دراسات قانونية
ميثاق الاستثمار المغربي بين الواقع و الآفاق (بحث قانوني)
ميثاق الاستثمار المغربي بين الواقع و الآفاق
سكينة اعمرتاس
طالبة باحثة
حاصلة على الإجازة في القانون الخاص –القسم الفرنسي-
مقدمة :
الاستثمار هو الإنفاق على الأصول الرأسمالية، أصول حقيقية مثل: الأراضي والمباني التي تستخدم في الخدمات أو إنتاج السلع أو أصول مالية مثل: الأسهم والسندات.
هو أيضا: “التضحية بالموارد في الوقت الحاضر لغرض الحصول على أموال مستقبلية”[1].
تسعى غالبية الدول النامية – إن لم يكن كلها-لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، باعتباره وسيلة تمويل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية التي قد أصبحت هدفا ًرئيساً، تسعى إلى تحقيقه هذه الدول، ومنها المملكة المغربية، من أجل زيادة دخلها القومي، ومن ثم زيادة متوسط دخل الفرد، والإرتقاء بمستواه المعيشي.
لذلك، ومن أجل تحسين مناخ الاستثمار في المغرب والرفع من استقطاب البلاد للاستثمار الوطني والأجنبي، قامت الدولة بإدخال مجموعة من الإصلاحات همت الجوانب القانونية والمؤسساتية المؤطرة للنشاط الإقتصادي.
إن تحديث الترسانة القانونية في المغرب مع مطلع عقد التسعينات تم بدافع ملاءمة التشريع الوطني مع التشريعات الدولية المعمول بها. لذلك نجد أن معظم النصوص القانونية الحديثة ذات طابع اقتصادي صرف نذكر منها على سبيل المثال ميثاق الاستثمارات[2]، قانون تحدث بموجبه المحاكم التجارية[3]، مدونة التجارة[4]، مدونة الجمرك[5]، قانون حرية الأسعار والمنافسة[6]، قانون تحدث بموجبه المحاكم الإدارية[7]، مدونة تحصيل الديون العمومية[8]، و مدونة الضرائب……[9]
وقد اتبع المغرب سياسة اقتصادية ترمي الى توفير المناخ الملائم للاستثمار وتوفير دولة القانون في الميدان الاقتصادي بالإضافة الى توفير متطلبات التنمية التي يقتضيها المجتمع الديمقراطي الحداثي. وقد تم في هذا الإطار اتخاذ عدة تدابير تهدف إلى إصلاح الإطار القانوني و المؤسساتي للاستثمار و تشجيع أكثر للمبادرة الحرة للمستثمرين و المغاربة والأجانب وتحديث المقاولة وتأهيلها، حتى تنخرط بقوة وفعالية في مخطط التنمية الشاملة والمستديمة.
و جاءت هده المبادرات متماشية مع التطورات التي عرفتها العلاقات التجارية الدولية، وعولمة الاقتصاد، وسرعة تحرك أموال الاستثمار، وتنامي حدة التنافسية وطلب الجودة. هذا بالإضافة إلى ما أصبح يتطلبه الأمر الآن بخصوص الاستعداد لآفاق اتفاق التبادل الحر بين المملكة المغربية والولايات المتحدة الأمريكية، ومع بعض الدول العربية، وكذلك الاستحقاقات المتعلقة باتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.
وفي هذا السياق، صدر القانون الجديد المسمى قانون الإطار رقم 18.95 بمثابة ميثاق للاستثمارات بتاريخ 29 نونبر 1995كي يوحد عدة نصوص سابقة كانت تختص بقطاعات مهنية محددة أو جهات جغرافية معينة.
وهنا يطرح التساؤل عن مضمون هدا القانون الجديد وما هي المستجدات التي اتى بها لنرى مدى استجابتها لانتظارات المستثمرين والمقاولين و مدى توفيرها للمناخ الوطني المشجع للاستثمار.وهدا ما ستكون الاجابة عليه من خلال تحليل مضامين الميثاق ثم بعد دلك تقييمها على ضوء الواقع العملي.
المبحث الأول: الإطار القانوني للاستثمار بالمغرب:
1960 كانت السنة الأولي التي أصدر خلالها المغرب قانون للاستثمار بعد ذلك تلته قوانين 1973 و1983 المنظمة للاستثمار، وكانت جميعها قطاعية، إلى مع مجيء ميثاق الاستثمار لفاتح نونبر 1995 الذي اعتبر نقطة تحول في السياسة الاستثمارية بالمغرب وشكل إطارا قانونيا خاصا بمجال الاستثمار.
المطلب الأول: بنية القانون الإطار رقم 95-18 بمثابة ميثاق الاستثمار
يتضمن قانون-الإطار رقم 18.95 بمثابة ميثاق الاستثمارات على 25 مادة موزعة على 5 أبواب وهي على الشكل التالي:
الباب الأول :الأهداف المقصودة من ميثاق الاستثمارات (المادة 1 و المادة 2 )
الباب الثاني :التدابير ذات الطابع الضريبي
الرسوم الجمركية(المادة 3)
الضريبة على القيمة المضافة (المادة 4)
رسوم التسجيل (المادة 5)
واجب التضامن الوطني (المادة 6)
الضريبة على الشركات (المادة 7)
الضريبة العامة على الدخل (المادة 8)
الاستهلاكات التناقصية (المادة 9)
الاحتياطي المرصد للاستثمار فيما يتعلق بالضريبة على الشركات والضريبة العامة على الدخل (المادة 10)
الضريبة على الأرباح العقارية (المادة 11)
الضريبة المهنية: البتانتا (المادة 12)
الضريبة الحضرية (المادة 13)
الضرائب المحلية (المادة 14)
الباب الثالث : تدابير مالية و عقارية و إدارية و غيرها ( المواد من 15 إلى 23)
الباب الرابع :القطاع الفلاحي ( المادة 24 )
الباب الخامس : تدابير تطبيقية ( المادة 25 )
المطلب الثاني : مستجدات ميثاق الاستثمار:
جاء ميثاق الاستثمار بعدة مستجدات تتمثل أهمها في :
– توحيد و تعميم كل الجهات الاقتصادية للمغرب حيت أصبح أي مشروع استثماري، بغض النظر عن قطاعه يخضع لقانون الإطار رقم 18.95 بمثابة ميثاق للاستثمارات كما اصبح يستفيد من الايجابيات والحوافز التي يتضمنها.
و يتميز ميثاق الاستثمارات الجديد بانخفاض ملحوظ للضغط الجبائي وإعفاءات ضريبية مهمة أثناء مراحل خلق واستغلال المقاولة. وهدا ما أكدته المادة 2 من الميثاق و التي جاء فيها :”تهدف التدابير المنصوص عليها في الميثاق إلى التحفيز على الاستثمار عن طريق:
– تخفيض العبء الضريبي المتعلق بعمليات شراء المعدات و الآلات و السلع التجهيزية والأراضي اللازمة لإنجاز الاستثمار؛
– تخفيض نسب الضريبة المفروضة على الدخول و الأرباح؛
– سن نظام ضريبي تفضيلي لفائدة التنمية الجهوية؛
– تعزيز الضمانات الممنوحة للمستثمرين بتسيير طرق الطعن فيما يتعلق بالنظام الضريبي الوطني و المحلي؛
– إنعاش المناطق المالية الحرة(OFFshore) ومناطق التصدير الحرة ونظام المستودعات الصناعية الحرة؛
– تحقيق توزيع أفضل للعبء الضريبي و تطبيق أحسن للقواعد المتعلقة بالمنافسة الحرة وخاصة عن طريق مراجعة نطاق تطبيق الإعفاء من الضريبة”.
كما تضمن ميثاق الاستثمارات إجراءات تحفيزية للمستثمرين الخواص لاسيما المادة 17 منه[10].
وتجدر الإشارة إلى أن من أهم المستجدات التي حرص عليها ميثاق الاستثمارات للمضي قدما بمجال الاستثمار تتمثل في إحداث عدة مؤسسات كاللجنة الوزارية لدى السيد الوزير الأول (رئيس الحكومة حاليا) المكلفة بمشاريع الاستثمار، كما أحدثت عدة مراكز جهوية للاستثمار، بالإضافة إلى خلق أو ولادة مؤسسة جديدة يعهد إليها بمهمة المخاطب الوحيد للمستثمر الأجنبي ويتعلق الأمر “بوكالة الاستثمار” هذه المؤسسة التي أصبحت تقوم باستقبال، توجيه، إعلام، ومتابعة المشاريع الاستثمارية، وكذلك إحداث الوكالة الوطنية للتحفيظ العقاري وغير ذلك من المؤسسات التي تهدف إلى تشجيع الاستثمار وتحفيزه.
و لقد قامت المراكز الجهوية للاستثمار بدور فعال تشجيع الاستثمار و خلق فرص الشغل. وفي هدا السياق سجل المركز الجهوي للاستثمار بالدار البيضاء خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العمل بالإشراف على خلق أكثر من 130 شركة وكذا المصادقة على أكثر من 80 مشروع استثماري. و هكذا تقوم المراكز المذكورة بنفس دور وكالة الاستثمار على الصعيد الوطني.
ولا بد من التنويه بالتدابير المواكبة والمكملة لموجة الاصلاحات الهادفة للنهوض بالاستثمار ومن أهم هده التدابير إحداث محاكم تجارية بالمغرب سنة 1998،بهدف إيجاد هيآت قضائية متخصصة رفيعة المستوى للبث في المنازعات المرتبطة بالأعمال، بغية بث الثقة والطمأنينة لدى المستثمرين .
المبحث الثاني: تقييم ميثاق الاستثمارات:
من الملاحظ أن ميثاق الاستثمارات يعتبر قانون اطار يحدد الأهداف والقواعد العامة التي تضبط عملية الاستثمار. غير أنه يبقى مجرد افصاح عن ارادة المشرع في تطوير وانعاش قطاع الاستثمار مادام لم تواكبه القوانين التطبيقية لمقتضياته التي تم التباطء كثيرا في اصدارها مما اثر سلبا على التطبيق العملي لتلك المقتضيات (المطلب الأول)، هذه العوامل جعلت من الضروري إعادة النظر في ميثاق الاستثمار الحالي (المطلب الثاني).
المطلب الأول: معيقات الاستثمار بالمغرب:
أكدت عدة دراسات و من بينها ما تم نشره بجريدة “la vie éco ” المتخصصة في الاقتصاد، أن الوضع التنافسي للمغرب من حيث جاذبيته للمستثمرين ليست مريحة جدا، فالملاحظ ان مختلف مواد الميثاق جاءت بصياغة غير دقيقة تحتمل تأويلات عدة مما يحول دون التطبيق السليم لها.
كما ان عدم التنصيص بالشفافية المطلوبة على المساطر الواجب سلوكها للاستفادة من مقتضيات الميثاق يجعل المستثمرين تحت رحمة الادارة التي لها مطلق حرية تقدير لائحة الوثائق المطلوبة والتراخيص المسموح بها مما لا يخلق مناخا سليما وشفافا امام المستثمرين مغاربة كانوا أم اجانب لخوض غمار الاستثمار والمساهمة في الدفع بعجلة التنمية.
علما بأن المجهودات المبذولة من طرف الادارة لتلطيف مساطر الاستثمار تبقى غير كافية وعاجزة عن تحقيق الاهداف المعلن عنها في الميثاق.
إن فشل ميثاق الاستثمارات في تحقيق الاهداف المعلن عنها يجد تبريره بالإضافة الى الظرفية الاقتصادية غير الملائمة في غياب سياسة اقتصادية وطنية شفافة وواضحة المعالم وكذلك في عدم احترام قواعد الحكامة الجيدة، وعدم تخليق الادارة وتأهيلها، وضعف اليد العاملة المؤهلة، وفي انعدام ضمانات قضائية فعالة من شانها تبسيط وتسريع المساطر القضائية امام المحاكم التجارية صدور احكام نزيهة وعادلة تشع الثقة والطمأنينة في نفوس المستثمرين.
و هكذا يظهر مما تقدم أن التخفيضات الضريبية والتدابير التحفيزية الادارية التي نص عليها ميثاق الاستثمارات لم تكن موفقة لخلق مناخ شفاف وسليم لتشجيع وجلب الاستثمارات بل كانت مخيبة للآمال المعقودة عليها إبان صدور الميثاق.
المطلب الثاني: إطلالة على مشروع القانون المتعلق بمراجعة القانون الإطار رقم 18-95 بمثابة ميثاق الاستثمار:
تم الإعلان عن هذا المشروع بمناسبة انعقاد اللجنة الوطنية لمناخ الأعمال بتاريخ 22 مايو 2012.
ويتعلق الأمر بصفة أساسية بمراجعة القوانين المنظمة للاستثمار في أبعاده المتعلقة بالترويج للمغرب كوجهة استثمارية واستقبال المستمرين ومواكبة مشاريعهم وكذا بالامتيازات والتسهيلات الممنوحة للمستثمرين. ويضم المشروع جانبين:
الجانب القانوني ويهم:
مراجعة القانون الإطار رقم 18-95 بمثابة ميثاق الاستثمار. وتهدف هذه المراجعة إلى ما يلي:
تجميع المقتضيات المتعلقة بالامتيازات والتسهيلات الممنوحة للمستثمرين في الإطار التعاقدي في نص واحد .
اقتراح نظام امتيازات أفقي موحد وأنظمة قطاعية وجهوية تكميلية حسب خصوصية كل قطاع وكل جهة.
إمكانية منح امتيازات إضافية بالنسبة للمشاريع التي لها طابع استثنائي بحكم المبلغ المستثمر أو المناصب التي سيتيحها المشروع.
إعداد المرسوم المنظم لمسطرة معالجة ملفات الاستثمار التي تكون موضوع التعاقد مع الحكومة. وينظم هذا المرسوم:
شروط الولوج إلى الإطار التعاقدي لمشاريع الاستثمار.
مسطرة تقديم ملفات الاستثمار ومعالجتها والمصادقة على اتفاقيات الاستثمار.
أجهزة الحكامة على الصعيدين الجهوي والمركزي.
تتبع المشاريع الاستثمارية موضوع الاتفاقيات.
مسطرة منح الامتيازات والتسهيلات .
الجانب المؤسساتي ويهم:
مراجعة القانون المنظم للوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات من حيث الاختصاصات وعلاقتها بالمتدخلين والفاعلين الآخرين وموقعها المؤسساتي.
تقييم تجربة المراكز الجهوية للاستثمار وإعداد الإطار القانوني الملائم لمزيد من الفعالية على مستوى استقبال ومواكبة المستثمرين وتقييم البرامج الاستثمارية ولجعل هذه المراكز آلية فعالة للدفع بالاستثمار في إطار ورش الجهوية المتقدمة.
الآلية المقترحة :
تكوين لجنة تضم ممثلي الوزارات المعنية لتسريع وتيرة استكمال صياغة النصين والمصادقة عليهما قبل إحالتهما على الأمانة العامة للحكومة .
البرمجة الزمنية :
المصادقة على مشروعي القانون والمرسوم قبل نهاية شتنبر 2012 وإعداد تصور للإصلاح المؤسساتي قبل نهاية اكتوبر 2012 .
خاتمة:
إن المغرب أنجز خطوات ملموسة على درب تبسيط المساطر وتحسين مناخ الاستثمار، حيث أصبح بالإمكان خلق مقاولة في اقل من عشرة أيام بدل بضعة أسابيع في الماضي.
هكذا يبدو أنه لا توجد أزمة في القوانين، إلا أن هذه القوانين نفسها لا تخلوا من معوقات وإشكالات.
والمشرع المغربي بإقراره لهذه القوانين أكد على اختيار توجه جديد في التعامل مع مجال المال والأعمال والعاملين به.
وقد تساءل المشرع المغربي بقوة حول ما إذا كان قد وفق في اختياره واعتماده هذه القوانين بالطريقة التي اعتمد بها وبالمقاييس والإجراءات المعتمدة في المصدر الأساسي المأخوذ عنه هذا الاختيار آلا وهو التشريع الفرنسي الذي صيغ لمجتمع تحكمه منظومة قانونية وثقافية مختلفة عن واقع المغرب، سواء من حيث واقع وطبيعة الاقتصاد أو من حيث محدودية إمكانيات الإدارة القضائية عموما، وكذا محدودية عدد الأشخاص المؤهلين من حيث تكوينهم في مجال تدبير وإدارة المقاولات إداريا وماليا وبمنطق الاستثمار أو في مجال الإجراءات القانونية الواجب التقيد بها.
وبالرغم من كل الجهود المبذولة إلا أن هاته القوانين لا زالت تطرح العديد من الأسئلة والإشكاليات التي أثرت على بيئة الأعمال في المغرب:
-كعدم قدرتها على مواكبة المستجدات الحديثة في عالم الاقتصاد.
-عدم انسجام المساطر القانونية.
-مشاكل التمويل وصعوبة تحصيل الديون شكلت عنصرا قلل من الثقة في قدرة النصوص على حماية الائتمان وضمان استرجاع الديون كأحد عصبي الحياة التجارية الأمر الذي أصبح معه من المشروع طرح الأسئلة التالية:
هل فعلا استجابت هذه القوانين لانتظارات رجال الأعمال المغاربة و الأجانب؟.
هل استطاعت أن تجيب على الأسئلة التي يطرحها العديد من رجال القانون حول عدة مواضيع ذات صلة بالتشريع التجاري؟.
إلى أي مدى تمكنت من تقديم حلول لكثير من الإشكاليات القانونية التي كانت تواجه القضاء ولا يجد لها من الحلول إلا الاجتهاد اعتمادا على المصادر الأجنبية؟
ما مدى قدرة الفريق الذي يتولى حاليا الإدارة على إصلاح ميثاق الاستثمار الذي وضعه المغرب منذ 1995، خاصة وأن المدة جد ضيقة بالرغم من قرب الانتهاء من المشروع والذي استمر أزيد من سنتين، والذي بدأته وزارة الصناعة والتجارة وتنفذه الوكالة للاستثمارات(MIDA)، بالتعاون مع وزارتي الشؤون العامة والحكامة والمالية.
(محاماه نت)