دراسات قانونية

بحث قانوني مميز حول الانترنت وحرية الرأي والتعبير

روضه أحمد سيد

مقدمة

أصبح الانترنت أكثر الوسائل انتشارا للتعبير عن الرأي حيث أعطي مساحة لكل فرد في كل المجتمعات لكتابة ما يدور حوله وعرضه علي شبكة الانترنت في فترة وجيزة ، وكذلك التعبير عن أراهم ووجهة نظرهم الشخصية وأصبح الانترنت أكثر الوسائل لتداول المعلومات دون مراعاة للحدود في وقت تتزايد فيه أهمية العهود والمواثيق والاتفاقيات الدولية في ظل علاقات دولية ومصالح اقتصادية شديدة التداخل والارتباط مما يضفي أهمية لدراسة العلاقة بين القوانين الوطنية ومدي توائمها مع القانون الدولي والمعاهدات الدولية فيما يخص استخدام الانترنت .

الانترنت والقانون الدولي

نص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16 كانون/ديسمبر1966 ، في المادتين 18 و19 منه علي:

المادة 18

1. لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين. ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة

.2. لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره.

3. لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية.

المادة 191.

1-لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة.

2. لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.

3. تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية:

(أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم،

(ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.

وفي الدستور المصري نصت المادة 47 من الدستور أن :- “حرية الرأي مكفولة، ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون، والنقد الذاتي والنقد البناء ضمان لسلامة البناء الوطني “

وكذلك نص قانون تنظيم الصحافة 96 لسنة 1996 علي أن ” الصحفيين مستقلون لا سلطان عليهم في أداء عملهم لغير القانون .

” كما ينص كذلك علي أنه ” لا يجوز أن يكون الرأي الذي يصدر عن الصحفي أو المعلومات الصحيحة التي ينشرها سببا للمساس بأمنه ، كما لا يجوز إجباره علي إفشاء مصادر معلوماته .”

ورغم أن الدستور والقانون يكفل حرية الرأي والتعبير، نجد هناك الكثير من القضايا والإحكام بسبب النشر علي الانترنت كما في حالة :- · المدون كريم عامر بسبب مقالاته علي الانترنت حيث تم فصله من كلية الشريعة والقانون جامعة دمنهور بسبب نشرة ثمانية مقالات علي مدونة خاصة به علي شبكة المعلومات الدولية ( الانترنت ) وقام عمداء الجامعة بتقديم بلاغ للنيابة العامة للفصل في الشق الجنائي وتم الحكم علية بأربعة سنوات سجن .· عبد المنعم محمود وهو شاب مدون محسوب على جماعة الإخوان المسلمين.

· وكذلك القبض علي مسئولي موقع مسيحيي الشرق الأوسط في مصر والتحقيق معهم بسبب ما يتم نشره علي الموقع الخاص بهم . مما يضع الدستور والقوانين المصرية والقضاء المصري في دائرة انتهاك القوانين والمعاهدات الدولية والتي أصبحت جزء لا يتجزأ من الثقافة والتطور الإنساني العالمي.

وعن العلاقة بين القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية يوضح المستشار سناء سيد خليل في دراسة بعنوان ” ان مشرع الدستوري المصري انتهج النظام الذي يجعل الاتفاقيات الدولية لها مرتبة القوانين حيث أن الاتفاقيات الدولية بوجه عام وفقاً للنظام القانوني فى مصر،

فطبقاً لنص الفقرة الأولى من المادة 151 من الدستور تحتل ذات المكانة التى تتمتع بها القوانين على المدراج التشريعي، وهى تلى مباشرة الدستور حيث يجرى نص الفقرة سالفة الذكر بأن رئيس الجمهورية هو المنوط به إبرام الاتفاقيات الدولية وإبلاغها لمجلس الشعب بما يتناسب من البيان، وتكون للاتفاقية قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقاً للأوضاع المقررة وقد أوردت الفقرة الثانية من الدستور الأحوال التى تتطلب موافقة مجلس الشعب عليها قبل النشر وهى الاتفاقيات الخاصة بالصلح أو المتعلقة بالسيادة أو التجارة أو النقل أو التى يترتب عليها أعباء مالية.

وترتيباً على ذلك فان الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وحرياته، تعتبر بعد الموافقة على الانضمام إليها ثم التصديق عليها ونشرها بالجريدة الرسمية للبلاد وذلك عملاً بالمادة سالفة الذكر بمثابة قانون من القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية،

وبالتالي تعتبر نصوصها من النصوص القانونية الصالحة للتطبيق والنافذة أمام جميع السلطات في الدولة سواء التشريعية أو التنفيذية أو القضائية وتمر الاتفاقيات الدولية المنضمة لها مصر تأسيساً على ذلك بعدة مراحل وإجراءات تبدأ بدراستها بمعرفة الجهات المعنية لتقرير التوقيع والموافقة عليها، ولضمان عدم مخالفتها للنظام القانوني المصري والدستور بصفة خاصة ثم يعقب ذلك التوقيع وإجراءات العرض على مجلس الشعب للموافقة ثم إيداع وثائق التصديق ثم نشر الاتفاقية بالجريدة الرسمية بعد تحديد بدء نفاذها دوليا.

إلا أنه بوجه خاص فإن هذه الاتفاقيات الدولية المعنية بمبادئ حقوق الإنسان وحرياته الأساسية نتيجة لاتصال أحكامها والمبادئ الواردة فيها بنصوص مقابلة لها في الدستور المصري تتمتع بحماية خاصة إضافية هي الحماية المقررة للنصوص الدستورية على نحو ما سلف بيانه من حيث توفير الحصانة لها من أية قوانين قد تصدر بالمخالفة لأحكامها الموضوعية المتصلة بالحقوق أو الحريات المحمية بمقتضاها، فيعد بالتالي صدور أي قانون لاحق لها به مخالفة لأحكامها الموضوعية محل الحماية أو معدلاً لها، مخالفة دستورية بحسبان أن هذا القانون سيوصم بعيب عدم الدستورية باعتباره سيكون بمخالفته لأحكام الاتفاقيات الدولية المتصلة بحقوق الإنسان وحرياته قد خالف الأحكام المتعلقة بهذه المبادئ المقابلة لها والواردة بنصوص الدستور المصري،

ومن ثم فان هذا القانون يكون قابلاً للإلغاء من المحكمة الدستورية العليا بحكم ملزم لجميع السلطات في الدولة إذ يترتب على نشر الحكم وقف العمل بالنص المقضي بعدم دستوريته ويرتد هذا الحكم إلى يوم صدور القانون المقضي بعدم دستوريته بالضوابط التي وضعتها المحكمةالدستورية والمشرع الوطنى .والواقع أن تلك الوضيعة الناشئة عن اتصال أحكام الاتفاقيات المعنية بحقوق الإنسان بالنصوص الدستورية في مصر جعل هذه الاتفاقيات عمليا تحتل منطقة وسطية بين الدستور والقانون وقد أحدث ذلك الوضع انعكاسات هامة لعل من أهمها ما يلي:

1 ـ وجود مبادئ حقوق الإنسان وحرياته فى الدستور المصرى سهل عملية انضمام مصر لكافة الاتفاقيات الدولية والإقليمية المتعلقة بحقوق الإنسان استناداً إلى المبادئ المقررة لها فى الدستور وكان ذلك من شأنه تعظيم دور مصر الرائد فى المشاركة بالجهود الدولية الدائر رحاها فى هذا الخصوص والتى صعب على أية دولة تجاهلها أوإغفالها أو التراجع عنها.

2 ـ أن الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان أصبح لها مكانة خاصة في النظام القانوني المصري فهي وإن كانت تعد قانونا من قوانين البلاد حسبما سبق إلا أنها تعد فى ذات الوقت من المصادر الأساسية للدستور والتي استقى منها المشرع الدستوري معظم نصوصه وهذه المكانة الخاصة تجعلها عملياً تحتل مكانة أعلى من القانون الوطنى بمقتضى الوضع القانوني للاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان فى مصر كقوانين مصرية حسبما سلف بيانه فإن مبادئ حقوق الإنسان وحرياته الأساسية الواردة في تلك الاتفاقيات باعتبار أن كل منها تستند بوجه عام إلى نصوص دستورية مقابله لها وردت في الدستور فإنها تتمتع في مصر بما يلي:

أولاً: الحماية المقررة للنصوص الدستورية باعتبارها القانون الأعلى، إذ يترتب على ذلك أن يوصم بعدم الدستورية كافة النصوص القانونية النافذة فعلاً والتي قد تكون متعارضة معها أو مخالفة لها أو أية تشريعات أخرى قد تصدر مستقبلاً تتضمن مساساً بها أو تعارضاً أو مخالفة لها، ويستطيع كل ذي مصلحة اللجوء بالأوضاع المقررة إلى المحكمة الدستورية للقضاء بعدم دستورية تلك القوانين بحكم ملزم لكافة السلطات بالدولة.

ثانياً: أن أحكام الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وحرياته باعتبارها قانون من قوانين البلاد ،

حسبما تقرره المادة (151) من الدستور سالفة الذكر، تتمتع فور إتمام الإجراءات الدستورية بالتصديق عليها ونشرها بالتطبيق والنفاذ المباشر أمام جميع السلطات بالدولة وتلتزم تلك السلطات بجميع أحكامها ويوفر ذلك بشكل مباشر الحق لمن يتضرر من عدم تطبيقها أو مخالفتها سواء كان ذلك يرجع لفعل الأشخاص الطبيعيين أو الهيئات والجهات الحكومية وغيرها اللجوء إلى القضاء وفقاً لطبيعة المخالفة بالأوضاع المقررة للحصول على الحقوق الناشئة عنها.

وقد حفلت ساحة القضاء المصري بالعديد من التطبيقات العملية لنصوص الاتفاقيات الدولية في هذا المجال كما تضمنت أحكام المحاكم على مختلف درجاتها ونوعياتها الإشارة إلى العديد من نصوص الاتفاقيات المذكورة وأقامت قضائها عليها باعتبارها نصوصاً قانونية معمول بها، كما وأن المحكمة الدستورية العليا أشارت في العديد من أحكامها إلى الإعلانات والقرارات والمواثيق الدولية والإقليمية المعنية بحقوق الإنسان بما فيها الإعلان العالمي وذلك في معرض تفسيرها للحقوق محل بحثها وردها لأصلها الذي قامت عليه لتضيف لقضائها العديد من المبادئ الدستورية الهامة في مجال حقوق الإنسان وحرياته .

إغلاق