دراسات قانونية
الدعوى الجمركية بين المتابعة ومسطرة الصلح (بحث قانوني)
الدعوى الجمركية بين المتابعة ومسطرة الصلح
رشيد الحرتي
باحث في ماستر المقاولة والقانون
مقدمة
تشكل الحقوق والرسوم الجمركية، المورد الأول لخزينة الدولة،وتساهم في الرفع من ميزانيتها،مما يبرز الدور الفعال لإدارة الجمارك باعتبار أن أي تملص من أداء الحقوق والرسوم يشكل نزيفا لموارد الدولة المالية مما يحتم عليها التصدي لذلك ومحاربتها، ولن يتأتى ذلك إلا برقابة جمركية صارمة في ظل نصوص قانونية واضحة. وتساهم كذلك بدور فعال في الحياة الاقتصادية وخاصة في حماية المنتجات الوطنية وجذب رؤوس الأموال الأجنبية وتشجيع الاستثمار،وغيرها من الأدوار الفعالة في تنمية اقتصاديات البلاد.
وكشف الجرائم الجمركية تتولد عنه نزاعات بين إدارة الجمارك والمخالفين للأنظم-ة والقوانين الجمركية، إلا انه أحيانا يتم تسويتها بطريقة ودية، وأحيانا أخرى تكون معقدة مما يستدعي اللجوء إلى القضاء للبت فيها.
ويمكن إعطاء تعريف للمنازعات الجمركية رغم اختلاف التعاريف التي أعطيت بأنها ‘’المخاصمة الناشئة عن مخالفة القوانين والأنظمة الجمركية ‘’.[[1]]
وتبرز أهمية هذا الموضوع بكون مجال التجريم في المادة الجمركية لا يزال يكتسيه الغموض لدى العامة والخاصة، بل وحتى لدى القانونيين، حيث لم ينل حظا وافرا من البحث والدراسة ،خصوصا على المستوى الوطني وذلك راجع إلى صعوبة البحث بسبب ندرة المؤلفات والمراجع في هذا المجال، وذلك بسبب ما يتسم به القانون الجمركي من عدم استقرار نتيجة لما يعرفه من تقلبات سريعة ومتعددة بحيث يصعب مواكبتها، وكذلك ما يتطلبه ابحث في هذا المجال من دراية بميادين شتى كالمالية والجبائية والاقتصاد وتضلع في القانون الجنائي.
وهكذا ينحصر مجال بحثنا في المنازعات الجمركية بين المتابعة ومسطرة الصلح، والتي سوف نتناولها من خلال فصلين على الشكل التالي :
الفصل الأول التسوية الودية القضائية للمنازعات الجمركية
الفصل الثاني التسوية الصلحية للمنازعات الجمركية
الفصل الأول: التسوية القضائية للمنازعات الجمركية
يعد الكشف عن الجنح والمخالفات الجمركية منطلق المنازعات الجمركية ،بحث تتمتع إدارة الجمارك بكامل الحرية ،في حل الجريمة الجمركية التي تثبت لديها بمقتضى محاضر الحجز والتحقيق، بالطريقة التي تراها مناسبة لخدمة مصالحها ومصالح الدولة.
ومن الخيارات الممنوحة لإدارة الجمارك في حل المنازعات الجمركية، اللجوء إلى خيار التسوية القضائية، بحيث يكون لها أن تحرك الدعوى العمومية ،وذلك نظرا للخصوصيات والتي يتميز بها القانون الجنائي الجمركي ، بحيث نجد مدونة الجمارك[[2]] سوت بين النيابة العامة وإدارة الجمارك في إقامة الدعوى العمومية المتعلقة بمتابعة أهم الجنح الجمركية، وهي جنح الطبقة الأولى والثانية،بعدما كانت النيابة العامة هي المختصة في الأصل في إقامة هذه الدعوى [[3]] .
وان دل هذا فإنما يدل على مدى روابط التعاون بين الجهازين القضائي والجمركي ،من اجل محاربة الغش بجميع أشكاله وحماية مصالح الدولة .
وتمارس إدارة الجمارك تأثير كبير سوء على النيابة العامة أو على قاضي الحكم، ويبدو هذا التأثير على مستوى تقديم ملائمة المتابعة، وإمكانية إحالة المحضر على النيابة العامة وعلى مستوى تقدير وسائل الإثبات وتقييمها بالنسبة للحكم في القضية.
فالقاضي مقيد في حقل إثبات الجرائم الجمركية ،بالوقائع المثبتة في محاضر الجمرك وكذلك في مجال تقدير الجزاءات خصوصا المالية منها،هذا خلاف للقواعد العامة في القانون الجنائي.
وعليه سنعالج هذا من خلال مبحثين ،نتعرض في المبحث الأول لمسطرة المتابعة على أساس أن نشير في المبحث الثاني لسلطة القاضي الجنائي في المنازعات الجمركية.
المبحث الأول: مسطرة المتابعة في الجرائم الجمركية
المبحث الثاني: سلطة القاضي الجنائي في المنازعات الجمركية
المبحث الأول :مسطرة المتابعة في الجرائم الجمركية
يترتب عن إثبات الجرائم الجمركية سواء عن طريق المحاضر الجمركية أو وسائل الإثبات الأخرى المنصوص عليها في القانون العام،متابعة مرتكبيها أمام القضاء.
وتلعب المحاضر دورا بارزا في إثبات الجريمة الجمركية، ولما كان الأمر كذلك فقد أحاطها المشرع بعناية خاصة، حيث استلزم توافرها على مجموعة من الشكليات الخاصة لإعطائها الحجية المطلوبة أمام هيئة الحكم.
وبين المتابعة وإصدار الحكم لابد من العبور بالعديد من الإجراءات
وعليه سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين على الشكل التالي
المطلب الأول التثبت من الجرائم الجمركية.
المطلب الثاني تحريك الدعوى العمومية.
المطلب الأول التثبت من الجرائم الجمركية.
تعتبر مرحلة التثبت من الجريمة الجمركية مرحلة سابقة أو ممهدة لمرحلة رفع الدعوى العمومية ،بحيث لا يمكن متابعة ثم معاقبة المخالف للقوانين والأنظمة الجمركية إلا إذا تم معاينة وقوعها وتقديم الأدلة لإثباتها، والعناصر المكونة لها[[4]]url:#_ftn4 .
اعتبارا لهذه المعطيات يتبين انه من الضروري تحديد اختصاص أعوان الجمارك المكلفون بالتثبت من الجرائم الجمركية،وكذلك محاولة الإحاطة بالشروط والقواعد الشكلية والجوهرية التي اوجب القانون احترامها لتفادي الوقوع تحت طائلة بطلان هذه الإجراءات ،وذلك من خلال الفقرتين المواليتين.
الفقرة الأولى إجراءات التثبت من الجرائم الجمركية
يقصد بالإثبات إقامة المدعي الدليل أمام القضاء على ثبوت ما يدعيه قبل معينة المدعى عليه، وذلك بالكيفية التي يحددها القانون[[5]]url:#_ftn5 .
فالمشرع لم يقيد الإثبات في الميدان الجمركي ،بل نص في الفصل 247 من مدونة الجمارك، بغض النظر عن إثبات الأفعال التي تشكل خرقا للقوانين والأنظمة الجمركية بواسطة المحضر يمكن إثبات هذه الأفعال بجميع الطرق القانونية الأخرى حتى ولو لم تبد أية ملاحظة بخصوص البضائع المصرح بها.
ولكن تبقى محاضر الحجز والبحث من أهم وسائل الإثبات في الميدان الجمرك ) أولا(ولتكون هذه المحاضر منزهة عن البطلان لابد من تحريرها من طرف أعوان الجمارك المؤهلين لذلك.( ثانيا )
أولا- طرق إثبات الجرائم الجمركية
ان كافة الوسائل المعروفة في الميدان الجنائي ،يعتبر صالحة في إثبات المخالفات الجمركية،كالمعاينة والشهادة والاعتراف والقرائن[[6]]url:#_ftn6 ،إلا إن المشرع نجده قد أعطى أهمية خاصة لوسيلتين حيث نظمها في الفصل 234 من مدونة الجمارك ،هذه الوسيلتين تتمثل في كل من محضرا لحجز والبحث .
1-الإثبات عن طريق الحجز
وتعتبر مسطرة الحجز هي الوسيلة الوحيدة المعترف بها من طرف كل التشريعات الجمركية،وهي مسطرة فعالة ومادام أن جل الجرائم الجمركية تكشف بمعاينة البضائع سواء أثناء التفتيش أو تقديم البضاعة للمراقبة.[[7]]
وتتم هذه المسطرة بوضع اليد على العنصر المادي للجريمة الجمركية،ونص الفصل 235 من مدونة الجمارك على يحق للأعوان محرري المحاضر أن يحجزوا في كل مكان البضائع ووسائل النقل القابلة للمصادرة وكذلك جميع الوثائق المتعلقة بهذه الأشياء،إلا انه ترد على هذا المبدأ بعض الاستثناءات،حيث يمنع مثلا تفتيش الدبلوماسيين وأمتعتهم الشخصية [[8]]إلا بترخيص من الإدارة المركزية.
كما يجب كذلك الالتزام بمجموعة الشروط أثناء القيام بهذه المهام[[9]] .أضف إلى ذلك مجموعة من الإجراءات التي جاء بها المشرع في قانون المسطرة الجنائية ،سواء أثناء البحث أو التحقيق.
2- الإثبات عن طريق البحث
في هذا الصدد يلتقي أعوان الإدارة وشايات واختبارات حول وقوع الجريمة وأدلتها أو مرتكبيها، كما يقومون باستجواب المشتبه فيهم وتفتيش المنازل وتحرير محاضر البحث والأمر بالوضع تحث الحراسة النظرية ،وقد منح المشرع لضابط الشرطة القضائية كامل الصلاحية للالتجاء إلى أي وسيلة يراها قد تفيده في أداء مهمته،بغير أن تمس بحقوق وحريات الأفراد.
وفي هذا الصدد يمكن لأعوان الجمارك أن يطالبوا الشركات با لحصول على السجلات ،والوثائق كيفما كان نوعها،والمتعلقة بالعمليات التي تهم عملهم،كما لهم الحق كذلك على مراقبة الإرساليات البريدية الواردة عن الداخل أو الخارج ولهم الحق في فتح هذه الإرساليات [[10]] .
ثانيا الأشخاص المكلفون بإثبات الجرائم الجمركية
يدخل في مهام العون الجمركي باعتباره العنصر البشري لإدارة الجمارك التثبت من وقوع الجرائم والبحث عن مرتكبيها.
ونص الفصل 233 من مدونة الجمارك -يقوم بإثبات الأفعال المخالفة للقوانين والأنظمة الجمركية أعوان الإدارة الذين أدوا اليمين طبقا للشروط المحددة في الفصل2-33 من هذه المدونة وضباط الشرطة القضائية وكذلك كل الأعوان محررو المحاضر التابعون للقوة العمومية.
إلا أن أعوان الجمارك المؤهلون قد اشترط المشرع أن توفر فيهم شرطين هما :
التوفر على وكالة عمل
يرجع الأساس القانوني لهذه الوكالة إلى القواعد العامة الواردة في قانون الالتزامات والعقود[[11]]و كذلك إلى الأعراف الجمركية.
وقد نص الفصل 33 في فقرته الأولى من مدونة الجمارك على انه يحمل أعوان الإدارة المدعوون لتحرير المحاضر وكالة عمل ينبغي لهم أن يدلوا بها كلما طلبت منهم. وهي بمثابة بطاقة مهنية،تتضمن بيانات تتعلق بالحالة المدنية للعون وكدا بوضعيته الإدارية.
أداء اليمين القانونية
هذا الالتزام القانوني نجد له أساس في الفصل 33 الفقرة الثانية من مدونة التجارة حث تنص على يجب عليهم أداء اليمين طبق الكيفيات والشروط المنصوص عليها في التنظيم المتعلق بيمين الأعوان.
ويقتصر أداء اليمين على أعوان المكلفين بتحرير المحا ضر،ويكون ذلك أمام السلطة القضائية المختصة،وذلك قبل البدء مباشرة مهامهم.[[12]]
الفقرة الثانية الشكليات الخاصة بالمحاضر الجمركية
تختلف الشكلية التي يجب توفرها في المحضر باختلاف نوع المحضر،بحيث أن هناك أنواع عدة من المحاضر نكر منها على سبيل المثال محضر الحجز،محضرا لضبط ثم محضر الاستماع ،وكذلك محضر المواجهة…
واهم ما يميز المحاضر الجمركية الشكليات المعقدة سواء بظروف تحريرها ،ام البيانات التي يجب توفرها لإعطائها الحجية غير الخاضعة للسلطة التقريرية للمحكمة،وهذه الشكلية تعتبر ضرورية للإثبات.
وتجدر الشارة انه هناك بيانات عامة )أولا(، و بيانات خاصة يجب أن تتضمنها هذه المحاضر المحررة من طرف أعوان الجمارك. ) ثانيا (.
أولا البيانات العامة الواجب توفرها في المحاضر الجمركية
يخضع تنظيم المحاضر الجمركية لشكليات ترتبط ارتباطا وثيقا بقوتها الاثباتية فإذا أغفلت احد هذه الشكليات اعتبرت المحاضر باطلة.وفقا لما نص عليه الفصل 240 من مدونة الجمارك
تاريخ ومكان تحريرها و اختتامها.
أسماء وصفات ومساكن الأعوان محرري المحاضر.
تاريخ وساعة ومكان الحجز أو الإثبات….
ثانيا: البيانات الخاصة الواجب توفرها في المحاضر الجمركية
استلزم المشرع إضافة إلى البيانات العامة، توفر المحضر على بيانات خاصة سواء في محضر الحجز أو محضر البحث.
ونلاحظ ان المشرع المغربي قد أحاط المحاضر الجمركية بمجموعة من الشكليات والإجراءات وذلك لإضفاء نوع من القوة الثبوتية بشأن قيام الركن المادي للمخالفة أو الجنح الجمركية.
وكما سبق ذكره فان مرحلة التثبت من الجرائم هي مرحلة سابقة للمتابعة القضائية،بحيث تقدم المحاضر لخلية المنازعات التابعة لإدارة الجمارك ،حيث يقوم موظفون مختصون بفحص البيانات الشكلية للمحضر ثم إعطاء تكييف للجريمة الجمركية بإدراجها ضمن المخالفات أو الجنح الجمركية،ثم استنادا على المعطيات الواردة بالمحضر ومرفقاته يتم تحرير شكاية توجه إلى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية لتحريك الدعوى العمومية المرفقة بالطلبات المدنية لإدارة الجمارك.
هذا ما سنتطرق إليه في المطلب الثاني.
المطلب الثاني: تحريك الدعوى العمومية في المجال الجمركي
يترتب على معاينة الجرائم الجمركية،إحالة مرتكبيها على القضاء قصد محاكمتهم طبقا لإحكام مدونة الجمارك وهذا ما نص عليه الفصل 248 من مدونة الجمارك حين جاء فيه- يمكن متابعة الأفعال المخالفة للقوانين والأنظمة الجمركية المنصوص عليها في هذه المدونة بجميع الطرق القانونية مع مراعاة أحكام هذا الباب.-
وبذلك تكون المتابعة القضائية هي المآل الطبيعي لأي جريمة جمركية.
والأصل أن النيابة العامة هي صاحبة المبادرة بمباشرة الدعوى العمومية وتمثيل الحق العام في العقاب والمتابعة، عملا بمقتضيات الفصل 34 من قانون المسطرة الجنائية.
وإذا كان القانون الجمركي لم يخرج على هذه القاعدة فانه يتضمن أحكام خاصة تضطلع بمقتضاها إدارة الجمارك بدور مميز في مباشرة المتابعة وإنهائها.
مبدئيا تخضع هذه الأخيرة للقواعد العامة المقررة في قانون المسطرة الجنائية غير أن إدارة الجمارك تضمنت أحكام خاصة بالدعاوى الجمركية نظرا للطابع المميز لهذه الدعاوى.
وعليه سنعالج هذا المطلب كالأتي:
الفقرة الأولى: الجهات المختصة في تحريك الدعوى العمومية وقواعد الاختصاص
ينتج على مخالفة القوانين والأنظمة الجمركية إقامة الدعوى العمومية من طرف إدارة الجمارك كمبدأ، ومن طرف النيابة العامة كاستثناء، إذا تعلق الأمر بالجنح الجمركية فقط) أولا( وذلك أمام المحكمة المختصة طبقا لقواعد الاختصاص النوعي والمكاني المنصوص عليه في قانون المسطرة الجنائية )ثانيا (.
أولا الجهة المختصة بتحريك الدعوى العمومية
من المتفق عليه فقها وقضاء أن الدعوى العمومية ملك خاص للنيابة العامة باعتبارها الجهـاز
القضائـي الذي أوكل إليه المشرع حماية و حراسة المجتمـع من جميع الاختلالات المنافيـة لضوابط المجتمع،.
وهذا ما جاء به الفصل 3 من قانون المسطرة الجنائية.
إلا انه في المجال الجمركي جعل أصل تحريك الدعوى العمومية يعود لإدارة الجمارك و جعل دور النيابة العامة دور استثنائي، وذلك في الجنح المنصوص عليها في الفصول 279 المكرر مرتين و281 من مدونة الجمارك إلى جانب الوزير المكلف بالمالية ،أو إجارة الجمارك إلى جانب ممثليه المؤهلين[[13]] ،بهدف التوفيق بين المصلحة العامة التي تحميها النيابة العامة والمصلحة الخاصة لإدارة الجمارك.
أما حق تحريك الدعوى العمومية في المخالفات الجمركية أبقاها المشرع حكرا على وزير المالية أو من ينوب عنه نظرا لأنها جرائم في اغلبها لا تتضمن إلا عقوبات مالية فتبقى بذلك مرتبطة بالمصلحة الخاصة لإدارة الجمارك،ويمكن للنيابة إجراء المتابعة في المخالفة الجمركية،شريطة أن تحصل على إذن بذلك من إدارة الجمارك. [[14]]
وخروجا عن القواعد العامة ، فان إدارة الجمارك إذا لم يتسنى لها الانتصاب كطرف مدني في الدعوى على المستوى الابتدائي بعد تحريك الدعوى من طرف النيابة العامة ،ووقع إغفال استدعائها وأصدرت المحكمة حكما في غيابها فانه يمكن لها استئناف الحكم الصادر فيما يخص عقوبتي الغرامة والمصادرة،[[15]] وهذا الاستثناء يخالف المبدأ ألمسطري المعروف ألا وهو الطعن بدون صفة.
وبموازاة عملية تحريك الدعوى العمومية من طرف إدارة الجمارك ،فان هذه الدعوى إما أن يغلب عليها الطابع الجنائي ،أو الطابع المدني ،وهذا ما أوضحته مقتضيات الفصلين 210و214 من مدونة الجمارك حيث نص الفصل 201 -إن مصادرة البضائع المحظورة بأي وجه من الوجوه تكتسي على الأخص صبغة تدابير احتياطية، وتغلب على مصادرة الأشياء غير المحظورة صبغة تعويض مدني-.
فصل 214 نص في فقرته الأولى على” مع مراعاة أحكام الفصل 257 المكرر بعده، تغلب على الغرامات الجبائية المنصوص عليها في هذه المدونة صبغة تعويضات مدنية، غير أنها تصدر عن المحاكم الزجرية، ويجب الحكم بها في جميع الحالات ولو لم تلحق الأفعال المرتكبة أي ضرر مادي بالدولة”.
ثانيا: قواعد الاختصاص القضائي
أثارت المحكمة المختصة بالنظر في المنازعات الزجرية الجمركية، جدلا كبيرا بين الفقه والقضاء الفرنسيين.
بحث يرى اتجاه أن الاختصاص يعود للمحاكم الإدارية بحكم أن النزاع قائم بين شخص معنوي عام –إدارة الجمارك- وبين طرف عادي وهو المخالف للقوانين والأنظمة الجمركية.
واتجاه آخر يرى أن اختصاص البت في هذه المنازعات يرجع بالأساس للمحاكم العادية على اعتبار أن كل الصلاحيات المسندة الأعوان الجمارك،لا يختص القضاء الإداري بالرقابة على مشروعيتها.سواء بكشف الجرائم،أو فيما يخص تحريك الدعوى العمومية ضد الأشخاص المخالفين للأنظمة والقوانين الجمركية[[16]].
وبالرجوع إلى مدونة الجمارك نجدها تنص في الفصل 252 على انه”ترفع الجنح والمخالفات الجمركية إلى المحاكم وفقا للقواعد القانونية العادية…”
ان صيغة هذا الفصل جاءت فضفاضة لم يحدد بشكل دقيق الجهة المختصة في المنازعات الزجرية الجمركية هل القضاء الإداري أم العادي ؟
لكن بالرجوع للفصل 214 من مدونة الجمارك الذي جاء فيه ”مع مراعاة أحكام الفصل 257 المكرر بعده، تغلب على الغرامات الجبائية المنصوص عليها في هذه المدونة صبغة تعويضات مدنية، غير أنها تصدر عن المحاكم الزجرية ويجب الحكم بها في جميع الحالات ولو لم تلحق الأفعال المرتكبة أي ضرر مادي بالدولة.
إذا كانت القضية معروضة أمام المحكمة العسكرية جاز للإدارة أن تقدم طلب التعويض إلى محكمة مدنية”.
انطلاقا من هذين الفصلين يتبين أن المحاكم العادية هي المختصة حيث ترفع إليها الجرائم الجمركية وفق القواعد
العامة [[17]] .
وطبقا للقواعد الاختصاص المكاني فالمحكمة المختصة هي محكمة محل ارتكاب الجريمة آو محل إقامة المتهم أو إلقاء القبض عليه.
وقد أثير إشكال أثناء قيام إدارة الجمارك ببعض أعمال الحجز وضبط الجرائم حيث في هذا الصدد صدرت عدة قرارات عن المحاكم الإدارية وأبقته للمحاكم الزجرية العادية ومنها
حكم المحكمة الإدارية بوجدة صرح بعدم اختصاص المحكمة الإدارية في طلب يهدف إلى الحكم برفع الحجز عن السيارة التي قامت بحجزها إدارة الجمارك بعلة أن صاحبها ضبط وهو يحاول استيرادها بدون تصريح بعد أن كان قد غادر التراب الوطني وحرر له محضر وأقيمت ضده دعوى معللة حكمها بكون هاته الأعمال تدخل في إطار الضبط القضائي وتخضع لمراقبة النيابة العامة.[[18]]
وبعد التطرق إلى الجهة المختصة بتحريك الدعوى العمومية في الجرائم الجمركية و كذا الجهة المختصة بالنظر فيها، سنشير فيما يلي
لطرف مباشرة الدعوى الجمركية ثم طرق الطعن في الأحكام الصادرة بشأنها) الفقرة الثانية(
الفقرة الثانية أساليب مباشرة الدعوى الجمركية وطرق الطعن في الأحكام الصادرة بشأنها
لم تنص مدونة الجمارك على أية إشارة إلى كيفية رفع الدعوى الجمركية إلى المحكمة المختصة، ولم تشر كذلك إلى القواعد الإجرائية أمامها، واكتفت بالإشارة من خلال الفصل 252 و214 على اختصاص المحكمة التي تثبت في المسائل الزجرية بالنظر في الجرائم الجمركية، وكأن المشرع يحيل ضمنيا على القواعد العامة التي تحكم الإجراءات أمام هذه المحاكم بما في ذلك أساليب مباشرة الدعوى الجمركية.
أولا: أساليب مباشرة الدعوى الجمركية
نص الفصل 248 من مدونة الجمارك على انه ” يمكن متابعة الأفعال المخالفة للقوانين والأنظمة الجمركية المنصوص عليها في هذه المدونة بجميع الطرق القانونية مع مراعاة أحكام هذا الباب.”
وعليه فالمتابعة عن الجرائم الجمركية تخضع لنفس الإجراءات المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية،وهذا ما سار عليه قرار المجلس الأعلى حيث جاء فيه ” إن المشرع أعطى الحق لإدارة الجمارك في المتابعة ،كما أعطى ذلك للنيابة العامة،فان تلك المتابعة يجب أن تخضع لنفس الإجراءات المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية”[[19]]
وعليه يمكن لإدارة الجمارك والنيابة العامة مباشرة الدعوى العمومية، إما عن طريق الاستدعاء المباشر وإما وفق إجراء التلبس بالجريمة.
بالنسبة للاستدعاء المباشر يعطي القانون للمطالبة بالحق المدني والنيابة العامة، وعند الاقتضاء للمسئولين عن الحقوق المدنية، الإمكانية لاستدعاء مرتكب الجريمة مباشرة أمام قضاء الحكم.
ويخول قانون المسطرة الجنائية هذه الإمكانية في المخالفات وفي الجنح التي تدخل في اختصاص المحكمة الابتدائية.[[20]]
ما عدى التي يقضي القانون بإجراء التحقيق فيها وفقا للمادة 83 من نفس القانون، وبالنسبة لممثل النيابة العامة، حتى في الجنايات التي لا يكون التحقيق فيها إلزاميا.
وفي المجال الجمركي يمكن تحريك الدعوى العمومية عن طريق الاستدعاء المباشر من طرف إدارة الجمارك أو النيابة العامة حيث يعتبر هذا الإجراء من أكثر الطرق استعمال في الجرائم الجمركية .
ويتم إقامة الدعوى العمومية عن طريق الاستدعاء المباشر بتقديم طلب إلى رئيس المحكمة في عدد من النسخ يساوي عدد الأشخاص المسئولين جنائيا أو مدنيا عن الجريمة.
ويمكن كذلك تحريك الدعوى العمومية بواسطة الإحالة الفورية على المحكمة، وتتحقق هذه الحالة متى توافرت حالة التلبس ، وذلك طبقا للمادة 74 من قانون المسطرة الجنائية بحيث يحق لوكيل الملك أن يصدر أمره بإيداع المتهم بالسجن بعد إشعاره بحقه في تنصيب محام، واستنطاقه عن هويته وعن الأفعال المتلبس بها، ويمكن تمتيعه بالصراح المؤقت ،إذا لم يحكم فورا في جوهر القضية وذلك مشروط بتقديم المتهم ضمانات كافية للحضور،سواء كانت مادية أو شخصية، ونلاحظ هنا إن مدونة الجمارك قد شددت من هذه الضمانات في حالة السراح المؤقت.[[21]]url:#_ftn21 من خلال الفصل 253 من مدونة الجمارك.
ثانيا طرق الطعن
نص الفصل 285 من مدونة الجمارك على أنه ”في حالة تحريك الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة طبقا لأحكام الفقرة الأولى من الفصل 249 أعلاه وجب إشعار إدارة الجمارك الضرائب غير المباشرة بذلك و استدعاؤها لجلسة الأحكام قصد إيداع طلباتها.
على أنه يجوز لها بكيفية استثنائية في حالة ما إذا لم يسبق استدعاؤها بصفة قانونية استئناف الحكم الصادر فيما يخص عقوبتي الغرامة و المصادرة خلال العشرة أيام الموالية لتاريخ تبليغ الحكم”.
وهكذا يمكن لإدارة الجمارك استئناف الحكم الذي لم تكن حاضرة فيه في المرحلة الابتدائية، وكذلك بإمكانها الطعن في الحكم الذي قضى بإغفال التصريح بمصادرة البضائع المتنازع فيها والطعن في الحكم الذي يقضي ببراءة المتهم رغم عدم استئنافه من طرف النيابة العامة.[[22]]
كما يمكن الطن في كل حكم أو قرار قضى برفض مطالب الإدارة كليا أو جزئيا، ولهذا الغرض يتعين على ممثل الإدارة قبل مباشرة أي طعن ، أن يتأكد من منطوق الحكم وتاريخه، ورقم الملف،ويجب عليه الحصول على إذن من رئيسه بشان رفع الطن من عدم رفعه،لأنه يمارس إجراء الطعن باسم ولحساب إدارة الجمارك.
ويقوم بإيداع الملتمسات أو مذكرات الإدارة، يبين فيها وقائع القضية والأحكام الصادرة بشأنها، والأسباب التي دعت إلى رفع مثل هذا الطعن وكذا وسائل دفاعه والتعقيب على ما جاء في التعليل وحيثيات الحكم المطعون.
وتنقسم طرق الطعن إلى نوعين طرق طعن عادية متمثلة في التعرض والاستئناف.
وطرق طعن غير عادية متمثلة في النقض والمراجعة وإعادة النظر.
بعد تعرضنا في هذا المبحث لمسطرة المتابعة ، سنتطرق في المبحث الموالي إلى سلطة القاضي في المنازعات الزجرية في مجال الإثبات وتقدير الجزاءات.
المبحث الثاني : سلطة القاضي الجنائي في المنازعات الجمركية الزجرية
سنتطرق من خلال هذا المبحث إلى سلطة القاضي الجنائي في تقدير المحاضر الجمركية (المطلب الأول ) وسنتطرق إلى سلطة القاضي في تقدير العقوبات (المطلب الثاني ).
المطلب الأول : سلطة القاضي الجنائي في تقدير المحاضر الجمركية
المشرع المغربي ميز بين نوعين من المحاضر من حيث محرريها و على هذا الأساس نقسم هذا المطلب إلى فقرتين نتناول في الأولى سلطة القاضي الجنائي في المحاضر ذات الحجة المطلقة و في الفقرة الثانية سلطة في المحاضر ذات الحجية النسبية .
الفقرة الأولى : سلطة القاضي الجنائي في تقدير المحاضر الحجية المطلقة :
لتناول هذه الفقرة لابد من دراسة الشروط الواجبة توفرها في المحضر الجمركي ليكتسب حجية مطلقة أولا ثم الوسيلة المتبعة لاستبعاد هذه الحجية وذلك بالطعن بالزور في محضر الاثباتات المادية المتضمنة في المحضر الجمركي ثانيا .
أولا : شروط القوة الثبوتية للمحضر الجمركي :
أعطى القانون الجمركي لمحاضر الحجز و المعاينة حجية كاملة بحيث تكتسب هذه الحجية عند توافر شرطين أساسين.
أولهما ليتعلق بمضمون المحاضر أو ما يتضمنه من نقل للمعاينات المادية وثانيهما يتعلق بصفة محرري المحاضر و عددهم وهو أن تكون محررة من قبل عونين على الأقل من بين الأعوان المحلفين المشار إليهم في الفصل 242 .
فيما يخص مضمون المحضر يكون القاضي ملزما بالأخذ بالمحاضر الجمركية عندما تنقل معاينات مادية و الملاحظات المباشرة التي يسجلها أعوان الجمارك اعتمادا على حواسهم و التي لا تتطلب مهارة خاصة [[23]] غالبا ما تثير إشكالا كبيرا من الناحية العملية بدعوى أن هذه المعاينات تتطلب مهارة خاصة يفتقر إليها عادة أعوان الجمارك مما يجعل اللجوء إلى الحيزة لازما.
أما بالنسبة لمحرري المحضر و عددهم فالفصل 240 اشترط لكي تكون للمحاضر قوة ثبوتية مطلقة في الإثبات وبذلك تقيد القاضي الجنائي أن يكون محررها عونين أو أكثر من أعوان الجمارك.
وعليه فالقاضي الجنائي له سلطة مقيدة في المحاضر ذات الحجية المطلقة و يصدر حكمه على أساسها ولا يمكن استبعادها إلا بطريق الطعن فيها بالزور .
ثانيا : استبعاد المحاضر ذات الحجية المطلقة بالطعن فيها بالزور :
كما سبقت الإشارة إليه فالمحاضر الجمركية المحررة من طرف عونين أو أكثر من أعوان الجمارك لا تقبل دحض ما ورد فيها من معاينات مادية إلا عن طريق الطعن بالزور وبذلك تعرض على القاضي مسألة أولية يختص بالنظر فيها استنادا إلى المبدأ الذي مفاده أن قاضي الأصل أو الدعوى هو قاضي الدفع على اعتبار أن القاضي الجنائي هو صاحب الولاية و الاختصاص في النظر في جرائم التزوير، وعليه فالشخص المتابع الذي يريد الطعن في المحضر عليه أن يقدم التصريح وفقا لمقتضيات الفصل 287 من مدونة الجمارك .
وكل ضنين رفض طعنه بالتزوير يحكم القاضي عليه بغرامة لفائدة الخزينة العامة يتراوح قدرها بين 500 و 1500 درهم .
ويترتب على ثبوت تزوير المحضر الجمركي استبعاده من طرف القاضي كدليل إثبات باعتباره أساس المتابعة الجنائية .
فمادا إذن عن دور القاضي الجنائي وسلطته التقديرية في المحاضر ذات الحجية النسبية .
الفقرة الثانية : سلطة القاضي الجنائي في المحاضر ذات الحجية النسبية
أولا : موقف القاضي من الاعترافات و التصريحات الواردة في محاضر المعاينة
ينص الفصل 242 من مدونة الجمارك في فقرته الثانية على أن الإقرارات والتصريحات المتضمنة في المحضر ليعتمد عليها إلى أن يثبت ما يخالفها . هذه الفقرة الثانية ترجح للقاضي الجنائي سلطته التقديرية و تظفي نوعا من المرونة على طرق الإثبات في الموارد الجمركية و تبعا لذلك فإن المحاضر الجمركية المتضمنة للاعترافات أو التصريحات ولو ثم ترحريها من طرف عونين أو اكثر من الأعوان المؤهلين لمعاينة الجريمة الجمركية فإنها لا تحوز الحجية المطلقة وبالتالي لا تقيد القاضي الجنائي بل تعتبر صحيحة غلى غاية إثبات عكسها .
ثانيا : سلطة القاضي في الأخذ بالمحاضر المحررة من طرف عون واحد من أعوان الجمارك
فيحوز حجية نسبية بحيث تكون صحيحة إلى أن يثبت عكسها وفي حالة إثبات العكس فإن القاضي تكون له كامل السلطة في تقدير الدليل العكسي المقدم أمامه بناء على المناقشات الشفوية التي دارت في الجلسة سواء تعلق الأمر بالمعاينات المادية أو بالاعترافات و التصريحات .
وتجدر الإشارة إلى أنه في حالة بطلان المحاضر الجمركية بسب تخلف أحد الشروط الجوهرية لصحة المحضر سيرجع القاضي سلطته في الأخذ بهذه المحاضر أو استبعادها [[24]] .
وبعد تطرقنا لسلطة القاضي الجنائي في مجال الإثبات سنتطرق في المطلب الموالي لسلطته في تقدير العقوبات .
المطلب الثاني : سلطة القاضي الجنائي في تقدير العقوبات
سوف نعالج في هذا المطلب عنصرين هامين ( الفقرة الأولى ) التطرق لسلطة القاضي الجنائي في تقدير العقوبات المالية ثم سلطته في تقدير العقوبات الحبسية (الفقرة الثانية ) .
الفقرة الأولى : سلطة القاضي الجنائي في تقدير العقوبات المالية سنتطرق من خلال هذه الفقرة إلى المبادئ التي تحكم سلطة القاضي في مجال عدم جواز التحفيظ من الغرامة الجمركية و سلطته في مجال المصادرة .
أولا : الغرامة الجمركية
تجدر الإشارة هنا إلى أن إدارة الجمارك هي الجهة المختصة بتقدير قيمة البضائع المتخذة كأساس لاحتساب الغرامة الجمركية أو القيمة الواجب اعتمادها لحسابها و هي قيمة الشيء في حالة جيدة بالسوق الداخلية بتاريخ ارتكاب التهريب ولو لم تكن البضاعة المعينة محل تجارة مشروعة وهذا ما نص عليه الفصل 219 من مدونة الجمارك وعليه يكون القاضي ملزما بالأخذ بطلبات إدارة الجمارك بخصوص الغرامة الجمركية ما لم يطعن المتهم في قيمة البضائع وفي حالة اعتراض المتهم على القيمة يكون للقاضي سلطة مطلقة للتحقق من القيمة الواجب الاستناد إليها في حساب الغرامة له في ذلك أن يلجأ إلى الخبرة و يجب أن يقدم الاعتراض على القيمة أمام قاضي الموضوع .
و المبدأ العام في القضايا الجمركية أنه ليس بوسع القاضي أن يخقظ من الغرامات الجمركية هو مبدأ مبالغ فيه إلى حد الإفراط وهو مجحف في حق القاضي وفيه تهميش لدوره بحيث يقتصر دوره على التأثير على طلبات إدارة الجمارك.
ثانيا : المصادر الجمركية
إن القاضي ملزما بالحكم بمصادرة البضائع المحظورة وكذلك البضائع المثبت الغش بشأنها و الحكم وجوبا بمصادرة وسائل النقل التي استخدمت أو كانت معدة لاستخدامها في ارتكاب الجنحة أو المخالفة الجمركية إذا كان يملكها من شارك في الغش أو حاول ذلك أو يملكها شخص أجنبي عن الجريمة الجمركية وكانت وسلة النقل هيئت خصيصا لارتكاب الغش أو كان المكلف مرتكب الغش هو المكلف بسياقتها [[25]] وتكون للقاضي سلطة تقديرية إما بالحكم أو عدم الحكم بها وذلك في حالة ما إذا استعملت بضاعة ما في إخفاء البضائع المثبت الغش بشأنها بحيث يقدر القاضي وسائل الإثبات المقدمة إليه وكذلك في حالة تقديم مالك وسيلة النقل موضوع المصادرة إثباتات بأن المكلف بالسياقة قام بهذا العمل دون إذن منه و تصرف خارج إطار الوظائف الموكولة إليه في هذه الحالة يقدر القاضي وسائل الإثبات المقدمة من طرف مالك وسيلة النقل .
وبالتالي إما أن يحكم بالمصادرة لفائدة الإدارة أو يحكم بإرجاع وسيلة النقل لمالكها وذلك راجع لقناعته الشخصية .
الفقرة الثانية : سلطة القاضي الجنائي في العقوبات السالبة للحرية
تعتبر العقوبات السالبة للحرية جزاءا للجرائم الجمركية بطبيعتها الجزائية المحضة فهي مقرة للجنح الجمركية دون المخالفات التي تخضع للعقوبات المالية فقط و يترتب على هذا تطبيق القواعد العامة الخاصة بسلطات القاضي الجنائي في تخفيف أو تشديد أو وقف تنفيذ العقوبة السالبة للحرية.
القاضي الجنائي له كامل السلطة التقديرية في الحكم إما بالبراءة أو الإدانة حسب اقتناعه الشخصي للأدلة ووسائل الإثبات المقدمة إليه .
كما يمكن له أن يحكم بالحد الأقصى للعقوبة إذا رأى تحقق ظروف التشديد في المجال الجمركي وذلك مثلا في حالة العود لارتكاب الجريمة الجمركية الجديدة بعد حكم نهائي صادر عن جريمة جمركية سابقة .
كما يمكن للقاضي الجنائي أن يحكم بوقف تنفيذ العقوبة الحبسية في حق المخالف الذي يرتكب جنحة تصدير و استيراد بدون تصريح إذا لم يسبق لهذا الأخير أن حكم عليه بجناية أو جنحة من جرائم القانون العام وفي هذه الحالة فإن وقف تنفيذ العقوبة السالبة للحرية ليست حقا للمتهم إذا توفرت فيه الشروط السابقة الذكر بل هي وسلة في يد القاضي بحكم بها حسب قناعته الشخصية.
الفصل الثاني: مسطـرة الصلـح
تعرف المصالحة بأنها تسوية نزاع بطريقة ودية، وهي وسيلة تؤدي إلى سد باب الشقاق بصفة نهائية من خلال جبر الضرر وبتر روح القصاص من نفسية الضحية، وتعد المصالحة سببا من أسباب انتهاء الدعوى العمومية والجنائية، بل وتعد بديلا للمتابعات القضائية.
وسنحاول في إطار هذا الفصل أن نركز على نقطتين أساسيتين تتعلق الأولى بالطبيعة القانونية للمصالحة الجمركية (المبحث الأول) أما الثانية فتتمحور حول النظام القانونية لهذه المصالحة (المبحث الثاني).
المبحث الأول: الطبيعة القانونية للمصالحة الجمركية
سنحاول في إطار هذا المبحث أن نبين الطبيعة القانونية للمصالحة الجمركية وذلك على النحو التالي:
المطلب الأول: الطبيعة العقدية للمصالحة الجمركية
حاول بعض الفقه إضفاء الطابع المدني على المصالحة الجمركية استنادا إلى أوجه التشابه بين المصالحة الجمركية والعقد المدني، فيما اتجه البعض الآخر إلى إضفاء الصبغة الإدارية على المصالحة الجمركية، وسنحاول في إطار هذا المطلب أن نبين الأسس التي يرتكز عليها كل اتجاه.
الفقرة الأولى: المصالحة الجمركية والعقد المدني
يعرف هذا الاتجاه المصالحة الجمركية بأنها عقد رضائي ينعقد بمجرد اقتران إيجاب المتهم أو المحكوم عليه بقبول مطالب إدارة الجمارك.
والتعاريف التي غلبت الجانب الرضائي في المصالحة الجمركية إما أن تعتبر هذه الأخيرة عقد صلح مدني، وإما أن تعتبرها عقد إذعان وسنحاول أن نبين كل اتجاه.
أولا: المصالحة الجمركية وعقد الصلح المدني
عرفت المادة 1098 من قانون الالتزامات والعقود المغربي عقد الصلح المدني بأنه ” عقد بمقتضاه يحسم الطرفان نزاعا قائما أو يتوقيان قيامه، وذلك بتنازل كل منهما للآخر عن جزء مما يدعيه لنفسه أو بإعطائه مالا معينا أو حقا”.
وانطلاقا من هذا الفصل يظهر لنا جليا أن أوجه التشابه بين المصالحة الجمركية والصلح المدني كثيرة سواء تعلق الأمر بشروط الانعقاد أو بالآثار.
ففيما يخص شروط الانعقاد، فالمصالحة الجمركية تقوم على أساس الرضا المتمثل في إيجاب وقبول خال من العيوب.
كما يشترط في عقد المصالحة الجمركية أن يكون المتعاقد أهلا للتصرف بعوض، فأهلية التصرف اللازمة في الصلح هي الأهلية الواجبة في عقود المعاوضة، ومن تم لا يكون الصلح الجمركي صحيحا مع القاصر والمحجور عليه.
كما أن عيوب الرضا في الصلحين واحدة وهي الغلط الواقع والتدليس والإكراه وكلها تؤدي إلى إبطال الصلح، ولا يعد الغلط في القانون وكذا الغبن عيبا من عيوب الرضا في الصلحين معا.
أما فيما يخص الآثار فإنه يترتب على الصلح المدني حسم النزاع وذلك بانقضاء الحقوق والإدعاءات التي تنازل عنها المتصالحين، وهو نفس الأثر في المصالحة الجمركية إذ يترتب عنها انقضاء الدعوى العمومية ومحو آثار الاتهام.
كما أن للمصالحة سواء كانت جمركية أو مدنية أثر نسبي، إذ لا ينتفع بها ولا يضار بها الغير، فهي محصورة على طرفيها.
إلا أن هذا التشابه يقابله أوجه اختلاف عديدة وتقوم أساسا على الأركان الأساسية التي يقوم عليها الصلح وهي:
قيام نزاع أو احتمال قيامه: فإذا كان الصلح المدني يضع حدا لنزاع قائم أو محتمل الوقوع، فإن المصالحة الجمركية يقتصر مفعولها بالأساس على النزاع القائم فقط، إذ أن الجريمة الجمركية موضوع المصالحة تكون كشرط للمتابعة أن تتوفر على محاضر ذات قوة تبوتية وبالتالي لا يكون هناك مجال للحديث عن النزاع المحتمل لأن النزاع قائم.
نية وقصد الأطراف: يهدف طرفا عقد الصلح المدني إلى فض نزاع قائم أو محتمل الوقوع، في حين يختلف قصد طرفا المصالحة الجمركية إذ غالبا ما يهدف المتابع إلى وقف المتابعات أو الخوف من تطبيق الجزاءات الحبسية عليه، في حين أن الإدارة إلى جبر وتعويض الضرر الذي لحقها.
فالصلح المدني يراعي طرفاه ضرورة التناسب بين العوض والضرر، غير أن الصلح الجمركي واستنادا إلى أن إدارة الجمارك هي التي تحدد هذا العوض بسلطتها التقديرية فإنها لا تراعي ضرورة التناسب بين العوض والضرر.
من حيث التنازلات المتبادلة: يتعين على كل طرف من أطراف الصلح المدني أن يتنازل على وجه التبادل عن حقه، ويكون طرفا الصلح على قدم المساواة، حيث يفترض تنازلات متبادلة ذات طابع رضائي.
في حين تطبع المصالحة الجمركية عدم التكافئ إذ لا وجود لتبادل التنازلات، ذلك أن إدارة الجمارك تفرض آرائها على المخالف الذي لا يملك إلا أن يخضع لشروطها لكي يسلم من المتابعة.
وخلاصة القول فإن أوجه الاختلاف بين المصالحة الجمركية والصلح المدني أقوى من أوجه الشبه لذلك لا يمكن اعتبار المصالحة الجمركية صلحا مدنيا.
ثانيا: المصالحة الجمركية وعقد الإذعان
يرى بعض أنصار الصبغة العقدية للمصالحة أن المصالحة الجمركية هي عقد إذعان باعتبار أن أحد الأطراف يفرض شروطا على الآخر دون أن يملك الطرف الآخر حق مناقشته في ذلك.
ولم يتفق الفقهاء على تعريف واحد لعقد الإذعان، ولكن مع ذلك فقد أجمعوا على أنه يفرض فيه أحد الطرفين شروطه على الآخر دون أن يبقى له سوى قبول تلك الشروط أو رفضها برمتها.
وقد عرفه بعض الفقهاء بأنه عقود يتولى أحد الطرفين المتعاقدين تحديد شروطه، ثم يعرضه على الطرف الآخر الذي لا يملك الحرية إلا أن يقبلها جملة أو يرفضها جملة[[26]]
ومما لا شك فيه أن المصالحة الجمركية تتشارك مع عقد الإذعان في عدة من نقط التشابه، ذلك أن الإدارة في المصالحة الجمركية تكون في وضعية امتياز في مواجهة الطرف الآخر، ولا يملك هذا الأخير سوى الإذعان لشروط العقد.
إلا أنه ومع ذلك فإن المصالحة الجمركية تختلف عن عقد الإذعان في عدة نواح منها الجهة المختصة والموضوع وكذلك الشروط.
فمن حيث الجهة المختصة فإذا كان من الممكن إبرام عقود الإذعان سواء من طرف شخص عام أو خاص، فإن المصالحة الجمركية لا يمكن إبرامها إلا من طرف شخص معنوي عام يمثل الدولة، فهو امتياز منحه القانون لإدارة الجمارك لإنهاء الدعوى العمومية في المجالات التي تقوم بتسييرها وإدارتها، وبالتالي لا يتصور إبرامها من طرف شخص خاص[[27]].
أما بالنسبة للموضوع فإذا كانت الضرورة الاقتصادية هي التي تدفع المتعاقد إلى إبرام عقد الإذعان، فإن الأمر على خلاف ذلك فيما يخص المصالحة الجمركية، حيث يبرمها المخالف تجنبا للمتابعة القضائية.
أما من حيث الشروط فيجب في عقد الإذعان أن تكون شروطه موجهة إلى الجمهور، بمعنى أن لا توجه إلى شخص معين[[28]]، وهذه الشروط غير متوفرة في المصالحة الجمركية إذ يتم التحاور مع فرد واحد ألا وهو المخالف الذي أسندت إليه المخالفة الجمركية، وهذا يتلاءم مع الطابع النسبي للمصالحة، كما لا يمكن للمخالف الذي يرفض المصالحة التوجه إلى جهة أخرى للتعاقد معها، عكس المتعاقد في عقد الإذعان الذي يملك هذه الإمكانية[[29]].
وخلاصة القول فإنه لا يمكن أن نعتبر عقد المصالحة الجمركية عقد إذعان وذلك لما سبق ذكره، فهل المصالحة الجمركية إذن عقد إداري؟
الفقرة الثانية: المصالحة الجمركية والعقد الإداري
يعتبر بعض الفقهاء أن المصالحة الجمركية عقدا إداريا نظرا لتوفر خصائص مشتركة تجمع بينهما (أولا) إلا أنه لا ينبغي أن نغفل أوجه الاختلاف بين المصالحة الجمركية والعقد الإداري (ثانيا).
أولا: الخصائص المشتركة بين المصالحة الجمركية والعقد الإداري
مساهمة الشخص المعنوي: هذا الشرط متوفر في المصالحة الجمركية، ذلك أن أحد طرفي المصالحة هو شخص من أشخاص القانون العام، باعتبار أن إدارة الجمارك هي شخص معنوي عام.
الشروط غير المألوفة في القانون الخاص: وهي شروط لا نجدها في العقد المبرم بين الأفراد، والشروط غير المألوفة هي تلك الشروط التي تتضمن منح امتيازات السلطة العامة في مواجهة الطرف المتعاقد معه، ومن أمثلة هذه الامتيازات نجد الحق في استعمال إجراءات التصرف الفوري وسلطة فسخ العقد بدون إشعار مسبق وبدون تعويض.
على أن هذا الشرط قد اختلف فيه الفقهاء فهناك من يرى أن المصالحة الجمركية تتوفر على امتيازات غير مألوفة، فيما ذهب رأي ثاني إلى أن المصالحة الجمركية لا تتوفر فيها هذه الشروط.
ثانيا: أوجه الاختلاف بين المصالحة الجمركية والعقد الإداري
وكما سبقنا وأن أشرنا إليه سابقا فإن عقد المصالحة الجمركية تتشابه مع العقد الإداري في ناحيتين، الأولى تتعلق بمساهمة الشخص المعنوي أما الثانية فتتمحور حول توفر الشروط غير المألوفة في القانون الخاص، إلا أنه ومع ذلك فإنه تبرز أوجه اختلاف بينهما، وتكمن أساسا في قدرة الإدارة على تعديل الالتزامات الواردة في العقد الإداري وبإمكانها كذلك فسخه بإرادة منفردة، بل إمكانية عدم تنفيذ التزاماته، على عكس المصالحة الجمركية التي يكون فيها الطرفين ملزمين باحترام شروطها ولا يمكنها تعديلها وليس لهما كذلك فسخ عقد المصالحة إلا إذا أخل الطرف المخالف مع الإدارة بالتزاماته التصالحية.
المطلب الثاني: المصالحة الجمركية والجزاء الجنائي
اعتبر بعض الفقه المصالحة الجمركية جزاء جنائيا لتوافرها على بعض خصائص الجزاء الجنائي (الفقرة الأولى) إلا أنه ومع ذلك فإنه تتميز عنه بخصائص أخرى (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الخصائص المشتركة بين المصالحة الجمركية والجزاء الجنائي
يحتل مبدأ الشرعية صدارة الخصائص المشتركة بين المصالحة الجمركية والجزاء الجنائي، ذلك أن المشرع المغربي حرص على تحديد مجالها وذلك بتخصيص القسم التاسع من الباب الثاني من مدونة الجمارك (الفصول من 273 إلى 277).
غير أن مبدأ الشرعية يفترض تدخل المشرع في التجريم وذلك في تحديد العقوبات، ويرى بعض الفقه أن المشرع لم يتدخل لتحديد العقوبات، ففيما يخص مثلا مبلغ المصالحة فإن المشرع لم يتدخل لتحديد مقدارها، في حين يرى اتجاه آخر أن الإدارة عند تحديدها لمبلغ المصالحة تخضع للشرعية إذ لا يحق لها أن تتجاوز العقوبة المقررة قانونا.
الفقرة الثانية: التمييز بين المصالحة الجمركية والجزاء الجنائي
يصدر الجزاء الجنائي من جهة قضائية على عكس الصلح الجمركي الذي يخضع لإجراءات خاصة صادرة عن الإدارة الجمركية، فالصلح الجمركي يحول الاختصاص من القضاء إلى الإدارة بإرادة المخالف.
كما تتنافى المصالحة الجمركية مع مبدأ شخصية العقوبة، ذلك أن هذا المبدأ يقضي بأن لا تطبق العقوبة إلا على مرتكب الجريمة أو المساهم أو المشارك، غير أنه في المصالحة الجمركية يتعدى الأمر ليشمل كذلك المستفيد من الغش والناقل والمصرح والوكيل لدى الجمارك والموكل والمسؤول المدني[[30]].
المبحث الثاني: النظام القانوني للمصالحة الجمركية
لدراسة النظام القانوني للمصالحة الجمركية ارتأينا أن نتناوله في مطلبين نخصص الأول للأحكام العامة للمصالحة الجمركية في حين نفرد الثاني لآثار هذه المصالحة
المطلب الأول: الأحكام العامة للمصالحة الجمركية
سنتطرق في هذا المطلب لأطراف عقد المصالحة الجمركية وشكلياتها (الفقرة الأولى) تم للعوارض التي تعترضها (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: أطراف عقد المصالحة الجمركية وشكلياتها
أولا: أطراف عقد المصالحة الجمركية
تتمثل أطراف عقد المصالحة في:
إدارة الجمارك: من خلال الفصل 273 من مدونة الجمارك فقد رخص المشرع لإدارة الجمارك بإبرام المصالحة مع الأشخاص المتابعين من أجل مخالفة القوانين والأنظمة الجمركية، غير أن المدونة لم تحدد رتبة الأشخاص المؤهلين لإبرامها، بل اكتفت بتحديد الجهة المختصة بالمصادقة عليها[[31]]، كما أنها لم تشر إلى اختصاصات المديرين الإقليميين، وكذا إلى إمكانية إبرام المصالحة من طرف المدير العام ووزير المالية على غرار ما هو منصوص عليه في المدونة الجمركية الفرنسية[[32]] .
ويشترط في ممثل إدارة الجمارك الذي يجري المصالحة مع المتابع أن يكون موظفا متخصصا في القانون، بحيث تبطل المصالحة كلما أجراها موظف غير مختص أو تجاوز حدود اختصاصاته[[33]].
وبالرجوع لنماذج عقد المصالحة نجد الآمر بالصرف هو المفوض بالتوقيع عليها بحيث يقبل العروض المقدمة من طرف المتابع بالجنحة أو المخالفة الجمركية ويتم إحالتها على السلطات العليا المنصوص عليها في الفصل 274 للمصادقة عليها، بحيث إذا لم توافق الجهات السالفة الذكر تصبح المصالحة غير مقبولة وليس لها أي أثر قانوني[[34]] .
كما أن المشرع المغربي لم يشترط خضوع المصالحة الجمركية لأي رقابة قضائية سابقة على إبرامها، ومن تم يمكن القول أن إدارة الجمارك تتمتع بسلطة تقديرية مطلقة في إجراء المصالحة، ولها كامل الحرية في قبول إجرائها أو اللجوء إلى القضاء، ولا تكون ملزمة لتعليل قرارها[[35]].
المتابع: بالرجوع إلى الفصل 273 من مدونة الجمارك نجده قد حصر الأشخاص المؤهلين لإبرام المصالحة مع إدارة الجمارك في الأشخاص المؤهلين من أجل مخالفة القوانين والأنظمة الجمركية، وما يلاحظ على الفصل أنه استعمل عبارة الأشخاص المتابعين والذي يشمل مرتكب المخالفة أو الجنحة سواء كان فاعلا ماديا أو معنويا وكذلك الحائز والناقل[[36]] أو المصرح[[37]] والمتعهد الذي يحرر التعهد باسمه كضمان للالتزامات التي تقع على عاتق المستفيد من نظام من الأنظمة الاقتصادية الجمركية، وكذلك المشاركون والمستفيدون من الغش[[38]]، وكذلك المسؤول المدني عن فعل الغير، بحيث حملت مدونة الجمارك ملك البضائع المسؤولية المدنية عن تصرفات مستخدميه.
وما يؤخذ على مدونة الجمارك أنها لم تحدد شروط المتابعين الذين لهم حق الاستفادة من المصالحة، فالبعض يرى جواز الصلح في العود والبعض الآخر يرى عدم جواز استفادة العائد لارتكاب الجريمة الجمركية من نظام الصلح لإضراره بمصالح الدولة الاقتصادية.
ويشترط لقيام المصالحة الجمركية أن يتمتع الطرف المتصالح مع الإدارة بالأهلية الكاملة، وقد يكون المتصالح شخصا طبيعيا ومن تم يشترط فيه أن يكون بالغا متمتعا بقواه العقلية وغير محجور عليه، أما بالنسبة للقاصر والمجنون فيشترط إبرامها مع وصيه القانوني أو وليه الشرعي[[39]] .
أما الشخص المعنوي فبالرجوع إلى الفصل 227 من المدونة نجده ينص على مسؤولية الشخص المعنوي وتطبق عليه العقوبات المالية.
ثانيا: شكليات عقد المصالحة
شكل عقد المصالحة
تتم المصالحة في شكل عقد ملزم لطرفيه ومن تم لابد وأن يكون في شكل كتابي من عدة نسخ أصلية تعادل عدد الأطراف الذين لهم مصلحة مستقلة فيها وذلك تطبيقا للفصل 276 من مدونة الجمارك، ويمكن أن تبرم المصالحة قبل تحرير المحضر أو أثناء تحريره أو قبل وبعد صدور حكم نهائي.
وعليه يختلف شكل المصالحة تبعا لوجود محضر إثبات الجريمة من عدمه وذلك حسب نموذجيين:
المصالحة المعتبرة كمحضر وتبرم قبل تحرير المحضر فتضع حدا للنزاع وهذا النموذج يصطلح على تسميته T3.
أم التي قبل وبعد صدور حكم نهائي فالنموذج يصطلح عليه .
مضمون عقد المصالحة
يجب أن يتضمن عقد المصالحة الجمركية مجموعة من البيانات كسرد الوقائع المتصالح بشأنها والعروض التي قدمها المخالف أو من الإدارة، ونوع الجريمة المرتكبة[[41]]، كما يجب أن تتضمن كذلك تاريخ إنشاء العقد، وهوية الآمر بالصرف وهوية الملزم المتابع، وكذلك هوية الموظفين محرري محضر الجريمة، ويشار في عقد المصالحة أن الآمر بالصرف المفوض لإبرامها يقبل مؤقتا بالعروض المقدمة من طرف المخالف إلى أن يتم المصادقة عليها من طرف السلطات المختصة، ويعترف بتوصله بالمبلغ المشار إليه في العقد مقابل وصل مسلم للمتابع، ويتم الإشارة كذلك إلى أن الطرف المخالف يشهد على نفسه بأن يترك المبلغ الذي دفعه تحت الإيداع، إلى أن يفصل في النزاع، ويتم الإشارة كذلك إلى النسخ المحررة فيها عقد المصالحة في حالة تعدد أطرافها، ويجب أن يتم الإشارة إلى أسماء الأطراف الذين أبرموا المصالحة في حالة تعدد مرتكبي الجريمة[[42]].
الفقرة الثانية: عوارض المصالحة الجمركية
يعترض المصالحة الجمركية نوعان من العوارض متمثلة في الطعن (أولا) وفي البطلان (ثانيا).
أولا: الطعن في المصالحة الجمركية
يتم الطعن في المصالحة الجمركية إما عن طريق الطعن السلمي أو عن طريق الطعن القضائي.
الطعن السلمي
يمكن للمتابع أن يقدم ملتمساته للسلطة العليا إذا لم يرضيه القرار الصادر عن السلطة الأدنى المختصة، وتوجه عريضة الطعن إلى الوزير المكلف بالمالية أو إلى المدير العام لإدارة الجمارك أو المدراء الجهويين، ويتمحور الطعن السلمي أساسا حول شروط المصالحة وليس على موضوعها، وإذا حضي الطعن بموافقة السلطة العليا فإنه يعاد تحرير محضر المصالحة على الأسس الجديدة المتفق عليها[[43]] .
الطعن القضائي
يمكن للمتابع أن يطعن في المصالحة الجمركية بعد إجرائها مع الإدارة بحجة عدم اختصاص السلطة التي أجرت معه الصلح، أو بحجة أن المبلغ المتصالح عليه يفتقد إلى الأساس القانوني كأن يتجاوز الحد الأقصى المقرر قانونا، كما يمكن الطعن في المصالحة بعد قبولها وينحصر آنذاك النقاش في مسألة واحدة تتمثل في بدل الصلح[[44]].
ثانيا: بطلان المصالحة الجمركية
تبطل المصالحة الجمركية لتخلف شروط مشروعيتها وسنتطرق لكل سبب من أسباب بطلانها.
عدم الاختصاص
لكي تكون المصالحة الجمركية صحيحة لابد أن يجريها الموظف المختص وأن يكون الشخص المتصالح مع الإدارة مؤهلا لإجرائها، بحيث أنه لا تقبل أي مصالحة أجراها أعوان إدارة الجمارك إذا لم يفوضهم المدير العام للإدارة أو وزير المالية، كما لا تقبل المصالحة التي يكون فيها الطرف الآخر ناقص الأهلية ، والأهلية المطلوبة في المصالحة الجمركية هي نفسها المطلوبة في الصلح المدني.
عيوب الرضى
تبطل المصالحة إذا شابهها عيب من عيوب الرضى، وهنا نتساءل عن مدى تطبيق عيوب الرضى على المصالحة الجمركية.
بالنسبة للإكراه يرى البعض أنه يؤدي إلى بطلان المصالحة متى ثبت أن إكراه مرتكب الجريمة من قبل الموظف هو الذي دفع الأول إلى التصالح.
بالنسبة للغلط فيتم الأخذ بالغلط في الواقع في حالة ما إذا كان جوهريا .
أما بالنسبة للتدليس فإنه يؤدي إلى إلى بطلان المصالحة الجمركية متى تبين أن المتصالح استعمل مناورات لخداع الإدارة.
المطلب الثاني: آثار المصالحة الجمركية
يترتب عن المصالحة الجمركية آثار وهذا ما سنحاول تبيانه في هذا المطلب.
الفقرة الأولى: آثار المصالحة على المتابع
تختلف آثار المصالحة بحسب وقت إبرامها، إذ تختلف آثارها بحسب ما إذا أبرمت قبل صدور حكم نهائي أو بحسب إبرامها بعد صدور حكم نهائي.
أولا: قبل صدور حكم نهائي
تنقضي دعوى إدارة الجمارك ودعوى النيابة العامة إذا أبرمت المصالحة الجمركية قبل صدور حكم بات، وتمحى آثار الجريمة الجمركية، ومن جهة أخرى تكتسب المصالحة قوة الشيء المقضي به، كما أنها لا تحدث آثارها إلا بالنسبة للجريمة المتصالح عليها دون غيرها من الجرائم الأخرى المنسوبة إلى المتهم.
وتختلف الآثار القانونية المترتبة على المصالحة الجمركية بالنسبة للمخالف حسب المراحل التي وصلت إليها الإجراءات، فإذا كانت القضية على مستوى النيابة العامة ولم يتخذ بشأنها أي إجراء تتوقف الدعوى العمومية بانعقاد المصالحة، أما إذا كانت القضية أمام هيئة الحكم يتعين عليها التصريح بانقضاء الدعوى العمومية بفعل المصالحة، أما إذا كانت القضية أمام المجلس الأعلى ( محكمة النقض حاليا) فيتعين التصريح برفض الطعن بسبب المصالحة.
وفي جميع الأحوال تؤدي المصالحة قبل صدور حكم نهائي إلى انقضاء الدعوى العمومية، وتمحى كل آثار الجريمة فلا تقيد في السوابق العدلية ولا يعتد بها لاحتساب العود.[[45]]
ثانيا: بعد صدور حكم نهائي
نص الفصل 273 من مدونة الجمارك على أنه إذا وقعت المصالحة بعد صدور حكم نهائي فإنه لا تسقط عقوبة الحبس والتدبير الوقائي الشخصي.
وعليه فالمصالحة بعد الحكم النهائي لا تؤدي إلى سقوط العقوبات الحبسية والتدابير الوقائية الشخصية باستثناء سقوط العقوبات المالية.
الفقرة الثانية: آثار المصالحة على إدارة الجمارك
يسقط حق إدارة الجمارك في متابعة المخالف للقوانين والأنظمة الجمركية بعد إبرام المصالحة والمصادقة عليها، فالدعوى العمومية تنقضي بالمصالحة.
وتؤدي المصالحة إلى تثبيت الحقوق التي اعترف بها المخالف لإدارة الجمارك، ومن آثار المصالحة كذلك حصول الإدارة على بدل المصالحة الذي تم الاتفاق عليه، وغالبا ما يكون مبلغا من المال.
على أن المشرع المغربي لم يحدد مقابل المصالحة، وبالتالي فإدارة الجمارك غير مقيدة بهذا الخصوص، ومع ذلك فقد وضعت هذه الإدارة أسس وقواعد من خلال مقياس تحدد به مقابل المصالحة والذي يختلف وفقا لخطورة الجريمة.[[46]]url:#_ftn46
ومن آثار المصالحة كذلك رد الإدارة الأشياء المحجوزة لصاحبها ورفع اليد عنها.
(محاماه نت)