دراسات قانونية

بحث و دراسة قانونية حول الوضع القانوني للمرأة الفلسطينية في منظومة قوانين الأحوال الشخصية

بحث قانوني هام عن الوضـع القانونــي للمرأة الفلسطينية في منظومة قوانين الأحوال الشخصية

دراسة حالة للوضع القانوني للمرأة في منظومة قوانين الأحوال الشخصية المطبقة في قطاع غزة مقارنة مع اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة

تمهيــــد

يعتبر قانون الأحوال الشخصية من أهم القوانين وأكثرها مساساً بالأسرة عموماً، والمرأة على وجه الخصوص، فهو ينظم جميع الأمور المتعلقة بالزواج والطلاق والميراث. ومصطلح الأحوال الشخصية حديث نسبياً، ويراد به الأحوال التي تكون بين الإنسان وأسرته وكل ما يترتب عليها من آثار حقوقية والتزامات أدبية أو مادية. وقديماً لم يستخدم الفقهاء هذا المصطلح وإنما كانوا يطلقون اسماً خاصاً على كل موضوع يتعلق بالمبادئ الحقوقية والأحكام الشاملة للأسرة ككتاب النكاح، وكتاب المهر وهكذا…
والأحوال الشخصية توازي في المعنى الأحوال المدنية. ومحتوى قانون الأحوال الشخصية يمكن عرضه في ثلاث نقاط:
1 – كل ما يتعلق بالزواج وأحكامه وما يترتب عليه من مهر ومسكن ونفقة ونسب وأحكام الأهلية والحجر والوصايا والوصية وأنواعها.
2 – كل ما يتعلق بالطلاق وأحكامه وآثاره من نفقة وعدة وغيرها.
3 – كل ما يتعلق بأحكام الإرث، وفي الفقه يطلق عليه أحكام “الفرائض”.

تتعدد قوانين الأحوال الشخصية في فلسطين، فهناك منظومة قوانين خاصة بالمسلمين وقانون خاص بالمسيحيين. وتقتصر هذه الدراسة على منظومة قوانين الأحوال الشخصية للمسلمين، والتي تتعدد هي الأخرى حيث تنطبق على الضفة الغربية منظومة مختلفة عن تلك المطبقة في قطاع غزة، بفعل الظروف السياسية التي مر بها المجتمع الفلسطيني والتي أدت إلى تعدد التشريعات والنظم القانونية المطبقة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة. فمنذ أن خضعت فلسطين للحكم العثماني ومن بعده للانتداب البريطاني، طبق فيها قانون الأحوال الشخصية الذي استند على المذهب الحنفي وكذلك مجلة الأحكام العدلية التي كانت تعالج في بعض أبوابها أصول المحاكمات التي تحكم إجراءات العمل في المحاكم. وبعد نكبة العام 1948م وخضوع الضفة الغربية للحكم الأردني وقطاع غزة لحكم الإدارة المصرية بدأ التمايز في النظم والقوانين المطبقة عليهما. فمن جهة أصبحت الضفة الغربية جزءاً من المملكةالأردنية الهاشمية تخضع في كل أمورها للقوانين الأردنية بما فيها قانون حقوق العائلة لعام 1951، وفيما بعد قانون الأحوال الشخصية رقم (61) لسنة 1976. ومن جهة أخرى حافظت الإدارة المصرية في قطاع غزة على الهوية الفلسطينية واستمر العمل بجميع القوانين التي كانت تسري من قبل بما فيها قانون الأحوال الشخصية.[1] وفي عام 1954م صدر عن الحاكم العام لقطاع غزة قانون حقوق العائلة بالأمر رقم (303) وهو القانون المطبق حتى هذا اليوم ويعالج مسائل الأحوال الشخصية مستندا على قانون الأحوال الشخصية العثماني لسنة 1919م والذي لم يتم إلغاؤه بل استمر العمل به حتى اليوم، فهو قانون اعم واشمل من قانون حقوق العائلة.

وبعد قيامها عام 1994، أبقت السلطة الوطنية الفلسطينية على جميع القوانين التي كانت مطبقة قبل العام 1967 من خلال إصدار مرسوم رئاسي رقم (1) لسنة 1994 الذي نص على أن يستمر العمل بالقوانين والأوامر التي كانت سارية المفعول قبل 5/6/1967 في الأراضي المحتلة حتى يتم توحيدها.

وبعد انتخابات 1996 وانتخاب المجلس التشريعي الفلسطيني ومباشرته لعمله في مجال التشريع والرقابة، أصبحت الفرصة سانحة اكثر نحو توحيد قانون الأحوال الشخصية. فتعالت الأصوات المنادية بضرورة وضع قانون أحوال شخصية موحد. كما تزايدت المطالب من قبل المؤسسات النسوية ومراكز حقوق الإنسان بضرورة تعديل قوانين الأحوال الشخصية المطبقة والأخذ بالمعايير الدولية واتفاقيات حقوق الإنسان وبشكل خاص اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة الصادرة في ديسمبر 1979 وما تنص عليه من تحقيق المساواة بين المرأة والرجل وإلغاء مظاهر الإجحاف والتمييز تجاهها.

وخلال السنوات الماضية تم تشكيل لجنة في الضفة الغربية ولجنة من قطاع غزة مكلفة من قبل الرئيس ياسر عرفات بإعداد مشروع قانون أحوال شخصية، وقد انتهت اللجنتان من إعداد مشروعين للأحوال الشخصية، ومن ثم تم تشكيل لجنة رئاسية لدراسة المشروعين والخروج بمشروع واحد يعرض على المجلس التشريعي. وحتى إعداد هذه الدراسة لم يعرض مشروع قانون الأحوال الشخصية على المجلس التشريعي.

وقد ارتأت وحدة المرأة في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن تقوم بدراسة الوضع القانوني للمرأة الفلسطينية في ظل منظومة الأحوال الشخصية المطبقة في قطاع غزة ومقارنتها بالمعايير الدولية، خاصة اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو). وتأمل الوحدة أن تساهم هذه الدراسة في الجهود الداعية إلى تعديل وتوحيد قانون الأحوال الشخصية بما يتلاءم مع المعايير الدولية. علماً بأن ما يرد في الدراسة من ملاحظات يتصل مباشرة بصميم عمل الوحدة وما يبرز من إشكاليات عملية في برنامج المساعدة القانونية المخصص للنساء في قطاع غزة.

والدراسة تستعرض منظومة قانون الأحوال الشخصية المطبقة في قطاع غزة، كما تستعرض اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وبشكل خاص الحقوق القانونية للمرأة كما تناولتها الاتفاقية، ومن ثم تتناول أهم القضايا في منظومة قانون الأحوال الشخصية وتوضح كيف تم تناولها في السيداو وما نص عليه القانون المطبق ثم تضع توصية بما يجب أن يكون عليه القانون لكي ينسجم مع المعايير الدولية.

منظومة الأحوال الشخصية المطبقة في قطاع غزة والقوانين ذات العلاقة

تتكون منظومة الأحوال الشخصية للمسلمين المطبقة في قطاع غزة من قانون الأحوال الشخصية الصادر في زمن الحكم العثماني لفلسطين سنة 1336 هجري و قانون حقوق العائلة الصادر بالأمر رقم (303) لسنة 1954، ويتبع ذلك قانون أصول المحاكمات الشرعية رقم (12) لسنة 1965 الصادر عن الحاكم العام لقطاع غزة والمواد المكملة له من مجلة الأحكام العدلية، وتحكم هذه المنظومة الأحوال الشخصية للمسلمين من زواج وطلاق وحقوق والتزامات زوجية، كما تنظم أمور نسب الأبناء وحقوقهم على الآباء والميراث والوصايا وغير ذلك من الأحوال الشخصية للمسلمين وهي المستندة بالأساس على مذهب الإمام أبو حنيفة النعمان.

أولا: قانون الأحوال الشخصية على مذهب الإمام أبو حنيفة والصادر في زمن الحكم العثماني لفلسطين سنة 1336 هجري

لقد كان المذهب الحنفي هو المذهب الرسمي للدولة العثمانية، وهو قانون شامل لكل مسائل الأحوال الشخصية، ويتكون من (647) مادة موزعة على ثمان وخمسين قسما، تتناول في القسم الأول وحتى الثالث والعشرين قضايا الزواج وشروطه وموانعه والكفاءة والمهر والنفقة، أما في القسم الرابع والعشرين وحتى الثاني والثلاثين فيبحث في قضايا الطلاق وأنواعه وآثاره والخلع والتفريق بحكم القاضي وأحكام العدة الشرعية، ويتعرض في القسم الثالث والثلاثين وما بعدها لنسب الأولاد وأحكام اللقيط وما يجب على الوالد للأولاد والرضاعة والرضاع الموجب لتحريم النكاح والحضانة والنفقة الواجبة للأولاد على الآباء والنفقة الواجبة للوالدين على الأبناء ونفقة ذوي الأرحام ومن ثم ولاية الأب الوصي والحجر والهبة والوصايا وتصرفات المريض وأحكام المفقود وينتهي هذا القانون بتقنين أحكام المواريث.

ثانيا: قانون حقوق العائلـــة الصادر في عهد الإدارة المصرية لقطاع غزة سنة 1954م

الجزء الثاني من منظومة الأحوال الشخصية هو قانون حقوق العائلة الصادر بمقتضى الأمر رقم (303) بتاريخ 26/1/1954 عن الحاكم الإداري العام للمنطقة الخاضعة لرقابة القوات المصرية بفلسطين بعد نكبة العام 1948 والتي عرفت فيما بعد بقطاع غزة، حيث كان للحاكم الإداري العام صلاحيات تشريعية بمقتضى المرسوم الجمهوري والسلطة المخولة له من وزير الحربية المصري.
ويتكون هذا القانون من (124) مادة موزعة على بابين، يعالج الباب الأول منه أمور الزواج والخطبة وأهلية الزواج والممنوع الزواج منهن وكل ما يتفرع ويتعلق بذلك بما في ذلك حقوق الزوجة على الزوج، أما في الباب الثاني فيتناول الافتراق بين الزوجين والطلاق والتفريق بحكم القاضي وأحكام العدة الشرعية للمطلقات والأرامل والنسب والحضانة وأحكام المفقود.
وقد جاء هذا القانون مختصرا معتمدا بالدرجة الأولى على قانون الأحوال الشخصية في معالجة الأمور التي لم ترد فيه وعلى الأخص أحكام الميراث والوصية والهبة والحجر.

ثالثًا: قانون أصــــول المحـاكمات الشرعيــــة رقم (12) لسنة 1965 الصادر عن الحاكم العام لقطاع غزة

قانون أصول المحاكمات الشرعية هو القانون المكمل لقوانين الأحوال الشخصية، وهو عبارة عن القواعد والإجراءات التي تحكم عمل المحاكم الشرعية في سبيل تطبيق قوانين الأحوال الشخصية، ويبين ترتيب المحاكم الشرعية في قطاع غزة واختصاصاتها وكيفية السير في القضايا الشرعية وطرق الطعن فيها، وتنفيذ أحكامها، بمعنى انه الخطوات العملية التي تظهر قانون الأحوال الشخصية للوجود وتجعل الحقوق المحكوم بها قابلة للتطبيق، وهذا القانون لا يقل أهمية عن قوانين الأحوال الشخصية.
وقانون أصول المحاكمات الشرعية يتكون من(252) مادة تتناول المحاكم الشرعية الابتدائية واختصاصاتها ومحكمة الاستئناف العليا الشرعية واختصاصها.

رابعا: مجلة الأحكام العدلية

مجلة الأحكام العدلية هي القانون المدني العثماني، ويطبق في المحاكم الشرعية من مواد هذا القانون المواد التي تتعلق بالحجر والوكالة والقضاء بالإضافة إلى القواعد الكلية الفقهية وهى المواد المائة الأولى في المجلة.

القانون الأساسي الفلسطيني

القانون الأساسي الفلسطيني الصادر في 29/5/2002م، نص في المادة (9) على أن (الفلسطينيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو الرأي السياسي أو الإعاقة)، وعليه فلا مجال الآن للإبقاء على أي شكل من أشكال التمييز ضد المرأة خصوصاً فيما يتعلق بموضوع الأحوال الشخصية ولا مجال للسكوت عن عدم المساواة بينها وبين الرجل في أي قانون جديد يصدر عن المجلس التشريعي خصوصاً، علماً بأن الفقرة الثانية من المادة (10) من القانون الأساسي حثت السلطة الوطنية على العمل دون إبطاء على الانضمام إلى الإعلانات والمواثيق الإقليمية والدولية التي تحمي حقوق الإنسان.
وبنظرة سريعة لمنظومة الأحوال الشخصية يتبين أنها قوانين قديمة و قد أصبحت قاصرة عن إيجاد حلول لكثير من المشاكل المعاصرة، خاصة تلك التي تتعلق بحقوق المرأة وإنسانيتها وعلاقتها بزوجها وأبنائها وحتى بأهليتها لأداء الشهادة أمام المحاكم الشرعية أو بطرق تنفيذ الأحكام التي تحصل عليها لتنال حقوقها.

اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو)

تعتبر اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة أهم اتفاقية دولية تكفل للمرأة حقوقها، وتقر الاتفاقية أن مجرد التسليم بإنسانية المرأة لم يعد كافيا لضمان حماية حقوقها حسب المعايير الدولية الحالية واليات حقوق الإنسان، فبنود الاتفاقية تجمع في اتفاقية شاملة جميع التعهدات التي أقرتها مواثيق الأمم المتحدة في مضمار التمييز القائم على أساس الجنس معلنة بذلك ميلاد أداة حقيقة للقضاء على التمييز ضد المرأة.

وتقر ديباجة الاتفاقية أنه على الرغم من الجهود المختلفة التي بذلتها الأمم المتحدة من أجل تقدم حقوق الإنسان في مجال مساواة المرأة فانه لا يزال هناك تمييز واسع النطاق ضد المرأة، وتعلن مجددا أن هذا التمييز يشكل انتهاكا لمبادئ المساواة في الحقوق واحترام كرامة الإنسان وعقبة أمام مشاركة النساء على قدم المساواة مع الرجال في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في دولهن، ويعيق نمو ورخاء المجتمع والأسرة، ويزيد من صعوبة التطور والتنمية.

البعد التاريخي:

منذ تبني الإعلان العالمي لحقوق الإنسان توسعت خطة العمل الدولية لحقوق الإنسان بشكل كبير حيث تم تبني مجموعة واسعة من الأسس الدولية لإنشاء المؤسسات وإجراءات متعددة لمراقبة تطبيق هذه الحقوق وتأمينها وهناك عدد من المواثيق الدولية لحماية المرأة سبقت إنشاء المنظمات الدولية وهي:
· اتفاقية لاهاي الدولية لعام 1902 المتعلقة بالتناقض في القوانين المحلية، المتعلقة بالزواج والطلاق والوصايا على القاصرين.
· الاتفاقيات الدولية التي تم تبنيها في الأعوام 1904،1910،1921، 1933 حول مكافحة الاتجار بالنساء.
· الميثاق الدولي لعصبة الأمم 1919 الذي نادى بظروف إنسانية للجميع بغض النظر عن الجنس وحث على القضاء على المتاجرة بالنساء ونص على وجه الخصوص على إفساح مجال العمل في عصبة الأمم أمام الرجال والنساء على قدم المساواة.

الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة بعد إنشاء الأمم المتحدة :-
· اتفاقية 1952 للحقوق السياسية للمرأة.
· اتفاقية 1957 المتعلقة بالجنسية للنساء المتزوجات وقد تم وضعها بعد إنشاء الأمم المتحدة، ولكن هذه الاتفاقيات سرعان ما خف بريقها وساد التوجه القائم على أن أفضل أسلوب لحماية حقوق الإنسان هو اتباع المبدأ العام بعدم التمييز.
· إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة لسنة 1967
وقد تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة في ديسمبر 1979 وأصبحت نافذة المفعول في سبتمبر 1981.

مفهوم التمييز ضد المرأة وفقاً للاتفاقية:-
أفردت الاتفاقية المادة الأولى لتوضيح معنى التمييز ضد المرأة وهو أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس ويكون من آثاره أو أغراضه توهين أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية، أو في أي ميدان آخر أو توهين أو إحباط تمتعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها، بصرف النظر عن حالتها الزوجية، وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل.
وما يهمنا في هذه الدراسة هو ما تتضمنه الاتفاقية بخصوص حقوق المرأة القانونية و في المساواة بينها وبين الرجل في العلاقات الأسرية والتي سنقارن بينها وبين ما هو مطبق في قوانين الأحوال الشخصية لدينا لإبراز أوجه التمييز ضد المرأة وعدم مساواتها مع الرجل في العلاقات الأسرية، وما ينتج عنها من آثار تنعكس على المرأة والطفل.

حق المرأة في المساواة أمام القانون:-
تقر الاتفاقية في المادة (15) بالمساواة بين المرأة والرجل أمام القانون، كما أوجبت الدول الأطراف أن تمنح المرأة في الشئون المدنية أهلية قانونية مماثلة لأهلية الرجل تماما،ً وأن تساوي بينهما في فرص ممارسة تلك الأهلية بحيث تكفل للمرأة بوجه خاص حقوق مساوية لحقوق الرجل في:-
· إبرام العقود وإدارة الممتلكات.
· تعاملها على قدم المساواة في جميع مراحل الإجراءات القضائية.
كما ألقت الاتفاقية على عاتق الدول الأطراف التزاما مفاده اعتبار جميع العقود وسائر أنواع الصكوك الخاصة التي يكون لها أثر قانوني يستهدف الحد من الأهلية القانونية للمرأة باطلة ولاغية وذلك في المادة (15/3)، كما أوجبت الاتفاقية في المادة (15/4) الدول الأطراف أن تمنح المرأة والرجل نفس الحقوق فيما يتعلق بالتشريع الخاص بحركة الأشخاص وتنقلاتهم وحرية اختيار محل سكناهم وإقامتهم.

المساواة في قانون الأسرة :
تناولت المادة (16) من الاتفاقية التمييز ضد المرأة في ميدان الحياة الخاصة بما في ذلك التمييز في مجال قانون الأسرة، فقد طالبت الاتفاقية الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات الأسرية بحيث تضمن بوجه خاص المساواة بين المرأة والرجل في:-
· نفس الحق في عقد الزواج
· حرية اختيار الزوج
· عدم إبرام عقد الزواج إلا برضا المرأة الحر الكامل.
· أن يكون لها نفس الحقوق والمسئوليات بوصفهما أبوين بغض النظر عن حالتهما الزوجية، في الأمور المتعلقة بأطفالها وفي جميع الأحوال يجب أن يكون لمصلحة الأطفال الاعتبار الأول.
· كما يتعين إعطاء المرأة نفس الحقوق والمسئوليات في المسائل المتعلقة بتنظيم الأسرة بحيث تقرر بحرية وبادراك للنتائج عدد أطفالها والفاصل بين الطفل والذي يليه وأن تتمكن من الحصول على المعلومات والتثقيف والوسائل الكفيلة بتمكينها من ممارسة هذه الحقوق.
· أن تعطى نفس الحقوق والمسئوليات فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم، أو ما شابه ذلك من الأعراف، وفي جميع الأحوال يكون لمصلحة الأطفال الاعتبار الأول.

كما تلتزم الدول الأطراف باتخاذ التدابير المناسبة لضمان نفس الحقوق الشخصية للزوج والزوجة بما في ذلك:
· الحق في اختيار اسم الأسرة والمهنة ونوع العمل.
· أن يكون لكلا الزوجين نفس الحقوق فيما يتعلق بملكية وحيازة الممتلكات والإشراف عليها والتمتع بها والتصرف فيها سواء بلا مقابل أو بعوض.
كما نصت الاتفاقية في المادة 16/2 على ألا يكون لخطوبة الطفل أو زواج الأطفال أي أثر قانوني، وأنه لا يتعين على الدول الأطراف اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية بما في ذلك التشريعي منها، لتحديد سن أدنى للزواج ولجعل تسجيل الزواج في سجل رسمي أمرا إلزاميا.
وهنا لابد لنا أن نشير بأن الاتفاقية سمحت للدول الموقعة والمصادقة عليها بإبداء تحفظاتها، على ألا تمس هذه التحفظات بجوهر وروح الاتفاقية وذلك وفق المادة (28)، ومن الملاحظ أن معظم الدول العربية الموقعة على الاتفاقية تحفظت على بعض بنود المادة (16) بحجة تعارض ذلك مع الشريعة الإسلامية، الأمر الذي يعني أن إشكاليات قانون الأحوال الشخصية مازالت قائمة في العديد من الدول العربية التي مازالت قوانينها تنطوي على العديد من الإجحاف والتمييز تجاه المرأة.

قانون الأحوال الشخصية المطبق في قطاع غزة مقارنة باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة

أولأ: الزواج

· تعريف الزواج:
قانون الأحوال الشخصية الساري في قطاع غزة جاء خالي من تعريف للزواج بل يتم الحديث عن عقد الزواج بلفظ عقد النكاح دون تعريف.

وعلى ذلك نرى ضرورة أن يشمل القانون تعريف للزواج قائم على أساس المساواة بين المرأة والرجل في إبرام عقد الزواج وتحمل مسؤولياته ونتائجه على قدر واحد من المساواة.

· أهليــــة الزواج (سن الزواج):

سن الزواج في اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة:
عززت اتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 20/11/1989م الرغبة الإنسانية التي حملها دعاة حقوق الإنسان في العالم في حماية أطفال العالم مما يتعرضون له من صور الاستغلال والحرمان وغير ذلك من الانتهاكات في بقاع شتى من العالم، وقد عرفت الاتفاقية في المادة (1) ” الطفل كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشر من عمره”
وقد كانت اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة في الفقرة 2 من المادة (16) قد قررت أن لا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أي اثر قانوني.
وبهذا يتضح أن المعايير الدولية تعتبر زواج الأطفال باطلا ولا يجب أن يترتب عليه أي اثر قانوني ملزم للطفل وهو الذي لم يتجاوز الثامنة عشر من عمره.

سن الزواج في قانون حقوق العائلة:
ينص قانون حقوق العائلة في المادة (6) في أهلية الزواج أن يكون سن الخاطب ثماني عشر سنة فأكثر وسن المخطوبة سبع عشرة سنة فأكثر، ولكن القانون أورد استثناء خطيرا على هذه القاعدة وهو السماح للقاضي بتزويج الفتاة التي تتجاوز سن التاسعة من عمرها والفتى الذي تجاوز سن الثانية عشر من عمره وهو الأمر الذي تنص عليه المواد 6،7،8 من قانون حقوق العائلة، فالمادة (6) تنص على “إذا ادعى المراهق الذي لم يتم الثامنة عشرة من عمره البلوغ فللقاضي أن يأذن له بالزواج إذا كانت هيئته محتملة”، أما المادة (7) فتنص على “إذا ادعت المراهقة التي لم تتم السابعة عشرة من عمرها البلوغ فللقاضي أن يأذن لها بالزواج إذا كانت هيئتها محتملة”، أما المادة (8) فتنص على انه” لا يجوز لأحد أن يزوج الصغير الذي لم يتم الثانية عشرة من عمره ولا الصغيرة التي لم تتم التاسعة من عمرها”.
وعليه نجد أن الاستثناءات التي يأذن بها القانون تسمح بتزويج من هم دون سن الثامنة عشر، الأمر الذي يؤدي إلى انتشار ظاهرة الزواج المبكر مما سينعكس سلبا على المجتمع، فقد بينت العديد من الدراسات مخاطر الزواج المبكر وما يؤول إليه من طلاق وغيره من الآثار السلبية.
لذلك فإننا نرى أن يحدد القانون الجديد سن الزواج بثمانية عشر سنة على الأقل لكلا الزوجين واعتبار أي زواج لمن هم دون هذه السن باطلا لا يرتب أي اثر قانوني لهما وان لا يورد أي استثناء على ذلك.
وتحقيقاً لذلك فإننا نرى وجوب أن ينص القانون الجديد على ايقاع عقوبة رادعة لكل من يزوج طفلاً أو طفلةً.

· الوكالة في الزواج:-

الوكالة في الزواج كما وردت في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو):
نصت المادة (16) من الاتفاقية في الفقرة (1) بأن “تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية بوجه خاص تضمن على أساس المساواة بين الرجل والمرأة :
1 – نفس الحق في عقد الزواج
2- نفس الحق في حرية اختيار الزوج وفي عقد الزواج إلا برضاها الحر الكامل.
الوكالة في الزواج في قانون الأحوال الشخصية
تنص المادة (58) من قانون الأحوال الشخصية على انه (يصح التوكيل بالنكاح شفاها وبالكتابة ولا يشترط عليه الإشهاد لصحته بل لخشية الجحود والنزاع).
وقد جرت العادة أن لا تقوم المرأة بإبرام عقد الزواج بنفسها بل تتم عقود الزواج بوكالة شفوية منها لوليها الشرعي دون أن يتحقق المكلف بتوثيق العقد من هذه الوكالة، ويتضح بعد ذلك في بعض الحالات وجود إكراه على الزوجة وعدم موافقة منها على هذا الزواج.
وعليه لابد أن تقوم الزوجة بنفسها بإجراء عقد الزواج تحقيقا لما تنص عليه اتفاقية السيداو، فالمرأة ليست ناقصة الأهلية لتعجز عن إجراء العقد بنفسها.
أما إذا كان هناك مبرر أو سبب قاهر يمنع الزوجة من إجراء عقد الزواج بنفسها يجب أن تكون وكالتها لمن يتولى عقد زواجها مكتوبة وموثقة، خاصة انه وفي المقابل عند غياب الخاطب لا تقبل الجهات المختصة بتوثيق عقود الزواج إجراء عقد زواج هذا الخاطب إلا بوجود وكالة موثقة منه.

· مسكن الزوجيــــــة:-

مسكن الزوجية كما ورد في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة:
نصت اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو) في الفقرة 4 من المادة (15) على أن تمنح الدول الأطراف الرجل والمرأة نفس الحقوق فيما يتعلق بالتشريع المتصل بحركة الأشخاص وحرية اختيار محل سكناهم وإقامتهم.
من ذلك يتضح أن الرجل والمرأة سواء فيما يخص اختيار محل السكن فلا يجوز للزوج أن يجبر زوجته على السكن في مكان لا ترضاه ربما يعود عليها بالضرر لو أنها سكنت في هذا المكان رغماً عنها.

مسكن الزوجية كما ورد في قانون الأحوال الشخصية:
تنص المادة (39) من قانون حقوق العائلة على أن (يجبر الزوج على تهيئة مسكن شرعي مع جميع لوازمه لزوجته في المحل الذي يختاره)، وقد نصت المادة (40) من نفس القانون على أن (تجبر الزوجة بعد قبض المهر المعجل على الإقامة في دار زوجها التي هي مسكن شرعي والسفر معه إن أراد إلى بلدة أخرى إذا لم يكن ثمة مانع. وعلى الزوج أن يحسن المعاشرة مع زوجته وعلى المرأة أن تطيع زوجها في الأمور المباحة).
ويلاحظ أن هاتين المادتين تنصان على أن تجبر المرأة على الإقامة في بيت زوجها الذي يختاره هو بعد أن تقبض المعجل من مهرها، إلا أن المادة (219) من قانون أصول المحاكمات الشرعية قد نصت على أن تنفيذ أحكام المحاكم الشرعية يكون قهرا إلا انه استثني من ذلك حكم الطاعة، ففي حالة امتناع الزوجة عن تنفيذه تصبح ناشزا والناشز بحسب القانون لا تستحق النفقة من زوجها.
وبالتالي نجد أن هذه المواد تتعارض مع ما نصت عليه اتفاقية(السيداو) في نفس الحق للزوجين في اختيار السكن، إذ وفقا للقانون تجبر الزوجة على الانتقال مع زوجها وفي حال رفضها تصبح بحكم القانون ناشزا الأمر الذي يعطي الحق للزوج بالتحكم في مصير الزوجة بطريق شرعي كما لو كانت تابع له وليس شريك وهذا جميعه يتناقض مع روح وجوهر اتفاقية السيداو وعليه لابد أن ينص القانون على أن تخير الزوجة ولا تجبر.

· بيت الطاعة:-
يتناقض مفهوم بيت الطاعة مع جوهر وروح اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، فهو يتناقض مع حرية اختيار الزوجة وإرادتها، ويراد به إجبار الزوجة على العودة إلى بيت الزوجية في حال تركها له، وفي حال تمنعها تصبح ناشزا الأمر الذي يحرمها من طلب النفقة أو حتى طلب الطلاق عن طريق القضاء، ويلجأ إليه الأزواج عادة لإذلال الزوجة، إذ انه من الملاحظ في معظم قضايا الطاعة لدى المحاكم الشرعية هي بالأساس دعاوى كيدية القصد منها الأضرار بالزوجة ماديا ومعنويا.
وتستند دعوى بيت الطاعة على المادة (207) من قانون الأحوال الشخصية الفلسطيني التي تبيح للزوج أن يمنع زوجته من الخروج من بيته بلا إذنه إذا كان قد أوفاها مهرها المعجل و إذا كان مسكنه (شرعيا)، وكذلك المادة (212) من نفس القانون التي تنص على أن (من الحقوق على المرأة لزوجها أن تكون مطيعة له فيما يأمرها به من حقوق الزوجية ويكون مباحا شرعا وان تتقيد بملازمة بيته بعد إيفائها معجل صداقها ولا تخرج إلا بإذنه) على أن الحكم الذي يصدر ضد الزوجة لا يجوز تنفيذه جبرا بل تؤمر الزوجة ولا تجبر على دخول الزوجية وذلك استنادا لنص المادة (219) من قانون أصول المحاكمات الشرعية التي تنص على أن تنفيذ الأحكام المتعلقة بالأحوال الشخصية يكون قهرا عدا حكم الطاعة ففي حالة امتناع الزوجة عن تنفيذه تعتبر ناشزاً.
والنشوز بحسب القانون هو صفة تطلق على المرأة التي تترك بيت الزوجية بدون سبب شرعي والمقصود بالسبب الشرعي هو عدم دفع الزوج لزوجتها مهرها المعجل، أما الأسباب الأخرى التي تدفع الزوجة في نظر القانون لترك بيت الزوجية كسوء المعاملة أو سوء خلق الزوج فليست من الأسباب التي يعول عليها في القضاء.

كما تنص المادة (66) من قانون حقوق العائلة على انه (إذا نشزت الزوجة وتركت بيت الزوجية وذهبت أو كانت الدار لها فمنعت زوجها من الدخول قبل أن تطلب نقلها إلى دار أخرى تسقط نفقتها مدة هذا النشوز).

وبهذا يكرس القانون الساري تبعية المرأة للرجل، ولا يكون بذلك عقد الزواج قائم على مبدأ المساواة بين الطرفين مما يتناقض مع أوردته اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في المادة (16) وبالتالي لابد من العمل على إلغاء بيت الطاعة لما ينطوي عليه من إجحاف وإهانة تجاه المرأة.

ثانيــــاً: الطـــــلاق

الطلاق في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)
تنص المادة (16) فقرة (1) من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو) بأن (تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية وبوجه خاص تضمن على أساس المساواة بين الرجل والمرأة:
البند ج:- نفس الحقوق والمسؤوليات (بين الزوجين) أثناء الزواج وعند فسخه.
البند د :- نفس الحقوق والمسؤوليات بوصفهما أبوين بغض النظر عن حالتهما الزوجية في الأمور المتعلقة بأطفالهما وفي جميع الأحوال يكون لمصلحة الأطفال الاعتبار الأول.)

الطلاق في قانون الأحوال الشخصية 
الطلاق هو إنهاء العلاقة الزوجية بين الزوجين بطريق شرعي، ويترتب عليه آثارا قانونية تتعلق بالمرأة المطلقة والتزامات مالية على المطلق للمطلقة.
والطلاق حسب قانون الأحوال الشخصية المطبق في قطاع غزة هو بيد الزوج يوقعه على الزوجة متى شاء دون الاستماع إلى رأيها، وهو تصرف فردي يترتب عليه آثارا قانونية على الزوجين، بل ويتعداهما ليرتب آثار تتعلق بطرف ثالث وهو أبناء الزوجين، وهو بذلك يختلف عن الزواج في أن الزواج يتم بإرادة طرفين بالغين وليس بإرادة طرف واحد، ولا يترتب عليه آثار سوى على طرفيه المتعاقدين، لذلك لو نظرنا إلى الأمر بهذا المنظور لوجدنا أن الطلاق بين الزوجين وبسبب ما يرتبه من آثار قانونية كما أسلفنا يجب أن يتم بإرادة طرفيه واتفاقهما لما سيترتب على كل منهما من التزامات نحو أنفسهما ونحو الآخرين.
من هنا نرى أن مبدأ المساواة وعدم التمييز بين الزوجين في العلاقات العائلية هو المبدأ الأول الذي يجب أن يسود هذه العلاقات كما نصت على ذلك اتفاقية (السيداو) خاصة فيما يتعلق بفسخ الزواج أو إنهاء العلاقة الزوجية بالطلاق.
ولما كان قانون الأحوال الشخصية الساري لا يلتفت إلى إرادة المرأة حين الطلاق، ولا يضع مصلحة الأولاد نصب عينيه حيث يعطي حق الطلاق للزوج دون الزوجة مما يخلق العديد من المشكلات نرى انه لابد من أن يتضمن القانون الجديد تقيداً صريحاً لحق الزوج في طلاق زوجته بإرادة منفردة، وللخروج من ذلك لابد أن ينص القانون على ما يلي:-
1- أن لا يتم إيقاع وتسجيل أي طلاق إلا بوجود الزوجين
2- أن يعطى الزوجين من قبل المحكمة مهلة لمحاولة الإصلاح بعرضهما بطريق إلزامي على خبراء لمحاولة التوفيق بين الزوجين.
3- أن يتم الاتفاق أمام المحكمة المختصة حول جميع الآثار القانونية المترتبة على الطلاق بما في ذلك الحقوق المالية للزوجة وحضانة الأولاد ونفقتهم بعد أن يتم اخذ مصلحة الأطفال في الاعتبار الأول وغير ذلك من الآثار القانونية وان يوثق جميع ذلك في محضر الطلاق وان يصدر عن المحكمة بوصفه حكما واجب النفاذ.

الطـــلاق التعسفي والتعويض عنه:-

في حال قام الزوج بإيقاع الطلاق على زوجته تعسفا وتبين للمحكمة المختصة أن ليس للزوجة يد في ذلك وتم الطلاق فحسب القانون الساري تستحق المطلقة نفقة عدة طيلة اشهر العدة فقط أي ثلاثة شهور إن لم تكن حامل أو حتى تضع مولدها إن كانت حامل وذلك وفق المادة (112) من قانون حقوق العائلة، وهنا تكمن المشكلة فبانتهاء العلاقة الزوجية تنتهي مسؤولية الزوج بالاتفاق على زوجته، ويصادف كثيرا أن تكون قد تقدمت في السن وأصبحت غير قادرة على العمل وخصوصا إذا كانت لا تحمل أي مؤهل علمي، ولقد عالجت كثير من قوانين الدول العربية المجاورة ذلك بأن فرضت للمطلقة على المطلق تعويضا مناسبا عن الطلاق التعسفي يعادل نفقة عدة سنوات يلزم المطلق بدفعه لها وهو ما يسمى(بنفقة المتعة).
و بما أن القانون المطبق لا يكفل للمطلقة تعويضا عن الطلاق التعسفي، نرى ضرورة أن يتضمن القانون الجديد إلزام المطلق بدفع تعويض للمطلقة عن الطلاق التعسفي يقدر بحسب حاجتها وظروفها الاجتماعية وبحسب حال الزوج.

· الخُـــــــــلع:-

الخُلع هو فراق بين الزوجين مقابل عوض مالي تدفعه الزوجة للزوج أو إبراء له من جميع حقوقها المتعلقة بالزواج من مهر ونفقة.
والخُلع هو حق للمرأة التي ترغب في إنهاء العلاقة الزوجية بينها وبين زوجها الذي يملك في المقابل حق الطلاق بإرادة منفردة.
وقد جاء تفصيلاً لإحكام الخلع في قانون الأحوال الشخصية في المواد (273) إلى (297)، ولم يأتي على ذكره قانون حقوق العائلة الفلسطيني بل ترك أمر معالجته لقانون الأحوال الشخصية على مذهب الإمام أبي حنيفة.
والقانون يترك أمر تحقيق الخُلع لإرادة الزوجين مجتمعتين حسب اتفاقهما دون إعطاء الحق للزوجة بطلب الخلع من الزوج عن طريق دعوى تقيمها أمام المحكمة الشرعية لهذا الغرض إذا كان الزوج رافضاً لذلك.
ورغم أن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة تنص على الحق في المساواة بين الزوجين أثناء الزواج وعند فسخه، فإن الزوجة لا زالت لا تملك الحق في إنهاء العلاقة الزوجية دون سند قانوني أو سبب من الأسباب المذكورة في التفريق وليس من بينها الخلع.

وقد أثبتت التجارب العملية لوحدة المرأة في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان حاجة النساء لإقرار قانون خاص بالخلع يعطي الحق للزوجة طلب الخلع عن طريق القضاء الشرعي ولو رفض الزوج ذلك لما في هذا من تكريس لحقها في فسخ الزواج الذي كفلته لها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وكل المعايير الدولية المتعلقة بهذا الخصوص.

التفـريــق:-

التفريق بين الزوجين هو الحكم الذي يصدر من قبل المحكمة الشرعية بتطليق الزوجة من زوجها إذا توفر لديها سبب شرعي موجب للتفريق، ويتم بناء على طلب من الزوجة من خلال دعوى تقيمها أمام المحكمة الشرعية، وكل حكم بالتفريق بين الزوجين يكون بطلقة واحدة بائنة بينونة صغري ما عدا التفريق لعدم الإنفاق فيكون بطلقة رجعية إذا كان بعد الدخول أما قبل الدخول فتكون الطلقة بائنة بينونة صغرى.
ووفقا لقانون حقوق العائلة تستطيع الزوجة طلب التفريق إذا تحقق لها سبب من الأسباب الواردة في هذا القانون وهي:-
1- وجود علة في الزوج يحول دون الدخول بها.
2- جنون الزوج
3- امتناع الزوج عن الإنفاق على زوجته
4- غياب الزوج عن زوجته مدة سنة فأكثر بلا عذر شرعي.
5- حبس الزوج والحكم عليه نهائيا بعقوبة مقيدة للحرية مدة ثلاثة سنين
6- ادعاء الزوجة إضرار الزوج بها بما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما، وهو ما يسمى بالنزاع والشقاق
وبناء على ما سبق نجد أن القانون المطبق خال من بعض الأسباب الجوهرية التي يمكن للزوجة بموجبها طلب التفريق وهي أسباب عالجتها قوانين الدول العربية لما لها من أهمية ومن ذلك:

ا – هجر الزوج لزوجته 
لم يتضمن قانون الأحوال الشخصية المطبق في قطاع غزة موضوع الهجر كأحد الأسباب الداعية لطلب التفريق عن طريق القضاء، إلا انه في بعض القوانين العربية تعتمد مدة سنة لهجر الزوج لزوجته سببا موجبا للتفريق بينهما إذا ادعت الزوجة إن هذا الهجر سبب لها الضرر.
وقد تبين لنا من خلال التجربة مدى الحاجة لتضمين القانون هذا السبب وإضافته للأسباب التي يحق فيها للزوجة طلب التفريق، لما وجدناه من معاناة شديدة للزوجات اللواتي يقفن عاجزات عن طلب التفريق بسبب الهجر لعدم وجوده في القانون كأحد الأسباب المذكورة للتفريق.

ب – عقم الزوج
يخلو قانون الأحوال الشخصية المطبق في قطاع غزة من أي مادة تعطي الزوجة الحق في طلب التفريق إذا كان الزوج عقيما الأمر الذي يحرمها من حقها بان تكون أما في المقابل يستطيع الزوج من الزواج بأخرى في حال كون زوجته عقيمة.
وعليه يجب إعطاء الحق للزوجة التي يتأكد عقم زوجها الحق في التفريق منعا للضرر الذي يتحقق لها من ذلك.

ج – تعدد الزوجات

أن تعدد الزوجات من الممكن أن يؤدي إلى ضرر لا تستطيع كثير من النساء العيش معه، ويخلو قانون الأحوال الشخصية الفلسطيني وكذلك قانون حقوق العائلة المطبقان في قطاع غزة من أي تقييد لتعدد الزوجات، ويعطيان الحق المطلق للزوج في الزواج من أربعة نساء، الأمر الذي تم تقييده في قوانين الأحوال الشخصية لبعض البلدان العربية، وفى بلدان عربية أخرى تم منع تعدد الزوجات.
القانون الحالي لا يعطي الحق للزوجة بالاختيار بين الاستمرار في الحياة الزوجية مع زوجها الذي تزوج من ثانية وبين حرية إنهاء العلاقة الزوجية إذا تضررت من ذلك.
وعليه نرى انه إذا أصر المشرع على الإبقاء على إباحة تعدد الزوجات في القانون الجديد، فلابد من تقييد هذا الحق بأن يتضمن القانون شروطا على ذلك منها:
– أن تكون هناك ضرورة ملجئة.
– وان تعلم الزوجة الجديدة بأن مريد الزواج بها متزوج بغيرها.
– أن تعلم الزوجة الأولى بأن زوجها عازم على الزواج من زوجة ثانية.
– اعتباره ضررا محققا للزوجة الأولى، ويترتب على ذلك منحها الحق بطلب التفريق إذا لم تتمكن من العيش في ظل الظروف الجديدة التي فرضها عليه زوجها بزواجه من زوجه أخرى.

ثالثــــاً: النفقــــــــة

أ – النفقة الزوجية

النفقة هي ما ينفقه الزوج على زوجته من مال لطعامها وكسوتها ومسكنها، وهى بحسب قوانين الأحوال الشخصية واجبة على الزوج للزوجة من حين إجراء عقد الزواج بينهما مادة (38) من حقوق العائلة وهو حق للزوجة تطلبه مادامت الحياة الزوجية قائمة بينهما، وإذا تمنع الزوج عن الإنفاق على زوجته جاز لها طلب هذه النفقة عن طريق القضاء الشرعي الذي يفرض لها هذه النفقة على زوجها من تاريخ طلبها وتقدر بقدر حال الزوج ومقدرته المالية يسرا أو عسرا مع جواز زيادتها أو إنقاصها حسب تبدل حال الزوج يساراً أو إعساراً.
ومن ذلك نلاحظ:
I- أن نفقة الزوجة واجبة على الزوج (مادة 38)من قانون حقوق العائلة
II- النفقة تفرض للزوجة على الزوج من تاريخ طلبها أمام المحكمة المختصة وذلك حسب المادة (60)من قانون حقوق العائلة.
III- النفقة تقدر حسب حال الزوج ومقدرته على الدفع يسرا أو عسراً وذلك حسب المادة (57) من قانون حقوق العائلة.
أما فيما يخص وجوب النفقة للزوجة على الزوج فهذا من قبيل خصوصية المجتمع الفلسطيني فقد كان ذلك من قبيل الضرورة بسبب الوضع الاقتصادي للمرأة الفلسطينية التي وبحسب لإحصاءات الصادرة عن دائرة الإحصاء المركزية فان مشاركة النساء في القوى العاملة الفلسطينية لا تتجاوز في أعلى معدل لها 13% من إجمالي القوى العاملة الفلسطينية، ولا ننسى في هذا السياق أن عدد كبير من النساء هن نساء عاملات داخل مشاريع خاصة بالأسرة لا يتقاضين عليه اجر ومن ذلك على سبيل المثال العمل في المزارع والورش المنزلية.
ومن هنا جاءت ضرورة الإبقاء على وجوب نفقة الزوجة على زوجها مع الأخذ بعين الاعتبار ما يلي:
I- امتناع الكثير من الزوجات عن طلب النفقة عن طريق القضاء لمدة طويلة بسبب العادات والتقاليد ورغبتهن بترك مجال لمحاولة الصلح وإنهاء الخلاف قبل اللجوء للقضاء.
لذلك فإننا نرى إعطاء الحق للزوجة بالنفقة من تاريخ تركها لبيت الزوجية وليس من تاريخ طلبها عن طريق القضاء.
II- الحكم بالنفقة يفرض بواسطة المحكمة بالقدر الذي تراضى عليه الزوجان أو بواسطة خبراء بحال الزوج ينتخبهم الزوجان لتقدير هذه النفقة ومن ثم تحكم به المحكمة بالقدر الذي اتفق عليه الخبراء.
وهنا يجب علينا أن نوضح أن طريقة انتخاب الخبراء لتقدير النفقة طريقة خاطئة بل ومجحفة بحق الكثير من النساء، بسبب أن هؤلاء الخبراء غالبا ما يتم انتخابهم من قبل المحكمة من بين الرجال المتواجدين بالصدفة داخل المحكمة لغرض ما، وهم بالتأكيد لا يعرفون حال الزوج و وضعة المالي ومقدرته على دفع النفقة للزوجة وهذا بالتأكيد يجعلهم يقعون تحت تأثير أقوال القاضي الذي يقوم بتوجيههم.
وعلى ذلك فإننا نرى وجوب استماع المحكمة لبينات الزوجة على حال زوجها ومركزه المالي ومقدرته على دفع النفقة ومن ثم الحكم بمقدار النفقة بناءا على هذه البينات.مع وجوب إلغاء نظام تقدير النفقة بواسطة الخبراء.

ب- نفقة العدة
للمطلقة نفقة عدة طيلة فترة العدة ما لم تبرأ زوجها منها، وهذه النفقة تفرض للمطلقة بالتراضي بين الزوجين أو بحكم محكمة، ويجب على المطلقة طلب هذه النفقة خلال فترة العدة وإلا سقطت ولا يجوز لها طلبها بعد ذلك.
ومن الواضح أن هذا إجحاف كبير بحق الزوجة وحرمان لها من حق ربما كانت تجهل انه يسقط بمضي فترة العدة.
إننا نرى وجوب إلغاء ما ينص على ذلك، وعدم سقوط النفقة أن لم تطلبها المطلقة خلال فترة العدة، وذلك حفاظا على حق المرأة المطلقة و أن لا يكافأ المطلق على طلاقه بإعفائه من هذه النفقة.

رابعــاً: الحضانة

الحضانة هي حق للطفل، ومسؤولية الزوج والزوجة بوصفهما أبوين بغض النظر عن حالتهما الزوجية، ويقرر القانون الدولي المساواة بين الزوجين فيما يتعلق بمسؤولياتهما عن حضانة أطفالهما ورعايتهم والولاية عليهما أثناء الزواج أو بعد فسخه وإنهاء العلاقة الزوجية.

1- الحضانة في اتفاقية حقوق الطفل:
لقد حثت اتفاقية حقوق الطفل جميع الدول والمؤسسات والهيئات التشريعية والقضائية على أن يولى الاعتبار الأول لمصالح الطفل الفضلى في جميع الإجراءات التي تتعلق بالأطفال، ونحن ندرك تماماً أن حضانة الطفل هي من أهم الأولويات التي يجب على المجتمع مراعاتها، تحقيقاً للتعهد الواقع على عاتق الدول الأطراف باتفاقية حقوق الطفل مادة (3) بأن تضمن الحماية والرعاية اللازمتين لرفاهية الطفل مع مراعاة حقوق وواجبات الوالدين والالتزام الواجب على كل دولة بأن تتخذ جميع التدابير التشريعية والإدارية الملائمة لذلك.

2- الحضانة في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية:
وقد جاء في المادة(23) فقرة(4)من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (تتخذ الدول الأطراف في هذا العهد التدابير المناسبة لكفالة تساوي حقوق الزوجين وواجباتهما لدى التزوج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله. وفى حالة الانحلال يتوجب اتخاذ تدابير لكفالة الحماية الضرورية للأولاد في حال وجودهم.).

3- الحضانة في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو):
نصت المادة (16) من اتفاقية (سيداو) في الفقرة (و) على المساواة بين الزوجين في الحقوق والمسؤوليات فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال. كما نصت في الفقرة (د) على إعطاء الزوجين نفس الحقوق والمسؤوليات بوصفهما أبوين بغض النظر عن حالتهما الزوجية في الأمور المتعلقة بأطفالهما.
وهنا يجب أن نلاحظ أن القانون الدولي يساوى بين الزوجين في حقوقهما ومسؤولياتهما نحو أطفالهما أثناء الزواج أو في حالة الانفصال أو الطلاق، والمعيار الوحيد في تفضيل أحدهما على الأخر هو مصلحة الطفل الفضلى فقط وليس سن الطفل.

4- الحضانة في قانون الأحوال الشخصية:
الحضانة هي ضم الصغير للحاضن أو الحاضنة والقيام بحفظه وخدمته وتربيته، وهي حق للصغير ومصلحة له، وهذه المصلحة مقدمة على أي مصلحة أخرى، وقد أعطت الشريعة الإسلامية حق حضانة الصغير لأمه ولو كانت مطلقة وهى مقدمة على غيرها من النساء.
وقد جاءت مدة الحضانة في الشريعة الإسلامية وهى المصدر الوحيد لقوانين الأحوال الشخصية غير محدودة ببلوغ الصغير سن معينة، وقد حددها بعض الفقهاء باستغناء الصغير عن خدمة النساء والبعض الأخر ببلوغ الصغير سن التمييز، وهى جميعها اجتهادات لا تستند على نصوص صريحة، والبعض يعطى الصغير حق الخيار بين أمه وأبيه عند البلوغ ولا يختلف الأمر بين أن يكون الصغير ذكرا أو أنثى.

وقد حددت المادة (391) من قانون الأحوال الشخصية السن التي يستغني فيها الصغير عن خدمة النساء وهي سبع سنين والصغيرة تسع سنين وعندها تنهي فترة حضانة النساء للصغار ويجبر الأب بعد ذلك على أخذهم من الأم أو الحاضنة.

أما قانون حقوق العائلة المطبق في قطاع غزة فقد نص في المادة (118) على انه (للقاضي أن يأذن بحضانة النساء للصغير بعد سبع سنين إلى تسع وللصغيرة بعد تسع إلى إحدى عشرة سنة إذا تبين أن مصلحتهما تقضي بذلك).
ويتضح أن القانون قد حدد سن حضانة النساء للصغير بسبع سنوات والصغيرة بتسع سنوات، وأعطى القاضي سلطة تقديرية لتمديد هذه الفترة سنتان لكل منهما إذا اقتضت مصلحتهما ذلك.
إذن القاعدة في قانون الأحوال الشخصية أن الزوجة لها حق حضانة الصغير خلال سنوات عمره الأولى فقط، وينزع هذا الحق منها ببلوغ الصغير تسع سنين والصغيرة إحدى عشرة سنة، ومن ثم يصبح الحق بحضانة الصغار مطلق للزوج بعد هذا السن ويتبقى للزوجة حق مشاهدة صغارها كل أسبوع مرة ولفترة لا تتعدى ساعة واحدة، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الزوجان في حالة انفصال أو حالة طلاق.
ولا بد أن نوضح هنا أن الحق في حضانة الصغير قد جاء مطلقاً فلم يفرق القانون بين الرجال الحاضنين بمعنى أن حق حضانة الصغير بعد سن حضانة النساء قد أعطى للرجال وهذا يعنى الأب أو الجد أو العم أو الأخ في حال موت الأب أو فقدانه الأهلية للحضانة، وهو حق مطلق كحق الأب وليس للأم الاعتراض على ذلك وعليها تسليم الصغير للحاضن من الرجال بعد انتهاء فترة حضانتها له.
وقد برزت الحاجة لتعديل هذا القانون وتمديد سن حضانة الأمهات لأطفالهن، لكي يتماشى ذلك مع القانون الدولي الإنساني الذي أوجب مراعاة المصلحة الفضلى للطفل، الأمر الذي لا يراعيه قانون الأحوال الشخصية المطبق فهو بنظر إلى قضية الحضانة بمنتهى الجمود ولا يراعى فيها مصلحة الطفل سواء ببقائه مع أمه أو إعطائه لأبيه، وهناك العديد من الحالات الحية التي لمستها وحدة المرأة في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان والذي وقف فيها القانون الخاص بالحضانة عقبة أمام مصلحة الطفل.
وعليه فإننا نرى وجوب تمديد فترة حضانة النساء للصغار حتى سن الثامنة عشر ثم يخير المحضون أو المحضونة بين الإقامة عند أمه أو أبيه، مع الإبقاء على سلم الحاضنات من النساء الذي يبدأ بالأم ثم أم الأم ثم أم الأب إلى أخر هذا الترتيب المنصوص عليه في قانون الأحوال الشخصية.

5- مسكن الحاضنة:
يوجب قانون الأحوال الشخصية على الأب نفقة ولده الصغير الفقير، والسكن نوع من أنواع النفقة الثلاثة (الطعام والكسوة والسكنى)وذلك طبقا للمادة (395) من قانون الأحوال الشخصية، وتستمر هذه النفقة للولد إلى أن يبلغ حد الكسب والبنت إلى أن تتزوج، وعلى ذلك فالأب ملزم بتوفير سكن لأولاده الصغار ولو كانوا في حضانة أمهم المطلقة طوال فترة حضانتها لهم.
ومن ناحية عملية فإن النفقة التي تفرض للصغير على والده تشمل جميع لوازمه الضرورية الشرعية بما في ذلك الكسوة والمسكن، وفى الواقع فإن هذه النفقة لا تتعدى ثلاثين دينارا شهريا في اغلب الأحكام، وبدفعه لهذه النفقة يكون الأب قد نفذ ما عليه من التزامات شرعية بخصوص الإنفاق على ولده الصغير، ويتضح من ذلك أن هذه النفقة لا تكفي لحاجة الصغير اليومية نظرا لغلاء الأسعار وارتفاع مستوى المعيشة وبالضرورة لا توفر أجرة مسكن يسكن به الصغير مع الحاضنة حيث تتحمل الحاضنة المسؤولية الأكبر في ذلك بسبب خلو القانون من النص الصريح على إلزام الأب بتوفير مسكن للحاضنة خلال فترة حضانتها لولده أو أولاده الصغار.
وعلى ذلك نرى بوجوب النص صراحة بإلزام الأب بتوفير مسكن مناسب للحاضنة تستطيع فيه القيام بمسؤولياتها القانونية في حضانة أولاده الصغار

خامساً: الولاية والوصاية

1- الولاية في ظل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة
ساوت اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة بين الأب والأم في الولاية والقوامة والوصاية على أطفالهما وفى جميع الأمور المتعلقة بهم (المادة 16).
وكذلك قد جاء العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية متوافقا مع هذا الموقف حيث نص في المادة (23) الفقرة الرابعة على أن (تتخذ الدول الأطراف في هذا العهد التدابير المناسبة لكفالة تساوي حقوق الزوجين وواجباتهما لدى التزوج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله) ومن الواضح أن واجبات الزوجين لا تنحصر في واجباتهما الزوجية بل تتعدى ذلك لواجباتهما نحو أولادهما.

2- الولاية في قانون الأحوال الشخصية
الولاية نوعان ولاية على المال وولاية على النفس، والولاية على المال لا تكون إلا للأب أو الجد أو الوصي المختار الذي يتم تعينه من قبلهما، والولاية على النفس وهي ولاية الزواج تكون لأقرب العصبات للصغير أو الصغيرة وهو والده أو جده أو عمه أو شقيقه بحسب الأحوال.
والولي على الصغير القاصر هو الأب بحسب المادة (420) من قانون الأحوال الشخصية والتي تنص على أن (للأب ولو مستورا الولاية على أولاده الصغار غير المكلفين ذكورا وإناثا في النفس والمال ولو كان الصغير في حضانة أمه أو أقاربها وله ولية إجبارهم على النكاح).
وبحسب (المادة 433) من قانون الأحوال الشخصية فإنه إذا مات الأب تنتقل الولاية على نفس أولاده الصغار إلى الجد، وان كان متوفى تنتقل الولاية على نفس أولاده لمن يلي الجد في ترتيب العصبات وهم المذكورون في المادة (35) من قانون الأحوال الشخصية.
وبحسب القانون الحالي لا ولاية للمرأة على مال أولادها القصر، ويجوز أن تكون ولى على الصغير في الزواج في حال عدم وجود ولي ذكر فتنتقل ولاية الزواج لها وذلك طبقا لنص المادة (36) من قانون أصول المحاكمات الشرعية.
ولكن يجوز للأب تعيين زوجته وصيا على أولادها حال حياته، وعند وفاته وعدم وجود الجد يجوز للقاضي تعيينها وصيا على أولادها الصغار غير البالغين، وهذه الوصاية تكون مقيدة ولا يجوز لها التصرف بأموال الصغار إلا بعد الرجوع للقاضي الشرعي للحصول على إذن شرعي منه.
وكما أوضحنا في معرض بيان رأينا في الحضانة فإن أولى الناس في رعاية مصلحة الصغير هما أبويه أو أحدهما في غياب الأخر، فهما أرفق على الصغير وأشد الناس حرصاً على نفسه وماله.
وعلي فإننا نري وجوب تساوى الزوجين في الولاية والوصاية على نفس الصغير وماله، ويجب النص صراحة على أن الأم تتساوى مع الأب في الولاية على الصغير خصوصاً في غيابه أو عند وفاته، حتى لا يصبح الصغير وماله مطمعاً للغير أن كان جداً أو عماً أو أخاً، ولتأكيد تساوي الزوجة والزوج، بصفتهما أبوان، في ما يخص واجباتهما والتزاماتهما تجاه أولادهما.

سادساً: مشاهدة الأولاد

إذا افترق الزوجان وكان لديهما أبناء صغار والتحقوا للعيش لدى أحدهما، كان للآخر الحق في مشاهدتهم للتواصل معهم والاطمئنان عليهم وإبقاءً لأواصر الأبوة أو الأمومة بينهم، ولا فرق بين أن يكون الزوجان قد انفصلا مؤقتاً أو افترقا نهائياً، فالحق في مشاهدة أولادهما مكفول لكل منهما بل هو واجب قانوني وأخلاقي وتربوي يقع على كل منهما لما في ذلك مصلحة للصغار.

وقد كفلت أحكام القانون الدولي حقوق الوالدين وواجباتهما تجاه أولادهما بغض النظر عن حالتهما الزوجية وفى جميع الأحوال على أن تكون مصلحة الأطفال في المقام الأول، ومن ذلك ما نصت عليه الفقرة (ج) والفقرة (د) والفقرة (و) من المادة (16).
وقد دأبت المحاكم الشرعية في قطاع غزة على إعطاء الحكم بمشاهدة الصغار للأب أو الأم عن طريق دعوى تقام أمام المحكمة لطلب المشاهدة.

والحكم في هذه الدعوى يكون إما بالتراضي على تحديد مكان المشاهدة وزمنها ووقتها، كأن يتفق الطرفان أن تتم المشاهدة في منزل أحد الأقارب أو الجيران أو يستضيف طالب المشاهدة الصغار في منزله ليوم أو بعض يوم، وان لم يتفق الطرفان على مكان وزمان المشاهدة يأتي قرار القاضي بالحكم لطالب المشاهدة بذلك على أن تتم المشاهدة في كل أسبوع مرة في اقرب مركز شرطة لمكان إقامة الصغير لمدة ساعة واحدة أسبوعيا.

وقد كان لاختلاف الزوجين على مكان المشاهدة واضطرار المحكمة للحكم بها في مراكز الشرطة لعدم وجود أماكن أخرى بديلة لذلك موجب تدخل العاملين في الحقل القانوني لإيجاد بديل لهذه الأماكن يكون وقعه على الصغار أقل خطورة لما كان لوجود الصغير بين رجال الشرطة بزيهم الرسمي وأسلحتهم من أثر سيئ ربما جعله ينفر من طالب المشاهدة ولو كان أمه أو أبيه.
وقد كان لوحدة المرأة في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان السبق في هذا المجال في استصدار أحكام شرعية بمشاهدة الصغار خارج مراكز الشرطة وفى إبراز الآثار السيئة التي تنتج من جراء ذلك على نفوس هؤلاء الصغار.
وتبقى المشكلة الأهم وهى المدة التي تستغرقها المشاهدة، فكما أوضحنا فإن هذه المدة لا تتعدى الساعة الواحدة في كل أسبوع، والسبب في كل ذلك هو خلو قانون الأحوال الشخصية وقانون حقوق العائلة من تنظيم هذه العملية وعدم وجود مواد صريحة تعطي الحق في ذلك للأبوين أو الأقارب عند عدم وجود الأبوين أو أحدهما.
وعلى ذلك فإننا نري وجوب النص صراحة في قانون الأحوال الشخصية على حق الأم و الأب في استضافة صغارهم لديهم ليوم كامل في الأسبوع أو أكثر من ذلك، ليستطيع كل منهما ممارسة حقه في التواصل مع صغاره والاطمئنان عليهم تحقيقاً للمصلحة الفضلى للطفل.

سابعاً: أداء الشـــــهادة

تستند جميع أحكام القانون الدولي والاتفاقيات والمعاهدات الدولية على مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في جميع الحقوق وعدم التمييز بينهما، ومن الطبيعي أن تكون المساواة بينهما في أداء الشهادة أمام المحاكم على اختلاف درجاتها وتسمياتها، فلا يعقل أن تبقى لا تقبل حتى الآن شهادة المرأة منفردة أمام المحاكم الشرعية في أي أمر من الأمور بدأ في الشهادة على عقد زواج وانتهاء بالشهادة في أي دعوى مقامة أمام المحكمة ولو كانت شهادتها ضرورية وربما جوهرية للفصل في هذه الدعوى.
وقد نصت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في المادة (15) على المساواة مع الرجل أمام القانون، وفي إبرام العقود وإدارة الممتلكات وتعاملهما على قدم المساواة في جميع مراحل الإجراءات القانونية.
وعدم قبول شهادة المرأة منفردة لم يرد ذكره في منظومة قوانين الأحوال الشخصية سوى في معرض شروط عقد الزواج في المادة (7) من قانون الأحوال الشخصية حيث نصت على انه (لا يصح عقد النكاح إلا بحضور شاهدين حرين أو حر وحرتين أي رجلين أو رجل وامرأتين)، ورغم ذلك فإن مبدأ عدم قبول شهادة المرأة منفردة يسري على جميع معاملات المحاكم الشرعية من زواج وطلاق وقضايا شرعية أو غير ذلك.
كما أن القاعدة الشرعية تمنع شهادة الأصول للفروع وشهادة الفروع للأصول، بمعنى لا تجوز شهادة الأب والأم لأبنائهم أو شهادة الأبناء لآبائهم
ويظهر حجم المشكلة للعاملين في حقل القضاء الشرعي في معرض إثبات وقائع معينة، خاصة في دعاوى التفريق أو إثبات الطلاق، التي تحتاج إلى إثبات بواسطة شهادة الشهود، وتكمن المشكلة حين لا يكون هناك من شهد على هذه الواقعة سوى والدا الزوجة أو أحد والديها أو غيرهم ممن لا تجوز شهادتهم لها.
وإننا نرى إن في ذلك عدم مساواة وتمييز صارخ بين الرجل والمرأة في أداء الشهادة يتوجب على السلطة التشريعية رفع هذا التمييز تحقيقاً لكل أحكام القانون الدولي بما في ذلك اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة وتحقيقا لمبدأ المساواة الوارد في القانون الأساسي.
وعلى ذلك يجب النص صراحة في قوانين الأحوال الشخصية على المساواة بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بأداء الشهادة وإلغاء كل ما يتعارض مع ذلك.

ثامناً: تنفيذ الأحكام

أحكام المحكمة الشرعية تنفذ بواسطة دوائر الإجراء لدى المحاكم النظامية لعدم وجود دائرة إجراء خاصة بالمحاكم الشرعية، وقد جاء النص على ذلك في قانون الإجراء في المادة الأولى منه حيث جاء (أن تنفيذ أحكام الإعلامات الصادرة من جميع المحاكم الشرعية والحقوقية والتجارية أو من المحاكم الجزائية بالحقوق الشخصية، هو منوط بالدوائر الإجرائية.)
وقد تتحمل المرأة في سبيل تنفيذ الحكم الصادر بحقها، أعباء كثيرة نتيجة اضطرارها للتنقل بين المحاكم الشرعية ودوائر الإجراء في المحاكم النظامية، إضافة إلى البدء الشديد الذي تواجهه عند تنفيذ الحكم، بسبب تكدس القضايا التي تحتاج إلى تنفيذ في دوائر الإجراء، عدا عن الروتين الوظيفي الذي يؤدى بالضرورة إلى تأخير تنفيذ الحكم.
وقد اقترحنا في كثير من المواقف، استحداث دوائر إجراء خاصة بالمحاكم الشرعية، يناط بها تنفيذ الأحكام الصادرة عن هذه المحاكم، تسهيلا وتيسيرا على المرأة في سبيل حصولها على الحق المحكوم به لها، خاصة أحكام النفقات التي لا تحتمل التأخير في تنفيذها حيث تكون في أمس الحاجة لهذه النفقة الشهرية.
وعليه فإننا نطالب باستحداث دوائر إجراء للمحاكم الشرعية يلحق بها صندوق للنفقات

صندوق النفقات

إن إنشاء دوائر للمحاكم الشرعية تختص بتنفيذ الأحكام الصادرة عن المحاكم الشرعية لن يساهم في حل المشكلة تماماً، فقد يصادف الزوجة في كثير من الأحيان عند تنفيذ حكم بالنفقة هروب الزوج أو تهربه من دفع هذه النفقة لها ولأبنائه، أو نتيجة إعساره إعساراً مؤقتاً، فتبقى بدون نفقة إلى أن يستطيع الزوج دفع هذه النفقة لها، وتجد الزوجة نفسها وأطفالها بدون نفقة ولا منفق تفتقر إلى الحد الأدنى من متطلبات المعيشة الكريمة التي تغنيها عن التسول أو الاستدانة من الآخرين.
أن حل هذه المشكلة لا يكون إلا بإنشاء صندوق للنفقات يلحق بديوان قاضي القضاة ويتم توفير رصيد كاف له من قبل وزارة المالية يكون نواة له، ويتم صرف النفقات المفروضة للزوجات والأولاد منه ومن ثم يتم تحصيل هذه النفقات من الأزواج والأباء المفروضة عليهم مقابل رسوم تحصيل كالتي يتم تحصيلها لدى دوائر الإجراء بحيث تصبح هذه النفقات ديوناً ممتازة لصالح الخزينة العامة.
وهذا يعتبر شكلاً من أشكال الضمان الاجتماعي الذي تنادي به القوانين والمعاهدات الدولية التي ترنوا إلى توفير حياة أفضل للمرأة والطفل على حد سواء بوصفهما الأطراف الأضعف في المجتمع وبحاجة إلى قواعد خاصة لحمايتهم

خاتمـــة

لقد وصلت المرأة الفلسطينية في طموحها وجدارتها إلى أعلى المراتب المجتمعية، وهى في ذلك لا تقل عن الرجل في كفاءته ومقدرته، ورغم ذلك مازالت لا تستطيع بحكم القانون أن تحضن أولادها إذا فقدوا والدهم، ولا تستطيع أن تدلي بشهادتها منفردة أمام المحكمة الشرعية، ولا تزال في العلاقات العائلية وفى عقد الزواج وبحكم القانون معقوداً عليه وليس طرفاً متعاقداً أي أنها لازالت لا تتمتع بالأهلية القانونية الكاملة.
وذلك على الرغم أن جميع الدساتير الفلسطينية المتعاقبة وأخرها القانون الأساسي الجديد نصت على مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، بالإضافة إلى ما نص عليه القانون الدولي وكافة المعاهدات والمواثيق الدولية تنص جميعها على مبدأ عدم التمييز بين الرجل والمرأة في كافة مناحي الحياة، خصوصاً في الحقوق والواجبات.
لقد حاولنا في هذه الدراسة أن نوضح بعض أشكال التمييز ضد المرأة في قانون الأحوال الشخصية المطبق في قطاع غزة ومقارنته باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والكشف عن مواطن عدم المساواة بين الرجل والمرأة كما جاءت في قانون الأحوال الشخصية، كما حاولنا وضع بعض الحلول لمشاكل تواجهها المرأة الفلسطينية بسبب التمييز بينها وبين الرجل في قانون الأحوال الشخصية مع مراعاة أن تكون هذه الحلول متوافقة ومتفقة مع المعايير الدولية لحقوق المرأة.
وفي نفس الوقت نود أن نشير إلى أن الخلل المسبب لعدم المساواة بين الرجل والمرأة لا يكمن فقط في بعض التشريعات أو القوانين الموروثة، بل وفي الكثير من العادات والتقاليد المتوارثة والمفاهيم الخاطئة التي تحكم وتتحكم في أفراد المجتمع عامة والنساء بخاصة.
وفى النهاية فإننا نؤكد على ضرورة مراجعة منظومة قوانين الأحوال الشخصية بمجملها، بما في ذلك قانون أصول المحاكمات الشرعية والمواد المكملة له في مجلة الأحكام العدلية، التي لا يأتي على ذكرها أحد، ويشكل استمرار العمل بها انتهاكاً مستمراً، بل وشرعياً لحقوق المرأة ونأمل في تعديلها بما يضمن إنهاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة وعدم مساواتها بالرجل.

(محاماة نت)
إغلاق