دراسات قانونية

الهبة في القانون الجزائري (بحث قانوني)

بحث عن الهبة في القانون الجزائري

المبحث الأول : مفهوم الهبة
المطلب الأول : تعريف الهبة ومشروعيتها
المطلب الثاني : أركان الهبة وشروطها
المطلب الثالث : الهبة في حياة الرسول الكريم
المبحث الثاني : الهبة في القانون الجزائري
المطلب الأول : تعريف الهبة في القانون الجزائري
المطلب الثاني : العنصر المادي في الهبة
المطلب الثالث : العنصر المعنوي في الهبة
خاتمة

مقدمة :
الهبة هي تمليك مال، أو حق مالي لآخر، حال حياة المالك، دون عوض تجوز الهبة بعوض كأن يشترط الواهب على الموهوب له بدلاً مالياً أو القيام بالتزام معين بحيث يجوز للواهب ، دون ان يتجرد عن نية التبرع ، ان يفرض على الموهوب له القيام بالتزام معين.
فالهبة من العقود الناقلة للملكية الملزمة لجانب واحد إلا أن هناك استثناء حين تصبح ملزمة للطرفين و ذلك عندما تكون بعوض. و الهبة تحتاج إلى نظرة تخصصية من حيث فهم موضوعها سواء من الناحية الشرعية أو من الناحية القانونية
فماذا نقصد بالهبة ؟ وهل المشرع الجزائري أخذ أحكام الهبة كلها من الشريعة الإسلامية ؟

المبحث الأول : مفهوم الهبة
المطلب الأول : تعريف الهبة ومشروعيتها

الفرع الأول : تعريفهـــــــا
جاء في القرآن الكريم قول الله عز وجل : ( قال : رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء ) .
وهي مأخوذة من هبوب الريح أي مرورها ، وتطلق الهبة ويراد بها التبرع والتفضل على الغير سواء أكان بمال أم بغيره .
والهبة في الشرع : عقد موضوعه تمليك الإنسان ماله لغيره في الحياة بلا عوض ، فإذا أباح الإنسان ماله لغيره لينتفع به ولم يملكه إياه كان إعارة .
وكذلك إذا أهدى ما ليس بمال كخمر أو ميتة فإنه لا يكون مهدياً ولا يكون هذا العطاء هدية ؛ وإذا لم يكن التمليك في الحياة بل كان مضافاً إلى ما بعد الوفاة كان ذلك وصية . وإذا كانت بعوض كانت بيعاً ويجري فيها حكم البيع ، أي أنها تملك بمجرد تمام العقد ولا تنفذ فيها تصرفات الواهب إلا بإجازة الموهوب له ، ويثبت فيها الخيار والشفعة ، ويشترط أن يكون العوض معلوماَ فإذا لم يكن العوض معلوماً بطلت الهبة .
والهبة المطلقة لا تقتضي عوضاً سواء أكانت لمثله أو دونه أو أعلى منه .
هذا هو معنى الهبة بالمعنى الأخص . أما معناها بالمعنى الأعم فيشمل ما يأتي :
1- الإبراء : وهو هبة الدين ممن هو عليه .
2- الصدقة : وهي هبة ما يراد به ثواب الآخرة .
3- الهدية : وهي ما يلزم الموهوب له أن يعوضه .

الفرع الثاني : مشروعيتهـا
وقد شرع الله الهبة لما فيها من تأليف القلوب وتوثيق عرى المحبة بين الناس . وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( تهادوا تحابوا ) ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها ، وكان يدعو إلى قبولها ويرغب فيها ، فعند أحمد من حديث خالد بن عدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من جاءه من أخيه معروف من غير إشراف ولا مسألة فليقبله ولا يرده فإنما هو رزق ساقه الله إليه ) .
وقد حض الرسول صلى الله عليه وسلم على قبول الهدية ولو كانت شيئاً حقيراً ، ومن ثم رأى العلماء كراهية ردها حيث لا يوجد مانع شرعي .
فعن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لو أهدي إلى كراع لقبلت ، ولو دعيت إليه لأجبت )
وعن عائشة قالت : قلت : يا رسول الله ، إن لي جارين ، فإلى أيهما أهدي ؟ قال : ( إلى أقربهما منك باباً ) .
وعن أب هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر ولا تحقرن جارة لجارتها ولو شق فرسن شاه ) .
وقد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية الكفار . فقبل هدية كسرى وهدية قيصر وهدية المقوقس كما أهدى هو الكفار الهدايا والهبات .
أما ما رواه أحمد وأبو داوود والترمذي أن عياضاً أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم هدية فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أسلمت ؟ قال : لا . قال : ( أني أنهيت عن **د المشركين ) .
فقد قال فيه الخطابي : ( يشبه أن يكون هذا الحديث منسوخاً لأنه صلى الله عليه وسلم قد قبل هدية غير واحد من المشركين ) .
قال الشوكاني : ( وقد أورد البخاري في صحيحه حديثاً استنبط منه جواز قبول هدية الوثني ، ذكره في باب قبول الهدية من المشركين من كتاب الهبة والهدية ) .
قال الحافظ في الفتح : ( وفيه فساد من حمل رد الهدية على الوثني دون الكتابي وذلك لأن الواهب المذكور في ذلك الحديث وثني ) .

وقد جاء في كتاب رياض الصالحين للإمام النووي دليل على مشروعية الهبة عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه ) متفق عليه .
وفي رواية للبخاري ومسلم : ( العائد في هبته كالعائد في قيئه ) .

المطلب الثاني : أركان الهبة وشروطها
الفرع الأول : أركان الهبة
وتصح الهبة بالإيجاب والقبول بأي صيغة تفيد تمليك المال بلا عوض بأن يقول الواهب : وهبتك أو أهديتك أو أعطيتك ونحو ذلك . ويقول الآخر : قبلت . ويرى مالك والشافعي اعتبار القبول في الهبة . وذهب بعض الأحناف إلى أن الإيجاب كاف وهو أصح . وقالت الحنابلة : تصح بالمعاطاة التي تدل عليها ؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يهدي ويهدى إليه ، وكذلك كان أصحاب يفعلون . ولم ينقل عنهم أنهم كانوا يشترطون إيجاباً وقبولاً ونحو ذلك .

الفرع الثاني : شروطهـــا
الهبة تقتضي واهباً وموهوباً له وموهوباً . ولكل شروط نذكرها فيما يلي :
شروط الواهب :
يشترط في الواهب الشروط الآتية :
1- أن يكون مالكاً للموهوب .
2- أن لا يكون محجوراً عليه لسبب من أسباب الحجر .
3- أن يكون بالغاً لأن الصغير ناقص الأهلية .
4- أن يكون مختاراً لأن الهبة عقد يشترط في صحته الرضا .

شروط الموهوب له :
ويشترط في الموهوب له :
1- أن يكون موجوداً حقيقة وقت الهبة فإن لم يكن موجوداً أصلاً أو كان موجوداً تقديراً بأن كان جنيناً فإن الهبة لا تصح
ومتى كان الموهوب له موجوداً أثناء الهبة وكان صغيراً أو مجنوناً فإن وليه أو وصيه أو من يقوم بتربيته ولو كان أجنبياً يقبضها له .

شروط الموهوب :
ويشترط في الموهوب :
1- أن يكون موجوداً حقيقة .
2- أن يكون مالا متقوما ً .
3- أن يكون مملوكاً في نفسه أي يكون الموهوب مما ترد عليه الملكية ويقبل التداول وانتقال ملكيته من يد إلى يد فلا تصح هبة الماء في النهر ولا السمك في البحر ولا الطير في الهواء ولا المساجد والزوايا .
4- أن لا يكون متصلاً بملك الواهب اتصال قرار كالزرع والشجر والبناء دون الأرض بل يجب فصله وتسليمه حتى يملك للموهوب له .
5- أن يكون مفرزاً أي غير مشاع لأن القبض فيه لا يصح إلا مفرزاً كالرهن ، ويرى مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور عدم اشتراط هذا الشرط وقالوا :
أن هبة المشاع غير المقسوم تصح .
وعند المالكية يجوز هبة ما لا يصح بيعه مثل البعير الشارد والثمرة قبل بدو صلاحها والمغضوب .

– هبة المريض مرض الموت
إذا كان شخص مريض مرض الموت ووهب غيره هبة فحكم هبته كحكم الوصية ، فإذا وهب هبة لأحد ورثته ثم مات ، وأدعى باقي الورثة أنه وهبه في مرض موته وأدعى الموهوب له أنه وهبه في حال صحته ، فإن على الموهوب له أن يثبت قوله ، وإن لم يفعل اعتبرت الهبة أنها حصلت في مرض الموت وجرى حكمها على مقتضى ذلك أي أنها لا تصح إلا إذا أجازها الورثة .
وإذا وهب وهو مريض مرض الموت ثم صح من مرضه فالهبة صحيحة .

– قبض الهبة
من العلماء من يرى أن الهبة تستحق للموهوب له بمجرد العقد ولا يشترط قبضها أصلا لأن الأصل في العقود أنها تصح بدون اشتراط القبض مثل البيع كما سبقت الإشارة إليه ، وإلى هذا ذهب أحمد ومالك و أبو ثور و أهل الظاهر . وبناء على هذا إذا مات واحد الوهاب بمجرد العقد أصبحت ملكا للموهوب له .
و قال أبو حنيفة والشافعي و الثوري إن قبض شرط من شروط صحتها ، ما لم يتم القبض لم يلزم الواهب .
فإذا مات الموهوب له أو الواهب قبل التسليم بطلت الهبة .

-التبرع بكل المال
مذهب الجمهور من العلماء أن للإنسان أن يهب جميع ما يملكه لغيره .
وقال محمد بن الحسن وبعض محققي المذهب الحنفي : لا يصلح التبرع بكل المال ولو في وجوه الخير و عدوا من يفعل ذلك سفيها يجب عليه .
وحقق هذه القضية صاحب الروضة الندية فقال : (( من كل له صبر الفاقة و قلة ذات اليد فلا يأس بتصدق بأكثر ماله أو بكله ؛ ومن كان يتكفف الناس إذا احتاج لم يحل له أن يتصدق بجميع ماله ولا بأكثره .
وهذا وجه الجميع بين الأحاديث الدالة على أن مجاوزة الثلث غير مشروعة وبين الأدلة التي دلت على مشروعية التصدق بزيادة على ثلث )).

المطلب الثالث : الهبة في حياة الرسول الكريم
كان الرسول أسخى الناس كفا ما سئل شيئا فقال لا ، وعن صفوان بن أمية قال أعطاني الرسول يوم حنين وإنه لأبغض الناس إليّ ، فما زال يعطيني حتى أنه لأحب الناس إليّ ولما رأى صفوان كثرة ما أعطاه رسول الله ، قال : والله ما طابت بهذا إلا نفس نبي ، فأسلم . وكان الذي أعطاه الرسول لصفوان غنما ملأت واديا بين جبلين وأعطى العباس من الذهب ما لم يطق حمله .
تدبروا في هذه العطايا الطائلة التي يبذلها الرسول عن طيب نفس وهو لا يملك شيئاً ولا يحمل منها إلى بيته درهماً ولا يقتني شيئا وقد يبيت طاويا هو وأهله، لا يجد ما يأكل ويعطي العباس من الذهب مالا يطيق حمله ويهب المؤلفة قلوبهم من الإبل ما يذهل ألبابهم ويسلب عقولهم ولما رأى صفوان كثرة ما أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنبهر وأسلم .

– مسائل فقهية في الهبة
(مسألة 1) : إذا وقعت الهبة على نحو القربة لم تكن صدقه، بل الصدقة ماهية خاصة لابد في وقوعها من قصد عنوانها ولو إجمالاً، ولا يكفي فيها قصد التمليك المجاني على نحو القربة.
(مسألة 2) : يعتبر في الواهب والموهوب الكمال بالبلوغ والعقل، ومع عدمه يقوم الولي مقامهما. كما لابد في الواهب من عدم الحجر بسفه أو فلس، على الكلام المتقدم في كتاب الحجر.
(مسألة 3) : يعتبر في صحة الهبة قبض الموهوب للعين الموهوبة بإذن الواهب، فلو مات الواهب قبل القبض بطلت الهبة، وكانت العين الموهوبة ميراثاً. ويكفي قبض وكيل الموهوب ووليه عنه.
(مسألة 4) : لا يعتبر في القبض الفورية، ولا كونه في مجلس العقد.
(مسألة 5) : إذا حصل القبض صحت الهبة وملك الموهوب العين الموهوبة من حينه، لا من حين العقد، فإذا حصل لها نماء بعد العقد قبل القبض فهو للواهب.
(مسألة 6) : إذا كانت العين الموهوبة حين الهبة في يد الموهوب أو يد وليه أو وكيله صحت الهبة، ولا تحتاج إلى قبض جديد. فإذا وهب الولي ما تحت يده للمولى عليه صحت الهبة، ولم يحتج لقبضه لها عنه بعد ذلك.
(مسألة 7) : لا يكفي في القبض هنا التخلية بين الموهوب والعين الموهوبة، ولا التسجيل الرسمي، بل لابد من خروجها عن حوزة الواهب واستيلاء الموهوب عليها خارجاً بحيث يصدق أنها في حوزته عرفاً.
(مسألة 8): لابد في الموهوب من أن يكون عيناً، ولا تصح هبة المنفعة.
(مسألة 9): تصح هبة الحصة المشاعة ويكون قبضها بقبض العين بتمامها.
(مسألة 10): تصح هبة ما في الذمة لغير من هو في ذمته، ويكون قبضه بقبض ما يتحقق به وفاؤه، فإذا كان لزيد على عمرو مبلغ من المال كان له أن يهبه لبكر، فتصح الهبة بقبض بكر المال من عمرو. أما إذا وهبه لمن هو في ذمته فإنه يصح من دون حاجة للقبض ويكون بحكم الإبراء.
(مسألة 11): إذا وقعت الهبة وصحت بالقبض لم تلزم، وكان للواهب الرجوع فيها، إلا في موارد:
الأول : أن يكون الموهوب له رحماً ذا قرابة، والمدار فيه على الصدق العرفي.
الثاني: أن يعوض الواهب عن هبته.
الثالث: أن تتغير العين الموهوبة عن حالها التي كانت عليه حين الهبة، كما لو قطع الثوب أو خيط أو طحن الحب أو خبز الدقيق أو طبخ الطعام أو ذبح الحيوان أو انكسر الإناء أو نحو ذلك، سواء كان ذلك بفعل الموهوب أم لا.

(مسألة 12): الظاهر عدم إلحاق الزوج والزوجة بذي الرحم، فيجوز لكل منهما الرجوع فيما يهبه للآخر.
(مسألة 13): لا يعتبر في العوض أن يكون عيناً، بل يكفي كل ما يصدق به التعويض والجزاء عن الهبة، عيناً كان أو منفعة أو عملاً، سواء كان تعويضه بتمليكه ذلك الشيء، أم ببذله له حتى استوفاه من دون أن يتملكه، بل حتى مثل بيعه شيئاً يرغب في شرائه أو شراء شيء منه يرغب في بيعه. نعم لابد في الجميع من أن يصدر بعنوان التعويض والجزاء، والأحوط وجوباً توقف اللزوم على أن يقبله الواهب بالعنوان المذكور أيضاً، أما إذا دفع إليه بعنوان التعويض وقبله لا بالعنوان المذكور، للغفلة عن قصد الدافع ففي الاجتزاء به في لزوم الهبة إشكال.
(مسألة 14) الأحوط وجوباً أن يكون التعويض من الموهوب، وفي الاجتزاء بالتعويض من غيره ـ كالأب والأخ والأجنبي ـ إشكال.
(مسألة 15): إذا مات الواهب قبل الرجوع بالهبة فليس لورثته الرجوع بها.
(مسألة 16): إذا مات الموهوب قبل الرجوع بالهبة انتقلت العين الموهوبة لورثته وليس للواهب الرجوع بها عليهم. وكذا إذا خرجت عن ملك الموهوب ببيع أو هبة أو غيرهما فإنه ليس للواهب الرجوع عليه لا بعينها ولا ببدلها، أما إذا رجعت إليه بفسخ أو شراء أو غيرهما ففي جواز رجوع الواهب بها إشكال.
(مسألة 17): إذا كانت الهبة مشروطة بشرط وجب على المشروط عليه القيام بالشرط ما دامت الهبة باقية لم يرجع فيها، ومع عدم قيامه بالشرط يثبت للآخر خيار تخلف الشرط حتى مع أحد الملزمات المتقدمة. أما مع قيامه بالشرط فلا يثبت الخيار المذكور، وتبقى الهبة على الحكم المتقدم.
(مسألة 18): يكره للشخص تفضيل بعض أولاده على بعض في العطية إذا كان معسراً، بل قيل إنه مكروه مطلقاً، لكن لا إشكال في جوازه، كما يجوز له ذلك في نسائه.

المبحث الثاني : الهبة في القانون الجزائري
المطلب الأول : تعريف الهبة في القانون الجزائري
عرفت المادة 202 من قانون الأسرة الهبة بما يلي :
“الهبة تمليك بلا عوض “،
ويجوز للواهب أن يشترط على الموهوب له القيام بالتزام يتوقف تماما على انجاز الشروط .
ان المشرع الجزائري لم يذكر كلمة عقد بقصد اخراج هبة من طائفة العقود ، او نزع صفة العقد عنها، لان هذا الاحتمال
ينفيه نص المادة 206 من نفس القانون الذي ينص على ان الهبة تنعقد بالايجاب والقبول ، مما يجعلها في مفهوم هذا القانون عقد كسائر العقود تنطبق عليه القواعد العامة التي تنظم مختلف العقود سواء كانت تبرعات او غيرها .
ونلاحظ ان مصدر هذا التعريف مستمد من الفقه الاسلامي ، وعلى الاخص انه ماخوذ من مختضر خليل المالكي بنصه من غير زيادة ولا نقصان ، وهو نفس التعريف ا لسابق .

ويمكن ان نستنتج ان الهبة تتكون من عنصرين :
عنصر مادي : وهو تصرف الواهب في ماله دون عوض (مابين الاحياء…..) .
عنصر معنوي او قصدي : وهو نية التبرع .

المطلب الثاني : العنصر المادي في الهبة
ويشمل :
ان الهبة عقد بين الاحياء : فهي لابد فيها من ايجاب وقبول متطابقين ، ولا تنعقد بارادة الواهب المنفردة ، وهذا هو الذي يجعلها تختلف عن الوصية وهذا مانصت عليه المادة206 وهو موافق لماجاء في الفقه الاسلامي الذي ورد فيه ( اما الهبة فلا بد فيها من ايجاب وقبول عند جميع الفقهاء )
ان الواهب يتصرف مال له : ويخصص الهبة بين عقود التبرع بوجه عام،ان الواهب يتصرف في ماله ذلك ان الهبة تدخل في عموم عقود التبرع ، وتتخصص الهبة في ان الواهب يلتزم باعطاء شيء ، وانها من اعمال التصرف ، فالواهب يلتزم بنقل ملكية دون مقابل ، فالقيام والالتزام بعمل او الامتناع عن عمل كما في عارية الاستعمال والوديعة ، لا يكون هبة وان كان تبرعا والهبة تمليك العين والمنفعة لاالمنفعة فقط .
وبالاضافة الى ذلك فانه يلاحظ انه اذا كانت الهبة لاتتحقق الا اذا كانت سببا في اثراء الموهوب له ، فلا يمنع ذلك كما قال الاستاذ المرحوم السنهوري من ان تكون بعوض الامر كذلك فقد اورد المشرع الجزائري في الفقرة الثانية من المادة 202 من قانون الأول ، كبقية القوانين الاخرى ،
حالة سوغ فيها للواهب ان يشترط على الموهوب له الشرط الذي يراه مناسبا له ويحقق رغبته في الهبة من دون ان يحدد هذا الشرط ، سواء بالنسبة للواهب او الموهوب له ، او للاجنبي ، فنص على ذلك بما يلي : يجوز للواهب ان يشترط على الموهوب له ، القيام بالتزام يتوقف تمامه على انجاز الشرط .
وقد يكون المقدار المتبرع به ، هو الفرق بين قيمة المال الموهوب والعوض المشترط بحيث اذا تبين ان قيمة العوض المشترط تعادل قيمة المال الموهوب او تقاربها ، كان العقد معارضة لاهبة .
واذا تبين ان الشيء الموهوب اقل من القيمة من هذا العوض فلا يلتزم الموهوب له الا بقيمة الشيء الموهوب ، وهذا فعلا ما اخذ به المشرع المصري في المادة 498 من القانون المدني الجديد ، ويرى الاستاذ محمد تقية انه لايوجد مايمنع من الاخذ بذلك من طرف المشرع الجزائري ما دام الامر لا يناقص مبدا الالتزام .
الا انه كان من المفيد جدا ان يفصل المشرع الجزائري القول في ذلك ويفعل مثل ما فعل زميله المصري في المواد 497، 498، 499 من القانون المدني المصري الجديد عندما فصل القول في حالة اشتراط الواهب عوضا عن هبته والوفاء له بديونه ، وفي حالة اشتراطه العوض لمصلحته او لمصلحة اجنبي او للمصلحة العامة وغير ذلك من الشروط التي بينها المشرع المصري بنص صريح ، ولم يترك الامر للفقه على خلاف المشرع الجزائري الذي ترك الباب لاجتهاد الفقهاء في هذا المجال مفتوحا على مصراعيه .

المطلب الثالث : العنصر المعنوي في الهبة
لا يكفي لتحقيق الهبة ان يتصرف الواهب في مال دون عوض ، بل يجب الى جانب ذلك قيام العنصر المعنوي في الهبة ، وهو نية التبرع ، فقد يتصرف الشخص في ماله دون عوض ولاتكون عنده نية التبرع ، كان يوفي بالتزام طبيعي ، مثلا تجهيز الاب ابنته ، اواعطاء الاب ابنه المهر ليعينه على الزواج ، ففي جميع الاحوال انما يوفي الاب بالتزام طبيعي ، فهو لايتبرع ، ويكون تصرفه هذا وفاء لاهبة .
وتنتفي نية التبرع على عطايا المكافاة ، وهي العطايا المقدمة للاثابة على خدمة اوصنيع فمن يمنح خادما مالا مكافاة له على اخلاصه في العمل لايعطي هبة ، ولكنه يفي بالتزام طبيعي وكذلك من يعطي الشخص مالا ولكنه لايقصد به التبرع المحض ، بل يقصد جني منفعة مادية او ادبية ،فتنتفي في هده الحالــة نية التبرع ، ولايعتبر التصرف هبـة .

خاتمــــــــــــة
الهبة من العقود التي لها أهميتها و مكانتها سواء في الفقه الوضعي أو في الفقه الشرعي، فقد أوردها المشرع الجزائري في الكتاب الرابع من قانون الأسرة تحت عنوان التبرعات، أما المذاهب الأربعة السالفة الذكر فقد أوردوها في باب خاص بها في كتاب المعاملات.
و الهبة لا يعتد بها إلا إذا توافرت فيها أركانها و الشروط الواجب توافرها في كل من الواهب و الموهوب له و العين الموهوبة، لأنها من التصرفات الخطيرة التي تمس بالمراكز المالية للأفراد حيث ينتج عنها اغتناء في جانب الموهوب له و في المقابل افتقار في جانب الواهب، كما أن الهبة ذات صلة عضوية بالأسرة إذ لها إيجابيات تتمثل في تقوية الروابط الأسرية بالمحبة و المودة و مساعدة أفراد الأسرة لبعضهم البعض، أما سلبياتها فتكون عندما يستعملها الواهب كوسيلة لحرمان لورثة من ميراثهم.

المراجــــــــــع
1- قانون الاسرة الجزائري
2- القانون المدني
3 – السيد سابق ، فقه السنة ، المجلد الثالث ، ط7 ، دار الكتاب العربي بيروت ، ص534 إلى ص 542.
4 – محمد رضا ، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، المجلد الأول ، ط4 ، دار الكتب العلمية بيروت ، ص373.
5 – الإمام النووي ، رياض الصالحين ، المجلد الأول ، ط2 ، دار الفكر المعاصر بيروت ، ص636 .

(الأستاذ حرير عبد الغاني)

إغلاق