دراسات قانونية
إجراءات القبض و التقديم أمام المحكمة الجنائية الدولية (بحث قانوني)
بحث ودراسة تحليلية مقارنة بعنوان إجراءات القبض و التقديم أمام المحكمة الجنائية الدولية
مرت مراحل تطور القضاء الجنائي الدولي بعدة مراحل حتى تبلورت في العصر الحديث فقد وجدت هذه الفكرة عند الرومان والإغريق كمرحلة سابقة على الأديان السماوية فقد وجدت في أفكار الفيلسوف زينون حيث نهى عن فكرة تفرق الجنس البشرى إلي مدن وشعوب لكل منها قوانين خاصة ونادى بضرورة وجود شعب واحد ثم جاء تلميذه أفلاطون الذي وضع كتابه الجمهورية حيث تكلم فيه عن حكومة نموذجية مثالية ثم وضع كتابه القوانين والذي عالج فيه النظام التشريعي وفكرة منظمة دولية لكل الشعوب ثم جاءت الإمبراطورية الرومانية حيث وجدت فكرة القضاء الدولي في أفكار الفلاسفة الرومان الرواقيين حيث نادوا بضرورة توحد الشعوب في مدينة كبيرة تخضع لقوانين واحدة ثم جاء الإغريق و الذين عرفوا الكثير من قواعد القانون الدولي ومنها التحكيم لحسم الخلافات بين المدن الإغريقية وقد وضعوا العديد من القواعد التي تنظم الحروب ثم جاءت فترة حكم الديانة المسيحية وقد وجدت أفكار القضاء الدولي في أفكار الفيلسوف توما الاكوينى حيث وضع قواعد تميز الحرب العادلة من الحرب غير العادلة حيث قال أن الحرب العادلة هي التي يقف فيها الحكام والملوك إلي جانب من يقوم بهذه الحرب مع إلزام من يقوم بحرب غير عادلة بدفع التعويضات ثم جاء فقهاء أمثال فيتوريا وسواريز واعتنقوا أفكار توما الاكوينى اقروا مبدأ التعويض من الجانب المهزوم ثم تطورت الفكرة من خلال الفقيه الهولندي جروسيوس الذي قال ” أن الحرب غير المشروعة هي اعتداء على القانون بين الشعوب وهو قانون ينبع من ضمير البشرية وان المنتصر عندما يوقع العقوبة فانه يوقعها باسم البشرية جمعاء” ثم جاء الإسلام بدعوة إحقاق العدل بين الناس مع وضع قيود على الدخول في حروب وفي حالة الحروب وضع الإسلام قواعد لمعاملة الأسرى والأطفال والشيوخ والنساء ثم جاء العصر الحديث فتبلورت الفكرة أكثر من خلال محاكمات الحربين العالميتين الأولى والثانية ففي الأولى عقدت محكمة دولية لمحاكمة إمبراطور ألمانيا المتسبب في اندلاع الحرب وفي الحرب العالمية الثانية كانت محاكمات نورمبرج لمحاكمة قادة ألمانيا النازية ثم محكمة طوكيو لمحاكمة قادة اليابان تلا ذلك محكمة يوغوسلافيا لمحاكمة قادة يوغوسلافيا السابقة على ما ارتكبوه من جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ثم جاءت محكمة رواندا لمجرمي الحرب وهذه المحاكمة أرست العديد من قواعد القانون الدولي حيث أنها كانت تعاقب من ينتهك حقوق الإنسان ثم جاءت فكرة إنشاء قضاء جنائي دولي مستديم يقر بالمسئولية الجنائية الفردية للأشخاص الطبيعيين من ملوك و رؤساء مع عدم الاعتداد بحصانتهم فكان إنشاء المحكمة الجنائية الدولية المستديمة .
ونتناول ذلك في مبحثين:
المبحث الأول: التطور التاريخي لتأسيس المحكمة الجنائية الدولية.
المبحث الثاني: إنشاء المحكمة الجنائية الدولية المستديمة.
المبحث الأول
التطور التاريخي لتأسيس المحاكم الجنائية الدولية
بدأت فكرة تطور القضاء الجنائي الدولي بعد الحرب العالمية الأولى 1914 –1918 والحرب العالمية الثانية 1939-1945 ففي الحرب العالمية الأولى تم مخالفة قواعد القانون الدولي بشكل واضح وكان لابد من اتخاذ إجراء لمحاولة منع حدوث انتهاكات مستقبلية ضد الإنسانية فتم عقد محاكمتين بعد انتهاء الحرب .
المحاكمة الأولى هي محاكمة (غليوم الثاني الإمبراطور الألماني) وهو من قامت الحرب بسببه والمحاكمة الثانية محاكمة كبار مجرمي الحرب الألمان في ليبزج وقد تمت هذه المحاكمة طبقا للمادة (227) من معاهدة فرساي ثم جاءت الحرب العالمية الثانية وقد عانت خلالها البشرية من ويلات الحرب ومات من البشر عدة ملايين وانتهكت المعاهدات الدولية وقواعد القانون الدولي وقد عقدت لذلك محاكمتين المحاكمة الأولى وهى المحكمة العسكرية في نورمبرج 1945 لمحاكمة العسكريين والقادة الألمان والمحاكمة الثانية محاكمة طوكيو باليابان سنة 1946 لمحاكمة القادة اليابانيين . ثم تكررت المآسي حيث وقعت مجازر في البوسنة والهرسك عام 1991 ثم مذابح في كوسوفا ضد المسلمين من قبل القوات الصربية عام 1999 وقد كانت هذه الأحداث هي أحداث تطهير عرقي للمسلمين . ثم تلي ذلك الحرب الأهلية الرواندية بين قبائل الهوتو والتوتسى ومنها انتهكت حقوق الإنسان بما لا يدع مجالا للشك بان هذه الانتهاكات موجهة ضد الإنسانية وضد الحضارة البشرية ولسبب ما حدث في البوسنة والهرسك ورواندا كان لابد من انعقاد محكمة دولية لمعاقبة الجناة فكانت المحكمة الأولى لمحاكمة القادة اليوغوسلافيين السابقتين والتي انعقدت في 1994 شهر تشرين أول (نوفمبر) بموجب قرار صدر من مجلس الأمن برقم 808 في 22 فبراير شباط 1993 والمحكمة الثانية لمحاكمة مجرمي الحرب في رواندا وكان مقر المحكمة الدائم في مدينة (اروشا) بتنزانيا طبقا لما نصت عليه المادة 2 من ميثاق المحكمة الجنائية الدولية برواندا وتتشابه كلا من محكمة يوغوسلافيا ومحكمة رواندا في الاختصاص حيث أن كلا منهما تختص بالنظر في جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية ولكن الجرائم في رواندا تختلف من حيث الاختصاص الموضوعي عن جرائم يوغوسلافيا لان جرائم رواندا كانت صادرة عن حرب داخلية حيث جاء نص المادة (227) من معاهدة فرساي لإنشاء محكمة دولية كما أن قضاة هذه المحكمة يعملون وفقا للمبادئ التي تحكم السياسة الدولية، فيلتزمون بالأخلاق العليا مع الارتباط بالالتزامات التي تقع على كاهل الدول والناتجة عن المعاهدات الدولية كذلك اعترفت المادة 227 من معاهدة فرساي ولأول مرة بمبدأ المسئولية الجنائية الشخصية بالنسبة لرئيس الدولة سواء عن الأفعال التي يرتكبها أو التي يأمر حينما يكون قابض على زمام السلطة في دولته وقد عرفت هذه المادة هذه الجرائم بأنها “الإهانة العظمى ضد الأخلاق الدولية وضد السلطة المقدسة للمعاهدات”.
وقد فشلت أول محاكمة جنائية دولية لمحاكمة الإمبراطور بتنفيذ أهدافها ويرجع السبب في ذلك إلي موقف الحلفاء لأنهم اختلفوا بشأن انعقاد اختصاصها فقد أيدها الإنجليز والفرنسيين واعترض عليها الأمريكان واليابانيين حيث كانت حجتهم انه لا يجوز أن تكون الأفعال التي تؤدى إلي قيام حرب محل اتهام أمام محكمة ورأوا أن محاكمة الإمبراطور هو إخلال بمبدأ السيادة المعترف به لرؤساء الدول والمحكمة الثانية هي محكمة مجرمي الحرب الألمانية
وقد لاحظ الباحث من هذه المحكمة أن اختصاصها ينعقد لمحكمة البلد الذي ارتكبت فيه الجريمة وليس لقضاء جنائي دولي مستقل وان يتم تسليم المتهمين للحلفاء ودولهم وقد رفضت الحكومة الألمانية تسليم هؤلاء الجنرالات وقامت ألمانيا بمحاكمتهم أمام المحكمة العليا الألمانية والتي أصدرت أحكام غير رادعة مما دفع الحلفاء لإنشاء محاكم داخلية لمحاكمة هؤلاء القادة أمامها لهزلية المحاكم الألمانية وربما لو كانت المحاكم الألمانية محايدة وتطبق معايير المحاكمات الدولية لما قام الحلفاء بمحاكمة القادة بمعرفتهم لان هذه المحاكمات أيضا لم تكن نزيهة أو محايدة بل كان يشوبها الاتجاه السياسي في المحاكمات.
ونتناول ذلك المبحث في مطلبين:
المطلب الأول: بدايات نشوء فكرة القضاء الجنائي الدولي.
المطلب الثاني: محاكمات الحرب العالمية الأولى والثانية.
المطلب الأول
بدايات نشوء فكرة القضاء الجنائي الدولي
الإنسان منذ وجوده على الأرض وجدت معه مجموعة من الغرائز مثل حب البقاء في الحياة والمحافظة على جنسه من الانقراض وحب بقاءه مع مجموعات من نفس جنسه إضافة إلي غرائز الأنانية وغريزة الخضوع للنظام لذلك فان حب الإنسان بالغريزة للبقاء في تجمعات مع أنانيته في إشباع حاجاته ورغباته دون الاهتمام بحاجات غيره من الناس أدى ذلك إلي تنازعه مع غيره على وسائل بقاءه حيا حتى لو أدى ذلك لاستخدامه للقوة لإزالة الآخرين من طريقه وذلك كان يؤدى إلى انتشار الفوضى وذلك بدوره يؤدى إلي استحالة حصول أي شخص على ما يريد في هدوء وسلام أدى ذلك إلي ظهور العديد من قواعد السلوك التي تضبط سلوكيات البشر مما يوفر الأمن والنظام في المجتمع وهذه القواعد الأخلاقية والسلوكية كانت نواة لظهور القانون الذي أصبح لا غنى للناس عنه لضبط إيقاع الحياة ومع ذلك نجد أن القانون قد مر بعدة تقسيمات منذ بداية نشأته منها عهد القوة ثم عهد التقاليد الدينية ثم عهد التقاليد العرفية ثم جاءت مرحلة تدوين القانون وفي مرحلة التدوين ظهرت القوانين في الحضارات القديمة كالحضارة الفرعونية في مصر والحضارة البابلية في بابل وآشور والحضارة الصينية في الصين ثم مرت البشرية بمراحل تطور من الشرائع القديمة والحضارات القديمة وصولا إلي الحضارة الهيلينية أو الإغريقية والتي ظهرت فيها بداية إرهاصات فكرة القانون الذي يجمع الشعوب وبدايات فكرة القضاء الجنائي الدولي ثم جاءت بعد ذك الإمبراطورية الرومانية عقب انتهاء الإمبراطورية اليونانية ثم ظهرت الديانة المسيحية والتي أدان بها الإمبراطور قسطنطين وبدأت مرحلة تفاعل وتعامل مع هذه الإمبراطورية وغيرها من المدن والشعوب ثم ظهر الإسلام في شبه الجزيرة العربية وامتدت فتوحات العرب المسلمين لتصل إلي أوروبا والصين والهند وغيرها من الأقطار فبدأت مرحلة جديدة من مراحل ظهور قانون يربط بين الشعوب وقضاء ينهى النزاعات بين هذه الأقاليم والدول .
ولذلك نتناول هذا المطلب في فرعين:
الفرع الأول: القضاء الجنائي الدولي عند الرومان والإغريق.
الفرع الثاني: القضاء الجنائي الدولي في المسيحية والإسلام.
الفرع الأول
القضاء الجنائي الدولي عند الإغريق والرومان
يقصد بالقانون الجنائي الدولي هو القانون الذي بموجبه يتم محاكمة المجرمين الدوليين في الجرائم الدولية مثل الجرائم ضد الإنسانية والجرائم التي ترتكبها الجيوش المتحاربة وجرائم قادة الدول في حق رعاياهم أو رعايا دول أخرى وكذلك هو القانون الذي يتم بموجبه تسليم المجرمين من دولة لأخرى وهذا القانون ينظم الاختصاص الجنائي الذي تدعيه الدول على الأجانب والمواطنين ووظيفة هذا القانون هو صيانة المصالح داخل مجتمع معين أو داخل المجتمع الدولي بأسره والجريمة الدولية تعتدي على النظام العام الدولي وفكرة القضاء الجنائي الدولي في عهد الإغريق وجدت حيث وجدت فكرة هامة قال بها المؤرخ الإغريقي بلوتارك وأخذها عن الفيلسوف زينون سنة 500 قبل الميلاد الذي قال أن الجنس البشرى المقسم إلى مدن وشعوب ما هو إلا شعب واحد يحيا حياة واحدة ويجب أن يخضع بالتالي لقانون واحد،جاء بعد ذلك أفلاطون سنة 347 قبل الميلاد حيث تكلم عن الحكومة المثالية في كتابه الجمهورية وأفلاطون هو أول من قال بضرورة إنشاء هيئة أو جمعية استشارية دولية بين الأقاليم مع ضرورة التشاور في قضايا الحرب والسلاموقد ظهر ذلك من خلال أسطورة (بوسيدون) اله البحر والتي رواها أفلاطون ثم جاء أرسطو الذي قال بوجوب مقاومة كافة صور الظلم ونادى بضرورة تقسيم العمل وتبادل الحقوق والواجبات وفرض الجزاءات عند مخالفة ذلك ثم جاءت فلسفة أرسطو والتي هي أساس الفلسفة الأخلاقية التي تطورت على يد فلاسفة الكنيسة المسيحية فيما بعد وهى أيضا أساس فكرة القانون الطبيعي والتي قامت عليها فيما بعد فكرة قانون الشعوب (القانون الدولي)
أما عند الرومان فقد بدأت فكرة التقارب بين الشعوب وضرورة تكوين جماعات ومدن كبيرة تخضع لقوانين واحدة فقد قال الخطيب الروماني الشهير (شيشرون) بضرورة احترام البشر وكرامتهم وضرورة نشر فكرة الإخاء بين الشعوب لإقامة دولة كبيرة تخضع لقانون عام واحد يضمها ويحقق مصالحها وقد نادي بهذه الأفكار الفلاسفة الرومان ومنهم الفيلسوف (سينيك) الذي نادي بفكرة مجرمي الحرب والتي تطورت في عصرنا الحاضر وقد أخضعت روما العالم لسلطانها لمدة 4 قرون بقانون يعرف بقانون (السلام الروماني) وهذا القانون موجه نحو العالمية وللرومان يعود الفضل في إيجاد قانون البشر. وقد لاحظ الباحث أن القانون الروماني قد أرسى قواعد قانونية أسهمت بشكل كبير في ما وصل إليه القانون الدولي الجنائي لان فقهاء القانون الرومان تركوا ثروة قانونية ضخمة وكانت لهم ملاكات قانونية وذهنية جعلتهم قادرين على صياغة قواعد عامة يمكن تطبيقها بسهولة ويسر حيث اخذوا القواعد القانونية المستقرة كقواعد الألواح الاثني عشر والقواعد العرفية وجعلوها قانون عالمي يحكم الإمبراطورية الواسعة التي انشأوها والقانون الروماني هو المصدر الأول للقانون الفرنسي ولجميع القوانين التي تأثرت به فيما بعد .
الفرع الثاني
القضاء الجنائي الدولي في المسيحية والإسلام
ركزت المسيحية على فكرة المحبة والإخاء وحدة الجنس البشرى من أب واحد هو آدم وأم واحدة هي حواء وقد نادت المسيحية بضرورة تجميع البشر وتوحيدهم وان يحب بعضهم بعضا ثم جاء فلاسفة المسيحية مثل (اغسطينوس) حيث قال بعدم جواز الحرب إلا إذا كانت وسيلة لدفع العدوان وبذلك يكون هو أول من تكلم عن الحرب المشروعة أو العادلة والحرب غير المشروعة ثم جاءت أفكار الفيلسوف توما الاكوينى وهذا أيضا اخذ نفس أفكار اغسطينوس حيث ميز بين الحرب العادلة وهى التي يقف فيها الحكام والملوك إلي جانب من يقوم بها ضد من يقوم بحرب غير عادلة مع إلزام من يقوم بحرب غير عادلة بدفع التعويض ثم جاء الفقهاء فيتوريا وسواريز واعتنقوا أفكار الفيلسوف توما الاكوينى وقالوا أن المنتصر من حقه أن يوقع جزاء ويطلب تعويض من المهزوم حيث قال الفقيه سواريز “انه لا توجد سلطة أعلي ن سلطة الدولة ولذلك فالعقاب يكون حقا لرئيس الدولة المضرورة”[وبعد ذلك جاء الفقيه الهولندي جرسيوس الذي قال أن الحرب غير المشروعة هي اعتداء على القانون بين الشعوب وهو قانون ينبع من ضمير البشرية وان المنتصر عندما يوقع عقوبة على المهزوم فانه يوقعها باسم البشرية كلها وهذه أيضا بداية لفكرة الردع العام ثم جاء الإسلام بدعوة إحقاق العدل بين الناس والنهى عن الظلم وذلك من قوله تعالى: “إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون”وقد وضع الإسلام قيودا على الدخول في حروب وفي حالة الحرب إذا اضطروا لدخولها وضع الإسلام قواعد بعدم قتل الأسرى ولا الأطفال ولا الشيوخ والعلاقة بين المسلمين وغيرهم من الأمم هي علاقة تقوم على السلم وليس الحرب وان اضطر إلي الحرب فهي شرعت لأهداف معينة منها حماية الحرية الدينية والدفاع ضد العدوان والحرب لمنع الظلم والقواعد التي وضعها الإسلام في الحرب هي ذات القواعد التي ذهبت إليها اتفاقية جنيف للأسرى 1949 ففي الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” استوصوا بالأسرى خيراً ” وذلك تصديقا لقول الحق سبحانه وتعالى ” ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ” وهذه بدايات لقواعد قانونية دولية انتهت بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية.
المطلب الثاني
محاكمات الحرب العالمية الأولى والثانية
مما لا شك فيه أن الحرب العالمية الأولى والثانية قاست فيها البشرية من مرارة القتل والتدمير وقد راح ضحية لهذه الحروب عدد كبير جدا من البشر وارتكبت أفظع صور الانتهاكات ضد البشرية من سحل وتعذيب وقتل وجرائم كان لابد أن يقف منها المجتمع الدولي موقف حازم وحاسم وان يحاكم من تسبب في هذه الحروب ويحاكم من خلال محكمة دولية بموافقة كافة الدول لإرضاء ضمير العدالة الدولية ومعاقبة مرتكبي هذه الجرائم وقد بدأت هذه المحاكمات بمحاكمة إمبراطور ألمانيا المتسبب في الحرب العالمية الأولى ولكن هذه المحاكمة لم يحالفها التوفيق من الناحية الإجرائية والسياسية ثم جاءت الحرب العالمية الثانية فكان على دول الحلفاء المنتصرين في هذه الحرب بان يعاقبوا دول المحور المنهزمة فأنشئت لذلك محكمتين دوليتين كانتا بداية لقضاء دولي أمكنه أن يقتص من مجرمي الحرب ويصدر أحكام رادعة فكانت في الشرق محكمة طوكيو لمحاكمة مجرمي الحرب من اليابانيين ممن ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وفي أوروبا كانت محكمة نورمبرج والتي حاكمت مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وفيها تم محاكمة قادة ألمانيا النازية بل إن المجتمع الدولي ظل يطارد هؤلاء المجرمين ممن لم تصل إليهم يد العدالة الدولية في ذلك الوقت وتم القبض على مجرمين فارين وهاربين بعد عدة سنوات وحوكموا فكان ذلك بمثابة عامل ردع لم يريد أن يرتكب مثل هذه الجرائم ولو أن هذا الردع لم يكن كافيا فقد وقعت بعد هذه المحاكمات جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في يوغوسلافيا السابقة والكونغو ودارفور بالسودان لذلك يرى الباحث أن البشرية أمامها وقت طويل حتى تصل إلي آلية قوية رادعة لمن يريد ارتكاب جرائم من خلال المحكمة الجنائية الدولية المستديمة والتي أنشئت ككيان دولي مهمته محاكمة من يرتكب اشد أنواع الجرائم خطورة والتي تهز الضمير الإنساني وتهدد السلام الدولي ويرى أيضا ضرورة توسيع الاختصاص الموضوعي للمحكمة الجنائية الدولية حتى تستطيع التصدي لكثير من الجرائم ما زالت تحدث وليس للمحكمة سلطة فعلية عليها حتى الآن .
وقد تناولنا هذا المطلب في خمس فروع:
الفرع الأول: محاكمات الحرب العالمية الأولى.
الفرع الثاني: محكمة نورمبرج لمحاكمة قادة ألمانيا النازية.
الفرع الثالث: محكمة طوكيو لمحاكمة قادة اليابان.
الفرع الرابع: محكمة يوغوسلافيا السابقة لمحاكمة قادة الصرب.
الفرع الخامس: محكمة رواندا لمحاكمة مجرمي الحرب.
الفرع الأول
محاكمات الحرب العالمية الأولى
لقد بدأت فكرة المحاكمات عن الحرب العالمية الأولى بعد معاهدة فرساي التي أبرمت 1919 بين الحلفاء وألمانيا حيث أقرت معاهدة فرساي محاكمة المتهمين بخرق قوانين الحرب وقد جاء ذلك بنص المادة 227 من هذه الاتفاقية والتي نصت على إنشاء محكمة جنائية خاصة لمحاكمة الإمبراطور الألماني عن دوره في إشعال هذه الحربكذلك ذهبت هذه المعاهدة إلي ضرورة محاكمة كبار ضباط الجيش والذين قاموا بخرق قوانين و أعراف الحرب أمام المحاكم العسكرية في أي دولة من دول الحلفاء وكانت هذه بداية إقرار المسئولية الجنائية الفردية لرؤساء الدول عما اقترفوه من جرائم دولية ويعتبر تقديم الإمبراطور الألماني هو أول حالة في التاريخ الحديث التي يقدم فيها رئيس دولة للمحاكمة أمام محكمة جنائية دولية ومتهم بارتكاب جرائم حرب وذلك يعتبر مخالفا لما كان سائدا في العصور القديمة بان الحاكم غير مسئول عما يفعله
وقد نصت معاهدة فرساي صراحة على أن الدول الحلفاء يوجهون الاتهام مباشرة للإمبراطور(غليوم هونزلت الثاني) ويحملونه المسئولية المباشرة عن ارتكاب الحرب لأنه أهان السلطة المقدسة للمعاهدات وقد شكلت المحكمة من خمس قضاة من (أمريكا وبريطانيا وإيطاليا وفرنسا واليابان) وان كل دولة اخذ منها قاض وهذه المحكمة كانت ملتزمة بالأصول الأخلاقية العامة للمحاكمات مع مراعاة ما تلتزم به هذه الدول من معاهدات فيما بينها أو مع الغير وقد واجهت هذه المحكمة مشكلة وهى أن الإمبراطور عقب الحرب هرب إلي هولندا فكان لابد من أن تقوم الحكومة الهولندية بتسليم الإمبراطور للمحكمة لكي تتم محاكمته لذلك فقد قام الحلفاء بتوجيه خطاب لهولندا لكي تسلم الإمبراطور السابق ولكن هذا الخطاب لم يكن ذو صيغة قانونية ملزمة لهولندا ولكن خطاب ذو طابع سياسي لان الحلفاء قالوا عبارة سياسية وهى (أن الحكومات الحليفة والمشاركة تود أن توضح بجلاء أن الاتهام الموجه للإمبراطور السابق ليس له طابع قانوني من حيث الموضوع وإنما المقصود هو محاكمته محاكمة شكلية) وهذا ما أدى إلي أن ترفض هولندا الطلب
ويلاحظ الباحث أن محكمة الحرب العالمية الأولى قد أرست عدة مبادئ هامة وكانت النواة لتطور القضاء الجنائي فيما يعد بالأخص عقب الحرب العالمية الثانية حيث أرست ضمن هذه المبادئ . مبدأ إذا كان رئيس الدولة يتمتع بالحصانة القضائية فان عليه واجب مقابل هذه الحصانة وعليه أن يتحمل عبء المسئولية الدولية إذ على قدر السلطة تكون المسئولية وكذلك مسئولية رئيس الدولة عن الأفعال التي يأمر بارتكابها ويقوم بها تابعيه.
وقد أرست هذه المحكمة أيضا مبدأ معاقبة مرتكبي الجرائم أمام محاكم الدولة التي ارتكبوا فيها الجرائم وهنا ظهر الاختصاص المكاني لهذه المحاكم وقد أرست كذلك مبدأ محاكمة كبار القادة و تعرضت هذه المحاكمة لمبدأ هام في القانون الدولي وهو مبدأ تسليم المتهم طبقا للمعاهدات و هذه المحاكم جعلت فقهاء القانون يجمعون على ضرورة وجود قانون دولي لان هذه المحاكمات لم تتطرق إلي هذا التعبير ولكن قالت (بمخالفة الأخلاق الدولية ).
وتعتبر الصعوبات التي واجهت هذه المحاكمات عديدة فمنها:
-تقرير مسئولية الإمبراطور وكبار القادة الألمان حيث أن مسئولية الإمبراطور كانت تصطدم بفكرة الحصانة والتي لم تتبلور إلا في محاكمات الحرب العالمية الثانية
-تحديد الاختصاص القضائي للمحكمة هل يحاكم المتهم أمام محكمة ببلده أم يحاكم أمام المحكمة بصرف النظر عن جنسيته وهل لو حوكموا أمام قضاء بلدهم ستكون محاكمات نزيهة أم محاكمات صورية؟ ويضاف لذلك مبدأ السيادة والذي كان يظن أن المحاكمات تنتهك هذا المبدأ وإنما هذا كان إرساء لمبدأ هام من مبادئ القانون الدولي.
-كذلك اختلاف النظم القانونية حيث كان القانون الفرنسي في هذه المحكمة يقر محاكمة كبار القادة بينما القانون الأمريكي الذي يعتمد على مبدأ السوابق القضائية وجد أن لا وجه لمحاكمة كبار القادة لعدم وجود سابقة قضائية في ذلك
و ما سبق من صعوبات أدي إلي فشل هذه المحاكمات في الوصول إلي أهدافها لذا يرى الباحث أن هذا يعتبر تقدم في مجال القانون الدولي خاصة المطالبة بتسليم إمبراطور لمحاكمته وهو ما لم يحدث من قبل وإرساء المبادئ السابق الحديث عنها وإيجاد سوابق قضائية دولية في مجال محاكمة القادة والرؤساء.
الفرع الثاني
محكمة نورمبرج لمحاكمة قادة ألمانيا النازية
و تم الاتفاق على أن يكون مكان هذه المحكمة هو مدينة برلين ولكن أول جلساتها عقدت في نورمبرج ولذلك سميت باسم محكمة نورمبرجوأخذت المحكمة بالاختصاص الإقليمي في محاكمة المتهمين حيث انه نص في لائحة المحكمة والمكونة من 30 مادة على وجوب إرسال مجرمي الحرب إلي الأقطار التي ارتكبوا جرائمهم فيها لمعاقبتهم طبقا لقوانين هذه الأقطار
أولا تشكيل محكمة نورمبرج: شكلت محكمة نورمبرج من أربعة قضاة وكل قاضى له نائب وذلك بحسب المادة الثانية من لائحة تشكيل المحكمة وهذا النائب ليحل محل القاضي في حالة مرضه أو تعذر قيامه بعمله لأي سبب والدول الأربع المنتصرة في الحرب هي من تعين القاضي ونائبه وقد استبعدت فكرة إضافة قضاة ألمان أو قضاة محايدين وهذه تؤخذ على تشكيل محكمة نورمبرج ويلاحظ الباحث أن القضاة في هذه المحكمة هم الخصوم وذلك يتنافى مع أصول ومعايير المحاكمات العادلة وانعقاد المحكمة يكون صحيحا بحضور أربعة أعضاء سواء القضاة أو نوابهم ويتفق الأعضاء الأربعة على تعيين رئيس لهم قبل انعقاد أي جلسة ما لم يقرر الأعضاء بأغلبية ثلاثة أصوات خلاف ذلك ولائحة المحكمة وافقت عليها تسعة عشر دولة والأربع دول التي تقوم بالمحاكمة هي نائبة عن مجموع الدول الموقعة على لائحة تشكيل المحكمة ومع ذلك فقد قيل أن المحكمة دولية وتمثل ضمير العالم المتمدين رغم أن قضاتها الأربعة يمثلون الدول المنتصرةويلاحظ الباحث أن تسمية هذه المحكمة بالمحكمة الدولية من خلال هذا التشكيل تسمية غير دقيقة.
ثانياً: اختصاص محكمة نورمبرج:تختص محكمة نورمبرج بمحاكمة كبار مجرمي الحرب من دول المحور سواء بصفتهم الشخصية أو كأعضاء في منظمات عند اقترافهم أيا من الجرائم الآتية (جرائم ضد السلام – جرائم الحرب – جرائم ضد الإنسانية).
ويقصد بالجرائم ضد السلام هو إشعال حرب عدوانية مع مخالفة المعاهدات والاتفاقيات الدوليةوكيفية تحديد الفعل المحرم لابد من إحالته إلي المعاهدات والاتفاقيات الدولية ونصوص المعاهدات لتحديد مدى مخالفته للقانون الدولي و أما جرائم الحرب فهي الأفعال التي تخالف قوانين وعادات الحروب ومنها
قتل الأسرى ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتخريب المدن بدون مبرر وقد قام الألمان في الحرب العالمية الثانية بأفعال هي جرائم حرب مثل الكي بالنار ونزع الأظافر وإجراء تجارب بيولوجية على البشر وأما الجرائم ضد الإنسانية فمنها القتل والإبعاد والإبادة والاسترقاق
ويلاحظ الباحث أن هذه المحكمة قد اعترفت بسمو قواعد القانون الدولي على القانون الداخلي لأنها كانت تعاقب على الفعل طالما كان جريمة تقع في اختصاص المحكمة بصرف النظر عنه جريمة في القانون الداخلي للدولة التي وقع بها الفعل أم لا وقد اعترفت محكمة نورمبرج بعدة مبادئ منها:
-المسئولية الدولية للأفراد أمام المحكمة وسيادة قواعد القانون الدولي للمحكمة على قواعد القانون الوطني الداخلي
-لا حصانة لرئيس أو زعيم أو رئيس وزراء إذا ما اقترف جريمة دولية
-وسيادة القانون واحترامه أكثر من أمر الرئيس إضافة إلي الحق في محاكمة عادلة ومسئولية الشريك في ارتكاب الجريمة وهذه قواعد عامة ملزمة أرستها محكمة نورمبرج وكانت بدايات لإنشاء قضاء جنائي دولي متمثلا في محكمة الجنايات الدولية
الفرع الثالث
محكمة طوكيو 1946 لمحاكمة القادة اليابانيين
وقد انشأ محكمة طوكيو قائد قوات الحلفاء بالشرق الأقصى الجنرال (ماك آرثر) لمحاكمة كبار القادة ومجرمي الحرب اليابانيين وقد انعقدت هذه المحكمة في مدينة طوكيو بعد هزيمة اليابان واستسلامها
أولاً: تشكيل محكمة طوكيو:شكلت محكمة طوكيو من أحد عشر قاضيا يمثلون أحد عشر دولة منها عشر دول حاربت اليابان ودولة واحدة حيادية هي الهندوقد تولى القائد الأعلى لجيوش الحلفاء تعيين رئيس المحكمة وليس بالانتخاب كما في محكمة نورمبرج وتصدر هذه المحكمة الأحكام بأغلبية الحضور وكان الحد الأدنى لانعقاد المحكمة هو 6 أعضاء وصوت رئيس المحكمة في هذه الحالة يرجح كفة التصويتويلاحظ الباحث في هذا التشكيل أن كل عضو بحسب النظام الأساسي لهذه المحكمة يمثل دولته وليس قاضيا مستقلا وبذلك كانت محكمة مسيسة وقد اثر هذا الاختيار على العدالة التي أقامها هؤلاء الأعضاء
ويرى الباحث أن قضاة محكمة طوكيو لو كانوا قضاة مستقلين وغير معينين من أي جهة سواء الدول المنتصرة أو قائد قوات الحلفاء لكانت سابقة قضائية يعتد بها كقضاء دولي أما في هذه الصورة فهي ليست قضاء دولي بقدر ما هي محاكمة لمعاقبة قوات المحور اليابانية وكوسيلة لاحتلال اليابان ومعاقبتها أي أنها محاكمة مسيسة لصالح الحلفاء .
ثانياً: اختصاص محكمة طوكيو: اختصت محكمة طوكيو بمحاكمة ومعاقبة مجرمي الحرب في الشرق الأقصى والمتهمين بصفتهم أفراد أو بصفتهم أعضاء في منظمات بالجرائم المخلة بالسلم[41] وهى الجرائم ضد السلام وهى تشمل شن حرب بإعلان سابق أو بدون إعلان أو بإثارة حرب أو تحضير حرب مع مخالفة المعاهدات والاتفاقيات والمواثيق الدولية والجرائم ضد معاهدات الحرب وهى مخالفة عادات وقوانين الحرب والجرائم ضد الإنسانية وهى جرائم القتل والإبادة والاسترقاق والإبعاد وهى الجرائم التي ترتكب ضد أي شعب مدني اعزل والاضطهاد التي تقوم على أسباب سياسية أو قومية والتي ترتكب في سبيل تنفيذ جريمة واقعة في اختصاص المحكمة مع ملاحظة أن هذه الاضطهاد سواء كانت ضد التشريع الوطني أو تتوافق معه.
يلاحظ الباحث أن محكمة طوكيو اعترفت بالاضطهاد القائم على أسس سياسية أو عنصرية كجريمة ضد الإنسانية تستوجب محاكمة من قام بها بينما محكمة نورمبرج اعترفت بالاضطهاد على أسس دينية وذلك حتى يتمكن القائمون على اثر هذه المحكمة من محاكمة النازيين على جرائم إبادة اليهود وقتلهم.
-محكمة نورمبرج جرمت الأفعال غير الإنسانية التي قامت بها القوات الألمانية وقوات المحور ضد السكان المدنيين بينما تجاهلت محكمة طوكيو الأفعال غير الإنسانية التي قامت بها القوات اليابانية ضد المدنيين. كذلك قامت محكمة نورمبرج بمحاكمة الهيئات والمنظمات في دول المحور والتي ساهمت في أعمال الحرب بينما محكمة طوكيو لم تحاكم مثل هذه الهيئات . كذلك نجد أن محكمة نورمبرج لم تعترف بالمناصب الرسمية لقادة دول المحور بينما محكمة طوكيو جعلت منصب الإمبراطور والمناصب الرسمية للقادة اليابانيين ظرف مخفف للعقاب
ومما لاحظه الباحث أيضا أن محكمة طوكيو أصدرت أحكامها مسببة إما بالبراءة أو الإدانة مع توضيح أسباب الحكم بينما محكمة نورمبرج لم تكن تسبب أحكامها كذلك يلاحظ الباحث أن كلا من محاكمات نورمبرج أو طوكيو هي محاكمات سياسية لان الخصم فيها هو الحكم وبذلك تنتفي عنها صفة ومعيار المحاكمات الدولية العادلة
وهذه المحاكمات أهدرت عدة مبادئ قانونية هامة منها مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ومبدأ عدم رجعية القوانين العقابية ولكن بالرغم عن ذلك فقد لاحظ الباحث وجود جانب إيجابي في هذه المحاكمات مثل ترسيخ فكرة المسئولية الجنائية الدولية وضرورة معاقبة مرتكبي الجرائم كذلك رسخت هذه المحاكمات لفكرة عدم الاعتداد بالمنصب الرسمي وقد تصدرت محكمة نورمبرج لمشكلة أي قانون تطبق فاستعانت بالقانون المطبق في محكمة العدل الدولية ثم مبادئ القانون التي أقرتها الأمم المتمدينة ثم مذاهب كبار مؤلفي القانون وسوابق أحكام المحاكم
الفرع الرابع
محكمة يوغوسلافيا السابقة لمحاكمة قادة الصرب
أنشئت هذه المحكمة بالقرار رقم 808 في 22 فبراير 1993 الصادر من مجلس الأمن وكان السبب الأساسي لذلك الأعمال اللاإنسانية والانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي التي ارتكبها الصرب وراح ضحيتها أكثر من ربع مليون مسلم وتم فيها اغتصاب أكثر من خمسين ألف امرأة مسلمةوتهجير السكان والتخريب والتدمير المتعمد وهذه الأحداث كانت عارا في جبين الإنسانية وهذا القرار صدر بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وهذه المحكمة انعقدت بمدينة لاهاي بهولندا ومحكمة يوغوسلافيا السابقة محكمة مستقلة أنشأها المجتمع الدولي ولم تفرض من منتصرين على مهزومين
أولاً: تشكيل المحكمة:شكلت المحكمة من ستة قضاة كل ثلاثة قضاة يعملون معا ويحضرون في الجلسة معا حيث كان تجرى محاكمتين في اليوم الواحد ولكن مجلس الأمن اسند ولاية القضاء إلي 14 قاضى[بحيث يتم إنشاء 3 دوائر دائرة أولى ثم دائرتين وينتخب القضاة لمدة 4 سنوات يمكن تجديدها من قبل الجمعية العامة من قائمة مجهزة بمعرفة مجلس الأمن كذلك لا يجب أن يكون هناك قاضيين من دولة واحدة أو يحملان جنسية دولة واحدة ويختار قضاة المحكمة الرئيس ونائب الرئيس كذلك النائب العام للمحكمة هيئة مستقلة ومنفصلة عن المحكمة والجمعية العامة للأمم المتحدة هي من تنتخب القضاة من قائمة يقدمها مجلس الأمن وفي حالة شغور أي وظيفة في دوائر المحكمة يتم تعيين شخص في هذا المنصب يتم اختياره بعد تشاور الأمين العام للأمم المتحدة مع رئيس مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة وذلك بحسب المادة 13/2 من نظام المحكمة الأساسي
ثانياً: اختصاص المحكمة:حدد النظام الأساسي لمحكمة يوغوسلافيا الاختصاص النوعي لهذه المحكمة حيث حدد الجرائم التي تختص بها المحكمة ومنها الانتهاكات الجسيمة لمعاهدات جنيف الأربعة لعام 1949 ومخالفات قوانين أو أعراف الحربوجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وقد عرف النظام الأساسي لمحكمة يوغوسلافيا انتهاكات قوانين و أعراف الحرب بأنها استعمال الأسلحة السامة أو أي أسلحة معده كي تسبب ألم ومعاناة غير ضرورية والتدمير التعسفي للمدن والقرى أو التدمير المنحرف بصورة لا تبررها الضرورة العسكرية والهجوم المسلح أو القصف بأي وسيلة كالمدافع والقنابل والصواريخ للمدن والقرى والمنازل والمباني غير المحمية كذلك الاستيلاء على أو التدمير أو الإتلاف العمدي للمؤسسات المخصصة للعبادة والمؤسسات الإنسانية ( كالمؤسسات الخيرية – المستشفيات – ومؤسسات التعليم والفنون والعلوم والآثار ) أما جرائم إبادة الجنس البشرى والجرائم ضد الإنسانيةفعرفها النظام الأساسي بأنها أفعال القتل والاسترقاق والسجن والاغتصاب والإبادة والإبعاد والتعذيب والأفعال غير الإنسانية والاضطهاد على أساس قومي أو جنسي أو ديني ومحكمة يوغوسلافيا اهتمت بصفة خاصة بمناقشة الجرائم وثيقة الصلة بالجنسويرى الباحث أن محاكمة يوغوسلافيا السابقة قد أسهمت بشكل مباشر في استقرار قواعد القانون الدولي الإنساني حيث أن إنشاء هذه المحكمة قد تم من خلال الأمم المتحدة والتي تمثل كل دول العالم وقد أدت هذه المحكمة إلي وجود جهاز قضائي دولي قادر على منع الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي وذلك عن طريق محاكمة المسئولين عن هذه الانتهاكات وكذلك يأخذ عليها تدخل الأمم المتحدة المباشر وهذا يخالف المعايير الدولية للمحاكمات النزيهة.
الفرع الخامس
محكمة رواندا لمجرمي الحرب
في عام 1994 قتل في رواندا أكثر من خمسين ألف شخص في جريمة من أكثر حالات إبادة الأجناس في التاريخحيث قامت طائفة الهوتو بمحاولة تصفية لقبائل التوتسي في رواندا وبعد جمع الأدلة والبراهين على قيام المذبحة اصدر مجلس الأمن القرار رقم 955لسنة 1994 لإنشاء محكمة دولية جنائية وفقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدةوذلك لمحاكمة الأشخاص المسئولين عن أعمال الإبادة الجماعية والانتهاكات الجسمية للقانون الدولي الإنساني في رواندا
أولاً: تشكيل المحكمة:
تتشكل المحكمة الدولية الجنائية لرواندا من ثلاث دوائر محاكمة ودائرة استئناف ومكتب للمدعى العام يقوم بأعمال الإدعاء أمام دوائر المحكمة وقلم كتاب المحكمة . ودوائر المحاكمة تتكون كل دائرة من ثلاث قضاه ويتم انتخاب قضاة هذه المحكمة بمعرفة الجمعية العامة للأمم المتحدة والمدعى العام لهذه المحكمة هو ذات المدعى العام لمحكمة يوغسلافيا السابقةأما دائرة الاستئناف في محكمة رواندا فإن قضاتها هم ذات القضاة في دائرة استئناف محكمة يوغسلافيا السابقة ويقع مقر هذه المحكمة في مدينة اروشا تنزانيا
ثانياً: اختصاص المحكمة:
حدد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا اختصاصها الموضوعي في عدة جرائم منها جريمة إبادة الجنس البشرى والجرائم ضد الإنسانية وجرائم انتهاكات اتفاقيات جنيف والبروتوكول الإضافي لها وقد أخذت محكمة رواندا من نظامها الأساسي سلطة محاكمة الأشخاص الذين يرتكبون جريمة إبادة الجنس البشرى وذلك بحسب المواد الثانية والثالثة من النظام الأساسي لمحكمة رواندا وهذه الجرائم تشمل عدد من الفظائع التي ترتكب بغرض تدمير مجموعة وطنية أو إثنية أو عرقية أو دينية بصفتها كلياَ أو جزئياَ
أما الجرائم ضد الإنسانية فقد اختصت محكمة رواندا بمحاكمة الأشخاص المسئولين عن جرائم القتل والإبادة والاسترقاق والسجن والتعذيب والاغتصاب والاضطهاد لأسباب سياسية وعرقية ودينيةكذلك ذهب اختصاص المحكمة إلي محاكمة من ينتهك اتفاقيات جنيف
وتختص محكمة رواندا بمحاكمة الأشخاص الطبيعيين فقط دون الدول أو كيانات أخري . أما الاختصاص من حيث المكان فكان إقليم رواندا والدول المجاورة لو كان الروانديون قد ارتكبوا فيها جرائم وذلك خلال الفترة من يناير 1994 –31ديسمبر 1994
يلاحظ الباحث أن كلا من محكمة رواندا ومحكمة يوغسلافيا تشكلان سابقة قانونية في مجال القانون الدولي الإنساني كما أن كلا المحكمتين قد أنشئ بقرار من مجلس الأمن الدولي طبقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ولكن في المقابل فان مجلس الأمن والذي يتعلق به مصير كلتا المحكمتين به خمس دول تتمتع بحق الاعتراض ( الفيتو ) وذلك يعتبر تسيس للمحاكمات كذلك لاحظ الباحث أن كلتا المحكمتين قد انشأ على عجل وبدون عقد أي معاهدات دولية تنص على عقد وإنشاء المحكمتين ولكن إنشاءهم تم بطريقة سريعة عن طريق الحشد الدولي وباستخدام الأمم المتحدة وقد وضعت هذه المحاكمات مجلس الأمن وقراراته وما صدر عنه في مواجهة مع مدى تعاون الدول واحترامها للمنظمة الدولية وكان دافع المنظمة الدولية في سرعة إنشاء المحاكم هو الحفاظ على السلام الدولي وليس تطبيق معايير العدالة مما أدي إلي هرب العديد من المسئولين من يوغسلافيا ويثير الباحث هنا سؤالا هاما وهو إذا كانت هذه المحاكم تتعارض مع مصالح الدول الخمس الكبرى دائمة العضوية هل كانت ستسرع بهذه الطريقة لإقامة هذه المحاكم ؟ لا اعتقد ذلك ولكن هناك جانب إيجابي في هذه المحاكمات وهو التعاون الدولي مع هذه المحاكم كذلك لاحظ الباحث سمو سلطة هذه المحاكم على القضاء الوطني مع التزام الدول بمحاكمة مرتكبي الجرائم الدولية وتطوير نظام إجرائي جنائي دولي
المبحث الثاني
إنشاء المحكمة الجنائية الدولية المستديمة
ظلت فكرة إنشاء محكمة جنائية دولية تراود القائمين على القانون الدولي ومن يهمهم معاقبة مرتكب الجرائم الدولية وذلك قبل إنشاء عصبة الأمم ويتضح ذلك من محاولات محاكمة إمبراطور ألمانيا بواسطة الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى ولكن هذه الجهود فشلت ثم جاءت الحرب العالمية الثانية ونشأ جيل من مرتكبي الحرب والجرائم ضد الإنسانية وهذا بدوره جدد الحاجة إلي إنشاء محكمة يمكنها أن تردع مرتكبي الجريمة الدولية وتحد من نشاطهم فجاءت محكمة نورمبرج بمحاكمة قادة النازية ثم محكمة طوكيو لجرائم الحرب والتي تخصصت في محاكمة القادة اليابانيين من قادة الحرب وهذه المحاكم كان لها دور عظيم في تقنين القانون الدولي الجنائي رغم ما وجه لها من انتقادات وقد نشأ عن هذه المحاكم كثيرا من قواعد القانون الدولي الجنائي المتعلقة بتكيف الجرائم وأركانها وهذه القواعد لم تكن موجودة قبل محاكمات نورمبرج وطوكيوثم بدأت أول إرهاصات تكوين إنشاء المحكمة حينما كلفت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1947لجنة تقنيين القانون الدولي لصياغة قانون يعاقب على الانتهاكات المرتكبة ضد البشرية وسلامها و أمنها ولكن ما وصلت إليه اللجنة رأت فيه بريطانيا أن هذا الكلام مقبول نظريا ورفض الفكرة الاتحاد السوفيتي وأمريكا ولم يؤيد الفكرة إلا فرنسا وهى العضو الوحيد بمجلس الأمن الذي أيد فكرة إنشاء المحكمة وفي عام 1982 تقدم مقرر من لجنة القانون الدولي بالتقرير الأول لمشروع التقنين والذي اشتمل على قواعد عامة بشان القانون الجنائي الدولي وقد انتهى المقرر من صياغة هذا المشروع في عام 1991 وعرف في ذلك الوقت بمشروع ( الصياغة النهائية )ثم جاءت أعوام 1993-1994 بمحكمتين جنائيتين مؤقتتين لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في يوغسلافيا السابقة ورواندا وقد أسهمت تلك المحكمتين في إرساء العديد من السوابق القضائية للجرائم الدولية ولكن ذلك لم يكن كافيا للأسرة الدولية مما جعل مجلس الأمن يسعى لإقامة محكمة دولية دائمة وفي عام 1998 طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة من لجنة القانون الدولي أن تقدم تقرير حول الاختصاص الجنائي الدولي لمحاكمة تجار المخدرات وهنا تقدمت لجنة من خبراء القانون الدولي برئاسة الدكتور شريف بسيوني بإعداد مشروع للنظام الأساسي وقدمته إلي المؤتمر الثامن للأمم المتحدة لمنع الجريمة الدولية ومعاقبة المجرمين وهنا أدرك المؤتمر حاجة البشرية إلى إنشاء محكمة جنائية دولية و في إبريل 1998 انتهت اللجنة من الأعمال التحضيرية وتم إنشاء مشروع المحكمة الجنائية وقدم إلي المؤتمر الدبلوماسي في روما والذي انعقد في 15 يونيه – 17 يوليه 1998 وفي 17 يوليه 1998 اقر قانون روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية الدائمة والتي تعتبر نظامها الأساسي هو المعاهدة الأكثر أهمية منذ اعتماد ميثاق الأمم المتحدة
ونتناول هذا المبحث في مطلبين:
المطلب الأول: نظام المحكمة الداخلي.
المطلب الثاني: آلية عمل المحكمة و سمو قراراتها.
المطلب الأول
نظام المحكمة الجنائية الدولية الداخلي
جاء نظام المحكمة الجنائية الدولية الداخلي في المادة 34 من نظام روما الأساسي حيث تحدثت عن الأجهزة التي تتكون منها المحكمة وبيانها كالتالي :-
1- هيئة الرئاسة ( رئيس – نائبان للرئيس )
2- (شعبة استئناف – شعبة ابتدائية – شعبة ما قبل المحاكمة )
3- مكتب المدعى العام للمحكمة
4- قلم كتاب المحكمة
5ـ جمعية الدول الأطراف وتقوم بالإشراف على تنفيذ الوظائف السياسية للمحكمة
ويمكن توضيح طبيعة عمل هذه الأجهزة من خلال ستة فروع
الفرع الأول : هيئة الرئاسة
الفرع الثاني : شعبة الاستئناف
الفرع الثالث : مكتب المدعى العام
الفرع الرابع : شعبة التحقيقات
الفرع الخامس : شعبة الادعاء
الفرع السادس: قلم كتاب المحكمة
الفرع الأول
هيئة الرئاسة
تتكون من الرئيس واثنان من نواب الرئيس ويتم انتخاب النواب بالأغلبية المطلقة لأصوات قضاة المحكمة الثمانية عشر وذلك لمدة 3 سنوات قابلة للتجديد وقضاة هيئة الرئاسة يعملون بتفرغ كامل من وظائفهم السابقة ويجوز إعادة انتخابهم لفترة ثانية وهيئة رئاسة المحكمة تشرف إداريا على عمل قلم كتاب المحكمة كذلك هي تنسق مع المدعى العام للمحكمة وتسعى لتوافق الآراء معه كذلك هيئة الرئاسة تتولى العلاقات الخارجية للمحكمة كذلك هي مسئولة عن الإدارة السليمة للمحكمة
الفرع الثاني
شعبة الاستئناف
تتكون شعبة الاستئناف من رئيس المحكمة و أربعة قضاة آخرين؛ ثم الشعبة الابتدائية من ستة قضاة حيث يمكن أن يشكلوا غرفة أو أكثر من غرف الدرجة الابتدائية وكل غرفة يمكن أن تتكون من ثلاث قضاة ثم شعبة ما قبل المحاكمة تتكون من ستة قضاة والذي من الممكن أن يشكلوا غرفة أو أكثر وقد تكون الغرفة مشكلة من ثلاث قضاة أو من قاضى واحد ويجوز للقضاة أن يشغلوا مناصبهم لمدة تسع سنوات غير قابلة للتجديد والقضاة المعينون في الاستئناف لا يعملوا إلا في تلك الشعبة
الفرع الثالث
مكتب المدعى العام
وهذا المكتب هو أحد الأجهزة الأربعة التي يتألف منها النظام الداخلي للمحكمة ويرأس هذا المكتب المدعى العام وهو منتخب من جمعية الدول الأطراف وله سلطة كاملة في إدارة المكتب وتسيير أعماله ويتم انتخاب المدعى العام بالاقتراع السري بالأغلبية المطلقة من قبل جمعية الدول الأطرافوالمدعى العام له نواب، حيث يقوم بعد أن يتولى منصبه بتسمية ثلاث مرشحين لكل منصب من مناصب نواب المدعى كذلك فان مكتب المدعى يحتوى على محققين ومستشارين قانونيين لمساعدته ويجب أن يكون المدعى العام ونوابه من جنسيات مختلفة وذلك حتى لا تقوم الدول الأقوى والأغنى في فرض مرشح معين وهذا النظام في الاختيار يحسب لقانون روما الأساسي كذلك فان جمعية الدول الأطراف يتم اختيارها بالانتخاب السري بالأغلبية المطلقةومكتب المدعى العام يشمل (المدعى العام – نائب واحد من نوابه – مساعدي المدعى العام – المتحدث الرسمي باسم المدعى العام – ثلاث موظفين – مساعد إداري منتدب للعمل مع المدعى العام – وحدة إدارية ) لمساعدة المدعى العام في تعيين موظفين إداريين وممارسة سلطته القانونية لأداء المهام التنظيمية والإدارية في المكتب.
الفرع الرابع
شعبة التحقيقات
وهى الشعبة المسئولة عن أعمال إجراء التحقيقات مثل ( جمع الأدلة – استجواب أشخاص خاضعين للتحقيق – استجواب المجني عليهم والشهود )
أ-قسم التحليل والدراسات التمهيدية: ومهمته القيام بتحليل الانتهاكات الجماعية للقانون الجنائي الدولي عندما تتاح المعلومات ويجب أن تكون له القدرة للحصول على المعلومات وتحليلها
ب-قسم التحقيقات: وهو يقوم بتلقي وإدارة المعلومات والأدلة المتاحة عن مناطق التوتر والصراعات وفرق التحقيق يجب أن تكون لها قدرات تحقيقية عالية ويكون بها محامون ومحققوا شرطة ومحللون.
ج- وحدة الضحايا: وهى تختص بالتحقيق مع الضحايا سواء أطفال أو نساء ممن تعرضوا لاعتداء جنسي.
الفرع الخامس
شعبة الادعاء
وهذه الشعبة تشتمل على:
أ-قسم للمعلومات والأدلة : وبه موظف لحفظ المستندات الخاصة بالقضية
ب-قسم الاستئناف : وهو قسم يصيغ الدعوى الاستئنافية الأولية ضد قرارات الدائرة التمهيدية ويعد الدفوع القانونية بشأن إجراءات الاستئناف التي ستقدم إلي دائرة الاستئناف في المحكمة ثم قسم للخدمات وهو يشمل قسم المشورة القانونية والسياسات العامة ووحدة خدمات لغوية ووحدة معلومات وأدلة ويتولى المدعى العام ونوابه مناصبهم لمدة 9 سنوات[7]ما لم يتقرر لهم وقت انتخابهم مدة اقصر وهى فترة واحدة لا تتجدد لمدة 9 سنوات والمدعى العام له حصانة كحصانات رؤساء البعثات الدبلوماسية وتستمر هذه الحصانة بعد انتهاء ولايته فيما يختص بما صدر من أقوال أو أفعال بصفتهم الرسمية
الفرع السادس
قلم كتاب المحكمة
وهو يختص بالجوانب غير القضائية من إدارة المحكمة وتزويدها بالخدمات ثم مسجل المحكمة وهو يرأس قلم كتاب المحكمة وهو المسئول الإداري الرئيسي للمحكمة وهو يمارس وظيفته تحت سلطة رئيس المحكمةثم نائبي المسجل ويجب أن يكونا ذوى أخلاق رفيعة وكفاءة عالية ويعرف لغة واحدة على الأقل من لغات المحكمة.
المسجل يجب أن ينتخب من القضاة بالأغلبية المطلقة بالاقتراع السري المباشر والمسجل يشغل منصبه لمدة خمس سنوات ويجوز إعادة انتخابه لمرة واحدة ويعمل متفرغاً، ويقوم المسجل بإنشاء وحدة للمجني عليهم والشهود ضمن قلم كتاب المحكمة وهى وحدة توفر تدابير الحماية والترتيبات الأمنية والمشورة والمساعدات اللازمة للشهود والمجني عليهم ومن يتعرضون للخطر بسبب أداء الشهود وتضم الوحدة خبراء في مجال الصدمات النفسية ثم جمعية الدول الأطرافوهى تتشكل من الدول المصدقة على نظام روما الأساسي وهى جمعية لها مكتب يتألف من رئيس ونائبين وثمانية عشر عضوا تنتخبهم الجمعية لمدة ثلاث سنوات ويتم انتخاب الرئيس ونائبيه والأعضاء الثمانية عشر من بين ممثلي الدول الأطراف والأعضاء والرئيس ينتخبون بالاقتراع السري المباشر والمكتب يساعد الجمعية في مهمتها والمكتب يجتمع كلما كان ذلك ضروريا على ألا يقل عدد الاجتماعات عن مرة واحدة في السنة ويلاحظ الباحث من تشكيل جمعية الدول الأطراف أنها ضرورية لتوفير رقابة إدارية جيدة على هيئة رئاسة المحكمة وكافة أجهزتها الإدارية مما يعطى سهولة في ممارسة المحكمة دورها في تطبيق العدالة الدولية
المطلب الثاني
آلية عمل المحكمة وسمو قراراتها
لكي نحدد آلية عمل المحكمة الجنائية الدولية فلابد من أن نحدد سلطان النص الجنائي الدولي ومن أين أتى هذا السلطان وكيف له أن يفعل وسلطان النص الجنائي هو محور عمل المحكمة الجنائية الدولية . فالقانون الجنائي الدولي هو القانون الذي يتضمن الجرائم التي نصت عليها المعاهدات الدولية بالدرجة الأولى واليات تطبيق النص الجنائي و أعماله ووسائل تطبيقه في القوانين الوطنية . توجد في قوانين الإجراءات الخاصة بكل دولة مع وجود عناصر واليات مساعدة في صورة اتفاقيات تسليم المجرمين والمنعقدة بين الدول وبعضها البعض وكذلك اتفاقيات مكافحة المخدرات والجرائم عبر الدول والجريمة المنظمة والإرهاب ولكن المحاكمة عن هذه الجرائم تتم أمام القضاء الوطني ولكن آليات المحكمة الجنائية الدولية تتسم بطبيعة دولية أيا كانت هذه المحاكمات سواء كانت محاكمات عسكرية دولية مثل محاكمات نورمبرج وطوكيو لمحاكمة قادة عسكريين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية مما يقع في نطاق اختصاص المحكمة الدولية أو محاكمات خاصة كما في يوغوسلافيا ورواندا فالمحكمة الدولية طبقا لآليات عملها والمتمثلة في محاكمة كلا من يخالف القانون الدولي ويرتكب جرائم تعد تهديدا للسلم والأمن الدوليين طبقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وكذلك نظام المحكمة الأساسي المعروف بنظام روما إلا أن المحكمة الجنائية الدولية كهيئة قضائية دولية هي هيئة محكمة لجهات القضاء الوطني بآلياته المعروفة عند محاكمة من يرتكب جرائم تأخذ الطابع الدوليوسمو قرارات المحكمة يمكن استنتاجه من الإجراءات التي تمت في محكمة يوغوسلافيا الدولية والتي أصبحت فيما بعد تشكل سابقة قضائية دولية على الدول أن تحترم المحكمة وقراراتها والتي تعتبر أسمى و أعلى من القانون الداخلي للدولة ففي 15 يناير 1997 قامت المحكمة بعمل إجراء يطلق عليه “الشأن الدولي في القضية” حيث تمكن نائب الاتهام من الحصول على أمرين رسميين يسمحان بالاطلاع على أدلة الإثبات أو ما يسمى أمرين بالحضور مع إبراز المستندات من قاضى المحكمة المسمى (كيرك ماك دونالد) وذلك من جمهورية (كرواتيا والبوسنة والهرسك) مع إلزام كرواتيا بتقديم 13 طائفة من عناصر الإثبات و أمر لممثل جمهورية الكروات ووزير دفاعها بالحضور والمثول أمام المحكمة مع الإلزام بعدم التخلف عن 14 فبراير 1997 ولكن كرواتيا أنكرت الأمرين لحين عرضهما على الدائرة الأولى للمحكمة والتي أصدرت قرار بشأن ذلكوهذه الأوامر أثارت العديد من المشكلات و أهمها الشك في استطاعة القضاء الجنائي الدولي إصدار الأوامر لدول ذات سيادة أو لكبار المسئولين فيها وان ظل الأمر متداولا حتى 18 يونيه 1997 حيث أكدت دائرة الدرجة الأولى بالمحكمة مركز قاضيها الذي اصدر الأمر وقضت بان “قاضيا أو دائرة من دوائر الدرجة الأولى بالمحكمة الدولية له ولاية الأمر والنهى وسلطة تقدير أن يصدر الأوامر للدول والأفراد بما في ذلك كبار الموظفين في حكومة ما بعد أن يقدموا الوثائق التي في حوزتهم من اجل إعداد وتحضير الدعوى والسير فيها وزيادة على ذلك فهذه الأوامر يمكن أن تطبق بإصرار” أمر تكليف بالحضور مع إبراز المستندات وبموجب تلك الأوامر ينشأ التزام جميع الدول وموظفيها أن يمتثلوا لها تماما
مما سبق يلاحظ الباحث أن قرارات المحكمة على درجة من السمو بحيث أنها تؤخذ كسابقة قضائية توضع أمام قضاة المحكمة الجنائية الدولية المستديمة وان قراراتها يجب أن تحترم وعدم احترامها يؤدى إلي وضع الدولة التي انتهكت القوانين الدولية تمت العقوبات الدولية مما يمثل عامل ردع لباقي الدول ولكن هذه الإجراءات مازالت في طور البداية ويمكن التأكيد على ذلك من قضية الرئيس السوداني ودارفور والتي أخذت أبعاد سياسية أكثر منها جنائية ولم يمتثل حتى الآن أمام المحكمة وهذه مسئولية الأسرة الدولية .
المصدر :
الاكاديمية العربية المفتوحة بالدنمارك
كلية السياسة والقانون
الدراسات العليا
رسالة ماجستير
بعنوان
إجراءات القبض والتقديم أمام المحكمة الجنائية الدولية
(دراسة تحليلية مقارنة)
مقدمة من الطالب / ملاك تامر ميخائيل
إشراف
الدكتور / فضيل عبدالله طلافحة
استكمالاً لنيل درجة الماجستير في القانون الدولي العام