دراسات قانونية

أحكام الرجوع على المتضامنين الصرفيين (بحث قانوني)

نتناول هذا الموضوع في مقصدين نخصص الاول منهما لبحث شروط ممارسة الرجوع الصرفي بينما نتناول في الثاني المبالغ التي يجوز للحامل مطالبة المتضامنين الصرفيين بها :

المقصد الأول: شروط ممارسة الرجوع الصرفي:

إذا كان المشرع التجاري قد منح الحامل ميزة التضامن الصرفي وما توفره له من حق في ممارسة الرجوع على جميع المتضامنين الصرفيين ، فان هذا الحق ليس مطلقاً وانما قيده المشرع بلزوم توافر شروط معينة تتمثل في ضرورة تحقق حالة من حالات الرجوع الصرفي واتخاذ الحامل الاجراءات التي فرضها عليه المشرع التجاري ، فضلاً عن ضرورة اقامة الدعوى قبل انقضاء مدة التقادم وهو ما سنتناوله تباعاً في الفقرات الثلاث الاتية :

الفقرة الاولى: تحقق حالة من حالات الرجوع الصرفي :

لقد حدد المشرع التجاري الحالات التي يجوز فيها لحامل الورقة التجارية الرجوع على المتضامنين الصرفيين وتلك الحالات هي :

اولا: عدم الوفاء بقيمة الورقة التجارية: ان الغاية القصوى لحامل الورقة التجارية هي الحصول على قيمتها في ميعاد استحقاقها عند تقديمها للمسحوب عليه، بالنسبة للحوالة والصك ، او للمحرر ، بالنسبة للسند للامر ، فان تحقق ذلك الوفاء انتهت حياة الورقة التجارية وبذلك ينقضي الالتزام الصرفي لجميع المتضامنين على الورقة التجارية(1). وهو ما نصت عليه صراحة المادة (77) من اتفاقية الاونسيترال لعام 1988 بالقول “2- وفاء المسحوب عليه بقيمة السفتجة كلها او بعضها للحامل او لموقع يكون قد دفع قيمتها ، يبريء جميع الموقعين من التزاماتهم بالمقدار نفسه”. اما إذا لم يقم المسحوب عليه او المحرر بدفع قيمة الورقة التجارية ، سواء اكان ذلك بسبب عدم قدرته على الوفاء ام لعدم تلقيه مقابل الوفاء من الساحب ، فينشأ للحامل الحق في الرجوع الصرفي على سائر الملتزمين بموجب الورقة التجارية(2). وقد يعين الساحب او احد المظهرين او الضامن لأي منهم مسحوباً عليه احتياطياً ، ليقبل الحوالة التجارية او ليدفع قيمتها او لهما معاً ، إذا امتنع المسحوب عليه الاصلي عن القبول او الدفع ، لتجنب الرجوع عليه في احدى هاتين الحالتين ؛ ففي هذه الحالة يكون الحامل مقيد بمطالبة المسحوب عليه الاحتياطي ، عند رفض المسحوب عليه الاصلي القبول او الدفع في ميعاد الاستحقاق واثبات ذلك الرفض بعمل الاحتجاج المناسب . ولايستطيع الحامل الرجوع قبل ميعاد الاستحقاق على من صدر عنه هذا التعيين ولا على الموقعين اللاحقين عليه، الا إذا قدم الحوالة إلى من عُين لقبولها او لوفائها عند الاقتضاء وامتنع الاخيرعن قبولها او وفائها واثبات ذلك الامتناع بأحتجاج(3) .

ثانيا: عدم قبول الحوالة التجارية : يعد تقديم الحوالة للقبول ، في الاصل ، حقاً اختيارياً للحامل(4). مالم يوجد شرط بخلاف ذلك سواء أكان بالزام الحامل بتقديم الحوالة للقبول خلال فترة محددة ام بمنعه من تقديمها للقبول(5) . واذا ما قدمت الحوالة للقبول فنكون امام فرضيتين : اما ان يقبل المسحوب عليه الحوالة ويصبح ملتزما صرفيا بموجبها (وهنا يجب على الحامل تقديمها مرة اخرى للمسحوب عليه عند حلول ميعاد استحقاقها لغرض الوفاء بها) ، او ان يرفض المسحوب عليه قبول الحوالة ؛ وفي هذه الحالة يكون للحامل خيارين : اما ان يتجاهل هذا الرفض وينتظر لحين حلول ميعاد استحقاق الورقة التجارية ، من اجل تقديمها للوفاء ، لتحديد الموقف النهائي للمسحوب عليه وذلك اما بالقيام بالوفاء او بالامتناع عنه كما سبق له ان امتنع عن القبول(6). وقد يفضل الحامل الرجوع الفوري على بقية المتضامنين عند رفض المسحوب عليه للقبول وقد منح المشرع التجاري للحامل هذا الحق(7) . والواقع ان رجوع الحامل على الملتزمين قبل ميعاد الاستحقاق ، بسبب رفض القبول ، يعد تطبيقاً لما تقضي به القواعد العامة من سقوط اجل الدين عند تخلف المدين عن تقديم ما وعد به من تأمينات(8). ذلك لان القبول هو ضمان للحامل يؤكد حقه في الحصول على قيمة الحوالة التجارية ، ولما كان جميع الملتزمين الصرفيين ضامنين قبول المسحوب عليه لذا فان رفض الاخير للقبول يعد تخلفا من الملتزمين عن تقديم ما وعدوا به من ضمان يترتب عليه سقوط اجل الحوالة مما يوفر للحامل الحق بالرجوع المبتسر على الملتزمين الصرفيين(9).

ثالثا: العجز عن الوفاء حكماً : الاصل انه لايجوز للحامل الرجوع على الملتزمين الصرفيين الا في حالتي رفض الوفاء او رفض قبول الحوالة التجارية، بيد ان المشرع التجاري قد قدّر ان هناك حالات تستوجب سقوط اجل الورقة التجارية وتمكين الحامل من الرجوع المبتسر على المتضامنين الصرفيين تتمثل تلك الحالات بطروء تغير على المركز المالي للمسحوب عليه او الساحب يفترض معه عدم قدرته على الوفاء عند حلول ميعاد استحقاق الورقة التجارية بحيث يكون الانتظار لحين حلول ذلك الميعاد غير مبرر إذ ان النتيجة تكون معلومة سلفاً بعدم قدرة المسحوب عليه على الوفاء(10) . وقد حصر المشرع التجاري تلك الحالات بـ:

1.حالة صدور حكم باعسار المسحوب عليه ، قابلاً كان او غير قابل(11). او توقفه عن دفع ديونه ولو لم يثبت ذلك التوقف بحكم قضائي ، او حجز امواله حجزاً غير مجدٍ .

2.حالة اعسار ساحب الحوالة المشروط عدم تقديمها للقبول حتى لو كان المنع من التقديم للقبول محدداً بمدة معينة وافلس الساحب خلال تلك المدة(12). ذلك لان الحامل في هذا النوع من الحوالة لايستطيع تقديمها للمسحوب عليه للقبول من اجل الحصول على الضمان الذي يؤمنه من خطر اعسار الساحب ، لذا فان الحامل يكون معتمداً في الوفاء على الساحب ، فان اعسر الاخير اختلت ثقة الحامل بالورقة التجارية وجاز له الرجوع على سائر الملتزمين الصرفيين(13) .

ويُلاحظ على المشرع التجاري انه قد فرق بين حالات الرجوع المبتسر للأسباب المتعلقة بالساحب وتلك المتعلقة بالمسحوب عليه ، ففي الوقت الذي لم يُجز للحامل الرجوع المبتسر الا في حالة اعسار الساحب نجده قد اجاز للحامل ذلك الرجوع في حالات اعسار المسحوب عليه او توقفه عن الدفع او حجز امواله حجزا غير مجدٍ . والواقع انه لايوجد أي مبرر لهذه التفرقة ، لذا نقترح على المشرع التجاري المساواة بين تلك الحالات من خلال اعطاء الحامل الحق في الرجوع المبتسر في حالات توقف الساحب عن الدفع او حجز امواله حجزاً غير مجدٍ .

الفقرة الثانية : اتخاذ الحامل الاجراءات التي فرضها عليه المشرع التجاري:

لقد فرض المشرع التجاري على الحامل ، علاوة على تحقق حالة من حالات الرجوع الصرفي ، ان يقوم بعمل احتجاج عدم القبول او عدم الوفاء وبأخطار الملتزمين بواقعة تخلف المسحوب عليه او المحرر عن القبول او الوفاء.

اولا: عمل احتجاج عدم القبول او عدم الوفاء:

لما كان الامتناع عن القبول او الوفاء يعطي للحامل الحق في الرجوع على المتضامنين الصرفيين ، فقد اراد المشرع التجاري التحقق من تقديم الورقة التجارية للمسحوب عليه (بالنسبة للحوالة التجارية والصك) او المحرر (بالنسبة للسند للامر) ورفض قبولها او رفض الوفاء ؛ فاوجب على الحامل اثبات ذلك عن طريق احتجاج عدم القبول او عدم الوفاء(14) . ويُلزم عمل احتجاج عدم القبول في المواعيد المحددة لتقديم الحوالة للقبول ، اما فيما يتعلق باحتجاج عدم الوفاء فيُلزم عمله عن الورقة التجارية المستحقة الدفع في يوم معين او بعد مدة معينة من تاريخ انشائها او من تأريخ الاطلاع عليها، في احد يومي العمل التاليين ليوم الاستحقاق ؛ اما إذا كانت الحوالة مستحقة الدفع لدى الاطلاع وجب عمل احتجاج عدم الوفاء خلال سنة من تاريخ انشاءها(15) . في حين الزمت اتفاقية الاونسيترال لعام 1988 الحامل بعمل احتجاج عدم القبول او عدم الوفاء في اليوم الذي رُفض فيه الصك او في احد ايام العمل الاربعة التالية له(16) . وقد اناط المشرع التجاري العراقي بكاتب العدل مهمة عمل الاحتجاج(17). ويجب ان يشتمل الاحتجاج على صورة حرفية للورقة التجارية ولكل ما ورد فيها خاصا بقبولها او تظهيرها او ضمانها او اداء قيمتها عند الاقتضاء وغير ذلك من البيانات. كما يجب ان يشتمل الاحتجاج على التنبيه بوجوب اداء الورقة واثبات حضور او غياب من عليه قبولها او اداؤها واسباب الامتناع عن القبول او الاداء والعجز عن وضع الامضاء او الامتناع عنه ومقدار ما دفع من قيمة الورقة في حالة الاداء الجزئي(18). اما فيما يتعلق باتفاقية الاونسيترال لعام 1988 فانها استلزمت ضرورة ان يشتمل الاحتجاج على اسم الشخص الذي طلب عمل الاحتجاج ومكان عمل ذلك الاحتجاج والطلب الذي قُدم والرد عليه ، ان وجد ، او واقعة عدم امكان العثور على المسحوب عليه او القابل او المحرر(19) . ولم تبين القوانين التجارية جزاء تخلف البيانات التي يجب ان يشتمل عليها الاحتجاج ، الا ان الرأي الراجح في الفقه(20). يذهب إلى القول بضرورة التمييز بين تلك البيانات من حيث اهميتها، فان كان البيان المتخلف هو بيان جوهري بحيث يفقد الاحتجاج بدونه الغاية من تحريره ، ترتب على ذلك بطلان الاحتجاج. اما إذا كان البيان المتخلف هو من البيانات غير الجوهرية ، كأغفال ذكر سبب رفض القبول او الوفاء ، فلا يترتب عليه بطلان الاحتجاج ؛ وفي كل الاحوال فان تقدير جوهرية او عدم جوهرية البيان المتخلف تُعد مسألة موضوعية يترك لقاضي الموضوع تحديدها بحسب ظروف كل حالة على حدا(21) .وقد اختلفت التشريعات التجارية في مسالة جواز الاستعاضة عن عمل الاحتجاج ببيان اخر : فذهبت اغلب التشريعات المستمدة من قانون جنيف الموحد(22). إلى اعتبار الاصل ان أية ورقة اخرى لاتقوم مقام الاحتجاج والاستثناء هو جواز اثبات الامتناع عن الوفاء بالصك ببيان صادر من المسحوب عليه مع ذكر يوم تقديم الصك شريطة ان يكون البيان مؤرخاً ومكتوباً على الصك ذاته(23).في حين نجد ان بعض التشريعات التجارية كاتفاقية الاونسيترال لعام 1988 قد اختطت طريقاً اخر إذ انها جعلت الاصل هو جواز الاستعاضة عن الاحتجاج بتصريح يكتب على الورقة التجارية موقع ومؤرخ من قبل المسحوب عليه او القابل او المحرر او الشخص المعين في الصك لاجراء الدفع في محل اقامة شخص مسمى شريطة ان يذكر في التصريح واقعة رفض القبول او رفض الوفاء، وجعلت الاستثناء على ذلك لزوم عمل الاحتجاج في حالة ما إذا اشترط احد الملتزمين صراحة في الورقة التجارية عمل الاحتجاج(24) . اما بالنسبة لقانون الحوالات التجارية الانكليزي فانه فرق بين الاوراق التجارية الدولية (التي يتبين من متنها انها مسحوبة او مظهرة في بلد اجنبي) والاوراق التجارية الداخلية ، فاوجب عمل الاحتجاج بواسطة الكاتب العدل لاثبات واقعة الامتناع عن قبول او وفاء الورقة التجارية الدولية(25) . اما بالنسبة للاوراق التجارية الداخلية فلم يلزم الحامل بعمل الاحتجاج من قبل الكاتب العدل الا في حالة وجود شرط في الورقة التجارية بضرورة عمل الاحتجاج ، ولكن حتى في هذه الفرضية فقد اجاز هذا القانون للحامل ( في حالة ما إذا كانت دائرة الكاتب العدل مزدحمة ومشغولة) ان يجري الاحتجاج بصورة تصريح من قبل شخص مشهور بالاستقامة امام شاهدين مزكيين(26).وقد رتب المشرع التجاري على عدم قيام الحامل بعمل الاحتجاج سقوط حقه في الرجوع على المتضامنين الصرفيين ، بيد ان هذا السقوط يقتصر فقط على الدعوى الصرفية ولايمتد إلى الدعاوى السببية المتعلقة بعلاقة الدائنية والمديونية التي كانت السبب في نشوء الالتزام الصرفي(27) هذا من جانب ومن جانب اخر ، فان التمسك بسقوط حق الحامل المهمل يختلف باختلاف صفة الملتزمين الصرفيين ومراكزهم القانونية وحسب التفصيل الاتي :

– ففيما يخص المسحوب عليه القابل ومحرر السند للامر فلا يجوز لهما التمسك بسقوط حق الحامل ان لم يقم بعمل الاحتجاج وهو ما نصت عليه صراحةً التشريعات التجارية المختلفة(28). اما بالنسبة للساحب فانه يستطيع التمسك بسقوط حق الحامل المهمل إن كان قد سبق له ان قدم مقابل الوفاء للمسحوب عليه ، اما إذا لم يكن (الساحب) مقدماً لذلك المقابل فلا يستطيع التمسك بسقوط حق الحامل وإن اهمل في اتخاذ الاجراءات القانونية ومنها عمل الاحتجاج ، وهذا هو موقف اغلب التشريعات التجارية(29). ولاتشذ عن ذلك الا بعض التشريعات كاتفاقية الاونسيترال لعام 1988 التي نصت على براءة ساحب السفتجة الدولية في حالة عدم قيام الحامل بعمل الاحتجاج الواجب دون تمييز بين ما إذا كان الساحب قد قدم مقابل الوفاء ام لم يكن مقدماً له(30). ولعل السبب في ذلك يرجع إلى ان تلك الاتفاقية لم تُلزم الساحب بتقديم مقابل الوفاء.اما بالنسبة للمظهر فان له ،في الاصل، التمسك بسقوط حق الحامل المهمل عند رجوع الاخير عليه(31). ذلك لان المظهر لايعد مديناً اصلياً في الورقة التجارية كما انه قد سبق له ان دفع قيمة الورقة التجارية لمن ظهرها له ومن ثم فان تمسكه بالسقوط لايرتب له اثراء بدون سبب على حساب الحامل(32). غير ان المظهر لايستطيع التمسك بالسقوط إن كان قد اعفى الحامل من عمل الاحتجاج.

– اما فيما يخص الضامن والقابل بالتدخل فان مركزهما يتحدد بمركز الملتزم الذي تدخلا لمصلحته ، إذ انهما يلتزمان بالكيفية التي يلتزم بها من حصل الضمان او القبول لمصلحته(33). ومن ثم يجوز للضامن والقابل بالتدخل ان يتمسكا بسقوط حق الحامل المهمل متى كان للملتزم المضمون حق التمسك بذلك السقوط ، اما إذا كان الملتزم المضمون من الاشخاص الذين لايجوز لهم التمسك بالسقوط امتنع على الضامن (او القابل بالتدخل) ذلك ايضاً . وهو مانصت عليه صراحة المادة (63) من اتفاقية الاونسيترال لعام 1988 بالقول : “1- إذا كان عمل الاحتجاج لرفض الصك بعدم القبول او بعدم الوفاء واجباً ولم يعمل الاحتجاج على الوجه الصحيح فان الساحب والمظهرين وضامنيهم يبرأون من التزامهم بموجبه . 2- عدم عمل الاحتجاج لايبريء القابل او المحرر وضامنيهما او ضامن المسحوب عليه من التزامهم بموجبه”. تجدر الاشارة اخيراً إلى ان هناك حالات يُعفى فيها الحامل من عمل الاحتجاج وتتمثل تلك الحالات بـ :

1.حالة صدور حكم باعسار المسحوب عليه او ساحب الحوالة المشروط عدم تقديمها للقبول ، إذ يكفي تقديم حكم الاعسار ليتمكن الحامل من ممارسة الرجوع الصرفي(34).

2.حالة اعفاء الحامل من عمل الاحتجاج(35).

3.حالة سبق عمل احتجاج عدم القبول ، إذ انه يغني عن عمل احتجاج عدم الوفاء(36).

4.حالة طروء قوة قاهرة تمتد لا كثر من ثلاثين يوماً محسوبة من تاريخ الاستحقاق او من تاريخ الاخطار ، (بالنسبة للحوالة التجارية والسند للامر) (37). او امتداد القوة القاهرة لا كثر من خمسة عشر يوماً من التاريخ الذي قام فيه الحامل بأخطار من ظهر له الصك بقيام القوة القاهرة (بالنسبة للصك)(38) .

ثانيا: اخطار الملتزمين بواقعة عدم القبول او عدم الوفاء :

الزم المشرع التجاري حامل الورقة التجارية بأخطار الملتزمين الصرفيين بعدم قبولها او بعدم وفائها ، وقد اختلفت التشريعات التجارية في تحديد الاشخاص الذين يجب على الحامل اخطارهم فالزمت بعض التشريعات التجارية الحامل بأخطار المظهر الاخير والساحب فقط ، وهذا هو اتجاه قانون جنيف الموحد والتشريعات المستمدة منه(39). اما بالنسبة لاتفاقية الاونسيترال لعام 1988 فقد اوجبت على الحامل اخطار الساحب والمظهر الاخير وجميع المظهرين الاخرين والضامنين الذين يمكن للحامل التحقق من عناوينهم استناداً إلى البيانات الموجودة في الورقة التجارية(40). اما في القانون الانكليزي فان الحامل ملزم بأعطاء الساحب وجميع المظهرين اخطاراً بان الورقة التجارية لم تُشرف بالقبول او بالوفاء بحسب الاحوال(41) .ولم يحدد المشرع التجاري شكلاً معيناً للأخطار ، مما يعني ان الاخطار يجوز ان يتم باي شكل من الاشكال ، فيمكن ان يكون شفهياً او تحريرياً ويعتبر مجرد ارجاع الورقة التجارية المرفوضة اخطاراً كافيا (42). ولكن المهم ان يتم الاخطار خلال الفترة التي حددها المشرع التجاري وهي اربعة ايام العمل التالية ليوم عمل الاحتجاج او ليوم تقديمها للقبول او الوفاء إذا اشتملت على شرط الرجوع بلا مصاريف ، بالنسبة لقانون جنيف الموحد والقوانين المشتقة منه(43). اما بالنسبة لاتفاقية الاونسيترال لعام 1988 فقد اوجبت على الحامل الاخطار خلال يومي العمل التاليين ليوم عمل الاحتجاج او ليوم الرفض في حالة وجود شرط اعفاء من عمل الاحتجاج(44) . بينما يلزم عمل الاخطار في القانون الانكليزي في اليوم التالي ليوم رفض قبول او وفاء الورقة التجارية . وقد اختلفت التشريعات التجارية في تحديد الاثر المترتب على اهمال الحامل في القيام بأخطار من يجب عليه اخطارهم : فرتبت بعض القوانين ، كقانون الحوالات التجارية الانكليزي ، على عدم الاخطار سقوط حق الحامل قبل الملتزمين الذين لم يتم اخطارهم(45). بينما لم ترتب اغلب التشريعات التجارية على عدم الاخطار سقوط حق الحامل بل كل ما في الامر انها الزمت الحامل بتعويض من وجب عليه اخطاره عما يلحقه من ضرر من جراء عدم الاخطار شريطة ان لا يتجاوز التعويض مبلغ الورقة التجارية(46).

الفقرة الثالثة : الرجوع على الملتزمين الصرفيين قبل اكتمال مدة التقادم :

يُلزم حامل الورقة التجارية بإقامة دعوى الرجوع الصرفية قبل اكتمال مدة التقادم الصرفي(47). وتختلف مدد التقادم والتاريخ الذي يبدأ منه احتساب تلك المدد تبعاً لاختلاف التشريعات التجارية ففيما يخص قانون جنيف الموحد والقوانين المستمدة منه تتحدد مدد تقادم دعوى الحامل كالاتي:

1.تتقادم دعوى الحامل تجاه المسحوب عليه القابل او محرر السند للامر او ضامنهما ، بمضي ثلاث سنوات من تاريخ الاستحقاق ، بالنسبة للحوالة والسند للامر(48). او من تاريخ انقضاء مدة تقديم الصك بالنسبة للصك(49).

2.تتقادم دعوى الحامل ضد الساحب والمظهرين وضامنيهم بمضي سنة من تاريخ الاحتجاج المحرر في الميعاد القانوني او من تاريخ الاستحقاق إذا اشتملت الورقة التجارية على شرط الرجوع بلا مصاريف ، هذا بالنسبة للحوالة التجارية والسند للامر (50). في حين تتقادم دعوى الحامل ضد ساحب ومظهري الصك بمضي ستة اشهر من تاريخ انقضاء ميعاد تقديم الصك (51).

اما بالنسبة لاتفاقية الاونسيترال لعام 1988 فانها قد حددت مدد التقادم وتاريخ بدأها وذلك في المادة (84) منها والتي تنص على انه “1- لايجوز بعد انقضاء اربع سنوات ممارسة الحق في اقامة دعوى ناشئة عن صك:

أ- على محرر السند الواجب الدفع عند الطلب او على ضامنه ، وذلك اعتباراً من تاريخ السند؛

ب- على القابل او المحرر في الصك الواجب الدفع في ميعاد معين او على ضامنهما ، وذلك اعتباراً من تاريخ الاستحقاق ؛

ج- على ضامن المسحوب عليه في السفتجة الواجبة الدفع في ميعاد معين ، وذلك اعتباراً من تاريخ الاستحقاق ، او من تاريخ الاحتجاج لرفض السفتجة بعدم القبول ، او من تاريخ عدم القبول في حالة الاعفاء من الاحتجاج ؛

د- على قابل السفتجة المستحقة الدفع عند الطلب او ضامنه ، وذلك اعتباراً من تاريخ قبولها ، او من تاريخ انشائها إذا كان تاريخ القبول غير مبين ؛

هـ- على ضامن المسحوب عليه في السفتجة الواجبة الدفع عند الطلب ، وذلك اعتباراً من تاريخ توقيعه على السفتجة ، او من تاريخ انشاء السفتجة إذا كان تاريخ التوقيع غير مبين ؛

و- على الساحب او المظهر او ضامنهما ، وذلك اعتباراً من تاريخ عمل الاحتجاج لرفض القبول او رفض الوفاء ، او من تاريخ الرفض في حالة الاعفاء من عمل الاحتجاج”.

اما بالنسبة لقانون الحوالات التجارية الانكليزي فانه لم ينص على تحديد مدة لتقادم دعوى الحامل على الملتزمين الصرفيين ، الامر الذي يحتم ضرورة الرجوع إلى قانون التقادم لعام 1939 والذي نص على تقادم الدعوى في العقود البسيطة بعد ست سنوات من التاريخ الذي كان يمكن اقامتها فيه من قبل المدعي اول مرة (52). وبما ان الورقة التجارية عند الانكليز تعد من قبيل العقود البسيطة فانها تخضع لمدة تقادم الالتزامات العقدية.

المقصد الثاني: المبالغ التي يجوز للحامل مطالبة المتضامنين الصرفيين بها:

لقد حددت المادة (107) من قانون التجارة العراقي(53). المبالغ التي يجوز للحامل المطالبة بها عند رجوعه على الملتزمين الصرفيين بالقول: “لحامل الحوالة مطالبة من له حق الرجوع عليه بما ياتي:

أ-اصل مبلغ الحوالة غير المقبولة او غير المدفوعة مع الفوائد الاتفاقية ان كانت مشروطة ؛

ب- الفوائد القانونية ابتداء من تاريخ الاستحقاق ؛

ج- مصاريف الاحتجاج والاخطارات وغيرها من المصاريف” .

وينطبق حكم هذه المادة على السند للامر والصك عملاً باحكام المادتين (135 ، 137) من قانون التجارة العراقي .يظهر لنا من نص المادة (107) ان المبالغ التي يحق للحامل المطالبة بها هي: اصل مبلغ الورقة التجارية والفوائد والمصاريف ، وسنخصص فقرة مستقلة لكل من هذه المبالغ مع اضافة فقرة رابعة لبحث مدى امكانية الحامل بالمطالبة بالتعويض عن الاضرار التي تلحق به من جراء التأخير في الوفاء.

الفقرة الاولى: اصل مبلغ الورقة التجارية:

يقصد باصل مبلغ الورقة التجارية: المبلغ الذي تعهد به الساحب او امر المسحوب عليه بادائه(54). ويمثل هذا المبلغ بياناً الزامياً من بيانات الورقة التجارية(55). مما يحتم الامر ضرورة تحديده تحديداً دقيقاً بعيداً عن الغموض . ويعتبر جميع المتضامنين الصرفيين ضامنين للوفاء بهذا المبلغ ومن ثم يجوز للحامل مطالبتهم به عند امتناع المسحوب عليه او المحرر عن وفاءه (56). وقد اولى المشرع التجاري عناية فائقة لتنظيم مسائل مبلغ الورقة التجارية من اجل اجتناب ما قد يحصل من نزاع بين الحامل و الملتزمين الصرفيين عند حصول اشكال في مسألة معينة ، ويظهر هذا التنظيم واضحاً من خلال القواعد التي ارساها المشرع التجاري في هذا المجال فقد اعطى الاولوية للمبلغ المكتوب بالحروف ، عند كتابة مبلغ الورقة التجارية بالحروف و الارقام معاً وحصول اختلاف بينهما ،كما اعطى الاولوية للمبلغ الاقل في حالة كتابة المبلغ بالحروف او بالارقام عدة مرات وحصول اختلاف بين المبالغ المذكورة(57).اما فيما يتعلق بنوع العملة التي يجب الوفاء بمقتضاها فينبغي التمييز بين ما إذا كانت العملة التي عين على اساسها مبلغ الورقة التجارية ،عملة وطنية ام عملة اجنبية : فان كان الوفاء مقرراً بعملة وطنية ،فلا يثور ذلك ادنى صعوبة ، إذ يجب وفاء مبلغ الورقة التجارية بالعملة الوطنية دونما اثر لارتفاع او انخفاض قيمة تلك العملة(58). وفي حالة تعيين مبلغ الورقة التجارية بعملة تحمل التسمية نفسها التي تحملها عملة دولة اخرى غير الدولة التي يجب اجراء الوفاء فيها ولم يثبت ان المقصود هو عملة دولة معينة بذاتها ، وجب الوفاء بعملة الدولة التي يجب الوفاء فيها(59). اما إذا كان الوفاء مقرراً بعملة غير عملة الدولة التي يجب الوفاء فيها (عملة اجنبية) فان الحكم يختلف باختلاف القوانين التجارية فذهبت غالبية القوانين التجارية ، كقانون جنيف الموحد واغلب القوانين المشتقة منه(60). إلى جواز الوفاء بالعملة الوطنية مالم يشترط في الورقة التجارية ضرورة الوفاء الفعلي بالعملة الاجنبية . بينما اوجبت بعض القوانين التجارية ، كقانون التجارة العراقي النافذ ، الوفاء بالعملة الوطنية حتى وان أُشترط في الورقة التجارية ضرورة الوفاء بالعملة الاجنبية(61) . ويبدو ان المشرع العراقي قد اخذ بالتحفظ الذي نصت عليه المادة (7). من الملحق الثاني لاتفاقية جنيف لعام 1930، والقاضي بجواز الخروج على مبدأ الاداء الفعلي بعملة اجنبية(62) .اما عن كيفية الوفاء ، فيتم على اساس تقويم العملة الاجنبية بالعملة الوطنية حسب سعر البنك المركزي يوم الاستحقاق ؛ وفي حالة عدم الوفاء في ذلك الميعاد فيكون للحامل الخيار في المطالبة بقيمة الورقة التجارية مقومة بالعملة الوطنية حسب سعرها يوم الاستحقاق او يوم الوفاء وهو ما نصت عليه المادة (92) من قانون التجارة العراقي . وقد يظهر للوهلة الاولى من نص هذه المادة ان فيها محاباة لمصلحة حامل الورقة التجارية على حساب مصلحة المدين الصرفي ، إذ انها اعطت الخيار للحامل في حالة عدم الوفاء بقيمة الورقة التجارية المشترط وفائها بعملة اجنبية ، في ميعاد استحقاقها ، في المطالبة بمبلغها مقوما بالعملة العراقية حسب سعرها لدى البنك المركزي العراقي يوم الاستحقاق او يوم الوفاء من دون تمييز بين حالتي تقديم الورقة التجارية للوفاء وامتناع المسحوب عليه او المحرر عن الوفاء وبين تماهل وتقصير الحامل في التقديم ، الامر الذي قد يمنح الحامل فرصة تعمد عدم تقديمه الورقة التجارية للوفاء بتاريخ استحقاقها على امل ارتفاع قيمة العملة التي حُدد مبلغ الورقة التجارية على اساسها خاصة وان قانون جنيف الموحد قد ميز بين الحالتين في المادة (41 ) منه ؛ بيد ان المشرع التجاري العراقي قد خفف من غلواء هذا الانتقاد ، بغية عمل موازنة بين مصلحتي الحامل والمدين الصرفي ، وذلك بأعطاء الاخير الحق في ايداع مبلغ الورقة التجارية لدى الكاتب العدل الذي يقع في منطقته مكان الوفاء في حالة عدم تقديم الورقة التجارية للوفاء يوم الاستحقاق(63). لكي يأمن تقلبات الاسعار(64). علما بان الايداع يكون على نفقة الحامل ومسؤوليته .

الفقرة الثانية: الفوائد :

ان الفوائد ، بحسب ما اشارت اليه المادة (107) من قانون التجارة العراقي، اما ان تكون فوائد اتفاقية او فوائد قانونية :

اولا: الفوائد الاتفاقية : يقصد بالفوائد الاتفاقية الفوائد التي يتفق الاطراف على تحديدها(65). ولابد لنا من معرفة موقف القوانين التجارية من مسألة جواز او عدم جواز اشتراط الفوائد في الورقة التجارية ، ولاشك ان لهذه المسألة اهمية كبيرة إذ يتوقف عليها صحة او عدم صحة ذلك الاشتراط والمعلوم ان المتضامنين الصرفيين لايكونوا ملزمين بالفوائد الاتفاقية الا إذا كان اشتراطها جائزاً . والواقع ان القوانين التجارية تنقسم فيما بينها حول مسألة جواز او عدم جواز اشتراط الفوائد في الورقة التجارية : فذهبت بعض القوانين التجارية إلى عدم جواز اشتراط الفائدة في جميع انواع الاوراق التجارية ، وتمثل هذا الاتجاه بنظام الاوراق التجارية السعودي إذ نصت المادة (6) منه على ان (اشتراط فائدة الكمبيالة يعتبر كأن لم يكن) ويسري هذا الحكم على السند للامر والصك ، وذلك اعمالاً لاحكام الشريعة الاسلامية التي تمثل النظام العام في المملكة العربية السعودية(66) . في حين ذهبت بعض القوانين التجارية إلى اعتبار الاصل هو عدم جواز اشتراط الفائدة في الورقة التجارية والاستثناء هو الجواز في الحوالة التجارية والسند للامر المستحقي الوفاء لدى الاطلاع او بعد مدة معينة من الاطلاع عليهما دون غيرهما من انواع الاوراق التجارية الاخرى ، وتمثل هذا الاتجاه بقانون جنيف الموحد والقوانين التي حذت حذوه(67) . وقد علل الفقه ذلك بالقول : ان سرعة تداول الورقة التجارية تتطلب معرفة المبلغ الكلي للورقة التجارية بسهولة بمجرد النظر اليها وهو الامر الذي لايمكن التوصل اليه في حالة ذكر فائدة على ذلك المبلغ نظراً لما يتطلبه بيان الفوائد من حسابات قد يصعب تحديدها ، كما ان الحوالة والسند للأمر المستحقي الاداء في تاريخ معين او بعد مدة معينة من تاريخ انشائهما يمكن فيهما تحديد مقدار الفائدة واضافتها مقدماً إلى مبلغ الورقة التجارية على خلاف الحوالة والسند للامر المستحقي الوفاء لدى الاطلاع او بعد مدة معينة من الاطلاع إذ لايمكن تحديد ميعاد استحقاقهما بدقة عند انشائهما لذا فقد اجاز القانون فيهما اشتراط الفائدة(68) . بينما نصت بعض القوانين التجارية على جواز اشتراط الفائدة في جميع انواع الاوراق التجارية بصورة مطلقة ، ومن تلك القوانين : قانون الحوالات التجارية الانكليزي حيث نصت المادة (9) منه على ان “المبلغ يعتبر معيناً : 1- إذا اشترطت معه فائدة” والملاحظ على هذا النص انه قد جاء مطلقاً مما يعني جواز اشتراط الفائدة في جميع انواع الاوراق التجارية(69). وهو ذات الاتجاه الذي اتخذته اتفاقية الاونسيترال لعام 1988 ، فقد نصت المادة (7) منه على انه “يعتبر مبلغ الصك معيناً وان اوجب الصك الوفاء به مع الفائدة”. وينبغي تحديد سعر الفائدة الواجب دفعها في كل الاحوال التي يجوز فيها اشتراط الفائدة(70). شريطة ان لايتجاوز الحد الاعلى المسموح به لسعر الفائدة وقد حددت المادة (172) من القانون المدني العراقي الحد الاعلى للفائدة الاتفاقية بـ (7%) فاذا اتفق الاطراف على فوائد تزيد على هذا السعر وجب تخفيضها إلى (7%) ورد ما دفع زائداً على هذا المقدار(71).ويجب تحديد تاريخ بدء سريان الفوائد الاتفاقية وفي خلافه تسري الفائدة ابتداءً من تاريخ انشاء الورقة التجارية . تجدر الاشارة إلى ان اتفاقية الاونسيترال لعام 1988 قد اجازت تعيين السعر الذي تدفع به الفائدة بوصفه سعراً ثابتاً او سعراً متغيراً وقد اشترطت الاتفاقية لاعتبار السعر متغيرا ان يكون سعر الفائدة متغيرا إلى واحد او اكثر من اسعار الفائدة التي يمكن الرجوع اليها وفقاً للأحكام التي ينص عليها الصك شريطة ان يكون كل سعر من الاسعار التي يمكن الرجوع اليها منشوراً او متاحاً بوسيلة اخرى للجمهور والا يكون خاضعاً بطريقة مباشرة او غير مباشرة للتحديد من جانب واحد بمعرفة شخص مسمى في الصك وقت انشائه الا إذا كان ذلك الشخص معينا فقط في الاحكام المتعلقة بسعر الفائدة الذي يمكن الرجوع اليه(72) . واذا عين سعراً متغيراً للفائدة الواجب دفعها جاز ان ينص فيه صراحة على ان السعر المتغير لايجوز ان يكون اقل او اكثر من سعر محدد او على ان تكون التغيرات محدودة(73) . وفي حالة عدم امكانية تحديد السعر المتغير للفائدة ، لاي سبب كان ، فيكون سعر الفائدة هو السعر الذي يصبح واجب الاستيفاء نتيجة لاجراءات قانونية متخذة في نطاق الولاية القضائية للبلد الذي تدفع فيه قيمة الصك(74) . ويجوز للحامل المطالبة بالفوائد الاتفاقية للفترة من تاريخ انشاء الورقة التجارية ، مالم يحدد تاريخاً اخر لبدء سريان تلك الفوائد ، إلى تاريخ استحقاق الورقة التجارية لان الفائدة الاتفاقية تنتهي عند ميعاد الاستحقاق لتبدأ الفائدة القانونية(75) .

ثانيا: الفوائد القانونية: يقصد بالفوائد القانونية: الفوائد التي يتولى القانون تحديدها والتي يلتزم المدين بدفعها على سبيل التعويض عن التأخير في تنفيذ التزام محله دفع مبلغ من النقود عن الميعاد المحدد له(76) .وتسري الفوائد القانونية على اصل مبلغ الورقة التجارية وفوائده الاتفاقية فقط ، وهذا خلاف لما كانت تذهب اليه بعض القوانين ، كقانون التجارة المصري السابق ، من التوسع في سريان الفوائد القانونية لتشمل الفوائد المستحقة على المصاريف ايضا (77).ويختلف تاريخ بدء سريان الفوائد القانونية باختلاف القوانين التجارية : ففيما يخص قانون جنيف الموحد والقوانين المستمدة منه فقد نص على سريان الفوائد ابتداء من تاريخ الاستحقاق(78). اما قانون الحوالات التجارية الانكليزي فانه قد نص في المادة (57) على سريان الفائدة من تاريخ تقديمها للوفاء إذا كانت الورقة التجارية مستحقة عند الاطلاع ، ومن تاريخ استحقاقها بالنسبة للانواع الاخرى من الاوراق التجارية(79) .في حين نجد ان القانون التجاري المصري السابق قد ميز بين الفوائد المستحقة عن أصل الدين ، وجعل سريانها من تاريخ عمل الاحتجاج فاذا لم يعمل الاحتجاج فان الفوائد القانونية لاتسري الا من تاريخ المطالبة القضائية(80). والفوائد المستحقة عن المصاريف ، وجعل سريانها من تاريخ المطالبة القضائية(81).اما اتفاقية الاونسيترال لعام 1988 فقد نصت على احتساب الفائدة وفقاً للشرط المتفق عليه ، ان وجد شرط على استحقاق فائدة ؛ وفي حالة عدم وجود الشرط تحسب الفائدة من تاريخ التقديم(82).وقد اختلفت القوانين التجارية في تحديد سعر الفائدة القانونية : فذهبت بعض القوانين التجارية إلى تحديد سعر الفائدة بمقدار (6%) وهو اتجاه قانون جنيف الموحد(83) . بينما ذهبت قوانين اخرى إلى التمييز بين الاوراق التجارية المسحوبة فيها وجعلت سعر الفائدة هو السعر القانوني الذي يسري على المسائل التجارية ، وبين الاوراق التجارية المسحوبة في الخارج والمستحقة الوفاء فيها وجعلت سعر الفائدة (6%) ، وتمثل هذا الاتجاه بالقوانين التجارية في سوريا والاردن(84).في حين اتجهت بعض القوانين التجارية إلى عدم تحديد سعر للفائدة القانونية وانما اكتفت بما هو محدد في القواعد العامة من اسعار للفائدة في المسائل التجارية وهذا هو اتجاه قانون التجارة العراقي النافذ(85). كما ان اتفاقية الاونسيترال لعام 1988 لم تحدد هي الاخرى سعراً للفائدة القانونية وانما تركت تحديد ذلك وفقا للسعر الذي يصبح واجب الاستيفاء نتيجة لاجراءات قانونية متخذة في نطاق الولاية القضائية للبلد الذي يدفع فيه قيمة الصك(86). كما ان قانون الحوالات التجارية الانكليزي لم يحدد سعر الفائدة القانونية ، مما يقتضي الامر ضرورة الرجوع إلى قانون مقرضي الاموال لسنة 1927 والذي حدد الحد الاعلى للفائدة في المادة (10) بسعر (48%) سنويا أي (4%) شهريا(87).

الفقرة الثالثة : المصاريف :

اجاز المشرع التجاري كذلك لحامل الورقة التجارية الرجوع على الملتزمين الصرفيين بالمصاريف التي تكبدها عند ممارسة حقه في الرجوع عليهم(88). وتشمل هذه المصاريف : مصاريف عمل احتجاج عدم القبول او عدم الوفاء مع ضرورة ملاحظة انه في حالة ادراج الساحب شرط الرجوع بلا مصاريف فلا يستطيع الحامل الرجوع بمصاريف عمل الاحتجاج على احد ، بخلاف الشرط الذي يدرجه المظهر او الضامن ، إذ يجوز للحامل الرجوع على جميع الملتزمين بمصاريف الاحتجاج(89). وتشمل المصاريف ايضاً : مصاريف الاخطارات التي يقوم بها الحامل وسائر المصاريف الاخرى كمصاريف المراسلات والمطالبة ومصاريف الدعوى ورسوم التقاضي وكذلك مصاريف حوالة الرجوع(90). في حالة سحبها ، وما تتطلبه من عمولة ورسم الطابع(91) .

الفقرة الرابعة : التعويض:

لقد اختلفت التشريعات التجارية في مسألة النص على امكانية الحامل بالمطالبة بالتعويض عن الاضرار التي تلحقه نتيجة التأخير في وفاء قيمة الورقة التجارية: فنصت بعض التشريعات صراحة على امكانية الحكم بالتعويض عن أي خسارة اضافية تلحق بالحامل نتيجة التاخير عن الوفاء ، وتمثل هذا الاتجاه باتفاقية الاونسيترال لعام 1988(92) . في حين لم تورد بقية القوانين التجارية نصاً يقضي بامكانية الحكم للحامل بالتعويض ، ولكن مع ذلك فاننا نرى ان اغفال ذكر المشرع التجاري للتعويض ضمن المبالغ التي يجوز للحامل المطالبة بها ، لايصح ان يحمل على انه قد قصد حرمان الحامل منها ، بل يتعين تفسير ذلك الاغفال بضرورة الرجوع إلى القواعد العامة والمنصوص عليها بالمادة (173) من القانون المدني العراقي(93). التي تنص على انه “2- ويجوز للدائن ان يطالب بتعويض تكميلي يضاف إلى الفوائد القانونية او الاتفاقية إذا اثبت ان الضرر الذي يجاوز الفوائد قد تسبب فيه المدين بغش منه او بخطأ جسيم” . تجدر الاشارة اخيراً إلى ان هذه المبالغ (التي اجاز المشرع التجاري للحامل الرجوع بها على الملتزمين الصرفيين) يمكن ان تخفض في حالة رجوع الحامل على الملتزمين الصرفيين قبل ميعاد استحقاق الورقة التجارية لتحقق حالة من حالات الرجوع المبتسر التي حددها المشرع التجاري ، فقد نصت الفقرة: ثانياً من المادة (107) من قانون التجارة العراقي على انه “في احوال الرجوع قبل ميعاد استحقاق الحوالة يجب ان يطرح من قيمتها ما يساوي سعر الخصم الرسمي في تاريخ الرجوع بالمكان الذي يقع فيه مقام الحامل(94) . ويجري الخصم من قيمة الورقة التجارية بالنسبة للايام الواقعة بين تاريخ الوفاء وتاريخ استحقاق تلك الورقة(95) واذا تضمنت الورقة التجارية شرط الفائدة، فيتم حساب الفائدة إلى تاريخ الاستحقاق واضافتها إلى اصل مبلغ الورقة التجارية ثم اجراء الخصم(96).

 

(محاماه نت)

إغلاق