دراسات قانونية
الطبيعة القانونية للموثق ولوظيفته (بحث قانوني)
بقلم : وليد تويلي
باحث في سلك الدكتوراه مختبر الطفل والأسرة والتوثيق
مقدمة:
يعتبر التوثيق من المهن القانونية المساعدة للقضاء التي تعتبر من الأهمية بمكان حيث لعبت دورا فعالا في المساعدة على تحقيق العدالة القانونية والاجتماعية، وهو ما يخفض على المحاكم مجموعة من النزاعات ويساعد القضاء في إصدار أحكام تتميز بالجودة لتحقيق النجاعة القضائية.
وعملية التوثيق أناطها المشرع بأشخاص حددهم على سبيل الحصر ونجد من ضمنهم الموثق الذي اشترط فيه مجموعة من الشروط لعل أهمها توفره على كفاءة قانونية ومهنية كبيرة مع احترامه لجميع المقتضيات القانونية اللازمة لإضفاء الرسمية على العقود
ولعل أنسب تعريف للتوثيق والمتناسب مع التعريف المعتمد لدى جميع الدول المنضوية تحت لواء الإتحاد الدولي للتوثيق الذي أصبح المغرب عضوا فيه منذ سنة 1986 هو أن “التوثيق قضاء إختياري يمارسه مأمورون رسميون في إطار حر، مهمتهم تلقي العقود والإتفاقيات التي يتعين أو يريد الأطراف أن تضفي عليها الصبغة الرسمية التي تتمتع بها أحكام السلطة العمومية…”
إن مؤسسة التوثيق لها جذور ضاربة في التاريخ غير ان تنظيمها وتقنينها يجد أصله في قانون 25 فانتوز الفرنسي لسنة 1803 والذي قام المستعمر الفرنسي بإدخاله للمنظومة المغربية من خلال قانون 4 ماي 1925، غير ان النقص الكبير الذي كان يشوب هذا القانون وكذا تعارضه مع الهوية والمبادئ المغربية دفع المشرع إلى إعداد قانون 32.09 الصادر في 22 نوفمبر 2011، المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق.
ومنه فإن للمهنة دور محوري في تحقيق الأمن التعاقدي ومنه بالخصوص الأمن العقاري لذلك أولاها المشرع أهمية خاصة، وإستلزمها بشروط وضوابط وجب التقيد بها حتى تتحقق الغاية منها، والمتمثلة من الناحية العملية في مساعدة القضاء في حل العديد من القضايا بالكيفية المحققة للعدالة.
فماهي الطبيعة القانونية لعمل الموثق؟
المطلب الأول: الطبيعة القانونية العامة للموثق
إن الطبيعة القانونية العامة للموثق أثارت جدلا واسعا سواء من حيث تحديد وضعيته القانونية او من حيث ملائمة هذه الوضعية للأنظمة الأساسية وعليه سيتم البحث في الوضعية القانونية الخاصة به “أولا” وكذا تقييم هذه الوضعية على غرار ماهو معمول به “ثانيا”.
أولا: الوضعية القانونية الخاصة بالموثق
لقد أثارت مسألة تحديد الوضعية القانونية الخاصة بالموثق جدلا في أوساط فقهاء القانون العام فالبعض يقر بصفة الموظف العمومي والبعض الآخر يرفض ذلك، فبالنسبة للفقهاء Berthelmy la ferrière و Hauriou و Moreau يعتبر الموثق في نظرهم موظفا عموميا، وهذا بخلاف ما جاء في بعض المجموعات القانونية كالمجموعات الإدارية Béquet التي أشارت إلى أن الموثق يمارس مهامه في إطار المنافع الخاصة، والدولة إذا كانت تتدخل لتعيينه فهي ترمي من وراء ذلك التأكد من كفاءته وحسن أخلاقه ولا يعني هذا أنها تتنازل له على جزء من سلطتها العامة، نفس الأمر نجده في مجموعة دالوز رقم 54 حيث تنص على ضرورة التمييز بين المأمور الرسمي والموظف العمومي، فالأول إن كان يتصف بالطابع العام، فإنه لا يمارس أي سلطة عامة وفي هذا الصنف ينبغي إدراج الموثقين، ويشير الفقيهان ريبير وبولانجي في هذا الشأن إلى أن الموثق ليس موظفا عموميا بالمعنى الحقيقي بل مأمورا رسيما، وتجدر الإشارة إلى أن إضفاء صفة موظف عمومي على الموثق في فرنسا له اعتبارات تاريخية على اعتبار ان التوثيق كان مرتبطا ارتباطا وثيقا بالسلطة القضائية وكان فرعا منها، وهو الشيء الذي جعل الأشخاص الذين يزاولون مهام التوثيق آنذاك يعتبرون موظفين عموميين يتلقون اتفاقات الأفراد، ويضفون عليها الصفة الرسمية، ويمنحونهم صورا مذيلة بالصيغة التنفيذية، وعندما استقل التوثيق عن السلطة القضائية بقيت، له هذه الاختصاصات، مما جعل المشرع بدوره يحتفظ للموثق بصفة الموظف العمومي[1].
وبالرغم من كون المشرع المغربي، نص في الفصل الأول من ظهير 4 ماي 1925م على كون الموثق موظف عمومي، فقد اعتبر الأستاذ Berge الذي تولى تحرير مشروع قانون المسطرة المدنية لسنة 1913 وأحد أعضاء اللجنة التي أشرفت على صياغة مشروع ظهير التوثيق العصري، أن المشرع وعلى الرغم من احتفاظه للموثق بصفة الموظف العمومي فإن كل ذلك مجرد خيال تشريعي يحملنا على اعتقاد وإقرار المبدأ الذي اعتمده قانون المسطرة المدنية وهو استبعاد إدخال فئة الضباط العموميين للنظام القانوني الفرنسي بالمغرب، لكنه في الحقيقية يجعل من الموثق ضابطا عموميا شبيها بالموثق في الجزائر وفرنسا، وأما الأستاذ Sorbier وهو أحد أعضاء اللجنة المشرفة على صياغة مشروع ظهير التوثيق العصري، فاعتبر أن الموثق موظف من نوع خاص لأنه يمارس اختصاصات الضباط العموميين ويختلف في هذا الجانب عن بقية الموظفين، هذا وقد عمل القضاء المغربي آنذاك على تكريس صفة الموظف العمومي واعتبر أن الموثق يخضع لقانون خاص، ويتوصل براتب محدد وبمكافأة تتناسب ومردودية ديوانه، وهو المنحى الذي سار عليه المجلس الأعلى في الملف الاجتماعي 229/97 بتاريخ 28 يوليوز 1998 حيث إعتبر أن مجرد حيازة موثق لمحفوظات سلفه لا يشكل تحويل المشروع لأن هذه الحيازة من مستلزمات قانون 4 ماي 1925[2].
غير أنه تجدر الإشارة إلى أن الواقع المغربي أفرز التوثيق العصري كمهنة حرة تحتكم في أداء مهامها لأعراف طورتها الممارسة المهنية للسادة الموثقين العصريين، وهو ما سار عليه المشرع المغربي حيث نجده نص في قانون 09.32 في مادته الأولى على ان التوثيق مهنة حرة.
وتجدر الإشارة إلى أن الموثقين تمسكوا خلال المشاورات التي أجريت معهم بمصطلح الموظف العمومي والتمسوا الإحتفاظ به، ولم تتم مجاراة مطلبهم من طرف نواب الأمة لأنه ليست لهذه الصفة أي مدلول على أرض الواقع[3].
ثانيا: تقييم الوضعية القانونية الخاصة بالموثق
إن اعتبار الموثق موظف عمومي حسب ظهير 4 ماي 1925م لا يتماشى مع مقتضيات الفصل الثاني من ظهير 24 فبراير 1958 المنظم للوظيفة العمومية الذي ينص على أن كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرسم في إحدى رتب السلم الخاص بأسلاك الإدارة التابعة للدولة، هو موظف عمومي، وهو ما لا ينطبق على الموثق على اعتبار أن الموثق لا يخضع عند تعيينه لإحدى الرتب الإدارية المعمول بها في أسلاك الإدارة العمومية، ولا يتقاضى راتبه من الخزينة العامة التابعة للدولة وإنما يأخذ أتعابه كقاعدة من الأطراف.
فعمل الموثق يخضع لنظام مهني مهيكل بشكل دقيق ويستخدم العديد من الأشخاص الآخرين ويدفع أجورهم والأصل انه يمنع على الموظف العمومي أن يشغل الغير في إطار وظيفته، كما لا يسأل عن الأضرار التي يحدثها بالغير بمناسبة ممارسة نشاطه المهني في نطاق الفصلين 79 و 80 من قانون الالتزامات والعقود، كما انه من الناحية الضريبية يقتصرون فقط على تأدية الضريبة على الدخل مثلهم في ذلك مثل باقي الموظفين الآخرين، غير ان الموثق يمارس أنشطة مختلفة يطغى عليها طابع المضاربة ويحصل بالتالي على مداخيل مالية ضخمة، وهو ما تنبهت إليه وزارة المالية قصد إدخالهم للضريبة التجارية[4].
كما أن الموثق لا يستفيد من مزايا الوظيفة العمومية كالتعويضات أو الإحالة على التقاعد، لكل ذلك لا يصدق الوصف الذي أعطى للموثق المتمثل في الموظف العمومي، لذلك تم التنصيص على كون التوثيق مهنة حرة في المادة الأولى من قانون 32.09.
غير أن هذا الوصف لا يصدق بدوره على التوثيق على اعتبار انه مأمور رسمي يستمد وظيفته مدى حياته من الدولة التي تعينه بعد أن يتبين لها كفاءته وخصاله، وهذه الوظيفة تتمثل في إضفاء الصبغة الرسمية على المحررات التي ينجزها ويكون لها نفس الحجية التي للأحكام النهائية ولا يمكن الطعن فيها إلا بالزور[5]. بالإضافة إلى الرقابة المزدوجة المفروض عليه[6]، والمسؤولية سواء التأديبية أو المدنية أو الجنائية وكذا الأدوار التي يجب أن يضطلع بها والتي من ضمنها تقديم الاستشارة والتحري والضبط إلى غير ذلك من المهام التي يجب أن يضطلع بها.
المطلب الثاني: وظيفة الموثق:
إذا ثبت ما سبق فإن تحديد وضعية الموثق تبرز كذلك على صعيد تحديد وظيفته هذه الوظيفة التي تتميز بخصائصها عن سائر الوظائف ولذلك ستتم دراسة بعض التزامات الموثق “أولا” وكذا بيان مدى حجية المحرر الرسمي الذي يصدره سواء من حيث الإثبات أو التنفيذ “ثانيا”.
أولا: التزام الموثق بالتأكد من الوضعية القانونية للمحرر
إن من بين الالتزامات الهامة الملقاة على كاهل الموثق، هو التأكد من الوضعية القانونية للمعاملة المراد توثيقها، وأي إخلال منه بهذا الواجب يعد تقصيرا يعرضه للمسؤولية، وعليه فمن بين الالتزامات نجد:
– التأكد من وضعية العقار المحفظ
إن التزام الموثق بالنصح يحمل الموثق في المعاملات العقارية بواجب آخر وهو التأكد والتحري عن الوضعية القانونية للعقار، والتيقن من أنه غير مثقل برهون أو تحملات، فإذا إتضح لموثق بعد رجوعه إلى الرسم العقاري أن وضعية العقار غير سليمة وجب عليه أن يطلع الأطراف بذلك، ويبين للأطراف الآثار المترتبة عن معاملتهم، ويبقى الموثق مسؤولا عن عدم تأكده من الوضعية القانونية للعقار بالرغم من وجود شرط في العقد بعدم مسؤوليته، ولهذا فإن الموثق ملزم بعدم تسليم الثمن للبائع إلا بعد القيام بتقييد عقد البيع بالرسم العقاري والحصول على شهادة عقارية تثبت بأن الملكية آلت إلى المشتري[7].
– التأكد من وضعية العقار غير المحفظ:
يمكن للموثق أن يبرم عقد بيع عقار غير محفظ حيث يجب عليه في هذه الحالة أن يشير إلى موقع العقار ونوعه ومساحته وحدوده وإذا لم تكن له معرفة شخصية بما ذكر وجب عليه أن يشهد على ذلك شاهدان قاطنان بدائرة المحكمة الكائن فيها العقار، كما يجب عليه أن يذكر أصل الملكية، وفي حالة عدم الإدلاء بأي رسم يشار على ذلك في العقد وإلى أن أصل الملكية ثبت من خلال تصريحات الأطراف فقط[8].
– توقيع المحرر من قبل الموثق:
من بين الالتزامات المهنية للموثق، التزامه بتوقيع المحرر ليكتسب الصفة الرسمية، وهذا التوقيع يعد كشهادة من الموثق على أن المحرر تم بطريقة قانونية وإستوفى كافة الشروط المطلوبة، وهذا ما جعل المادة 44 من قانون 32.09 تنص على انه “يجب على الموثق أن يوقع العقد فور آخر توقيع للأطراف، يكتسب العقد الصبغة الرسمية ابتداء من تاريخ توقيع الموثق” وفي حالة ما إذا توفي الموثق قبل توقيعه على العقد فإنه حسب المادة 45 من نفس القانون يمكن لرئيس المحكمة الإبتدائية الواقع بدائرتها مقر عمل الموثق أن يأمر بناء على طلب من المتعاقدين بتذييل العقد بتوقيع موثق آخر بحضورهم وموافقتهم على مضمونه بعد قراءته عليه من جديد.
– التزام الموثق بالتسجيل
طبقا للمادة الأولى من مدونة التسجيل والتنبر فإن جميع المعاملات الهادفة إلى تفويت العقارات محفظة كانت او غير محفظة والحقوق العينية المتعلقة بها تخضع لعملية التسجيل سواء تمت هذه المعاملات بعوض او بدونه.
وقد إعتبر المشرع المغربي التسجيل شرطا لنفاذ بعض العقود في مواجهة الغير ومنها بيع العقارات والحقوق العقارية والأشياء التي يمكن رهنها رهنا رسميا، ومنها المعاوضة التي محلها عقارات أو أشياء أخرى يمكن رهنها رهنا رسميا، ومنها عقود كراء العقارات لأكثر من سنة ومنها عقود الصلح المتعلقة بإنشاء أو نقل أو تعديل حقوق واردة على عقارات أو غيرها من الأشياء التي يمكن رهنها رهنا رسميا، وتقدر رسوم التسجيل مبدئيا في ضوء الثمن المصرح به فإن لم يصرح بقيمة المبيع يلزم الأطراف بتقديم تصريح موقع منهم يتضمن القيمة الحقيقية للمبيع وإلا فقابض التسجيل سيقدر قيمة الرسوم المتوجبة طبقا لمقتضيات المادة 11 من مدونة التسجيل[9].
وتبعا لأحكام المادة 47 من قانون 09.32 فإنه يجب على الموثق أن يقدم نسخا من المحررات والعقود بعد الإشهاد بمطابقتها للأصل من طرفه، لمكتب التسجيل المختص لاستيفاء إجراء التسجيل وأداء الواجب في الأجل المحدد قانونا، ومن هنا فإن المؤثق هو الذي يؤدي رسوم التسجيل والتنبر ومعها الرسوم التوثيقية إلى أن يسترجعها من الأطراف، وإلا تحمل شخصيا بالغرامة.
– إلتزام الموثق بتقييد العقود بالرسوم العقارية
إن الأفعال الإرادية والاتفاقيات التعاقدية الرامية إلى تأسيس حق عيني أو نقله إلى الغير أو الإقرار به أو تغييره أو إسقاطه لا تنتج أي اثر ولو بين الأطراف إلا من تاريخ التقييد بالرسم العقاري، دون الإخلال بما للأطراف من حق في مواجهة بعضهم البعض، وكذا بإمكانية إقامة دعاوى فيما بينهم بسبب عدم تنفيذ اتفاقاتهم” م 67 من قانون 14.07″ وعليه فانطلاقا من المادة السابقة والمادة التي تليها من نفس القانون فإن عدم تقييد العقود السالفة الذكر يجردها من آثارها القانونية ويضعها في مرتبة عدم الانعقاد.
وبالرجوع إلى المادة 47 من قانون 09.32 فإنه يجب على الموثق ان ينجز الإجراءات الضرورية للتقييد في السجلات العقارية لضمان فعاليتها[10]، ويقوم بإجراءات النشر والتبليغ عند الاقتضاء، على أنه يمكن للأطراف المعنيين إعفاء الموثق من إجراءات النشر والتبليغ تحت مسؤوليتهم ويشار لذلك في صلب العقد أو في وثيقة مستقلة ثابتة التاريخ يوقعها الطرف المعني.
– التزام الموثق بالتأكد من الوضعية القانونية للأطراف
ينص الفصل 37 من قانون 32.09 على أن الموثق يتحقق تحت مسؤوليته من هوية الأطراف وصفتهم وأهليتهم للتصرف ومطابقة الوثائق المدلى بها إليه للقانون.
فالموثق حسب المادة 36 من نفس القانون يضمن في العقود الأسماء الكاملة للأطراف بما فيها اسم الأب والأم وباقي الموقعين على العقد ولا يسمح له باختصارها إلا إذا سبق في العقد ما يوضحها مرة واحدة على الأقل، وبيان موطنهم وتاريخ ومكان ولادتهم وجنسيتهم ومهنتهم ونوع الوثيقة الرسمية التي تثبت هويتهم ومراجعها وحالتهم العائلية والنظام المالي للزوجين بالنسبة للأطراف عند الاقتضاء.
– إلتزام الموثق بالمحافظة على أصول الوثائق
إن حفظ أصول المحررات من طرف الموثق يعد من أهم الإلتزامات الملقاة على عاتق الموثق الذي يمنع عليه تسليمها للأطراف بخلاف المحررات العرفية التي تبقى أصولها بحوزة الأطراف، وهو الشيء الذي يولد الإطمئنان لدى الأطراف وهو ما نصت عليه المادة 50 من قانون 32.09 حيث أوجبت على الموثق أن يحفظ تحت مسؤوليته أصول العقود والوثائق الملحقة بها، وصور الوثائق التي تثبت هوية الأطراف.
على أن يسلم نسخة لكل واحد من الأطراف، أما بالنسبة للغير فإن إطلاعهم على العقد وملحقاته وتسلم نسخ نظائر منها لا يتم إلا بمقتضى مقرر قضائي م 55 من نفس القانون.
ثانيا: حجية الورقة الرسمية في الإثبات والتنفيذ:
تجدر الإشارة إلى أنه لكي يتم إضفاء الصبغة الرسمية على الوثيقة يجب أن تكون مستجمعة للشروط المنصوص عليها في قانون 32.09 المنظم لمهنة التوثيق، وعليه فإذا ما تم ذلك فإن الصفة الرسمية تشمل البيانات والوقائع التي سجلها الموثق في إطار مهمته أو حدثت من أطراف العقد بمحضر سواء كانت وقائع عادية أو تصرفات قانونية أما مطلق البيانات والوقائع التي لا يكون للموثق سوى تدوينها فإنها لا تحوز تلك الحجية ومن ثم فلا حاجة لممارسة دعوى الزور لإثبات عدم صحتها وهو ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف بالرباط في قرارها الصادر بتاريخ 05 ماي 1936 والذي أكدت على أن المحررات الموثقة تكتسي حجية قاطعة لحد الطعن فيها بالزور فيما يخص الوقائع والإتفاقيات التي يشهد الموثق بحصولها في محضره وتحت سمعه وبصره وهو ما أكدته أيضا محكمة النقض المغربية والفرنسية[11].
ذلك أن المشرع المغربي نص في الفصل 419 من قانون الإلتزامات والعقود على أن “الورقة الرسمية حجة قاطعة حتى على الغير في الوقائع والإتفاقيات التي يشهد الموظف العمومي الذي حررها بحصولها بمحضره وذلك إلى أن يطعن فيها بالزور، إلا أنه إذا وقع الطعن في الورقة بسبب إكراه أو إحتيال أو تدليس أو صورية أو خطأ مادي فإنه يمكن إثبات ذلك بواسطة الشهود حتى بواسطة القرائن القوية المنضبطة المتلائمة دون احتياج إلى القيام بدعوى الزور، ويمكن أن يقوم بالإثبات بهذه الكيفية كل من الطرفين أو الغير الذي له مصلحة مشروعة كما جاء في الفصل 420 من نفس القانون على أن “الورقة الرسمية حجة في الإتفاقيات والشروط الواقعة بين المتعاقدين وفي الأسباب المذكورة فيها وغير ذلك من الوقائع التي لها اتصال مباشر بجوهر العقد، وهي أيضا حجة في الأمور التي يثبت الموظف العمومي وقوعها إذا ذكر كيفية وصوله لمعرفتها وأن كل ما عدا ذلك من البيانات لا يكون له أثر”.
أما فيما يتعلق بحجية المحرر الرسمي من حيث التنفيذ فقد إعتبرت بعض التشريعات المقارنة المحررات الرسمية سندات تنفيذية تخول اللجوء مباشرة إلى مصلحة التنفيذ لاستيفاء حقوقهم دون حاجة لإستصدار حكم قضائي، من قبل القانون الفرنسي والمصري فنصت المادة الثانية من قانون التوثيق المصري على “إن مكاتب التوثيق تقوم بما يأتي وضع الصيغة التنفيذية على صور المحررات الرسمية الواجبة التنفيذ” وقد قامت بتكريس هذا المقتضى في قوانينها المسطرية الخاصة بالمرافعات، إذ أشارت إلى التنفيذ الجبري بواسطة المحررات التوثيقية، وتجلى ذلك في الفصل 280 من قانون المرافعات المصري، أما بالنسبة للمغرب فلم يأخذ المشرع بفكرة السندات التنفيذية كقاعدة عامة في قانون المسطرة المدنية، وحتى إن وجدت سندات واجبة التنفيذ فإنها تكون بمقتضى نصوص خاصة[12].
ومن تم فإنه بالرغم من الضبط الذي تحظى به مهنة التوثيق والدور الذي يلعبه الموثق في مجال الأمن التعاقدي، فإن المحررات التي يصدرها المستجمعة لكافة الشروط والضوابط لا تشمل على الصيغة التنفيذية مما يجعلها عليلة تحتاج إلى من يدعمها سواء بمقتضى حكم قضائي أو بمقتضى الأمر بالتنفيذ المعجل المنصوص عليه في الفصل 147 من ق.م.م. أو بمقتضى رفع دعوى مسطرة الأمر بالأداء طبقا للمادة 5 من قانون إحداث المحاكم التجارية.
وبهذا يمكن القول بأن الموثق مناط بعديد من الإلتزامات وعلى طول المراحل التي يمر منها العقد التوثيقي بدءا من تلقيه لها إلى حين منحها الصبغة الرسمية وهو ما سار عليه القانون الفرنسي الذي إعتبر كل ما يقوم به الموثق من تحرير وتسجيل وتقييد للعقد هو إلتزام منه بتحقيق نتيجة وهو ما ذهبت إليه كذلك محكمة النقض “المجلس الأعلى سابقا” في القرار الصادر سنة 2006 عدد 21114.
خاتمة:
من خلال ما سبق يتضح بأن المشرع حاول المزاوجة بين نظام الوظيفة العمومية ونظام المهن الحرة، وذلك بالأخذ من مستلزمات كل نظام، الأمر الذي يجعل وظيفته القانونية العامة تتنافى مع النظامين معا الأمر الذي يدعونا إلى إقتراح خلق نظام ثالث إلى جانب النظامين معا يمزج بين النظامين ويتمتع بالإستقلالية حتى إذا تمت دراسته فإنها تتم بمعزل على النظامين التقليديين، ولعل ما يعزوا طرحنا هو القانون الجزائري الذي وبالرغم من مسألة توحيده لنظام التوثيق في الجزائر إلا أنه أحدث ثورة في النظام التوثيقي بحيث وضع القواعد العامة لمهنة الموثق وتحديد كيفيات تنظيمها وممارستها وقد وسع من إختصاص مكاتب التوثيق لتشمل كامل التراب الوطني وقد أعطى للموثق صفة ضابط عمومي مفوض من قبل السلطة العمومية يقوم بتحرير العقود التي يشترط فيها القانون الصبغة الرسمية وكذا العقود التي يرغب الأشخاص إعطاءها هذه الصبغة، كما نص على عدم جواز تفتيش أو حجز الوثائق المودعة بمكتبه إلا بناء على أمر قضائي مكتوب وبحضور رئيس الغرفة الجهوية للموثقين أو الموثق الذي يمثله إلى غير ذلك من الإجراءات التي تعد تطويرا لنظام التوثيق.
وفي هذا الصدد يمكن القول أن مقترح الموثقين على صوابه لأنه أخد بتعريف وسطي جمع بين حرية المهنة والمرفق العمومي المتمثل في إضفاء الصبغة الرسمية للمحررات التي ينجزها الموثق وهو مطابق للتعريف المعتمد من لدن الإتحاد الدولي للتوثيق.
لائحة المراجع
– محمد الربيعي: الأحكام الخاصة بالموثقين والمحررات الصادرة عنهم “الطبعة الأولى، المطبعة والوراقة الوطنية 2008.
– محمد ليديدي: مهنة التوثيق قراءة في القانون رقم 09.32 المنظم لمهنة التوثيق مطبعة إليت الرباط 2012.
– سليمان الحامدي “التوثيق وأحكامه في الفقه الإسلامي” الطبعة الأولى 2010 دار السلام، مصر.
– عبد المجيد بوكير التوثيق العصري بالمغرب ط 2، 2010 مكتبة دار السلام.
– بسمة زرقا “بحث في تاريخ التوثيق في الجزائر” كلية الحقوق الزقازيق.
– نور الدين شكوك “مصير المحرر التوثيقي في القانون المغربي” اعمال الندوة الدولية العلمية المنعقدة بالمعهد العالي للقضاء تحت عنوان “إصلاح مهنة التوثيق في ظل تحديات العولمة” منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية مطبعة دار النشر المغربية 2010.
– عز الدين الماحي مظاهر القطاع والتكامل بني ظهير 14 ماي 1925 المنظم لمهنة التوثيق العصري وبعض القوانين الوضعية الأخرى “أشغال الندوة العلمية الوطنية التي نظمها مركز الدراسات القانونية المدنية والعقارية بكلية الحقوق بمراكش، المطبع والوراقة الوطنية مراكش 2005.
– عبد الله الجعفري القيمة القانونية للوثيقة الرسمية ضمن قواعد الإثبات مقال منشو في اللقاء الوطني الأول بين محكمة النقض والغرفة الوطنية التوثيق العصري المغرب تحت شعار آفاق مهنة التوثيق على ضوء قانون 32.09 والعمل القضائي مطبعة الأمنية الرباط، 2013.
– لبنى الوزاني المسؤولية التأديبية للموف الطبعة الأولى 2011 دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع الرياض.
– Jean Luc Aubert, la responsabilité civile des notaires, 3éme Edition déferions paris 1998 p 17.
www.omanlegal.net/vb/showthread.php
[1]– محمد الربيعي: الأحكام الخاصة بالموثقين والمحررات الصادرة عنهم “الطبعة الأولى”، المطبعة والوراقة الوطنية 2008 ص 44.
[2]– عبد المجيد بوكير التوثيق العصري بالمغرب ط 2، 2010 مكتبة دار السلام ص 48.
[3]– محمد ليديدي: مهنة التوثيق قراءة في القانون رقم 09.32 المنظم لمهنة التوثيق مطبعة إليت الرباط 2012 ص 11.
[4]– عز الدين الماحي مظاهر التقاطع والتكامل بين ظهير 14 ماي 1925 المنظم لمهنة التوثيق العصري وبعض القوانين الوضعية الأخرى “أشغال الندوة العلمية الوطنية التي نظمها مركز الدراسات القانونية المدنية والعقارية بكلية الحقوق بمراكش، المطبع والوراقة الوطنية مراكش 2005 ص 365.
[5]– نور الدين شكوك مصير المحرر التوثيقي في القانون المغربي أعمال الندوة المنعقدة بمراكش مرجع سابق.
[6]– Jean Luc Aubert, la responsabilité civile des notaires, 3éme Edition déferions paris 1998 p 17.
[7]– محمد الربيعي الأحكام بالموثقين والمحررات الصادرة عنهم الطبعة الأولى المطبعة والوراقة الوطنية مراكش 2008، ص 78- 79 * 80.
[8]– محمد الربيعي، م س ص 81- 82.
[9]– عبد المجيد بوكير: التوثيق العصري المغربي، الطبعة الثانية مكتبة دار السلام، الرباط، ص 266.
[10]– وهو المقتضى الذي نص عليه الحكم الصادر عن ابتدائية البيضاء بتاريخ 10/11/2008 تحت عدد 7 في الملف رقم 3/2008 أورته لبنى الوزاني المسؤولية التأديبية للموثق الطبعة الأولى 2011 دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع الرياض ص 59.
[11]-عبد الله الجعفري القيمة القانونية للوثيقة الرسمية ضمن قواعد الإثبات مقال منشو في اللقاء الوطني الأول بين