أن الملاحظ من الناحية العملية أن هذا الإجراء الثاني غير معمول به بالرغم من النص عليه من طرف المشرع و اكتفاء الجهات القضائية بتطبيق الجزء الأول من المادة 12 ، و بعد تقديم عريضة الطعن تقيد حالا في سجل خاص تبعا لترتيب ورودها مع بيان أسماء الأطراف و رقم القضية و تاريخ أول جلسة .
كما أن الملاحظ من الناحية العملية أن كاتب الضبط يطلب من الطاعن تقديم نسخة من الحكم المعارض فيه إلى جانب عريضة الطعن حتى يتسنى له تشكيل الملف لكن الإشكال يثور في حالة عدم تقديم هذا الحكم ، و هذا كثيرا ما يطرح إشكالات أمام قضاة الموضوع من أجل الفصل في الطعن حيث لا ينتبه القاضي إلى عدم وجود نسخة من الحكم المعارض فيه إلا بعد وضع القضية في النظر و أمام عدم إمكانية الفصل في الملف نجد أن قضاة يقومون بإعادة القضية للجدول من أجل الحصول على نسخة الحكم من عند الطاعن غير أن هذا الحل يمكن إنتقاده مادام أن الحكم المعارض فيه صادر عن نفس المحكمة و القسم الذي ينظر في الطعن، فبإمكان القضاة بدلا من إعادة القضية للجدول و إنتظار الطاعن من أجل إحضار نسخة من الحكم المعارض فيه، تكليف الكاتب بإحضارها و إدراجها بالملف مما يترتب عليه كسب الوقت و عدم تمديد أمد الإجراءات .
الفرع الثاني : تكليف المعارض ضده بالحضور.
إلى جانب إيداع عريضة الطعن فإنه يشترط لإنعقاد خصومة المعارضة أن يقوم المعارض بتكليف المعارض ضده بالحضور للجلسة و ذلك بموجب تكليف بالحضور يجب أن يتضمن البيانات المنصوص عليها في المادة 13 ق إ م و أن يتم هذا الإستدعاء طبقا للإجراءات المنصوص عليها في المواد 22-23-24-26 ق إ م، و أنه في حالة قيام المعارض بهذا الإستدعاء فالإشكال لا يثور حيث تنعقد خصومة الطعن، لكن الإشكال يثور في حالة عدم قيام المعارض بالإستدعاء ، فهنا خصومة الطعن لا تنعقد مما يجعل القاضي ملزما بالتصريح بعدم قبول المعارضة لعدم إنعقاد الخصومة و المسألة تتعقد أكثر بإعتبار الطعن بالمعارضة مرتبط بميعاد فهل يجوز للمعارض الذي لم يقبل طعنه أن يقدم معارضة جديدة و هل يؤدي عدم القبول إلى إنقضاء الميعاد.
لقد بحثنا عن قرارات المحكمة العليا في هذه المسألة إلا أننا لم نعثر على أي قرار و حسب رأي أنه في حالة تصريح القاضي بعدم قبول الطعن لعدم إنعقاد الخصومة، فلا يجوز للطاعن تقديم معارضة جديدة إذا كان الميعاد قد إنقضى .
المبحث الثالث : أثار الطعن بالمعارضة و كيفية الفصل فيها.
إذا كان المشرع قد أجاز الطعن في الأحكام الغيابية بالمعارضة فالسؤال المطروح ما هي الآثار المترتبة على إعمال هذا الطعن و كيف يتم الفصل فيه من قبل الجهة القضائية المقدم أمامها ؟
المطلب الأول: أثار الطعن بالمعارضة.
يترتب على الطعن بالمعارضة أثارين أساسيان يتمثلان في وقف تنفيذ الحكم محل الطعن و طرح النزاع أمام ذات المحكمة المصدرة للحكم محل الطعن.
الفرع الأول: وقف تنفيذ الحكم محل الطعن بالمعارضة .
أ-المبدأ : إن المبدأ الذي يقوم عليه تنفيذ الأحكام القضائية هو عدم قابليتها للتنفيذ إلا إذا كانت حائزة لقوة الشيء المقضي فيه و أن الحكم لا يحوز هذه القوة إلا بصيرورته نهائيا و ذلك إما بإستنفاذ طرق الطعن العادية أو بصدوره بالصفة النهائية.
و تنص المادة 100 من ق إ م على أن : ” المعارضة توقف تنفيذ الحكم ما لم يقضي الحكم الغيابي بغير ذلك ” ، و عليه فإن الطعن بالمعارضة يوقف تنفيذ الحكم و هذا الوقف يبدأ من تاريخ صدور الحكم ذلك أن ميعاد العشرة أيام المقررة للمعارضة توقف تنفيذه و في حالة تقديمها فيستمر الوقف أثناء خصومة المعارضة إلى غاية الفصل فيها بحكم يؤيده أو يلغيه، و تبعا لذلك فإن الحكم محل الطعن بالمعارضة يبقى قائما أثناء خصومة المعارضة إلى غاية الفصل فيها بحكم يؤيده أو يلغيه و هذا بخلاف الطعن بالمعارضة في المواد الجزائية التي تجعل من الحكم محل الطعن كأن لم يكن، و إذا كانت المعارضة في المسائل المدنية توقف التنفيذ كمبدأ فإن المعارضة في المادة الإدارية لا توقف التنفيذ طبقا للمادة 171 ق إ م .
ب-الإستثناء: إلا أنه إستثناءا من المبدأ فإن المادة 100 ق إ م نصت على عدم وقف المعارضة لتنفيذ الحكم إذا قضى الحكم محل الطعن بذلك ، و المقصود بهذا هو صدور الحكم محل الطعن غيابيا لكنه مشمول بالنفاذ المعجل ، و يقصد به تنفيذ الحكم قبل الأوان العادي لإجرائه أي قبل أن يصير الحكم نهائيا و لهذا يوصف بأنه معجل و هو تنفيذ غير مستقر، و تبعا لذلك فإذا صدر الحكم الغيابي محل الطعن مشمولا بالنفاذ المعجل فإن المعارضة فيه لا توقف تنفيذه بحيث يكون هذا الحكم قابلا للتنفيذ من تاريخ صدوره.
غير أنه و من جهة ثانية فقد نص المشرع في الفقرتين الثالثة و الرابعة من المادة 40 ق إ م على أنه : ” يصح أن توقع المعارضة في التنفيذ المعجل إلى الجهة القضائية التي تنظر في الإستئناف أو المعارضة .
و تنظر الجهة القضائية المختصة في هذه المعارضات في أقرب جلسة “، و تبعا لذلك فإذا كان الحكم محل الطعن بالمعارضة مشمولا بالنفاذ المعجل فإنه يجوز للطاعن أن يقدم إعتراضا على النفاذ المعجل أمام نفس الجهة التي تنظر في الطعن بالمعارضة و ذلك بموجب عريضة مستقلة يلتمس فيها وقف تنفيذ الحكم إلى غاية الفصل في الطعن و قد أوجب المشرع على الجهة التي تنظر في الإعتراض على النفاذ المعجل أن تبت فيه في أقرب جلسة .
الفرع الثاني: عرض الطعن أمام نفس المحكمة المصدرة للحكم محل المعارضة.
إن الطعن بالمعارضة لا يجوز تقديمه إلا من الخصم الذي صدر الحكم في غيبته و هو بهذا المعنى يقصد سحب الحكم من نفس المحكمة التي أصدرته و إعادة نظر الدعوى و الحكم فيها من جديد على إعتبار أن حكمها الغيابي قد صدر دون سماع دفاع الغائب من الخصوم، إذا أن القاعدة أنه لا يقضي على شخص بغير أن يسمع دفاعه أو تتاح له الفرصة المناسبة للإدلاء به أمام القاضي الذي يفصل في الدعوى (1)،
فالطعن في الحكم بالمعارضة لا يشف عن تجريحه كما هو الحال بالنسبة للإستئناف الذي يرفع إلى جهة أعلى من تلك المصدرة للحكم، لذا يجب أن ترفع المعارضة إلى نفس المحكمة التي أصدرت الحكم الغيابي لا أية محكمة من درجتها و تبعا لذلك فالمعارضة لا ترفع إلى محكمة أعلى من تلك المصدرة للحكم محل الطعن لأنها لا تتضمن تجريحا له و لا يرفع إلى محكمة أخرى غير تلك التي أصدرته لأن القاعدة لا يسلط قضاءا على قضاء إلا إذا كان الأول أعلى درجة من الثاني، و على ذلك فإذا رفعت المعارضة إلى محكمة من نفس درجة المحكمة التي أصدرت الحكم الغيابي كان عليها أن تحكم من تلقاء نفسها بعدم إختصاصها و لأي خصم أن يدفع بعدم الإختصاص لأنه من النظام العام (2).
إذا كان يترتب على المعارضة إعادة طرح النزاع أمام ذات المحكمة المصدرة للحكم محل الطعن لتقضي في الدعوى من جديد فالتساؤل الذي يمكن طرحه هو كيف تحدد خصومة المعارضة و ما هي طبيعتها القانونية ؟ .
أ-تحديد الخصومة في المعارضة: تتحدد الخصومة في المعارضة بما حصل الإعتراض عليه، فإذا قبل الطاعن شقا من الحكم و طعن في الشق الأخر فسلطة المحكمة تقتصر على إعادة النظر في هذا الشق الأخير، كذلك إذا كان الحكم محل الطعن لم يقضي للمدعي الأصلي (المعترض ضده) بكل طلباته على الغائب فلا يجوز له أن يطرح على المحكمة في خصومة المعارضة ما قضت فيه من قبل بالرفض إنما يمكن له إستناف هذا الحكم.
و لما كانت المعارضة قد شرعت بقصد تمكين الخصم الغائب من إبداء أوجه دفاعه فله أن يبدي ما شاء من دفوع شكلية أو موضوعية أو بعدم القبول بشرط إبدائها في الوقت الذي حدده القانون، كما له أن يبدي ما لديه من أسباب للمعارضة و له أن يبدي ما شاء من طلبات و له أن يدخل ضامنا في الدعوى كما يجوز للمعترض ضده أن يبدي ما شاء من طلبات بشرط أن لا يكون في إبدائها مساسا بحجية الحكم فيما قضى به على المعترض ضده (3).
ب-الطبيعة القانونية لخصومة المعارضة: فالتساؤل الذي يمكن طرحه من أجل تحديد هذه الطبيعة القانونية هو هل تعد خصومة المعارضة خصومة جديدة منفصلة عن الخصومة الأصلية التي صدر فيها الحكم محل الطعن أم هي ذات الخصومة الأصلية ؟
لقد إختلف الفقهاء في الإجابة على هذا التساؤل فمنهم من قال أن خصومة المعارضة ليست خصومة جديدة منفصلة عن الخصومة الأصلية، بل هي ذاتها على إعتبار أن المعارضة تمحو الحكم الغيابي و يعاد الخصوم إلى الحالة التي كانوا عليها قبل صدوره، و يحتفظ كل منهم بمركزه، و بمقتضى هذا الرأي فإن سقوط الخصومة في المعارضة يعود بالخصوم إلى الحالة التي كانوا عليها قبل رفع الدعوى لأن الحكم الغيابي يكون قد سقط برفع المعارضة و الإجراءات السابقة يبطلها سقوط الخصومة (1).
و يتجه رأي أخر إلى أن طرح خصومة المعارضة يعد طرحا لخصومة جديدة منفصلة عن الخصومة الأصلية ذلك أن رفع المعارضة لا يمس بالحكم الغيابي الذي يبقى قائما إلى غاية الفصل في الطعن و ذلك إما بإلغائه أو تعديله و بمقتضى هذا الرأي فإن سقوط الخصومة بعد المعارضة يسقط إجراءات الطعن دون الحكم الغيابي الذي يبقى قائما على إعتبار أنه من الأحكام القطعية التي لا يؤثر فيها سقوط الخصومة كما لا يؤثر في الإجراءات السابقة عليه (2).
أما بالنسبة لموقف المشرع الجزائري من الإتجاهين فيمكن أن نقول أنه أخذ بالإتجاه الثاني الذي يجعل من خصومة المعارضة خصومة مستقلة و هذا ما يمكن إستخلاصه من المواد 98 إلى 101 ق إ م ذلك أن المعارضة لا تلغي الحكم محل الطعن بل يبقى هذا الأخير قائما إلى غاية الفصل في خصومة الطعن بحكم يلغيه أو يؤيده و كذلك أنه في حالة سقوط الخصومة بعد المعارضة فإن إجراءات الطعن و حدها هي التي تسقط أما الحكم محل الطعن يبقى قائما .
المطلب الثاني : الفصل في الطعن بالمعارضة .
إن السير في خصومة المعارضة يتم طبقا للإجراءات المعتادة للفصل في الدعاوي، حيث أنه بعد إكتفاء الأطراف من تبادل مذكراتهم يضع القاضي القضية في النظر محددا تاريخ الجلسة التي سيصدر فيها حكمه،
إن دراسة الطعن بالمعارضة يمر بمرحلتين أساسيين كما سنوضحه فيما يلي:
الفرع الأول: دراسة المعارضة من حيث صحتها من الناحية الشكلية و مدى توفر شروط قبولها:
إن أول مسألة قانونية يقوم بدراستها القاضي المعروض عليه المعارضة هي مسألة إختصاصه في الفصل في موضوعها، فإذا كان غير مختص بذلك دون التصدي للموضوع و ذلك بإعتبار أن الدفع بعدم الإختصاص من الدفوع الشكلية التي يتعين حسمها قبل التطرق إلى موضوع و يتقرر الإختصاص في المعارضة للمحكمة التي أصدرت الحكم الغيابي إلا أن هذا لا يقصد به نفس القاضي بحيث يمكن الفصل في المعارضة من أي قاضي يكون مشرفا على القسم الذي صدر عنه الحكم سواء كان هو مصدره أم لا.
و تبعا لذلك إذ تبين للمحكمة المعروض عليها الطعن بالمعارضة أنها ليست مختصة بنظره بإعتباره صادرا عن محكمة أخرى كان لها أن تقضي بعدم إختصاصها أو من تلقاء نفسها بإعتبار الإختصاص في الفصل في المعارضة من المسائل المتعلقة بالنظام العام (1).
و إذا ما إستقر الإختصاص للمحكمة فتشرع بدراسة صحة المعارضة من الناحية الشكلية و لا سيما ما يتعلق بعريضة الطعن و إذا تبين لها وجود عيوب قضت ببطلان إجراءات رفع المعارضة.
أما إذا كانت المعارضة صحيحة من حيث شكلها شرعت المحكمة في دراسة مدى توفر شروط قبولها كرفع الطعن من ذي صفة ومصلحة و على ذي صفة و مصلحة و مدى جواز الحكم للطعن بالمعارضة و رفعها في الميعاد القانوني و إذا تبين لها تخلف أحد هذه الشروط قضت بعدم قبول المعارضة أما إذا كانت كل هذه الشروط متوفرة في الطعن صرح القاضي بقبوله و إنتقل إلى دراسته من حيث الموضوع (2) ، (3)،
الفرع الثاني : دارسة الطعن بالمعارضة من حيث الموضوع .
بعد أن تنتهي المحكمة من النظر في مسألة الاختصاص و الشكل و القبول تنتقل إلى الموضوع، و عند دراسة المعارضة من حيث الموضوع فإن النتيجة المتوصل إليها لا تخرج إما عن قبول المعارضة أو رفضها.
I- الحكم بقبول المعارضة : إذا اقتنعت المحكمة بسلامة أسباب المعارضة من واقع دفاع المعارض و مستنداته فلها الخيار بين.
-إلغاء الحكم المعارض فيه و الحكم على الوجه المؤيد لدفاع المعارض و ذلك بإلغاء الحكم المعارض فيه و التصدي من جديد برفض الدعوى الأصلية لعدم التأسيس (4).
-تعديل الحكم الغيابي، سواء للكم المقضي به أو تلغي بعض ما ورد فيه مع الإبقاء على البعض الأخر فيكون القبول و التعديل جزئيا، و عليه إذا قبلت المحكمة المعارضة و رجعت عن الحكم المعارض فيه و فصلت في النزاع من جديد تزول جميع أثار الحكم المعترض عليه و تنتقل إلى هذا الحكم الأخير.
ب-الحكم برفض المعارضة : إذا تبين للمحكمة أن أسباب المعارضة واهية و أن مستنداتها لا تنل من الحكم الغيابي، و أن الهدف منها هو المماطلة وكسب الوقت كان لها بعد القضاء بقبول المعارضة شكلا رفضها موضوعا لعدم التأسيس(5)، ويبقى الحكم محل المعارضة منتجا لكل أثاره.
-أما بالنسبة للمصاريف القضائية فيتحملها خاسر الطعن طبقا للمادة 225 ق.إ.م، و عليه، إذا رفضت المعارضة شكلا أو موضوعا تحمل المصاريف الطرف المعارض.
-أما إذا قبلت المعارضة و ألغي الحكم المعارض فيه أو عدل جزئيا تحمل المصاريف المعارض ضده.
و كل ما سبق قوله ينطبق على حالة ما إذا رفع الخصم الغائب معارضته في الحكم و حضر جلسات المحاكمة التي تتضمن دراسة الطعن لكن السؤال المطروح ما هو الحل إذا رفع الخصم معارضته و لم يحضر بعد ذلك جلسات المحاكمة ؟ .
طبقا للمادة 35 ق.إ.م فإنه إذا قدم المدعي دعوى و تغيب عن حضور جلسات المحاكمة كان لهذه الأخيرة القضاء بشطب الدعوى كجزاء عن تخلفه عن الحضور، فهل يجوز تطبيق جزاء الشطب في حالة تغيب المعارض عن الحضور بعد تقديمه للمعارضة ؟.
لقد أجابت المحكمة العليا على هذا التسؤال في قرارها رقم 143/ 42 الذي جاء فيه ” معارضة، الحكم بشطب الدعوى خطأ في تطبيق القانون – لما كان من الثابت في قضية الحال أن قضاة الموضوع بشطبهم للدعوى إثر المعارضة يكونوا قد أخطئوا في تطبيق القانون باعتبار أن الأمر لا يتعلق بدعوى افتتاحية يمكن إقامة دعوى بدلها من جديد ” (1).
و نتيجة هذا القرار هي عدم جواز شطب المعارضة في حالة تغيب الخصم المعارض لأن الأمر يتعلق بطعن مقيد بميعاد و يسقط الحق في تقديمه بانقضاء هذا الميعاد و لا يتعلق بدعوى افتتاحية يمكن إقامة دعوى جديدة بدلها عند القضاء بشطبها.
و في هذا الصدد تنص المادة 101 من ق.إ.م على أنه : ” إذا تخلف الخصم المعارض عن الحضور مرة أخرى فلا يجوز له الطعن بمعارضة جديدة “، و نتيجة لذلك إذا طعن شخص في حكم بالمعارضة و تغيب عن حضور جلسات المحاكمة، قضت المحكمة بعدم قبول المعارضة دون أن يكون له الحق في تقديم معارضة ثانية (2)، (3).
المطلب الثالث: التنازل عن الطعن بالمعارضة.
بالرجوع إلى أحكام المواد التي نظم بموجبها المشرع الطعن بالمعارضة لا نجد نصا يتحدث عن التنازل عن المعارضة و أثاره، لذا يجب الرجوع إلى القواعد العامة و تطبيق نص المادة 97 ق إ م المتعلقة يترك الخصومة، و عليه يمكن القول أنه يجوز للمعارض ترك خصومة المعارضة بموجب طلب مكتوب أو محضر يحرر لذلك و يثبت القاضي ترك الخصومة بحكم دون الحاجة إلى قبول المعارض ضده إذا كان ترك المعارضة قد تم بغير قيد أو شرط أما إذا كان الترك مقيدا بشرط فلا يجوز للقاضي إثباته إلا بعد قبول المعارض ضده ، و يترتب على التنازل عن الطعن بالمعارضة إلغاء جميع إجراءات الطعن و اعتبارها كأن لم تكن و لا يجوز للمتنازل تقديم معارضة جديدة إذا كان الميعاد قد انقضى، أما الحكم محل المعارضة فيضل قائما و منتجا لجميع أثاره و يكتسب قوة الشيء المقضي فيه بانقضاء ميعاد الاستئناف.
الفصل الثاني: الطعن بالإستئناف في الأحكام المدنية.
يعد الإستئناف طريق طعن العادي الثاني في الأحكام و إن دراسته دراسة شاملة تستلزم منا تحديد مفهومه و شروط قبوله و إجراءات رفعه و الآثار المترتبة على إعماله و كيفية الفصل فيه من قبل الجهة القضائية المعروض عليها و هي المسائل التي سنحاول تحليلها في هذا الفصل.
المبحث الأول: مفهوم الطعن بالإستئناف.
إذا كان المشرع نظم الإستئناف في قانون الإجراءات المدنية فإنه لم يحدد مفهومه و السؤال الذي يمكن طرحه ما هو تعريف الأستئناف ؟ و ما هو أساسه القانوني و ما هي أنواعه ؟
المطلب الأول: تعريف الإستئناف.
بالرجوع إلى أحكام قانون الإجراءات المدنية نجد أن المشرع لم يعرف الطعن بالإستئناف لذا يجب الرجوع إلى التعاريف المختلفة التي قدمها الفقهاء من أجل تحديده.
-فهناك من يعرفه بأنه طريق عادي للطعن في الأحكام الصادرة إبتدائيا من محاكم الدرجة الأولى، فهو الوسيلة الفنية التي يطعن بها في الحكم بقصد إصلاح القضاء الوارد به و الذي يشتكي منه الطعن و يقصد بذلك إصلاح الخطأ في التقدير الذي وقع فيه قاضي أول درجة (1)
-و هناك من عرفه بأنه طريق طعن عادي به يطرح الخصم، الذي صدر الحكم كليا أو جزئيا لغير صالحه القضية كلها أو جزء منها أمام محكمة أعلى من تلك التي أصدرت الحكم فهو الوسيلة التي يطبق بها مبدأ التقاضي على درجتين (2) .
و عرفه البعض الأخر بأنه طريق من طرق الطعن العادية يلتجئ إليها المتضرر من الحكم للحصول على حكم أخر من محكمة عليا بإلغائه أو تعديله فهو يتضمن الشكوى من تصرفات قضاة محكمة أول درجة و يستفاد منه ظمنا الطعن في كفاءاتهم أو ذمتهم أو عنايتهم بتناول النزاع و الفصل فيه أو تفهم الأسس التي يبني عليها الخصم دفاعه أو دعواه و هو حق لكل من المدعي و المدعى عليه على السواء فلا يجوز أن يتمتع به خصم دون الأخر ضمانا للعدالة و المساواة بين الخصمين و صيانة لحقوق الدفاع (3)
-ما يمكن إستخلاصه من هذه التعاريف المختلفة بأن :
الإستئناف هو طريق طعن عادي في الأحكام الصادرة من المحاكم، يجوز إستعماله من طرق أي خصم في الدعوى الأصلية لم يستجب الحكم لطلباته كلها أو جزئها و الهدف منه هو عرض نفس النزاع على جهة قضائية أعلى من تلك المصدرة للحكم محل الطعن من أجل رقابته و تقدير مدى سلامته و تطابقه مع القانون، و إذا كان الإستئناف كذلك فما هو أساسه القانوني ؟
المطلب الثاني: الأساس القانوني للطعن بالإستئناف :
بإعتبار القاضي بشرا يمكن أن يقع في الخطأ سواء في تحديد الوقائع أو في فهم و تطبيق القانون ، فتجيز كل النظم القانونية المعاصرة التظلم ضد الأحكام التي أصدرتها المحاكم إلى جهات قضائية أعلى منها درجة، و هو ما يعرف بمبدأ التقاضي على درجتين الذي يعد من أحد المبادئ الأساسية التي تقوم عليها الأنظمة القضائية المعاصرة، و من مقتضيات هذا المبدأ أنه لا يكفي أن تخضع القضية الواحدة لحكم قضائي واحد بل من الجائز خضوعها لحكمين، الأول من قاضي أول درجة و الثاني من قاضي الإستئناف (1)،
و الإستئناف بإعتباره الوسيلة الفنية لأعمال مبدأ التقاضي على درجتين يعتبر طعنا عاديا في الأحكام القضائية و بالتالي لم يحدد المشرع أسباب محددة لبناء الطعن على أساسها، و حتى إذا كانت أسباب الإستئناف غير صحيحة فإن محكمة الإستئناف لا تتردد في نظر الحكم لترى ما به من عيوب يجب إصلاحها (2).
و الطعن بالإستئناف قد يرمي إلى تقرير بطلان الأحكام القضائية لوجود عيب يشوب صحتها، و قد يرمي إلى معالجة عيوب التقدير التي تشوب القضاء الوارد بالحكم ، و الواقع أن رفع الإستئناف يطرح على محكمة الطعن القضية الصادر فيها الحكم المطعون فيه لإعادة الفصل في موضوعها و يظهر ذلك في حالات زوال الحكم المطعون فيه نتيجة لإبطاله أو إلغائه من محكمة الإستئناف إذا أنها في هذه الحالات تتطرق لنظر موضوع القضية المطعون في حكمها و عندما تصدر هذه الأخيرة حكمها فإنه يحل محل الحكم الذي تقرر إلغائه و يصير هو الحكم الوحيد في القضية، و الطعن بالإستئناف بإعتباره حقا إجرائيا يجوز إسقاطه أو النزول عنه بالإرادة المنفردة أو بالإتفاق، و مع ذلك فالحكم الذي لا يجوز إستئنافه لا يقبل الإتفاق على جعله صالحا للطعن فيه بالإستئناف .
ما هو موقف المشرع الجزائري من هذا المبدأ ؟
إن القاعدة العامة في التشريع الجزائري هي الأخذ بمبدأ التقاضي على درجتين إلا إستثناءا حيث أنه طبقا للمادة 3 ق إ م فإن المحاكم تقضي في جميع الدعاوي الأخرى بأحكام قابلة للإستئناف أمام المجالس القضائية إلا ما إستثناه المشرع بنص صريح و جعله غير قابل للإستئناف.
المطلب الثالث : أنواع الإستئناف .
هناك عدة أنواع للإستئناف، بحيث يختلف هذا الأخير بإختلاف معيار تصنيفه.
الفرع الأول: تصنيف الإستئناف من حيث مقدمه و ميعاد رفعه.
يمكن تقسيم الطعن بالإستئناف بالنظر إلى الخصم الذي قدمه و ميعاد رفعه إلى ثلاثة أنواع و هي الإستئناف الأصلي و الإستئناف المقابل و الإستئناف الفرعي.
1-الإستئناف الأصلي: هو ذلك الإسئناف الذي يقدمه الطاعن الأول أثناء الميعاد (3).
2-الإستئناف المقابل: هو ذلك الإستئناف الذي يرفعه المستأنف عليه على المستأنف عن حكم سبق أن إستأنفه هذا الأخير في الميعاد المقرر قانونا للطعن بالإستئناف.
إن الإستئناف المقابل يرفع بعد الإستئناف الأصلي لأنه إذا قدما في نفس الوقت يعد كل منهما إستئنافا أصليا ، و أن الحكم محل الطعن بالإستئناف المقابل هو محل الطعن بالإسئناف الأصلي، و إذا كان هذا الأخير قد شمل جزء فقط من الحكم جاز للمستأنف عليه أن يرفع إستئنافا مقابلا عن بقية الطلبات حتى و إن لم يتناولها الإستئناف الأصلي، و عليه فالإستئاف المقابل لا يجوز أن يقدم إلا من المستأنف عليه و لا يوجه إلا ضد المستأنف الأصلي .
3-الإستئناف الفرعي : هو ذلك الإستئناف الذي يرفعه المستأنف عليه على المستأنف عن حكم سبق أن إستأنفه هذا الأخير و ذلك بعد فوات ميعاد الإستئناف في حقه، و تبعا لذلك فالإستئناف الفرعي لا يرد إلا على إستئناف أصلي و لا يقدم إلا من طرف المستأنف عليه و لا يوجه إلا ضد المستأنف و ذلك بعد إنقضاء ميعاد الإستئناف بإعتباره غير مقيدا بميعاد بحيث يمكن تقديمه في أية حالة كانت عليه لدعوى بشرط قبل إقفال باب المرفعات .
ما هو موقف المشرع الجزائري من هذا التصنيف ؟
بالرجوع إلى قانون الإجراءات المدنية نجد أن المشرع يميز بين نوعين من الإستئناف فقط و هما الإستئناف الأصلي و الإستئناف الفرعي دون النص على الإستئناف المقابل حيث يعتبر الإستئناف المقدم من المستأنف عليه إستئنافا فرعيا في جميع الحالات دون التمييز ما إذا كان قد قدم هذا الطعن أثناء الميعاد أو خارجه بمعنى أثناء سير خصومة الطعن بالإستئناف و هذا ما أكدته المادة 103 ق إ م التي تنص على أنه : ” للمستأنف عليه أن يرفع إستئنافا فرعيا في أية حالة كانت عليها الدعوى حتى و لو كان قد بلغ بالحكم بغير إبداء تحفظات “.
و من ثم فإن الإستئناف الفرعي حسب قانون الإجراءات المدنية الجزائري هو ذلك الإستئناف الذي يقدمه المستأنف عليه ضد المستأنف في أية مرحلة كانت عليها الدعوى سواء أثناء ميعاد الطعن أو أثناء سير خصومة الطعن بالإستئناف بشرط قبل إقفال باب المرافعات و وضع القضية في المداولة.
إلا أن موقف المشرع هذا يمكن إنتقاده حيث كان يتعين عليه التميز بين كل من الإستئناف المقابل و الفرعي نظرا لإختلاف كل منهما سواء من حيث طبيعته القانونية، و إجراءات تقديمه و علاقته بالإستئناف الأصلي و تظهر أهمية هذا التميز من ما يلي:
-إن الإستئناف الفرعي يتبع الإستئناف الأصلي و يزول بزواله فإذا حكم ببطلان الإستئناف الأصلي أو بعدم قبوله سقط الإستئناف الفرعي تبعا لذلك، أما الإستئناف المقابل فلا يتأثر بشيء من ذلك لأنه قائم بذاته.
-إن الحكم بقبول ترك الخصومة في الإستئناف الأصلي يستتبع الحكم ببطلان الإستئناف الفرعي و ذلك بخلاف الإستئناف المقابل الذي لا يؤثر فيه قبول ترك خصومة الإستئناف (1).
و هناك من يرى أنه من المستحسن أن يتم الأخذ بالنظرية التي تعتبر أن الإستئناف الفرعي مستقل عن الإستئناف الأصلي و يبقى قائما رغم بطلان هذا الأخير لأن كل من الإستئنافين لهما في الحقيقة كيان مستقل و ما يميزهما هو الترتيب الذي رفعا فيه و ليس أهميتهما فالأولوية في الزمن هي التي تجعل من الإستئناف أصليا أو فرعيا.
فالإستئناف الفرعي إذا كان فرعيا من وجهة نظر الشكل فإنه أصلي في موضوعه، فكلا الطرفين يطعنان في الحكم و كلاهما يريدان مراجعته و أن المشرع أجاز تقديم الإستئناف الفرعي في أية حالة كان عليها الدعوى (1).
” إذا كان كل من الإستئناف المقابل و الفرعي حق للمستأنف عليه طرح تساؤل حول مدى جواز تقديم المستأنف الأصلي لإستئناف مقابل أو فرعي بناءا على إستئناف مقابل أو فرعي رفع ضده ؟
ذهب البعض إلى أن المستأنف الأصلي لا يجوز له رفع إستئنافا مقابلا أو فرعيا طبقا لقاعدة عدم جواز إستئناف فرعي على إستئناف فرعي .
و هناك رأي يقول بأنه إذا كان الإستئناف الأصلي تناول بعض الطلبات المحكوم فيها دون البعض ثم رفع إستئنافا فرعيا جاز للمستأنف الأصلي أن يستأنف فرعيا الطلبات التي لم يتناولها الإستئناف الأصلي، و أن هذه الصورة المتقدمة تتحقق الفائدة منها إذا كان ميعاد الإستئناف قد إنقضى، أما إذا كان الميعاد قائما فيمكن لكل من الخصمين أن يستأنف الأحكام الصادرة في غير مصلحتهما و يستكملا بها الإستئناف الأصلي و المقابل (2) .
الفرع الثاني: تصنيف الطعن بالإستئناف من حيث مظمونه.
يمكن تصنيف الإستئناف من حيث مضمونه إلى نوعين : كلي و جزئي.
1-الإستئناف الكلي: هو ذلك الطعن الذي يشمل جميع ما قضى به الحكم محل الإستئناف.
2-الإستئناف الجزئي: هو ذلك الطعن الذي ينصب على جزء فقط مما قضى به الحكم محل الإستئناف دون الأجزاء الأخرى.
و تظهر أهمية التمييز بين هاذين النوعين من الإستئناف في تحديد سلطات المجلس القضائي في الفصل في الطعن بالإستئناف لأن هذا الأخير ملزم بالتقيد بحدود ما وقع فيه الطعن.
بعد تحديدنا لتعريف الإستئناف و أساسه القانوني و أنواعه، فالسؤال المطروح ما هي شروط قبوله و ما هي إجراءات رفعه ؟.
المبحث الثاني : شروط قبول الطعن بالإستئناف و إجراءات رفعه .
يشترط المشرع لقبول الطعن بالإستئناف ضرورة توافر مجموعة من الشروط منها ما يتعلق بطبيعة الحكم محل الطعن و منها ما يتعلق بالميعاد الذي يجب أن يرفع خلاله، بالإضافة إلى وجوب توافر الشروط العامة لقبول الدعوى، كما حدد المشرع الإجراءات التي يجب أن تتبع لرفع الإستئناف حتى تنعقد خصومة الطعن فما هي إذا شروط قبول الإستئناف و ما هي إجراءات رفعه ؟
المطلب الأول: الشروط العامة لقبول الطعن بالإستئناف :
بإعتبار الطعن بالإستئناف طلب قضائي مقدم أمام الجهة التي تفصل فيه فإنه يشترط لقبوله أن تتوافر فيه الشروط العامة لقبول الدعاوي و التي حددتها المادة 459 ق إ م و المتمثلة في الصفة، المصلحة، الأهلية.
الفرع الأول : الصفة.
تعد الصفة شرطا لقبول الطعن بالإستئناف إذ يجب أن يرفع من ذي صفة و على ذي صفة وإلا صرح بعدم قبوله و تبعا لذلك فإن المستأنف يجب أن يكون طرفا في الخصومة الأصلية كما أن لخلفه العام أو الخاص حق الإستئناف، كما يجب أن يكون المستأنف محكوما عليه بحيث لا يقبل الإستئناف من الشخص الذي حكم له بكل طلباته، أما المستأنف عليه فإنه يجب أن يكون خصما حقيقيا في الدعوى التي صدر فيها الحكم المطعون فيه و أن يكون محكوما له (1)، كما يتقرر حق الإستئناف للمتدخل في الخصومة بشرط أن يكون مركزه مركز المتدخل الإختصامي و ذلك بخلاف المتدخل الإنظمامي الذي لا يعتبر خصما و إنما يكون مركزه تابعا لمركز الخصم الذي إنظم إلى جانبه و بالتالي ليس له صفة إستئناف الحكم (2).
كما تثبت الصفة في الطعن بالإستئناف للمدخل في الخصام إذا كان الحكم قد أضر به .
و في حالة ما إذا تعدد المدعى عليهم المحكوم عليهم فإن الطعن بالإستئناف يكون مقبولا متى قدم من أحدهم دون الأخرين، بحيث يعاد دراسة الحكم بالنسبة له دون الأطراف الأخرى التي يبقى الحكم قائما في مواجهتهم و قد جاء في إحدى قرارات المحكمة العليا : ” من المقرر أن الإستئناف المرفوع من أحد الأطراف فإن القرار الذي ينصرف إليه وحده، و أن حكم أول درجة يحوز قوة الشيء المقضي فيه تجاه الأطراف غير المستأنفة ” (3).
كذلك إذا تعدد المحكوم لهم و رفع الطعن ضد أحدهم فقط فلا ينتج أثره إلا في مواجهة من رفع عليه و هذه القاعدة هي تطبيق لمبدأ نسبيةة الأثر المترتب على إجراءات المرافعات فلا يفيد من الإجراء إلا من باشره و لا يحتج به إلا في مواجهته (4)
إلا أن هذا المبدأ ترد عليه بعض الإستثناءات تتمثل في حالة ما إذا كان موضوع الحكم محل الطعن لا يقبل التجزئة أو كان إلتزام بالتضامن أو دعوى يوجب القانون فيها إختصام أشخاس معنيين أو حالة الحكم في دعوى يكون الضامن و طالب الضمان خصوما فيها بشرط أن يتحد دفاعهما (5) و عليه إذا تبين للجهة التي تفصل في الإستئناف أن هذا الأخير قد رفع من غير ذي صفة أو على غير ذي صفة كان لها التصريح بعدم قبوله .
الفرع الثاني: المصلحة .
بإعتبار المصلحة هي مناط الدعوى فهي مناط الطعن كذلك و بالتالي يشترط لقبول الطعن بالإستئناف أن تكون لدى المستأنف مصلحة من الطعن،
و يقصد بالمصلحة في الطعن تلك الفائدة العملية أو الواقعية التي تعود على الطاعن من الحكم له بما طلبه في طعنه، و حتى يكون للمستأنف المصلحة يجب أن يكون الحكم محل الطعن قد ألحق به ضرار، و يكون ذلك متى لم يقضي للطاعن بكل طلباته إذا كان مدعيا أو لم يؤخذ بكل دفوعه إذا كان مدعى عليه و تقوم للمستأنف المصلحة حتى و إن كان الحكم محل الطعن قد أضر به بتحميله المصاريف القضائية حتى و إن حكم له ببقية طلباته (1).
و يشترط في المصلحة أن تكون قانونية و مشروعة و أن تكون قائمة و حالة بمعنى مؤكدة غير إحتمالية و أن لا تكون مستقبلية أما إذا لم يكن للطاعن أية مصلحة وقت تقديم الطعن أو تخلف شرط من شروط قيامها يتعيين على القضاء التصريح بعدم قبول الإستئناف (2).
الفرع الثالث: الأهلية.
إذا كان المشرع قد نص ضمن المادة 459 ق إ م التي حددت شروط قبول الدعوى على الأهلية فإن هذه الأخيرة لا تعد شرطا لقبول الدعوى و لا الطعن بالإستئناف و إنما تعد شرطا لصحة إجراءات الطعن ذلك أن الحق في الإستئناف يثبت لكل شخص صدر في مواجهته حكم ألحق به ضرار بغض النظر عما إذا كان كامل الأهلية أو ناقصها.
و المقصود بالأهلية هي الأهلية الإجرائية أو أهلية الأداء و هي تثبت لكل شخص بلغ سن 19 سنة و كان يتمتع بكافة قواه العقلية.
و الأهلية مشترطة في الطاعن و المطعون ضده وقت رفع الطعن و ليس وقت صدور الحكم ، و عليه إذا لم يكن المحكوم عليه متمتعا بأهلية الأداء أو فقدها بعد صدور الحكم وجب رفع الطعن بالإستئناف من ممثله و هو ما يسمى بالممثل الإجرائي كالولي أو الوصي أو القيم ، أما إذا كان المحكوم عليه غير أهلا للتقاضي وقت صدور الحكم ثم أصبح يتمتع بكامل أهليته أثناء ميعاد الطعن كان له إستئناف الحكم بنفسه.
و نتيجة لذلك فإن الأهلية تعد شرطا لصحة إجراءات الطعن بالإستئناف و ليست شرطا لقبوله و يترتب على تخلف الأهلية لدى المستأنف أو المستأنف عليه وقت رفع الطعن بطلان إجراءات الإستئناف.
و بعد تحديد هذه الشروط العامة بالتساؤل الذي يمكن طرحه بشأنها هو مدى تعلقها بالنظام العام و هل يجوز للقاضي أن يقرر إنعدامها من تلقاء نفسه حتى و إن لم يثره الخصوم ؟
للإجابة على هذا التساؤل أنظر الصفحة 7 من نفس المذكرة لأن ما قيل بشأن المعارضة ينطبق على الإستئناف.
المطلب الثاني: الشروط الخاصة لقبول الطعن بالإستئناف .
بإستقراء أحكام المواد 102 إلى 106 ق إ م و بعض النصوص الواردة في قوانين خاصة نستخلص أن المشرع وضع شروطا خاصة لقبول الطعن بالإستئناف من هذه الشروط ما هو متعلق بطبيعة الحكم المستأنف و منها ما هو متعلق بميعاد تقديم الطعن و هما الشرطان اللذان سنقوم بدراستهما في الفرعين التاليين :
الفرع الأول: شرط الحكم محل الطعن بالإستئناف:
تنص م 3 ق إ م على أنه : ” تقضي المحاكم في جميع الدعاوي الأخرى بأحكام قابلة للإستئناف “.
و تنص م 5 ق إ م على أنه : ” تختص المجالس القضائية بنظر إستئناف الأحكام الصادرة من المحاكم في جميع المواد في الدرجة الأولى حتى و لو وجد خطأ في وصفها ” .
كما تنص م 106 ق إ م على أنه : ” في جميع المواد ما لم ينص القانون على خلاف ذلك يجوز إستئناف كل حكم تمهيدي قبل الحكم القطعي في الدعوى أما إستئناف الحكم التحضيري فلا يجوز رفعه إلا مع الحكم القطعي ” ، من خلال هذه النصوص نستخلص أن المشرع تطبيقا لمبدأ التقاضي على درجتين أورد قاعدة عامة هي أن جميع الأحكام الصادرة من المحاكم تقبل الطعن بالإستئناف إلا أنه و من جهة أخرى و لإعتبارات عملية تقوم على رعاية مصالح الخصوم و حسن سير القضاء فإن المشرع قصر التقاضي في بعض الدعاوي على درجة واحدة حيث تفصل فيها المحاكم بموجب أحكام إبتدائية و نهائية غير قابلة للإستئناف و هذه الدعاوى منا ما هو وارد في ق إ م مثل م 2 و 4 و منها ما هو وارد في بعض القوانين الخاصة مثل المادة 57 ق الأسرة و المادة 21 من قانون 90/04 المتعلق بتسوية النزاعات الفردية في العمل و المادة 73/4 من قانون 90/11 المتعلق بعلاقات العمل، و عليه سنقوم بتحليل طبيعة الحكم الذي يقبل الإستئناف من خلال تحديد المبدأ الذي أورده المشرع و الإستئناءات التي ترد عليه.
أ-المبدأ : إن المشرع الجزائري كرس مبدأ التقاضي على درجتين إلا في حالات إستثنائية، حيث تبت المحاكم في النزاعات المطروحة أمامها بأحكام قابلة للإستئناف إلا إذا وجد نص يقضي بغير ذلك.
و أكد المشرع هذا المبدأ في المادة 5 من ق إ م حيث نص على أنه تختص المجالس القضائية بنظر إستئناف الأحكام الصادرة من المحاكم في جميع المواد في الدرجة الأولى حتى و لو وجد خطأ في وصفها، و عليه فإن حق التقاضي على درجتين هو حق أساسي لا يمكن أن يحرم منه المتقاضي إلا بنص صريح و لمعرفة ما إذا كان الحكم قابلا للإستئناف أم لا، فلا يرجع في ذلك إلى الوصف الذي أعطاه إياه القاضي و إنما يجب الرجوع إلى نص المادة التي تنظم موضوع النزاع لمعرفة ما إذا كانت قد قصرت فيه التقاضي على درجة واحدة أم لا، لأن المشرع أكد في المادة 5 ق إ م بأن الحكم يكون قابلا للإستئناف حتى و لو وجد خطأ في وصفه من طرف القاضي و تبعا لذلك فإذا كان يجب إصدار الحكم إبتدائيا إلا أن القاضي و نتيجة خطأ منه أصدره إبتدائيا و نهائيا، فإن الحكم يكون قابلا للإستئناف بالرغم من الخطأ في الوصف ذلك أن القاعدة هي أن التقاضي يكون على درجتين و لا خروج عن هذه القاعدة إلا بنص صريح يجعل التقاضي على درجة واحدة (1).
و يشترط في الحكم حتى يكون قابلا للإستئناف أن يكون قطعيا،
و يقصد بالحكم القطعي ذلك الحكم الذي يفصل في الطلبات الموضوعية أو في جزء منها أو في مسألة فرعية أثيرت أثناء الخصومة سواء كانت موضوعية أو إجرائية مثل مسألة إختصاص المحكمة أو بطلان عمل من الأعمال الإجرائية (2) و تبعا لذلك فإن جميع الأحكام القطعية قابلة للطعن فيها بالإستئناف، فالسؤال المطروح إذا هل يجوز إستئناف الأحكام الغير قطعية ؟.
الحكم الغير قطعي هو الحكم الذي يصدر في دعوى وقتية أو الذي يتعلق يسير الخصومة أو تحقيقها، فالأحكام الوقتية هي أحكام الغرض منها إتخاذ إجراء تحفظي أو وقتي لحماية مصالح الخصوم أو لحفظ أموالهم حتى يتم الفصل في موضوع النزاع (3) أما الأحكام التي تتعلق بسير الخصومة هي تلك الأحكام المتعلقة بسير الدعوى و بإجراءات الإثبات فيها و هي تنقسم إلى أحكام تمهيدية و أحكام تحضيرية (4) .
و للإجابة عن تسائل مدى قابلية الأحكام الغير قطعية للإستئناف يجب الرجوع إلى المادة 106 ق إ م التي نصت على جواز إستئناف الحكم التمهيدي و عدم جواز إستئناف الحكم التحضيري إلا مع الحكم القطعي و إذا كان المشرع قد قسم في م 106 الأحكام الصادرة قبل الفصل في الموضوع إلى أحكام تمهيدية و أحكام تحضيرية فإنه لم يعرفها و لم يقدم معايير للتمييز بينهما و نظرا لأهمية و صعوبة التميز بين هاذين النوعين من الأحكام سنحاول تحديد مفهوم كل منهما و معايير التمييز بينهما و ذلك بالإعتماد على الدراسات التي تمت في هذا المجال و قرارات المحكمة العليا.
1-مفهوم الحكم التحضيري و الحكم التمهيدي:
الحكم التحضيري: هو الحكم الذي تصدره المحكمة أثناء سير الدعوى بإتخاذ إجراء معين دون أن تكشف عن وجهة نظرها فيه، و من أمثلته الحكم يندب خير لرسم معالم الحدود الفاصلة بين الملكيات المتجاورة طبقا لنص المادة 703 ق م، الحكم بندب خبير للقول هل أن المدعى عليه إستولى أو إعتدى على جزء من المساحة الأرضية التابعة للمدعي، الحكم بإجراء خبرة في دعوى الغبن في بيع عقار متنازع فيه.
و يستشق من خلال هذه الأمثلة أن الحكم التحضيري لا يحمل دلالة على إتجاه و قناعة المحكمة لأنه لا يمس بحقوق الأطراف المتخاصمة و لا يفصل في جانب من جوانب النزاع و يمكن الإستعانة لمعرفة ذلك بظروف الخصومة التي صدر فيها الحكم و بالغرض من الإجراء المأمور به.
الحكم التمهيدي: هو الحكم الذي يصدر أثناء سير الدعوى بغرض القيام بما من شأنه أن ينور المحكمة من التدابير و الإجراءات و لكنه يستشف منه قليلا أو كثيرا عما ستقضي به المحكمة و يتعرض لمصير النزاع، و من أمثلته الحكم يتعين خبير مختص في المحاسبة للقيام بتصفية حسابات الشركة و بيان نصيب كل واحد من الشركاء، الحكم بندب خبير لتحديد الضرر الذي لحق المدعي و تقييمه نقدا (1).
-إلا أن هناك بعض القضايا يدق فيها التميز بين الحكم التحضيري و الحكم التمهيدي إذا أن ذات الحكم يمكن أن يكون تحضيريا أو تمهيديا مثل الحكم بندب خبير لإعداد حصص (مشروع قسمة)، يكون تحضيريا إذا لم يفصل القاضي في أية نقطة قانونية متنازع فيها و هو ما أكدته المحكمة العليا في إحدى قراراتها الذي جاء فيه ” إن الحكم بتعيين خبير للبحث في مزاعم الأطراف و عند الإقتضاء القيام بمشروع قسمة معتمدا على فريضة يعد حكما تحضيريا ” (2)،
و يكون الحكم تمهيديا إذ فصل القاضي في مسألة أو في نقطة قانونية كأن يطلب أحد الورثة تعيين خبير لحصر مخلفات الهالك العقارية و إعداد حصص بشأنها فيدفع باقي الورثة المدعى عليهم بوقوع قسمة ودية دامت أكثر من 15 سنة و بالتالي أصبحت نهائية.
في هذه الحالة يجب على القاضي التحقق من توافر شروط صحة القسمة الودية فإذا رأى أنها باطلة إستبعدها و يقوم بتعيين خبير لحصر مخلفات الهالك بموجب حكم تمهيدي لأن المحكمة فصلت في مسألة قانونية إذ أبطلت القسمة الودية (3)
و قد جاء في إحدى قرارات المحكمة العليا ” بأن الحكم الذي يعين خبيرا لإعداد مشروع قسمة في موضوع يتنازع فيه الأطراف في حق الملكية و مدى أحقية المطعون ضدهم في الإرث هو حكم تمهيدي و ليس تحضيري لأن المحكمة قبلت مبدئيا بحق المدعين في الإرث، بينما الحكم التحضيري هو الحكم الذي لا ينبئ على إتجاه المحكمة ” (4).
-الحكم بندب خبير لتقدير التعويض الإستحقاقي، حيث يكون الحكم تحضيريا إذا ما تم تعيين الخبير بموجب أمر إستعجالي و هو ما أكده المحكمة العليا في إحدى قراراتها حيث جاء فيه : ” متى كان من المقرر قانونا، أنه إذا طالب المستأجر بتعويض الإخلاء جاز للطرف الذي يهمه التعجيل أن يقيم دعواه أمام رئيس المحكمة الناظر في القضايا الإستعجالية ليأمر بإتخاذ الخبرة اللازمة، فإن هذه الأوامر التي يصدرها قضاة الإستعجال تعد أوامر تحضيرية لا تتصدى لصحة التنبيه بالإخلاء لتعلقه بالموضوع، و أنه لما لهذه الأوامر من صفة تحضيرية فهي غير قابلة للإستئناف ” (5).
و يكون تمهيديا إذا تم تعيين الخبير بموجب حكم قضائي صادر من محكمة الموضوع و يحدث ذلك في حالة منازعة المستأجر في صحة التنبيه بالإخلاء الموجه له من قبل المؤجر و يكتسي الحكم الطابع التمهيدي للأسباب التالية :
إنه يحسن مركز المؤجر في الدعوى الذي يسترجع محله .
إنه يفصل في جانب من جوانب النزاع إذ أن القاضي بتعينه للخبير يكون قد أقر بصحة التنبيه بالإخلاء و بالتالي فصل في نقطة قانونية .
إنه يستشف منه رأي القاضي في النزاع، الذي يكون قد إتجه نحو إلزام المستأجر بإخلاء المحل(1).
2-معايير التميز بين الحكم التحضيري و الحكم التمهيدي:
لعدم وجود أي نص في قانون الإجراءات المدنية يسمح بالتفرقة بين الحكمين فإنه يمكن الإستعانة بقرارات المحكمة العليا من أجل إستخلاص هذه المعايير التي تساعد على هذا التمييز منها:
-الفصل في جانب من جوانب النزاع : يتميز الحكم التمهيدي عن الحكم التحضيري في أنه يفصل في جانب من جوانب النزاع، بمعنى أنه يفصل في نقطة قانونية مطروحة و مثاله الحكم بتعيين خبير لتقدير تعويض الإخلاء الذي يتطلب من القاضي الفصل في مدى صحة التنبيه بالإخلاء.
-المساس بحقوق الأطراف: الحكم التمهيدي يمس بحقوق الأطراف المتخاصمة ففي حالة تعيين خبير لتقويم الأضرار التي لحقت بالمدعي فإنه يمس الذمة المالية للمدعى عليه التي ستفتقر على حساب إغتناء ذمة المدعي.
-تحسين مركز أحد الخصوم : يعتبر الحكم تمهيديا إذا ترتب عليه تحسين مركز أحد الخصوم في الدعوى دون الخصم الأخر، أما إذا أبقى الحكم الخصمين في مركزين متعادلين فهو حكم تحضيري (2).
-إبداء القاضي قناعته و رأيه في موضوع النزاع: الحكم التمهيدي يستشف من خلاله إتجاه المحكمة في موضوع النزاع و ينبئ لصالح أي من الخصمين سيصدر و مثاله الحكم بندب خبير لتقدير تعويض الإستحقاق الذي يستشف منه إتجاه القاضي نحو الحكم لصالح المؤجر و ذلك بإلزام المستأجر بإخلاء العين المؤجرة.
و قد أكدت المحكمة العليا إمكانية الإستعانة بهذه المعايير و ذلك في القرار الصادر عن الغرفة المدنية الذي جاء فيه :” إن معيار التمييز بين الحكم التحضيري و التمهيدي طبقا لما أبت عليها المحكمة العليا في قضائها ينظر إليه من حيث طبيعة الحكم الصادر قبل الفصل في الموضوع و ما إذا كان يستشق منه إتجاه المحكمة أم لا.
و لما ثبت من القرار المطعون فيه عدم بروز أي إتجاه للمحكمة فيما قضت فإن الحكم الذي أصدرته يدخل في طائفة الأحكام التحضيرية الغير قابلة للطعن فيها بالإستئناف ” (3).
نخلص إلى القول بأن هذه التفرقة بقدر ما هي صعبة لعدم وجود معيار تشريعي يجسدها بقدر ما هي مهمة من ناحية الآثار التي تترتب على كل منهما و تتجسد صعوبة هذا التمييز من خلال ملاحظتنا في الحياة العملية لأحكام و قرارات تصدرها الجهات القضائية قبل الفصل في الموضوع دون أن تعطي وصفا لذلك الحكم إذا كان تحضيريا أو تمهيديا، إذا غالبا ما يكون المنطوق على النحو التالي :
” حكمت المحكمة حال فصلها في القضايا …. علنيا حضوريا و قبل الفصل في الموضوع بتعين السيد ……… كخبير في قضية الحال تسند إليه ……… ” . مما يجعل المتقاضين في حيرة من أمرهم و يتساءلون هل هذا الحكم تحضيري أم تمهيدي و هل هو قابل للطعن بالإستئناف أم لا مما يمنح المجلس طبقا للمادة 5 ق إ م سلطة تحديد وصف هذا الحكم و القول ما إذا كان قابلا للإستئناف أم لا.
ب-الإستثناء: لقد أورد المشرع في قانون الإجراءات المدنية و في بعض القوانين الخاصة بعض النزاعات التي كون فيها التقاضي على درجة واحدة بحيث تفصل المحكمة في هذه النزاعات بموجب أحكام نهائية.
و الحكم النهائي هو الحكم الصادر عن محاكم الدرجة الأولى غير قابلا للطعن فيه بالإستئناف (1).
و من أهم هذه الإستثناءات و التي تطرح بكثرة من الناحية العملية و نظرا لتحديد عدد الصفحات المذكرة سنقوم بذكرها بإختصار على النحو التالي:
1-الحالات المنصوص عليها في المادتين 2 و 4 من قانون الإجراءات المدنية.
2-الأحكام التحضيرية: هي الأحكام التي صدرها المحكمة أثناء سير الدعوى بإجراء معين دون أن تكشف عن وجهة نظرها فيه.
و قد نص المشرع في 106 من ق إ م على عدم جواز إستئناف الحكم التحضيري إلا مع الحكم القطعي و قد أكدت المحكمة العليا هذا المبدأ في العديد من قرارتها (2).
3-الحالات المنصوص عليها في المادة 21 من قانون 90/04 المتعلق بتسوية النزاعات الفردية في العمل.
4-الحالة المنصوص عليها في المادة 73/4 من قانون 90/11 المتضمن علاقات العمل المعدلة و المتقدمة بالمادة 9 من الأمر رقم 96/21 .
حيث تنص على أنه ” إذا وقع تسريح العامل مخالفة للإجراءات القانونية و / أو الإتفاقية الملزمة، تلغي المحكمة المختصة إبتدائيا و نهائيا قرار التسريح بسبب عدم إحترام الإجراءات و تلزم المستخدم بالقيام بالإجراء المعمول به و تمنح العامل تعويضا ماليا على نفقة المستخدم، لا يقل عن الأجر الذي يتقضاه كما لو إستمر في عمله.
و إذا حدث تسريح العامل خرقا لأحكام المادة 73 أعلاه يعتبر تعسفيا تفصل المحكمة المختصة إبتدائيا و نهائيا إما بإعادة إدماج العامل في المؤسسة مع الإحتفاظ بإمتيازاته المكتبسة أو في حالة رفض أحد الطرفين يمنح العامل تعويضا ماليا لا يقل عن الأجر الذي يتقاضاه العامل عن مدة ستة أشهر من العمل دون الإخلال بالتعويضات المحتملة يكون الحكم الصادر في هذا المجال قابلا للطعن بالنقض ” (3)، (4).
5-الحالة المنصوص عليها في المادة 100 من قانون 90/11 المتضمن علاقات العمل .
6-الحالات المنصوص عليها في المادة 232 من القانون التجاري .
7-الأوامر على العرائض: إن الأوامر على العرائض هي أعمال ولائية و ليست حكما قضائيا و عليه فإنها
أصلا لا تخضع لطرق الطعن الخاصة بالأحكام و إنما هي تخضع لطريق التظلم.
الأصل أن التظلم من الأعمال الولائية يتم بتقديم عريضة أمام مصدر الأمر للعدول عنه إما بإلغائه أو إصدار أمره مخالف.
غير أن المشرع خرج عن هذه القاعدة في المادة 172/2 ق إ م حيث نص صراحة على جواز إستئناف الأمر الذي يتظمن رفض إتخاذ الإجراء المطلوب بالنسبة لمقدم الطلب.
الا أن للمحكمة العليا موقف مخالف لنص المادة 172/2 حيث جاء في قرارها رقم 776/131 أنه :
” التظلم من منطوق الأمر على عريضة يتم أمام نفس الجهة -لا يجوز الإستئناف فيه لأنه من ضمن الأعمال الولائية- ” (1)
و نحن نرى أن قرار المحكمة العليا هو السليم على نص المادة 172/2 لأنه يعتمد على التأصيل العلمي و تحديد طبيعة العمل محل الطعن ذلك أن الأمر على عريضة يدخل ضمن الأعمال الولائية و ليس حكما قضائي فاصل في منازعة و أن الطعن فيها لا يكون إلا بالتظلم منها أمام نفس الجهة القضائية التي صدر عنها هذا العمل و لا تقبل الطعن بالطرق المقررة للطعن في الأحكام .
8-الحالة المنصوص عليها في المادة 405 ق إ م: حيث تنص المادة 405 ق إ م على أنه ” تعرض المناقضات بالجلسة و يفصل فيها إبتدائيا و نهائيا وفقا للقواعد العامة لإختصاص جهات القضاء” .
9-الحالة المنصوص عيها بالمادة 57 من قانون الأسرة: تنص المادة 57 ق إ ج على أن : ” الأحكام بالطلاق غير قابلة للإستئناف ماعدا في جوانبها المادية ” .
إن المادة 57 ق إ ج تثير إشكالات كثيرة من الناحية العملية أدت إلى التباين الواضح بين طبيعة الأحكام التي يصدرها القضاة و هذا التباين راجع إلى غموض مصطلح الأحكام بالطلاق الذي إستعمله المشرع في المادة 57 ق إ ج فهل يقصد بالأحكام بالطلاق جميع الأحكام التي تتضمن فك الرابطة الزوجية سواء كانت بطلب من الزوج أو الزوجة و بالتالي تصدر جميعها إبتدائية نهائية غير قابلة للإستئناف أم أنه يقصد بها صورة فك الرابطة الزوجية التي تكون بإرادة الزوج فقط و بالتالي يكون هو الحكم الوحيد الغير قابل للإستئناف في حين أن بقية الأحكام الأخرى تكون إبتدائية ؟.
للإجابة على هذا التساؤل نقول أن الأحكام التي تتضمن فك الرابطة الزوجية بناء على طلب الزوج هي أحكام نهائية و لا خلاف في ذلك، كما أن الأحكام التي تتضمن فك الرابطة الزوجية بطلب من الزوجة على أساس المادة 54 ق أ ج ، التي تجسد صورة الخلع فهي أحكام نهائية، كذلك أن الأحكام التي تتضمن فك الرابطة الزوجية بالتراضي فهي أحكام غير قابلة للطعن أصلا لأن هذه الحكم هو مجرد إشهاد من المحكمة على رغبة الطرفين، فهو لا يعد حكما قضائيا (2)
و أن التناقض الملاحظ من الناحية العملية فهو يخص الأحكام بالتطليق التي تكون بطلب من الزوجة على أساس المادة 53 ق أ ج فمن القضاة من يصدر هذه الأحكام إبتدائية (3)،
و منهم من يصدرها نهائية (1) و سبب هذا التناقض هو إختلاف تفسير القضاة لمصطلح الطلاق الوارد بالمادة 57 ق أ ج فمنهم من فسره تفسيرا ضيقا بحيث يقصد به صورة فك الرابطة الزوجية بناء على طلب الزوج فقط و منهم من فسره تفسيرا واسعا بحيث يشمل جميع صور فك الرابطة الزوجية و ذلك بالنظر إلى المادة 48 ق أ ج التي تنص على أن : ” الطلاق حل عقد زواج و يتم بإرادة الزوج أو بتراضي الزوجين أو بطلب من الزوجة في حدود ما ورد في المادتين 53 و 54 من هذا القانون ” ،
و أمام هذا التناقض في الأحكام فما هو موقف المحكمة العليا منه ؟.
إن قرارات المحكمة العليا الصادرة في هذه المسألة هي الأخرى متناقضة بحيث يستشف من بعضها أن الأحكام الصادرة بالتطليق غير قابلة للإستئناف إلا في جوانبه المادية ، حيث جاء فيه ” حكم بالتطليق مع إلزام الزوج بدفع النفقة –إستئناف- تأييد الحكم المستأنف –طعن كون أن الحكم القاضي بالتطليق لم يتأكد من توافر الشروط المنصوص عليها في المادة 53 ق أ ج.
لا يجوز إستئناف أحكام الطلاق إلا في الجوانب المادية عملا بنص المادة 57 من قانون الأسرة التي تعتبر أحكام الطلاق نهائية ” (2) .
في حين يستشف من بعض القرارات الأخرى أن أحكام التطليق قابلة للإستئناف حيث جاء فيها :
” و لما كان ثابتا في قضية الحال –أن المطعون ضدها طالبت في دعوى خاصة بالتطليق، و ضمت بعدها لدعوى الطاعن الحالي فإن إجراء الإستئناف المتبع يرفع النزاع برمته أمام المجلس، و لما قضى هذا الأخير بالتطليق فإنه يندرج ضمن إختصاصه شرعا و قانونا و أن المادة 57 قانون الأسرة –المحتج بها لا تنطبق على قضية الحال لكون الحكم المستأنف لم يقضي بالطلاق ” (3).
و إن الإتجاه السائد هو إعتبار أحكام التطليق أحكاما إبتدائية بإعتبار أن القاضي يتمتع بسلطة تقدير مدى توافر إحدى الحالات المنصوص عليها في م 53 ق إ ج و من ثم وجب إخضاع عمله هذا لرقابة الجهات العليا عن طريق الطعن فيها، كما أنه يتعين على المشرع التدخل بتعديل نص المادة 57 و المادة 48 من أجل إزالة هذا التناقض و تحديد بموجب نص واضح الأحكام التي يجوز إستئنافها و تلك التي يكون فيها التقاضي على درجة واحدة.
الفرع الثاني: شرط الميعاد .
يقصد بميعاد الإستئناف تلك الآجال التي يتعين تقديم الطعن خلالها بحيث يسقط الحق في الطعن بإنقضائها. فما هو ميعاد الإستئناف و ما هي نقطة بداية سريانه و كيف يتم حسابه و ما هي الحالات التي تؤدي إلى إمتداده ووقفه ؟ .
1-ميعاد الإستئناف: طبقا للمادة 102 ق إ م فإن ميعاد إستئناف الأحكام الصادرة من المحاكم هو شهر واحد.
إلا أنه إستثناء من هذه القاعدة فإن المشرع أورد في بعض النصوص الخاصة مواعيد أخرى، بحيث يجب تقديم الإستئناف خلالها و هي :
-إن ميعاد إستئناف الأوامر الإستعجالية هو 15 يوما من تاريخ تبليغ الأمر طبقا للمادة 190 ق إ م
-إن ميعاد إستئناف الأحكام الصادرة في مادة الإفلاس و التسوية القضائية هي 10 أيام . المادة 234 ق ت ج
-إن ميعاد إستئناف الأحكام الصادرة في المناقضات في توزيع الأموال المتحصلة من الحجز هي 15 يوما من تاريخ التبليغ . المادة 405 ق إ م (1).
2-نقطة بداية سريان ميعاد الإستئناف : يختلف بداية سريان ميعاد الإستئناف بإختلاف ما إذا كان الحكم محل الطعن حضوريا أو غيابيا و بإختلاف ما إذا كان تمهيديا أو تحضيريا .
أ-بداية سريان ميعاد إستئناف الأحكام الحضورية: طبقا للمادة 102 ق إ م فإن ميعاد إستئناف الأحكام الحضورية يسري إبتداءا من تاريخ تبليغ الحكم بحيث لا يسري الميعاد بدون تبليغ، و يقصد بتبليغ الحكم إعلام الخصم المحكوم عليه به، و قد أشارت المادة 102 ق إ م إلى صور ثلاث يعتبر فيها تبليغ الحكم من الناحية القانونية صحيحا و تتمثل في :
1-تبليغ الحكم إلى الشخص المعني بالأمر نفسه.
2-إذا تعذر تبليغ الحكم إلى المعني بالأمر فيصح التبليغ في موطنه الحقيقي.
3-أما إذا تعذر تبليغ الحكم إلى الشخص المعني و إلى موطنه الحقيقي فيصح تبليغ الحكم إلى موطنه المختار.
و لا يجوز إتباع الطريق الثاني أو الثالث قبل إتباع الطريق الأول أو الثاني.
أما إذا كان الشخص المراد إعلانه بالحكم شخصا إعتباريا سواءا كان هذا الأخير عاما أو خاصا فإنه يتم إلى ممثله القانوني أو إلى المفوض عن هذا الأخير أو إلى أي شخص أخر مؤهل لهذا الغرض .
و يشترط حتى يبدأ الميعاد في السريان أن يكون التبليغ صحيحا و حتى يكون هذا الأخير صحيحا فإنه يجب أن يتم حسب الصور المذكورة أعلاه و أن يقوم به محضر قضائي مختصا محليا و أن يكون تبليغ الحكم مصحوبا بتسليم المبلغ له نسخة رسمية منه أو بنسخة مطابقة لأصله و أن يتم إثبات عملية
التبليغ بتحرير محضر يتضمن تاريخ التبليغ و توقيع المبلغ له و إسم و توقيع القائم بالتبليغ، و إذا رفض المبلغ له التوقيع أو كان لا يحسن ذلك، يذكر ذلك في المحضر.
و قد أكدت المحكمة العليا في العديد من قرارتها وجوب توافر هذه الشروط لصحة التبليغ (1) ، و أنه من جهة ثانية لا يوجد أي إجراء يقوم مقام التبليغ الصحيح حتى الإنذار الموجه إلى المحكوم عليه (2)
ب-بداية سريان ميعاد إستئناف الأحكام الغيابية: طبقا للمادة 102 ق إ م فإذا كان الحكم غيابيا فإن ميعاد الإستئناف لا يسري إلا من تاريخ إنقضاء مهلة المعارضة، ذلك حتى لا يحرم المتقاضي من درجة من درجات التقاضي، بحيث يكون له أولا الحق في معارضة الحكم في أجل 10 أيام من تاريخ تبليغه به ،
و في حالة إنقضاء هذا الأجل دون تقديم المعارضة يكون له الحق في إستئناف الحكم خلال مهلة شهر من تاريخ إنقضاء ميعاد المعارضة، و قد أكدت المحكمة العليا هذه المبدأ في إحدى قراراتها حيث جاء فيه: ” من المقرر قانونا أنه يجوز الطعن في الأحكام الصادرة غيابيا عن طريق المعارضة ضمن مهلة 10 أيام من تاريخ التبليغ و من المقرر كذلك أن إستئناف الحكم الصادر من المحكمة يجب أن يرفع في مهلة شهر واحد إبتداءا من تاريخ الحكم إذا كان حضوريا أو من تاريخ إنقضاء مهلة المعارضة إذا كان غيابيا و من ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا للقانون ” (3).
ج-بداية سريان ميعاد إستئناف الأحكام التحضيرية: طبقا للمادة 106 من ق إ م فإن الأحكام التحضيرية غير قابلة للإستئناف إلا مع الحكم القطعي و نظرا للفاصل الزمني بين صدور كل من الحكمين، فقد أقر المشرع على أن ميعاد الشهر الواحد المقرر لإستئناف الحكم التحضيري لا يسري إلا من يوم تبليغ الحكم القطعي، حيث أنه إبتداءا من هذا التبليغ يسري ميعاد إستئناف الحكمين .
3-كيفية حساب الميعاد: نصت المادة 463 ق إ م على أن جميع المواعيد المنصوص عليها في هذا القانون تحتسب كاملة و عليه فإن ميعاد الإستئناف هو ميعاد كامل، بحيث لا يحسب فيه يوم بدايته و لا يوم إنقضائه، بحيث يبدأ الميعاد في السريان إبتداءا من اليوم الموالي لليوم الذي تم فيه التبليغ أيا كانت الساعة التي تم فيها هذا الأخير، و لا يحسب اليوم الأخير من الميعاد، و لتوضيح كيفية حساب ميعاد الشهر المقرر للإستئناف يمكن تقديم المثال التالي:
-إذا كان الحكم حضوريا و بلغ بتاريخ 21 ماي يبدأ ميعاد الشهر في السريان من 22 ماي و ينتهي يوم
21 جوان و يكون الإستئناف مقبولا إذ قدم بتاريخ 22 جوان بإعتباره داخلا في الميعاد (4)
-أما إذا كان الحكم غيابيا و بلغ بتاريخ 24 جانفي فإن أجل المعارضة يبدأ يوم 25 جانفي و ينتهي يوم
3 فيفري و يبدأ أجل الإستئناف من يوم 4 فيفري، و ينتهي يوم 4 مارس، و هو أخر أجل لتقديم الإستئناف ذلك أنه في إحتساب أجال إستئناف الأحكام الغيابية لا يدخل اليوم الأول من التبليغ و لا اليوم الأخير لكل من أجل المعارضة و أجل الإسئناف معا.
4- حالات إمتداد الميعاد: نص المشرع على حالتين يمتد فيهما الميعاد هما:
أ-العطلة الرسمية: طبقا للمادة 463 ق إ م فإذا صادف أخر يوم من الميعاد يوم عطلة سواء كان يوم راحة أسبوعية أو يوم عيد رسمي فإن الميعاد يمتد إلى أول يوم عمل يليه، و العبرة تكون باليوم الأخير فقط و لا أثر لأيام العطلة التي تكون خلال سريان الميعاد في جميع الحالات لا يمتد الميعاد إلا بيوم واحد مهما كانت عدد أيام العطلة التي تخللته (1)
ب-المسافة : تمكينا للخصوم من الإستفادة الكاملة بالمواعيد قرر المشرع مواعيد إظافية زيادة على الميعاد الأصلي للإستئناف بالنسبة للمقيمين في الخارج، حيث أنه طبقا للمادة 104 ق إ م تمتد مهلة الإستئناف شهرا واحدا بالنسبة للمقيمين في تونس و المغرب، و شهرين للمقيمين في بلاد أجنبية و العبرة في إمتداد الميعاد بسبب المسافة تكون بالإقامة في بلاد أجنبية و ليس بجنسية الخصم (2) .
5-حالات وقف ميعاد الإستئناف : يعد الوقف و الإنقطاع سببان في إطالة المواعيد الإجرائية و هما يختلفان من حيث أثرهما بحيث يترتب على الإنقطاع إغفال ما مضي من ميعاد و بداية ميعاد جديد، و كامل بينما يترتب على الثاني وقف حساب الميعاد خلال فترة معينة و بعد زوال سبب الوقف يعود الميعاد إلى السريان فيحسب ضمنه الميعاد الذي مضى قبل حدوث ذلك السبب و تتمثل حالات وقف الميعاد في الفقرة القاهرة وفاة الخصم المحكوم عليه أو تغير أهليته بعد تبليغه بالحكم و أثناء سريان الميعاد، و لا يعاد هذا الأخير في السريان إلا بعد إبلاغ الورثة حسب الأوضاع المقررة في المادتين 42 و 148 ق إ م إذا تعلق الأمر بالوفاة أو بعد إجراء تبليغ جديد لصاحب الصفة إذا تعلق الأمر بتغير الأهلية.
و هنا يمكن إنتقاد موقف المشرع الذي جعل من وفاة الخصم المحكوم عليه أو تغيير أهليته سببا في وقف الميعاد و ليس سببا في قطعه لأنه في الوقف يحسب ما مضي من ميعاد ، قبل حدوث سببه، و هذا لا يسمح لورثة المتوفي أو لصاحب الصفة عنه من الإستفادة بالميعاد كاملا و تحضير دفاعهم بصفة جيدة و لا سيما إذا حدثت الوفاة أو تغير الأهلية في الأيام الأخيرة من الميعاد كاليوم الثامن و العشرين أو التاسع و العشرين إذا من المستحسن تعديل نص المادة 105 ق إ م و جعلها تتضمن حالات قطع لميعاد و ليس وقفه.
المطلب الثالث: إجراءات رفع الطعن بالإستئناف :
تختلف إجراءات رفع الطعن بالإستئناف بإختلاف ما إذا كان هذا الأخير أصليا أو إستئنافا فرعيا.
الفرع الأول : إجراءات رفع الإستئناف الأصلي.
لقد حدد المشرع في المواد 110 و 111 و 114 و 115 ق إ م إجراءات رفع الطعن بالإسئناف و قد منح المشرع للخصم المحكوم عليه حرية الإختيار بين رفع الطعن مباشرة أمام كتابة ضبط المجلس القضائي أو رفعه أمام كتابة ضبط المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه.
بحيث يمكن للخصم المحكوم عليه أن يرفع إستئنافه أمام كتابة ضبط المجلس الذي تقع بدائرة إختصاصه المحلي المحكمة المصدرة للحكم، و ذلك بموجب عريضة مكتوبة و مسببة و موقعة منه أو من محاميه المقيد في جدول التنظيم الوطني للمحامين تودع لدى أمانة الضبط و تكون العريضة مصحوبة بنسخة من الحكم محل الطعن إلى جانب دفعه للرسوم القضائية.
و يجب أن تكون عريضة الطعن مصحوبة بعدد من النسخ بقدر عدد المستأنف عليهم حتى يتسنى تبليغ نسخة لكل واحد منهم، و قد نصت المادة 110 ق إ م على أن عريضة الطعن تسري عليها القواعد المنصوص عليها في المادتين 12 و 15 ، و مادام أن المادة 12 نصت على إمكانية رفع الدعوى بحضور المدعي أمام أمين الضبط الذي يقوم بتحرير محضر بتصريحاته فإنه يمكن رفع الإستئناف بحضور الطاعن أمام أمين الضبط، الذي يقوم بتحرير محضر بتصريح الطاعن الذي يوقع عليه أو يذكر فيه أنه لا يمكنه التوقيع و بعد تقديم عريضة الطعن تقيد حالا في سجل خاص، وفق ترتيب إستلامها مع بيان أسماء الطرفين و رقم القضية و تاريخ الجلسة.
بعد تحديد تاريخ أول جلسة من طرف الكاتب و التأشير بذلك التاريخ على نسخة عريضة الطعن يتعين على المستأنف أن يقوم بتكليف المستأنف عليه بالحضور للجلسة طبقا لأحكام المواد 22، 23، 24، 26 ق إ م .
و من جهة ثانية يمكن للمحكوم عليه أن يرفع إستئنافه بموجب عريضة مسببة و موقعة منه أو من محاميه المقيد في جدول التنظيم الوطني للمحامين و ذلك بإيداع عريضة الطعن لدى أمانة ضبط المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه و تسري على العريضة القواعد المنصوص عليها في المواد 12 و 15 و 111 ، و بعد إيداع عريضة الطعن يسلم الكاتب إيصالا بالإستئناف للطاعن الذي يبلغه فورا للمستأنف عليه، و يعمل كاتب الضبط على إحالة كامل ملف الدعوى إلى كتابة ضبط الجهة الإستئنافية خلال مدة شهر واحد تحت رقابة رئيس المحكمة و تحت طائلة العقوبات الجزائية.
و تقوم كتابة ضبط المجلس بمجرد إستلامها لعريضة الطعن بقيدها في سجل خاص بالإستئناف وفقا لترتيب إستلامها مع بيان أسماء الطرفين و رقم القضية و تاريخ الجلسة ثم تتولى تبليغها إلى الأطراف خلال 24 ساعة (1).
غير أن الملاحظ من الناحية العملية أن هذه الطريقة الثانية غير معمول بها على مستوى المحاكم حيث تقتصر إجراءات رفع الإستئناف على الطريقة الأولى و يمكن إنتقاد هذا الموقف الذي إنتزع من المتقاضين حقا منحه لهم المشرع ، و يشترط لإنعقاد خصومة الطعن بالإستئناف أن يقوم المستأنف بتكليف المستأنف عليه بالحضور للجلسة طبقا لأحكام المواد 22، 23، 24، 26 ق إ م لكن السؤال المطروح، ما هو الحل إذا لم يقم المستأنف بتكليف المستأنف عليه بالحضور للجلسة ؟.
بالرجوع إلى أحكام قانون الإجراءات المدنية نجد أن المشرع لم يضع نصا يعالج هذه المسألة مما أدى إلى خلق إشكال من الناحية العملية، حيث نجد بعض القضاة يفصلون في هذه المسألة بعدم قبول الإستئناف لعدم إنعقاد خصومة الطعن ،
إلا أن هذا الحل يمكن إننقاده بالنظر إلى أن الإستئناف هو طعن مقيد بميعاد و ليس دعوى مبتدأة يمكن تجديدها لأنه بإنقضاء ميعاد الشهر يسقط الحق في تقديمه مهما كان سبب ذلك و من أجل تفادي هذا الإشكال نجد أن هناك جانب ثاني من القضاة بدلا من القضاء بعدم قبول الطعن يلجئون إلى إصدار قرار تحضيري بإرجاء الفصل في الطعن إلى غاية قيام المستأنف بتكليف المستأنف عليه بالحضور، و إذا إمتنع المستأنف عن القيام بهذا الإستدعاء لمدة سنتين كاملتين من تاريخ إصدار قرار إرجاء الفصل فيترتب على ذلك سقوط خصومة الطعن بالإستئناف و جميع الإجراءات التي تمت فيها، مما يجعل الحكم محل الطعن حكما نهائيا مكتسبا لقوة الشيء المقضي فيه طبقا للمادة 224 قانون الإجراءات المدنية (1) .
الفرع الثاني: إجراءات رفع الإستئناف الفرعي.
كما قلنا سابقا أن المشرع الجزائري لا يميز بين الإستئناف الفرعي و الإستئناف المقابل حيث جعل كل إستئناف مقدم من المستأنف عليه إستئنافا فرعيا مهام كان ميعاد تقديمه و كنا قد إنتقدنا موقف المشرع هذا لأنه كان يتعين عليه التميز بين هاذين النوعين نظرا للإختلافات الموجودة بينهما و المشار إليها سابقا بالإضافة إلى إختلاف إجراءات رفعهما كما سنوضحه فيما يلي:
بالرجوع إلى قانون الإجراءات المدنية و لا سيما المادة 103 منه التي تحدثت عن الإستئناف الفرعي نجد أن المشرع لم يحدد إجراءات رفع هذا الطعن و إنما أجاز تقديمه في أية مرحلة من مراحل سير خصومة الإستئناف بشرط قبل إقفال باب المرافعات ووضع القضية في المداولة، و عمليا يتم تقديم الإستئناف الفرعي بموجب مذكرة جوابية تسلم نسخ منها إلى الخصم بالجلسة .
غير أنه ي قد يحدث أن يقدم المستأنف عليه إستئنافه الفرعي، و هو الذي يعرف بالمقابل أثناء ميعاد الطعن و قد يحدث أن يقدم طعنه هذا و أنه لا يعلم أن الخصم الأخر قد رفع إستئنافا عن ذات الحكم و بالتالي يقوم برفعه وفقا للإجراءات المعتادة للإستئناف، و بالتالي تكون في هذه الحالة أمام إستأنافين مقدمين في الميعاد، و بذات الإجراءات و ما يجعل أحدهما أصليا و الأخر فرعيا هو الأسبقية في تاريخ الرفع و مادام أن الطعنين قد رفعا بصفة مستقلة فيكون لكل منهما رقمه الخاص و ملفه الخاص فيقوم المجلس بضمهما للفصل فيهما معا.
و قد يحدث كذلك أن يرفع المستأنف عليه إستئنافه الفرعي في الميعاد و ذلك بموجب مذكرة جوابية تقدم في أول جلسة إذا كانت هذه الأخيرة قد إنعقدت أثناء الميعاد، و خلاصة القول أن الإستئناف الفرعي حسب المفهوم الوارد في قانون الإجراءات المدنية قد يرفع إما طبقا لإجراءات رفع الطعن بالإستئناف إذا قدم أثناء الميعاد أو بموجب مذكرة جوابية ، إذا قدم أثناء سير خصومة الإستئناف.
المبحث الثالث : أثار الطعن بالإستئناف و كيفية الفصل فيه .
إذا كان المشرع قد أجاز الطعن في الأحكام بالإستئناف فالسؤال المطروح ما هي الآثار المترتبة على إعمال هذا الطعن و كيف يتم الفصل فيه من قبل الجهة القضائية المقدم أمامها ؟
المطلب الأول: أثار الطعن بالإستئناف .
يترتب على الطعن في الحكم بالإستئناف أثارين أساسين يتمثلان في وقف تنفيذ الحكم المستأنف و عرض النزاع على محكمة أعلى درجة و هي المجلس القضائي.
الفرع الأول: وقف تنفيذ الحكم محل الطعن بالإستئناف.
أ-المبدأ : إن الحكم القضائي لا يكون قابلا للتنفيذ كمبدأ إلا إذا كان حائزا لقوة الشيء المقضي فيه و أن الحكم لا يكتسب هذه القوة إلا بصيرورته نهائيا، و هو يكتسب هذه الصفة إما بإستنفاذ طرق الطعن العادية أو بصدوره نهائيا و قد نصت المادة 102 فقرة 3 ق إ م على أن ” للإستئناف أثر موقف ما لم ينص القانون على غير ذلك” ، و عليه فإن الطعن في الحكم بالإستئناف يوقف تنفيذه، و هذا الوقف يبدأ من تاريخ صدور الحكم ذلك أن ميعاد الشهر المقرر للإستئناف يوقف تنفيذه و في حالة رفع الإستئناف يستمر وقف التنفيذ إلى غاية الفصل في خصومة الإستئناف بقرار يؤيده أو يلغيه، و إذا كان المبدأ هو أن إستئناف الأحكام الصادرة في المادة المدنية يوقف تنفيذها فإن إستئناف القرارات الصادرة في المادة الإدارية ليس له أثر موقف طبقا للمادة 171 من ق إ .
ب-الإستثناء: إلا أنه إستثناءا من هذه المبدأ فقد نصت م 102 على عدم وقف الإستئناف لتنفيذ الحكم إذ نص القانون على ذلك، و المقصود بذلك هو صدور الحكم إبتدائيا لكنه مشمولا بالنفاذ المعجل مما يجعله قابلا للتنفيذ رغم إستئنافه.
و يقصد بالتنفيذ المعجل تنفيذ الحكم قبل الأوان العادي لإجرائه، أي قبل أن يصير الحكم نهائيا و لهذا يوصف بأنه معجل و هو تنفيذ غير مستقر.
إلا أنه و من جهة ثانية فقد أجازت المادة 40 ق إ م للخصم الذي يراد تنفيذ الحكم عليه أن يقدم إعتراضا على النفاذ المعجل أمام نفس الجهة التي تنظر في الإستئناف و ذلك بموجب عريضة مستقلة عن عريضة الإستئناف، يلتمس فيها وقف تنفيذ الحكم إلى غاية الفصل في الإستتئناف و يتعين على الجهة التي تنظر في الطعن أن تبت في هذا الإعتراض في أقرب جلسة، بإستثناء الأوامر الإستعجالية التي لا تقبل الإعتراض على النفاذ المعجل طبقا للمادة 188 ق إ م (1) .
الفرع الثاني : الأثر الناقل للإستئناف.
يترتب على رفع الإستئناف طرح النزاع بالحالة التي كان عليها قبل صدور الحكم المستأنف على المجلس القضائي، ليفصل فيه من جديد و هذا ما يعرف بالأثر الناقل للإستئناف (1)
و لهذا الأخير كل ما لمحكمة الدرجة الأولى من سلطة في هذا الصدد، فهو يبحث وقائع الدعوى و يقوم بإتخاذ ما يراه مناسبا من إجراءات الإثبات و يعيد تقرير الوقائع مما قدم إليه من مستندات و دفاع الخصوم، ثم هو أخيرا يطبق على النزاع القاعدة القانونية التي يراها صحيحة (2)، و إذا كان الطعن بالإستئناف يرفع النزاع إلى محكمة الدرجة الثانية فإن نطاق خصومة الإستئناف أمام المجلس القضائي يتحدد على النحو التالي :
أ-تقييد المجلس القضائي بحدود ما فصلت فيه المحكمة: القاعدة أن الإستئناف لا يطرح على المجلس من الطلبات التي عرضت على المحكمة إلا ما فصلت فيه هذه الأخيرة، و رفع عنه إستئناف، ذلك أن هذا الأخير قد شرع بقصد تجريح الحكم المطعون فيه فلا يتصور ثمة خطأ ينسب إلى محكمة الدرجة الأولى في أمر لم يعرض عليها أو عرض عليها و لم تفصل فيه لسبب ما أو عرض عليها و فصلت فيه و لم يطعن في قضائها (3)
و من ثم فإن المجلس لا يملك سلطة الفصل في طلب لم يسبق للمحكمة أن أصدرت بشأنه حكما، و يترتب على ذلك مبدأ أساسي يتمثل في عدم جواز تقديم طلبات جديدة أمام جهة الإستئناف إلا ما إستثناه المشرع و نص على جواز تقديمه.
1-المبدأ : لقد أورد المشرع في المادة 107 من ق إ م مبدأ عدم جواز تقديم الطلبات الجديدة أمام جهة الإستئناف إلا ما تم النص صراحة على جواز تقديمه،
و يقصد بالطلب الجديد ذلك الطلب الذي يختلف عن الطلب الأصلي المقدم أمام المحكمة المصدرة للحكم المستأنف في أحد عناصره سواءا الأشخاص أو الموضوع أو السبب (4)
و هذا المنع ينبني على إعتبارين إثنين :
-إن قبول الطلبات الجديدة في الإستئناف يعد إخلال بمبدأ التقاضي على درجتين إذ من مقتضاة تفويت درجة من درجات التقاضي على الخصم الذي يوجه إليه الطلب.
-إن قبول الطلبات الجديدة في الاستئناف يتنافى مع اعتبار هذا الأخير تجريحا لقضاء محكمة الدرجة الأولى و تظلما من قضائها دون أن ينسب لها خطأ.
غير أنه من الجائز إبداء أدلة و دفوع و أوجه دفاع جديدة أمام جهة الاستئناف لأنه يجب على هذه الأخيرة أن تفصل في الاستئناف على أساس ما يقدم لها من أدلة و دفوع بشرط أن لا تكون قد سقطت لعدم الإدلاء بها في الوقت المناسب، و أوجه دفاع جديدة وما كان قد قدم من ذلك إلى محكمة الدرجة الأولى،
(1):د / أحمد أبو الوفا مرجع سابق ص 588
(2): د / أحمد أبو الوفا مرجع سابق ص 589
فالغرض من الاستئناف هو تمكين المحكوم عليه من إبداء ما يعن له من وسائل الدفاع الجديدة و استدراك ما سها عنه و تدارك ما أخطأ في عرضه (1) و يدق التميز بين الطلب الجديد و وسيلة الدفاع، فالطلب الجديد هو الطلب الذي يختلف عن الطلب الأصلي في أحد عناصره، أما وسيلة الدفاع فهي الحجة التي يستند إليها الخصم في تأييد ما يدعيه دون أن يحدث بها تغيرا فيما طلبه.
و يعد الطلب جديدا إذا كان من الجائر رفعه بدعوى مبتدأه دون أن يكون من الجائز الدفع بحجية الشيء المحكوم فيه (2).
و قد أكدت المحكمة العليا في العديد من قراراتها مبدأ عدم قبول الطلبات الجديدة أمام جهة الاستئناف حيث جاء في أحدها : ” من المقرر قانونا أنه لا تقبل الطلبات الجديدة في الاستئناف ما لم تكن خاصة بمقاصة أو كانت بمثابة دفاع في الدعوى الأصلية و من ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا للقانون ” (3).
2-الاستثناء : إذا كان المبدأ كما استخلصناه أعلاه هو عدم جواز تقديم طلبات جديدة أمام جهة الاستئناف فإن المشرع أورد بعض الاستثناءات عليه حيث حدد في 107م ق.إ.م بعض الطلبات التي يجوز تقديمها لأول مرة أمام المجلس القضائي و التي تتمثل في :
المقاصة : إن المقاصة التي نصت عليها المادة 107 ق.إ.م هي المقاصة القضائية و ليس المقاصة القانونية لأن هذه الأخيرة يتولد عن التمسك بها دفع موضوعي و من ثم فهي تشكل وسيلة دفاع يجوز التمسك بها لأول مرة، أمام جهة الاستئناف في حين يتولد عن التمسك بالمقاصة القضائية طلب عارض.
و يشترط لقبول المقاصة القضائية : تقابل دينين و صلاحية المطالبة بهما قضاءا و قابليتهما للحجز، و التماثل في المحل بين الدينين و استحقاقهما للأداء، و لا تكون المقاصة القضائية إلا في صورة دعوى و التمسك بها في صورة طلب عارض يدفع بها الدعوى الأصلية، بحيث يطلب المدعى عليه من القاضي في الطلب العارض إسقاط الدين الذي له على المدعي إذا كان الدين متنازع فيه أو في تعين مقدار الدين إذا لم يكن محدد المقدار ثم تجري مقاصة قضائية ، و ينظر القاضي في الدعوى الأصلية و العارضة و يحكم فيهما معا بعد أن يحصل نزاع في الدين الذي للمدعى عليه في ذمة المدعي أو بعد أن يعين مقداره و تبعا لذلك تجري المقاصة بعد أن أصبحت ممكنة و ينقضي الدينين بقدر الأقل منهما.
الطلب الجديد كوسيلة دفاع لرد الطلب الأصلي : يكون الطلب الجديد الذي أثير لأول مرة أمام جهة الاستئناف مقبولا إذا كان يشكل وسيلة دفاع لرد الطلب الأصلي فبرغم من أن هذه الوسيلة تتضمن طلبا غير أنها مقبولة لكونها أصبحت تقوم بدور وسيلة الدفاع في الدعوى الأصلية، كما لو طلب الخصم رفض الدعوى أمام المحكمة فيمكنه أن يطلب لأول مرة أمام جهة الاستئناف بطلان العقد للإكراه أو التدليس أما إذا كان الطلب الجديد يتجاوز جملة الدفاع فيعد غير مقبولا.
ملحقات الطلب الأصلي : يعتبر من الملحقات كل ما يمكن إضافته إلى الأصل دون أن يستغرقه و قد أشارت المادة 107 إلى بعض الملحقات كالفوائد و بدل الإيجار، و النص يتسع ليشمل سائر التوابع الأخرى و لذلك يدخل تحت مدلول المحلقات، الأموال التي تدخل في صيانة المال المتنازع عليه. و الملحقات التي يمكن طلبها لأول مرة أمام جهة الاستئناف هي تلك التي تستحق بعد صدور حكم الدرجة الأولى و المطالبة بهذه الملحقات يجب أن ينطوي على الجدة من ناحية الموضوع.
طلب التعويض عن الضرر الحاصل من جراء الحكم و منذ صدوره : يمكن المطالبة بالتعويض عن الأضرار الحاصلة بعد صدور الحكم المستأنف سواء تعلق الطلب بالتعويض عن تفاقم الأضرار مما يبرر تقديم طلب يتضمن زيادة التعويض أو التعويض عن الضرر الناجم عن حكم مشمول بالنفاذ المعجل و نفذ ثم ألغته جهة الاستئناف.
الطلب المشتق مباشرة من الطلب الأصلي : يقصد بالطلب المشتق مباشرة من الطلب الأصلي الطلب الجديد من حيث السبب مع بقاء عنصري الخصوم و الموضوع ثابتان و قد نص المشرع في المادة 107 ق إ م على قبول الطلب الجديد أمام جهة الاستئناف إذا تضمن تغيرا في سبب الطلب الأصلي مع بقاء عنصري الخصوم و الموضوع ثابتان و ذلك استثناء من القاعدة العامة التي تقضي بعدم قبول الطلبات الجديدة .
و قد جسدت المحكمة العليا في القرار رقم 719/ 32 هذا المبدأ حيث جاء فيه : ” متى كان من المقرر قانونا أنه لا تقبل الطلبات الجديدة في الاستئناف ما لم تكن خاصة بمقاصة أو كانت بمثابة دفاع في الدعوى، فإن القضاء بالاستجابة إلى الطلبات المتعلقة بتوابع العصمة المقدم لأول مرة أمام قضاة الاستئناف لا يعتبر قضاء في طلبات جديدة باعتبار أنها مشتقة من الطلب الأصلي الذي هو فك عصمة الزوجية، و لا تطبق بشأنها قواعد المادة 107 ق إ م” (1).
تعديل الطلب القضائي بتوسيع نطاق الأشخاص أمام جهة الاستئناف : إذا كان القانون لا يسمح بتعديل الطلب القضائي من حيث الموضوع فإنه أجازه من حيث السبب و أجازه من حيث توسيع نطاق أشخاص الخصومة أمام جهات الإستئناف، حيث تنص المادة 108 ق إ م على أنه ” لا يقبل التدخل إلا إذا كان صادرا ممن له مصلحة قائمة و حالة في النزاع “.
إن تعديل الطلب القضائي بتوسيع أشخاصه يكون إما بإدخال الغير في الخصومة جبرا كتوجيه الطلب من أحد الخصمين إلى الغير خارج الخصومة، و هذه الصورة لا تقبل أمام جهة الاستئناف لأن المشرع سمح بالتدخل دون الإدخال.
إن تدخل الغير في خصومة قائمة هو على نوعين: تدخل إنضمامي و تدخل هجومي، و إن التدخل المقبول أمام جهة الاستئناف هو التدخل الانضمامي دون التدخل الهجومي لأنه يعد طلبا جديدا في كافة عناصره و قبوله يؤدي إلى طرح طلب جديد أمام جهة الاستئناف الذي يتنافى مع مبدأ التقاضي على درجتين.
جزاء تقديم طلب جديد لأول مرة أمام جهة الاستئناف : يترتب عن تقديم طلب جديد لأول مرة أمام جهة الاستئناف عدم قبوله، و لقد استقر قضاء المحكمة العليا أن قاعدة عدم جواز تقديم الطلبات الجديدة أمام جهة الاستئناف ليست من النظام العام بحيث لا يجوز لهذه الأخيرة القضاء من تلقاء نفسها بعدم قبول الطلب إذا لم يثر المستأنف عليه دفعا بعدم قبول الطلب باعتباره جديدا ، حيث جاء في قرارها رقم 31620 أنه : ” متى كان من المقرر قانونا أنه لا تقبل الطلبات الجديدة في الاستئناف ما لم تكن خاصة بمقاصة أو مشتقة مباشرة من الطلب الأصلي في الدعوى، و من المقرر كذلك أن عدم قبول هذه الطلبات ليس من النظام العام و من ثمة فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد إساءة في تطبيق القانون “، و بما أن عدم القبول ليس من النظام العام، لا يجوز للمجلس القضائي رفض الفصل في طلب جديد ما لم يتمسك الخصم بهذا الدفع (1).
ب-تقيد المجلس القضائي بحدود الطعن المقدم : إذا كان المبدأ هو نقل الاستئناف للنزاع أمام المجلس القضائي، إلا أن سلطة هذا الأخير في نظر خصومة الاستئناف تتحدد بحدود الطعن المقدم من حيث الموضوع و من حيث الأشخاص.
1-تقيد المجلس بحدود الطعن المقدم من حيث موضوع الاستئناف : المقصود بذلك هو التمييز ما إذا كان الطعن بالاستئناف شاملا لكل الحكم أو جزء منه فقط.
فإذا كان الطعن شامل لكل الحكم المستأنف فيتمتع المجلس بسلطة كاملة في دراسته، أما إذا كان الاستئناف منصبا على جزء من الحكم فقط فهذا الجزء المستأنف هو الذي يقوم المجلس بإعادة دراسته دون الجزء الغير مستأنف الذي يحوز قوة الشيء المقضي فيه، فإذا كان موضوع الحكم المستأنف متعلقا بالحضانة و النفقة و التعويض و استأنف في جميع هذه الجوانب كان للمجلس سلطة دراسة الحكم المطعون فيه من جميع جوانبه، أما إذا أستأنف هذا الحكم في الجانب الخاص بالتعويض فقط فهذا الجانب وحده هو الذي يكون محل لنظر المجلس (2)، إلا إذا وسعت خصومة الاستئناف عن طريق استئناف مقابل أو فرعي للأجزاء الغير مستأنفة مما يؤدي إلى عرض النزاع برمته أمام المجلس.
إلا أن مبدأ تقيد المجلس بحدود الطعن ترد عليه بعض الإستثناءات تتمثل أساس في الحالات التالية:
1-إذا كان الإستئناف لم يحدد فيه أي جزء من الحكم الذي تم الطعن فيه بحيث تعد هذه الحالة التطبيق الفعلي للأثر الناقل للإستئناف و عدم تقيد المجلس بحدود الطعن، لأن الطاعن في هذه الحالة لم يحدد جزء معينا من الحكم الذي يريد إعادة طرحه على المجلس مما يؤدي إلى عرض النزاع بجميع جوانبه على جهة الإستئناف.
2-إذا كان محل الحكم المطعون فيه بالإستئناف غير قابل للتجزئة، و عليه فإذا كانت عناصر الحكم المستأنف مرتبطة بمسألة غير قابلة للتجزئة فلا يمكن الطعن في جزء من الحكم دون الطعن في باقي الأجزاء بصفة غير مباشرة، و عليه إذا صدر الحكم بإلزام المستأنف بدفع مبلغ الدين و تعويض عن الضرر و تم إستئناف الجزء الخاص بمبلغ الدين، فإن الطعن يتوسع ليشمل مقدار التعويض.
3-إذا كان الإستئناف يهدف إلى إلغاء الحكم محل الطعن ففي هذه الحالة يتم دراسة الحكم من طرف المجلس بجميع عناصره (1) .
2-تقيد المجلس بحدود الطعن المقدم من حيث الأشخاص :
يقوم هذا القيد أساسا على التميز بين ما إذا كان الإستئناف قد قدم من طرف خصم واحد أو من جميع أطراف الخصومة.
فإذا قدم الإستئناف من خصم واحد في القضية يكتفي المجلس بالإجابة عن محل الإستئناف بقبوله أو رفضه، فكما لا يجوز له أن يحكم بأكثر من المطلوب، فإنه لا يجوز له أن يحكم بما يضر الطاعن بالمقارنة على ما تحصل عليه في الحكم محل الطعن (2)، و قد أكدت المحكمة العليا هذا المبدأ في العديد من قراراتها حيث جاء في أحدها: ” من المستقر عليه قضاءا أنه لا يضار المستأنف من إستئنافه ” (3) و من خلال هذا المبدأ تتبين الفائدة التي تعود للمطعون ضده من تقديم إستئناف مقابل أو فرعي .
أما إذا قدم الإستئناف من جميع أطراف الخصومة فتكون سلطة تقدير المجلس كاملة في الحكم لصالح أي من الطرفين و هذا يفترض في حالة عدم حصول كلا الطرفين على طلباتهما كاملة (4).
المطلب الثاني: الفصل في الطعن بالإستئناف.
طبقا للمادة 5 من ق إ م فإن الجهة القضائية المختصة بنظر الطعون بالإستئناف هي المجالس القضائية في إحدى غرفها المختصة حسب نوع القضية.
بمجرد قيد عريضة الإستئناف لدى أمانة ضبط المجلس يحال الملف إلى رئيس الغرفة المختصة الذي يعين مستشارا مقررا للدعوى يحال إليه ملفها خلال 24 ساعة .
بإعتبار تشكيلة الغرفة التي تنظر في الطعن تشكيلة جماعية تتكون من 3 أعضاء هم رئيس الغرفة و مستشارين وجب التأكيد على أنه لا يجوز لأي قاض سبق له الفصل في النزاع في الدرجة الأولى أن يكون عضوا في تشكيلة المجلس التي تنظر الطعن لأن ذلك يشكل خرقا لمبدأ التقاضي على درجتين و قد أكدت المحكمة العليا هذا المبدأ ، حيث جاء في القرار رقم 29276 : ” متى كان من المقرر قانونا أن قرارات المجلس تصدر من ثلاثة أعضاء فمشاركة القاضي الذي فصل في النزاع في أول درجة، ضمن الهيئة الإستئنافية يعد خرقا لمبدأ التقاضي على درجتين ” (5) .
و بخلاف ذلك فإنه يجوز للقاضي الذي سبق له و أن نظر النزاع أمام المحكمة و أصدر حكما قبل الفصل في الموضوع أن يشارك في تشكيلة المجلس التي تنظر الطعن بالإستئناف، حيث جاء في قرار المحكمة العليا أنه ” ليس هناك تعارض في مشاركة القاضي الأول الذي أصدر حكمه قبل الفصل في الموضوع في تشكيلة المجلس القضائي ” (1) .
يتم التحقيق و الفصل في الطعن بالإستئناف طبقا للإجراءات المنصوص عليها في المواد من 121 إلى 147 ق إ م ، و بعد تبادل المذكرات بين الخصوم في الجلسات المتعاقبة يتولى العضو المقرر تحرير تقرير يتلوه في الجلسة المحددة للمرافعات يختمه ببيان نقاط النزاع التي ينبغي الفصل فيها دون أن يبدي رأيه فيها، حينئذ يجوز للأطراف إبداء ملاحظاتهم الشفوية و للنيابة إبداء إلتماساتها (2)
و قد نصت المادة 141 ق إ م على ثلاثة حالات يجب أن تطلع فيها النيابة على القضايا المطروحة أمام المجلس و هي :
1-بقوة القانون بالنسبة للقضايا المذكورة في هذه المادة، حيث ترسل ملفات تلك القضايا بواسطة كتابة الضبط إلى النائب العام و ذلك قبل 10 أيام على الأقل من يوم الجلسة .
2-بإرادة النائب العام حين يرى أن تدخله فيها ضروري و لا سيما القضايا الماسة بالنظام العام .
3-بإرادة المجلس القضائي الذي يجوز له أن يأمر من تلقاء نفسه بإرسال القضايا المذكورة أعلاه إلى النائب العام.
بعد إتخاذ كل هذه الإجراءات يعلن رئيس الغرفة إقفال باب المناقشة و تحال القضية للمداولة و يحدد تاريخ الجلسة التي سيصدر فيها القرار التي يجب أن تكون علنية، عندئذ لا يجوز لأي من الخصوم أو النيابة العام تقديم أية مذكرات أو سندات إلا إذا تم الأمر بإعادة القضية إلى الجدول أو حدث تعديل في تشكيل هيئة الغرفة .
تجري مداولات المجلس سريا و لا يحضرها إلا أعضاء الغرفة المختصة دون خضور النيابة العامة و لا الأطراف و لا محاميهم و لا كاتب الضبط، و يشرع أعضاء الغرفة بدراسة الطعن من حيث صحته من الناحية الشكلية و مدى توفر شروط قبوله أولا لينتقلوا إلى دراسته من حيث الموضوع و مدى تأسيسه كمرحلة ثانية.
الفرع الأول: دراسة الإستئناف من حيث صحته من الناحية الشكلية و مدى توافر شروط قبوله .
إن أول مسألة يبدأ أعضاء الغرفة بدراستها هي مدى صحة الطعن بالإستئناف من حيث الشكل و يتعلق الأمر أساسا بصحة عريضة الطعن و رفعه من ذي أهلية و على ذي أهلية و إذا تبين لهم عدم صحة الإستئناف من حيث الشكل صرحوا ببطلان إجراءات الإستئناف.
أما إذا تبين لأعضاء الغرفة أن الإستئناف صحيح من حيث الشكل، شرعوا في دراسته من حيث توافر شروط قبوله سواء تعلق الأمر بالشروط العامة أو الخاصة فإذا تبين لهم أن الطعن قد رفع من غير ذي صفة أو على غير صفة أو لم يكن للطاعن مصلحة صرحوا بعدم قبول الطعن سواء بناءا على دفوع المستأنف عليه، أو من تلقاء نفسهم لتعلق هذه الشروط بالنظام العام .
كما يقوم المجلس بدراسة الإستئناف من حيث مدى قبول الحكم محل الطعن للإستئناف، فإذا تبين لهم أن الحكم محل الطعن غير جائز إستئنافه كما لو كان هذا الحكم تحضيريا أو إبتدائيا نهائيا صرح بعدم قبول الإستئناف، و تعتبر قاعدة عدم القبول هنا من النظام العام يجوز لأعضاء الغرفة إثارتها من تلقاء أنفسهم حيث جاء في أحد قرارات المحكمة العليا أنه : ” إستئناف حكم -تحضيري – قاعدة عدم القبول الإستئناف من النظام العام ” (1).
و بعد تأكد المجلس من أن الطعن قد رفع من ذي صفة و مصلحة و أن الحكم محل الطعن جائز إستئنافه شرع في التحقق من وروده ضمن الآجال القانونية، فإذا تبين أن الطعن قد رفع خارج الآجال صرح بعدم قبوله ذلك أنه بإنقضاء أجل الشهر يسقط الحق في الطعن طبقا للمادة 461 ق إ م ، و يكون للمجلس إثارة سقوط الحق في الطعن من تلقاء نفسه بإعتبار الميعاد من المسائل المتعلقة بالنظام العام.
و تبعا لذلك إذا تبين للمجلس من خلال دراسة الطعن بالإستئناف من حيث شكله و توفر شروط قبوله، تخلف أحد الشروط صرح بعدم قبوله، دون التطرق إلى الموضوع، أما إذا تبين له توافر شروط قبول الإستئناف صرح بقبوله ثم إنتقل إلى دراسته من حيث الموضوع.
الفرع الثاني : دراسة الطعن بالإستئناف من حيث الموضوع.
عند دراسة المجلس لموضوع الطعن بالإستئناف فإن قراره لا يخرج عن إحدى الحالات التالية :
-إما أن يؤيد الحكم محل الطعن إذ بين له صحته و بالتالي يحيل إلى أسبابه و يقضي برفض الإستئناف لعدم التأسيس.
-إما أن يلغي الحكم محل الطعن إذا تبين له عدم صحته مع بيان أسباب الإلغاء بصورة كافية .
-إما أن يعدل الحكم محل الطعن مع ذكر الأسباب التي إقتضت التعديل و يعتبر كل ما لم يتناوله التعديل مؤيدا و تبقى أسباب الحكم الإبتدائي قائمة دون حاجة الإحالة إليه (2)
و السؤال المطروح هل يفصل المجلس القضائي في موضوع النزاع عندما يلغي الحكم الصادر عن محكمة أول درجة أم يحيل النزاع لهذه الأخيرة للبت فيه لا سيما إذا كان الحكم محل الطعن من الأحكام الصادرة قبل الفصل في الموضوع التي لا تستتفذ بموجبها المحكمة ولايتها ؟
للإجابة على هذا التساؤل يجب التمييز بين ما إذا كان الحكم المستأنف قد فصل في موضوع النزاع أم أنه من الأحكام الفرعية الصادرة قبل الفصل في الموضوع مثل الأحكام التي تفصل في الدفوع الإجرائية أو دفوع بعدم القبول.
و تبعا لذلك فإذا كان الحكم المستأنف قد فصل في موضوع النزاع، فإن المحكمة تكون قد إستنفذت ولايتها بالنسبة للموضوع، و من ثم إذا ألغى المجلس مثل هذا الحكم فيكون ملزما بالفصل من جديد في موضوع النزاع .
أما إذا كان الحكم المستأنف من الأحكام الفرعية الصادرة قبل الفصل في الموضوع مثل الأحكام الفاصلة في الدفوع الإجرائية كالدفع بعدم الإختصاص أو ببطلان الإجراءات، أو دفوع بعدم القبول كالدفع بإنعدام الصفة أو المصلحة أو بعدم إستيفاء القيد المقرر قانونا ، فإن المحكمة في مثل هذه الأحكام لم تستنفذد ولايتها بالنسبة لموضوع النزاع، و من ثم يتعين على المجلس عند إلغاء مثل هذه الأحكام أن يعيد الملف إلى المحكمة للفصل في الموضوع تطبيقا لمبدأ التقاضي على درجتين.
إلا أن المشرع نص في المادة 109 ق إ م على أنه ” إذا ألغى الحكم المستأنف فيجوز للجهة الإستئنافية التصدي للدعوى متى كانت مهيأة للفصل فيها ” ،
فبموجب هذا النص منح المشرع للمجلس رخصة للفصل في موضوع النزاع عند إلغاء حكم صادر قبل الفصل في الموضوع إذا كان ملف القضية جاهزا للفصل فيه.
فحق المجلس في التصدي هو حق جوازي، فله الفصل في موضوع النزاع أو إعادة القضية أمام المحكمة للفصل فيها، و إذا إختار المجلس إستعمال رخصة التصدي فيشترط أن تكون القضية جاهزة للفصل فيها و هي مسألة لا تخضع لرقابة المحكمة العليا، أما إذا كانت القضية غير جاهزة للفصل فيجب على المجلس عند إلغاء الحكم رد القضية أمام المحكمة لتفصل فيها و هي مسألة تخضع لرقابة المحكمة العليا.
و تكون القضية مهيئة للفصل فيها إذا كانت بغير حاجة إلى إجراء تحقيق و يكون الأطراف قد إستنفذوا دفوعهم في الموضوع.
إن حق المجلس في التصدي هي رخصة للفصل في طلب جديد لم تفصل فيه المحكمة و هو إستثناء على مبدأ عدم جواز قبول الطلبات الجديدة أمام جهة الإستئناف و مبدأ التقاضي على درجتين (1).
و قد أكدت المحكمة العليا هذا المبدأ في قرارها رقم 848 /33 الذي جاء فيه :
” المجلس القضائي – التصدي – دعوى غير مهيأة للفصل فيها -خرق لمبدأ التقاضي على درجتين .
إذا كان هذا المقرر قانونا أن المجلس القضائي عند إلغائه الحكم المستأنف يتصدى للفصل في الدعوى متى كانت مهيأة للفصل، فإنه ليس للمجلس البت في الدعوى عن طريق التصدي إذ لم تكن المعلومات كلها موجودة بالملف، و إن القضاء بخلاف هذا المبدأ ينجر عنه خرق مبدأ التقاضي على درجتين ” (1).
المطلب الثالث : التنازل عن الطعن بالإستئناف.
بالرجوع إلى أحكام المواد 102 إلى 109 ق إ م التي نظم بموجبها المشرع الطعن بالإستئناف لا نجد أي نص ينظم مسألة التنازل عن الإستئناف، و الآثار المترتبة على ذلك، لذا يجب الرجوع إلى القواعد العامة و تطبيق نص المادة 97 ق إ م المتعلقة بترك الخصومة و من خلالها نستخلص:
أنه يجوز للمستأنف التنازل عن الطعن بالإستئناف و جميع الإجراءات التي تمت في خصومة الإستئناف دون الحاجة إلى قبول المستأنف عليه، إذا كان ميعاده قد إنقضى وقت الترك لأنه لا مصلحة للمستأنف عليه في الإعتراض.
أما إذا كان الترك مقترنا بشرط الإحتفاظ بالحق في تجديد الإستئناف فإنه جائز و إنما يشترط قبول المستأنف عليه.
و يتم الترك بموجب طلب مكتوب يقدمه المستأنف أو محضر يحرر لذلك و يثبت القاضي الترك بقرار، مع تحميل التارك المصاريف القضائية.
و يترتب على تنازل المستأنف على طعنه زوال جميع إجراءات الإستئناف كما يؤدي إلى زوال الإستئناف الفرعي ، إذا كان قد قدمه المستأنف عليه لأن مصير هذا الأخير مرتبط بمصير الإستئناف الأصلي بحيث يتبعه و يزول بزواله في جميع الأحوال، أما إذا كان الإستئناف الذي قدمه المستأنف عليه هو إستئناف مقابل و ليس فرعيا حسب المفاهيم المحددة سابقا، فإنه يبقى قائما بالرغم من إنقضاء الإستئناف الأصلي بالترك .
و السؤال الذي يمكن طرحه في هذا المقام هو هل يجوز للمستأنف تقديم إستئنافا جديدا بعدما تنازل عنه سابقا ؟
للإجابة على هذا التساؤل يجب التمييز بين حالتين و هما:
-حالة ما إذا كان ميعاد الطعن بالإستئناف لا زال قائما فلا يوجد ما يمنع الخصم من تقديم إستئناف جديد في هذا الميعاد بعدما كان قد قدم إستئنافا و تنازل عنه.
-حالة ما إذا كان ميعاد الطعن قد إنقضى فيترتب على ذلك سقوط الحق في الإستئناف مما يؤدي إلى إكتساب الحكم السابق قوة الشيء المقضي فيه .(2)
خاتمــــة :
ما يمكن إستخلاصه من خلال دراسة هذا الموضوع أن التشريعات الإجرائية في مختلف الدول أحسنت صنعا لما أجازت الطعن في الأحكام القضائية، من أجل منح فرصة للخصوم في التظلم من الأحكام الصادرة ضدهم و التي قد تكون جاوبت الصواب بالطعن فيها إلا أنه و من جهة ثانية و من أجل ضمان إستقرار الحقوق لأصحابها و إعطاء مصداقية للأحكام القضائية، وضع المشرع مجموعة من الشروط تنظم إستعمال هذا الحق و يترتب على تخلفها عدم قبول الطعن .
إلا أنه و من خلال دراستنا لهذا الموضوع فإننا نرى أنه من المستحسن لو قلص المشرع من نطاق الأحكام القابلة للطعن بالمعارضة، و ذلك بجعل الحكم الغيابي غير قابل للمعارضة إذا كان قابلا للإستئناف من أجل التقليل من حجم النزاعات المعروضة على المحاكم من جهة و غلق باب المعارضة أمام المدعى عليه السيء النية، الذي يتعمد عدم الحضور بالرغم من توصله بالتكليف بالحضور لكن ليس بصفة شخصية لعلمه أن الحكم سيصدر غيابيا و بإمكانه الطعن بالمعارضة فيه، مما يؤدي إلى إعادة طرح نفس النزاع أمام نفس الجهة القضائية، الأمر الذي يؤدي إلى الإضرار بالمدعي نتيجة طول أمد الفصل في النزاع .
و من جهة أخرى فمن المستحسن لو يضع المشرع نصا يلزم بموجبه المحكوم له بتبليغ الحكم للخصم الغائب خلال مدة معينة و إلا سقط الحكم بإنقضائها دون التبليغ من أجل ضمان إعلام الخصم الغائب بما تم القضاء به عليه و حتى لا يفاجئ به بعد مدة طويلة من صدوره ، و كذا ضمان بداية سريان مواعيد الطعن.
أما فيما يخص الإستئناف فإن المشرع منح للمجلس حق التصدي لموضوع النزاع حتى و إن كانت المحكمة لم تفصل فيه كما لو كان الحكم محل الطعن قد فصل في مسألة فرعية قبل الفصل في الموضوع كالإختصاص أو الصفة أو القيد، و بالرغم من أن حق المجلس في التصدي هو حق جوازي له إستعماله أو عدم إستعماله إذا كانت القضية مهيئة للفصل فيها إلا أنه يشكل خروجا على مبدأ التقاضي على درجتين الذي يعد أساس للإستئناف و من أجل إحترام هذا المبدأ، فمن المستحسن أن يمنح الخصم الإستفادة الكاملة بهذا الحق و ذلك بقيام المجلس بالفصل في المسألة الفرعية المعروضة عليه، دون التطرق إلى الموضوع الذي يبقى من أختصاص المحكمة التي أصدرت الحكم محل الإستئناف، و أنه عندما تفصل هذه الأخيرة في الموضوع فإن حكمها يكون قابل للإستئناف بخلاف ما إذا فصل المجلس في الموضوع الأمر الذي يجعل التقاضي على درجة واحدة.
الفهــــــرس
المقدمـــــة
الفصل الأول : الطعن بالمعارضة في الأحكام المدنية
المبحث الأول: مفهوم الطعن بالمعارضة
المطلب الأول: تعريف المعارضة
المطلب الثاني : الأساس القانوني للطعن بالمعارضة
المبحث الثاني : شروط قبول الطعن بالمعارضة و إجراءات رفعها
المطلب الأول: الشروط العامة لقبول الطعن بالمعارضة
الفرع الأول: الصفة
الفرع الثاني : المصلحة
الفرع الثالث : الأهلية
المطلب الثاني: الشروط الخاصة لقبول الطعن بالمعارضة
الفرع الأول : شرط الحكم محل الطعن بالمعارضة
الفرع الثاني : شرط الميعاد
المطلب الثالث: إجراءات رفع الطعن بالمعارضة
الفرع الأول: إيداع عريضة الطعن بالمعارضة
الفرع الثاني: تكليف المعارض ضده بالحضور
المبحث الثالث: أثار الطعن بالمعارضة و كيفية الفصل فيها .
المطلب الأول: أثار الطعن بالمعارضة
الفرع الأول: وقف تنفيذ الحكم محل الطعن بالمعارضة
الفرع الثاني: عرض النزاع أمام نفس المحكمة المصدرة للحكم
المطلب الثاني: الفصل في الطعن بالمعارضة
الفرع الأول: دراسة المعارضة من حيث صحتها من الناحية الشكلية و مدى توافر شروط قبولها .
الفرع الثاني : دراسة الطعن بالمعارضة من حيث الموضوع
المطلب الثالث: التنازل عن الطعن بالمعارضة
الفصل الثاني: الطعن بالإستئناف في الأحكام المدنية.
المبحث الأول: مفهوم الطعن بالإستئناف
المطلب الأول: تعريف الإستئناف
المطلب الثاني: الأساس القانوني للإستئناف
المطلب الثالث: أنواع الإستئناف
الفرع الأول: تصنيف الإستئناف من حيث مقدمه و ميعاد رفعه
الفرع الثاني: تصنيف الإستئناف من حيث مضمونه.
المبحث الثاني: شروط قبول الطعن بالإستئناف و إجراءات رفعه.
المطلب الأول: الشروط العامة لقبول الطعن بالإستئناف
الفرع الأول: الصفة
الفرع الثاني: المصلحة
الفرع الثالث: الأهلية
المطلب الثاني: الشروط الخاصة لقبول الطعن بالإستئناف
الفرع الأول: شرط الحكم محل الطعن بالإستئناف
الفرع الثاني: شرط الميعاد
المطلب الثالث : إجراءات رفع الطعن بالإستئناف
الفرع الأول: إجراءات رفع الإستئناف الأصلي
الفرع الثاني: إجراءات رفع الإستئناف الفرعي
المبحث الثالث: أثار الطعن بالإستئناف و كيفية الفصل فيه .
المطلب الأول: أثار الطعن بالإستئناف
الفرع الأول: وقف تنفيذ الحكم محل الطعن
المطلب الثاني: الفصل في الطعن بالإستئناف
الفرع الأول: دراسة الإستئناف من حيث صحته من الناحية الشكلية و مدى توافر
شروط قبوله .
الفرع الثاني: دراسة الطعن بالإستئناف من حيث الموضوع
المطلب الثالث: التنازل عن الطعن بالإستئناف .
الخاتمــــــة