دراسات قانونية
الحيازة في القانون الكويتي (بحث قانوني)
1- تعريف الحيازة وأركانها:
يتضمن نص المادة (905) تعريفًا للحيازة، ولم يسلك المشروع مسلك القانون المصري الذي لم يضع تعريفًا تشريعيًا تاركًا مسألة التعريف للفقه، وهو المسلك الذي سلكته بعض التشريعات العربية الأخرى تأثرًا بالقانون المصري، وآثر الشروع مسلك التشريعات الأخرى في وضع تعريف تشريعي (العراقي م 1145، التونسي م 38، السوداني م 761/ 1، الصومالي م 757/ 1، الأردني م 1171/ 1)، بالإضافة إلى مجلة الأحكام العدلية التي تعرف ذا اليد، أي الحائز في المادة (1679)، وقد آثر المشروع هذا المسلك عملاً على ضبط فكرة الحيازة.
وقد عرف المشروع الحيازة بأنها: ” سيطرة شخص، بنفسه أو بواسطة غيره، على شيء مادي ظاهر عليه بمظهر المالك أو صاحب حق عيني آخر، بأن يباشر عليه الأعمال التي يباشرها عادة صاحب الحق “، والعبارة الأخيرة توضح عبارة ” ظاهرًا عليه بمظهر المالك أو صاحب حق عيني آخر “.
وبهذا التعريف تنضبط فكرة الحيازة فهو يبين أولاً أن قوام الحيازة السيطرة على شيء مادي، وقد يكون الشيء عقارًا وقد يكون منقولاً، ولكن الحيازة لا ترد إلا على الأشياء المادية، وهو الرأي السائد، فلا ترد على الأشياء غير المادية كالمصنفات الفنية، ولا على الديون، فمن يطلق عليه الدائن الظاهر ليس حائزًا للدين بالمعنى الفني للحيازة وما يترتب عليها من آثار، مع ملاحظة أن الديون الثابتة في سندات لحمالها تندمج في السندات وهي أشياء مادية وتعتبر حيازة السند حيازة للدين تنطبق عليها أحكام الحيازة.
ويبين التعريف أن السيطرة قد يباشرها الحائز بنفسه وقد يباشرها بواسطة غيره، وقد بينت المادة (908) متى تكون الحيازة بواسطة الغير.
كما يبين التعريف أن السيطرة تكون بالظهور على الشيء بمظهر المالك أو صاحب حق عيني آخر، فاستبعد الشروع ما قيل من أن الحيازة تتحقق حتى بالنسبة للحقوق الشخصية ” المادة (1398) من المشروع التمهيدي للقانون المصري ومذكرتها الإيضاحية “. والظهور بمظهر صاحب الحق يكون بمباشرة الأعمال التي يباشرها عادة صاحب الحق، فيجب أن يباشر الحائز أعمالاً مادية كالبناء على الأرض أو إحداث تعديلات في الشيء أو المرور في أرض الجار، أما التصرفات القانونية كالبيع والتأجير فلا تكفي بذاتها للدلالة على السيطرة، وهي الركن المادي للحيازة، إذ يمكن أن يقوم بها من لا يسيطر، ويجب أن يباشر الحائز الأعمال التي تتحقق بها سيطرته على الشيء كما يباشرها عادة صاحب الحق وهذه مسألة موضوعية يقدرها القاضي بحسب الظروف والتعريف يكشف عن ضرورة توفر ركني الحيازة، الركن المادي ويتمثل في السيطرة المادية على الشيء، ويمكن أن يتحقق هذا الركن بسيطرة الحائز بنفسه كما يتحقق بسيطرته بواسطة غيره. والركن الثاني هو الركن المعنوي، وهو ما تعبر عنه عبارة ” ظاهرًا عليه بمظهر المالك أو صاحب حق عيني آخر “، وبذلك لا يعتبر حائزًا بالمعنى القانوني من يسيطر على الشيء لا لحساب نفسه ولكن لحساب غيره كالمستأجر والمستعير والتابع، وهو الذي يطلق عليه الحائز العرضي، والركن المعنوي، على خلاف الركن المادي، يجب أن يتحقق لدى الحائز نفسه، فيما عدا حالة ما إذا كان الحائز عديم الأهلية أو ناقصها فيمكن أن يتحقق لدى من ينوب عنه قانونًا (م 909).
وبعد أن وضع المشروع تعريف الحيازة، عرض في المواد من (906) إلى (916) للمسائل التي تتعلق بأركانها مما يحتاج إلى نص، وذلك على النحو التالي:
عرضت المادة (906) لأشياء لا تصح حيازتها، وبالتالي فمهما سيطر عليها الشخص، وبأية صفة كانت السيطرة، لا يعتبر حائزًا بالمعنى القانوني، وهي الأشياء المملوكة للدولة أو غيرها من الأشخاص المعنوية العامة سواء كانت الملكية عامة أم خاصة، وعرضت المادة (907) لأعمال قد يباشرها الشخص على الشيء ولا تكفي لاعتباره حائزًا، أولها الأعمال التي تعتبر من المباحات فإذا بنى شخص جدارًا على حافة ملكه وفتح فيه فتحة تطل على ملك جارة مما يبيحه القانون فلا يعتبر حائزًا لحق ارتفاق على ملك جاره، لأن حيازة الارتفاق على ملك الجار لا بد أن تتضمن تعديًا على هذا الملك والعمل المباح لا يتضمن أي تعدٍ، وكذلك لا تقوم الحيازة على عمل يأتيه الشخص على ملك غيره على سبيل التسامح من هذا الغير، لانتفاء الركن المعنوي للحيازة فالتسامح يفيد الترخيص من المالك، وبالتالي لا يمكن القول إن من يباشر هذه الأعمال يظهر بمظهر المالك أو صاحب الحق العيني، فلا يعتبر حائزًا من يمر من أرض جاره تسامحًا من الجار مراعاةً منه لما يقتضيه الجوار من حسن العلاقات بين الجيران ولا يعتبر حائزًا الابن الذي ينتفع بملك أبيه تسامحًا من الأب وهكذا.
والسيطرة على الشيء وهي قوام الركن المادي للحيازة كما يمكن أن يباشرها الحائز بنفسه، يمكن أن يباشرها بوساطة غيره، كما يتضح من تعريف الحيازة الوارد في المادة (905)، وقد نصت المادة (908) على أن ” تكون الحيازة بالواسطة متى كان الوسيط يباشر السيطرة على الشيء باسم الحائز ” ففي هذه الحالة يكون الحائز هو من تباشر السيطرة باسمه، أما الوسيط فليس جائزًا بالمعنى القانوني للحيازة ويطلق عليه الحائز العرضي، فلا تكون له إلا الحيازة المادية، ومثاله المستأجر والمستعير ومن تركه غيره يستعمل الشيء تسامحًا منه.. إلخ. هذا ولم ينقل نص المشروع العبارة الواردة في نص المادة (951) مصري والقوانين العربية الأخرى التي تأثرت به في شأن تحديد من يباشر الحيازة باسم غيره وهي ” … وكان متصلاً به اتصالاً يلزمه الائتمار بأوامره فيما يتعلق بهذه الحيازة ” لأن هذه العبارة تحصر الوسيط فيمن يكونون تابعين وهو غير صحيح فالمسلم أن الوسيط كما يكون تابعًا يمكن أن يكون ممن لا يصدق عليهم هذا الوصف كصاحب الانتفاع الذي يحوز، بالنسبة للملكية باسم غيره، وكذلك المستأجر، وقد اقتدى المشروع، في استبعاد تلك العبارة، بالقانون السوداني ” م 763 “.
وإذا ثار الشك حول ما إذا كان الذي يباشر السيطرة يباشرها لنفسه وبالتالي يكون هو الحائز أم يباشرها باسم غيره فيكون حائزًا عرضيًا فنكون بصدد مسألة إثبات يسري عليها حكم المادة (913) وبوجه خاص العبارة الأخيرة من النص وهي “….. فإن كانت هذه السيطرة قد انتقلت من حائز سابق افترض أنها لحساب من انتقلت منه “.
وإذا كان الركن المادي للحيازة يمكن أن يباشره الحائز بواسطة الغير على النحو السابق، فالركن المعنوي يجب بحسب الأصل، أن يتوفر لدى الحائز نفسه فيجب أن تتوفر لدى الحائز نفسه نية الظهور بمظهر صاحب الحق على الشيء الذي يسيطر عليه، ولا يستثنى من هذا الأصل إلا حالة ما إذا كان الحائز غير كامل الأهلية كالصبي دون السابعة والمجنون والصبي المميز، فيمكن أن يتحقق الركن المعنوي لدى الولي أو الوصي أو القيِّم، وقد عرض المشروع لهذا الحكم في المادة (909) التي تنص على أنه ” يجوز لعديم الأهلية أو ناقصها أن يكسب الحيازة عن طريق من ينوب عنه قانونًا، ولم يرَ المشروع وجهًا لما ذهب إليه المشروع المصري والقوانين التي تأثرت به من قصر الحكم على غير المميز.
وإذا كان من يحوز باسم غيره، كالتابع والمستأجر لا يعتبر حائزًا بالمعنى القانوني، فيمكن أن تتغير صفة حيازته من حيازة عرضية إلى حيازة قانونية، ولكن لا يكفي لإحداث هذا التغير أن تتغير نية الحائز العرضي، بل يجب أن يتخذ التغيير مظهرًا خارجيًا كافيًا لإزالة الصفة السابقة، وهي كونه حائزًا عرضيًا وإحلال الصفة الجديدة محلها، وهذا ما نص عليه المشروع في المادة (910) التي تنص على أنه ليس لمن يحوز باسم غيره أن يغير بنفسه لنفسه صفة حيازته، ولكن تتغير هذه الصفة إما بفعل الغير وإما بفعل من الحائز يعتبر معارضة لحق من كان يحوز باسمه، ولا تبدأ الحيازة بصفتها الجديدة إلا من وقت الفعل الذي أحدث التغيير.
وقد حرص المشروع أن يضع هذا الحكم مع النصوص الخاصة بأركان الحيازة، على خلاف القانون المصري والقوانين التي تأثرت به حيث يوجد مع النصوص الخاصة بالتقادم، (972) مصري، (921) سوري، (1160) عراقي، (976) ليبي، (49) تونسي، (779) صومالي، (783) سوداني، (831) جزائري، (1185) أردني.
برغم أن أثر تغير الصفة، أو سند الحيازة، لا يقتصر أثره على التقادم وإنما يمتد إلى الحيازة في كل ما يتعلق بوجودها وكافة الآثار التي تترتب عليها وقد اقتضى تغيير موضع النص اختلاف في الصياغة بحيث لا يكون الحكم مقصورًا على التقادم، ويعرض نص المادة (911) لشرط لازم حتى يترتب على الحيازة آثارها وهو شرط خلوها من العيوب، والحيازة، وإن كانت معيبة، فهي موجودة، وقد تترتب عليها بعض الآثار، فنصت المادة على أنه ” إذا اقترنت الحيازة بإكراه أو حصلت خفية أو كان فيها لبس فلا يكون لها أثر قبل من وقع عليه الإكراه أو أُخفيت عنه الحيازة أو التبس عليه أمرها إلا من الوقت الذي تزول فيه هذه العيوب ” وهو نص مطابق لنص القانون المصري (م 949 / 2).
والمسلم أن وجود عيب من العيوب المذكورة وهي الإكراه والخفاء واللبس، لا يمنع من وجود الحيازة، بل ولا يمنع من ترتب بعض الآثار ذلك أن هذه العيوب نسبية فلا تمنع الحيازة من ترتيب آثارها إلا بالنسبة لمن وقع عليه الإكراه أو أُخفيت عنه الحيازة أو التبس عليه أمرها وبالتالي فقد يترتب على الحيازة أثرها وذلك في مواجهة غير هؤلاء الأشخاص. كما أن هذه العيوب مؤقتة فيمكن أن تزول فتصبح الحيازة صالحة لترتيب آثارها.
والحيازة تقتضي بالضرورة شيئًا من الاستمرار طال الزمن أم قصر، ولما كان من بين الآثار التي تترتب عليها ما يقتضي ترتبه أن تكون قد استمرت مدة معينة وقد يثور الشك حول استمرارها طوال المدة التي يتطلبها القانون، لهذا وضع المشروع في المادة (912) قرينة على استمرار الحيازة بالنص على أنه ” إذا ثبت قيام الحيازة في وقت معين وفي وقت سابق معين اعتبرت قائمة بين الوقتين ما لم يثبت العكس ” وقد رُئي هنا أيضًا وضع هذه القرينة بين النصوص المتعلقة بالحيازة ذاتها لتعلقه بوجودها وذلك على خلاف النصوص التي وضعتها بين النصوص الخاصة بالتقادم برغم أن مسألة إثبات استمرار الحيازة تثور في مسائل أخرى مثل إثبات مضي مدة الثلاث سنوات عند رفع دعوى من دعاوى الحيازة.
2 – إثبات الحيازة:
بعد أن عرض المشروع لأركان الحيازة وضع في المادة (913) قاعدة خاصة بإثبات الحيازة فنص على أنه ” إذا تنازع أشخاص متعددون على الحيازة، افتُرض أن من يباشر السيطرة المادية هو الحائز إلى أن يثبت العكس، فإن كانت هذه السيطرة قد انتقلت من حائز سابق افترض أنها لحساب من انتقلت منه “.
ويضع هذا النص أولاً قرينة على أن من يباشر السيطرة المادية، وهي الركن المادي للحيازة، إنما يباشرها لنفسه لا لغيره فهي قرينة على وجود الركن المعنوي للحيازة، يجوز إثبات عكسها كأن يثبت من ينازعه أنه مستأجر أو مستعير أو أنه تركه يباشر الأعمال المادية تسامحًا منه، ثم وضع المشرع قرينة أخرى لمصلحة من يريد إثبات عكس القرينة الأولى، فإذا أثبت أن الحيازة كانت له وأن السيطرة المادية قد انتقلت منه افترض أن تلك السيطرة لحسابه هو، وهذه أيضًا قرينة بسيطة تقبل إثبات العكس كأن يثبت من له السيطرة المادية أنه اشترى الشيء من حائزه السابق.
3 – حسن وسوء نية الحائز:
وبعد الانتهاء من أركان الحيازة وإثباتها عرض المشروع في المواد (من 914 إلى 916) لصفة الحيازة من حيث حسن أو سوء نية الحائز وهي صفة تؤثر من بعض النواحي فيما يترتب على الحيازة من آثار.
فبدأت المادة (914) ببيان متى يعتبر الحائز حسن النية، فذكرت أنه يعتبر كذلك إذا كان يجهل أنه يعتدي على حق للغير، إلا إذا كان هذا الجهل ناشئًا عن خطأ جسيم، وواضح من هذا أن المعيار الأساسي في تحديد النية هو معيار شخصي فيعتد بعلم أو جهل الحائز شخصيًا، لكن يكمل هذا المعيار الشخصي معيار آخر موضوعي إذ ينتفي حسن النية ولو كان الحائز شخصيًا يجهل أنه يعتدي على حق للغير إذا كان هذا الجهل ناشئًا عن خطأ جسيم وتقدير جسامة الخطأ تقدير موضوعي فهو الخطأ الذي لا يقع فيه الشخص المهمل قليل العناية، ونظرًا إلى أن اغتصاب الحيازة بالإكراه يعتبر خطأ جسيمًا فينتفي معه حسن النية حتى ولو كان الحائز يعتقد وهو يفعل ذلك أنه صاحب حق، قرر المشروع هذا الحكم في الفقرة الثانية من المادة (915) الخاصة بسوء نية الحائز.
وفيما يتعلق بإثبات نية الحائز وضع المشروع في الفقرة الثانية من النص قرينة على حسن النية، وهي قرينة بسيطة يجوز لمن يدعي أن الحائز سيئ النية أن يثبت عكسها، هذا وقد تحفظ النص عقب وضع هذه القرينة فقال: ” ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ” فقد يعتبر المشرع الحائز سيئ النية في ظروف معينة كما هي الحال بالنسبة للخلف العام للحائز. فإذا كان سلفه سيئ النية افترض أنه هو كذلك سيئ النية إلى أن يثبت العكس (م 917).
وإذا كان الأصل هو اعتبار الحائز حسن النية، إلى أن يثبت العكس وفقًا لما نصت عليه المادة (914)، فيبقى تحديد متى يصبح الحائز سيئ النية، وهو ما عرض له نص المادة (915) وبمقتضاه يصبح الحائز سيئ النية: أولاً: إذا ثبت علمه الحقيقي بأن حيازته اعتداء على حق الغير ويكون سوء نيته من وقت هذا العلم، وثانيًا: إذا رُفعت عليه دعوى تفيد أن الحق الذي يدعيه على الشيء الذي يحوزه ليس له، فيعتبر سيئ النية من وقت إعلانه بصحيفة الدعوى ولو بقي على ما هو عليه معتقدًا أنه صاحب حق، هذا بالإضافة إلى ما سبق أن ذكرناه من أنه يعتبر سيئ النية إذا ثبت أنه اغتصب الحيازة بالإكراه من غيره حتى ولو كان يعتقد وقت الغصب أنه صاحب حق، ونظرًا إلى أن صفة الحيازة قد تتغير، وبخاصة من حيث حسن أو سوء نية الحائز، فقد نصت المادة (916) على أن: ” تبقى الحيازة محتفظة بالصفة التي بدأت بها وقت كسبها إلى أن يثبت العكس “.
4 – انتقال الحيازة:
بعد أن نظم المشروع أركان الحيازة وإثباتها وصفتها من حيث حسن النية أو سوء نية الحائز، عرض في المواد (من 917 إلى 921) لانتقالها من الحائز إلى من يخلفه فيها سواء كان الخلف عامًا أو خاصًا.
فبدأ في المادة (917) بالنص على انتقال الحيازة من الحائز إلى خلفه العام، والمسلم أن يد الخلف العام هي استمرار ليد سلفه، فإذا كان السلف حائزًا بالمعنى القانوني أي حيازة مستكملة لركنيها المادي والمعنوي، اعتبر الخلف العام كذلك، وإذا كان يحوز لحساب غيره، أي كان ما يسمى الحائز العرضي، اعتُبر الخلف العام كذلك، وإذا كان السلف حائزًا حسن النية أو كان سيئ النية انتقلت حيازته إلى خلفه بهذه الصفة، ولكن إذا كان السلف سيئ النية بأن كان يعلم أن حيازته اعتداء على حق الغير وكان الخلف يجهل ذلك وأثبته كان له أن يتمسك بحسن نيته هو.
ثم عرضت المادة (918) لانتقال الحيازة بمقتضى الاتفاق بين الحائز وغيره، الذي يعبر عنه الفقهاء عادةً بالخلف الخاص، فنصت على أن تنتقل الحيازة من الحائز إلى غيره إذا اتفقا على ذلك وأصبح في استطاعة هذا الغير أن يسيطر على الشيء ولو لم يتسلمه تسلمًا ماديًا، فيجب أولاً أن يكون هناك اتفاق على نقل الحيازة والمقصود هو نقلها بركنيها المادي والمعنوي، كما لو كان الاتفاق بيعًا أو هبة، ويجب ثانيًا أن تنتقل السيطرة على الشيء إلى الخلف أو في الأقل القدرة على السيطرة بمعنى أن يكون في استطاعته مباشرة الأعمال المادية التي يباشرها عادةً صاحب الحق الذي اتفق على نقله دون عائق.
وإذا كان انتقال الركن المعنوي للحيازة يُستخلص من الاتفاق، فالركن المادي ينتقل إلى الخلف إما بتسلم الشيء تسلمًا ماديًا بحيث تتحقق له السيطرة الفعلية وإما بما يسمى التسليم الحكمي أو بما يسمى التسليم الرمزي، وقد عرض المشروع في المادتين (919 و920) لهاتين الصورتين الأخيرتين للتسليم.
فعرضت المادة (919) لما يسمى بالتسليم الحكمي، فنصت على أنه يجوز أن يتم نقل الحيازة دون تسليم مادي إذا استمر الحائز واضعًا يده لحساب من يخلفه في الحيازة، أو استمر الخلف واضعًا يده ولكن لحساب نفسه، والنص يعرض لصورتين: الأولى أن يستمر السلف، بعد العقد واضعًا يده ولكن لحساب الخلف كأن يبيع الحائز الشيء ويتفق مع المشتري في الوقت نفسه على أن يستأجره فيصبح مستأجرًا يحوز لحساب المشتري أي الخلف في الحيازة، والصورة الثانية أن يكون الخلف، قبل الاتفاق على نقل الحيازة واضعًا يده لحساب السلف كالمستأجر ويتفق على أن يشتري الشيء فيستمر واضعًا يده لحساب نفسه، فيصبح حائزًا بعد أن كان يحوز لحساب السلف أي بعد أن كان حائزًا عرضيًا.
وعرضت المادة (920) لما يسمى التسليم الرمزي، ولم يكتفِ المشروع بالنص على أهم تطبيقات هذه الصورة من صور التسليم كما فعلت بعض التشريعات العربية ” المصري 954، السوري 913، الليبي 958، السوداني 766، الصومالي 762، الجزائري 813 ” وإنما بدأ بوضع قاعدة عامة فنص في الفقرة الأولى على أنه ” يجوز أن يتم نقل الحيازة إذا تسلم الخلف ما يمكنه من التسلم المادي للشيء “.
ثم عرض المشروع في الفقرة الثانية لتطبيق هذه القاعدة في أهم حالاتها العملية، وهي الحالة التي نصت عليها التشريعات العربية المذكورة، فنص على أنه ” وبوجه خاص، فتسليم السندات المعطاة عن البضائع المعهود بها إلى أمين النقل أو المودعة في المخازن يقوم مقام تسليم البضائع ذاتها، على أنه إذا تسلم شخص هذه المستندات وتسلم آخر البضاعة ذاتها وكان كلاهما حسن النية فإن الأفضلية تكون لمن تسلم البضاعة “، وتفضيل من تسلم البضاعة على من تسلم السندات مشروط بأن يكون كما يظهر من النص، حسن النية أي لا يعلم بسبق تسليم المستندات إلى غيره، فإن كان سيئ النية فيجب تفضيل من تسلم المستندات ما دام حسن النية فيعتبر هو الحائز، ومن صياغة النص يتضح أن القاعدة تتسع لغير الحالة المنصوص عليها بوجه خاص، ولهذا يعتبر حائزًا من تسلم مفتاح المخزن الموجودة به البضاعة أو تسلم مشتري المنزل المفاتيح التي تمكنه من شغله وهكذا.
وقد ذكرنا أن حيازة الخلف العام تُعتبر استمرارًا لحيازة السلف وهو ما يعني أن تنتقل الحيازة من وقت بدئها إلى الخلف، فإذا اقتضى الأمر حساب مدة الحيازة فتبدأ المدة وقت بدء حيازة السلف، أما الحيازة التي تنتقل من الحائز إلى غيره بالاتفاق فهي حيازة جديدة، قد تماثل حيازة السلف في صفاتها وقد تختلف عنها ومع ذلك فإذا كانت مصلحة الخلف في ضم مدة حيازة سلفه إلى مدة حيازته، فله ذلك وفقًا لنص المادة (921) من المشروع، مع ملاحظة أنه عند الضم يُنظر إلى الحيازة التي انضمت بصفاتها كما كانت عند السلف.
5 – زوال الحيازة:
تقوم الحيازة، كما سبق البيان، على ركنين، المادي والمعنوي، ولذلك فهي تزول بزوال الركنين معًا أو بزوال أحدهما فتزول الحيازة عن الحائز إذا فقدت الركنين معًا وذلك في حالتين: الأولى حالة ما إذا نقل الحائز حيازته إلى غيره بالاتفاق على نحو ما ورد في النصوص المتعلقة بانتقال الحيازة، كما لو باع الحائز الشيء الذي يحوزه باعتباره مالكًا وسلمه إلى المشتري، والحالة الثانية إذا ما تخلى الحائز عن الشيء بنية تركه، دون أن ينقل حيازته إلى غيره، وزوال الحيازة بفقد الركنين معًا لا يحتاج إلى نص.
وقد تزول الحيازة بفقد الركن المادي وحده، وقد عرض المشروع بنص المادة (922) لهذا فبدأ في الفقرة الأولى من النص بالقول ” تزول الحيازة إذا تخلى الحائز عن سيطرته الفعلية على الشيء أو فقد هذه السيطرة بأية طريقة أخرى ” فالأصل أن تزول الحيازة بمجرد فقد السيطرة الفعلية، ولكن إذا كان الذي حال دون الحائز والسيطرة الفعلية مانعًا وقتيًا فإن كان هذا المانع قوة قاهرة كفيضان أو حرب حالت دونه والسيطرة على الشيء فلا يترتب على هذا المانع زوال الحيازة بل تبقى ما بقي المانع قائمًا، وقد يكون المانع هو أن شخصًا آخر قد حاز الشيء، ويكون للحائز الذي فقد حيازته أن يستردها وفقًا للقانون، وذلك بدعوى استرداد حيازة العقار التي نظمها المشروع بالمواد (924 و925 و926) فإذا استعمل من فقد الحيازة حقه في الاسترداد واسترد الحيازة فعلاً فتعتبر حيازته مستمرة وكأنها لم تفقد.
6 – آثار الحيازة:
بعد أن عرض المشروع للحيازة في ذاتها انتقل إلى بيان ما يترتب عليها من آثار، فبين أولاً: أثر الحيازة من حيث اعتبارها قرينة على الحق، وثانيًا: حماية الحيازة ذاتها بدعاوى الحيازة الثلاث، ثم عرض لأثر الحيازة في كسب الحائز الثمار وفي استرداد ما أنفقه من مصروفات وأحكام تحمل تبعه هلاك الشيء وأخيرًا لأثر الحيازة التي تستمر فترة من الزمن باعتبارها دليلاً على وجود الحق يمكن الحكم للحائز بمقتضاه بالحق وأثر حيازة المنقول بسبب صحيح وحسن نية.
وأول الآثار التي تترتب على الحيازة هو اعتبارها قرينة على وجود الحق الذي يظهر الحائز بمظهر صاحبه، بل إن هذا الاعتبار هو أهم الأسس التي تقوم عليه كافة الآثار الأخرى ابتداءً من حماية الحيازة في ذاتها بدعاوى الحيازة إلى ما قد يترتب على الحيازة من آثار أخرى، ولهذا بدأ المشروع بتقرير هذه القرينة فنص في المادة (923) على أن ” من حاز شيئًا ظاهرًا عليه بمظهر المالك أو صاحب حق عيني آخر، اعتُبر هو المالك أو صاحب الحق ما لم يثبت العكس ” فما دام الظاهر أن الحائز هو صاحب الحق فالقانون يفترض أن هذا الظاهر يمثل الحقيقة وعلى من يدعي خلافه أن يثبت ما يدعيه، ولا تقتصر فائدة هذه القرينة على تحقيق مصلحة الحائز الذي قد يكون غير صاحب حق، وإنما تحقق أيضًا مصلحة صاحب الحق نفسه وكثيرًا ما يكون الحائز هو صاحب الحق، فبمقتضاها يعفى من تقديم دليل الإثبات لوجود حقه إذا ما نازعه غيره في وجود هذا الحق وعلى من ينكر عليه حقه أن يثبت ما يدعيه.
(محاماة نت)