دراسات قانونية
بحث قانوني عن الوجدان الخالص للقاضي الجزائي
الوجدان الخالص للقاضي الجزائي
الاستاذة هدى جعوان
تعتبر السلطة القضائية ركيزة أساسية من ركائز الدولة. يختل بدونها النظام و تعم في غيابها الفوضى و تغتصب و تنتهك الحقوق. فالقضاء هو اقامة للعدل بين الناس و صيانة للحق و اعلاء لصوت الحقيقة.
و يزداد دور القاضي أهمية في الميدان الجزائي. لما لحكم هذا الأخير من أثر بالغ الخطورة على حياة و مصير الأفراد : جناة أو مجني عليهم.
و من هذا المنطلق، و رغبة في توفير الضمانات اللازمة لقضاء عادل، جاءت الدساتير و القوانين الحديثة لتؤكد جميعها استقلال القضاء و احترامه و أنه لا سلطان على القاضي الا للقانون و لضميره. ذلك لأنها أدركت أن طبيعة العمل القضائي يستلزم أن يكون ضمير القاضي حر و هو وحده الذي يهديه الى طريق العدالة.
و من هنا جاء المبدأ القائل بأن القاضي الجزائي و عند بته في النزاعات لا يجب أن يقضي الا وفق ما اقتنع به وجدانه الخالص.
فالوجدان هو ان يضع الانسان نفسه و يتخذ موقفه كما يبدو له تحقيقا لوجوده الكامل[1]. كما أنه اقتناع و عقيدة و ايقان[2].
و وجدان القاضي الجزائي يجب أن يكون خالصا أي أنه يقين مبني على الجزم و التأكد لا على الظن و التخمين بحيث أنه يسمو عن كل ما من شأنه أن يشوبه أو يحيد مساره عن طريق الحق و العدل.
و اتخاذ القاضي الجزائي لموقف و ترجيحه لكفة دون أخرى و لطرف دون آخر لا يعني بالضرورة تخليه عن حياده. ذلك أن القاضي الجزائي يبقى محايدا حتى و ان قضى وفق ما اقتضاه وجدانه الخالص.
هذا علما و أن المقصود بالقاضي الجزائي كل قاض يجلس للحكم بالمادة الجزائية من قضاة منتصبين بالدوائر الجناحية أو الجنائية بالمحاكم الابتدائية أو الاستئنافية، أو قضاة النواحي، أو الأطفال، أو بالمحاكم العسكرية…
مما يقصي بالضرورة قضاة التحقيق و قضاة دائرة الاتهام و ممثلي النيابة العمومية و الذين يقتصر دورهم على مجرد الاجتهاد و السعي لابراز الحقيقة دون اتخاذ قرارات نهائية و الحكم بالادانة أو البراءة وفق ما يقتضيه الوجدان الخالص.
يتحصحص مما سبق ذكره بأن القاضي الجزائي يبني حكمه على العقيدة التي تكونت لديه. و هو ما أقره المشرع ضمن الفصل 150 من مجلة الاجراءات الجزائية الذي جاء به ” يمكن اثبات الجرائم بأي وسيلة من وسائل الاثبات ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، و يقضي الحاكم حسب وجدانه الخالص “. و الذي يتنزل بالقسم الثالث من الباب الثاني من م.ا.ج. تحت عنوان ” في طرق الاثبات “.
و تجدر الاشارة في هذا الاطار الى أن تكريس هذا المبدأ ليس بأمر جديد على قانوننا باعتبار أن مجلة الاجراءات الجزائية القديمة المؤرخة في 30/12/1921 سبق لها و أن أقرت نـفس الشيء، مع
بعض الاختلاف باعتبار أنه اقتصر العمل به في مادة الجنايات و الجنح دون المخالفات، ضمن الفصول 134 و 154 فقرة أولى و 163 فقرة أولى.
و لعل ذلك يعود الى التأثر المعهود بالقانون الفرنسي الذي أقر بدوره نفس المبدأ منذ سنة 1791 و الذي تواصل العمل به مع مجلة الاجراءات الجزائية الحالية ضمن الفصول 353 و 427 و 536 [3].
و يتضح مما سبق بسطه عراقة مبدأ حكم القاضي وفق وجدانه الخالص. اذ بالتمعن في مختلف الحقبات التاريخية يتبين لنا وجود أنظمة بدائية له من ذلك مثلا ما وجد في النظام الاغريقي من تكريس لنظام الأدلة الاقناعية القائم على ترك الحرية للقاضي في البحث عن الأدلة و الأخذ بالمقنع منها و لما اطمئن اليه وجدانه.
و ذلك خلافا للنظام الروماني الذي سلب القاضي حريته في القضاء و أخضعه لما يعرف بنظام الأدلة القانونية القائم على ضرورة اعتماد القاضي للدليل المقرر من قبل المشرع دون امكانية مناقشته أو تقدير قوته الثبوتية[4].
و اهتمام مختلف التشريعات بمبدأ القضاء وفق الوجدان الخالص لم يقتصر فقط على العصور القديمة و انما نجد مثيلا له في عصرنا الحديث. ذلك أنه وقع تكريس هذا المبدأ في عدد لا يستهان به من القوانين المقارنة.
و يمكن أن نستشهد في هذا الاطار، و على سبيل الذكر لا الحصر، بالفصل 121 من ق.ا.ج. لدولة قطر الذي ورد به أنه ” يحكم القاضي في الدعوى حسب العقيدة التي تكونت لديه بكامل حريته… “. و الفصل 151 من قـانون الاجراءات و الـمحاكمات الجزائية لدولة اـكويت الذي جاء به أنه ” تعتمد
المحكمة في اقتناعها على الأدلة المستمدة من التحقيق الذي أجرته في القضية أو من التحقيقات السابقة على المحاكمة. و لها الحرية المطلقة في ترجيح دليل على دليل و تكوين اقتناعها حسبما يوحيه اليه ضميرها. و لا يجوز للقاضي أن يعتمد في حكمه على معلوماته الشخصية “. و الفصل 302 من ق.ا.ج. المصري الذي اقتضى أنه ” يحكم القاضي في الدعوى حسب العقيدة التي تكونت لديه بكامل حريته… “. و الفصل 288 من قانون المسطرة المغربية القاضي بأنه ” يمكن اثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل الاثبات، ما عدى الأحوال التي يقضي القانون فيها بخلاف ذلك، و يحكم القاضي حسب اعتقاده الصميم، فاذا رأى أن الاثبات غير قائم قرر عدم ادانة الشخص المتهم و حكم ببراءته “.
و على العكس من ذلك، فقد خيرت الأنظمة الأنقلوسكسونية اتباع نظام خاص بين فرض قيود على القاضي و ترك مجال ضئيل من الحرية له في القضاء.
و بهذا الاهتمام المتزايد و العالمي بالوجدان الخالص للقاضي الجزائي تتبين لنا الأهمية النظرية التي يطرحها هذا الموضوع.
هذا الى جانب اهميته التطبيقية من خلال الدور الذي يلعبه أثناء المحاكمة الجزائية في التوفيق بين المصالح المتضاربة.
و هو ما يدفعنا الى اثارة التساؤل التالي : كيف يمكن للقاضي الجزائي أن يوازن بين مصلحة المجتمع و الجاني و المجني عليه أثناء المحاكمة الجزائية من خلال اعماله لوجدانه الخالص؟
و جوابا على ذلك تتجه الاشارة الى أن القاضي الجزائي حين يفصل في الدعوى يقضي وفق ما يقتنع به وجدانه الخالص و عقيدته حيث تتجمع لديه أوراق الملف فيفحصها مليا ثم يوازن بين أدلة الادانة و كذلك البراءة فيطرح ما لم يقتنع به ضميره و يأخذ منها ما تلجلج في صدره. ثم تختمر جملة
تلك المعلومات في ذهنه فيستخلص منها ما يؤسس عليه حكمه العادل. فان كان ما اقتنع به يدين المتهم حكم عليه و ان لم تقم الحجة حكم بترك سبيله.
و نظرا لأن القضاء بادانة شخص ليس بالأمر الهين لم تترك حرية القاضي على اطلاقها و انما وقع فرض قيود عليها لمزيد تفعيلها من ذلك اشتراط تعليل الأحكام و وجوب الالتزام ببعض المبادئ الاجرائية.
و بهذا تتحقق الموازنة بين مصلحة المتهم و مصلحة المتضرر (المجتمع بصفة عامة و المجني عليه بصفة خاصة).
و تأسيسا على ذلك فان دراسة الوجدان الخالص للقاضي الجزائي تستدعي وجوبا الوقوف على :
أولا – تكوين الوجدان الخالص لدى القاضي الجزائي (الجزء الأول)
ثانيا – تفعيل الوجدان الخالص لدى القاضي الجزائي (الجزء الثاني)
الجزء الأول – تكوين الوجدان الخالص لدى القاضي الجزائي
ان أهم وظيفة يتقلدها الانسان، و كما عبر عن ذلك فولتار، هي وظيفة القضاء لما فيها عن بحث مستمر عن الحقيقة و شغف بتحقيق العدالة. و لما لها من آثار بالغة الخطورة على حياة المتقاضي.
فحياة الفرد و حريته و شرفه و سمعته و ممتلكاته تكون رهن أيدي القاضي الذي يقرر ادانة الشخص الماثل أمامه أو التصريح ببرائته و ذلك حسب ما أملاه عليه وجدانه الخالص. فالقاضي الجزائي يتخذ قراراته حسب العقيدة التي تكونت لديه بكامل حريته.
و من هذا المنطلق فان دراسة الوجدان الخالص للقاضي الجزائي يحتم علينا وجوبا الوقوف على كيفية تكوينه أي التساؤل على مم يتكون و على ما الذي يساعد على تكوينه أي بلفظ آخر على مفهوم الوجدان الخالص للقاضي الجزائي (مبحث أول) و دعائم تكوين الوجدان الخالص للقاضي الجزائي (مبحث ثان).
المبحث الأول – مفهوم الوجدان الخالص للقاضي الجزائي
يعتمد القاضي الجزائي على وجدانه الخالص في بحثه المتواصل عن بلوغ الحقيقة و تحقيق العدالة. و نظرا للدور الفعال الذي يلعبه هذا الوجدان فلسائل أن يتساءل مم يتكون هذا الوجدان؟
و يطرح هذا السؤال أهمية كبرى عندما نعلم أنه و لئن كرس المشرع، من خلال الفصل 150 من م.ا.ج.، منهج اعتماد القاضي الجزائي لوجدانه الخالص عـند فصل القضايا الا أنه في المقابل لم يكلف نفسه عناء اعطاء تعريف لهذا المصطلح. و هو ما ساهم في اضفاء نسبة كبيرة من الابهام و الضبابية عليه الأمر الذي يتناقض تماما مع طبيعة القانون الجزائي.
و لدرء هذا الفراغ التشريعي البين حاول العديد من الفقهاء رفع هذا الغموض، دون السقوط في اعطاء تعريف دقيق لهذا المفهوم، و ذلك من خلال ضبط خاصياته و موضوعه و ميدان تطبيقه و بالتالي التعرف اليه من من الناحية النظرية (فقرة أولى) و التطبيقية (فقرة ثانية) على حد السواء.
فقرة أولى – المفهوم النظري للوجدان الخالص للقاضي الجزائي
في محاولتهم لاعطاء تعريف للوجدان الخالص للقاضي الجزائي، من خلال خاصياته، أجمع معظم الفقهاء على أن الخاصية الأساسية التي يقوم عليها هذا المفهوم هي فكرة الحرية. فللقاضي الحرية التامة في تكوين عقيدته. و هو ما أكدته محكمة التعقيب و ذلك بأن أقرت بأنه ” من المسلم به فقها و قانونا أن القضاء الجزائي يقوم على أساس حرية القاضي في تقدير الوقائع المعروضة عليه و استخلاص الأدلة منها و الأخذ بما يطمئن (اليه)“[1] .
هاته الحرية لا يجب أن تؤدي في المقابل بالقاضي الى أن يقضي بالاعتماد على مشاعره و أحاسيسه الذاتية أو حتى حدسه أو فطرته. و من هنا جاءت الخاصية الثانية لوجدان القاضي الجزائي ألا و هي التفكير بعقلانية و وفق مقتضيات المنطق. أي أن القاضي يجب أن يقوم بمجهود فكري مبني على التحليل و الاستنتاج.
فالتحليل يقتضي أن يقوم القاضي بالاطلاع على الوقائع و الأعمال و التصرفات و الحركات و الوثائق و الى غير ذلك مما يمكن اعتباره برهانا على ادانة المتهم أو براءته و يوازن بينها و يزيل الغموض عنها. ثم يتنقل بعد ذلك الى فرز تلك العناصر المختلفة بصفة تدريجية و اختيار النافع منها.
و هو ما جاء على لسان محكمة التعقيب التي اعتبرت أن ” تقدير الوقائع و أدلتها هو من اطلاقات محكمة الأساس و لا رقابة لمحكمة التعقيب عليها في هذا الصدد طالما كان قرارها وليد تحليل استوعب الناحيتين الواقعية و القانونية بالاعتماد على ماله أصل ثبت بالأوراق بدون خطأ أو تحريف و يتماشى منطقيا و نتيجة الحكم “[2].
أما الاستنتاج فيتمثل في الربط بين عناصر الاثبات مع مختلف الفرضيات الممكنة و المتعلقة بالجريمة لمقارنتها ببعضها البعض و بالتالي الاكتفاء بالمقنع منها دون البقية. بما جعل محكمة التعقيب تؤكد في احدى قراراتها أنه ” اذا اعتمدت المحكمة في قضائها على اعتراف المتهم بما نسب اليه و خاصة على الكشوف الطبية و دفوعات المعقب و استنتجت من ذلك اعترافه بجريمة العنف الناتج عنه الموت كان رأيها معللا تعليلا سائغا“[3] .
و هكذا نصل الى الخاصية الثالثة التي تميز وجدان القاضي الجزائي و هي خاصية التأكد و اليقين. فوجدان القاضي يجب أن يبنى على اليقين الجازم لا على الشك و التخمين. و هو ما يفسر القاعدة القائلة بأن ” الشك ينتفع به المتهم ” و التي كرسها المشرع التونسي في اطار الفصل 150 من م.ا.ج.[4].
مع العلم بأن الشك لا يمكن أن يمحى تماما من فكر القاضي الا أنه في المقابل لا يجب أن يطغى عليه. بمعنى آخر يجب أن يكون القاضي على قدر كاف من اليقين عند فصله للقضية. و تأكيدا لذلك فقد أقر المشرع ضمن الفصل 143 من م.ا.ج. أنه ” يختم الرئيس المرافعة عندما يتبين للمحكمة أن القضية توضحت بوجه كاف“. أي أنه أقر ضمنيا بأن الشك يمكن أن يخالج القاضي و لكن لا يجب أن يطغى عليه.
و لكي يكون حكم القاضي مؤسس على اليقين يجب أن يكون مبنيا على ما له أصل ثابت بأوراق القضية و ليس على مجرد التخمينات. فلئن ” كان لمحكمة الموضوع الحرية المطلقة في تقدير قوة الأدلة و استخلاص النتائج القانونية منها لكن شريطة أن تعلل حكمها بما له أصل ثابت بالأوراق… “[5].
و خاصية الاقتناع تقتضي أن تتوفر في القاضي الجزائي خصلتي الفراسة و الذكاء حتى يتمكن من اعمال رأيه فيما قدم اليه و استنتاج قرائن البراءة أو الادانة و هو ما يجرنا الى الحديث عن العناصر الذاتية للوجدان الخالص للقاضي الجزائي.
ذلك أن القاضي يجب أن يكون متمتع بشخصية قوية و ذو عزيمة فولاذية حتى لا يزل في الظلم و الجور. و يجب أن يكون متحل بقدر كاف من مكارم الأخلاق لصيانة العدل و اقامته بين الناس. كما يجب أن يكون متحل بالذوق القضائي السليم و الذي لا يكتسبه الا بالعمل الدؤوب و بالخبرة الواسعة و التي تشتمل على حد السواء خبرته القضائية و خبرته الاجتماعية[6].
الا أنه و في هذا الاطار يجب توخي الحذر بأن لا يقع الخلط بين حكم القاضي وفق خبرته و حكمه وفق علمه الشخصي الذي حجره الفصل 23 من القانون عدد 29 لسنة 67 المؤرخ في 14/07/1967 و المتعلق بالقانون الأساسي بالقضاة. و كذلك بصفة غير مباشرة الفصل 151 من م.ا.ج. الذي يقتضي بأنه ” لا يمكن للحاكم أن يبني حكمه الا على حجج قدمت أثناء المرافعة و تم التناقش فيها أمامه… “. و عليه فان القاضي لا يمكن أن يعتمد المعلومات التي لم يقع تقديمها أثناء المرافعة أو تم التناقش فيها و التي تعتبر من قبيل المعلومات الشخصية.
الرجوع الى خاصيات الوجدان الخالص للقاضي الجزائي و لئن مكنتنا من الاحاطة بهذا المفهوم من الناحية النظرية الا أنها غير كافية للتعرف عليه بصورة مفصلة. و لذا يكون من المتجه محاولة الاحاطة به من الناحية التطبيقية.
فقرة ثانية – المفهوم التطبيقي للوجدان الخالص للقاضي الجزائي
لتحديد مفهوم الوجدان الخالص للقاضي الجزائي، و كما سبق الاشارة اليه، لم يكتف الفقهاء بالرجوع الى خاصياته و انما وقع التساؤل كذلك عن موضوعه و عن ميدان تطبيقه؟
و بالتالي فقد أثير السؤال التالي : على ماذا يتسلّط هذا الوجدان؟ هل على المسائل الواقعية فقط؟ أم كذلك على المسائل القانونية؟ بعبارة أخرى هل أن وجدان القاضي يتعلق بتمحيص الوقائع و الأفعال و تبين مدى ارتكابها من قبل المتهم؟ أم كذلك على بيان أن الأفعال المجرمة و المنسوبة للمتهم معاقب عليها بنص؟
في حقيقة الأمر لم يجب كل من المشرع و فقه القضاء على هذه المسألة مما حدا بالبعض الى القيام بمقاربة مع القانون الفرنسي للاجابة عنها. و اعتبروا أن وجدان القاضي لا يتسلط الا على المسائل الواقعية دون المسائل القانونية.
و لو أن هذه المقاربة لا يمكن أن تصح، حسب اعتقادنا، باعتبار ان هيئة المحلفين في فرنسا، و التي تدعى لابداء رأيها حول مدى ادانة المتهم، لا يحق لها أصلا أن تنظر في المسائل القانونية التي تبقى من الاختصاص المطلق للقاضي. في حين أن القاضي التونسي مطالب بالبت في الآن نفسه في المسائل القانونية و الواقعية معا.
فضلا عن هذا التساؤل الأول طرح تساؤل ثاني و هو التالي : هل أن وجدان القاضي الجزائي يتعلق باثبات الادانة فقط؟ أم أنه يتعلق باثبات الادانة و البراءة على حد السواء؟
بالعودة الى الفقه و فقه القضاء نلاحظ وجود تذبذب في المواقف في هذا الشأن اذ هنالك من اعتبر بأن الوجدان الخالص للقاضي الجزائي يقوم فقط على اثبات الادانة باعتبار أنه توجد مسبقا قرينة براءة يتمتع بها كل متهم. في حين اعتبر البعض الآخر أن لفظة ” يقضي ” الواردة بالفصل 150 من م.ا.ج. تشمل البت في القضية سواءا كان ذلك باعلان الادانة أو البراءة.
و هو ماانعكس كذلك في قرارات محكمة التعقيب. فتارة تؤكد أنه “ ما ورد بالمطعن من أن المحكمة كان عليها البحث عن البراءة انما هو مردود من أصله اذ البراءة مفترضة من المتهم حتى تقوم الأدلة المعاكسة التي من شأنها اقناع وجدان القاض الجزائي بادانته “[7]. و طورا ” أن المحكمة حرة في الأخذ بما تراه مقنعا من الأدلة و الغاء ما سواه لأنها تقضي حسب وجدانها بالادانة أو البراءة و لا رقابة عليها في ذلك من محكمة التعقيب طالما كانت وجهة نظرها كما يجب “[8].
أخيرا و في محاولة الاحاطة بمفهوم الوجدان الخالص للقاضي الجزائي وقع التطرق الى ميدان تطبيق هذا الأخير. و هو الموضوع الذي أثار نقاشا فقهيا حادا بين رجال القانون و بالتحديد حول ما اذا كان هذا الوجدان ينطبق على كامل مراحل الدعوى العمومية (بما في ذلك الطور التحضيري[9] و طور المحاكمة)؟ أم على طور المحاكمة فقط؟
للاجابة على هذا السؤال بصفة قاطعة يكفي الرجوع الى موقع الفصل 150 من م.ا.ج. الذي ورد تحت باب ” في محاكم القضاء” و الذي يستخلص منه ارادة المشرع حصر الحديث عن الوجدان الخالص في مرحلة المحاكمة فقط.
يتدعم هذا الرأي بكون القرارت التي يقع اتخاذها في الطور التحضيري لا تكون مبنية على يقين تام كما هو الحال بالنسبة للأحاكم النهائية و انما على مجرد اجتهاد. كما أنها لا تتعلق بتحديد الادانة و انما تبنى فقط على مجرد قرائن.
تتجه الاشارة في الآخر الى أن جميع محاكم الموضوع يمكن أن تصدر أحكامها وفق الوجدان الخالص بداية من محكمة الناحية أو المحكمة الابتدائية بدائرتها الجناحية أو الجنائية أو محكمة الاستئناف. كذلك الشأن بالنسبة للمحاكم الخاصة الاستثنائية كمحاكم الأطفال (قاضي الأطفال و الدائرة الجنائية للأطفال) و كذلك المحاكم العسكرية و غيرها من محاكم الحق العام.
و لسائل أن يتساءل في هذا الطور عن الوسائل التي تمكن هاته المحاكم من تكوين هذا الوجدان؟
المبحث الثاني – دعائم تكوين الوجدان الخالص للقاضي الجزائي
اقتضى الفصل 150 من م.ا.ج. أنه ” يمكن اثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل الاثبات ما لم ينص القانون على خلاف ذلك “. كما اقتضى الفصل 152 من م.ا.ج. بأن ” الاقرار مثل سائر وسائل الاثبات يخضع لاجتهاد الحاكم المطلق “. و يستخلص من هذين الفصلين بأن المشرع منح للقاضي الجزائي حرية مزدوجة حتى يتمكن من تكوين وجدانه و هي : حرية تقدير وسائل الاثبات (فقرة أولى) و حرية تقدير القوة الثبوتية لوسائل الاثبات (فقرة ثانية).
فقرة أولى – حرية تقدير وسائل الاثبات
القاضي الجزائي، و عند فصله للقضية و تحديد مدى ادانة أو بـراءة المتهم الماثل أمامه، و كمايستفاد من منطوق الفصل 150 من م.ا.ج. ليس مقيد بوسيلة اثبات معينة اذ يمكن له اللجوء الى أي وسيلة يراها صالحة في هذا الشأن و هو ما يعرف بمبدأ حرية القاضي في تقدير وسائل الاثبات[10].
و يعود اسناد هاته الحرية للقاضي لأسباب متعددة نذكر منها أولا صعوبة الاثبات في المادة الجزائية. ذلك أن الاثبات لا يتسلط على تصرفات قانونية يسهل معاينتها و انما في أغلب الحالات على وقائع يصعب تقفيها نظرا لما يقوم به المجرمين من جهد في اخفائها و دحض كل أثر لها. و بالتالي فانه و عند فرض قيود على القاضي فان ذلك سيعرقل عمله في البحث و الوصول الى الحقيقة.
أما السبب الثاني فيتمثل في تحقيق الهدف المنشود من القضاء الجزائي ألا وهو سرعة فصل القضايا حفاظا على أمن و مصلحة المجتمع.
هاته الحرية في المقابل لم تترك على اطلاقها ضرورة أن الفصل 150 من م.ا.ج. أكد على أن القاضي حر ” ما لم ينص القانون على خلاف ذلك “.
و يمكن أن نستشهد في هذا الاطار و على سبيل الذكر لا الحصر بما ورد في الفقرة الأولى من الفصل 132 من م.ا.ج. و التي ألزمت على القاضي الجزائي اتباع وسائل الاثبات المعتمدة في القانون المدني عند فصله للمسائل ذات الصبغة المدنية التي تثار أثناء قضية جزائية. أو كذلك التحجير الوارد بالفصل 23 من القانون عدد 29 لسنة 67 المؤرخ في 14/07/1967 و المتعلق بالقانون الأساسي بالقضاة و الذي منع على هؤلاء الحكم بالاستناد الى علمهم الشخصي.
حرية القاضي الجزائي لا تقتصر فقط في تقدير وسائل الاثبات اذ أنها تجد نظيرا لها عند تقدير القوة الثبوتية لوسائل الاثبات.
فقرة ثانية – حرية تقدير القوة الثبوتية لوسائل الاثبات
تقوم حرية القاضي في تقدير القوة الثبوتية لوسائل الاثبات في انه غير مطالب بالاطمئنان و الأخذ بكل دليل يقدم اليه. كما أنه غير مجبر على اتباع تدرج أو تسلسل بين عناصر الاثبات من حيث قيمتها الثبوتية باعتبار أنه لا تعلو واحدة على أخرى.
و لعله و للتمكن من استيعاب أكبر لهذا المبدأ فانه يتجه دراسة أهم وسائل الاثبات المعمول بها في المادة الجزائية ألا و هي الاقرار و الشهادة و الاختبار الى جانب بعض الوسائل الأخرى.
فبالنسبة للاقرار أو الاعتراف[11] فقد أكد الفصل 152 من م.ا.ج. على أن القاضي الجزائي له الحرية المطلقة في تقدير الاقرار[12]. أي و بتعبير آخر فان القاضي غير مقيد باعتراف المتهم بارتكابه للفعل المنسوب اليه و ليس ملزم بالتالي بالتصريح بادانته لمجرد تحصله على هذا الاقرار. اذ له الحرية في الأخذ به كما له امكانية تجاوزه.
و هو ما أكدته محكمة التعقيب عندما أقرت بأن ” الاعتراف هو من الحجج القانونية الواجبة على القاضي تحليلها حتى يتبن له الأخذ به أو طرحه مع التعليل القانوني “[13].
و لكي يتمكن القاضي من الأخذ بالاقرار و الاطمئنان اليه يجب عليه أن يتثبت في صدقه و صحته و حقيقته. أي أن يتمحص من كون الاعتراف صادر عن ارادة حرة و واعية و بصفة تلقائية و دون أي مؤثر خارجي أو غلط[14] أو مغالطة و أن يكون معززا في الخارج بأدلة اثبات غير قابلة للدحض.
و حرية القاضي في تقدير القوة الثبوتية للاعتراف تخول له كذلك امكانية تجزئة الاقرار أي أنه حر في الأخذ بجزء من الاعتراف و استبعاد جزء آخر منه طالما لم يطل قناعته. و ذلك على خلاف المادة المدنية مثلما ذهبت اليه محكمة التعقيب التي أقرت بأن ” مبدا عدم تجزئة الاعتراف هو مبدأ خاص بالمادة المدنية لا يعتمد به المادة الجزائية فالمسألة تعود لاقتناع القاضي بالادانة أو البراءة و على هذا الأساس يمكن للقاضي الجزائي أن يعتمد كل وسائل الاثبات التي لم تحجر بمقتضى القانون و له حينئذ أن يأخذ بالبعض من اعتراف المتهم و يطرح البعض الآخر منه ما دام حكمه معللا كما يجب “[15]. و بأن ” عدم تجزئة الاعتراف مبدأ خاص بالمادة المدنية أما في المادة الجزائية فالمعتمد فيها الاقتناع بالادانة من عدمها و على هذا الأساس فيمكن للمحكمة لاستناد الى بعض التصريحات التي تراها مقنعة و تلغي ما عداها “[16].
كما أن القاضي الجزائي، و أخيرا، حر في تقدير الرجوع الواقع في الاعتراف.
الى جانب الاقرار عادة ما يلجأ القاضي الجزائي عند نظره في القضية الى شهادة الشهود نظرا لنجاعة هاته الوسيلة في البحث عن الحقيقة باعتبار الشهود ” عيون و آذان العدالة ” على حد قول بانتام BENTHAM.
و كغيرها من الأدلة تخضع الشهادة لحرية القاضي في تقدير قيمتها الثبوتية أي أن لهذا الأخير الحرية في الأخذ بها أو في تجاوزها. و لا يتأثر في ذلك بعدد الشهادات المتناسقة و التي تبدو له مع ذلك غير منطقية ضرورة أن العبرة في الشهادة لا تكمن في في عددها و انما في قيمتها.
و هو ما جعل من محكمة التعقيب تؤكد بأن ” للمحكمة أن تستند لكل حجة لم يحجرها القانون و لا شيء يمنعها من الاستناد لشهادة شخص واحد لتدعيم يقينها و ان عدم التعرض لشهادة عامل المقهى لا يعيب القرار المنتقد في شيء لأن محكمة الأصل ليست ملزمة بالرد و التعرض لكافة الشهادات و لها أن تأخذ بما أقنع وجدانها و تلغي الباقي” [17].
و تكتسب الشهادة قيمتها من صدقها و من صحتها و يكون ذلك من خلال تثبت القاضي في أخلاق الشاهد و في مطابقة الشهادة لبقية الأدلة الممطروحة أمامه.
ومن بين هاته الأدلة نذكر الاختبار[18]. ذلك أن القاضي الجزائي و في تقصيه عن الحقيقة كثيرا ما يلجا الى تعيين خبير لابداء رأيه حول مسألة ذات صبغة فنية او علمية و ذلك في اطار تقرير يضمن به معايناته التي أجراها سواء على المتهم أو المجني عيله أو على أداة الجريمة الخ… الى جانب استنتاجاته.
و في هذا الصدد تتجه الاشارة الى أن القاضي الجزائي و لئن كان حر في تقدير القوة الثبوتية للاختبار، بما أن رأي الخبير لا يقيده في شيء عملا بمقتضيات الفصل 152 من م.ا.ج.، الا أنه يجد حريته هذه تتقلص لاعتبارين اثنين : أولهما أن القاضي حر فقط في تقدير استنتاجات الخبير و ليس في معايناته. و ثانيهما أنه، و من الناحية العملية، عادة ما يجد القاضي نفسه مجبر على الأخذ برأي الخبير نظرا لعدم اختصاصه في المسائل الفنية و نظرا كذلك للتطورات العلمية الهائلة التي وقع تحقيقها و التي لا تدع مجالا للشك[19].
و لكن و في كل الأحوال، و عند عدم اقتناعه برأي الخبير، يبقى القاضي حر في الاستعانة بخبير ثان.
و للقاضي نفس الحرية في تقدير القوة الثبوتية لبقية وسائل الاثبات كالصور الفوتوغرافية و التسجيلات الهاتفية و غيرها من الأدلة و لكن بشرط التثبت من شرعيتها و صدق محتواها.
و تزداد هاته الحرية عند تقدير قيمة القرائن الفعلية و المؤشرات لما تستوجبه هاته القرائن من تحليل و اعمال فكر القاضي و منطقه بخصوص الوقائع المختلفة التي تتعلق بها.
و يتحصحص من كل ما سبق بيانه أن القاضي الجزائي يتمتع بحرية هائلة في تقديره للقوة الثبوتية لوسائل الاثبات سواء المقدمة اليه أو التي استنتجها بنفسه.
الا أن هاته الحرية لم تترك على اطلاقها اذ وقع تقييدها من قبل المشرع من ذلك مثلا أنه أسند قوة ثبوتية شبه مطلقة لبعض المحاضر و التي يبدو أن القاضي ملزم بالأخذ بها ألا و هي المحاضر المعتمدة حتى يثبت عكسها[20] و المحاضر المعتمدة حتى يثبت زورها[21]. أو كذلك الزامه للقاضي بالرجوع الى مبادئ القانون المدني عندما يقوم بالنظر في مسألة أولية تتعلق بالقانون المدني، و التي تطرح أثناء النزاع الجزائي، مثلما يستفاد من الفصل 132 من م.ا.ج. أو بتقليله من قيمة الشهادة التي يقع تلقيها لمجرد العلم. أو كذلك باعفائه للقاضي من اعمال وجدانه و ذلك بتوليه وضع مجموعة من القرائن القانونية تعفي القاضي من الاثبات والتفكير في الوضعيات الماثلة أمامه.
و حديثنا عن القيود يجرنا الى الملاحظة الى أنه و لئن أقر المشرع دعائم لتكوين هذا الوجدان الخالص للقاضي الجزائي فانه أقر في نفس الوقت ضوابط لهذا المفهوم و ذلك حتى يضمن تحقيق أكبر نسبة من الفاعلية عند تطبيقه و حتى يتجنب من الوقوع في سوء تطبيق له على أرض الواقع و هو موضوع الجزء الثاني.
الجزء الثاني – تفعيل الوجدان الخالص لدى القاضي الجزائي
صحيح أن الغاية الأساسية من القضاء الجزائي هي حماية المجني عليهم بصفة خاصة و المجتمع بصفة عامة مما يمكن أن يقترفه المعتدي في حقهم.
غير أنه و مع ذلك فانه لا مجال لاعمال القاعدة القائلة بأن ” الغاية تبرر الوسيلة ” أي أنه لا يمكن للقاضي الجزائي أن يتبع هواه و أحاسيسه الذاتية أو أن يتجاوز المبادئ القانونية و الاجراءات الجزائية اللازم اتباعها لبلوغ الهدف المنشود.
فحرية القاضي في الحكم وفق وجدانه الخالص لا يعني التعسف في استعمال هاته الحرية. و من هنا وقع وضع ضابطين أساسين لمبدأ القضاء وفق الوجدان الخالص و هما : وجوب تعليل الأحكام (مبحث أول) و وجوب الالتزام بالمبادئ الاجرائية (مبحث ثان).
المبحث الأول – وجوب تعليل الأحكام
اتفق كل من المشرع و فقه القضاء على أن القاضي الجزائي حر في البت في القضية المطروحة أمامه و في تقدير الأدلة و قوتها الثبوتية بما يراه مناسبا و بما يطال وجدانه و لكن بشرط التعليل[1]. و هو الموقف الذي ما فتأت محكمة التعقيب تؤكده في العديد من قـرارتها و من بينها خاصة
القرار الذي جاء فيه ” ان تعليل الأحكام شرط أساسي لصحتها و هو أمر يهم النظام العام و من واجب محكمة التعقيب اثارته من تلقاء نفسها تطبيقا للفصل 269 من م.ا.ج. ” .[2
و لسائل أن يتساءل في هذا الاطار : فيما يتمثل هذا التعليل؟ و على ماذا ينصب؟ و ماهي شروطه؟ و ماهو جزاء الاخلال به؟
و عليه فان التعرض لمسألة التعليل توجب علينا التطرق الى مضمون التعليل (فقرة أولى) و الى شروطه (فقرة ثانية).
فقرة أولى – مضمون التعليل
بالرجوع الى فقه قضاء محكمة التعقيب و الى النصوص التشريعية[3] يمكن أن نؤكد بأن التعليل يكمن في استعراض المستندات الواقعية التي أسس عليها القاضي الجزائي حكمه .الى جانب المستندات القانونية و الأدلة التي استخلص منها وجود الركن المادي و المعنوي للجريمة أو انعدامهما. هذا علاوة على الرد على دفوعات المتهم.
و يمكن أن نستشهد في هذا الاطار بقرارين صادرين عن محكمة التعقيب يؤكد أولهما أن ” تعليل القرارات و الأحكام شرط جوهري لصحتها و لا يمكن أن يحرز القرار أو الحكم على قوته و سلامته من كل ضعف أو خدش الا اذا كان شاملا لعناصر القضية الفعلية منها و القانونية و يكون محتويا على ثبوت الجريمة أو نفيها بدلالات مستمدة من أوراق القضية دون التغافل عن واحدة منها حتى تتمكن محكمة التعقيب من اجراء ما لها من حق الرقابة على سلامة تطبيق القانون “[4] . و ثـانيهما أن ” تعليل الأحكام هو أمر جوهري لصحتها و يجب أن يكون التعليل مستوعبا لجميع عناصر القضية المادية منها
و القانونية و المؤدية الى النتيجة التي انتهى اليها في حكمه بدون تحريف للوقائع أو خرق للقانون أو هضم لحقوق الدفاع “[5].
و على هذا الأساس، فان القاضي الجزائي ملزم بأن يذكر في حكمه المستندات الواقعية التي اعتمد عليها و يقصد بها كل الظروف و الملابسات المتصلة بالجريمة. و بصورة أدق فانه يجب على القاضي أن يستعرض الفعل المادي المرتكب الى جانب النتيجة التي أدى اليها و أن يبرز كيف أن المتهم هو الذي قام بتلك الأفعال دون غيره من الأشخاص. و عليه فقد قضت محكمة التعقيب بنقض احدى الأحكام على أساس أن ” التعليل لم يستظهر بصورة واضحة العناصر الواقعية التي اعتمدتها المحكمة في نفي المسؤولية عن (المتهم) و اكتفت بالاستناد الى عبارات افتراضية و عاطفية لا تصلح قانونا أن ترد الخطأ المنسوب للضحية حتى لا تستطيع محكمة التعقيب مراقبة صحة تطبيق القانون “[6].
الى جانب المستندات الواقعية، يتعين على القاضي في اطار عملية التعليل ذكر مستنداته القانونية و ذلك بمعاينة الفعل المجرم و بتكييفه تكييفا قانونيا و تحديد عناصر الاثبات التى أدت الى الحكم بالادانة أو البراءة. فالقاضي مجبر على ابراز أدلة البراءة او الادانة على حد السواء. ذلك أن، و مثلما ذهبت اليه محكمة التعقيب “ أوجب الفصل 168 من م.ا.ج. تعليل الأحكام قانونيا و واقعيا ضمانا لجديتها و ثقة في عدالتها و ذلك ببيان الأدلة المعتمدة “[7].. ” (فـ) اقتصار محكمة الموضوع على سرد الوقائع و الاكتفاء بالقول بأن الادانة ثابتة دون ابراز عناصرها المعتمدة يمنع محكمة التعقيب من اجراء رقابتها على سلامة تطبيق القانون مما يتجه معه نقض الحكم “[8].
و أخيرا ألزمت محكمة التعقيب القاضي[9] بأن يتولى الرد على الدفوعات الواقع تقديمها أثناء النظر في القضية الجزائية مع التذكير في هذا الشان بأنه مجبر فقط على الرد على الدفوعات الجوهرية و التي لها تأثير على وجه الفصل في القضية دون غيرها من الدفوعات.
و من ذلك القرار الذي جاء فيه بأنه ” و لئن كانت محكمة القرار المنتقد غير ملزمة بالرد عن الدفوعات التي لم يكن لها تأثير على سير القضية أما عدى ذلك فانها ملزمة بالرد بصفة شاملة عن كل الدفوعات الجوهرية “[10]. أو كذلك القرار الذي أكد بأن ” اغفال المحكمة الرد على تلك الدفوعات الجوهرية فيه هضم لحقوق الدفاع موجبا للنقض و هو مطعن يهم النظام العام و ترى هذه المحكمة اثارته و لو تلقائيا تطبيقا للفصل 269 من م.ا.ج.“[11]. أو أخيرا القرار الذي اعتبر أنه “ أوجبت الفقرة الرابعة من الفصل 168 من م.ا.ج. على القاضي الجزائي أن يعلل قراره بتعليل قانوني شامل لكافة عناصر القضية و خاصة دفوعات الخصومة الجوهرية و متى أهمل عنصر من عناصرها يكون قد عرض قراره للنقض “[12].
و يستحسن أن يكون الرد بصفة واضحة و مفصلة الا أنه لا يوجد في المقابل أي مانع من أن يكون بالدلالة و بطريقة غير مباشرة. مثلما ذهبت اليه محكمة التعقيب التي أكدت أنه “ استقر فقه القضاء على أنه و لئن كان من المستحسن أن يجيب قضاة الموضوع على جميع النقاط الواقع التمسك بها بالملحوظات الواحدة تلوى الأخرى الأ أنه لا وجود لنص قانوني يفرض عليهم ذلك بصفة حتمية و على كل ليس من الواجب على أولئك الحكام ان يجيبوا على كل وسيلة دفاعية وقع التمسك بها بل يكفي الاجابة عنها ضمنيا “[13]. و أن ” القاضي الجزائي غير ملزم بالرد على كافة فروع الدفاع صراحة متى أسس حكمه على حجج كافية للاقناع و كان حكمه معللا تعليلا قانونيا سائغا قانونا لا يشوبه أي ضعف و يؤدي الى ما رتب عليه “[14].
و تفريعا على ما سبق بسطه فان الحكم الجزائي الذي لا يتضمن هذه التنصيصات من مستندات واقعية و قانونية و أدلة و رد على الدفوعات الجوهرية يكون معرضا للنقض باعتبار أنه أخل بشروط التعليل.
فقرة ثانية – شروط التعليل
أكدت محمة التعقيب بأن “ تعليل الأحكام من الوجهتين الواقعية و القانونية واجب قانوني يترتب على الاخلال به البطلان المفضي حتما للنقض“[15] .
و جزاء النقض هذا أرادت منه هاته المحكمة أن يكون فعالا مما جعلها تسلطه سواء كان هنالك غياب تام للتعليل، و هو الأمر البديهي، أو حتى في صورة وجود قصور أو ضعف في التعليل.
هذا مع الاشارة الى أن الحالة الأولى نادرة الوقوع من الناحية التطبيقية. و أن أغلب الحالات التي تتعرض اليها محكمة التعقيب هي الثانية. علما و أن هنالك من اعتبر بأن ضعف التعليل مثل فقدانه[16].
و لكي لا يكون حكم القاضي الجزائي مشوبا بالقصور أو الضعف في التعليل فانه يجب أن يكون : شامل، دقيق و واضح، مبني على الجزم و مستساغ منطقا و غير محرف للوقائع.
فمن شروط التعليل اذا أن يكون شاملا و المقصود بذلك أن يتعرض لجميع المسائل المتعلقة بالقضية و ملابساتها. بحيث ” يكون تسبيب الأحكام قاصرا اذا لم يشمل كافة عناصر القضية “[17].
الى جانب ذلك يجب أن يكون التعليل دقيقا و واضحا و ذلك لكي تتمكن محكمة التعقيب من معرفة التمشي و المنهجية التي اتبعهما القاضي الجزائي و الذي على أساسهما أصدر حكمه. و عليه فان ” التعليل الوارد بعبارات عامة و مجملة… يجعل القرار في حكم الفاقد لمستنداته “[18].
علاوة على ذلك فان التعليل يجب أن يكون جازما و مبنيا على اليقين مثلما ذهبت اليه محكمة التعقيب التي أكدت أنه ” أوجب القانون على القاضي أن يعلل حكمه بأسانيد لا يخالطها التشكك أو التخمين “[19].
و أخيرا يشترط في التعليل أن يكون مستساغا منطقا بحيث لا يحتوي لا على تضارب و لا على تحريف للوقائع. فمن البديهي أن لا يقبل في حكم القاضي أن يكون مؤسسا على وقائع متضاربة أو على تناقض بين المستندات و نتيجة الحكم. من ذلك مثلا الحكم الذي يؤكد في الآن نفسه أولا تعمد الجاني محاولة القتل لينفي ذلك فيما بعد[20]. أو كذلك الحكم الذي يشخص قوة تأثير الحادث على المتضررين ثم يقضي بالحط في مبلغ الغرم المحكوم به[21].
و من جهة أخـرى لا يجب أن يكون الـحكم محرفا للـوقائع بمعنى أنه لا يجب تحريف لا الـوثائق المضمنة بملف القضية مثل المحاضر[22] و الاختبارات الخ … و لا كذلك وقائع القضية و لا دفوعات الأطراف[23].
و لعل أحسن طريقة لتفادي الوقوع في تحريف للوقائع هو أن يكون التعليل مبنى على ما له أصل ثابت بملف القضية[24] و أن لا يحيد عن ذلك.
و يتضح مما سبق بيانه أن القاضي الجزائي و لئن أسندت له الحرية في تقدير الأدلة و تحديد مدى ادانة أو براءة المتهم الماثل أمامه الا أنها قيدت من ناحية بضرورة تعليل حكمه ” تعليلا مستساغا منطقا و قانونا فيه استرسال للوقائع دون تناقض أو تحريف … بمستندات صحيحة قانونا و مستمدة مما له أصل ثابت بالأوراق و مؤدية للنتيجة التي آل اليها “[25]. و من ناحية أخرى و كما سيقع تبيانه لاحقا بضرورة الالتزام بالمبادئ الاجرائية.
المبحث الثاني– وجوب الالتزام بالمبادئ الاجرائية
” استقر فقه قضاء محكمة التعقيب على أنه لا بـد في كل محاكمة مـن العمل على ايجاد الظروف و الضمانات الكفيلة التي تجعل المتاقضين يشعرون بالاطمئنان و راحة البال مع الثقة الكاملة في القضاة الذين سيمثلون أمامهم للمحاكمة بعيدين عن كل شعور بالخوف “[26].
و تأسيسا على ذلك، و تفاديا من الوقوع في خطر تعسف القاضي عند قضائه وفق وجدانه الخالص، أقر القانون ضرورة تقيد هذا الأخير بجملة من المبادئ الاجرائية التي تضمن للمتهم محاكمة عادلة و هي : مبدأ المواجهة و العلنية و الشفوية و الشرعية. و التي يمكن تقسيمها الى نوعين بحسب مصدرها أكانت مضمنة بالقوانين العادية فقط (فقرة أولى) أو كذلك بالدستور (فقرة ثانية).
فقرة أولى – المبادئ الاجرائية المضمنة بالقوانين العادية
يقصد بهاته المبادئ ثلاث مبادئ أساسية و هي مبدأ المواجهة و العلنية و الشفوية.
و يفترض مبدأ المواجهة أثناء المحاكمة حضور المتهم شخصيا و مثوله أمام المحكمة و ذلك حتى تقع مواجهته بما وصلت اليه الأبحاث. و عليه و عند غياب هذا الأخير فانه يكفل له حق الاعتراض.
و يقتضي مبدأ المواجهة أولا اعلام المتهم بما هو منسوب اليه و ذلك من خلال تمكينه من الاطلاع على ملف القضية و من خلال توجيه استدعاء له يتضمن مجموعة من التنصيصات من مقر المحاكمة و التهمة المنسوبة اليه الخ … في صورة ما اذا كان محال بحالة سراح.
كما يقوم على منح المتهم الوقت اللازم لاعداد وسائل دفاعه. و دفاع المتهم عن نفسه يكون عادة بمناقشة الأدلة المقدمة ضده أو كذلك بتخويله امكانية جلب قرائن جديدة لاثبات برائته. أما ما لا نألفه عادة فيتمثل في التزام الصمت و الذي لا يعتبر بأي حال من الأحوال قرينة ضده.
و يقتضي هذا المبدأ كذلك تخويل المتهم من حق انابة محام يتولى النضال عنه علما و أنه، و في مادة الجنايات، تعتبر انابة المحامي وجوبية لما في الأمر من خطورة و ذلك خلافا للجنح و المخالفات و التي تكون فيها انابة المحامي موكولة لارادة المتهم.
و فضلا عن ذلك، و عند عدم اتقان هذا الأخير للغة العربية، يلزم القاضي على تعيين مترجم محلف حتى يقع ايصال صوت المتهم للمحكمة مع كل الأمانة و الصدق اللازمين.
بيد أن مبدأ المواجهة و حده غير قادر على أن يكفل للمتهم الضمانات اللازمة ضد التعسف المحتمل للقضاة. و لذا وقع اقرار مبدأ العلنية الوارد بالفصل 143 من م.ا.ج. و القاضي بأنه ” تكون المرافعات علنية “.
و يقوم هذا المبدأ على ضرورة فتح الأبواب للعموم حتى يتمكنوا من حضور الجلسات. و الغاية من ذلك هي ضمان الشفافية و زرع الاحساس بالمسؤولية في القاضي ضرورة أن هذا الأخير لن يجرؤ على مخالفة القوانين و التعسف في استعمال الحقوق المخولة اليه اذا ما كان هنالك رقيب عليه.
غير أن هذه الغاية لا يمكن ادراكها دائما باعتبار أن الفصل 143 من م.ا.ج. مكن القاضي من اجراء الجلسة ” سرا محافظة على النظام العام أو مراعاة للأخلاق “. هذا فضلا عن أن العموم الحاضر للجلسة ليست له عادة الثقافة القانونية اللازمة التي تخول له الوقوف على أخطاء القضاة و على التجوازات التي يمكن أن تحدث.
لذا، و تلافيا لهاته النقائص وقع اقرار أنه ” يكون قابلا للنقض الحكم الجنائي الذي قرر سرية المرافعة دون أن يعلل قراره “[27]. كامكانية نشر الأحكام عبر المجلات القانونية الموجهة لجمهور متخصص ألا و هم رجال القانون الذين يمكنهم الوقوف على كل التجوزات.
علاوة على مبدئي المواجهة و العلنية، يتمتع المتهم من بين الضمانات المخولة له، بمبدأ الشفوية و القائم على الاعتماد على النقاش الشفوي أثناء المحاكمة لا على التقارير فحسب. و الذي وقع اقراره في اطار الفصل 151 من م.ا.ج. القاضي بأنه ” لا يمكن للحاكم أن يبني حكمه الا على حجج قدمت أثناء المرافعة و تم التناقش فيها أمامه شفويا و بمحضر جميع الخصوم”.
و الفائدة من الشفوية هي أنها تسمح بازالة كل لبس أو غموض قد يتسرب للأدلة المعروضة على القاضي فتكون طريقة الحوار الشفوي أفضل حل لاماطة اللثام عن كل ما هو مثير للبس أو الغموض للوصول الى الحقيقة. و بهاته الطريقة يتمكن القاضي من تكوين وجدانه الخالص على أساس صلب و بعيدا عن كل شك.
و رغبة من المشرع في مزيد ضمان و توفير محاكمة عادلة أقر مبدأ اجرائي على غاية من الأهمية بدليل تضمينه بالدستور و هو مبدأ الشرعية.
فقرة ثانية – المبادئ الاجرائية المضمنة بالدستور
جاء بالفصل 13 من الدستور أن ” العقوبة شخصية و لا تكون الا بمقتضى نص من قانون سابق الوضع “. كما جاء بالفصل 1 من المجلة الجنائية أنه ” لا يعاقب أحد الا بمقتضى نص من قانون سابق الوضع “. و هو ما يعرف بمبدأ الشرعية.
و يتضح بذلك أن هذا المبدأ يتفرع الى فرعين : أولهما أنه لا جريمة بدون نص. و هو ما يعتبر حد للحكم وفق الوجدان الخالص باعتبار أنه يمنع على القاضي أن يقضي على شخص من أجل ارتكابه لفعلة لم يجرمها القانون و لو كان هذا الأخير مقتنع في قرارة نفسه بارتكاب المتهم لفعل مخالف لمكارم الأخلاق أو لنشأته الدينية أو البيئية.
و ثانيهما أنه لا عقوبة بدون نص. أي أن القاضي لا يمكن أن يسلط عقوبة لم ترد بالنص القانوني المنطبق على الجريمة و وفق ما يمليه عليه وجدانه كأن يقضي باعدام شخص من أجل اعتدائه لفظا على الأخلاق الحميدة.
هذا الحديث عن وجدان القاضي الجزائي في مسألة العقوبة يجرنا الى توخي الحذر بأن لا نقع في الخلط بين السلطة التقديرية للقاضي و بين الوجدان الخالص للقاضي الجزائي.
فوجدان القاضي لا يتدخل الا عند تحديد ادانة المتهم من عدمها. في حين أن السلطة التقديرية تتدخل في مرحلة تقدير العقوبة.
و هو الخطأ الذي وقعت فيه محكمة التعقيب عندما أقرت أن ” “ ظروف التخفيف الوارد بها الفصل 53 جنائي متروكة لتقدير محكمة الموضوع فهي حرة في تطبيقها أو عدم تطبيقها حسبما تمليه عليها عقيدتها حتى مع توفرها و لا يعاب عليها عدم تطبيقها كما لا رقابة لمحكمة التعقيب عليها في ذلك “[28].
الخـــــاتمة
من المتعارف عليه أن القاضي مجبر على البت في القضايا المطروحة أمامه بحيث يرتكب جريمة نكران العدالة في صورة عزوفه عن ذلك.
و بالتالي، و في الميدان الجزائي، يلزم القاضي في اطار فصله للقضية على تحديد ما اذا كان المتهم الماثل أمامه برئ أو مدان.
و لا يكون هذا الا باتباع وجدانه الخالص الذي يقوم على تقديره للأدلة المعروضة عليه و لقوتها الثبوتية بكل حرية فيأخذ منها ما تلجلج في صدره و يطرح منها ما لم يطل قناعته. و عليه اما أن يحكم القاضي بادانة المتهم أو بترك سبيله اذا ما لم تقم الحجة عليه.
و بما أن الحكم، سواء بالادانة أو البراءة، له أثر بالغ الخطورة على المتهم كالمتضرر فانه لا يجب أن يكون اعتباطيا و انما يجب أن يكون معللا بما فيه الكفاية حتى لا يقع نقضه من قبل محكمة التعقيب. هذا مع ضرورة التقيد باحترام بعض المبادئ الاجرائية.
و بهذا تتحقق الموازنة بين مصلحة المجتمع و المجني عليه من جهة و الجاني من جهة اخرى بفضل الوجدان الخالص للقاضي الجزائي.
هذا مع التذكير بأنه لا يمكن اغفال الدور الذي لعبه فقه القضاء في هذا الميدان.
ذلك أن المتأمل في قرارات محكمة التعقيب لا يملك الا أن يلاحظ غزارتها الكمية و ثراؤها الكيفي باعتبار أنها أتت تقريبا على كل المسائل التي يمكن أن تطرح بهاته المناسبة. فضلا عن كونها ملأت فراغات تشريعية عدة.
[1] – راجع في هذا الشأن الفصلين 165 و 168 من م.ا.ج.
[2] قرار تعقيبي جزائي عدد 33476 مؤرخ في 26/10/1991، ن.م.ت.، القسم الجزائي 1991، ص. 56.
[3] راجع الفصل 168 فقرة رابعة من م.ا.ج.
[4] قرار تعقيبي عدد 2234 مؤرخ في 22/09/2000، ن.م.ت.ق.ج. 2000، ص. 55.
[5] قرار تعقيبي عدد 12661 مؤرخ في 28/09/2001، ن.م.ت.ق.ج. 2001، ص. 37 .
[6] قرار تعقيبي عدد 6723 مؤرخ في 26/05/1969، م.ق.ت. 1970، ص. 81.
[7] قرار تعقيبي جزائي عدد 19534 مؤرخ في 15/11/1986، ن.م.ت.، قسم جزائي عدد 1 لسنة 1987، ص. 74.
[8] قرار تعقيبي جزائي عدد 9386 مؤرخ في 01/06/1986، ن.م.ت.، قسم جزائي عدد 1 لسنة 1987، ص. 145.
[9] القانون الفرنسي اشترط بصريح العبارة بأن يقوم القاضي بالرد على دفوعات المتهم و ذلك ضمن الفصل 593 فقرة ثانية من م.ا.ج. الفرنسية :
« seront … déclarés nuls les jugements ou arrets qui ont omis ou refusés de se prononcer soit sur unr ou plusieurs demandes des parties, soit sur une ou plusieurs requisitions du ministère public ».
[10] قرار تعقيبي جزائي عدد 41671 مؤرخ في 04/02/1992، ن.م.ت.، قسم جزائي عدد 1 لسنة 1992.
[11] قرار تعقيبي جزائي عدد 19422 مؤرخ في 10/01/2002، ن.م.ت.، قسم جزائي لسنة 2002.
[12] قرار تعقيبي جزائي عدد 52252 مؤرخ في 23/03/1994، م.ق.ت. جويلية 1994، ص. 111.
[13] قرار تعقيبي جزائي عدد 440501 مؤرخ في 05/01/1993، ن.م.ت.، قسم جزائي عدد 1 لسنة 1993
[14] قرار تعقيبي جزائي عدد 6671 مؤرخ في 11/07/2000، ن.م.ت.، قسم جزائي لسنة 2000، ص. 90.
[15] قرار تعقيبي جزائي عدد 1131 مؤرخ في 13/06/1997، ن.م.ت.، قسم جزائي عدد 2 لسنة 1978، ص. 19.
[16] قرار تعقيبي جزائي عدد 21909 مؤرخ في 07/06/1989، م.ق.ت. جانفي 1991، ص. 59 و ما بعدها.
[17] قرار تعقيبي جزائي عدد 1690 مؤرخ في 21/02/1962، ن.م.ت.، قسم جزائي عدد 1 لسنة 1962، ص. 89.
[18] قرار تعقيبي جزائي عدد 8119 مؤرخ في 28/06/1971، م.ق.ت. عدد 7 جويلية 1972، ص. 1021.
[19] قرار تعقيبي جزائي عدد 6199 مؤرخ في 11/06/1969، م.ق.ت. نوفمبر 1969، ص. 60.
[20] قرار تعقيبي جزائي عدد 9586 مؤرخ في 10/07/1974، ن.م.ت.، قسم جزائي عدد 1 لسنة 1974، ص. 75، جاء فيه : ” التضارب في المستندات من الأسباب التي توهن الحكم و تعتبر خطأ قانوني موجبا للنقض الحكم أن الجاني تعمد محاولة القتل ثم في مستنداته الأخيرة ينفي ذلك عنه “.
[21] قرار تعقيبي جزائي عدد 6433 مؤرخ في 21/10/1968، م.ق.ت. عدد 6 و 7 جوان و جويلية 1969، ص. 54.، جاء فيه : ” و حيث يتضح من أسانيد القرار المنتقد أن محكمة الاستئناف بعد أن شخصت قوة تأثير الحادث على القائمين بالحق المدني و خاصة على أبوي القتلين و شدة الآلام الحاصلة لهما من ذلك الحادث المهول الذي أدى بحياة ابنيهما في ساعة واحدة رأت من المناسب الحط من مبلغ الغرم المحكوم به ابتدائيا و في ذلك التناقض ما يعيب القرار بصورة تستوجب نقضه” .
[22] قرار تعقيبي جزائي عدد 7601 مؤرخ في 14/04/1981، ن.م.ت.، قسم جزائي عدد 1 لسنة 1985، ص. 35، جاء فيه : ” تحريف الحكم لوقائع القضية و محاضر بحثها يوجب نقضها “.
[23] قرار تعقيبي جزائي عدد 1881 مؤرخ في 26/04/1978، ن.م.ت.، قسم جزائي عدد 1 لسنة 1978، ص. 175، جاء فيه : ” تجافي التعليل مع الوقائع المثبتة بالأوراق يوجب النقض “.
[24] قرار تعقيبي جزائي عدد 43845 مؤرخ في 19/09/1994، ن.م.ت.، قسم جزائي لسنة 1994، ص. 170، جاء فيه : ” و لئن كان لمحكمة الموضوع الحرية المطلقة في تقدير قوة الأدلة و استخلاص النتائج القانونية منها لكن شريطة أن اعلل حكمها بما له أصل ثابت بالأوراق… “.
[25] قرار تعقيبي جزائي عدد 8698 مؤرخ في 25/05/1974، م.ق.ت. عدد 7 جويلية 1974، ص. 507.
[26] قرار تعقيبي جزائي عدد 181 مؤرخ في 26/09/1995، ن.م.ت.، قسم جزائي لسنة 1995، ص. 17.
[27] قرار تعقيبي جزائي عدد 6000 مؤرخ في 25/03/1968، ن.م.ت. ق.ج. جزء 1 لسنة 1968، ص. 156.
[28] قرار تعقيبي جزائي عدد 11753 مؤرخ في 11/12/1974، ن.م.ت. القسم الجزائي عدد 1 لسنة 1974، ص. 175.
[1] قرار تعقيبي جزائي عدد 55588 مؤرخ في 19 أفريل 1994، م.ق.ت. جويلية 1994، ص. 144.
[2] قرار تعقيبي جزائي عدد 70 مؤرخ في 07/06/1967، ن.م.ت.، ج. 2، ص. 171.
[3] قرار تعقيبي جزائي عدد 96 مؤرخ في 08/10/1975، م.ق.ت. 1976، ص. 61 .
[4] الفصل 150 فقرة 2 من م.ا.ج. ينص على ما يلي : ” و اذا لم تقم الحجة، فانه يحكم بترك سبيل المتهم “.
[5] قرار تعقيبي جزائي عدد 43845 مؤرخ في 19/09/1994، ن.م.ت.ق.ج.، س 1994، ص. 170.
[6] لمزيد من المعلومات راجع منير السبعي ” الوجدان الخالص للقاضي الجزائي”، رسالة نيل شهادة ختم الدروس بالمعهد الأعلى للقضاء، 2001/2002، ص 17 و ما بعده.
[7] قرار تعقيبي جزائي عدد 8576 مؤرخ في 06 مارس 1985، م.ق.ت. عدد5 ماي 1986، ص. 93.
[8] قرار تعقيبي جزائي عدد 6815 مؤرخ في 17 ديسمبر 1971، م.ق.ت. 1972، ص. 65 .
[9] يقصد بالطور التحضيري بالمرحلة الادعائية و مرحلة التحقيق.
[10] هذا المبدأ نجد مثيلا له في القانون الفرنسي في اطار الفصل 427 من م.ا.ج. الفرنسية.
[11] عمر شاكور ” الاقرار في المادة الجزائية “، م.ق.ت.، أفريل – ماي 1968، ص. 51.
[12] خلافا لما هو معمول به في المادة المدنية و التي يعتبر فيها الاقرار سيد الأدلة.
[13] قرار تعقيبي عدد 6313 مؤرخ في 04/03/1970.
[14] كأن يعترف شخص لاعتقاده بأنه ارتكب جريمة و الحال أنه لم يفعل.
[15] قرار تعقيبي جزائي عدد 5561 مؤرخ في أكتوبر 1968، ن.م.ت.، القسم الجزائي عدد 1 سنة 1968، ص. 235 .
[16] -قرار تعقيبي جزائي عدد 2090 مؤرخ في 12/10/1977، ن.م.ق.ت.، القسم الجزائي، عدد 8 سنة 1977، ص. 78.
[17] قرار تعقيبي عدد 9450 مؤرخ في 30/05/1973، ن.م.ت.، القسم الجزائي لسنة 1973، ص. 29.
[18] محمد التريكي ” الاختبار في المادة الجزائية “، م.ق.ت.، فيفري 1985.
[19] من ذلك مثلا أن القاضي مجبر على الأخذ بنتيجة التحليل الجيني A.D.N. لقلة أو حتى انعدام نسبة الخطأ في هذا الميدان.
[20] و هو ما أكده الفصل 154 من م.ا.ج. الذي جاء به أن ” المحاضر و التقارير التي يحررها مأمورو الضابطة العدلية أو الموظفون أو الأعوان الذين أسند اليهم القانون سلطة معاينة الجنح و المخالفات تكون معتمدة الى أن يثبت ما يخالفها و ذلك فيما عدا الصور التي نص القانون فيها على خلاف ذلك.
و اثبات ما يخالف تلك المحاضر أو التقارير يكون بالكتابة أو بشهادة الشهود”.
[21] من ذلك المحاضر المحررة بمناسبة وقوع حوادث طرقات أو محاضر الجلسات و التي يجب الأخذ بها و اعتمادها الى أن يقع الطعن فيها بالزور.
[1] و هو التعريف الفلسفي للوجدان من منظور المذهب الوجودي. المعجم العربي الأساسي، لاروس، المنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم، ص.ص. 1290 و1291.
[2] المعجم العملي للمصطلحات القانونية و التجارية و المالية، تأليف يوسف شلالة، منشاة المعارف بالاسكندرية، ص. 237.
[3] لمزيد المعلومات راجع : Tournier Clara « L’intime conviction du juge », P.U. D’Aix Marseille, 2003
[4] لمزيد المعلومات راجع :- Tournier Clara « L’intime conviction du juge », P.U. D’Aix Marseille, 2003.
– Jouaihia karim « L’intime conviction en matière pénale. », mémoire de D.E.A. en sciences criminelles, 1998/1999 .