دراسات قانونية
التعويض عن الأضرار الناتجة عن حوادث السير (بحث قانوني)
التعويض عن الأضرار الناتجة عن حوادث السير
فلاس خالد
طالب باحث مسلك ماستر القانون المدني بجامعة إبن زهر أكادير.
مقدمة
مما لا شك فيه انه اذا ما ثبتت مسؤولية المدعى عليه عما لحق المدعي من ضرر، فانه يتوجب على القاضي ان يلزم المسئول بما يعوض المضرور ويجبر الضرر الذي أصابه، على أساس أن من بين الوظائف الأساسية للمسؤولية المدنية هي التعويض.
ولبلوغ تلك الأهداف، بادرت بعض الدول- ومن ضمنها المغرب- إلى إصدار تشريعات خاصة للتعويض عن بعض الأضرار بالنظر إلى خصوصيتها، كما هو الحال بالنسبة للتعويض عن حوادث الشغل و الإمراض المهنية وكما هو الشأن بالنسبة للتعويض عن الأضرار البدنية التي تتسبب فيها عربة برية ذات محرك بظهير 2 أكتوبر 1984، وذلك قصد ضمان السرعة في منح التعويض وفق مساطر جديدة أكثر فعالية.
وتجدر الإشارة إلى أن تعويض الأضرار التي لا تخضع لمقتضيات التعويضات الجزافية المؤطرة بظهير 02 أكتوبر 1984 يتم الرجوع فيها الى القواعد العامة في إطار قانون الالتزامات والعقود.
وما تجب الاشارة اليه هو ان موضوع التعويض عن حوادث السير يتداخل مع مجموعة من المقتضيات القانونية الخاصة، كما هو الحال بالنسبة لظهير6/2/1963 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل والامراض المهنية، وكذلك قانون المسطرة المدنية، وايضا مدونة التامينات من خلال اجبارية التامين عن المسؤولية المدنية الناتجة عن حوادث السير وصندوق ضمان حوادث السير.
ان التعويض المنصوص عليه في ظهير02/10/1984 يشمل كلا من الاضرار المادية والمعنوية على حد سواء، وذلك ضمن الحدود والمقاييس التي كرسها المشرع في هذا التعديل القانوني الجديد، لذا انصب اهتمام المشرع المغربي من خلال هذا الظهير على تعويض الاضرار المادية والمعنوية متى توافرت فيها العناصر القانونية لاستحقاقها وفقا للقواعد التي تحكم الضرر بصفة عامة، وذلك وفق مساطر قانونية تختلف عن تلك المعمول بها في اطار القواعد العامة.
ومن هذا المنطلق، ما هي الاضرار القابلة للتعويض في ظل ظهير 1984؟
حتى نتمكن من الاجابة على التساؤل المطروح، سنعتمد التقسيم الثنائي على الشكل الاتي:
المطلب الاول: الاضرار المادية.
المطلب الثاني: الاضرار المعنوية.
المطلب الاول: الاضرار المادية
ان الاضرار التي يحق للمضرور ان يطالب بالتعويض عنها عند وقوع الحادثة تشمل كلا من الاضرار المالية والاضرار البدنية، فالنوع الاول يصيب المصالح المالية للانسان، في حين ان النوع الثاني يصيب الانسان في سلامة جسمه وحياته.
الفقرة الاولى: الاضرار المالية.
يقصد بالاضرار المالية تلك الاضرار التي تصيب الانسان في كيانه المالي من جراء الحادث الضار، وتتجلى في الخسارة المالية التي تلحق المضرور، وهذا ما اشار اليه الفصل 98 من قانون الالتزامات والعقود.
ويشمل الضرر المالي كل الخسائر والنفقات التي اضطر المصاب او ذوي حقوقه المدنية الى انفاقها بسبب حادثة سير[1].
وقد تطرق المشرع الى تلك الاضرار في الفصلين الثاني والرابع من ظهير 1984، ويتعلق الامر باحقية المضرور لو ذوي حقوقه المدنية في استرجاع المصاريف والنفقات التي ترتبت عن وقوع الحادثة، بما في ذلك استرجاع مصاريف الجنازة في حالة وفاة الضحية.
وبخصوص استرجاع المصاريف ةالنفقات التي واكبت الحادثة فاننا نلاحظ ان المشرع حددها فيما يلي:
مصاريف نقل المصاب والشخص المرافق له الى المستشفى.
المصاريف الطبية والجراحية والصيدلانية.
مصاريف الاقامة بالمستشفى.
النفقات التي يستلزمها استعمال اجهزة لتعويض او تقويم اعضاء جسم المصاب وتدريبه على استرجاع حركاته العادية.
ولقد اكدت الفقرة الثانية من المادة الثانية بان المصاريف والنفقات المذكورة اعلاه يتم استرجاعها بعد تقديم الدليل على صرفها[2]، ويكون التعويض بناءا على سعرها القانوني ان كانت مسعرة والا تخضع للاثمان المعمول بها.
ويلاحظ ان صياغة المادة فضفاضة على اساس ان حدود الاثمان غير واضحة لان هذه الاخيرة تختلف حسب اماكن العلاج وامكانيات المريض، فهل يحق للمحكمة ان تفرض حدا اقصى لهذه المصاريف ام ان للمصاب الحق في استرجاع كل ما انفقه فيختار اشهر الاختصاصيين واحسن المصحات الفاخرة سواء داخل المغرب او جارجه؟
لكن عموما يجب ان تكون تلك المصاريف والنفقات في حدود المعقول، تتناسب مع الوضعية المالية للمصاب وبدون مبالغة، وهذا ما اكده القرار الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 29/11/2006 بان استرجاع النفقات يكون باعتبار اثبات سعرها ان كانت مسعرة والا فتطبق الاثمان المعمول بها عادة. وهكذا جاء في حيثية القرار ما يلي:”… وحيث ان المطالب بالحق المذني بعد النقض والاحالة وان ادلى بفاتورة اداء مصاريف العمليات الجراحية والعلاج فان المبلغ المحدد بها كان على اساس التسعيرة المعمول بها في البلد الذي تلقى فيه العلاج، لذلك كان على المحكمة في اطار وسائلها التي خولها القانون ان تعمل على تحديد التسعيرة المناسبة في المغرب لكل نوع من العلاجات التي خضع لها تطبيقا للفقرة الثانية من ظهير 1984، وانها لما قضت له بالمبلغ الذي تضمنته الفاتورة المدلى بها جاء قرارها غير مرتكز على اساس، مما يعرضه للنقض…”[3]
وعلى اثر ذلك، فانه يتوجب على القاضي ان يراعي كل تلك المصاريف بعدم التشدد في الاثبات انصافا للمصاب الدي اصيب في جسمه وماله خاصة امام صعوبة اثبات بعض المصاريف.[4]
قد يتبادر الى الذهن تساؤل حول ما اذا كانت المصاريف التي تواكب الحادثة الواردة في المادة الثانية على سبيل المثال او الحصر؟
في نظرنا يجب تفسير المادة الثانية على اساس انها ذكرت بعض النفقات والمصاريف على سبيل المثال لا الحصر، لذا يجب التوسع في ذلك ليشمل كل ما انفقه المصاب تماشيا مع السياسة الحمائية التي ينبغي توفيرها لفئة ضحايا حوادث السير.
الفقرة الثانية: الاضرار البدنية.
ويقصد بها تلك الاضرار الجسمانية التي تصيب حياة الانسان او سلامته او قدراته العقلية فتسبب له عجزا بدنيا مؤقتا او دائما، الامر الذي قد يضطر معه المصاب الى الاستعانة بغيره في قضاء اغراضه الخاصة، وقد اشار المشرع الى بعض الاثار السيئة التي تترتب عن الاصابة بالاضرار البدنية كالاضطرار الى تغيير المهنة الاصلية بمهنة اخرى تتناسب والوضعية الجديدة التي ال اليها المصاب جراء الحادثة، كالانقطاع النهائي او شبه النهائي عن الدراسة بالنسبة للطلبة مثلا.[5]
وتجب الاشارة هنا الى ان الضرر البدني غالبا ما يرتبط بمجموعة من الاضرار الاخرى ذات الطابع المادي او المعنوي كفقد المصاب للاجرة او الكسب المهني وما لحقه من الم نفساني خصوصا في الحالات التي تنشا فيها عن الحادثة تشوهات خلقية وفي المظهر الخارجي للمصاب.
المطلب الثاني: الاضرار المعنوية.
الفقرة الاولى: المقصود بالضرر المعنوي وموقف ظهير 1984 منه:
يقصد بالضرر المعنوي او الضرر الادبي ذلك الضرر الذي لا يصيب الشخص في ماله، ويمكن ارجاع الضرر الادبي الى احوال معينة.[6]
ضرر ادبي يصيب الجسم، فالجروح والتلف الذي يصيب الجسم والالم الذي ينجم عن ذلك وما قد يعقبه من تشويه في الوجه او في الاعضاء، كل ذلك يشكل ضررا ماديا وادبيا في نفس الوقت اذا نتج عنه انفاق المال في العلاج او نقص في القدرة على الكسب المادي ويسمى هذا النوع من الضرر بالضرر الجمالي.
المساس بالسمعة، فالمبدا العام الذي استقر عليه القضاء الفرنسي بصدد التعويض على الضرر المعنوي هو ان كل مساس بالشرف او السمعة يعتبر ضررا معنويا موجبا للتعويض.
وقد يصيب الضرر الادبي/ المعنوي العاطفة والشعور والحنان، فالاصابات التي تصيب الابناء والاباء او الزوجة او الزوج كلها قد تصيب المضرور في عاطفته وشعوره وتدخل الى قلبه الغم والاسى والحزن، ويسمى هذا بالضرر المعنوي غير المباشر.[7]
الفقرة الثانية: مدى خضوع التعويض عن الضرر المعنوي لمبدا تشطير المسؤولية.
لقد اثير حول مدى خضوع التعويض عن الضرر المعنوي لمبدا تشطير المسؤولية نقاشا كبيرا سواء على مستوى القضاء او على مستوى الفقه، اذ نجد بعض القضاء يقول باخضاع التعويض المعنوي لمبدا التشطير، في حين يتجه البعض الاخر الى خلاف ذلك.
الموقف القضائي الرافض لاخضاع التعويض المعنوي لمبدا التشطير المسؤولية.
تذهب الغرفة المدنية بمحكمة النقض الى القول بعدم اخضاع التعويض عن الضرر المعنوي لمبدا تشطير المسؤولية، فالتعويض الذي يخضع لقسط المسؤولية هو التعويض عن الضرر المادي عن فقد مورد العيش حسب المادة 11، وبالتالي فان المادة الرابعة من ظهير 2/10/1984 لم تنص على ذلك صراحة، وما دام النص ساكتا فان التعويض عن الضرر المعنوي لا ينبغي اخضاع مبلغه لتقسيم المسؤولية[8]، حتى في الحالة التي يكون فيها الضحية ساهم في وقوع الحادثة.
الموقف القضائي القائل باخضاع التعويض المعنوي لمبدا التشطير.
يعتمد هذا الراي على مجموعة من الحجج للقول باخضاع التعويض عن الضرر المعنوي لمبدا تشطير المسؤولية، فسكوت المشرع في ظهير 1984 عن ذلك لا يجب ان يفسر بعدم نية المشرع الاخذ بهذا المبدا، لانه في حالة سكوته عن حكم حالة معينة يتم الرجوع فيها الى القواعد العامة، التي تقرر بهذا الشان قاعدة التشطير بحيث يسال الشخص في حدود نسبة مسؤوليته في وقوع الخطا.
ومن القررات القضائية الصادرة عن محكمة النقض التي تاخذ بهذا الاتجاه نذكر منها:
قرار عدد 1101 مؤرخ في 9-2-1993 ملف جنحي 91/33-15081.[9]
قرار عدد 1740/2 بتاريخ 23/12/1996 ماف جنحي عدد 29465/29/94.
قرار عدد 115-2 بتاريخ 28/1/1997 ملف جنحي عدد 20655/94.
قرار عدد 153-2 بتاريخ 16/2/1997 ملف جنحي عدد 28941/94.[10]
وفي ظل غموض المادة الرابعة من ظهير 02/10/1984 بخصوص اعمال قاعدة تشطير المسؤولية، فانه يجب عدم الاخذ بهذه القاعدة وذلك للاعتبارات التالية:
ان التعويض الزهيد المحدد مسبقا للمستفيدين من الضرر المعنوي في اطار المادة الرابعة، يزكي طرح عدم اخضاع ذلك التعويض لقسط المسؤولية، بحيث لو اخضعناه للتشطير سيصبح تافها بشكل قد يدفع المستفيد منه الى اختيار عدم المطالبة به.
يجب دائما تفسير النصوص القانونية لصالح مصالح المضرور، على اساس انه هو الطرف الضعيف في العلاقات القانونية.
في ظل حرمان المستفيد من انواع اخرى من التعويضات المعنوية- كالتعويض عن الحرمان من الاستمتاع بالحياة والحرمان من الانجاب والتعويض عن الضرر الجنسي…- فكل هذا يدفع الى عذم التشدد في منح تعويض هو في حد ذاته تافه وزهيد.
خاتمة:
رغم صدور ظهير 02/10/1984 المتعلق بتعويض الاضرار البدنية التي تتسبب فيها العربات البرية ذات محرك، فان نظام المسؤولية المدنية في مادة حوادث السير ظل خاضعا للقواعد العامة سواء تعلق الامر بالمسؤولية التقصيرية التي يؤطرها الفصل 88 من قانون الالتزامات والعقود، او المسؤولية العقدية التي تنظمها المادة 485 من مدونة التجارة الجديدة، باستثناء ما يتعلق ببعض مواد ظهير 02/10/1984، كتلك التي تشير الى مبدا تشطير المسؤولية الذي يحكم تقدير التعويض المستحق لضحايا حوادث السير.
وعلى العموم، يمكن القول بان المشرع المغربي توفق الى حد ما في توفير بعض المظاهر الحمائية لفئة المصابين من حوادث السير، وان كانت غير كافية، يمكن ان نذكر منها ما يلي:
صعوبة نفي المسؤولية المدنية المنصوص عليها في الفصل 88 من قانون الالتزامات والعقود.
صعوبة نفي مسؤولية الناقل العقدية مع اقرار مبدا الالتزام بضمان السلامة والذي تم تكييفه على اساس انه التزام بتحقيق نتيجة.
اقرار مبدا الزامية التامين عن المسؤولية المدنية الناتجة عن الاضرار التي تتسبب فيها العربات البرية ذات محرك.
(محاماه نت)