دراسات قانونية
بحث و دراسة في الوضعية القانونية للإتفاقيات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان بالنسبة للدستور
بحث فى الوضعية القانونية للاتفاقيات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان بالنسبة للدستور
انتهج المشرع الدستورى المصرى النظام الذى يجعل الإتفاقيات الدولية لها مرتبة القوانين حيث أن الاتفاقيات الدولية بوجه عام وفقاً للنظام القانونى فى مصر، وطبقاً لنص الفقرة الأولى من المادة 151 من الدستور تحتل ذات المكانة التى تتمتع بها القوانين على المدراج التشريعى، وهى تلى مباشرة الدستور حيث يجرى نص الفقرة سالفة الذكر بأن رئيس الجمهورية هو المنوط به إبرام الاتفاقيات الدولية وإبلاغها لمجلس الشعب بما يتناسب من البيان، وتكون للاتفاقية قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقاً للأوضاع المقررة وقد أوردت الفقرة الثانية من الدستور الأحوال التى تتطلب موافقة مجلس الشعب عليها قبل النشر وهى الإتفاقيات الخاصة بالصلح أو المتعلقة بالسيادة أو التجارة أو النقل أو التى يترتب عليها أعباء مالية.
وترتيباً على ذلك فان الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وحرياته، تعتبر بعد الموافقة على الانضمام إليها ثم التصديق عليها ونشرها بالجريدة الرسمية للبلاد وذلك عملاً بالمادة سالفة الذكر بمثابة قانون من القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية، وبالتالي تعتبر نصوصها من النصوص القانونية الصالحة للتطبيق والنافذة أمام جميع السلطات فى الدولة سواء التشريعية أو التنفيذية أو القضائية وتمر الإتفاقيات الدولية المنضمة لها مصر تأسيساً على ذلك بعدة مراحل وإجراءات تبدأ بدراستها بمعرفة الجهات المعنية لتقرير التوقيع والموافقة عليها، ولضمان عدم مخالفتها للنظام القانوني المصرى والدستور بصفة خاصة ثم يعقب ذلك التوقيع وإجراءات العرض على مجلس الشعب للموافقة ثم إيداع وثائق التصديق ثم نشر الإتفاقية بالجريدة الرسمية بعد تحديد بدء نفاذها دولياً..
إلا أنه بوجه خاص فإن هذه الاتفاقيات الدولية المعنية بمبادئ حقوق الإنسان وحرياته الأساسية نتيجة لاتصال أحكامها والمبادئ الواردة فيها بنصوص مقابلة لها فى الدستور المصري تتمتع بحماية خاصة إضافية هى الحماية المقررة للنصوص الدستورية على نحو ما سلف بيانه من حيث توفير الحصانة لها من أية قوانين قد تصدر بالمخالفة لأحكامها الموضوعية المتصلة بالحقوق أو الحريات المحمية بمقتضاها، فيعد بالتالى صدور أى قانون لاحق لها به مخالفة لأحكامها الموضوعية محل الحماية أو معدلاً لها، مخالفة دستورية بحسبان أن هذا القانون سيوصم بعيب عدم الدستورية باعتباره سيكون بمخالفته لأحكام الاتفاقيات الدولية المتصلة بحقوق الإنسان وحرياته قد خالف الأحكام المتعلقة بهذه المبادئ المقابلة لها والواردة بنصوص الدستور المصرى، ومن ثم فان هذا القانون يكون قابلاً للإلغاء من المحكمة الدستورية العليا بحكم ملزم لجميع السلطات فى الدولة إذ يترتب على نشر الحكم وقف العمل بالنص المقضى بعدم دستوريته ويرتد هذا الحكم إلى يوم صدور القانون المقضى بعدم دستوريته بالضوابط التى وضعتها المحكمة الدستورية والمشرع الوطنى.
والواقع أن تلك الوضيعة الناشئة عن اتصال أحكام الاتفاقيات المعنية بحقوق الإنسان بالنصوص الدستورية فى مصر جعل هذه الاتفاقيات عمليا تحتل منطقة وسطية بين الدستور والقانون وقد أحدث ذلك الوضع انعكاسات هامة لعل من أهمها ما يلى:
1 ـ وجود مبادئ حقوق الإنسان وحرياته فى الدستور المصرى سهل عملية انضمام مصر لكافة الاتفاقيات الدولية والإقليمية المتعلقة بحقوق الإنسان استناداً إلى المبادئ المقررة لها فى الدستور وكان ذلك من شأنه تعظيم دور مصر الرائد فى المشاركة بالجهود الدولية الدائر رحاها فى هذا الخصوص والتى صعب على أية دولة تجاهلها أو إغفالها أو التراجع عنها.
2 ـ أن الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان أصبح لها مكانة خاصة فى النظام القانونى المصرى فهى وإن كانت تعد قانونا من قوانين البلاد حسبما سبق إلا أنها تعد فى ذات الوقت من المصادر الأساسية للدستور والتى استقى منها المشرع الدستورى معظم نصوصه وهذه المكانة الخاصة تجعلها عملياً تحتل مكانة أعلى من القانون الوطنى.
بمقتضى الوضع القانونى للاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان فى مصر كقوانين مصرية حسبما سلف بيانه فإن مبادئ حقوق الإنسان وحرياته الأساسية الواردة فى تلك الاتفاقيات باعتبار أن كل منها تستند بوجه عام إلى نصوص دستورية مقابله لها وردت فى الدستور فإنها تتمتع فى مصر بما يلى:
أولاً: الحماية المقررة للنصوص الدستورية باعتبارها القانون الأعلى، إذ يترتب على ذلك أن يوصم بعدم الدستورية كافة النصوص القانونية النافذة فعلاً والتى قد تكون متعارضة معها أو مخالفة لها أو أية تشريعات أخرى قد تصدر مستقبلاً تتضمن مساساً بها أو تعارضاً أو مخالفة لها، ويستطيع كل ذى مصلحة اللجوء بالأوضاع المقررة إلى المحكمة الدستورية للقضاء بعدم دستورية تلك القوانين بحكم ملزم لكافة السلطات بالدولة.
ثانياً: أن أحكام الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وحرياته باعتبارها قانون من قوانين البلاد ، حسبما تقرره المادة (151) من الدستور سالفة الذكر، تتمتع فور إتمام الإجراءات الدستورية بالتصديق عليها ونشرها بالتطبيق والنفاذ المباشر أمام جميع السلطات بالدولة وتلتزم تلك السلطات بجميع أحكامها ويوفر ذلك بشكل مباشر الحق لمن يتضرر من عدم تطبيقها أو مخالفتها سواء كان ذلك يرجع لفعل الأشخاص الطبيعين أو الهيئات والجهات الحكومية وغيرها اللجوء إلى القضاء وفقاً لطبيعة المخالفة بالأوضاع المقررة للحصول على الحقوق الناشئة عنها.
وقد حفلت ساحة القضاء المصري بالعديد من التطبيقات العملية لنصوص الاتفاقيات الدولية فى هذا المجال كما تضمنت أحكام المحاكم على مختلف درجاتها ونوعياتها الإشارة إلى العديد من نصوص الاتفاقيات المذكورة وأقامت قضائها عليها باعتبارها نصوصاً قانونية معمول بها، كما وأن المحكمة الدستورية العليا أشارت فى العديد من أحكامها إلى الإعلانات والقرارات والمواثيق الدولية والإقليمية المعنية بحقوق الإنسان بما فيها الإعلان العالمي وذلك فى معرض تفسيرها للحقوق محل بحثها وردها لأصلها الذى قامت عليه لتضيف لقضائها العديد من المبادئ الدستورية الهامة فى مجال حقوق الإنسان وحرياته على نحو ما سلف بيانه تفصيلاً فى القسم الثانى من هذه الدراسة.
تثير الوضعية القانونية للإتفاقيات الدولية فى مصر عدداً من التساؤلات حول علاقة الإتفاقية بالدستور ثم علاقتها بغيرها من القوانين السابقة أو اللاحقة عليها ثم مدى إلتزام المشرع العقابى المصرى بتجريم الأفعال المشار إليها بإتفاقيات حقوق الإنسان وسنتناول كل من التساؤلات المشار إليها فيما يلى:
أولاً: الإتفاقيات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان والدستور المصرى
أن علاقة إتفاقيات حقوق الإنسان المنضمة لها مصر بالدستور المصرى لا تثير ثمة صعوبة إذ أن انضمام مصر لتلك الإتفاقيات يأتى متوائماً ومتسقاً مع النصوص المقابلة لها بالدستور المصرى المتعلقة بمبادئ حقوق الإنسان وحرياته، وذلك حيث تأكد لنا حسبما سلف بأن هذه الاتفاقيات الدولية هى التى كانت المصدر الرئيسى للمشرع الدستورى بل وهى التى أدت بشكل مباشر إلى التعديل الدستورى الحاصل فى 22/5/1980 قبل تصديق مصر على العهدين الدوليين فى عام 1982، وبالتالى لا يوجد ثمة تعارض بين أحكام تلك الإتفاقيات والدستور المصرى يؤهل للطعن على أحكام تلك الإتفاقيات أو ما ورد فيها من أحكام أمام المحكمة الدستورية العليا.
وقد يثار تساؤلا حول مدى توافق أحكام تلك الإتفاقيات مع الشريعة الإسلامية باعتبارها وفقا لنص المادة الثانية من الدستور المصدر الرئيسى للتشريع طبقاً للتعديل الدستورى الحاصل فى 22/5/1980 والواقع أننا لا نرى بوجه عام تواجد ثمة مخالفة مباشرة بين الشريعة الإسلامية وأحكام الإتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان تخلق تصادماً حاداً أو تعارضاً شديداً بينها يحول دون انضمام مصر إليها وذلك لعدة أسباب هى:
1. أن الإتفاقيات الدولية حسبما هو متعارف عليه دولياً تصاغ بعد رحلة طويلة بين أروقة وأجهزة الأمم المتحدة وخبرائها، ويشارك فيها كافة دول العالم بكافة اتجاهاتهم، وذلك يحد من البداية من أوجه التعارض التى تحول دون انضمام الدول إليها، كما وأنه حسبما جرى عليه العمل كذلك فإنه فى الأمور الخلافية يفتح الباب أمام الدول للتحفظ على ما تراه متعارضاً مع نظامها وينص فى الاتفاقيات عادة على ذلك ومن ثم فإن هذه الاتفاقيات قد أخذت فى الإعتبار فى مراحل إعدادها مثل هذه الاختلافات الناشئة عن اختلاف النظم والمفاهيم والهويات الثقافية للأمم والشعوب.
2. أنه قبل توقيع مصر وتصديقها على أى من الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية الصادرة أو المفتوحة للتوقيع أو الانضمام يتم بطبيعة الحال دراستها بمعرفة الجهات المعنية والمتخصصة لتقرير مدى اتساقها مع النظام القانونى المصرى والدستور بصفة خاصة ومدى وما قد يستلزمه الانضمام إليها من تعديلات تلحق بتشريعات أخرى وتخضع هذه الاتفاقيات للدراسة سواء فى المرحلة السابقة على التوقيع أو اللاحقة عليه لإتمام التصديق وهى إجراءات قد تزيد على ما يتطلبه إصدار قانون طبقاً للإجراءات الدستورية والتشريعية. وهذه المراحل من الفحص والدراسة ستحول بطبيعة الحال دون وجود أية مخالفات قد تؤدى إلى وجود نصوص بالاتفاقيات المنضمة لها مصر مخالفة لأحكام الدستور.
3. أنه باستقراء هذه الاتفاقيات، نجد أن أوجه الخلاف تكاد تنحصر فى أمور ثلاثة هى: نظام التبنى المحظور إسلامياً ثم ما يتصل بالمساواة بين الرجل والمرأة فى الأمور المتعلقة بالزواج وهى أمور تتصل اتصالا مباشراً بالجوانب التى تنظمها الأديان ومن ثم تستظل بالحرية الدينية التى تشملها مبادئ حقوق الإنسان وحرياته، ولا محل بالتالى للقول بتعارض تلك الإتفاقيات مع أحكام الشريعة الإسلامية التى تنظم هذه الأمور بالنسبة لمن يعتنقونها، والأمر الثالث ما يتصل بالجنسية والأحكام المتعلقة بمنحها، وهى من الأمور الخلافية بالنظم القانونية على الصعيد الدولى، والتى يحكمها بشكل العام الحد من عديمى الجنسية باقرار جنسية لكل شخص ثانيا الحرص على عدم ازدواج الجنسية لتلافى المشاكل الصعاب القانونية الناشئة عن ذلك.
4. أن مصر تحوطاً من كل ما قد يثير مساساً بأحكام الشريعة الإسلامية، قد أبدت التحفظات التى ارتأتها ملائمة على بعض الإتفاقيات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان المنضمة لها وهـــى:
أ ) تحفظ عام على الاتفاقيتين الدوليتين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حيث أوردت التحفظ التالى عند انضمامها إليهما وهو الأخذ فى الإعتبار أحكام الشريعة الإسلامية وعدم تعارضها معها ويلاحظ أن هذا التحفظ ورد فى نص قرار الانضمام ولم يرد تحفظا مستقلا وهو ما أثار بعض المشاكل القانونية بالأمم المتحدة على نحو ما سلف بيانه
ب) التحفظ الوارد على إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وهو التحفظ على المادتين 9 فقرة 2، والمادة 6/1 والفقرة 2 من المادة 29، وتحفظ عام بشرط ألا يتعارض ذلك مع الشريعة الإسلامية، وقد جاء التحفظ على المادتين 16، 29 بالصياغة الآتية:
ـ التحفظ على نص الفقرة الثانية من المادة (9) بشأن منح المرأة حقاً مساويا لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالها، بأن يكون ذلك دون إخلال باكتساب الطفل الناتج عن زواج لجنسية أبيه، وذلك تفادياً من اكتسابه الجنسيتين فى حالة اختلاف جنسية الأبوين اتقاء للإضرار بمستقبله، إذ أن اكتساب الطفل لجنسية أبيه هو أنسب الأوضاع لـه ولا مساس فى ذلك بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة إذ المألوف موافقة المرأة فى حالة زواجها من أجنبى على انتساب أطفالهما لجنسية الأب.
ـ التحفظ على نص المادة (16) بشأن تساوى المرأة بالرجل فى كافة الأمور المتعلقة بالزواج وعلاقات الأسرة أثناء الزواج وعند فسخه بأن يكون ذلك دون إخلال بما تكفله الشريعة الإسلامية للزوجة من حقوق مقابلة حقوق الزوج بما يحقق التوازن العادل بينهما، وذلك مراعاة لما تقوم عليه العلاقات الزوجية فى مصر من قدسية مستمدة من العقائد الدينية الراسخة التى لا يجوز الخروج عليها، إعتباراً بأن من أهم الأسس التى تقوم عليها هذه العلاقات التقابل بين الحقوق والواجبات على نحو من التكامل الذى يحقق المساواة الحقيقية بين الزوجين بدلاً من مظاهر المساواة الشكلية التى لا تحقق للزوجة مصلحة نافعة من الزواج بقدر ما تثقل كاهلها بقيود وذلك أن أحكام الشريعة الإسلامية تفرض على الزوج أداء الصداق المناسب للزوجة والإنفاق عليها من ماله إنفاقاً كاملاً ثم أداء نفقة لها عند الطلاق فى حين تحتفظ الزوجة بحقوقها الكاملة على أموالها ولا تلتزم بالإنفاق منها على نفسها، ولذلك قيدت الشريعة حق الزوجة فى الطلاق بأن أوجبت أن يكون ذلك بحكم القضاء فى حين لم يضع مثل هذا القيد على الزوج.
ـ التحفظ الوارد على الفقرة (2) من المادة (29) بشأن حق الدولة الموقعة على الاتفاقية فى إعلان عدم إلتزامها بالفقرة (1) من تلك المادة بشأن عرض ما قد ينشأ من خلاف بين الدول حول تفسير أو تطبيق هذه الاتفاقية على هيئة التحكيم، وذلك تفادياً للتقيد بنظام التحكيم فى هذا المجال.
ـ تحفظ عام على المادة (2) وأن جمهورية مصر العربية على استعداد لتنفيذ ما جاء بفقرات هذه المادة بشرط ألا يتعارض ذلك مع الشريعة الإسلامية.
ج ) التحفظ المصرى الوارد على إتفاقية حقوق الطفل والمتضمن ما يلى: ” إعتباراً لأن الشريعة الإسلامية هى مصدر أساسى من مصادر التشريع فى القانون الوضعـى المصرى، ونظراً لأن هذه الشريعة إذ توجب توفير كافة وسائل الحماية والرعاية للأطفال بطرق ووسائل متعددة وليس من بينها نظام التبنى الموجود فى بعض النصوص والأحكام الخاصة بالتبنى فى هذه الاتفاقيـة، وعلى وجه خاص ما ورد بشأن التبنى فى المادتين 9، 20 من الاتفاقية.
د ) تحفظت مصر على المواد 12، 22، 23، 24 من إتفاقية اللاجئين لعام 1951 وكان الهدف من التحفظ هو المادة 12/1 الخاصة بالأحوال الشخصية لمخالفة ذلك للقانون المدنى المصرى وبالنسبة لباقى المواد هو تجنب العقبات الناشئة على المساواة بين اللاجئين والمواطنين والتى يمكن أن تؤثر على حق السلطات المصرية فى منح خبرات للاجئين وفقاً لكل حالة على حدة.
هـ ) تحفظ مصر على المادة الثامنة والفقرة الثالثة من المادة الثالثة عشر من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان واشترطت أن يكون تطبيق ما يتصل بحرية العقيدة وممارسة الشعائر ووضعية المرأة فى ضوء الشريعة الإسلامية، كما تحفظت على الفقرة الأولى من المادة التاسعة والخاصة بحق الفرد فى الحصول على المعلومات بأن يكون فى نطاق المعلومات المباح الحصول عليها فى نطاق القوانين واللوائح المصرية.
و) تحفظت مصر فى عدد من الاتفاقيات المعنية بحقوق الإنسان الأخرى ولكن ليس على الجوانب الموضوعية، إنما جاءت تحفظاتها فى إطار ما نصت عليه الاتفاقيات بشأن عرض المنازعات بين الدول، والمتعلقة بالتطبيق أو التفسير، على محكمة العدل الدولية
ويلاحظ مما سبق أن مصر تبدى دائماً التحفظ الملائم لتفادى حدوث ثمة تعارض بين الاتفاقيات الدولية والإقليمية المعنية والدستور المصرى وبصفة خاصة ما يتصل بالشريعة الإسلامية بإعتبارها المصدر الرئيسى للتشريع إلتزاماً بنص المادة الثانية من الدستور بعد تعديلها بالاستفتاء الحاصل فى 22/5/1980، وهذا من شأنه بطبيعة الحال حسبما سلف الحيلولة دون وجود مخالفة دستورية بالنصوص الدولية الواردة بالاتفاقيات الدولية وبالتالى يحول عمليا دون صدور ثمة أحكام من المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية أى نص بإتفاقية دولية بإعتباره مخالفاً للدستور بعد انضمام مصر إليها وإعتبارها قانوناً من قوانين البلاد.
رغم تقارب الفترة الزمنية لانضمام مصر لاتفاقيات حقوق الإنسان التى وردت بشأنها التحفظات سالفة الذكر إلا أن النهج الذى اتبعته مصر بالنسبة لإبداء التحفظات على هذه الاتفاقيات قد جاء متنوعا رغم وحدة الغرض منه، فقد أفردت لبعض الاتفاقيات تحفظات محددة تفصيلية على فقرات أو مواد من اتفاقيات المرأة والطفل واللاجئين والميثاق الافريقى وجاء التحفظ على العهدين بوجه عام وكنا نفضل توحيد التنسيق أمام وضوح اوجه الخلاف أو التخوف منه، بالنص على التحفظ العام بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية وذلك لمسايرة واستيعاب أية متغيرات أو مستجدات تجرى على الساحة الوطنية من خلال التناول التشريعى والجهود المتواصلة للمشرع الوطنى فى هذا الصدد وفى إطار الالتزام بالدستور الوطنى..
ثانياً: الإتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والقوانين المصرية
بالنسبة لعلاقة الاتفاقيات الدولية التى تنضم لها مصر بغيرها من القوانين المصرية وقت نفاذها فى البلاد وفق التاريخ الذى يتحدد بمقتضى أحكامها، فإن الأمر يخضع بطبيعة الحال للقواعد القانونية العامة المقررة لتنازع القوانين من حيث الزمان بإعتبار أن الاتفاقية أصبحت بعد الانضمام إليها والتصديق عليها ونشرها بالجريدة الرسمية، قانوناً من القوانين المصرية عملاً بنص المادة 151 من الدستور وهذا الأمر يفرض طبقاً للقواعـد القانونية المشار إليها احتمالين:
أولهما: هو أن تأتى الاتفاقية بنصوص صالحة للتطبيق الفورى ولا تتطلب تدخلاً من المشرع الوطنى، فإن هذه النصوص منذ نفاذها تلغى ما يوجد من نصوصاً قانونية مخالفة لها وفقاً لقاعدة أن اللاحق يلغى السابق المخالف لـه طالما أن الأداة التشريعية تكون على ذات المستوى ويكون التطبيق الفعلى للقانون اللاحق دون السابق بالضوابط المقررة فى التفرقة بين النص العام والخاص.
ثانيهما: هو أن يصدر المشرع الوطنى بعد الانضمام للاتفاقية نصوصاً قانونية تخالف أو تقيد أو تعارض أو تنتقص من الحقوق الواردة بالاتفاقية وفى هذه الحالة يكون التطبيق على المستوى العملى للقانون اللاحق دون الاتفاقية وهذا الفرض يضع الدولة فى مسئولية قبل المجتمع الدولى حيال مسئولياتها الناشئة عن الاتفاقية المعنية وفقاً لما تحدده الاتفاقية ذاتها من أحكام فى هذا الشأن والذى تبلغ فى مداه إلى أنه قد تعد هذه المخالفة بمثابة انسحاب من الاتفاقية، ولكن الأمر يختلف بعض الشيئ فى حالة ما إذا كان الأمر يتعلق باتفاقية من اتفاقيات حقوق الإنسان التى تستند إلى نصوص دستورية فإنه إذا صدر قانون مخالف لها أو متعارض معها يكون فى ذات الوقت مخالفاً للنص الدستورى المقابل الذى تستند إليه الاتفاقية ويستطيع كل ذى شأن الطعن عليه أمام القضاء بالأوضاع المقررة وصولاً للقضاء بعدم دستورية القانون على أساس مخالفته لنص دستورى وليس بكونه مخالفاً لإتفاقية دولية.
ويجدر ملاحظة أن الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان ليست من الاتفاقيات المتصلة بالأعمال السياسية الخارجة عن نطاق الرقابة القضائية وذلك على نحو ما جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا، والذى انتهى إلى أن استبعاد الاتفاقية من مجال الرقابة القضائية يشترط أن تكون الاتفاقية محلاً للأعمال السياسية وفقاً لما تحدده المحكمة الدستورية عن طبيعة المسائل محل الاتفاقية.
[ يراجع الحكم الصادر بالقضية رقم 10 لسنة 14 قضائية دستورية جلسة 19/6/1993 ]
والواقع على صعيد العمل التشريعى فإن انضمام مصر للاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان أدى إلى مبادرة المشرع بإصدار التشريعات المواءمة للاتفاقيات التى انضمت إليها مصر سواء بتعديل ما هو سارى فعلا من تشريعات إلى استحداث تشريعات جديدة وتم ذلك سواء بالمراحل السابقة على التصديق على الاتفاقية من جانب مصر وفى أحوال أخرى بعد التصديق عليها.
فقد قام المشرع المصرى بتعديل العديد من التشريعات لتتوأم من الاتفاقيات الدولية التى انضمت إليها فى هذا المضمار منها على سبيل المثال التعديلات الحاصلة على قانون الأحزاب السياسية والانتخاب والعقوبات والطوارئ والقوانين المتعلقة بالأحوال المدنية والعمل والعاملين المدنيين بالدولة واستحداث قوانين جديدة مثل قانون الطفل والصحافة والجمعيات الأهلية وهى فى جملتها أحوال كثيرة تضيق هذه الدراسة عن ذكر تفاصيلها.
ولكن المستفاد مما تقدم أن المشرع المصرى التزاما منه بأحكام الدستور وبمسئوليات مصر الناشئة عن انضمامها للاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية كان يضع دائماً نصب عينه الاتفاقيات الدولية سالفة الذكر لتأتى النصوص التشريعية متفقة معها تجنبا لوصمها بعيب عدم الدستورية وتعرضها للطعن عليها أمام المحكمة الدستورية العليا.
ولا يغيب فى هذا المقام أن تدخل المشرع المصرى بوضع ضوابط أو قيود على الحقوق والحريات المعنية يكون دائماً حسبما استقر عليه قضاء المحكمة الدستورية مهتديا بما جرى عليه العمل بالدول الديمقراطية وذلك بطبيعة الحال معياراً ومقياساً ألزمت به المحكمة الدستورية المشرع الوطنى عند إعماله لسلطته التقديرية فى هذا الشأن مما يجعل كذلك أية تشريعات قد تصدر ليست بمنأى عن الطعن عليها ممن يتضررون من النصوص التشريعية الصادرة فى هذا الشأن.
ونرى أن هذا المعيار أوجد نوعاً من الرقابة الدستورية السابقة على العملية التشريعية والتى ينبغى على المشرع الوطنى إعمال مقتضاه بكل دقة تجنبا من أن تأتى النصوص التشريعية مشوبة بعيب عدم الدستورية.
ثالثاً: المشرع العقابي المصري والأفعال المجرمة طبقا للإتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان
تضمنت عدد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان على نحو ما سلف التزام الدول الأطراف بتجريم بعض الأفعال التى تشكل فى حقيقتها أفعال تعتبر انتهاكات بالغة لحقوق الإنسان يتأذى منها المجتمع الدولى وسعى من خلال هذه الاتفاقيات إلى إلزام الدول الأطراف تجريم هذه الأفعال ووضع العقوبات المناسبة لها وهذه الاتفاقيات هي:ــ
1- اتفاقيتي الرق:
أ ـ اتفاقية الرق عام 1926.
ب ـ الاتفاقية التكميلية لإبطال الرق وتجارة الرقيق والممارسات الشبيهة بالرق (عام 1956).
2 ـ أ ـ اتفاقية السـخرة عام 1930 ( اتفاقية العمل الدولية رقم 29 ).
ب ـ اتفاقية تجريم السخرة عام 1957 ( اتفاقية العمل الدولية رقم 105 ).
3 ـ اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية و المعاقبة عليها ( ديسمبر عام 1948 ).
4 ـ اتفاقية حظر الاتجار بالأشخاص واستغلال دعارة الغير ( عام 1949 ).
5 ـ اتفاقية قمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها ( عام 1973 ).
6 ـ اتفاقية مناهضة التعذيب وكافة ضروب المعاملة القاسيـة المهينـة ( عام 1984 ).
وسنتناول المواد المتصلة بالتجريم فى كل اتفاقية وموقـف المشرع العقابي المصري في كل منها على حدة وذلك بوجه عام دون التفاصيل التى يضيق عنهـا هذا المجال وسنورد بها النصوص الدولية وفقا لما وردت فى الاتفاقية مع الإشارة بوجه عـام إلى موقف المشرع المصرى منها.
2. ـ اتفاقيتى الرق:ـ
أ ـ اتفاقية الرق ( عام 1926 ) .
ب ـ الاتفاقية التكميلية لابطال الرق وتجارة الرقيق والممارسات الشبيه بالرق عام 1956.
وسنشير لنطاق التجريم الوارد في كل منهما وفقا للتفصيل الوارد في الاتفاقية ثم موقف المشرع العقابى المصرى منها:ــ
أ ـ اتفاقية الرق ( عام 1926 ):ـ
وقعت هذه الاتفاقية في 25/9/1926 وبدء نفاذها في 9/3/1927 وتضمنت الاتفاقية تعريف الرق وحظره وتجريم الاتجار في الرقيق في المواد 1، 2، 6 على النحو التالي:ـ
( المادة 1 )
1 ـ الرق هو حالة أو وضع أي شخص تمارس عليه السلطات الناجمة عن حق الملكية كلها أو بعضها.
2 ـ تجارة الرقيق تشمل جميع الأفعال التي تنطوي عليها أسر شخص ما أو احتجازه أو التخلي عنه للغير بقصد تحويله إلي رقيق، وجميع الأفعال التى ينطوي عليهـا احـتجاز رقيق ما بغية بيعه أو مبادلة وجميع أفعال التخلي بيعاً أو مبادلة عن رقيق تم احتجازه على قصد بيعه أو مبادلة، وكذلك عموماً أي اتجار بالأرقاء أو نقل لهم.
( المادة 2 )
يتعهد الأطراف كل منهم في ما يخص الأقاليم الموضوعة تحت سيادته أو ولايته أو حماية التدابير الضرورية لذلك:ـ
أ ـ منع الاتجار في الرقيق والمعاقبة عليه
ب ـ العمل تدريجياً وبالسرعة الممكنة على القضاء كليا على الرق بجميع صوره.
( المادة 6 )
يتعهد الإطراف الذين لا يزال تشريعهم غير واف بإنزال العقاب بمخالفي القوانين باتخاذ التدابير اللازمة للتمكين من فرض عقوبات شديدة على تلك المخالفات.
ب ـ الاتفاقية التكميلية لابطال الرق وتجارة الرقيق والأعراف والممارسات الشبيهة بالرق ( 1956 ):
اعتمدت بقرار المجلس الاقتصادي الاجتماعي رقم 608 ( دـ21) في 3/4/1956 وبدء نفاذها في 30/4/1957 طبقاً للمادة 13 بانضمام دولتين إليها.
وقد تضمنت الاتفاقية تعريف الممارسات الشبيهة بالرق كما تضمنت ما يتصل بالأفعال المطلوبة تجريمها في المادتين 3، 6 على التفصيل الأتي:
( المادة 3 )
1ـ يشكل نقل الرقيق من بلد إلي أخر بأية وسيلة أو محاولة هذا النقل أو الاشتراك فيه جرماً جنائياً في نظر قوانين الدول الأطراف ويتعرض الأشخاص الذين يدانون بهذه الجريمة لعقوبات شديدة للغاية.
( المادة 6 )
1ـ يشكل استرقاق شخص لآخر أو إغراؤه بأن يتحول هو نفسه أو يحول شخصاً آخر من أبناءه إلى رقيق جرماً جنائياً في نظر قوانين الدول الأطراف يستحق العقاب من يثبت ارتكابهم لـه وينطبق الأمر نفسه في حالة المحاولة أو التدخل أو الاشتراك في مؤامرة على هذا القصد.
موقف المشرع المصرى:
انضمت مصر لاتفاقية الرق فى 25/1/1928 بدون أية تحفظات كما انضمت إلى البروتوكول المعدل لها فى 29/9/1954 وانضمت إلى الاتفاقية التكميلية بتاريخ 17/4/1958 وعمل به اعتباراً من 7/7/1955موجب قرار النشر الحاصل بالعدد 73 من الجريدة الرسمية بتاريخ 22/9/1955 وهو يوم إيداع وثيقة التصديق عملاً بالمادة 24 من الاتفاقية كما انضمت مصر إلى الاتفاقية التكميلية لإبطال الرق بتاريخ 17/4/1958 ولم تتحفظ على أى من أحكامها وعمل بها إعتباراً من 17/4/1958 وهـو يـوم إيـداع وثيقـة التصديق عملاً بالمادة 24 من الاتفاقية.
ومنذ بدايات القرن العشرين فقد انتهى تماما الرق من المجتمع المصرى ويتمتع الكافة بالأهلية القانونية وفقـاً لأحكام القانـون المصري وتعتبر الأحكام المتصلة بالأهلية القانونية من النظام العام فلا يجوز لأحد النزول عن أهليته ولا تعديل أحكامها ولا يجوز كذلك لاحد النزول عن حريته الشخصية ( المادتان 48، 49 من القانون المدنى ) وتبدأ شخصية الإنسان بتمام ولادته حيا وتنتهى بموته المادة (29) من القانون المدنى وقد نظم القانون أحكام الولاية على النفس بالنسبة للقصر وأحوال فقدان الأهلية وهى الصغر (الصغير الذى لم يبلغ السابعة ) والجنون وأحوال نقص الأهلية هى الصغير ما قبل سن الرشد والسفيه ويخضع فاقدو الأهلية وناقصوها بالولاية وفقا للأحكام المقررة فى القانون المدنى وقانون أحكام الولاية على النفس.
وقد كفل قانون الأحوال المدنية رقم 143 لسنة 1994 الإلزام بالقيد بواقعات الميلاد والوفاة وإستخراج البطاقات الدالة على الشخصية ووضع العقوبات المناسبة للإخلال بهذه الإلتزامات وتشكل هذه القواعد القانونية ضمان تسجيل المواليد وإثبات نسبهم حيث تبدأ شخصية الإنسان، التى كفل لها القانون الحماية على ما سلف.
ولا يعتبر الإنسان وفقا لأحكام القانون المصرى من السلع التى تباع أو تشترى أو تعرض للبيع ويعد خطف أو احتجاز الأشخاص أو أسرهم بدون أمر من الحكام المختصين وفى غير الأحــوال التى تصـرح فيها القوانيـن بذلـك جريمة عملا بنصوص الباب الخامس من الكتاب الثالث من قانون العقوبات يعاقب مرتكبها بعقوبات سالبة للحرية أو الغرامة وفق نوع الجريمة وذلك أيا كان غرض الخطف من الاحتجاز كما يعد الاشتراك فى الجريمة معاقبا عليه طبقاً للمواد 40، 41 من قانون العقوبات.
ومفاد ذلك أن الأحكام المتعلقة بالشخصية القانونية للأفراد لا يجوز المساس بها أو الاتفاق على مخالفتها ويكون التصرف بشأنها وفقا للأحوال وبالأوضاع التى قررها القانون والتى ليس من بينها الرق، كما وأن الخطف أو الاحتجاز أو الأسر أيا كان الغرض منه معاقب عليه طبقا لقانون العقوبات.
2 ـ اتفاقيتا تجريم السخرة والعمل الإلزامي لعامى 1930، 1957 ( اتفاقيتا العمل الدولية رقمى ( 29، 105):
صدرت الاتفاقية الأولى رقم 29 فى إطار منظمة العمل الدولية واعتمدها المؤتمر العام فى 28/6/1930 ودخلت حيز النفاذ فى 1/5/1932 عملا بالمادة 28 من الاتفاقية بانضمام دولتين من الدول الأعضاء بالمنظمة.
وصدرت الاتفاقية الثانية في إطار منظمة العمل الدولية كذلك حيث اعتمدها المؤتمر العام في 25/6/1957 ودخلت حيز النفاذ في 17/1/1959 عملا بنص المادة الرابعة من الاتفاقية بانضمام دولتين من الدول الأعضاء بالمنظمة.
وقد تضمنت الاتفاقية الثانية ما يتصل بحظر السخرة واتخاذ الإجراءات اللازمة لكفالة إلغائها على التفصيل التالي:
( المادة 1 )
تتعهد الدول الأعضاء بحظر أي شكل من أشكال عمل السخرة أو العمل القسري وبعدم اللجوء إليها.
أ ـ كوسـيلة للإكراه أو التوجيه السياسي أو كعقاب على اعتناق أراء سياسية أو أراء تتعارض مذهبياً مع النظام السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي القائم أو على التصريح بهذه الاراء.
ب ـ كأسلوب لحشد اليد العاملة واستخدامها لأغراض القيمة الاقتصادية.
ت ـ كوسيلة لفرض الانضباط على العمل.
ث ـ كعقاب على المشاركة في الاضطرابات.
ج ـ كوسيلة للتمييز العنصرى أو الاجتماعي أو اللغوي أو الديني.
( المادة 2 )
تتعهد الدول الأعضاء باتخاذ تدابير فعالة الإلغاء الفوري الكامل لعمل السخرة أو العمل القسري على النحو المحدد في المادة 1 من هذه الاتفاقية.
موقف المشرع المصرى:
انضمت مصر للاتفاقية الأولى رقم 29 بموجب القانون رقم 510 لسنة 1955 والمنشور بالوقائع المصرية العدد (81) مكرر “غير اعتيادى ” فى 23/10/1955. وعمل بها اعتباراً من 29/11/1956 بموجب قرار الخارجية والمنشور بالوقائع المصرية العدد 3 فــى 9/1/1956 وذلك بعد مرور عام على ايداع وثائق التصديق عملا بالمادة 28 من الاتفاقية.
انضمـت مصـر للاتفاقية الثانية رقم (105) بالقرار الجمهوري رقم (1240) بتاريخ 4/10/1958 والمنشور بالوقائع المصرية العدد 101 في 25/12/1958 وعمل بها اعتبارا من 23/10/1959 بموجب قرار الخارجية الصادر فى 13/11/1958 وذلك بعد مرور عام على إيداع وثيقة التصديق الخاص فى 23/10/1958 عملا بالمادة الرابعة من الاتفاقية.
وقد تضمن قانون العقوبات المصرى تجريم الأفعال المشار إليها بالمادة (131) والتى تنص على معاقبة الموظف العام إذا أوجب على الناس عملا فى الحالات المقررة قانونا أو استخدم أشخاصا فى أعمال غير الأعمال التى جمعوا من اجلها وجعل لذلك عقوبة الحبس لمدة لا تزيد على سنتين والعزل، فضلا عن الحكم عليه بقيمة الأجور المستحقة عن استخدمهم بغير وجه حق، كما جرمت المادة (375) بعض الأفعال حيث نصت على أن يعاقب بالحبس لمدة لا تزيد عن سنتين وبغرامة لا تزيد عن مائة جنية كل من استعمل القوة أو العنف أو التهديد أو الإرهاب أو أية تدابير غير مشروعة فى الاعتداء أو الشروع فى الاعتداء على حق الغير فى العمل أو حق الغير فى أن يستخدم أو يمتنع عن استخدام أى شخص كما يعاقب بذات العقوبة التحريض على ارتكاب هذه الجرائم.
3ـ اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقب به عليها ( ديسمبر 1948 )
تعتبر هذه الاتفاقية هي أولى اتفاقيـات حقوق الإنسان التي صـدرت في ظـل منظومـة الأمم المتحدة، وقد جاءت نفاذاً لقرار الأمم المتحدة رقم 96 ( د ـ 1 ) الصــادر في 11/12/1946، وقد اعتمدت وعرضت للتصديق والانضمام بقرار الجمعية العامة رقم 360 أ ( د ـ 1 ) في 9/12/1948 وفى اليوم السابق على إصدار الأمم المتحدة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان وقد دخلت حيز النفاذ في 12/1/1951 بعد إيداع الوثيقة العشرين الأولى طبقاً للمادة الثالثة عشر من الاتفاقية.
وقد تضمنت الاتفاقية في المواد من الأولى وحتى السابعة الاعتراف بكون الإبادة الجماعية جريمة بمقتضى القانون الدولي والتعريف بأفعال الإبادة ونطاق العقاب عليها.
( المادة الأولى )
تؤكد الأطراف المتعاقدة أن الأعمال التي ترمى إلى إبادة الجنس سواء ارتكبت في زمن السلم أو في زمن الحرب تعد جريمة فى نظر القانون الدولي، وتتعهد باتخاذ التدابير لمنع ارتكابها أو العقاب عليها.
( المادة الثانية )
يقصـد بإبـادة الجنس في هذه الاتفاقية أي فعل من الأفعال الآتية، يرتكب بقصد القضاء كلاً أو بعضـاً على جماعة بشرية بالنظر إلى صفتها الوطنية أو العنصرية أو الجنسية أو الدينية:
1ـ قتل أعضاء هذه الجماعة 0
2ـ الاعتداء الجسيم على أفراد هذه الجماعة جسمانياً أو نفسياً.
3ـ إخضاع الجماعة عمداً إلى ظروف معيشية من شأنها القضاء عليها مادياً كلاً أو بعضاً.
4ـ اتخاذ وسائل من شأنها إعاقة التناسل داخل هذه الجماعة.
5ـ نقل الصغار قسراً من جماعة إلى جماعة أخرى.
( المادة الثالثة )
تعتبر الأفعال الآتية معاقباً عليها:
1ـ إبادة الجنس.
2ـ الاتفاق بقصد ارتكاب إبادة الجنس.
3ـ التحريض المباشر والعلني على ارتكاب إبادة الجنس.
4ـ الشروع في إبادة الجنس.
5ـ الاشتراك في إبادة الجنس.
( المادة الرابعة )
يعاقب كل من يرتكب جريمة إبادة الجنس أو إي فعل من الأفعال المنصوص عليها في المادة 3 سواء أكان الجاني من الحكام أو من الموظفين أو من الأفراد.
( المادة الخامسة )
تتعهد الأطراف المتعاقدة بأن تتخذ وفقاً للأوضاع الدستورية الخاصة بكل منها التدابير التشريعية اللازمة لتحقيق تطبيق أحكام هذه الاتفاقية وعلى الأخص للنص في تشريعها على العقوبات الجنائية الكفيلة بمعاقبة كل من يرتكب جريمة إبادة الجنس أو أي فعل من الأفعال المنصوص عليها في المادة 3.
( المادة السادسة )
يحال الأشخاص المتهمون بارتكاب جريمة إبادة الجنس أو أي من الأفعال المنصوص عنها في المادة الثالثة إلى المحاكم المختصة في الدولة التي ارتكب الفعل في أراضيها أو إلى محكمة جنائية دولية تكون مختصة بنظره وذلك بالنسبة إلى الأطراف المتعاقدة التي تقبل مثل هذه الاختصاص.
( المادة السابعة )
لا تعتبر جريمة إبادة الجنس والأعمال المنصوص عليها في المادة الثالثة من الجرائم السياسية من حيث تسليم المجرمين.
وتتعهد الأطراف المتعاقدة في هذه الحالة بإجراء التسليم وفقاً لتشريعاتها وللمعاهدات القائمة في هذا الشأن.
( المادة الثامنة )
لكل طرف متعاقد أن يرفع الأمر إلى الهيئات المختصة التابعة لهيئة الأمم المتحدة لكي تتخذ وفقاً لأحكام ميثاق هيئة الأمم المتحدة ما يلزم من تدابير ملائمة للوقاية أو العقاب على أفعال إبادة الجنس أو أي فعل من الأفعال المنصوص عليها في المادة 3.
4 ـ الاتفاقيـة الدوليـة بعـدم تقـادم جرائـم الحـرب والجـرائم المرتكبـة ضـد الإنسانية: ( )
صدرت عام 1968 اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية وذلك بقرار الجمعية العامة رقم 3391 ( د ـ 23 ) في 26/11/1968 ودخلت حيز النفاذ في 11/11/1970 تاريـخ إيداع الصك العاشر من صكوك التصديق نفاذاً للمادة الثامنة من الاتفاقية، وقد تضمنت الفقرة (ب ) من المادة الأولى جريمة الإبادة الجماعية باعتبارها من الجرائم ضد الإنسانية، كما أصدرت الأمم المتحدة في 1973 قراراها رقم 3074 ( د 38 ) بمبادئ التعاون الدولي في تعقب واعتقال وتسليم الأشخاص المذنبين في ارتكاب هذه الجرائم.
موقف المشرع المصرى:
انضمت مصر للاتفاقية الدولية لمنع جريمة الإبادة بموجب القانون رقم 121 لسنة 1951 وصدقت على الاتفاقية فى 8/2/1952 ونشرت بالوقائع المصرية العدد (100) فى 3/7/1952 ومعمول بها اعتبارا من اليوم التسعين لإيداع وثيقة التصديق عملا بنص المادة بنص المادة 13 من الاتفاقية.
ولم يتضمن قانون العقوبات المصري الأفعال المؤثمة في هذه الاتفاقية بالتجريم بشكل مباشر ولكن ينطبق بشأن بعض هذه الأفعال بطبيعة الحال المواد المؤثمة للقتل والاحتجاز والإرهاب والاعتداء كما وأن الاتفاق والتحريض والاشتراك والشـروع من الأفعال المعاقب عليها، كذلك وفقاً للقواعد العامة للقانون العقابي المصري باعتبار أن أفعال القتل جناية، ولكن من الملاحظ أن الأفعال الواردة في البندين 3، 4 من المادة الثانية من الاتفاقية وهى الأفعال المتعلقة بإخضاع جماعة لظروف معيشية من شأنها القضاء عليها كلا أو بعضا أو اتخاذ وسائل من شأنها إعاقة التناسل داخل هذه الجماعة فهي أفعال لم يتعامل معها المشرع المصري بشكل مباشر ولكن هذه الأفعال في حالة حصولها تعد صورا من صور الاحتجاز والاعتداء سواء البسيط أو الناشئ عنه عاهة مستديمـة وهـى أفعـال مؤثمـة بمقتضى أحـكام قانون العقوبات المصرى.
وأما بالنسبة لما ورد بالاتفاقية بشأن التسليم أو التعاون القضائي لمواجهة هذه الجرائم فأن ما ورد بالاتفاقية بشأنها يعد من المواد القابلة للتنفيذ بذاتها دون ما حاجة لتدخل المشرع باعتبار أن الاتفاقية بمثابة قانون من قوانين البلاد وطبقاً للدستور ويمكن للجهة المختصة الاستناد إليها في تطبيق ما ورد منها من أحكام متصلة بالتسليم أو التعاون القضائي.
ويلاحظ أن مصر لم تنضم بعد لاتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية ولكن يشار إلى أن مبدأ عدم التقادم أقرته المادة (57) من الدستور والتي نصت على عدم تقادم الدعوى الجنائية والمدنية الناشئة عن الاعتداء على الحقوق والحريات العامة والحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة وهذا ينطبق بطبيعة الحال على الأفعال محل التجريم بالاتفاقية المشار إليها ويسرى هذا النص بشكل مباشر باعتباره نصاً دستوريا ولا يحتاج للنص عليه بتشريعات أدنى حسبما انتهت إليه محكمة النقض بحكمها السابق الإشارة إليه ولا نرى مبررا لتأخير مصر فى الانضمام لأحكام هذه الاتفاقية.
5ـ اتفاقية حظر الا تجار بالأشخاص واستغلال دعارة الغير الأمم المتحدة 1949
أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم 317 ( د ـ 4 ) في 3/12/1949 ودخلت حيز النفاذ في 25/7/1951 طبقاً للمادة 24 بعد إيداع الوثيقة الثانية وقد جاءت الاتفاقية لتحل محل الاتفاقية السابقة المتعلقة بتجارة الرقيق الأبيض والاتجار بالنساء والأطفال وهى الاتفاقيات الصادرة في أعوم 1904، 1910، 1921، 1933 وقد تضمنت الاتفاقية الأفعال المتعين تأثيمها في المواد 1، 2، 3، 4 على التفصيل الآتي:
( المادة الأولى )
توافـق أطراف هذه الاتفاقية على معاقبة أي شخص يقوم بما يلي بقصد إشباع الغير:
(1) تقديـم أو ترغيـب أو حمل أي شخص آخر لأغراض الدعارة ولو كان ذلك بموافقة الشخص المذكور.
(2) استغلال دعـارة شخــص أخــر ولو كان ذلك بموافقة هذه الشخص الأخر.
( المادة الثانية )
كما توافق أطراف هذه الاتفاقية على معاقبة كل شخص:
(1) يفتـح أو يديـر بيتاً للدعـارة أو يقـوم وهو يعلم بتمويل أو بالاشتراك في تمويل مثل هذا البيت.
(2) يؤجر أو يستأجر وهو يعلم بذلك بناء أو أي مكان أخر أو أي جزء من بناء أو مكان بقصد دعارة الغير.
( المادة الثالثة )
وكذلك يجب في الحدود التي تسمح بها القوانين الوطنية معاقبة الشروع في ارتكاب أية جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المادتين الأولى والثانية التحضيرية لها.
( المادة الرابعة )
يعاقب أيضاً في الحدود التي تسمح بها القوانين الوطنية كل من يشترك عمداً في الأفعال المشار إليها في المادتين الأولى والثانية، بالقدر الذي تسمح به القوانين الوطنية تعامل الأفعال التحضيرية كجرائم مستقلة كلما لزم ذلك لمنع الهروب من العقاب.
موقف المشرع المصرى:
• انضمت مصر للاتفاقية المذكورة والبرتوكول المحلق بها بالقـرار الجمهوري رقم 884 بتاريخ 11/5/1959، والمنشور بالجريدة الرسمية في العدد 105 في 23/5/1959، وأصبـح معمولا بها اعتباراً مـن 10/9/1959 بموجب قرار النشر الصادر عن وزارة الخارجيــة بتاريخ 4/10/1959 والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 244 فى 9/11/1959، بعد مرور ثلاثة أشهر على تاريخ ايداع وقبل التصديق والحاصل فى 12/6/1959 وذلك عملا بالمادة 24 من الاتفاقية.
• ونفاذاً لهذه الاتفاقية صدر القانون 10 لسنة 1961 متضمناً تجريم الأفعال المشار في الاتفاقية، كما نص على تجريم التحريض والشروع كما تسرى الأحكام المتصلة بالتعاون الدولي لمكافحة تلك الجرائم دون ما حاجة لتدخل المشرع بإعتبار الإتفاقية مثابة قانون وطنى مصرى طبقاً للدستور حسبما سلف ايضاحه.
6 ـ الإتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقب عليها عام 1973:
اعتمدت هذه الإتفاقية بقرار الجمعية العامة للأمـم المتحدة رقم 3068 ( د / 28 ) في 30/11/1973 ودخلت حيز النفاذ في 18/7/1976 بعد إتمام انضمام عشرين دولة عملاً بنص المادة 15 من الإتفاقية.
وقد تضمنت الإتفاقية الأحكام الآتية: أولاً بإعتبار جريمة الفصل العنصري جريمة ضد الإنسانية وارتكابها يعد تهديداً خطيراً للسلم والأمن الدوليين ونصـت المواد 1، 2،3، 4، 5، 6، 11 على ما يلي:-
( مادة 1 )
1 ـ تعلن الدول الأطراف في هذه الإتفاقية أن التفرقة العنصرية جريمة ضد الإنسانية وأن الأعمال غير الإنسانية الناجمة عن سياسات وأساليب التفرقة العنصرية والسياسات والأساليب المماثلة للتمييز العنصري والتفرقة العنصرية كما تم تعريفها في المادة 2 من الإتفاقية تعتبر جرائم مخالفة لمبادئ القانون الدولي وبصفة خاصة أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وتشكل تهديداً خطيراً للسلم والأمن الدولي.
2 ـ تعلن الدول الأطراف بهذه الإتفاقية أنها تعتبر المنظمات والهيئات والأفراد الذين يقترفون جريمة التفرقة العنصرية مجرمين في نظرها.
( مادة 2 )
في تصدي هذه الإتفاقية سينطبق اصطلاح جريمة التفرقة العنصرية المتضمنة السياسات والأساليب المتماثلة للتمييز العنصري والتفرقة العنصرية كتلك التي ترتكب في جنوب أفريقيا على الأعمال غير الإنسانية التالية والتي ترتكب بهدف خلق وإبقاء تسلط جماعة عنصريين على جماعة من عنصر آخر واضطهادهم بصفة منظمة.
أ ـ إنكار حق عضو أو أعضاء مجموعة عنصرية في الحياة والحرية.
1 ـ بواسطة قتل جماعة أو جماعات من جنس معين.
2 ـ بواسطة إيقاع أنواع من العذاب الجسدي والفكري على عدد من مجموعة أو مجموعات عنصرية وذلك بالإعتداء على حرياتهم أو كرامتهم أو بواسطة تعريضهم بالقتل أو للمعاملة أو العقوبات القاسية وغير الإنسانية أو المهينة
3 ـ بواسطة القبض التعسفى والسجن غير القانونى لأفراد من مجموعة أو مجموعات من عنصر معين.
ب ـ الفرض العمدي لظروف معينه للمعيشة على مجموعة أو مجموعات من الأفراد من عنصر معين بهدف تحطيمهم بدنياً سواء أكان ذلك جزئياً أو كلياً.
ج ـ أية تدابير تشريعية أو غيرها تهدف إلى منع مجموعة أو مجموعات من عنصر معين من المشاركة في الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية لبلدهم وتعمد لخلق ظروف من شأنها أن تحول دون التطور الكامل لممثل هذه المجموعة أو المجموعات وبصفة خاصة بواسطة منع عدد من الأفراد أو المجموعات من عنصر معين من حقوقهم الإنسانية وحرياتهم الأساسية، بما في ذلك حق العمل وحق تشكيل المنظمات والاتحادات التجارية والحق في التعليم والحق في الرحيل والعودة إلى بلادهم والحق في قوميتهم والحق في حرية الإنتقال والإقامة والحق في إبداء الرأي والتعبير عنه والحق في حرية التجمعات السلمية.
د ـ أية تدابير بما في ذلك التدابير التشريعية ـ بدافع بث الفرقـة بين السكان على أسـاس الاختلاف العنصري وذلك بخلق مجموعات وأقليات منعـزلة بمجموعة أو مجموعات عنصرية وتحريم الزواج بين أفراد المجموعات المختلـفة عنصـرياً ومصادرة ملكية أراضي بعض أفراد مجموعة أو مجموعات أو الأعضاء التابعين لها.
هـ ـ إستغلال جهد جماعة أو جماعات عنصرية وخاصة إرغامهم على القيام بالأعمال
الجبرية.
و ـ إضطهاد المنظمات و الأشخاص بحرمانهم من الحقوق الأساسية والحريات بسبب معارضاتهم للتفرقة العنصرية.
( مادة 3 )
تطبق المسئولية الجنائية ـ بغض النظر عن الدافع ـ على أفراد أعضاء المنظمات والهيئات وممثلي الدولة سواء كانوا يقيمون في الأقاليم التي تقترف فيها هذا الأعمال أو في دولة أخرى في حالة:
أ ـ ارتكابهم أو اشتراكهم في إرتكاب الأعمال المذكورة في المادة 2 من هذه الإتفاقية أو في التحريض المباشر أو التآمر لإرتكاب هذه الأعمال.
ب ـ قيامهم بالتحريض أو التشجيع المباشر أو المساعدة المباشرة في إرتكاب جريمة التفرقة العنصرية.
( مادة 4 )
تتعهد الدول الأطراف في هذه الإتفاقية:
أ ـ بإتخاذ أي تدابير تشريعية أو غيرها تكون ضرورية لقمع ومنع أي تشجيع لجريمة التفرقة العنصرية والسياسات العنصرية الأخرى المماثلة أو إظهارها، ومعاقبة مرتكبي هذه الجريمة.
ب ـ بإتخاذ التدابير التشريعية والقضائية والإدارية ـ كل في دائرة إختصاصه ـ لإثبات ومحاكمـة وعقـاب الأشخاص المسئولين والمتهمين بالأعمال المنصوص عليها في المادة ( 5 ) من هذه الإتفاقية سواء كانوا مقيمين بإقليم الدولة التي أرتكبت فيها هذه الأعمال أو خارجة وسواء كانوا من موظفي هذه الدولة أو من موظفي دولة أخرى أو عديمي الجنسية.
( مادة 5 )
الأشخاص المتهمون إرتكاب الأعمال المذكورة في المادة ( 2 ) من هذه الإتفاقية يجوز محاكمتهم أمام المحكمة المختصة في أي دولة طرف في هذه الإتفاقية يكون هؤلاء الأشخاص تابعين لإختصاصها أو أمام محكمة دولية جنائية تقبل الدول الأطراف إختصاصها.
( مادة 6 )
تضطلع الدول الأطراف في هذه الإتفاقية بقبول وتنفيذ القرارات المتفقة مع ميثاق الأمم المتحدة التي يتخذها مجلس الأمن للوقاية من ولمنع جريمة التفرقة العنصرية والعقاب عليها وللمعاونة في تنفيذ القرارات التي تتخذها أجهزة الأمم المتحدة المختصة الأخرى بهدف تحقيق أغراض الإتفاقية.
( مادة 11 )
1 ـ لا تعتبر الأعمال المذكورة في المادة ( 2 ) من هذه الإتفاقية جرائم سياسية فيما يتعلق بتسليم المجرمين الفارين إلى حكوماتهم.
2 ـ تطلع الدول الأطراف لهذه الإتفاقية في هذه الحالات بضمان تسليم المجرمين الفارين إلى حكوماتهم وفقاً لقانونهم ووفقاً للمعاهدات المعمول بها.
موقف المشرع المصرى:
انضمـت مصر للإتفاقية المذكور بقرار رئيس الجمهورية رقم 62 بتاريخ 3/2/1977 ونشـرت في الجريـدة الرسـمية العدد ( 32 ) في 11/8/1977، ومعمول بها إعتباراً من 15/7/1977 طبقاً لقرار الخارجية المؤرخ 19/6/1977.
نص الدستور المصرى حسبما سلف بيانه على قاعدتي تكافؤ الفرص والمساواة أمام القانون بالمادتين 8، 40 منه وقد أوضحت أحكام المحكمة الدستورية العليا المشار إليها بالقسم الثانى من هذه الدراسة شمولية هذه المبادئ لكافة صور التمييز سوى ما يتدخل المشرع بتنظيمه بضوابط موضوعية وبالتالى فأن كافة صور التمييز والتفرقة منهى عنها بمقتضى الدستور، وتأسيسا على ذلك فقد انضمت مصر كذلك للاتفاقيات المتعلقة بعدم التمييز فى إطار منظمة اليونسكو ( منع التمييز فى التعليم ) وكذلك فى إطار منظمة العمل الدولية ( اتفاقيتي المساواة فى الأجور والاستخدام والمهنة رقمى 100، 111 ).
ولم يتناول المشرع العقابي المصري ما يتعلق بالتفرقة العنصرية كجرائم مستقلة وذلك على نحو ما سار عليه المشرع العقابي المصري في معالجته للافعال الناشئة عن جريمة إبادة الأجناس والمشار إليها بالاتفاقية الدولية المعنية بها، وذلك بطبيعة الحال يرجع لعدم معرفة المجتمع المصري لمثل هذه الجرائم، ولكن يشار إلى إن كافة الأفعال المطلوب تجريمها مجرمة بمقتضى أحكام قانون العقوبات ، ذلك بالنسبة للجرائم التي تقع على الأشخاص سواء القتل أو التهديد أو الحبس بدون وجه حق أو هتك العرض أو التعذيب أو الضرب أو الإيذاء أو السب أو القذف، كما وأن المشرع العقابي المصري أورد بالتعديل الحاصل عام 1992 عقوبة السجن على إنشاء أو تأسيس أو تنظيم جمعية أو هيئة أو منظمة أو عصابة يكون الغرض منها الإعتداء على الحرية الشخصية للمواطن أو غيرها من الحريات أو الحقوق العامة التي كفلها الدستور والقانون أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي ( المادة 86 مكرر )، ويعتبر بطبيعة الحال الحق في المساواة وعدم التمييز من الحقوق العامة التي كفلها الدسـتور بالمادة ( 40 ) كما يؤثم قانون العقوبات المصري بالمادة (176) التحريض بطريق العلانية على بغض طائفة أو طوائف من الناس أو ازدرائها وجعل لذلك عقوبة الحبس كما تضمن التعديل الحاصل لقانون العقوبات بالقانون رقـم ( 6 ) لسنة 1998 إضافة المادة (375 مكرر ) والتي تضمنت المعاقبة على استعراض القوة أو التلويح بالعنف والتهديد أو الإعتداء على الغير لترويع المجني عليه أو تخويفه من إلحاق الأذى به أو بأحد أفراد أسرته لفرض السطوة عليه لإرغامه على القيام به لا يلزمه به القانون أو الحمل على الامتناع عن عمـل مشـروع.
وقد حظر قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977 إنشاء الأحزاب على أساس من التفرقة أو التمييز بين طوائف المجتمع.
كما نص قانون الصحافة الصادر بالقانون رقم ( 96 لسنة 1996 ) على إلتزام الصحفي بالامتناع عن الانحياز إلى الدعوات العنصرية أو التي تنطوي على امتهان الأديان أو الدعوى إلى كراهيتها أو الطعـن في إيمان الأخرين أو ترويج التمييز أو الاحتقار لأي من طوائف المجتمع ونص على عقوبة الحبس والغرامة لمخالفة ذلك ( المادتان 20، 22 ).
وتضمن قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية رقم 84 لسنة 2002 حظر قيام الجمعيات بالدعوى إلى التمييز بين المواطنين وجعل عقوبة ذلك الحبس لمدة لا تزيد على سنة وغرامـة لا تزيد عن عشـرة آلاف جنيـه أو بإحـدى هاتين العقوبتـين ( المادتـان 11، 76 ) وقد تضمـن قانـون العمـل المساواة فى الأجور بين الرجال والنساء.
7. اتفـاقية مناهضة التعذيب وغيـره مـن ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
اعتمـدت الجمعيـة العامـة للأمـم المتحـدة الإتفاقيـة بقرارهـا رقم 39/46 فى 10/12/1984 ودخلت حيـز النفاذ فى 26/6/1987 عملا بنص المادة 27 من الاتفاقية بعد انضمام الدولة العشرين.
وقد جاءت الاتفاقية استناداً للمادة 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 7 من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية وأوضحت ديباجة الاتفاقية أن الغرض من إصدارها وهو زيادة فعالية النضال ضد التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية فى العالم قاطبة.
وقـد تضمنـت الاتفاقية تحديد الأفعال المنهي عنها ( وهى التعذيب والمعاملة القاسية المهينة) وجرمتها فى المواد 1، 4، 16 على النحو التفصيلى الآتي:ـ
(المادة الأولى)
1. ـ لإغراض هذه الاتفاقية، يقصد بـ ” التعذيب ” أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمداً بشخص ما يقصد به الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث ـ أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أياً كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذى يكون نتيجة عرضية لها.
2. ـ لا تخل هذه المادة بأي صك دولي أو تشريع وطنى يتضمن أو يمكن أن يتضمن أحكاماً ذات تطبيق أشمل.
( المادة الرابعة )
1 ـ تضمن كل دولة طرف أن تكون جميع أعمال التعذيب جرائم بموجب قانونها الجنائي، وينطبق الأمر ذاته على قيام أي شخص بأية محاولة لممارسة التعذيب وعلى قيامة بأي عمل آخر بشكل تواطؤ ومشاركة فى التعذيب
02 ـ تجعل كل دولة طرف هذه الجرائم مستوجبة للعقاب بعقوبات مناسبة تأخذ فى الاعتبار طبيعتها الخطيرة.
( المادة السادسة عشر)
1 ـ تتعهد كل دولة طرف بأن تمنع، فى أي إقليم يخضع لولايتها القضائية حدوث أي أعمال أخرى من أعمال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية والمهينة التى لا تصل إلى حد التعذيب كما حددته المادة 1، عندما يرتكب موظف عمومي أو شخص أخر يتصرف بصفة رسمية هذه الأعمال أو يحرض على ارتكابها، أو عندما تتم بموافقتة أو بسكوته عليها، وتنطبق بوجه خاص الالتزامات الواردة فى المواد 10، 11، 12، 13، وذلك بالاستعاضة عن الإشارة إلى غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية
02 ـ لا تخل أحكام هذه الاتفاقية بأحكام أي صك دولي أخر أو قانون وطنى يحظر المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية والمهينة أو يتصل بتسليم المجرمين أو طردهم.
موقف المشرع المصرى:
انضمت مصر لاتفاقية مناهضة التعذيب بالقرار الجمهوري رقم 154 لسنة 1986 ونشر بالجريدة الرسمية العدد 1 بتاريخ 7/1/ 1988 أصبح معمولا بها كقانون من قوانين البلاد اعتبارا من 25/7/1986 وقد عرف المشرع المصري جريمة التعذيب منذ منتصف القرن الماضي ويؤثم قانون العقوبات الحالي جرائم التعذيب وسوء المعاملة فى الباب السادس من الكتاب الثاني فى المواد 126 إلى المادة 132 ويتضمن القانون المصري تعريفا أعم وأشمل من التعريف الوارد وفى الفقرة الأولى من المادة الأولى من الاتفاقية حيث لم يتضمن القانون اشتراط أن يكون فعل التعذيب ناتجا عنه ألم أو عذاب شديد كما تضمن قانون العقوبات كذلك تجريم أفعال القبض على النــاس بـدون وجه حق وحبسهم وتعذيبهم فى المواد 280، 281، 282 { الباب الخامس من الكتاب الثالث }.
ويشـار إلى أن التطبيـق القضائي لجريمة التعـذيب أسفـر عن العديد من المبادئ القضائية والتفسيرات الهامة الصادرة عن محكمة النقض المصرية فيما يتعلق بالنصوص القضائية الخاصة بها وهو الأمر الذى يضيق المجال عن الخوض فيه تفصيلاً.
ويلاحظ أن ما ورد بأحكام الاتفاقية فيما يتعلق بعدم الاستشهاد بالأقوال الناشئة عن التعذيب فقد نص الدستور المصري على ذلك بالمادة (42 ) كما ورد هذا المبدأ بقانون الإجراءات الجنائية بالمادة (302) والمعدلة بموجب القانون رقم 37 لسنة 1972 بشأن الحريات العامة والصادر عقب صدور الدستور المصرى الدائم سنة 1971 وتنفيذاً لأحكامه.
أما عن التعاون الدولى بشأن مكافحة التعذيب فإن ما ورد فى الاتفاقية من أحكام تعد نصوص قانونية صالحة للتطبيق بما يجوز الاستناد إليها أعمالها باعتبارها أصبحت بمثابة نصوص قانونية مصرية ونرى أحكام القانون المصري متفقة تماما مع أحكام اتفاقية مناهضة التعذيب وهو الأمر الذى حدي بمصر إلى الانضمام إليها وبدون تحفظات وبدون ما حاجة إلى ثمة تعديلات تشريعية.
ويتضح من الاستعراض المتقدم لموقف لمشرع العقابي المصري إزاء الأفعال المطلوب تجريمها طبقاً للاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان أن المشرع المصري تصدى بشكل مباشر بنصوص مؤثمة بقانون العقوبات لكل من الأفعال المؤثمة بمقتضى اتفاقيات الرق والسخرة والقضاء على التعذيب وبالنسبة لاتفاقية منع استغلال دعارة الغير لعام 1949 فقد تناولها المشرع العقابى المصرى بقانون مستقل أما اتفاقيتي إبادة الأجناس والتفرقة العنصرية فلم يتصد المشرع العقابـي المصـري لهما بشكل مباشر ويمكن تفسير موقف المشرع المصري فى هذا الصدد فى أمرين:
أولهما: ما يتميز به المجتمع المصري من تآلف وترابط بين مختلف فئاته وطوائفه وعلى كافة المستويات وهو ما صنعته حضارة قديمة تمتد عبر آلاف السنين وقيم ومثل تستند إلى الرسالات السماوية الثلاثة والتى أثرت بعمق على تكوين الوجدان المصري الذى ينبذ بعنف كل الأفعال محل اتفاقيتي إبادة الأجناس والتفرقة العنصرية وهذا بدوره جعل من تلك الأفعال عديمة التواجد فى منظومة الحياة اليومية فى المجتمع المصري سواء على المستوى الحكومى أو الفرد.
ثانيهما: إن قانون العقوبات المصري يتضمن تجريم كافة أنماط السلوك البشرى التى تنال من حق الإنسان فى الحياة والحرية وسلامة النفس والبدن وحرمه الحياة الخاصة والشرف والأموال وهو ما يشكل فى مجمله حماية تستغرق كافة الأفعال الإجرامية محل الاتفاقيتين المشار إليهما بشكل غير مباشر وان كانت هذه النصوص التجريمية لا تغطى تلك الأفعال إن تمت بشكل منهجى بشكل سياسة الدولة وهو ما لا يتصور حدوثه فى إطار منظومة دولة سيادة القانون والقائم عليها النظام القانونى المصرى طبقاً لأحكام الدستور.
ولكننا نرى انه بالرغم من وجاهة الأسباب التى يستند إليها المشرع العقابي المصري فى عدم الإسراع بتجريم هذه الأفعال إلا انه أمام التزام مصر بتجريم الأفعال المنهي عنها بكل من الاتفاقيتين بعد انضمامها إليهما وفى ظل المادة 57 من الدستور والتى أوجبت أن تكون كافة الأفعال المتعلقة بالاعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات العامة التى يكفلها الدستور والقانون جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية عنها بالتقادم.
فانه يتعين على المشرع العقابي المصري أن يجرم بشكل مباشر كافة الأفعال المتعين تجريمها بمقتضى الاتفاقيتين المشار إليهما وهى الأفعال المجرمة بمقتضى اتفاقية جريمة إبادة الأجناس وكذا اتفاقية التفرقة العنصرية، وهى تضع مجالا أوسع لأعمالها مما ترى معه أن هذه الجرائم التى يسرى بشأنها مبدأ عام التقادم المنصوص عليه بالمادة 57 من الدستور.
والواقع وبعد دخـول نظـام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لحيز النفاذ فى 13/4/2002 اصبح يتعين على المشرع المصرى القيام بذلك باعتبار هذا الجرائم أصبحت من اختصاص تلك المحكمة وأن غياب تجريم هذه الأفعال فى القانون الوطنى سيعطى للمحكمة الدولية الاختصاص مباشرة فى التصدي لها وهو ما سيفقد القضاء الوطنى حقه فى التصدي لهذه الجرائم.
وبالنسبة لاتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والتى لم تنضم لها مصر حتى الآن، فإننا نرى ورغم قلة دول العالم المنضمة لها، أنه لا يوجد ثمة مبرر قانونى أو دستورى يحول دون الانضمام إليها خاصة فى ظل ما تقرره المادة 57 من الدستور والتى نصت على عدم تقادم الدعوى الجنائية أو المدنية الناشئة عن الاعتداء على الحقوق والحريات العامة التى كفلها القانون، وهى تضع مجالا أوسع لأعمالها مما نرى معه أن هذه الجرائم أن كانت مصر لم تنضم إلى الاتفاقية بعد. إلا أنها من الجرائم التى يسرى بشأنها مبدأ عدم التقادم المنصوص عليه بالمادة 57 من الدستور