دراسات قانونية
المحكمة العليا و مطرقة العدالة (بحث قانوني)
بحث قانوني في المحكمة العليا ومطرقة العدالة
( دراسة تحليلية)
أعداد: أ/ عمر النعاس العريبي
(ماجستير قانون دستوري)
المحكمة العليا ومطرقة العدالة
سأتناول هذه الدراسة في ورقتين :
الورقة الأولى
الاختصاص الدستوري للمحكمة العليا
الفرع الأول : مفهوم الدستورية.
الفرع الثاني : تعريف موجز بالرقابة القضائية على دستورية القوانين ، ومهمة هذه الرقابة وكيف نشأت هذه الرقابة في الولايات المتحدة الأمريكية.
الفرع الثالث : استعراض محطات مهمة في تاريخ المحكمة العليا منذ نشأتها وحتى اليوم.
الورقة الثانية
ال تعليق على حكم المحكمة العليا في الطعن الدستوري رقم 28/59
أولاً : عدم اختصاص المحكمة بقبول الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة.
ثانياً : بخصوص الطاعنين.
ثالثاً : شرط المصلحة الشخصية والمباشرة وانتفاءها للطاعنين.
خلاصة التعليق على حكم المحكمة العليا في الطعن الدستوري رقم 2
الورقة الأولى
الاختصاص الدستوري للمحكمة العليا
الفرع الأول – مفهوم الدستورية
الدستور هو القانون الأساسي والأعلى في الدولة. وسمو الدستور يأتي من خصوصية السلطة التي أنشأته وأصدرته. والشعب هو مصدر السلطات ، وهو الذي ينشيء الدساتير سواء من خلال انتخاب ( الجمعية الوطنية التأسيسية) أو من خلال ( الاستفتاء الدستوري) ، أو كليهما معاً ، وبهذا يكتسب الدستور سموّه.
مفهوم الدستورية يعني أن الدستور هو القانون الأعلى والأسمى في الدولة وأن كل السلطات (التشريعية والتنفيذية والقضائية ) تخضع لأحكامه. والدستور هو الذي يوزع السلطات ويحدد اختصاصاتها ، ولا يمكن لأي سلطة ان تمارس اختصاصاتها خارج الحدود التي عينها الدستور. وأن السلطة التشريعية مقيدة بأحكامه في إصدار القوانين ، وهذا القيد الدستوري يوجب ألاَ تكون القوانين الصادرة منافية للدستور. كما أن السلطة التنفيذية مقيدة بأحكام الدستور في تصرفاتها لتطبيق القوانين من خلال اصدار اللوائح والقرارات ، والسلطة القضائية مقيدة بأحكام الدستور في إصدارها للأحكام القضائية.
إن السلطة التشريعية مختصة بإصدار ما تشاء من قوانين ، ولكن عندما ينص الدستور على تشكيل هيئة تكون من مهماتها النظر في دستورية القوانين ، فإن ذلك يعني قيام تلك الهيئة المختصة بإقرار صحة التشريع المحال إليها من عدمه وأن الفيصل في ذلك هو دستور الدولة ، وهذا ما يعرف بالرقابة القضائية على دستورية القوانين.
الخلاصة: الدستورية تعني أن الدولة تخضع لحكم القانون من خلال مبدأ التدرج القانوني ، أي أن القانون الأساسي والأعلى والأسمى في الدولة هو الدستور الذي تصدره السلطة التأسيسية ، ثم يليه في ذلك (القانون العادي) الذي تصدره السلطة التشريعية ، ثم اللوائح والقرارات التي تصدرها السلطة التنفيذية ،…. ويجب ألا يتعارض أي نص مع النص الذي يعلوه درجة. وللسلطة القضائية الفصل في دستورية القوانين ومدى توافقها مع النصوص الدستورية.
الفرع الثاني – الرقابة القضائية على دستورية القوانين
ظهرت الرقابة على الدستورية بظهور الدستور. وتقوم الرقابة القضائية على دستورية القوانين بواسطة هيئة قضائية ينشئها الدستور ويحدد اختصاصاتها. وتقوم هذه الهيئة بالفصل في الطعون الدستورية المقدمة إليها ، وذلك من خلال تعيين مدى مطابقة النص القانوني المطعون فيه للنص الدستوري ، ومدى تعارضه معه.
إنَّ طرق الطعن بعدم دستورية القوانين والإجراءات المعمول بها تكون غالباً إما وفق أسلوب الدفع الفرعي أو عن طريق الدعوى المباشرة.
1) تكون وفق أسلوب الدفع الفرعي من خلال قضية منظورة أمام المحاكم ثم يطعن بعدم دستورية القانون المراد تطبيقه في القضية محل النظر ، وعندها تحال القضية إلى الهيئة القضائية المختصة دستورياً ( المحكمة المختصة بالطعون الدستورية).
2) تكون وفق أسلوب الدعوى المباشرة ، وذلك يعني مهاجمة القانون مباشرة . حيث يكون لمن له مصلحة شخصية ومباشرة حق الطعن في أي قانون يعتقد أنه قد يتعارض مع مصلحته الشخصية وذلك أمام ( المحكمة المختصة بالطعون الدستورية).
إن مهمة الهيئة القضائية الرقابية تنحصر في التحقق من عدم معارضة أي تشريع صادر عن السلطة التشريعية لأحكام الدستور النافذ في الدولة وإلا قضت بعدم دستوريته (أي عدم مطابقته للدستور).
وقد يكون حكم المحكمة مقرراً (امتناع عن تنفيذ القانون) وهذا أسلوب ( رقابة امتناع ) ، أو قد يكون حكم المحكمة مقرراُ (إلغاء القانون) وهذا الأسلوب هو أسلوب ( رقابة الإلغاء).
ومن خلال المفاضلة بين التشريع والدستور والتحقق من مدى ملاءمة التشريع لأحكام الدستور ، فإن الحكم بعدم الدستورية يعني بطلان أي قانون أو نص قانوني يكون منافيا لأحكام الدستور.
نشأة الرقابة القضائية : من المعلوم أن الولايات المتحدة الأمريكية هي مهد (الرقابة القضائية) وذلك من خلال حكم المحكمة العليا الأمريكية في قضية ( ماربوري ضد ماديسون سنة 1803) برئاسة جون مارشال.
وقد جاء في حكم رئيس المحكمة العليا الأمريكية جون مارشال الآتي:
(…على المحكمة أن تقرّر إذا ما كانت القضية تخضع لأحكام القانون مع تجاهل الدستور ، أو تخضع للدستور مع تجاهل القانون، يجب على المحكمة أن تعيَن أياً من هذه القواعد المتعارضة تحكم القضية. وهذا هو جوهر الواجب القضائي”. ” إن أي قانون مخالف للدستور باطل وعلى المحاكم والأقسام الأخرى التقيد بذلك ).
– Part of John Marshall decision “… so that the court must either decide that case conformably to the law, disregarding the Constitution, or conformably to the Constitution, disregarding the law, the court must determine which of these conflicting rules governs the case. This is of the very essence of judicial duty..” “..that a law repugnant to the constitution is void, and that courts, as well as other departments, are bound by that instrument..”
الخلاصة: الرقابة القضائية على دستورية القوانين ، تعني قيام هيئة قضائية مختصة دستوريا بالنظر في مدى ( مطابقة القوانين للنصوص الدستورية ، أو مدى تعارضها معها ). وتظهر هذه المهمة من خلال الاختصاصات والإجراءات التي حدّدها الدستور أو القانون لهذه الهيئة القضائية للفصل في تلك القوانين المطعون فيها بعدم الدستورية. وقد تكون الإجراءات المعمول بها في الطعون الدستورية إما وفق أسلوب الدفع الفرعي أو عن طريق الدعوى المباشرة
الفرع الثالث – محطات مهمة في تاريخ المحكمة العليا الليبية
أولا – نشأة المحكمة العليا :
نصَت المادة 43 من الدستور الاتحادي الصادر في 7/ 10/ 1951 على أن السلطة القضائية تتولاها المحكمة العليا ، ونصت المادة 143 على تشكيل المحكمة. وجاءت المواد من (141- 158 ) متعلقة بالسلطة القضائية.
ثانيا – الاختصاص الدستوري للمحكمة العليا :
أ – الاختصاص الدستوري للمحكمة العليا وفقاً للدستور الاتحادي لسنة 1951:
صدر الدستور الاتحادي يوم 7 أكتوبر 1951 ، وأسند الدستور الاتحادي للمحكمة العليا مسألة رقابة دستورية القوانين من خلال النصوص الآتية:
اختصاص دستوري استشاري :- تنص المادة 152 على : ( للملك إحالة مسائل دستورية وتشريعية هامة إلى المحكمة العليا لإبداء رأيها فيها ) .
اختصاص شكلي وموضوعي : تنص المادة 153 على : ( تستأنف على الوجه المبين في قانون اتحادي أمام المحكمة العليا الأحكام الصادرة من محاكم الولايات مدنية كانت أو جنائية إذا تضمنت هذه الأحكام الفصل في نزاع متعلق بهذا الدستور أو بتفسيره ) .
ب – الاختصاص الدستوري للمحكمة العليا وفقاً لقانون المحكمة العليا لسنة 1953 :
صدر قانون المحكمة العليا يوم 10 نوفمبر سنة 1953 ، وعُدّل بمرسوم بتاريخ 3 نوفمبر 1954، وجاء في المادة 14/1 ( تختص المحكمة العليا دون غيرها بالفصل في المنازعات التي تنشأ …. إذا تضمنت الخصومة مسألة تتعلق بالحقوق الدستورية أو القانونية … ) .
وجاء في المادة 15 /2 : ( وإذا رأت إحدى محاكم الولايات وهي تنظر في إحدى القضايا أن القضية تتضمن مسألة قانونية جوهرية تتعلق بالدستور أو تفسيره وأنه يجب تأجيل الفصل فيها إلى أن تبت المحكمة العليا في تلك المسألة فعليها أن تؤجل النظر في القضية وتحيل المسألة إلى المحكمة العليا ) .
وقد عدلت هذه الفقرة بالمرسوم الصادر بتاريخ 3/11/1954 حيث جاء النص كالآتي: ( إذا كانت القضية المنظورة أمام إحدى دوائر المحكمة العليا أو إحدى محاكم الولايات تتضمن مسألة قانونية جوهرية تتعلق بالدستور أو تفسيره فعليها أن تؤجل النظر في القضية وتحيل المسألة إلى دائرة القضاء الدستوري بالمحكمة العليا للبت فيها وإلا كان الحكم قابلاً للطعن فيه أمام الدائرة المذكورة خلال 60 يوماً من تاريخ إعلانه ).
وجاء في المادة 15/3 : ( وكذلك تستأنف أمام المحكمة العليا الأحكام الصادرة من محاكم الولايات مدنية كانت أو جنائية إذا كانت هذه الأحكام تفصل في نزاع متعلق بالدستور أو تفسيره ) .
وجاء نص المادة 16 كالآتي : ( يجوز لكل ذي مصلحة شخصية مباشرة الطعن أمام المحكمة العليا في أي تشريع أو إجراء أو عمل يكون مخالفاً للدستور ). وقد اشترط المشرّع صراحة المصلحة شخصية مباشرة .
ج – الاختصاص الدستوري للمحكمة العليا وفقا للتعديل الدستوري 1963:
عُدّل الدستور الاتحادي بالقانون رقم (1) الصادر بتاريخ 27- 4- 1963 ، والذي جاء في المادة (4/ف3 ) منه إلغاء المواد الواردة في الفصل الثامن من الدستور الاتحادي ، وإحلال المواد البديلة محلها .
وجاء في المادة 143 من التعديل الدستوري : ( يحدد القانون اختصاصات المحكمة العليا …. ) .
واستمر العمل ب قانون المحكمة العليا الصادر يوم 10 نوفمبر سنة 1953 ، والمعدّل بمرسوم بتاريخ 3 نوفمبر 1954 ، وبما يتضمنه من اختصاصات للمحكمة العليا.
الخلاصة: رقابة قضائية على دستورية القوانين كاملة استناداً على نصوص الدستور.
د – الاختصاص الدستوري للمحكمة العليا وفقا للإعلان الدستوري سنة 1969
يعتبر العديد من فقهاء القانون الدستوري أن الإعلانات الدستورية تصدرها السلطة الحاكمة بصفتها السلطة السيادية العليا في الدولة ، وهي عبارة عن دساتير مؤقتة حتى يتم إصدار دستور الدولة. والرقابة الدستورية تقوم استناداً على النصوص الواردة في الإعلان الدستوري وتكون هذه النصوص هي المرجع الدستوري .
وجاء في ديباجة الإعلان الدستوري: (…..هذا الإعلان الدستوري ليكون أساسا لنظام الحكم … ) ..
وجاءت نص المادة 34 لتؤكد على العمل بالقوانين النافذة فيما لا يتعارض مع الإعلان : ( .. يستمر العمل بجميع الأحكام المقررة في القوانين والتشريعات القائمة فيما لا يتعارض مع أحكام هذا الإعلان الدستوري..).
وفي قراءتنا لنص المادة 34 ، يمكن استنتاج أن قانون المحكمة العليا لسنة 1953 والمعدل بمرسوم لسنة 1954 لا يزال ساري المفعول ، وأن الاختصاص الدستوري لا يزال قائما وأن المرجع في ذلك هو نصوص الإعلان الدستوري والذي يعد بمثابة ( الدستور المؤقت ) ، وهذا فعلاً ما عملت به المحكمة العليا.
من أحكام المحكمة العليا استنادا على الإعلان الدستوري لسنة 1969:
1/ (( …ان قانون الانتخاب لا يتعارض مع الاعلان الدستوري لان قوانين الانتخاب من ضمن اهدافها اقامة حياة ديمقراطية سليمة تمكينا لسيادة الشعب وحفاظا على حرية الرأي وهذه الاهداف في ذاتها لا تتعارض مع ما تضمنه الاعلان الدستوري من نصوص في هذا الصدد.. )).
( رقم الطعن 1/12 ق سنة 6 / مجلة 1 2 3 ص 37 بتاريخ 11 / 1 / 1970 )
2/ (( …انه وان كان المشرع الليبي قد أخذ بمبدأ رقابة القضاء لدستورية القوانين بالنص في المادة 30 من الاعلان الدستوري على ان لكل شخص الحق في الالتجاء الى المحاكم وفقا للقانون وفي المادة 16 من قانون المحكمة العليا على ان لكل ذي مصلحة مباشرة الطعن امام المحكمة العليا في أي تشريع أو إجراء أو عمل يكون مخالفا للدستور الا ان هذا الحق ليس مطلقا بل وردت عليه استثناءات منها أعمال السيادة اذ نص المشرع في المادة 19 من قانون نظام القضاء – على انه ليس للمحاكم ان تنظر في اعمال السيادة ونص في المادة 3-26 من قانون المحكمة العليا على الا تقبل امام محكمة القضاء الإداري الطلبات المقدمة عن القرارات المتعلقة بعمل من اعمال السيادة … )).
( رقم الطعن 3/19 ق سنة 12 / مجلة 4 ص 23 بتاريخ 20 / 3 / 1976 )
3/ (( … السلطات القضائية هي المختصة دون غيرها بمزاولة تطبيق القانون على الخصومة لولايتها الاصلية الكاملة والدستور وحده هو الذى يملك تقييد ولاية القضاء باعتباره احدى سلطات الدولة … )).
( رقم الطعن 1/ 19 ق سنة 8/ مجلة 4 ص 12 بتاريخ 10/6/1972 )
4/ (( … ان القصد الجنائي في جريمة الحزبية المستحدثة بالقانون رقم 1971 لسنة 1972 بشأن تجريم الحزبية هو قصد عام يتحقق بعلم من ينشئ التجمع , او التشكيل او التنظيم , وكل من ينضم اليه ان الفكر السياسي الذى يقوم عليه التجمع مضاد أي مناهض ومخالف لمبادئ ثورة الفاتح من سبتمبر في الغاية والوسيلة , او يعلم بانه يرمى الى المساس بمؤسساتها الدستورية…)).
( رقم الطعن 40 / 21ق سنة 12 / مجلة 2 ص 134 بتاريخ 29 / 4 / 1975 )
الخلاصة : رقابة قضائية على دستورية القوانين مقيدة استناداً على نصوص الإعلان الدستوري.
ثالثاً – إلغاء الاختصاص الدستوري للمحكمة العليا بحكم القانون ( سلب الاختصاص):
القانون رقم 6 لسنة 1982 بإعادة تنظيم المحكمة العليا:
صدر القانون رقم 6 لسنة 1982 بتاريخ 25-5-1982 القاضي بإعادة تنظيم المحكمة العليا ، والذي قرّر صراحة نزع الاختصاص الدستوري لهذه المحكمة ، وتجريد المحكمة من الرقابة على دستورية القوانين وذلك وفقاً لما جاء في الباب الرابع المتضمن اختصاصات المحكمة العليا (المواد 23 إلى 26 ).
ومن خلال ما ورد في الباب الرابع المتضمن اختصاصات المحكمة العليا يتضح بما ليس فيه لبس ولا غموض أن الاختصاص الدستوري للمحكمة العليا تم سلبه بحكم هذا القانون.
وجاء نص المادة السادسة والخمسون تأكيداً لهذا السلب ، حيث جاء نصها كالآتي: ( يلغى قانون المحكمة العليا لسنة 1953 واللائحة الداخلية للمحكمة…).
وبهذه النصوص القانونية تم إلغاء الاختصاص الدستوري للمحكة العليا في الرقابة على دستورية القوانين.
ورغم أن القضاء هو ملاذ الأفراد من عسف السلطة ، إلا أن المحكمة العليا لم تقم بتجاهل هذا القانون الجائر الذي حرم الأفراد من حقهم الدستوري في الالتجاء للقضاء . وقد كان في وسع المحكمة العليا ان تتجاهل هذا القانون بالكامل وتتمسك بحقها في حماية حقوق الأفراد استنادا على النصوص الدستورية والقانونية الراسخة والقائمة على المبادئ العامة لحقوق الانسان ومنها ( مبدأ حق التقاضي ومبدأ حق الأفراد في اللجوء للقضاء).
وهذه الحقوق واردة في كل الوثائق والصكوك والعهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ، وقد تم النص عليها في عدد من الوثائق الدستورية والقانونية الليبية ومنها: ( المادة 14 من الدستور الليبي لسنة 1951 ، المادة 16 من قانون المحكمة العليا لسنة 1953 ، المواد 44 ، 50 من القانون المدني ، المادة 4 من قانون المرافعات ، المادة 30 من الإعلان الدستوري لسنة 1969، المادة 2 من القانون 88 بشأن القضاء الإداري لسنة 1971 ).
إضافة إلى ما استقر عليه قضاء المحكمة العليا وإقرارها لمبدأ حق التقاضي.
وأستشهد بهذه الأحكام للمحكمة العليا بوجوب تجاهل القوانين التي تحرم الأفراد من اللجوء للقضاء :
1) مبدأ دستوري هام للمحكمة العليا : لا يجوز الحد من ولاية القضاء متى ترتب عليها المساس بحق الأفراد
((… ومما لا ريب فيه أنه وفقاً للأصول الدستورية ، تعد السلطة القضائية هي المختصة دون غيرها بمزاولة تطبيق القانون على الخصومات التي ترفع إليها. فولايتها في هذا المجال ولاية أصيلة وكاملة، والدستور وحده يملك تقييد ولاية القضاء ، باعتباره إحدى سلطات الدولة ، وليس للشارع بحجة ترتيب جهات القضاء ، وتحديد اختصاصاتها أن يمنع بعض المنازعات من ولاية القضاء متى يترتب عليها المساس بحق الأفراد سواء كان المنع كلياً او جزئياً ، وإذا خرج القانون على الحق الدستوري ولم يلتزمه ، عد التشريع غير دستوري …)).
( طعن دستوري رقم 1/19ق ، جلسة بتاريخ 10/6/1972 )
2) حكم المحكمة العليا الصادر سنة 1965 ، وفقاً للدستور، وقانون المحكمة لسنة 1953 والمعدل سنة 1954:
((… الطعن بعدم دستورية أي قانون يعتبر من النظام العام ويجوز إِبداؤه أمام المحكمة العليا لأول مرة وذلك طبقا للقواعد العامة المستقر عليها قانونا وفقها .. )).
( طعن رقم 9 /11 ق السنة 2/ المجلة 2 ص 7 – بتاريخ 6 / 11 / 1965 )
وبالرغم من هذه الأحكام الرائدة للمحكمة العليا التي تؤكد مبدأ حق التقاضي ، إلا أنها وبكل أسف لم تأخذ المحكمة العليا بهذه المبادئ التي أرستها ، واستسلمت لسلطة المشرّع القانوني كما جاء في هذا الحكم:
(( … ان القاضي يجب عليه عند عرض أي نزاع عليه أن يتحقق من أن له سلطة الفصل فيه من عدمه فاذا ما تبين له ان الموضوع يخرج عن سلطته حكم بعدم اختصاصه واذا تحقق لديه انه من اختصاصه انتقل الى بحث النزاع والفصل فيه , ومعلوم ان الاختصاص بين المحاكم انما هو من فن عمل المشرع ومن ثم فلابد من وجود نص منه بذلك وقد صدر القانون رقم 6-1982م بإعادة تنظيم المحكمة العليا وبيان اختصاصاتها وسير العمل بها وذلك بتاريخ 2 شعبان 1391 من وفاة الرسول الموافق 25 مايو 1982م ونص في مادته قبل الاخيرة على انه : يلغى قانون المحكمة العليا لسنة 1953م واللائحة الداخلية للمحكمة , كما يلغى كل حكم يخالف احكام هذا القانون…، … وقد حدد قانون المحكمة اختصاصاتها وعددها على سبيل الحصر وليس من بينها سلطة الفصل في الطعون والمسائل الدستورية ولم يعد هناك نص تعتمد عليه لاختصاصها بالفصل في هذه المسائل … )) .
( رقم الطعن 3 / 28 ق سنة 19 مجلة عدد 2 صفحة 9 تاريخ 30 / 10 / 1982 )
الخلاصة : بصدور القانون رقم 6 لسنة 1982 أصبحت الرقابة القضائية على دستورية القوانين رقابة مسلوبة. وإن كان الأصل في مهمة المحكمة العليا هي حماية حقوق الأفراد ، ورغم ما أقرته المحكمة من أن ( الدستور وحده يملك تقييد ولاية القضاء ) ، إلا أنها لم تستطع الايفاء بهذه المهمة الخطيرة المتمثلة في حماية الأفراد ، ورضخت للسلطة التشريعية ، وبخضوع المحكمة العليا لهذا القانون تنازلت عن حق القضاء الأساسي والدستوري في حماية حقوق الأفراد وحرياتهم من عسف السلطة التشريعية . وبذلك أصبحت السلطة التشريعية تمتلك قدرة غير متناهية لإصدار قوانين جائرة وظالمة دون أي رقيب بعد تجريد المحكمة العليا من حقها الدستوري في الرقابة على دستورية القوانين.
رابعاً – إعادة الاختصاص الدستوري للمحكمة العليا بحكم القانون:
القانون رقم 17 لسنة 1993 بتعديل القانون رقم 6 لسنة 1982 بإعادة تنظيم المحكمة العليا
صدر القانون رقم 17 لسنة 1423م (1993) بتاريخ 29-01- 1993 ، القاضي بتعديل القانون رقم 6 لسنة 1982 بإعادة تنظيم المحكمة العليا الذي أعاد فيه الاختصاص الدستوري للمحكمة العليا .
وتنص المادة الأولى من القانون (17) على تعديل عدد من المواد الواردة في القانون رقم (6) لسنة 1982م ومنها تعديل المادة 23 ويكون نصها كالتالي :
( تختص المحكمة العليا دون غيرها منعقدة بدوائرها المجتمعة برئاسة رئيسها أو من يقوم مقامه بالفصل في المسائل الآتية :
أولا: الطعون التي يرفعها كل ذي مصلحة شخصية مباشرة في أي تشريع يكون مخالفا للدستور.
ثانيا: أية مسألة قانونية جوهرية تتعلق بالدستور أو بتفسيره تثار في قضية منظورة أمام أية محكمة ..،…).
وقد اشترط المشرع صراحة أن يتم الطعن من كل ذي مصلحة شخصية مباشرة .
إن هذا التعديل لنص المادة 23 الذي يقرّر الاختصاص الدستوري للمحكمة العليا يعد من وجهة نظر الفقه الدستوري إجراء شكليا لا يعوّل عليه كثيراً ، حيث أن جهود المحكمة العليا في الرقابة على دستورية القوانين هي جهود متواضعة منذ سنة 1977م وذلك لانعدام المرجعية الدستورية الأصيلة التي يجب أن يقوم عليها قضاء المحكمة العليا في الطعون الدستورية سواء كانت المرجعية ( دستور دائم أو دستور مؤقت ).
كما نصت المادة 1 من القانون رقم 17 على تعديل نص المادة 51 من القانون رقم (6) لسنة 1982م والتي جاء نصها كالتالي: (( فقرة (1) … ، فقرة (2) … ، فقرة (3) تتولى الجمعية العمومية وضع لائحة داخلية للمحكمة تضمن بوجه خاص بيان القواعد والإجراءات الخاصة برفع الطعون الدستورية ونظرها…)).
ونظراً لقصور المحكمة العليا حينها عن ممارسة دورها الحقيقي في الرقابة على دستورية القوانين ، والذي ظهر واضحاً من خلال عجز الجمعية العمومية للمحكمة عن إصدار لائحتها الداخلية والتي لم تظهر للوجود إلا سنة 2004 ( أي بعد 11 سنة من صدور القانون رقم 17 لسنة 1993 ) ، وذلك حين أصدرت الجمعية العمومية للمحكمة العليا بتاريخ 28-06-2004 قرارها رقم (283) بإقرار اللائحة الداخلية للمحكمة العليا ،والمعدلة بالقرار رقم (285) لسنة 2005. وقد تناولت اللائحة إجراءات الطعون الدستورية في المواد من (11 إلى 20).
أحد أحكام المحكمة العليا بعد إعادة الاختصاص الدستوري سنة 1993 وإصدار اللائحة الداخلية سنة 2004:
(( … إن الدفع بعدم دستورية القانون ليس دفعا متعلقا بالنظام العام تجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض ، وإنما يتعين على كل من يرى هذا العيب متوافرا في قانون أو نص تشريعي أن يسلك الطريق الذي رسمه المشرّع للفصل في الطعون المتعلقة بعدم دستورية القوانين وفقا للقانون رقم 17 لسنة 1423م بتعديل القانون رقم 6 لسنة 1982 بإعادة تنظيم المحكمة العليا ، والقول بغير ذلك يترتب عليه تفويت الغرض الذي ابتغاه المشرع من رسم هذا الطريق وهو اختصاص المحكمة العليا دون غيرها بالفصل في الطعون التي ترفع في أي تشريع يكون مخالفا للقانون …))
( طعن رقم 1/ 47 ق غير منشور – بتاريخ 5 / 7 / 2004 )
ويتضح أَنّ المحكمة العليا مارست اختصاصها في الرقابة على دستورية القوانين كالتالي:
مارست المحكمة العليا اختصاصها الدستوري الكامل منذ اصدار قانون المحكمة العليا بتاريخ 10 نوفمبر سنة 1953 وحتى 1/9/1969 ، مستندة في ذلك على أحكام دستور سنة 1951. ( لمدة 16 سنة ).
مارست المحكمة العليا اختصاصها الدستوري منذ 1969 وحتى تاريخ 2/3/1977م وذلك بشكل ناقص ومقيد وفقاً لأحكام الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 11/12/1969. ( لمدة 7 سنوات) .
إجمالي المدة التي مارست المحكمة العليا اختصاصها الدستوري الكامل والمقيد : ( 23 سنة).
ويتضح أن المحكمة العليا فقدت اختصاصها في الرقابة على دستورية القوانين كالتالي:
منذ سنة 1977 إلى 1982 ( انعدم الاختصاص الدستوري لانتفاء المرجع الدستوري). ( لمدة 5 سنوات ).
من 25/5/1982 إلى 28/6/2004 ( انعدام الاختصاص الدستوري بحكم القانون). ( لمدة 22 سنة ).
إجمالي السنوات التي سُلب خلالها الاختصاص الدستوري من المحكمة العليا : ( 27 سنة )
تعليق: منذ صدور القانون رقم 17 لسنة 1993 بتعديل القانون رقم 6 لسنة 1982 بإعادة تنظيم المحكمة العليا وصدور اللائحة الداخلية للمحكمة العليا بتاريخ 28/06/2004م ، وحتى31/12/2010 ، حاولت المحكمة العليا أن توحي باضطلاعها بمهمة الاختصاص الدستوري ، ولكن من الناحية الفقهية ، فإن المحكمة العليا لا تتمتع بهذا الاختصاص نظراً لانعدام المرجع الدستوري وانتفاء مبدأ تدرج القواعد القانونية ، وهي معرّضة لأن يسلب منها هذا الحق مرة أخرى بقانون كما سلب منها بالقانون رقم م6 لسنة 1982، حيث لا يوجد قانون أعلى مرتبة وأسمى من غيره حتى يكون مرجعا دستورياً ، ولا يغير من الأمر شيئاً إن قام المشرّع العادي بالنص على أن هذا القانون أو ذلك هو أعلى مرتبة من غيره ، أو يعد قانوناً أساسيا لأنه يستطيع أن يعدّله أو يلغيه بنفس الكيفية.
ويتفق الفقه الدستوري على أن الدستور هو القانون الأساسي والأعلى في الدولة الذي يبين نظام الحكم وينشئ السلطات العامة في الدولة ، ويبين الحقوق والحريات العامة ، وكيفية صيانة هذه الحقوق والحريات من خلال إنشاء القضاء الدستوري وتحديد اختصاصاته وفقاً لما ينص عليه الدستور.
من أحكام للمحكمة العليا (بشأن الدستورية ) خلال الفترة من سنة 1993 إلى سنة 2010:
((… إن اختصاص المحكمة العليا بالفصل في المسائل الدستورية قد حددته المادة 23 من القانون رقم 6 لسنة 1982 بإعادة تنظيم المحكمة العليا المعدل بالقانون رقم 17 لسنة 1423 والذي يستفاد منه ـ على ما جرى به قضاء هذه المحكمة ـ إنَّ اختصاص المحكمة العليا بالفصل في المسائل المحددة بالنص المذكور ينعقد إما بوجود تشريع مخالف للدستور أو إثارة مسألة قانونية تتعلق بالدستور في قضية منظورة …)).
( طعن رقم 89/42 ق غير منشور بتاريخ 25 / 10 / 1998 )
خامساً – الاختصاص الدستوري للمحكمة العليا بعد ثورة 17 فبراير 2011
صدر الإعلان الدستوري بتاريخ 3/ 8 / 2011م ، وجاء في مقدمة الإعلان الدستوري أنه:
(.. إيمانا بثورة السّابع عشر من فبراير 2011 …،.. واستنادا إلى شرعية الثورة …، …واستجابة لرغبة الشعب الليبي وتطلعاته ..،..).
وجاء أيضا : (.. وإلى أن يتم التصديق على الدستور الدائم في استفتاء شعبي عام ، فقد رأى المجلس الوطني الانتقالي المؤقت أن يصدر هذا الإعلان الدستوري، ليكون أساساً للحكم في المرحلة الانتقالية ..).
ونصت المادة 17 على: ( أن المجلس الوطني الانتقالي المؤقت هو أعلى سلطة في الدولة الليبية. ويباشر أعمال السيادة العليا ، بما في ذلك التشريع ووضع السياسة العامة للدولة، وهو الممثل الشرعي الوحيد للشعب الليبي ويستمد شرعيته من ثورة السابع عشر من فبراير …).
ونصت المادة 35 على : ( … يستمر العمل بجميع الأحكام المقررة في التشريعات القائمة ، فيما لا يتعارض مع هذا الإعلان إلى أن يصدر ما يعدلها أو يلغيها ..).
ونصت المادة 36 على : ( لا يجوز الغاء أو تعديل أي حكم وارد بهذه الوثيقة إلا بحكم آخر صادر عن المجلس الوطني الانتقالي المؤقت وبأغلبية ثلثي أعضاء المجلس ).
كل هذه النصوص الواردة في الإعلان تؤكد أن (( الإعلان الدستوري هو القانون الأعلى في الدولة ، وهو المرجعية الدستورية في قضايا الطعن بعدم دستورية القوانين ، وأن المجلس الوطني الانتقالي يملك أن يجري التعديلات اللازمة، وأن كل القوانين بما فيها قانون المحكمة العليا نافذة فيما لا يتعارض مع أحكام الإعلان )).
صدر التعديل الدستوري رقم (1) بتاريخ 13 مارس 2012 و ذلك بشأن تعديل بعض فقرات المادة 30 :
وجاء في التعديل:
( بند 5) : ( يُحل المجلس الوطني الانتقالي المؤقت في أول انعقاد للمؤتمر، وتؤول كافة اختصاصاته للمؤتمر الوطني العام ،…،…،… وفي كل الأحوال تتخذ جميع قرارات المؤتمر الوطني العام بأغلبية ثلثي الأعضاء. .).
(بند 6 ): يقوم المؤتمر الوطني العام في مدة لا تتجاوز 30 يوماً من أول اجتماع له بالآتي:
1/ تعيين رئيس للوزراء…،…، ….
2/ (( اختيار هيئة تأسيسية من غير أعضائه لصياغة مشروع دستور للبلاد تسمى الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور تتكون من ستين عضواً على غرار لجنة الستين التي شكّلت لإعداد دستور استقلال ليبيا عام 1951م. وفي كل الأحوال تصدر قرارات الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور بأغلبية ثلثي الأعضاء (زائد واحد) على أن تنتهي من صياغة مشروع الدستور واعتماد هذا المشروع في مدة لا تتجاوز مائة وعشرين يوماً من انعقاد اجتماعها الأول )).
صدر التعديل الدستوري رقم (3) بتاريخ 5 يوليو 2012 وذلك بشأن فقرة (2) في بند (6) وذلك كالآتي :
المادة 1 :
• تعديل الفقرة 2 من البند 6 من التعديل الدستوري رقم (1) لسنة 2012 المشار إليه بحيث يجري نصها على النحو الآتي:
• (( انتخاب هيئة تأسيسية بطريق الاقتراع الحر المباشر من غير أعضائه لصياغة مشروع دستور دائم للبلاد تسمى الهيئة التأسيسية من ستين عضواً على غرار لجنة الستين التي شكلت لإعداد دستور استقلال ليبيا عام 1951م ، ويتولى المؤتمر الوطني العام تحديد معايير وضوابط انتخابها يراعى فيها وجوب تمثيل مكونات المجتمع الليبي ذات الخصوصية الثقافية واللغوية. وفي جميع الأحوال تصدر قرارات الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور بأغلبية ثلثي الأعضاء (زائد واحد )، على ان تنتهي من صياغة الدستور واعتماد هذا المشروع في مدة لا تتجاوز مائة وعشرين يوماً من انعقاد اجتماعها الأول )).
من أحكام للمحكمة العليا (بشأن الدستورية ) بعد ثورة 17 فبراير واستناداً على الإعلان الدستوري:
1) حكم المحكمة العليا بتاريخ 14 يونيو 2012 في الطعن الدستوري ضد قانون رقم 37 لسنة 2012 بشأن تجريم تمجيد الطاغية الصادر عن المجلس الوطني الانتقالي بتاريخ 2 مايو 2012م :
وقد قضت المحكمة العليا بعدم دستورية القانون رقم 37/2012 بشأن تجريم تمجيد الطاغية.
2 / حكم المحكمة العليا في قضية الطعن الدستوري رقم 3/59 ق بتعديل القانون رقم 10 لسنة 1984 بشأن احكام الزواج والطلاق وآثارهما والصادر بتاريخ 5 – 2 – 2013
وقضت المحكمة كالاتي : (… بعدم دستورية نص المادة الثالثة عشر من القانون رقم 10/1984 بشان الزواج والطلاق وآثارهما المستبدل بها نص المادة الأولى من القانون رقم 9/1994 والزام المطعون ضدها الثالثة المصاريف المناسبة وينشر في الجريدة الرسمية..).
3/ حكم المحكمة العليا بتاريخ 26-2-2013م، في قضية الطعن الدستوري رقم 28 لسنة 59 ق بعدم دستورية التعديل الدستوري رقم (3) لسنة 2012 الصادر عن المجلس الوطني الانتقالي المؤقت بتاريخ 5 -7- 2012م
وقضت المحكمة كالآتي: (… بعدم دستورية التعديل الدستوري رقم (3) لسنة 2012 ، للفقرة (2) من البند (6) من الإعلان الدستوري …).
هذا الحكم الأخير في قضية الطعن الدستوري رقم 28 لسنة 59 ق بعدم دستورية التعديل الدستوري رقم (3) لسنة 2012م سيكون محل التعليق الذي سيتم تناوله في الورقة الثاني
الورقة الثانية
تعليق على حكم المحكمة العليا في الطعن الدستوري رقم 28 / 59 ق
بالرغم من أن هذا التعليق قد لا يغير كثيراً من قضاء المحكمة العليا الموقرة ، ولكنني أرى أنه من الواجب توضيح بعض الأمور ذات العلاقة بهذه القضية والتي أرجو أن تكون ذات فائدة.
أولاً: عدم اختصاص المحكمة بقبول الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة
جاء في الصفحة الثالثة من حكم المحكمة بتاريخ 26 فبراير 2013 في ( أسباب الطعن ) :
” … إلا أنه متى نص الدستور على طريقة معينة وإجراءات محددة لتعديل النصوص الدستورية تعين على السلطة التشريعية عند إصدار التعديل التزامها ،..”. وجاء أيضاً “..ولو قيل بغير ذلك لكان للسلطة التشريعية ..”
هذا القول مردود عليه كالتالي:
جاء في مقدمة الإعلان الدستوري : ” .. أنه استنادا إلى شرعية هذه الثورة واستجابة لرغبة الشعب الليبي وتطلعاته …” . ” … فقد رأى المجلس الوطني الانتقالي المؤقت أن هذا الإعلان الدستوري ، ليكون أساساً للحكم في المرحلة الانتقالية..”.
هذه النصوص تؤكد على شرعية المجلس الوطني الانتقالي من الشعب الليبي ، ولقد تم التعامل الدولي مع المجلس الوطني الانتقالي المؤقت بصفته الممثل الوحيد للشعب الليبي ، وللدولة الليبية.
ولقد أصدر المجلس الوطني الانتقالي المؤقت التعديل الدستوري بصفته السلطة السيادية العليا في الدولة وليس بصفته السلطة التشريعية. وقد جاء تأكيد هذه الصفة السيادية في الباب الثالث من الإعلان الدستوري تحت عنوان ( نظام الحكم خلال المرحلة الانتقالية) .
حيث جاء نص المادة 17 من الإعلان الدستوري واضحا لا لبس فيه أن المجلس الوطني الانتقالي المؤقت يمارس أعمال السيادة العليا والأعمال التشريعية. وهذا هو ما تم النص عليه في المادة 17 من الإعلان الدستوري حيث جاء النص كالتالي : (( المجلس الوطني الانتقالي المؤقت هو أعلى سلطة في الدولة الليبية ، ويباشر اعمال السيادة العليا ، بما في ذلك التشريع ووضع السياسة العامة للدولة ، وهو الممثل الشرعي الوحيد للشعب الليبي ، يستمد شرعيته من ثورة السابع عشر من فبراير.. )).
هذا النص الدستوري لا يدع مجالاً للشك في أن المجلس الوطني الانتقالي المؤقت يباشر أعمال السيادة العليا في الدولة ومن بين هذه الأعمال السيادية ( إصدار الإعلان الدستوري والتعديلات الدستورية).
ولقد نص القانون رقم 6 لسنة 1982 بإعادة تنظيم المحكمة العليا على تحديد اختصاصات المحكمة العليا في الرقابة على دستورية القوانين ، وذلك كالآتي:
المادة الثالثة والعشرون: (( تختص المحكمة العليا دون غيرها منعقدة بدوائرها المجتمعة برئاسة رئيسها أو من يقوم مقامه بالفصل في المسائل الآتية:-
أولاً : – الطعون التي يرفعها كل ذي مصلحة شخصية مباشرة في أي تشريع يكون مخالفاً للدستور.
ثانياً :-أية مسألة قانونية جوهرية تتعلق بالدستور أو بتفسيره تثار في قضية منظورة أمام أية محكمة….)).
وجاء نص المادة 26 كالتالي : (( لا تختص المحكمة العليا بالنظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة )).
كما ينص القانون رقم 6 بشأن نظام القضاء لسنة 1374 في الفصل الثاني ( ولاية المحاكم ) على:
المادة 20 : ( تختص المحاكم بالفصل في كافة المنازعات والجرائم، وليس للمحاكم أن تنظر في أعمال السيادة )
كما نص القانون رقم 88 لسنة 1971 بشأن القضاء الإداري على:
المادة 6 : (( لا تختص دائرة القضاء الإداري بالنظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة ولا تقبل الطلبات المقدمة من أشخاص ليست لهم فيها مصلحة شخصية مباشرة ))
وجاء في الصفحة الثالثة من حكم المحكمة بتاريخ 26 فبراير 2013 في ( أسباب الطعن ) :
“…فإن من اختصاص الدائرة الدستورية أن تتصدى لمراقبة مدى التزام تلك السلطة للقيود الواردة في الدستور ، إعمالاً للمبدأ الأساسي في التقاضي الذي مقتضاه أن القضاء هو صاحب الولاية العامة في الفصل في المنازعات إلا ما استثني بنص خاص …”. وهذا الاستثناء يؤكد عدم اختصاص المحكمة بالنظر في طلبات أعمال السيادة .
وفيما يلي حكم المحكمة الدستورية العليا المصرية بعدم اختصاصها بالرقابة على النصوص الدستورية..
قضية رقم 76 لسنة 29 قضائية المحكمة الدستورية العليا “دستورية” بتاريخ 1 أكتوبر 2007 …
وجاء في الحكم : (( .. وحيث إن طلب الحكم بعدم دستورية التعديلات الدستورية، أو التصدي لذلك، في غير محله، ذلك أنه بالإضافة إلى مجاوزته نطاق حكم الإحالة، فإن الدستور. وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة – لا يندرج في مفهوم القوانين التي تباشر المحكمة الدستورية العليا الرقابة عليها في نطاق ولايتها المنصوص عليها في صدر المادة 29 من قانونها والتي جاءت ترديدا لما نصت عليه المادة 175 من الدستور، باعتبار أن الدستور وهو مظهر للإرادة الشعبية ونتاجها في تجمعاتها المختلفة المترامية على امتداد النطاق الإقليمي للدولة تتصدر أحكامه القواعد القانونية الأدنى مرتبة منها وتعلوها، وتكون هي الأحق بالنزول عليها احتكاما إليها وامتثالا لها وهي في ذلك تكون مغايرة للنصوص القانونية، سواء تلك التي أقرتها السلطة التشريعية أم أصدرتها السلطة التنفيذية في حدود صلاحياتها الدستورية، ومن ثم فقد كان منطقيا أن يقصر المشرع الدستوري والمشرع العادي ولاية المحكمة الدستورية العليا في مجال مراقبة الشرعية الدستورية على النصوص التشريعية دون غيرها، وعلى ذلك فإن حالة إخضاع الدستور لرقابة هذه المحكمة تكون مجاوزة حدود ولايتها مقوضة تخومها، ومن ثم يخرج ذلك عن نطاق اختصاصها. لا يغير من ذلك ما أطلقه المدعون من أسماء على هذه التعديلات مثل “قانون تعديل الدستور”، إذ إن الأمر لا يخرج عن أن ما صدر ليس إلا تعديلا لبعض مواد الدستور وفقا للإجراءات التي نصت عليها المادة 189 من الدستور في هذا الشأن، وموافقة السلطة التشريعية عليها وفقا لأحكام هذه المادة لا تخرجها عن طبيعتها الدستورية… )).
الخلاصـــــــــة:
ما جاء في مقدمة الإعلان الدستوري ، ونص المادة 17 من الإعلان الدستوري ، ونص المادتين (23 و 26 ) من القانون رقم 6 لسنة 1982 بإعادة تنظيم المحكمة العليا ، والمادة 20 من القانون رقم 6 بشأن نظام القضاء ، والمادة 6 من القانون رقم 88 لسنة 1971 بشأن القضاء الإداري ، كل تلك النصوص تؤكد على اختصاص المحكمة العليا بالفصل في دستورية القوانين التي تصدرها السلطة التشريعية ، كما أن كل تلك النصوص تنزع أي اختصاص للمحكمة العليا لأن تنظر في طلب متعلق بنص دستوري لأنه من أعمال السيادة التي يباشرها المجلس الوطني الانتقالي المؤقت بصفته السيادية ، ولا تختص المحكمة العليا بنظر الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة وفقاً لحكم القانون 6 لسنة 1982 بإعادة تنظيمها ، واستناداً على النصوص الواردة في قانون نظام القضاء رقم 6 بسنة 1374 ، وقانون القضاء الإداري رقم 88 لسنة 1971.
كما أن حكم المحكمة الدستورية العليا المصرية يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك في عدم اختصاص المحاكم بمراقبة النصوص الدستورية لأنها خارج حدود ولاية اختصاصاتها.
ثانيـــــاً: بخصــوص الطاعنـين
جاء في أسباب الطعن:
(( ..حاصل ما ينعاه الطاعنون على التعديل الدستوري رقم (3) لسنة 2012م ، الصادر بتاريخ 5/ 7/2012م ، عن المجلس الوطني الانتقالي المؤقت الذي تضمن في مادته الأولى: ( تعدل الفقرة (2 ) من البند (6 ) من التعديل الدستوري رقم (1) لسنة 2012م ، المشار إليه بحيث يجري نصها على النحو الآتي : ( انتخاب الهيئة التأسيسية بطريق الاقتراع الحر المباشر من غير أعضاء المجلس بصياغة مشروع دستور دائم للبلاد تسمى الهيئة التأسيسية من ستين عضواً على غرار لجنة الستين التي شكلت لإعداد دستور استقلال ليبيا عام 1951م..) (.. أن هذا التعديل لم يصدر عن المجلس الوطني الانتقالي المؤقت بأغلبية ثلثي أعضائه ، وإنما صدر بأغلبية ثلثي الحاضرين بالمخالفة لنص المادة(36) من الإعلان الدستوري ، كما أنه خالف المادة (17) من الإعلان الدستوري بنصه على تشكيل لجنة الستين المنتخبة على غرار نظام الاتحاد الفدرالي الصادر به دستور سنة 1951م ..)).
التعـليق كالآتــــي:
أولاً: بخصوص المقصود بصدور التعديل بأغلبية ثلثي الأعضاء ، فإن ما يجدر التنويه عليه بهذا الخصوص هو أن المادة (36) تنص على الآتي: ( لا يجوز إلغاء أو تعديل أي حكم وارد بهذه الوثيقة إلا بحكم آخر صادر عن المجلس الوطني الانتقالي المؤقت وبأغلبية ثلثي أعضاء المجلس).
هذا النص لا يوجب تواجد ثلثي الأعضاء بالكامل في كل الأحوال ربما لتعذر ذلك ، ( وإنما آلية عمل المجلس هي التي لها تقرير النصاب القانوني الذي بموجبه يتم الموافقة على التعديلات الدستورية حسب عدد الحضور).
ثانياً: أما بشأن القول ان النص على تشكيل لجنة الستين جاء مخالفاً لنص المادة (17) من الإعلان الدستوري ، فمن الواضح أن المادة 17 من الإعلان الدستوري ليس لها أي علاقة بتشكيل لجنة الستين.
ونص المادة 17 كالتالي: (( المجلس الوطني الانتقالي المؤقت هو أعلى سلطة في الدولة الليبية ، ويباشر اعمال السيادة العليا ، بما في ذلك التشريع ووضع السياسة العامة للدولة ، وهو الممثل الشرعي الوحيد للشعب الليبي ، يستمد شرعيته من ثورة السابع عشر من فبراير، وهو المؤتمن على الوحدة الوطنية ، وسلامة التراب الوطني ، وتجسيد القيم والأخلاق ونشرها ، وسلامة المواطنين والمقيمين ، والمصادقة على المعاهدات الدولية، وإقامة أسس الدولة المدنية الدستورية الديمقراطية )).
وأما القول بأن ذلك جاء على (غرار نظام الاتحاد الفدرالي..).. فمن المؤكد أن عبارة ( نظام الاتحاد الفدرالي)، لم تأت إطلاقاً في نصوص الإعلان الدستوري وتعديلاته ، كما أنه لم يأت ذكرها البته في دستور سنة 1951. ولكن هذه العبارة (جاء بها الطاعنون أنفسهم من بنية افكارهم).
ولنفترض جدلاً أن ( النص على تشكيل لجنة الستين جاء مخالفاً لنص المادة 17 ، فإن الأولى بالطاعن أن يطعن في التعديل الدستوري رقم (1) الصادر بتاريخ 13/3 / 2012م ، والذي نص في الفقرة (2) من البند (6) على (..اختيار هيئة تأسيسية من غير أعضائه لصياغة مشروع دستور للبلاد تسمى الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور تتكون من ستين عضواً على غرار لجنة الستين التي شكلت لإعداد دستور استقلال ليبيا عام 1951م. ..). *** (( وهي ذات الفقرة التي تم تعديلها بالتعديل الدستوري رقم (3) )).
ويلاحظ أن عبارة ( على غرار لجنة الستين التي شكلت لإعداد دستور استقلال ليبيا عام 1951م..)
قد تكرّرت في ( التعديل الدستوري رقم (1) فقرة (2) ، وفي التعديل الدستوري رقم (3) ..).
ولكن ما يدعو للاستغراب حقيقة هو : لماذا تم الطعن على هذه العبارة في التعديل الدستوري رقم (3) ، ولم يتم الطعن عليها في التعديل الدستوري رقم (1) الذي أوجد هذه العبارة ونص عليها ابتداء ، وتم تكرارها في التعديل الدستوري الثالث ، بالرغم من أن المدة كانت كافية للقيام بذلك الطعن؟
أنني لا ارى أي سبب قانوني يعتد به ويعوّل عليه للطعن في التعديل الدستوري رقم (3) لسنة 2012 …
ولكنني أرى أن الطعن في التعديل الدستوري رقم (3) قد يكون بسبب : ( ورود كلمة واحدة فقط جاءت في التعديل الثالث ولم تأت في التعديل الأول… وهي كلمة انتخاب بدلاً من كلمة اختيار ). وهذا سوف يتم تناوله لاحقاً في موضوع المصلحة الشخصية المباشرة.
الخلاصــــة:
بدراسة نص الفقرة (2) من البند (6) : في التعديل رقم (1) بتاريخ 13 مارس 2012م،
ودراسة نص الفقرة (2) من البند (6) : في التعديل رقم (3) بتاريخ 5 يوليو 2012م ،
يتضح أنه لا يوجد أي فرق بين النصين إلا كلمة واحدة ( وهي كلمة انتخاب بدلاً عن كلمة اختيار):
كلمة ( اختيار ) في التعديل الدستوري رقم (1) لسنة 2012 :
(( اختيار هيئة تأسيسية من غير أعضائه لصياغة مشروع دستور للبلاد تسمى الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور تتكون من ستين عضواً على غرار لجنة الستين التي شكّلت لإعداد دستور استقلال ليبيا عام 1951م. وفي كل الأحوال تصدر قرارات الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور بأغلبية ثلثي الأعضاء (زائد واحد) على أن تنتهي من صياغة مشروع الدستور واعتماد هذا المشروع في مدة لا تتجاوز مائة وعشرين يوماً من انعقاد اجتماعها الأول )).
كلمة ( انتخاب ) في التعديل الدستوري رقم (3) لسنة 2012:
(( انتخاب هيئة تأسيسية بطريق الاقتراع الحر المباشر من غير أعضائه لصياغة مشروع دستور دائم للبلاد تسمى الهيئة التأسيسية من ستين عضواً على غرار لجنة الستين التي شكلت لإعداد دستور استقلال ليبيا عام 1951م ، ويتولى المؤتمر الوطني العام تحديد معايير وضوابط انتخابها يراعى فيها وجوب تمثيل مكونات المجتمع الليبي ذات الخصوصية الثقافية واللغوية. وفي جميع الأحوال تصدر قرارات الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور بأغلبية ثلثي الأعضاء (زائد واحد )، على ان تنتهي من صياغة الدستور واعتماد هذا المشروع في مدة لا تتجاوز مائة وعشرين يوماً من انعقاد اجتماعها الأول )).
والفرق الحقيقي هو:
الاختيار : يعني أن المؤتمر الوطني العام هو الذي يختار أعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور وتصبح الهيئة تحت سيطرة المؤتمر بمكوناته السياسية وتخضع لإشرافه وسلطته. وقد تتم صياغة الدستور وفق أهواء التكتلات السياسية المهيمنة عددياً على المؤتمر الوطني العام.
الانتخاب : يعني أن الشعب الليبي يشارك فعلياً في صنع الدستور… وذلك من خلال انتخابه لأعضاء هذه الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، وبهذا تكون الهيئة المنتخبة مستقلة تماماً عن المؤتمر الوطني العام في صياغة مشروع الدستور وعرضه للاستفتاء ، وهي لا تخضع بأي حال لإشراف المؤتمر الوطني العام أو سلطته.
ثالثاً- شرط المصلحة الشخصية والمباشرة وانتفائها للطاعنين
نص القانون رقم 6 لسنة 1982 بإعادة تنظيم المحكمة العليا على تحديد اختصاصات المحكمة العليا في الرقابة على دستورية القوانين ، وذلك كالآتي:
المادة الثالثة والعشرون: (( تختص المحكمة العليا دون غيرها منعقدة بدوائرها المجتمعة برئاسة رئيسها أو من يقوم مقامه بالفصل في المسائل الآتية:-
أولاً :- الطعون التي يرفعها كل ذي مصلحة شخصية مباشرة في أي تشريع يكون مخالفاً للدستور.
ثانياً :- أية مسألة قانونية جوهرية تتعلق بالدستور أو بتفسيره تثار في قضية منظورة أمام أية محكمة….)).
قانون المرافعات المادة 4 : ( لا يقبل أي طلب أو دفع لا يكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة يقرها القانون،… ).
ولن أجد أفضل من الاستدلال ببعض أحكام المحكمة العليا الليبية الموقرة لتأكيد شرط المصلحة في الدعوى الدستورية ، ومن هذه الأحكام:
1/ قضية الطعن الدستوري رقم 4/52 ق المحال من محكمة جنايات طرابلس بعدم دستورية المادتين الثانية والرابعة من القانون رقم 7 لسنة 2005 بشأن إلغاء محكمة الشعب.
أحيلت للمحكمة العليا 9/6/ 2005 وتم الفصل فيها بتاريخ 12 / 11 / 2008
صدر حكم المحكمة العليا بدوائرها المجتمعة بتاريخ 12 / 11 / 2008م بمقر المحكمة العليا بطرابلس
برئاسة المستشار دكتور/ عبدالرحمن أبو توته رئيس المحكمة وعضوية المستشارين الأساتذة:
يوسف محمد الحنيش – محمد ابراهيم الورفلي – فرج يوسف الصلابي – المقطوف بلعيد اشكال – جمعة صالح الفيتوري – د. صالح مصطفى البرغثي – الطاهر خلبفة الواعر – علي مختار الصقر – التواتي حمد أبوشاح – الهاشمي علي الطربان – د. جمعة محمود الزريقي – رجب أبوراوي عقيل – المبروك عبدالله الفاخري – د. سيعد سالم العسبلي – د. حميد محمد القماطي – فرج أحمد معروف.
وجاء في الحكم: (( … وحيث أن هذا النعي غير سديد ، ذلك أن الثابت في الباب الرابع من القانون رقم 6 لسنة 1982 بإعادة تنظيم المحكمة العليا أنه قد جاء في المادة الثالثة والعشرين تحت عنوان اختصاصات المحكمة العليـا : ” تختص المحكمة العليا دون غيرها منعقدة بدوائرها المجتمعة برئاسة رئيسها أو من يقوم مقامه بالفصل في المسائل الآتيـة :
أولاً: الطعون التي يرفعها كل ذي مصلحة شخصية مباشرة في أي تشريع يكون مخالفاً للدستور.
ثانياً: أي مسالة قانونية جوهرية تتعلق بالدستور أو بتفسيره تثار في قضية منظورة أمام أي محكمة “.
فشرط المصلحة الشخصية والمباشرة ركن في قبول الطعن بعدم الدستورية كقاعدة هامة في كافة الطعون الدستورية وهو ما يصدق قوله على الطعن الماثل وحيث أن الفقه والقضاء قد استقرا على أن المصلحة الشخصية والمباشرة شرط لقبول الدعوى الدستورية ومناط هذه المصلحة أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية وبذلك بان يكون الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات المرتبطة معها ، كما أنه من المستقر عليه أن هذه المصلحة لا تعتبر متحققة بالضرورة بناء على مجرد مخالفة النص التشريعي المطعون عليه بعدم الدستورية بل يتعين أن يكون هذا النص بتطبيقه على الطاعن قد أخل بأحد الحقوق التي كفلها الدستور على نحو ألحق به ضرراً مباشراً ، وبذلك يكون شرط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية مرتبطاً بالخصم الذي أثار المسألة الدستورية وليس بهذه المسألة منظوراً إليها بصفة مجردة . فإذا كان النص المدعي بعدم دستوريته لم يلحق بالمدعي ضرراً ، كما هو الحال في هذه الواقعة بعدم تطبيقه عليه ، فإن المصلحة الشخصية والمباشرة تكون منتفية ..)).
2/ قضية الطعن الدستوري رقم 2/52 ق بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون رقم 28 لسنة 1971م بشأن التأمين الاجباري المعدل بالقانون رقم 1 لسنة 2005.
تاريخ الطعن 28 / 8 / 2005 – تاريخ الحكم 12 / 11 / 2008
صدر حكم المحكمة العليا بدوائرها المجتمعة بتاريخ 12 / 11 / 2008م بمقر المحكمة العليا بطرابلس:
وجاء في حكم المحكمة : (( … ذلك أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه يشترط لقبول الدعوى الدستورية أمام هذه المحكمة ما يشترط لقبول الدعاوى كافة وفقا لقانون المرافعات المدنية والتجارية ، وهي أن تتوافر المصلحة والصفة وأهلية التقاضي وهي شروط عامة في كل الدعاوي ، إلا ان شرط المصلحة في الدعوى الدستورية رغم اتفاقه في الأساس مع شرط المصلحة في أية دعوى من وجوب أن تكون المصلحة شخصية ومباشرة إلا أن المصلحة في الدعوى الدستورية ترتبط بالمصلحة في الدعوى الموضوعية التي أثير الدفع بعدم الدستورية بمناسبتها والذي يؤثر الحكم فيه ، في الدعوى الموضوعية..)).
(( لما كان ذلك ، وكان إبطال النص القانوني المدعي بعدم دستوريته لن يحقق للطاعن الثاني أي فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان قبلها ، وهو ما يجعل دعوى الطاعن الثاني بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون رقم 28 لسنة 71 بشأن التأمين الإجباري المعدل غير مقبولة..)).
3/ قضية الطعن الدستوري رقم 1 / 44ق بشأن عدم دستورية القانون رقم 7 لسنة 1426 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 5 لسنة 1988 بإنشاء محكمة الشعب.
تاريخ تقديم الطعن : 30 / 7 / 1997 . تاريخ الحكم 12 / 11 / 2008.
وجاء في حكم المحكمة: (( … وحيث أنه أي كان الرأي الذي ساقه الطاعن من مناع فإنه لا يجوز قبول الدعوى الدستورية إلا بتوافر الشروط اللازم توافرها لاتصالها بالمحكمة العليا وفقاُ للأوضاع المنصوص عليها في القانون رقم 6 لسنة 1982 بإعادة تنظيم المحكمة العليا وعلى الأخص شرط “المصلحة الشخصية المباشرة” الوارد في ” البند اولا ” من المادة الثالثة والعشرون من القانون المذكور ، التي لا تكفي لتحققها أن يكون النص التشريعي المطعون فيه مخالفاً للقواعد الدستورية بل يجب توافر عنصرين يحددان هذه المصلحة ،
أولهما أن يدلل الطاعن على أن تطبيق النص عليه قد ألحق به ضررا مباشراً مستقلاً بعناصره ممكنا إدراكه ومواجهته بالترضية القضائية وليس ضرراً متوهماً أو نظرياً مجهلاً ، بما مؤداه أن الرقابة يجب أن تكون ملاذاً لمواجهة أضراراً واقعية بغية ردها وإيقاف آثارها القانونية.
وثانيهما أن يكون مرجع الضرر هو النص التشريعي المطعون فيه فإذا لم يكن النص قد طبق على الطاعن أو كان من غير المخاطبين بأحكامه أو كان قد أفاد من مزاياه أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود عليه فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون منتفية ، لأن إبطال النص التشريعي في أي من هذه الصور لا يحقق للطاعن فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه قبل رفعها… )). ((…وكان ما اورده الطاعن على هذا النحو لا يقوم معه الدليل على أن ضرراً مباشراً يمكن إدراكه قد لحق به أو ميزة أو فائدة فقدها مرجعها صدور القانون المطعون فيه وتطبيق أحكامه عليه حتى يسوغ القول بان مصلحته الشخصية المباشرة قد تم المساس بها وبالتالي يثبت له الحق في المطالبة بإبطال أحكام القانون ، وإنما كانت عباراته مرسلة عامة ممكن نسبتها إلى أي شخص وفي أية دعوى ولا يتحقق معها ما اشترطه المشرّع من ضرورة توافر المصلحة في الطعن بالكيفية التي سبق عرضها بما يكون معه الطعن فاقداً لأحد شروطه ويتعين عدم قبوله .. )).
(( باسم الشعب … حكمت المحكمة بعدم قبول الطعن والزام الطاعن المصروفات ومصادرة الكفالة )).
خلاصة التعليق على حكم المحكمة العليا في الطعن الدستوري
رقم 28 / 59 ق الصادر بتاريخ 26 فبراير 2013
أولاً – النصوص الدستورية والقوانين المتعلقة بأعمال السيادة وأحكام القضاء:
1) نص المادة 17 من الإعلان الدستوري الذي ينص على أن (( .. المجلس الوطني الانتقالي المؤقت هو أعلى سلطة في الدولة الليبية ، ويباشر اعمال السيادة العليا ،..)).
2) نصت المادة 26 من القانون رقم 6 لسنة 1982 بإعادة تنظيم المحكمة العليا على الآتي:
(( لا تختص المحكمة العليا بنظر الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة )).
3) نص المادة 20 من القانون رقم 6 بشأن نظام القضاء لسنة 1374 في الفصل الثاني ( ولاية المحاكم ):
( تختص المحاكم بالفصل في كافة المنازعات … ، وليس للمحاكم أن تنظر في أعمال السيادة )
4) كما نصت المادة 6 من القانون رقم 88 لسنة 1971 بشأن القضاء الإداري على:
(( لا تختص دائرة القضاء الإداري بنظر الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة ولا تقبل الطلبات المقدمة من أشخاص ليست لهم فيها مصلحة شخصية مباشرة )).
5) حكم المحكمة الدستورية المصرية العليا في القضية رقم 76 لسنة 29 ( المشار إليه ).
(( استناداً على كل تلك النصوص الدستورية والقانونية بشأن أعمال السيادة ، وأحكام الدستورية المصرية ، فإن الدفع بعدم اختصاص المحكمة العليا بنظر الطعن هو دفع صائب وفي محله ))
حيث أن اختصاصات المحكمة العليا في شأن الطعون الدستورية محددة حصرياً في القانون رقم 6 لسنة 1982 وتعديلاته بإعادة تنظيم المحكمة العليا ، وهذه الرقابة الدستورية تنحصر في ( القوانين التي تكون مخالفة للدستور). وهذه القوانين التي تخضع للرقابة الدستورية هي التي تصدرها السلطة التشريعية.
وحيث أن الإعلان الدستوري وتعديلاته رقم (1) ورقم (2) ورقم (3) أصدرها المجلس الوطني الانتقالي المؤقت بصفته السلطة السيادية العليا في الدولة ، وليس بصفته السلطة التشريعية ،
حيث جاء نص المادة 17 من الإعلان الدستوري واضحا لا لبس فيه وهو: (( المجلس الوطني الانتقالي المؤقت هو أعلى سلطة في الدولة الليبية ، ويباشر اعمال السيادة العليا ، بما في ذلك التشريع ووضع السياسة العامة للدولة ، وهو الممثل الشرعي الوحيد للشعب الليبي ، يستمد شرعيته من ثورة السابع عشر من فبراير ..)).
هذا النص الدستوري لا يدع مجالاً للشك في أن المجلس الوطني الانتقالي المؤقت يباشر أعمال السيادة العليا في الدولة ومن بين هذه الأعمال السيادية إصدار التعديلات الدستورية..
وقد جاءت النصوص في ( المادة 26 من القانون رقم 6 /1982 بإعادة تنظيم المحكمة العليا ، والمادة 20 من القانون رقم 6 /1374 بشأن نظام القضاء ، والمادة 6 من القانون رقم 88/ 1971 بشأن القضاء الإداري )، مؤكدة على عدم اختصاص المحاكم بالنظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة .
إن المجلس الوطني الانتقالي المؤقت قام بإصدار الإعلان الدستوري وتعديلاته بصفته السلطة العليا ، وأن ما يقوم به هو من أعمال السيادة التي لا تخضع لرقابة المحكمة العليا بحكم القانون.
كل ذلك يجزم بما لا يدع مجالاً للشك : (عدم اختصاص المحكمة العليا بالنظر في هذا الطعن ).
ثانياً – النصوص القانونية وقضاء المحكمة المتعلقة بشرط المصلحة :
أ ) النصوص القانونية :
1/ نص المادة 23 من القانون رقم 6 لسنة 1982 بإعادة تنظيم المحكمة العليا وتعديلاته على تحديد اختصاصات المحكمة العليا في الرقابة على دستورية القوانين ، وذلك كالآتي : (( تختص المحكمة العليا دون غيرها منعقدة بدوائرها المجتمعة برئاسة رئيسها أو من يقوم مقامه بالفصل في المسائل الآتية:-
أولاً :- الطعون التي يرفعها كل ذي مصلحة شخصية مباشرة في أي تشريع يكون مخالفاً للدستور… ))
2/ قانون المرافعات المادة 4 : ( لا يقبل أي طلب أو دفع لا يكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة يقرها القانون،…).
ب) ما استقر عليه قضاء المحكمة العليا بالتصدي لشرط المصلحة الشخصية المباشرة ومن ذلك :
( قضية الطعن الدستوري رقم 4/52 ق ، وقضية الطعن الدستوري رقم 2/52 ق ، وقضية الطعن الدستوري رقم 1 / 44ق ) ، وما أقرته المحكمة العليا بضرورة تحقق شرط المصلحة الشخصية والمباشرة للطاعنين ،
(( استناداً على كل النصوص القانونية وأحكام المحكمة العليا المتعلقة بشرط المصلحة ، فإن المصلحة الشخصية والمباشرة للطاعنين تكون منتفية انتفاء قاطعاً )).
بالرغم من النصوص القانونية المتعلقة بضرورة توافر شرط المصلحة الشخصية في الطلبات المقدمة للمحاكم، وهي النصوص الواردة في ( المادة 23 من القانون رقم 6 لسنة 1982 ، والمادة 4 من قانون المرافعات ) وبالرغم من ترديد مفهوم المصلحة الشخصية في أحكام المحكمة العليا التي تم الإشارة إليها ،
إلا أن ما تم ملاحظته هو عدم ورود عبارة المصلحة الشخصية المباشرة في حكم المحكمة العليا الموقرة في هذا الطعن الدستوري رقم 28 / 59 ق محل التعليق.
والتساؤلات التي قد تطرح هي:
هل تناولت هيئة المحكمة الموقرة في تسبيبها للحكم شرط المصلحة الشخصية المباشرة للطاعنين؟
هل تحققت المحكمة من حجم الضرر الواقع على الطاعنين والناتج عن تطبيق التعديل الدستوري رقم (3)؟
هل تحققت المحكمة العليا من المصلحة الشخصية المباشرة للطاعنين التي قد تتحقق لهم أو الفائدة أو الميزة التي ينالونها بعدم تطبيق نص التعديل رقم (3) ؟
هذا جزء من حكم المحكمة العليا في قضية الطعن الدستوري رقم 1/ 44ق ، تاريخ الحكم 12/11/ 2008 :
جاء في الحكم: (( … لا يجوز قبول الدعوى الدستورية إلا بتوافر الشروط اللازم توافرها لاتصالها بالمحكمة العليا وفقاُ للأوضاع المنصوص عليها في القانون رقم 6 لسنة 1982 بإعادة تنظيم المحكمة العليا وعلى الأخص شرط “المصلحة الشخصية المباشرة” الوارد في ” البند اولا ” من المادة الثالثة والعشرين من القانون المذكور ، التي لا تكفي لتحققها أن يكون النص التشريعي المطعون فيه مخالفاً للقواعد الدستورية بل يجب توافر عنصرين يحددان هذه المصلحة ،… أولهما أن يدلل الطاعن على أن تطبيق النص عليه قد ألحق به ضررا مباشراً مستقلاً بعناصره ممكنا إدراكه ومواجهته بالترضية القضائية وليس ضرراً متوهماً أو نظرياً مجهلاً ، بما مؤداه أن الرقابة يجب أن تكون ملاذاً لمواجهة أضراراً واقعية بغية ردها وإيقاف آثارها القانونية. وثانيهما أن يكون مرجع الضرر هو النص التشريعي المطعون فيه فإذا لم يكن النص قد طبق على الطاعن أو كان من غير المخاطبين بأحكامه أو كان قد أفاد من مزاياه أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود عليه فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون منتفية ، لأن إبطال النص التشريعي في أي من هذه الصور لا يحقق للطاعن فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه قبل رفعها.. .)).
(( …وكان ما أورده الطاعن على هذا النحو لا يقوم معه الدليل على أن ضرراً مباشراً يمكن إدراكه قد لحق به أو ميزة أو فائدة فقدها مرجعها صدور القانون المطعون فيه وتطبيق أحكامه عليه حتى يسوغ القول بان مصلحته الشخصية المباشرة قد تم المساس بها وبالتالي يثبت له الحق في المطالبة بإبطال أحكام القانون ، وإنما كانت عباراته مرسلة عامة ممكن نسبتها إلى أي شخص وفي أية دعوى ولا يتحقق معها ما اشترطه المشرّع من ضرورة توافر المصلحة في الطعن بالكيفية التي سبق عرضها بما يكون معه الطعن فاقداً لأحد شروطه ويتعين عدم قبوله .. )). ( قضية الطعن الدستوري رقم 1 / 44ق ، تاريخ الحكم 12 / 11 / 2008 – مشار إليها )
ملاحظـة هــامـة :
إن شرط المصلحة الشخصية والمباشرة المنصوص عليه في القوانين ، والذي أقرته أحكام المحكمة العليا هو شرط يتعلق ( بالنظر في دستورية القوانين ) ، وليس له علاقة بالقضية المطروحة للتعليق ( والتي تتعلق بنص دستوري هو أصلاَ لا يخضع لرقابة المحكمة ).
ثالثاً – التعديل الدستوري رقم (3) لسنة 2012م ينص على حق الشعب الليبي في الانتخاب
إن التعديل الدستوري رقم (3) لسنة 2012 المتضمن في مادته الأولى تعديلاً للفقرة(2) من البند (6) من التعديل الدستوري رقم (1) لسنة 2012 ، وقد جاء مضمونه ليؤكد ( انتخاب الشعب الليبي للهيئة التأسيسية لصياغة الدستور بدلاً من ان يختارها المؤتمر الوطني العام ) . ومعنى هذا النص هو إقرار حق الانتخاب للشعب الليبي.
وقد جاء الطعن في هذا التعديل الدستوري رقم (3) لسنة 2012.
وقد تطرح تساؤلات هامة وهي :
من له مصلحة شخصية ومباشرة كي يقوم بالطعن في نص دستوري ينص على حق الشعب الليبي في الانتخاب؟ هل انتخاب الشعب الليبي للهيئة التأسيسية يلحق ضرراً بالطاعن ؟
هل انتخاب الشعب الليبي للهيئة التأسيسية يتنافى مع المصلحة الشخصية المباشرة للطاعن؟
هل للطاعن أي مصلحة شخصية ومباشرة في حرمان الشعب الليبي من مباشرة حقه لانتخاب الهيئة التأسيسية؟
وإذا ما قرّرت المحكمة المفاضلة بين مصلحة الطاعنين ومصلحة الشعب الليبي ، فأي المصلحتين تعلو؟
من الواجب مقارنة النص الدستوري في التعديل رقم (1) ، بالتعديل الدستوري رقم (3) ، لأن التعديل رقم (3) جاء معدّلاً لفقرة محددة في التعديل الدستوري رقم (1) لسنة 2012.
ولهذا علينا قراءة النص الكامل للبند(6) وفق التعديل الدستوري رقم (1) لسنة 2012م وهو كالتالي:
(( يقوم المؤتمر الوطني العام في مدة لا تتجاوز 30 يوماً من أول اجتماع له بالآتي:
1/ تعيين رئيس للوزراء…،…، ….
2/ اختيار هيئة تأسيسية من غير أعضائه لصياغة مشروع دستور للبلاد …. )).
وما تم تعديله في التعديل الدستوري رقم (3) لسنة 2012م هو الفقرة (2) ( حيث عدّلت آلية تشكيل الهيئة التأسيسية من ( اختيار المؤتمر الوطني العام للأعضاء ، إلى انتخاب الشعب الليبي لأعضاء الهيئة).
ولم يطل هذا التعديل نص (بند 6) المتعلق بضرورة التزام المؤتمر الوطني العام بالمدة المحددة وعدم تجاوزها.
حيث كان يجب على المؤتمر الوطني العام خلال 30 يوما من أول اجتماع له يوم 8 / 8 / 2012م أن يشكل الحكومة وأن يصدر قانون انتخاب الهيئة التأسيسية. وعدم تقيّد المؤتمر الوطني العام بالمدة المحددة يعتبر مخالفة صريحة للإعلان الدستوري.
تساؤلات قد يتم طرحها بشأن المؤتمر الوطني العام :
هل يقوم المؤتمر الوطني العام بإصدار قوانينه وقراراته وفق الآلية التي نص عليها الإعلان الدستوري وهي أغلبية ثلثي عدد الأعضاء ( أي 134 عضو من 200 عضو ) ؟
هل قام المؤتمر الوطني العام بالوفاء بالتزاماته تجاه الشعب الليبي وفق أحكام الإعلان الدستوري ؟
هل يعلم المؤتمر الوطني العام أن اختياره للهيئة التأسيسية يعني خضوعها لسلطة التكتلات السياسية؟
هل يعلم المؤتمر الوطني العام أن انتخاب الهيئة التأسيسية يعني عدم خضوعها لسلطته؟
هل يعلم المؤتمر الوطني العام أنه من المفترض أن يصدر قانون انتخاب الهيئة التأسيسية (( خلال 30 يوماً من أول اجتماع للمؤتمر ( يوم 8 أغسطس 2012 ) وأنه قد تجاوز الآن اكثر من 240 يوماً )).
هل يعلم أعضاء المؤتمر الوطني العام أن الشعب الليبي هو الذي أنتخبهم ؟
إنني أرجو من المؤتمر الوطني أن يتحمل مسئولياته لتحقيق استحقاقات الشعب الليبي.
التماس: إنني ألتمس من هيئة المحكمة العليا الموقرة إعادة النظر في حكمها القاضي بعدم دستورية التعديل الدستوري رقم (3) لسنة 2012 ، والعدول عنه، وذلك لعدم الاختصاص وانتفاء شرط المصلحة الشخصية والمباشرة للطاعنين.
وأخيراً .. أدعو نفسي أولاً ، وأدعو كل مواطن ليبي ، وكل من يعمل في القضاء للتبصر فيما كتبه (الفاروق عمر بن الخطاب) للصحابي الجليل ابي موسى الأشعري في رسالة القضاء والتي جاء فيها:
(( … ولا يمنعنَّك قضاءٌ قضيتَه بالأمس فراجعتَ فيه نفسَك وهُدِيت فيه لرُشْدك أن تَرجِعَ عنه إلى الحقِّ فإنَّ الحق قديمٌ ومراجعةُ الحق خيرٌ من التَّمادِي في الباطل … )).
======ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ===================
( أ/ عمر النعاس العريبي ( ماجستير قانون دستوري ) 8 إبريل 2013م )
بعض أهم المراجع:
1) الدستور الاتحادي الليبي الصادر بتاريخ 7 أكتوبر 1951 .
2) قانون المحكمة العليا الصادر بتاريخ 10 نوفمبر 1953 وتعديلاته بتاريخ 3 نوفمبر 1954.
3) التعديل الدستوري الصادر بمرسوم بالقانون رقم (1) بتاريخ 27- 4- 1963
4) القانون رقم 6 لسنة 1982 الصادر بتاريخ 25- 5 – 1982م بإعادة تنظيم المحكمة العليا.
5) القانون رقم 17 لسنة 1423م (1993) بتاريخ 29-01- 1993 بتعديل القانون رقم 6 لسنة 1982.
6) كتاب القانون الدستوري ، للدكتور إسماعيل مرزة.
7) كتاب موقف القضاء الدستوري إزاء قوانين مكافحة الإرهاب ، أ. عمر النعاس العريبي .
8) أحكام للمحكمة العليا ومبادئ عامة ( مجلة المحكمة العليا والموقع الالكتروني للمحكمة العليا).
9) حكم المحكمة العليا في الطعن الدستوري رقم 28/59ق بتاريخ 26 فبراير 2013 .
10) رسالة القضاء الشهيرة من الفاروق عمر بن الخطاب إلى الصحابي أبي موسى الأشعري.