دراسات قانونية
مشكلات التبليغ في النطاق الضريبي (بحث قانوني)
بقلم ذ عزيز بوعلام
إطار بالمديرية العامة للضرائب باحث جامعي
تثير مسطرة التبليغ عدة نزاعات قانونية وواقعية أمام القضاء الجبائي باعتبار التبليغ أساس المسطرة التواجهية، وأساس الإعلام الذي هو حق من حقوق الملزم الأساسية، سواء إبان تصحيح مسطرة الوعاء أو الفرض التلقائي للضريبة،أو أي إجراء من الإجراءات التي تتطلبها مرحلة تحديد الواقعة المنشئة للضريبة، أو في حالة عدم إلتزام المكلف الضريبي بالتصريح التلقائي للضرائب المفروضة عليه وفي أجاله القانونية.
و لتجاوز كل النزاعات المرتبطة بالتبليغ،فإن المشرع يحاول دائما أن يساير التطورات الواقعية ، لكن أهم المشاكل التي يمكن أن تقع في مجال التبليغ تحتاج دائما إلى المزيد من التحليل سواء من طرف الفقه أو القضاء، فأهم المشاكل التي يطرحها التبليغ في المجال الضريبي، ليس الإدارة الجبائية هي سببها، كما يظن البعض بقصد أو بغير قصد، لأن الادارة الجبائية، محدودة الإمكانيات، على اعتبار أن حريتها في التحرك أقل من حرية الملزم و لكون مصالحها معروفة بينما الملزم يستطيع أن يغير موطنه و مقر مقامه و مقر نشاطه في أي وقت، ثم إن أعوان الإدارة الجبائية لا يمكنهم إيصال التبليغ إلى الملزم إلا في أوقات العمل، بينما غالبا ما يكون الملزم المخاطب بإجراءات التبليغ غائبا عن مقر سكناه في تلك الفترة، إلى غير ذلك من الظروف التي تؤكد خطأ نظرية هيمنة و سيطرة الإدارة الجبائية في مجال التبليغ و غيره من الإجراءات التواجهية.
ومن هنا لا يمكن الجزم بان إدارة الضرائب تصيب دائما الهدف و تتمكن من إتمام إجراءات التبليغ في أحسن وأجود الظروف، على اعتبار أن هناك بعض العراقيل تحول دون قيام الإدارة الجبائية بدورها في إطار تصحيح و ربط و تحديد الوعاء الضريبي، وسنحاول استطراد بعض تلك المشاكل العملية المرتبطة بمسطرة التبليغ في المجال الضريبي، و منها:
1- مشكلة التوصل بعنوان الملزم
كثيرة هي المراسلات التي ترجع إلى الإدارة الجبائية/ المرسلة، وهي تحمل عبارة ” يرجع إلى المرسل” مما دفع بهذه الأخيرة إلى فرض الضريبة بصورة تلقائية، نظرا لعدم إستجابة الملزم لمراسلاتها، وكان موقفها في ذلك أن المراسلات العائدة بعبارة “غير مطلوب” تعني أن الملزمين رفضوا سحبها من مصالح البريد، مما يحملهم مسؤولية عدم التوصل، وقد دافعت الإدارة عن هذا الموقف، غير ما مرة أمام المحاكم، مدعية بأن المراسلات الموجهة إلى الملزمين تحمل أسمائهم كاملة والعناوين المدلى بها من طرفهم بأنفسهم و التي اختاروها محلا للمخابرة معهم، وأنها لا يمكن أن تعلم عناوين غير تلك التي أدلى بها الملزمون أنفسهم، لذلك فإن المسؤولية ترجع إلى الملزمين وليس إلى الإدارة الجبائية، خاصة إذا علمنا أن الملزم غالبا ما يتوصل بعدد من المراسلات، خلال عملية المراقبة، ولا يتوصل بالرسالة الحاسمة التي تعبر عن الموقف النهائي للإدارة قبل الفرض الضريبي.
غير أن المحاكم الإدارية بالمغرب اتخذت مواقف مختلفة من هذه القضية، فهناك من هذه المحاكم من لم تشاطر رأي الإدارة، مما مكن العديد من الملزمين من الثراء بلا سبب على حساب مصالح المجتمع بينما اعتبرت محاكم أخرى أن مسؤولية الإدارة غير قائمة في مثل هذه الحالات و أنه يتعين الإبقاء على الفرض التلقائي للضريبة، وعلى الملزم اللجوء في هذه الحالة إلى مسطرة التظلم، لإثبات المبالغة في التقدير الضريبي.
و إن سبب هذا التضارب في الأحكام المتعلقة بمثل هذه القضايا، هو تقيد المحاكم الإدارية باجتهادات محكمة النقض و التي مر عليها ردحا من الزمن، في حين أن واقع الحال يفرض عليها تجديد الموقف القضائي بشأن التبليغ بالبريد المضمون، خاصة عندما يتعلق الأمر بعلاقة تربط بين إدارة، لا حيلة لها سوى ما يتضمنه الملف الجبائي من عناوين ، وملزم حر في تنقلاته و تغيير مقر عمله.
2- مشكلة تعدد الأطراف:
من المشاكل كذلك المثارة و الشائكة في هذا الباب، تعدد الأطراف الموجهة إليهم المرسلات، خاصة فيما يتعلق ببعض الضرائب التي يتابع فيها شريكان أو أكثر في نفس الوقت، بصفتهم متضامنين فيما بينهم، كضريبة التسجيل حيث تفرض الضريبة على واقعة البيع التي أنجزها عدة شركاء ، أو الضريبة على القيمة المضافة التي تفرض كذلك على عملية البيع و الخدمة التي يقوم بها أكثر من شخص، بل و حتى في الضريبة على الدخل، حيث تضطر الادارة الجبائية في حالة وفاة الملزم إلى تبليغ المراسلة للورثة، ذلك أنه في هذه الحالة غالبا ما يتوصل البعض، دون البعض الآخر من الورثة، و إذا كان هذا الموقف منطقي لإننا صادفنا أحكاما غريبة في حق ملزمين مشتركين على الشياع في عقار موضوع منازعة ضريبية، حيث اعتبر أحدهما مبلغا بينما رجعت الرسالة التصحيحية الموجهة للثاني، تحمل عبارة” غير مطلوب” مما كان على المحكمة إلا أن اعتبرتهما معا غير متوصلين.
3- العنوان الناقص:
أما الرسالة التي تعود إلى الإدارة تحمل عبارة” عنوان ناقص” فمن المنطقي أن يتحمل كل طرف على حدة مسؤولية عدم ذكر العنوان كاملا، بحيث تكون الإدارة مسؤولة إذا لم تكتب العنوان الصحيح على الظرف، بينما يكون الملزم هو المسؤول إذا لم يدل بالعنوان الصحيح.
4- التسليم يدا في يد في المكتب:
في بعض الأحيان يضطر مفتش الضرائب، في حالة اقتراب أجل التقادم إلى أن يسلم المراسلة للملزم مقابل الإمضاء على الإعلام بالتوصل، وذلك دون المرور بمصالح البريد، خاصة أن الملزم يظل يتردد على الإدارة الجبائية قصد الحصول على الإبراء، ففي الوقت الذي يبحث المفتش عن عنوان الملزم نجد هذا الأخير بممرات الإدارة الجبائية، فلا يعقل إذن أن يطلب المفتش من الملزم مغادرة الإدارة إلى غاية التوصل، فالتبليغ بهذا الشكل لا يشكل بالنسبة للإدارة الضريبية أي خرق للقانون مادام أن الهدف في نهاية الأمر هو تبليغ الملزم بالمراسلة، أي إطلاعه على مضمونها، لكن بعض المحاكم رأت أن هذا الإجراء التبليغي مخالف للقانون، مع العلم أنه ليس هناك أي ضرر فيما إذا تحقق العلم اليقين بأي وسيلة كانت خاصة إذا تمكن الملزم من ممارسة حقه في الجواب و متابعة المسطرة التواجهية أو اعترف كتابة بتوصله.
5- مشكلة المحل المغلق:
إن الإدارة الجبائية غالبا ما تصطدم بعدم وجود أي مجيب أو مخاطب بالعنوان الذي اختاره الملزم محلا للمخابرة معه، و لا يخفى أن بعض العائلات يغادر جميع أفرادها المنزل قصد العمل أو الدراسة أو لأي غرض آخر، ولا يجد مفتش الضرائب أحدا ليبلغه بالمراسلة، ففي هذه الحالة يصعب تحميل الإدارة الجبائية مسؤولية عدم التبليغ.
6- مشكلة التبليغ إلى الخدم:
إن مفتش الضرائب يواجه في حالات كثيرة رفض الخادم أو الخادمة التسلم، بل أكثر من ذلك يرفض هؤلاء إعطاء أية بيانات عن هويتهم، مع العلم أن مجرد إشهاد المفتش المحلف بالرفض المذكور في المحضر يجعل الوثيقة المذكورة حجة ثابتة ما لم يطعن فيها بالزور في الوقت الذي درج القضاء على اعتبار أن التبليغ للخادم، لكي يكون صحيحا، يتعين ثبوت أن المبلغ إليه كان فعلا خادما لدى المدعى عليه وقت حصول التبليغ-1-
هنا وبعد إستعراض لبعض المشاكل التي لا تزال تثار في هذا الباب، يمكن أن نعود إلى تلمس المعنى الحقيقي لمفهوم التبليغ حسب ما يقتضيه القانون الضريبي، ذلك أنه إذا كانت الغاية من هذه المسطرة هي تمكين طرفي العملية الضريبية من التعاون بشكل حضاري من أجل تقدير واجب وطني و هو مدى قدرة الملزم في المساهمة في أعباء الدولة، فإن المصلحة تقتضي من الجميع محاربة التعسف في استعمال الحق، فالتبليغ مسطرة تبدأها الإدارة و يجب أن يتممها الملزم، وهذا ما حدا بالقضاء الفرنسي مثلا أن يكمل باجتهاداته ما نقص أثناء تطبيق القانون الضريببي ، فاعتبر التبليغ صحيحا في حالات عديدة منها:
– إذا تسلم الملزم الرسالة من المفتش يدا بيد؛
– إذا وجهت إدارة الوعاء الرسالة إلى عنوان قديم و لو سبق للملزم أن أعلم إدارة التحصيل بالعنوان الجديد.
– إذا تم توجيه الرسالة إلى مؤسسة أغلقها الملزم دون إخبار الإدارة،
– إذا تم توجيه الرسالة إلى المؤسسة، بدل عنوان الملزم، مادام أن هذا الأخير لا يصرح إلا بمدخول تأتى من هذه المؤسسة وحدها، ففي القانون المدني يعتبر التبليغ في موطن الشغل جائز.
– إذا توصل الملزم ولو كان هناك خطأ ما في العنوان أو في الإسم؛
-إذا تسلم أحد الشركاء الرسالة، ففي القانون المدني يجوز تبليغ الورثة دون تحديد عددهم وصفاتهم؛
-إذا أعلم الملزم بأن رشسالة مضمونة رهن إشارته بمصالح البريد؛
– إذا أقر الملزم في مراسلاته بتوصله أو إذا حصل الإتفاق حول الإلتزام الضريبي؛
-إذا توصل ممثل الشركة في الفرع بدل المقر الرئيسي المغلق؛
-إذا سلم العون الطي المرفوض إلى أقرب إدارة لجعله رهن إشارة الملزم،
-إذا أقر الملزم أنه كان مسافرا خلال عملية التبليغ-
كما اعتبر القضاء الفرنسي أن التقادم ينقطع بالنسبة للإدارة في اليوم الأول من العشرة أيام الفاصلة بين مباشرة الإدارة للتبليغ، وفي اليوم العاشر يبدأ أجل الجواب بالنسبة للملزم.-2-
و لكن إذا كانت فعلا مسطرة التبليغ في القانون الضريبي، قد طرحت عدة إشكالات قانونية، فإنها في نفس الوقت طرحت إشكالات عملية، منها ما هو مرتبط بالادارة ومنها ما له علاقة بالملزم:
المطلب الأول: الإشكالات العملية المرتبطة بالإدارة.
توجد مجموعة من الإشكالات العملية من أهمها:
• تحرير المراسلات الموجهة إلى الملزم بأداء الضريبة بغير اللغة الرسمية للبلاد أو باقي اللغات الوطنية، فمجمل الإدارات و من بينها الإدارة الجبائية بالمغرب ما زالت تعتمد على اللغة الفرنسية بصفة عامة في كافة مراسلاته، مما يرتب عنه جهل بعض المواطنين الذين لا ينطقون اللغة الفرنسية بفحوى المراسلات الموجهة إليهم من طرف إدارة الضرائب، مما يضيع عليهم فرصة فهم مضمونها و المطلوب منهم القيام به؛
• التعامل في المراسلات بأسلوب الرموز المختصرة، والتي لا يعرفها سوى الممارسون و المحتصون في المجال
الضريبي، مثال ذلك TVA – IS – IR و هي رموز لا يفقهها الملزم الضريبي/المغربي، مما ينعكس على
طعونهم او في توجيه تظلماتهم إلى الإدارة الجبائية، فغالبا ما يتضمن المقال الموجه إلى المحاكم الإدارية طعنا
في ضريبة غير تلك الموجودة في الإشعار الضريبي، مما يؤدي إلى عدم القبول، خصوصا و أن المشرع المغربي إعتبر أن سلوك المطالبة الإدارية إلزاميا قبل طرق باب القضاء .
* اعتبار الإدارة الضريبية أن عدم التصريح بأي عنوان من قبل الملزم يصنف ضمن حالة العنوان
الناقص، وتخضعه بالتالي إلى مقتضيات المادة 10 من المدونة العامة للضرائب.
* تبليغ الإشعارات الضريبية داخل أوقات العمل، وهو الوقت الذي يكون فيه بعض الملزمين غير متواجدين في منازلهم، مما يؤدي إلى رجوع طي التبليغ بعبارة”غير مطلوب” أو” أن المحل مغلق أو أن يتسلم الطي أشخاص لا يعلمون الآثار القانونية المترتبة عن رفضهم تسلم الطي، أو حتى في حالة تسلمه لا يدلون بكافة البيانات لعون التبليغ.
* الإعتماد على أعوان التبليغ تابعين للإدارة الجبائية،مما يمكن اعتبارهم خصما و حكما في نفس الوقت.
المطلب الثاني: الإشكالات العملية المرتبطة بالملزم.
*ضعف التكوين الثقافي و العلمي للملزم و سلوكه اللامبالي مما ينتج عنه عدم إستجابته للمراسلات الموجهة إليه,
* التواطؤ بين بعض الملزمين و بعض الأعوان المكلفين بالتبليغ بغية التهرب من أداء الضريبة، كأن يصرح للعون بتضمين شهادة التسليم، عدم تواجده بالمحل الذي يسكن فيه.
• إنكار بعض الملزمين التوقيع على الإشعار بالتسلم أو شهادة التبليغ،إلا أن هذا الإنكار يجب أن يكون محل طعن، ولا يكفي أن يدعي الملزم إنكار توقيعه، وهذا ما ذهبت إليه المحكمة الإدارية بوجدة معتبرة في حكمها عدد05/2003 في الملف رقم 125/2002 الصادر بتاريخ 08/01/2003 أنه “مادام المدعي لم يتقدم بأي طعن في الإشعار بالتوصل المستدل به و الذي يحمل توقيعه كما سبق ذكره فإن ما يثيره بخصوص هذه الوسيلة يبقى عديم الجدوى”.-3-
• تعدد الملزمين يطرح هنا إشكال عند عدم توصل أحد الملزمين كما هو الشأن بالنسبة للورثة فهل يمكن اعتبار تبليغ الإشعار الضريبي لأحد الورثة كاف و منتجا لآثاره في حق الجميع أم أن الأمر يتطلب تبليغ كل الورثة، لقد أجاب الاجتهاد القضائي على هذا الاشكال من خلال عدة أحكام أهمها الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بوجدة إذ اعتبر أن الإدارة الجبائية غير ملزمة بمطالبة كل الورثة بالدين الضريبي المترتب بذمة مورثهم إذ يكفيها توجيه الاعلام الضريبي إلى أحدهم و تطالبه لوحده أو بالتضامن مع باقي الورثة مادامت لم تتوصل بما يفيد تصفية م 199/2002 في الملف رقم 72/2002 بتاريخ 27/11/2002-4-
• إدعاء بعض الملزمين جهلهم بفحوى الرسالة الموجهة إليهم من طرف الإدارة الجبائية رغم
وضوح هذه المراسلة، إلا أن هذا العذر لا يمكن الإعتداد به مادام انه يمكن لكل مواطن الإستفسار عن مضمون الإشعار الضريبي خاصة إذا كان الملزم يعلم مسبقا أنه لم يتقدم أصلا بأي إقرار لإدارة الضرائب، وفي هذا الإطار اعتبرت المحكمة الإدارية بوجدة أن “المدعي لم ينازع في كون مأمور الإدارة قد إنتقل إليه لتسليمه الرسالة و إنما نعى على المأمور المذكور عدم إطلاعه على فحوى الرسالة المراد تبليغها إياه، لكن حيث إن المأمور أو أي شخص مكلف بالتبليغ غير ملزم بمعرفة فحوى الرسالة التي يسهر على تبليغها و بالتالي فهة غير ملزم بإطلاع المرسل إليه على فحواها لذا كان على المدعي تسلم الطي أو رفضه و بعد ذلك يسلك المسطرة القانونية الواجبة الإتباع”-5-
وما يمكن إستخلاصه من مختلف هذه الإشكالات، سواء منها القانونية أو العملية أن مسطرة التبليغ لها آثار مهمة على عملية فرض الضريبة و أن أي إخلال بهذه المسطرة يترتب عليها بطلان عملية الفرض ككل، لذا كان من الضروري وجود تعاون بين الإدارة الجبائية و الخاضعين للضريبة من أجل حماية حقوق حقوق الملزم من جهة في إطار الضمانات التي خولها له القانون في ظل مسطرة تواجهية تكفل له حق الدفاع عن مصالحه، ومن جهة ثانية حماية أموال و حقوق خزينة الدولة من أي تملص ضريبي، و هكذا ، ومن خلال المحاولة التي قمنا بها من أجل تتبع أهمية التبليغ سواء من خلال أهميته و الدور الذي خول له من طرف المشرع الجبائي من خلال ما نصت عليه المدونة العامة للضرائب ، أو ما حددته مدونة تحصيل الديون العمومية ، و ما خلصنا إليه من كون أن مسطرة التبليغ هي حلقة وصل و تواصل من أجل فتح حوار بين الإدارة الجبائية أو الملزم، لدى فإن إحترامها يجعل التوافق و الرضا حاصل بين الطرفين: الملزم والإدارة الجبائية، إلا أن هنا بعض الأسئلة ما زالت عالقة، وتتطلب المزيد من الإيضاح و يتعلق الأمر بآثار ببطلان التبليغ على الإلتزام الضريبي؟
على اعتبار أنه إذا كان الإخلال بالقواعد المسطرية المتعلقة بالتبليغ يترتب عنه بطلان مسطرة فرض و تصحيح الضريبةـ فهل يترتب عن البطلان المذكور إنقضاء الإلتزام الضريبي و منع الإدارة الجبائية من ممارسة الحق في إعادة فرض و تصحيح الضريبة في إطار مسطرة جديدة صحيحة و سليمة؟
قبل الإجابة على هذا التساؤل لابد من تحديد البطلان المنصوص عليه في المادة 220من المدونة العامة للضرائب، فهل هو بطلان مطلق أم بطلان نسبي؟
و بالعودة إلى الفقرة 8 من المادة 220 من المدونة العامة للضرائب، والتي تنص على أنه “تكون مسطرة التصحيح لاغية:
– في حالة عدم توجيه الإشعار بالفحص إلى المعنيين بالأمر أو ميثاق الخاضع للضريبة أو هما معا داخل الأجل المنصوص عليه في المادة 212-I –الفقرة الأولى- أعلاه؛
– في حالة عدم تبليغ جواب المفتش على ملاحظات الخاضعين للضريبة داخل الأجل المنصوص عليه في البندII أعلاه.”
لقد إعتبر بعض الفقه أن هذا التمييز في البطلان متجاوز”لأن البطلان واحد لا يتعدد، أي لا مراتب له، فهو عدم والعدم لا تفاوت فيه، كما أنه منصوص عليه في المادة 316 من قانون الالتزامات و العقود-، وتطبيقا للقواعد العامة للقانون أنه” إذا حكم بإبطال العقد فإنه يزول، وتزول جميع الآثار التي أنتجها بأثر رجعي العقد الباطل عدما، والعدم بطبيعة الحال لا ينتج إلا عدما.
كما ذهب بعض الباحثين-6- في تفسير حالتي البطلان المنصوص عليها في المادة 220 من المدونة العامة للضرائب، إلى أن الحالة الأولى تهم بطلان المسطرة فيما تهم الحالة الثانية بطلان التصحيحات المبلغة للملزم/
و قد علل هذا التفسير بكون عدم جواب الإدارة الجبائية داخل الأجل المحدد لها قانونا يعتبر قبولا بملاحظات الملزم في جوابه للإدارة و بالتالي فإن هذه الخيرة بعدم جوابها تكون قد تخلت عن التصحيحات المزمع إدخالها على أسس الضريبة المصرح بها، وبذلك فلا يجوز لها أن تقوم بإعادة فحص جديد لنفس الفترة التي سبق أن شملتها المسطرة السابقة، غير أن الأستاذ الحسن كثير-7-ذهب إلى القول بغير ذلك، بقوله” غير أننا نخالف هذا الرأي من منطلق أن المقتضيات التشريعية الواردة في المادة 220 من المدونة العامة للضرائب، هي مقتضيات واضحة تقتضي ببطلان المسطرة و ليس ببطلان التصحيحات و بالتالي لا حاجة لتفسير نص واضح، كما أن الإستنتاج بعدم جواز الإدارة القيام لاحقا بفحص جديد لا يسنتد إلى أي أساس قانوني” و بالرجوع على المقتضيات التشريعية المنصوص عليها في المدونة العامة للضرائب، وكذا الإجتهادات القضائية على مستوى المحاكم الإدارية و المجلس الأعلى، نجد أن الجزاء المترتب عن عدم إحترام إجراءات التبليغ المنصوص عليها قانونا سواء عند فرض الضريبة أو تصحيحها هو بطلان مسطرة فرض الضريبة بأكملها و بالتالي بطلان العمل الإجرائي و عدم إنتاجه لأي أثر قانوني مع إمكانية إعادة المسطرة في حدود السنوات غير المتقادمة.
و هذا ما نصت عليه أحكام المادة 232 من المدونة العامة للضرائب، والتي تخول للإدارة الجبائية حق تصحيح أوجه النقصان و الأخطاء و الإغفالات الكلية الجزئية الملاحظة في تحديد أساس فرض الضريبة داخل أجل أربع سنوات الموالية لسنة الواقعة المنشأة للضريبة، إلا أن هذا الحق مقيد بوجوب و إلزامية سلوك مسطرة التصحيح المنصوص عليها في المواد 220 و 221 و 224 من المدونة العامة للضرائب،وفق إجراءات التبليغ المنصوص عليها في المادة 219 من نفس المدونة..
و ما نخلص إليه من خلال ما ذكر، هو ضرورة إحترام الضمانات القانونية المخولة للملزم ، و أن كل إخلال بهذه الضمانات التي تشكل فيها إجراءات التبليغ العمود الفقري ا يترتب عنه بطلان المسطرة بأكملها على اعتبار أن تلك الإجراءات إجراءات جوهرية آمرة يجب التقيد بها من طرف الإدارة الجبائية تحت طائلة البطلان، إعمالا بالقواعد الفقهية التي تعتبر أن الإجراء الباطل لا يرتب أي أثرى قانوني و أن ما بني على باطل فهو باطل.
أما في مجال التحصيل الجبري للضرائب و الرسوم، فإن التدابير المتبعة تستجيب في مجموعها لقواعد قانون المسطرة المدنية إلى جانب المساطر الخاصة المنصوص عليها في مدونة تحصيل الديون العمومية، وعند سكوت هذه المدونة، تبقى التدابير المذكورة خاضعة للشروط العامة لصحة الإجراءات المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية شريطة عدم تعارضها مع الأحكام التشريعية المنظمة للتحصيل سواء فيما يتعلق بالمضمون أو بطريقة التبليغ أو الإرسال أو الآجال القانونية.
و في الأخير يمكن القول بأن مسألة التبليغ لا زالت تطرح عدة إشكالات ناتجة بالأساس عن دفع الملزم بعدم التوصل حتى أن بعض الملزمين يجدون في عدم وقوع التبليغ وسيلة للإفلات من الدين الضريبي، وهو الأمر الذي شكل ويشكل و سيشكل هاجسا بالنسبة للإدارة الضريبية، لا سيما في ظل ما إستقر عليه قضاء محكمة النقض من التشبث بقواعد القانون المدني للبث في النزاعات الضريبية ، وبالتالي إبطال مجموعة من العمليات و المساطر الضريبية بسبب عيب في إجراء التبليغ،لدى و لإيجاد حل لهذا الصراع فلابد للقضاء الإداري أن يتحرر من هيمنة القانون المدني و أن يأخذ نفس الإتجاه الذي سار عليه المجلس الدستوري الفرنسي حين أكد بدون إلتباس” أن ممارسة الحريات و الحقوق الفردية لا يمكن أن تبرر التملص الضريبي أو تعرقل المحاربة الشرعية لهذا التملص8
بقلم ذ عزيز بوعلام