دراسات قانونية
اتحاد المغرب العربي بين الواقع وجهود التكامل (بحث قانوني)
اتحاد المغرب العربي بين واقع الجمود وجهود التكامل
عيسات بوسلهام
باحث بماستر القانون العام و العلوم السياسية – أكدال
فاعل جمعوي، رئيس جمعية النسيم للثقافة و التنمية المستدامة أم عزة – عمالة الصخيرات تمارة
المقدمة
في القديم كانت الدول تتولى شؤونها بنفسها وفق مصالحها الخاصة و بالتالي فانه لم يكن في المجتمع الدولي القديم هيئات أو منظمات دولية تختص بالنظر في القضايا التي تهم تفاعلات هده الدول في ما بينها.
إلا انه كانت محاولات عديدة لإنشاء هيئة تنظم المجتمع الدولي و لكن هذه المحاولات لم تكن إلا في أوائل القرن الماضي الذي يعتبر بالدرجة الأولى عصر منظمات دولية.
و نظرا لما خلفته الحرب العالمية الثانية من ويلات و مآسي على عدد من الدول جعل هده الأخيرة تفكر في إنشاء هيئة عامة دولية تقوم بالإشراف على جل القضايا التي تهم المجتمع الدولي من اجل استثبات الأمن و السلم بالعالم.
و كنتيجة فعلية لدالك ظهرت عصبة الأمم المتحدة سنة 1920 و التي لم تعمر طويلا بسبب فشلها نتيجة لمجموعة من الأسباب (1) التي يمكن إدراجها كالتالي.
1- في ما يتعلق بالتصويت داخل هيئات العصبة لم يتم اشتراط الإجماع لإصدار القرارات
2- ظهرت العصبة بمظهر الضعف أمام الاعتداءات الدولية المتكررة بسبب ترددها في اتخاذ قرارات تجاه الحالات الدولية الخطيرة .
3- ضعف العصبة في مراقبة برنامج التسلح ’ الشيء الذي أدى إلى فرض الدول القوية لرغباتها بالقوة .
4- افتقار العصبة للأدوات التنفيذية كالقوة العسكرية للتصدي لأي اعتداء .
ثم قامت الحرب العالمية الثانية و بقي الحال كما هو عليه ولم تستطع عصبة الأمم أن تغير من هدا الواقع الشيء الذي أدى إلى ضرورة التفكير في الخروج من الأزمة عن طريق إيجاد أداة دولية قادرة على تحقيق السلم و امن و كدالك من خلالها سيتم تجاوز سلبيات عصبة الأمم المتحدة فنشأت هيئة الأمم المتحدة بتاريخ 26 يونيو 1945
[2]
و للإشارة فان جامعة الدول العربية نشأت قبل ميلاد هيئة الأمم المتحدة وهو ما يفسر عدم وجود أي علاقة أو إشارة لهذه الهيئة في ميثاق الجامعة .
ولتجاوز عثرات عصبة الأمم و لتتمكن الهيئة من ضمان ديمومتها تم تكوين عدد من الهيئات الداخلية التي تنبثق من ميثاقها كالجمعية العامة و مجلس الأمن، محكمة العدل الدولية و في نفس الوقت فالهيئة منفتحة في أعضاء المنتظم الدولي.
ووجود المنظمات أو التكتلات الإقليمية لا يعتبر مخالفا لميثاق هيئة الأمم المتحدة لأنه ينص صراحة على دالك و يذكر بنوع من التفصيل الموافقة على قيام منظمات إقليمية تهتم بمسائل حفظ الأمن و السلم الدوليين كما جاء في الفصل الثامن من ميثاق هيئة الأمم المتحدة ، المادة 52 ” ليس في هذا الميثاق ما يحول دون قيام تنظيمات او وكالات إقليمية تعالج من الأمور المتعلقة بحفظ السلم و الأمن الدولي …” (1)
و يرجع ظهور أول نوع من المنظمات الإقليمية في نصف الكرة الغربي بين الدول الأمريكية ، و بعدها لجأت إليه بعض دول أوروبا الوسطى و الشرقية ،ثم عمدت اليه بعد نهاية الحرب العالمية الثانية دول المشرق العربي و إفريقيا و نشأت بدالك جامعة الدول العربية في 7 أكتوبر 1944
و تكون بعد دالك الاتحاد الأوروبي في أوروبا و منظمة الوحدة الإفريقية بعد استقلال مجموعة من الدول بالقارة الإفريقية.
و لكن ما يهمنا و سيحظى باهتمامنا في ما يتعلق بالتكتلات الإقليمية ” اتحاد المغرب العربي ” نظرا لدوره في تحقيق الأمن و السلم في شمال غرب إفريقيا من جهة و تحقيق الوحدة المغاربية على جميع المستويات و الأصعدة من جهة أخرى .
” إيمانا منهم بما يجمع شعوب المغرب العربي من أواصر متينة قوامها الاشتراك في التاريخ والدين واللغة. واستجابة لما لهذه الشعوب وقادتها من تطلع عميق ثابت إلى إقامة اتحاد بينها يعزز ما يربطها من علاقات ويتيح لها السبل الملائمة لتسير تدريجيا نحو تحقيق اندماج أشمل فيما بينها. ووعيا منهم بما سيترتب على هذا الاندماج من آثار تتيح لاتحاد المغرب العربي أن يكتسب وزنا نوعيا يسمح له بالمساهمة الفعالة في التوازن العالمي وتثبيت العلاقات السلمية داخل المجتمع الدولي واستتباب الأمن والاستقرار في العالم. وإدراكا منهم أن إقامة اتحاد المغرب العربي تتطلب تحقيق إنجازات ملموسة ووضع قواعد مشتركة تجسم التضامن الفعلي بين أقطاره وتؤمن تنميتها الاقتصادية والاجتماعية. وتعبيرا عن عزمهم الصادق على العمل من أجل أن يكون اتحاد المغرب العربي سبيلا لبناء الوحدة العربية الشاملة ومنطلقا نحو اتحاد أوسع يشمل دولا أخرى عربية وإفريقية ” (2)[3]
لكن و رغم الجذور التاريخية لفكرة الوحدة المغاربية بالمقارنة مع نظيرتها الأوروبية، ظل هذا المشروع الوحدوي حبيس القرارات و التوصيات المتراكمة و المؤسسات و الهياكل المجمدة، و كذلك رهين التجاذبات و التباينات السياسية بين النخب الحاكمة، و لم تستطع دول المغرب العربي الاستفادة من مقومات الوحدة التاريخية و الجغرافية و الثقافية المشتركة
وبالتاي فان هده العقبات والنواقص و المناقص التي شابت معاهدة إتحاد المغرب العربي و التي حالت دون تحقيق الاندماج المنشود، تشكل بشكل رئيسي إشكالية البحث التي سنحاول أن نجيب عنها .
إشكالية البحث
إن الإشكالية الكبرى التي تبرز اليوم تخص أهم الأسباب والمعوقات التي لاتزال سدا أمام استكمال وحدة الإتحاد والتي تواجه في نفس الوقت مطالب كبرى من شعوب المنطقة بضرورة إتمامه في القريب العاجل، كل هذه الإشكاليات تحيلنا إلى طرح مجموعة من التساؤلات .
1- ماهي أهداف اتحاد المغرب العربي ؟
2- هل حقق اتحاد المغرب العربي الأهداف المرجوة في معاهدة إنشائه ؟ أم فشل في تحقيقها ؟
3- ماهي العقبات التي حالت دون تحقيق الاتحاد لأهدافه ؟
4- ماهي أهم الوسائل و الآليات التي يمكن من خلالها تفعيل الاتحاد ؟
5- ما هو مصير الاتحاد بعد الحراك العربي المغاربي ( الربيع العربي) ؟
6- ماهي أهم المقترحات و الحلول التي من خلالها يمكن أن يحقق الاتحاد المغاربي أهدافه المنشودة ؟
ادا كإجابة على مجمل التساؤلات التي سبق ذكرها يجرنا ذالك إلى الحديث عن أهمية البحث ، فعلى الرغم من كون اتحاد المغرب العربي قد نشأ بحولي ربع قرن من الزمن و رغم أن أهدافه قد صاغها الزعماء الخمسة من أجل تحقيق رغبات الشعوب المغاربية ، إلا انه لابد أن نشير أن منظمات إقليمية ظهرت منذ أمد قريب و لكنها قد قطعت أشواطا كبيرة نحو التنمية و الوحدة و الحال أن اتحاد المغرب العربي لم يراوح مكانه منذ الإعلان عن تأسيسه فلا هو قام بالدور الذي أنشئ من اجله و لا هو حاول التقريب بين الشعوب و تحقيق الوحدة الاقتصادية … ، لدالك فان البحث عن أسباب هذا الإخفاق يبقى من الأهمية بما كان من الناحية العملية و النظرية.
فعمليا يبدو أن التجاذبات و التباينات السياسية بين النخب الحاكمة جعلت هذا المشروع الوحدوي حبيس القرارات و التوصيات المتراكمة و المؤسسات و الهياكل المجمدة .
و نظريا. يبدو أن معاهدة إنشاء اتحاد المغرب العربي قد تمت صياغتها بطريقة لا تحقق الأهداف المنشودة و قد واجهتها مقولة ” تجري الرياح بما لا تشتهي السفن “
لكل هذه الأسباب فان ما سنحاول أن نقدمه في هدا البحث من تحليل لوضع اتحاد المغرب العربي وللعوائق التي واجهته واليات تفعيله ، و تسليط للضوء على مستقبل الاتحاد بعد الربيع العربي وتقديم بعض المقترحات سيمكن على الأقل من معرفة بيت القصيد و مكامن الخلل و الصعوبات التي تعترض طريقه و سبل الارتقاء به لكي يقوم بالهدف الذي أنشئ من اجله و هوتمتين أواصر الأخوة التي تربط الدول الأعضاء وشعوبها بعضها ببعض…(1) و تحقيق الوحدة المغاربية في جميع المجالات .
وبالتالي فان الحديث عن أهمية البحث يجعلنا نتساءل عن أهدافه، و لكن بمجرد الإجابة عن التساؤلات التي سبق طرحها تتضح لنا أهداف البحث الذي بين أيدينا و منها.
1- القيام ببحث علمي موضوعي يتناول القضية جملة و تفصيلا.
2- التطرق للمعيقات التي تقف في طريق الاتحاد لتحقيق الأهداف التي أنشئ من أجلها .
3- التطرق لمستقبل الاتحاد بعد ثورات الربيع العربي .
4- التطرق للآليات تفعيل الاتحاد .
5- تقديم مقترحات و التي من خلالها يمكن أن يحقق الاتحاد أهدافه.
و من أجل تحقيق ما تم الإعلان عنه سابقا، فان تحليلنا لهدا الموضوع سيكون بناءا على النهج التالي.
مقدمة: تتضمن إشكالية البحث
الفصل الأول:اتحاد المغرب العربي و العوائق التي يواجهها
: يتضمن هذا الفصل مبحثين و هما
المبحث الأول: لمحة تاريخية عن الاتحاد، وفيه مطلبين
[4]
المطلب الأول: نشأة الاتحاد و مراحل تشكيله
المطلب الثاني: الهيكل التنظيمي للاتحاد و طبيعة أهدافه
المبحث الثاني: العوائق التي تواجه الاتحاد و أنواعها، وفيه مطلبين
المطلب الأول: ماهية العوائق وواقعها العام
المطلب الثاني :أنواع العوائق التي تواجه الاتحاد.
المطلب الثالث:مناقص معاهدة الاتحاد
الفصل الثاني :مستقبل الاتحاد في ظل الربيع العربي واليات تفعيله.
: يتضمن هذا الفصل مبحثين
المبحث الأول: الاتحاد و الربيع العربي ، أية آفاق .
المطلب الأول :ماهية الربيع العربي
المطلب الثاني :مستقبل الاتحاد بعد الحراك المغاربي (الربيع العربي)
المبحث الثاني :آليات تفعيل الاتحاد .
المطلب الأول :مداخل تفعيل الاتحاد
المطلب الثاني :دور المجتمع المدني في تفعيل اتحاد المغرب العربي.
خاتمة البحث
الملاحق
الفصل الأول:
اتحاد المغرب العربي و العوائق التي يواجهها
المبحث الأول:لمحة تاريخية عن اتحاد المغرب العربي
سنحاول أن نستعرض في هذا المبحث لمحة عامة عن اتحاد المغرب العربي من حيث نشأته و مراحل تشكيله و الأهداف المنبثقة عليه لنصل بذالك إلى الهيكل التنظيمي للاتحاد و سنحاول أن نفصل في هذه الأجهزة التي تتكون وحسب اتفاقية التأسيس من أجهزة تنفيذية و قضائية و تشريعية .
المطلب الأول :نشأة الاتحاد ومراحل تشكيله
إن فكرة قيام المغرب الكبير كانت دائما مشروعا راهن عليه الحكام الذين توالوا على حكم أقطار شمال إفريقيا منذ غابر العصور، وتعود المحاولات الأولى إلى القرن العاشر قبل الميلاد، أي إلى العهد الفينيقي .
وقد عمل “الفينيقيون” منذ وصولهم إلى شمال إفريقيا ،على تأسيس مجموعة من المدن التي اعتبرت أساسية في تدبير نشاطاتهم السياسية، والتجارية بأقطار المغرب العربي ،نذكر منها على سبيل المثال :مدينة “قرطاجة ” في تونس، التي كانت تكتسي أهمية كبيرة بالنسبة لهم، كما عملوا على تأسيس مدينة “ليكسوس” بالقرب من مدينة “العرائش” حاليا في أقصى شمال غرب المغرب.ومدنا أخرى أقل أهمية في الجزائر،وهكذا وفي ظل تواجد الفينيقيين بشمال إفريقيا، كانت أقطار المغرب العربي يحكمها قانون واحد، وعملة صرف واحدة ، وتربط بينها روابط تجارية، وسياسية متينة موحدة.
ومع امتداد المد الإسلامي بشمال إفريقيا – ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا ـ شكل ذالك حدثا هاما ،بحيث عمل عقبة بن نافع الفهري على تحقيق الوحدة الشاملة في ظل خلافة إسلامية واحدة ساوت بين الحقوق والواجبات ونشرت العدل،و الأمن، والرخاء، والطمأنينة بين جميع أفراد شعوب البلدان المذكورة، نرتب عنها ميلاد شخصية إنسانية منسجمة، رفعت المعنويات، وشدت العضد، مما سمح بفتح الأندلس على يد طارق بن زياد تحت قيادة موسى ابن نصير.
وانطلاقا من هذه المعطيات صارت كل الحضارات والقيادات التي تعاقبت على تدبير شؤون المنطقة، تشتغل بنفس المنهجية ،و بنفس الإستراتيجية المتمثلة في التماسك بين الأقطار، والوحدة ،التي كانت سمة، ونتاج فينيقي إسلامي محض .
شكل المغرب في ظل الفتح الإسلامي امتدادا مهما لرقعة العالم الإسلامي ، وبه، فقد ظل مستقرا بفضل وحدته ،وعدم تعدد الديانات ،إذا استثنينا بعض الأقليات اليهودية المتواجدة هنا وهناك، والتي ذابت عناصرها في مكونات ونسيج المجتمع الإسلامي، بحيث لم تعد تثير الانتباه، ووحدة أقطار المغرب العربي جعلت من منطقة شمال إفريقيا جبهة قوية، أفرزت إمبراطوريات وحدوية إسلامية اهتزت تحت سنابك خيلها الأمم، نذكر منها المرابطين والموحدين والمرينيين وغيرهم .
ظلت أقطار شمال إفريقيا موحدة فيما بينها ،بالرغم من المد العثماني ،لكن بوادر الانشقاق والتمزقات والحدود المصطنعة ، لم يأت إلى مع التواجد الاستعماري”الفرنسي والإسباني والإيطالي” الذي تلاعب بحدود جميع البلدان التي استعمرها ،وفق ما يلاءم مصالحه وغاياته ، كما عمل على خلق الثغرات والفرقة بين أبناء الوطن الواحد كالاشتغال على العنصر البربري في توسيع الهوة بين المواطنين ،ولعل الظهير البربري16ماي1930 (1)، خير دليل على ذلك ،لكن إرادة الشعب كانت أقوى من هذه النوايا. مما دفع إلى تأسيس مجموعة من الخلايا المقاومة لهذا الفكر العنصري المبيت،و امتدت نشاطاتها على امتداد رقعة المغرب العربي المستعمر.
وبذلك أدركت شعوب بلدان المغرب العربي من جديد، أن قوتها في وحدتها، فمن جديد استيقظ الحنين إلى وحدة مغاربية لمقارعة الاستعمار.
وسرعان ما ظهرت دعوات إلى وحدة مغاربية في شمال إفريقيا ، وعند فتح هدا القوس فان من الأسماء التي تتبادر إلى الذهن هو “علي باش حامية “هذا الرجل من أصول تركية ،الذي طالب بالوحدة المغاربية في لقاء برلين سنة 1915 ، لقد كان يؤمن تمام الإيمان بأن زوال المستعمر يكمن في اجتماع مواطني بلدان المغرب العربي على كلمة واحدة ،فمنهجية هذا الرجل في النضال ضد المستعمر ، كانت تتمحور على وحدة الدين، والعقيدة ،واللغة ،والإرث الثقافي واللغوي والوجدان المشترك.فبالوحدة في ظل هذه المعطيات باستطاعة الشعوب أن تدحر المستعمر وتتفوق على عدته وعتاده وهذا ما حصل لاحقا.
بعد “علي باش حامية ” توالت النداءات بالوحدة وجاءت بعده على لسان مؤسسي ومناضلي” جمعية أو حزب “نجم الشمال الإفريقي” (2) في باريس سنة 1926 و الذين
[5]
ساروا على نفس النهج وقد تكررت المطالب كذلك، في ندوة القاهرة التي عقدت سنة 1947
استمرت بوادر الدعوات لوحدة مغاربية للتصدي للمستعمر تنضج يوما بعد يوم، فقد حدد قادة الثورة التحريرية في هذا الإطار، و منذ اندلاعها، هدفا استراتيجيا أساسيا تمثل في تدويل القضية الجزائرية وإخراجها من النطاق الفرنسي و السعي إلى فرض اعتراف واضح وصريح من المجتمع الدولي بها. وقد اقتضت الخطوة الأولى نحو التدويل، ضرورة بلوغ أهدافها الإقليمية بتجسيد الاعتراف بها ،والتضامن معها في إطار الشمال الأفريقي، وهنا أدركت إدارة المحتل صعوبة ودقة الموقف الذي تواجهه في المغرب العربي بعد دخول الجزائريين معركة التحرير، إذ أصبح جيشها يحارب على ثلاث جبهات في رقعة جغرافية واحدة، مع ما ينطوي في ذلك من مخاطر مع توحيد حركات المقاومة.
استمر الخوف قائما إزاء توحيد المقاومة في المغرب العربي،وتنامي هاجس إدارة الاحتلال التي كانت تعي و تعلم بمشروع ونشاط لجنة تحرير المغرب العربي في القاهرة ،حيث سعي رئيسها، عبد الكريم الخطابي؛ إلى إنشاء مجموعة كبيرة من المجاهدين أطلق عليهم :جيش تحرير المغرب العربي. ودون شك، كان تزامن الهجومين في المغرب والجزائر صيف عام 1955 يغذي هذا التخوف الاستعماري.والظاهر أن اتساع عمليات جيش التحرير وانتشار بقعة الزيت وفشل مشروع خنق الثورة في الأوراس، لم يربك الموقف الفرنسي على الساحة الجزائرية فحسب، بل فرض على إدارة الاحتلال قرار الانسحاب الاستعجالي من المغرب و تونس.
وقد علق “بيير منديس فرانس” (1) وبعد ، إن السبيل والحل الوحيد لإنقاذ وضع فرنسا المتردي، في الجزائر، هو الانسحاب من تونس والمغرب ،مقابل الاحتفاظ بالمصالح الاقتصادية والقواعد العسكرية بهذين القطرين. لأن عملية إيقاف الحرب في المغرب وتونس سيتيح لفرنسا الوقت لتجميع كل قواها الاقتصادية والعسكرية في الجزائر، ويضمن لها الانتصار والفوز على الثورة الجزائرية، أو على الأقل يعيد زمام المبادرة إلى قواتها. وتتوالى الاجتماعات ،ولعل من أهم اللقاءات هو مؤتمر طنجة.
جاء هذا المؤتمر بعد أيام قليلة من الهجوم السافر يوم 8 فبراير 1958 الذي نفده سلاح الطيران الفرنسي على قرية” ساقية سيدي يوسف” بتونس،حيث توجد قواعد عسكرية لجبهة التحرير الجزائرية، هجوم خلف خسائر بشرية ومادية فادحة، وقد أثار الهجوم استنكار الرأي العام الدولي، وكان المغرب بالطبع في طليعة من أدانوا تلك العملية الوحشية(2) ..[6]
لكن المهم من هذا الحدث هو إظهار عزم الجيش الفرنسي في الجزائر، الذي كان يتصرف باستقلال عن حكومته المركزية بباريس، على توجيه ضرباته التخريبية إلى كل من تونس والمغرب، نظرا لمساندة القطرين لجبهة التحرير في كفاحها ضد الاحتلال .
وعودة لمؤتمر طنجة، الذي دعت إليه الهيئات الشعبية الممثلة لبلدان المغرب العربي؛ وهي حزب الاستقلال من المغرب، حزب الدستور الجديد من تونس،وجبهة التحرير من الجزائر.
لقد عقد المؤتمر في مدينة طنجة المغربية كما سلف، بين 27 و 30 أبريل 1958وقد بحث المؤتمرون عدة مبادئ منها (1)
1. تشكيل مجلس استشاري للمغرب العربي، ينبثق من المجالس الوطنية المحلية في الأقطار الثلاثة (المغرب، تونس، والجزائر)، وتكون مهمته دراسة القضايا ذات الاهتمام المشترك في بلاد المغرب العربي، وتقديم التوصيات بخصوصها للسلطات التنفيذية المحلية.
2 . بحث قيام اتحاد فدرالي بين البلدان المشاركة في المؤتمر.
3. استئناف الاتصالات، بصفة دورية، بين المسؤولين المحليين في البلدان الثلاثة.
4 .تأسيس أمانة دائمة من ستة أعضاء (مندوبين عن كل حركة شعبية مشتركة في المؤتمر) لضمان تنفيذ مقررات المؤتمر.
وعن أجواء المؤتمر نسوق جزء من شهادة بلسان السيد عبد الرحيم بوعبيد
(2)حيث يحكي:
“انعقدت الجلسة الأولى لمؤتمر طنجة يوم 27 أبريل 1958 بقصر مرشان، في جو مؤثر من الحماس الشعبي وبحضور عدد كبير من رجال الصحافة العربية والأجنبية، والعديد من الملاحظين الأجانب ،من مختلف التيارات والبعثات الدبلوماسية، وكان الوفد الجزائري يتضمن السادة بوصوف، بومنجل وعبد الحميد المهري، وكان هذا الأخير كثيرا ما يتكلم أثناء الجلسات باسم الوفد الجزائري. أما الوفد تحت رئاسة الباهي الادغم، ويضم من بين أعضائه مدير الحزب، السيد شاكر والتليلي كممثل للاتحاد العام للعمال التونسيين. أما الوفد المغربي فكان يتضمن أساسا علال الفاسي والمهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد ومحمد البصري بصفته ممثلا لأعضاء جمعية المقاومة وجيش التحرير، وأضيف إلى الوفد المغربي بمبادرة من علال الفاسي السيد الداي ولد سيدي بابا، الشيء الذي أثار شيئا من التحفظ من طرف الوفد التونسي، نظرا لموقف تونس آنذاك من قضية موريتانيا، لكن هذا الحدث لم يؤثر في النهاية على صحوة الجو بين الأطراف، حيث لم تدرج قضية موريتانيا في جدول أعمال المؤتمر.
[7]
وليتسنى للقارئ أو الباحث الإحاطة بأهم المعطيات والأحداث العسكرية التي كانت شعوب المغرب العربي تواجهها من أجل الحفاظ على استقلالها ومواصلة الكفاح لاستكمال وحدتها الترابية. وهنا يجب التذكير بأطماع الاستعمار الفرنسي للسيطرة على جميع المناطق الصحراوية، ليجعل منها منطقة تابعة للسيادة الفرنسية. والتأكيد اعتمادا على المصادر الفرنسية والاسبانية ،أن تلك الأطماع لم تكن مجرد نظريات أو تخمينات، بل كانت تنطلق من عمليات إستراتيجية عسكرية ودبلوماسية”
لقد شكل هذا اللقاء(مؤتمر طنجة) منعطفا حقيقيا في هذا الاتجاه . منذ هذا التاريخ تكاثفت اللقاءات من جديد ، و خلص ساسة البلدان المعنية إلى: أن التنمية والنهوض بمجتمعاتهم لا تكمن في التبعية الاقتصادية للبلدان المستعمرة ،من هنا تكونت القناعات أن المخططات التنموية يجب أن تصاغ في قالب تنموي موحد بعيد عن كل تحيين يتماشى مع سياسة المستعمر، وقد أفرزت النقاشات المتتالية إلى توقيع مجموعة من الاتفاقيات تمت بالرباط سنة 1963، والتي نصت (الاتفاقيات) على تحقيق التطابق بين سياسات البلدان الثلاثة “المغرب ـ الجزائر ـ تونس” تجاه السوق الأوروبية المشتركة، وتنسيق مخططات التنمية.
واستمرت اللقاءات الماراطونية من أجل إنضاج هذا المشروع ،فجاء مرة أخرى، لقاء طنجة الثاني، سنة 1964، ولقاءات أخرى شملت باقي البلدان المغاربية في أوقات متتالية، تفتق عنها تشكيل اللجنة الاستشارية القارة، ومركز للدراسات الصناعية. الذي بموجبه اتفق وزراء البلدان المعنية على قرارات هامة تتعلق بالتجارة البينية بين البلدان، وعن أفضلية التزويد المغاربي ، والتنسيق فيما يخص المعاملات الجمركية ،وسياسات التصدير، وتوحيد السياسات في قطاعات المناجم والطاقة والنقل والمواصلات ،كما تم الإتفاق على صيغة في مجال الاتفاق مع السوق الأوروبية المشتركة
لكن مع الأسف شابت هذه الإتفاقيات مجموعة من العراقيل والمشاكل التي جعلت أجرأة هذه المشاريع تعرف حركات مد وجزر، نظرا للتباين الذي بدأت تتجلى معالمه بين هذه البلدان، يضاف له التداخل الذي صار يطغى على السياسات الاقتصادية والإجتماعية و الإختلاف في الأفكار والإيديولوجيات، والتي لعبت فيه مجموعة من الأيادي الخفية التابعة للمستعمر بما فيهم مجموعة من الجينيرالات والقوى الإقتصادية التابعة للأجنبي.
[8]
ظلت الأمور على ماهي عليه، بين مد وجزر، حتى سنة 1980ليجتمع الأطراف من جديد ،ويعملون على تشكيل لجنة عليا للإشراف والتوجيه ،وتتشكل هذه اللجنة من وزراء الاقتصاد ،واللجنة الاستشارية القارة، وحوالي عشرون لجنة اقتصادية متخصصة أخرى في إعداد البرامج واقتراح الإجراءات التنفيذية المطلوب اتخاذها من طرف الأجهزة الإدارية للدول المغاربية.
تميزت هذه الفترة بتخطيط العديد من البرامج والأفكار المهمة نذكر منها:مشروع القطار المغاربي ـ مشروع بناء وإصلاح السفن ـ مشروع التكامل الكهربائي،مشروع يتعلق بتوطين الصناعات ـ مشروع إقامة مؤسسات صناعية تحويلية وتربية المواشي ـ ومشاريع أخرى مرتبطة بمواصفات الأدوية والمنتوجات الصيدلانية ـ وغيرها ..لكن كل هذه الأفكار صارت مجرد أحلام وأماني موقوفة التنفيذ. وتبقى هنا من أهم المشاريع التي راهن عليها الأشقاء الخمس هي الشركة المغاربية للطيران التي سبق ووضعت دراستها وقانونها الأساسي ومنهجية تسييرها سنة 1969 وتمت الموافقة على هذا العمل من طرف الحكومات سنة 1970 لكننا لحد الساعة لم يخرج هذا المشروع للنور و في مضمار العلوم قد كان مقررا إنشاء أكاديمية مغاربية وعلى مستوى المال فقد تم إحداث المصرف المغاربي للاستثمار والتجارة الخارجية الهادف لتمويل المشاريع ذات المصلحة المشتركة في 10.03.1991.
ومن هنا وجب أن نشير ،إلى أن فترة الثمانينات قد مرت صعبة على دول المغرب العربي ، وقد تجلى هذا في الظروف الاقتصادية والسياسية التي عاشتها المنطقة،والتي تمثلت في أداءات اقتصادية متدنية مع تنامي أزمة المديونية والأمر الذي زاد الطين بلة هو توقف الاتحاد الأوروبي عن استيراد المنتجات الزراعية من الدول المغاربية ،ويرجع هذا لانضمام اسبانيا والبرتغال سنة1986. للسوق الأوروبية.
وأمام هذه الوضعية العسيرة واستشعارا للخطر ،كان من الضروري الاجتماع من جديد، للتشاور والتنسيق والتكامل، ولهذا عقدت قمة مغاربية في 10 ـ 6 ـ 1988(قمة زيرالدة)وقد تقرر بموجب هذه القمة تشكيل لجنة عليا لوضع مشروع “الوحدة المغاربية”وبعد هذا القرار مباشرة وبأشهر قليلة جاءت القمة الثانية التي نظمت في مراكش يوم 17 ـ 2 ـ 1989 ووضعت اللبنات التأسيسية الحقيقية للإتحاد وأرست هياكله.
تضمنت وثيقة التأسيس أهدافا وطموحات كبيرة، وحدد لإنجازها هامش زمني لا يتعدى 4 سنوات. ومن بين هذه الطموحات نذكر(1):
2[9]1- حرية التبادل التجاري بين أقطار الإتحاد
2- تحقيق الوحدة الجمركية.
3- إنشاء المصرف المغاربي للاستثمار
4- إلغاء الحدود الداخلية بين بلدان الاتحاد
لهذا و بعد أن تطرقنا لللارهاصات الأولى لنشأة لاتحاد المغرب العربي و الجولات الماراطونية التي أسفرت عن ميلاده ، فان دالك يجرنا حتما إلى الآليات أو الأجهزة و المؤسسات التي بواسطتها وعن طريقها يمكن للاتحاد أن يقوم بالدور الذي أنشئ من اجله
وبالتالي فان هدا سيجرنا إلى الحديث عن الهيكل التنظيمي لاتحاد المغرب العربي و هو ما سنحاول أن نفصل فيه في المطلب الثاني.
المطلب الثاني: الهيكل التنظيمي لاتحاد المغرب العربي و طبيعة أهدافه
الفقرة الأولى: الأجهزة والمؤسسات
يقتضي البحث الذي بين أيدينا أن نلقي نظرة على الهيكل التنظيمي للاتحاد حتى يتسنى لنا معرفة أجهزة الاتحاد التي تتكون و حسب معاهدة إنشاء الاتحاد من أجهزة قضائية و تنفيذية و تشريعية.
البند الأول. الأجهزة
أولا – مجلس الرئاسة. (1)
ويتشكل من رؤساء البلدان الأعضاء وهو أعلى جهاز في الاتحاد، ولإجماع رؤساء الدول الأعضاء فقط سلطة اتخاذ القرار، ويتناوب رؤساء الدول الأعضاء على رئاسة المجلس لمدة سنة
ثانيا – مجلس وزراء الخارجية (2)
وتتلخص مهمته في التحضير لدورات مجلس الرئاسة والنظر في اقتراحات لجنة المتابعة واللجان الوزارية المتخصصة وتنسيق السياسات والمواقف في المنظمات الإقليمية والدولية ويتألف المجلس من الوزراء وأمين اللجنة الشعبية المكلفين بالشؤون الخارجية في بلدان الاتحاد، ويشترط حضور جميع الأعضاء لصحة عقد دورته العادية أو الاستثنائية بدعوة من الرئاسة أو بناء على طلب أحد الأعضاء
ثالثا – لجنة المتابعة (3)
وهي تتألف من الأعضاء الذين تم تعيين كل واحد منهم في مجلس وزراء دولته أو لجنته الشعبية العامة لمتابعة شؤون الاتحاد، وتقوم لجنة المتابعة بمتابعة قضايا الاتحاد بصفة تكاملية مع بقية هيئات الاتحاد، وتعمل بالتنسيق مع بقية الهيئات لا سيما مع الأمانة العامة واللجان الوزارية المتخصصة تفاديا للازدواجية، بينما تعرض لجنة المتابعة نتائج أعمالها
[10]
رابعا – اللجان الوزارية المتخصصة (1)
عمل مجلس رئاسة الاتحاد على إنشاء عدة لجان وزارية في قراره بتاريخ 23/1/1990 كالآتي: يكون لاتحاد المغرب العربي أربع لجان وزارية متخصصة هي:
1- لجنة الأمن الغذائي:
تهتم بقطاعات الفلاحة والثروة الحيوانية، والمياه والغابات، والصناعات الفلاحية والغذائية، واستصلاح الأراضي، والصيد البحري، وتجارة المواد الغذائية، والبحث الزراعي والبيطري، والبيئة، ومؤسسات الدعم الفلاحي.
2- لجنة الاقتصاد والمالية:
تهتم بميادين التخطيط، والطاقة، والمعادن، والتجارة، والصناعة، والسياحة، والمالية، والجمارك، والتأمين والمصارف وتمويل الاستثمار، والخدمات، والصناعة التقليدية.
3- لجنة البنية الأساسية:
تهتم بقطاعات التجهيز والأشغال العمومية، والإسكان والعمران، والنقل والمواصلات، والبريد، والري.
4- لجنة الموارد البشرية:
تهتم بمجالات التعليم، والثقافة، والإعلام، والتكوين، والبحث العلمي، والشؤون الاجتماعية، والتشغيل، والرياضة، والشبيبة، والصحة، والعدل، والإقامة وتنقل الأشخاص، وشؤون الجالية المغاربية.
وتقوم اللجان الوزارية المتخصصة بالتعاون مع لجنة المتابعة والأمانة العامة بوضع التصور للخطط والجداول الزمنية اللازمة لتنفيذ برنامج عمل الاتحاد المصادق عليه من طرف مجلس الرئاسة.
وكذلك تتكون اللجان الوزارية المتخصصة من الوزارات والأمانات الشعبية المعنية حسب القطاعات التي تدخل في مهامها، كما تتفرع عن اللجان الوزارية المتخصصة مجالس وزارية قطاعية وفرق عمل حسب ما يقتضيه عملها، وعليها الاستعانة بذوي الخبرة والكفاءات المغاربية.
[11]
وتعرض اللجان الوزارية المتخصصة نتائج أعمالها على مجلس وزراء الخارجية وتمارس نشاطها بالتنسيق مع لجنة المتابعة والأمانة العامة.
البند الثاني. المؤسسات
أولا – الأمانة العامة (1)
للاتحاد أمانة عامة مقرها الرباط، وحسب المعاهدة التأسيسية تتكون من أمين عام يعينه مجلس الرئاسة لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة،ومن عدد كاف من الموظفين ينتدبهم الأمين العام قدر الحاجة من بين مواطني الاتحاد على أساس الكفاءة والولاء لأهداف الاتحاد والتوزيع العادل بين الدول الأعضاء ووفقا للوائح الداخلية للأمانة العامة. وتقوم الأمانة العامة بالمهام الأساسية التالية:
1. العمل على تنفيذ قرارات مجلس رئاسة اتحاد المغرب العربي بالتنسيق مع سائر أجهزة الاتحاد.
2. المساهمة في إعداد الخطط التنفيذية لبرنامج عمل الاتحاد بالتعاون مع لجنة المتابعة.
3. إعداد البحوث والدراسات وتوفير المعلومات والوثائق، وإبداء الرأي المتخصص مع الاستعانة وعلى وجه الأولوية وعند الاقتضاء بالكفاءات المغاربية.
4. إعداد التقارير الدورية حول التقدم الحاصل في بناء الاتحاد.
5. الاضطلاع بأعمال السكرتارية لمجلس الرئاسة ومجلس وزراء الخارجية ولجنة المتابعة واللجان الوزارية المتخصصة بالتعاون مع البلد المضيف وتوثيق هذه الأعمال.
6. حفظ وثائق ومستندات الرئاسة ومجلس وزراء الخارجية ولجنة المتابعة واللجان الوزارية المتخصصة ومجلس الشورى والهيئة القضائية وكل مستند رسمي للاتحاد بما فيها وثائق المصادقة على الاتفاقيات الجماعية المبرمة في إطار الاتحاد.
7. العمل على التنسيق بين الأجهزة الاتحادية المتخصصة في المجالات الإعلامية والتوثيق، بهدف تكوين رصيد متطور من المعلومات الإحصائية والمرجعية عن الدول الأعضاء في مختلف القطاعات وأوجه نشاط العمل الاتحادي، وجعلها متاحة للممارسين.
[12]
8. ربط الصلة بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية والأمانات العامة للتجمعات العربية لتحديد ميادين التعاون تعزيزا للعمل العربي المشترك، والتعاون مع التجمعات المماثلة الأفريقية والتجمعات والمنظمات الدولية الأخرى وذلك بالتنسيق مع أجهزة الاتحاد.
9. ربط الصلة بالجمعيات الشعبية والمنظمات غير الحكومية لدعم مسيرة الاتحاد.
ثانيا – مجلس الشورى (1)
ويمثل مجلس الشورى الجهاز التشريعي للاتحاد، ويتألف من عشرين عضوا عن كل دولة عضو في الاتحاد يقع اختيارهم من الهيئات النيابية للدول الأعضاء أو وفقا للنظم الداخلية لكل دولة. ويبدي مجلس الشورى رأيه فيما يحيله عليه مجلس الرئاسة من مشاريع وقرارات، كما له أن يرفع لمجلس الرئاسة ما يراه من توصيات لتعزيز عمل الاتحاد وتحقيق أهدافه. ويتكون المجلس من اللجان الوزارية المتخصصة .
ثالثا- الهيئة القضائية (2)
تتألف من قاضيين عن كل دولة تعيّنهما الدولة المعنية لمدة ست سنوات، ويتم تجديد نصف الهيئة كل ثلاث سنوات،ورئيس الهيئة ينتخب من بين أعضائها لمدة عام ومقرها نواكشوط.
وهي تختص بالنظر في النزاعات المتعلقة بتفسير وتطبيق المعاهدات والاتفاقيات المبرمة في إطار الاتحاد التي يحيلها إليها مجلس الرئاسة أو إحدى دول الأطراف في النزاع، وتكون أحكام الهيئة ملزمة ونهائية، وتقوم كذلك بتقديم الآراء الاستشارية في المسائل القانونية التي يعرضها عليها مجلس الرئاسة .
بعد التطرق للهيكل التنظيمي للاتحاد فان ذلك يجرنا بالأساس إلى التساؤل إلى الأهداف التي جبل من أجلها و هو ما سنحاول أن نحيط به .
رابعا- الأكاديمية المغاربية للعلوم
تهدف إلى إقامة إطار للتعاون بين مؤسسات البحث العلمي والتكوين العالي في بلدان الاتحاد وبينها وبين المؤسسات المماثلة بالوطن العربي والبلدان الأجنبية، و تطبيق سياسة بحث علمي وتكنولوجي مركزة على الجوانب التنموية المشتركة بين أقطار الاتحاد باعتبار
[13]
الوسائل والإمكانيات المتوفرة، وتمكين الباحثين في الاتحاد من المشاركة في تطوير العلوم واستيعاب التقنية وتوظيفها بطريقة مؤثرة في الأوساط العلمية والتقنية، والحد من هجرة الأدمغة المغاربية إلى البلدان الأجنبية وتوفير محيط علمي يسمح بإدماج المتخصصين في بلدان المغرب العربي وكذلك الباحثين المغاربيين المقيمين بالخارج، ومقرها بطرابلس بليبيا.
خامسا- جامعة المغرب العربي
تتكون الجامعة من وحدات جامعية مغاربية موزعة على دول اتحـاد المغرب العربي حسب مقتضيات مهمتها والإمكانيات المتوفرة في كل منها.وتهدف الجامعة المغاربية إلى تكوين طلبة السلك الثلاث والباحثين في المجالات ذات الأولوية التي يقرها مجلس إدارة الجامعة، ومقرها بطرابلس ليبيا.
سادسا- المصرف المغاربي للاستثمار والتجارة الخارجية
نشأ بناء على اتفاقية بين دول الاتحاد بتاريخ 10/03/1991، ويهدف المصرف إلى المساهمة في إقامة اقتصاد مغاربي مترابط ومندمج ومن ذلك إعداد وإنجاز وتمويل المشاريع ذات المصلحة المشتركة الفلاحية والصناعية وغيرها في البلدان المغاربية وكذلك في تشجيع انسياب رؤوس الأموال وتوظفيها في المشاريع ذات الجدوى الاقتصادية والمردود المالي وتنمية المبادلات التجارية والمدفوعات الجارية المترتبة عنها، ومقره بتونس .
الفقرة الثانية: أهداف الاتحاد
إن من أهم ما نصت عليه معاهدة إنشاء الاتحاد المغاربي من أهداف هي(1)
1. توثيق أواصر الأخوة التي تربط الأعضاء وشعوبهم بعضهم ببعض.
2. تحقيق تقدم ورفاهية مجتمعاتهم والدفاع عن حقوقها.
3. المساهمة في صيانة السلام القائم على العدل والإنصاف.
4. انتهاج سياسة مشتركة في مختلف الميادين.
5. العمل تدريجيا على تحقيق حرية تنقل الأشخاص وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال فيما بينها.
وقد أشارت وثيقة المعاهدة إلى أن السياسة المشتركة تهدف إلى تحقيق الأغراض التالية:
[14]
· أولا- الميدان الدولي: تحقيق الوفاق بين الدول الأعضاء وإقامة تعاون دبلوماسي وثيق بينها يقوم على أساس الحوار.
· ثانيا- ميدان الدفاع: صيانة استقلال كل دولة من الدول الأعضاء.
· ثالثا- الميدان الاقتصادي: تحقيق التنمية الصناعية والزراعية والتجارية والاجتماعية للدول الأعضاء واتخاذ ما يلزم من وسائل لهذه الغاية، خصوصا بإنشاء مشروعات مشتركة وإعداد برامج عامة ونوعية في هذا الصدد.
· رابعا- الميدان الثقافي: إقامة تعاون يرمي إلى تنمية التعليم على جميع مستوياته والحفاظ على القيم الروحية والخلقية المستمدة من تعاليم الإسلام السمحة وصيانة الهوية القومية العربية، واتخاذ ما يلزم من وسائل لبلوغ هذه الأهداف، خصوصا بتبادل الأساتذة والطلبة وإنشاء مؤسسات جامعية وثقافية ومؤسسات متخصصة في البحث تكون مشتركة بين الدول الأعضاء.
كما و سبق أن، أشرنا في بداية البحث (1) على، الواقع لا يكون دائما كما نتصوره فقد يصطدم تطبيق موضوع بأحداث سياسية أو اقتصادية أو صراعات ونزاعات … تحول دون تحقيق الأشياء التي تم رسمها، وهو ما وقع تماما في تجربة اتحاد المغرب العربي.
فهناك من المختصين من رأى أن اتحاد المغرب العربي جاء أساسا كرد فعل على قيام الجمهورية العربية المتحدة ، لأنه جاء بعد شهر واحد على قيامها و كانت البداية في طنجة 1958، و بالتالي فهذا المشروع افتقر إلى دراسات علمية حقيقية حول جدوى اتحاد المغرب العربي يستند إليها صاحب القرار السياسي، و غلب التسرع و الحماس على التريث و التحضير الجيد لهذا التكتل الإقليمي و ذلك عكس ما يلاحظ على مسار تشكل الاتحاد الأوروبي وغيره ، الذي مر بعدة محطات تحضيرية قبل أن يصل إلى الاندماج الكلي. (2)
وبهذا فأننا سنحاول أن نفصل في أهم العوائق التي حالت دون تحقيق الوحدة المغاربية التي تتعطش لها شعوب دول الاتحاد .
[15]
المبحث الثاني :العوائق التي تواجه الاتحاد و أنواعها
العوائق أو المعوقات هي التي تقف حائلا دون الوصول إلى الأهداف و الغايات التي كان يتوخى قادة دول المغرب العربي تحقيقها أمام واقع و طموحات الشعوب المغاربية على جميع المستويات و الأصعدة .
ولكن المعوقات (العوائق) أو الحواجز و التحديات إن صح التعبير ليست بالقليلة او الهينة والتي يمكن التغلب عليها بسهولة و تتطلب تضحيات و تنازلات من مجموعة من الأطراف لتحقيق غاية الاتحاد ، أو استمرارية الفشل و الصراع العربي المغاربي حتى تصبح الدول الاستعمارية في مأمن على مخططاتها و مصالحها في الأقطار المغاربية و العربية .
و من أجل تعميق النظر في ماهية هذه العوائق وطبيعتها ، و شكلها و أوصافها ، و مدى ما تحدثه من إعاقة بمعنى الكلمى لورش الاندماج و الاتحاد المغاربي ، و بذالك يتطلب المبحث دراسة شاملة و مفصلة بالنظر لحساسية هذه العوائق و ذالك من خلال ثلاثة مطالب رئيسية .
المطلب الأول: ماهية العوائق وواقعها العام
المطلب الثاني: أنواع العوائق التي تواجه الاتحاد
المطلب الثالث: نواقص معاهدة المغرب العربي
المطلب الأول: ماهية العوائق وواقعها العام
المعوقات في اللغة (1) من عاق يقال عاقه عن الشيء يعوقه عوقا
صرفه و حبسه، ومنه التعويق و الاعتياق ، وذالك إذا أراد أمرا فصرفه عنه صارف .
وتقول: عاقني عن الوجه الذي أردت عائق ، وعائقتني العوائق ،الواحدة عائقة .
والعوق: الأمر الشاغل و عوائق الدهر ، الشواغل من أحداثه و التعوق ، الثتبط و التعويق التثبيط .
فالمعوقات هي الأمور أو الأسباب أو الدوافع التي تصرف الشيء عن وجهه، فتمنعه من الوصول إلى ما يراد منه، بحيث لا تتحقق الأهداف الغائية لذالك القرار أو التوصيات أو الأعمال.
أما فيما يتعلق باتحاد المغرب العربي، فان المعوقات التي تقف حائلا دون تحقيق أهدافه فهي كثيرة و متنوعة، نوجزها كما يلي. (2)
أولا- اختلاف الأنظمة في بلدان الاتحاد
ثانيا – حب ريادة الجزائر في شمال إفريقيا
ثالثا – قضية الصحراء المغربية.
ويتفرع عن قضية الصحراء مجموعة من العوامل و الأسباب التي تجعل هذا المشكل قائما، كالسعي إلى الحصول على واجهة بحرية في المحيط الأطلسي على حساب المغرب، و عقدة حرب الرمال…
رابعا – المصالح الغربية في إفشال كل تكتل عربي
خامسا – المركزية في اتحاد القرارات و عدم إشراك الشعوب في المشاريع الاتحادية
[16]ثانيا
لهذا فانه ليس من المبالغة أن نقول أن مشروع اتحاد المغرب العربي لم يعرف أي نجاح يذكر على كافة الأصعدة السياسية و الاقتصادية و العسكرية ، لقد بقي في أدراج المسؤولين منذ أن ظهر دون أن يتحول إلى واقع كما تم التخطيط له .
و لهدا الفشل مجموعة من الأسباب و العوائق التي سبق و أن ذكرناها ، و هناك أيضا عوائق تتجلى في الطبيعة الاقتصادية لكل بلد ، و بعضها الأخر بالايدولوجيا و الثقافة وبعضها الأخر بالتاريخ
إننا نجد أن دول اتحاد المغرب العربي مختلفة سياسيا و اقتصاديا و ايدولوجيا و ثقافيا (1)،
فدول المغرب العربي الخمس يمكن تقسيمها إلى دول نفطية ، و أخرى غير نفطية. فالجزائر و ليبيا تشتركان في إنتاج النفط و تصديره ، أما المعرب و تونس وموريتانيا فيعتمدون أساسا على قطاعات الفلاحة و الصناعة و بالخصوص الخدمات التي تتعلق بالسياحة أد يعرف هدا القطاع تنافسا بين المغرب و تونس ، و تركز في مبادلاتها التجارية على السوق الأوروبية ، حيت نجد كذاك تنافسا كبيرا بين المغرب و تونس في ما يتعلق بالفلاحة و النسيج و الفوسفات ، و الغريب في الأمر هو أن دول الاتحاد فاوضت السوق الأوروبية فرادى و ليس ككتلة جغرافية وسياسية مستقلة
ففي حين كان الطرف الأخر متماسكا (2) و كانت هي متفرقة أو متنافسة و هو ما أضعف في كثير من الحالات موقفها التفاوضي ، اقتصاديا لا يوجد تماثل بين دول الاتحاد بل توجد اختلافات جوهرية ، و إن حدثت و حدة بينهم وهو يشكل عامل خوف بالنسبة للسياسي ، لأنه يجد نفسه حرا في حالة خلاف سياسي شديد ( المغرب- الجزائر) في التنصل من التزاماته الاقتصادية عندما تكون مبنية على التكامل و ليس الثما تل .
وحتى في مرحلة البناء الاقتصادي للمغرب العربي في يوليوز 1970 اختلفت وجهات نظر الدول الخمسة ، فالجزائر و ليبيا كانتا من أنصار التجربة الاشتراكية وهيمنة الدولة على كافة الأنشطة الاقتصادية ،متأثرين بالنموذج السوفيتية وتجربة أوروبا الشيوعية حيث ارتبطت معهم باتفاقيات تعاون اقتصادي وعسكري .
أما المغرب و تونس فقد أعربا عن عزمهما انتهاج الاقتصاد الليبرالي ودعم الرأسمالية الناشئة في وطنيهما منحازين بدالك إلى تجربة الغرب الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية مبرمين معهم اتفاقيات تعاون اقتصادي و عسكري .
وبدالك أدى هدا الخلاف إلى انسحاب الجزائر و ليبيا من اللجنة (3) التي لم يبق فيها الا
[17]
تونس والمغرب، واليوم تتفق كل دول المنطقة باستثناء تردد ليبيا على ضرورة انتهاج التوجه الليبرالي، لكن و اليوم وبعدما ا، عصفت رياح ثورة ليبيا بنظام العقيد معمر القذافي فان ليبيا الجديدة ستنظم من دون شك إلى ركب التوجه الليبرالي.
وهذا من شأنه أن يوحد أسواقهم ومفاهيمهم في التعامل الاقتصادي والتبادل التجاري.
أما من الناحية الثقافية (1) يمكن تقسيم دول الاتحاد إلى كتلتين أساسيتين الأولى تجمع أربع دول المغرب موريتانيا و تونس و الجزائر والثانية تجمع ليبيا منفردة، فالقاسم المشترك للدول الأربعة الأولى هي الحضور القوي للغة والثقافة الفرنسية في أوطانها ، فالفرنسية لغة شديدة الانتشار في هده الدول ، ولها مناصرون في الإدارة والجامعات و في قطاع التعليم وحتى عند السياسيين .
فالرئيس عبد العزيز بوتفليقة تحدث في قمة افريقية باللغة الفرنسية وكان على معمر القذافي أن يلتجئ إلى الترجمة، ليفهم ما يقوله نظيره الجزائري ، و لهدا فان ليبيا تبدو نشازا في المشهد الفرنكوفوني للمغرب العربي فالطلبة الليبيون مثلا لا يستطيعون دراسة كثير من العلوم في بقية البلدان الأخرى بسبب اللغة ، لان تكوينهما أساسا هو عربي انجليزي ، ليبيا تجد نفسها اقرب من الناحية الثقافية إلى المشرق العربي وخصوصا مصر ، و ليبيا في عهد معمر القذافي كانت تتميز باعتماد ادجيولوجيا بعيدة عن النهج اللبرالي الاقتصادي.
الذي تنهجه البلدان الأربعة و التي أجمعت على منهج التحرر الاقتصادي من جهة و التعددية الحزبية من جهة أخرى .
و تعتمد الدول الأربعة على صناديق الاقتراع و الانتخابات في حين تعتبر ليبيا ” أن التحزب خيانة ” وان، التمثيل النيابي ” تدجيل ” و مازالت الدولة فيها تسيطر على الاقتصاد .
ومن الواجب أن نؤكد أن العامل الأقوى في عرقلة مشروع بناء الاتحاد هو العامل السياسي ،حيث ظهر التناقض بين الاختيار الاشتراكي أو الرأسمالي ، و قد نظرت الرباط وليبيا بعين الشك لهذا التحالف حيث اعتبراه موجها ضديهما ، فردتا الفعل و أسستا الاتحاد العربي الإفريقي في غشت 1984 في مدينة وجدة ، لكن سرعان ما تفكك هذا الاتحاد سنة 1986 بانسحاب المغرب منه.
أما التجربة الأكثر جدية في تاريخ دول المغرب العربي المعاصر هي التي بدأت مع سلسلة اجتماعات لقادة هده الدول ،أهمها اجتماع مدينة مراكش الذي انعقد 17 فبراير 1989 و تبنى معاهدة المغرب العربي و أنشأ رؤساء الدول في يناير 1990 الأمانة الدائمة للاتحاد ، وأكاديمية العلوم وجامعة مغربية في يوليوز 1990 كما أنشأوا مصرف الاستثمار و التجارة الخارجية في مارس 1991 ، في هده الفترة انتعش اتحاد قليلا لكن سرعان ما تدهورت أوضاعه لعدة أسباب .
– استاءت ليبيا من عدم تضامن دول المغرب العربي معها في مواجهة الحصار الدولي الذي تعرضت إليه بسبب قضية لوكربي و اكتشف زعيمها أن إفريقيا السوداء اقرب إليه من العرب ومن دول المغرب العربي فأعلن خطابا معاديا للعرب و العروبة ، أما علاقة المغرب و الجزائر فقد وصلت إلى شبه قطيعة ،
– أما المغرب فقد اتهم بدوره الجزائر بكون مخابراتها العسكرية كانت مسؤولة عن تفجير فندق مراكش 1994 ،وفرض التأشيرة على الرعايا الجزائريين و ردت الجزائر الفعل بأن أغلقت حدودها رسميا مع المغرب إضافة لقضية الصحراء العالقة .
وعاد بعض الأمل لهدا الاتحاد بعد اجتماع لحنة المتابعة في الجزائر 17-18 ماي 1999 وذالك بغاية إنعاشه من جديد بعدما أوشك على الوفاة الطبيعية ، كما التقى وزراء الخارجية في 19-20مارس 2001 من أجل التحضير للقاء القمة ، غير أنه فشل في ذالك لسنة 2001 فتكررت المحاولة في 16-17 يناير 2002 ليحصل اتفاق على اجتماع قادة دول المغرب العربي في 21-22 ابريل 2000 لكن هدا الاتفاق لم يدم طويلا حيث أعلن الرئيس الجزائري عن تأجيل القمة لأجل غير محدد
وبعد 11 سنة من الركود الذي طال الجسم المغاربي، انعقدت يوم 18 فبراير 2012 بالعاصمة الرباط أشغال اجتماع مجلس وزراء خارجية دول اتحاد المغرب العربي في دورته الثلاثين، وجاء هذا الاجتماع بعد سلسلة من الإشارات التي أطلقت لتحقيق التقارب وتجاوز كل الإشكاليات التي أدت بسببها المنطقة المغاربية ثمن ركود اقتصادي ومعاناة اجتماعية أفرزتها خاصة العلاقات المتوترة التي طبعت المغرب والجزائر، وجاء اللقاء أيضا عقب توقيع المغرب والجزائر يوم17 فبراير2012 على اتفاقية للتشاور السياسي تتضمن رفع مستوى التعاون وتعميقه من خلال تنظيم آلية للتشاور بين البلدين في إشارة لوضع قضية الصحراء جانبا ، كما أن جولات الرئيس التونسي كلها تدعم أطروحة إحياء الاتحاد و عقد قمة مغاربية.
بيد أن التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الجزائري، مراد مدلسي، بخصوص عدم إمكانية عقد قمة مغاربية أجهضت آمال الرئيس التونسي منصف المرزوقي خصوصا، لكونه سبق أن قام بجولات عديدة في دول المغرب العربي الخمسة، بُعيد انتخابه رئيسا لتونس، من أجل بعث الحياة في هياكل الاتحاد المُجمَّد منذ سنوات خلت وأفصح مدلسي، في تصريحات قبل أيام قليلة لإذاعة الجزائر الحكومية، عن كون الشروط الضرورية لعقد قمة اتحاد دول المغرب العربي غير متوفرة في الوقت الحالي، خصوصا الشرط الأمني.
مؤكدا بأن الوضع الأمني السائد في المغرب العربي وفي الساحل لا يسمح بعقد قمة مغاربية (1) .
متى ستنعقد القمة ؟ الإجابة تقول عندما تتوفر شروط نجاحها وحتى تنجح هده القمة وتعيد الأمل إلى سكان المغرب العربي و جب الاهتمام أكثر بالجانب لاقتصادي و الثقافي و العلمي ….
المطلب الثاني :أنواع العوائق التي تواجه الاتحاد
كثيرة هي الأسباب والعراقيل التي حالت دون تحقيق هذا الحلم المغاربي الكبير،
وكما سبق أن أشرنا إليها سابقا ، فأننا سنحول أن نفصل فيها كل إشكالية و عائق على حدة مع التدقيق في كل عائق من اجل الوصول لأنواع هده العوائق التي تارة تدور بين ماهو واقعي و اديولوجي وشكلي يتعلق بوثيقة معاهدة اتحاد المغرب العربي .
الفقرة الأولى:اختلاف الأنظمة في بلدان الاتحاد
من أهم ما يفتت وحدتنا العربية وليس فقط اتحاد المغرب العربي الكبير، هي تلك الأفكار الاتحادية، والتي كانت رائجة في العالم العربي، وللأسف فهي لا ترى طريقها للتحقق لعدة أسباب.
اختلاف الأنظمة العربية الحاكمة، وتنامي الخلافات بين هذه الأنظمة، مما شكل إعاقة حقيقية للتوافق والوحدة، فهذه الأفكار تبقى دائما تفتقد إلى الجوهر الحقيقي للاتحاد، وتطغى عليها دائما مصلحة الحكام على مصلحة الشعوب
من جهة أخرى ظل المغرب العربي (2) يمر بأزمات كثيرة لا تقل عن كوارث الشرق العربي،فمنها مثلا: معضلة جبهة البوليساريو ،وجبروت العسكر في الجزائر، يضاف لهذا كله عجرفة الزعيم الليبي الراحل الذي كان دائما يغرد خارج السرب،وتم تعليل ذلك من طرف ليبيا ،بأن الإتحاد لا يمتلك القوة ولا الشجاعة في مناصرة من يقع عليه ظلم الغرب
إن ليبيا تعتبر أن الاتحاد تخلى عنها وعن مناصرتها ومساندتها في مواجهة الحصار الذي فرض عليها على خلفية اتهامها بالتورط في حادثة” لوكربي” وبه ، فقد اعتبرت أن مشروع الاتحاد المغاربي هو مجرد مؤسسة احتفالية تتيح لدول الاتحاد ووسائل إعلامها ترديد الشعارات المكررة المفرغة من محتواها، عن أهمية الوحدة والتكامل العربي وضرورتها، في حين أن هذا مجرد كذبة كبيرة.وضحك على الذقون .
الفقرة الثانية: حب ريادة الجزائر في شمال إفريقيا
[18]
ظلت الجزائر دائما مهووسة بفكرة لعب دور القائد في شمال إفريقيا ،ففكرة ذوبان الذات في اتحاد مغرب عربي كبير قادر على مواجهة التحديات ، سيحرمها من هذا الأمنية النرجسية ،وهذه الفكرة في الزعامة ، كانت كذلك هدفا طالما سعى إليه الزعيم الليبي “معمر القذافي” .
فحكام الجزائر وأمام الثروة النفطية الهائلة، مضوا في الجري خلف هذا الحلم وصدقوه ، وصارت عائدات النفط في هذا البلد الغني ،بدلا من استغلالها في مشاريع تنموية تخرج أبناء هذا الوطن من حالة الضنك وقساوة الحياة،صار جينيرالات هذا البلد يبذرونها(عائدات النفط) في شراء الأسلحة والمعدات الحربية لتتجاوز مصاريف شراء العتاد الحربي 16 مليار دولار .
إنه جنون التسلح وكأن إخواننا في هذا البلد الجار ،مقبلون على حرب عالمية منتظرة،أمام الغرور الذي أفرزه امتلاك السلاح المتطور صار جينيرالات الجزائر دائما يناورون ويستدرجون المغرب للدخول في حرب،بدل وضع اليد في اليد للاشتغال سويا في إطار من التعاون و من الوحدة .
لكن المغرب المتصف بالحكمة لم يجار هذه الحماقات ،لأنه اختار طريق السلم والتنمية والنهوض بأوضاع المواطنين وتطوير مؤسساته القانونية والتشريعية ،فكان الهدف الاسمي هو ترسيخ المنهج الديمقراطي وتمتيع مواطنيه بجملة من الحريات وغيرها من البرامج الاقتصادية والاجتماعية الهادفة.
الفقرة الثالثة :قضية الصحراء المغربية (1)
تعتبر معضلة كبيرة، أمام قيام اتحاد مغاربي عربي كبير، يستجيب لتطلعات شعوب ومواطني المنطقة، حيث أن المغرب الذي يشعر أنه مستهدف في وحدة ترابه من طرف أشقائه الجزائريين.
فالمغرب هنا يتهم الجزائر بتعنتها و باستمرارها في مساندة كيان مصطنع اسمه “جبهة البوليساريو” الساعية بدعم حكام هذا البلد إلى فصل المناطق الجنوبية الصحراوية عن تراب المملكة المغربية.وعن أسباب هذا التعنت الجزائري، فإننا نصل إلى العديد من الأسباب.
1- السعي للحصول على واجهة بحرية في المحيط الأطلسي على حساب المغرب
إن الجزائر تطمح في الهيمنة على الصحراء للوصول إلى المحيط الأطلسي لتصدير نفطها،
[19]
فكما هو معروف فإن النفط الجزائري ينبع من قلب جنوب الصحراء الجزائرية.و والجزائر هنا تتكبد خسائر كبيرة في نقل البترول الخام في اتجاه الشمال صعودا إلى البحر الأبيض المتوسط بخط يبلغ طوله 2000 كلم.
كما أن عملية النقل تتطلب كثيرا من الوقت حتى تصل إلى الموانئ التجارية في الشمال لبيعها إلى الاتحاد الأوروبي ما أن وجدت مشكل الصحراء حتى سارعت إلى دعم البوليساريو وبدالك تنفتح على المحيط الأطلسي لتشرع في تجارة النفط مع بلدان القارة الأمريكية و الولايات المتحدة الأمريكية ، وبدالك لن تعود تتكبد الخسائر التي كانت تتكبدها أثناء نقل البترول الخام من الصحراء إلى الموانئ ، وعند الانفتاح على المحيط الأطلسي نجد هذه الأخيرة قد تستفيد حيت أن خط الوصول من المناطق المنتجة للمحيط خط يبلغ طوله 300 كلم .
2 – عقدة حرب الرمال
نشأت هذه الحالة حينما طالب المغرب بالأراضي التي اقتطعتها فرنسا منه وضمتها لمستعمرتها في الجزائر مستندا لخارطة المغرب الكبير التي نشرها علال الفاسي في 7 يوليو 1956 والتي تستند في معطياتها على حقائق تاريخية ترجع إلى ما قبل الاستعمار الفرنسي للجزائر حينما كانت هذه الأخيرة تحت الحكم التركي .
لكن الجزائر تماطلت في الاستجابة لطلب المغرب معتبرة أن تلك الأراضي من مخلفات الاستعمار الفرنسي، وطالبت بعدم المساس بالحدود التي رسمها الاستعمار الأجنبي بالاستناد لمؤتمر “باندونك” المنعقد في 1956.وبعد هذا الموقف ظل المغرب متشبثا برأيه ، بعد هذا المعطى،جرى اجتماع على انفراد بين الملك “الحسن الثاني” والرئيس” أحمد بن بلا” و أثناء اللقاء طلب “بن بلا “من ملك المغرب أن يؤخر التباحث حول موضوع الحدود إلى حين استكمال الجزائر لإقامةَ المؤسسات الدستورية، وتسلُّمَه مقاليد السلطة بوصفه رئيسا الدولة الجزائرية المنتخب .
3- المصالح الغربية في عرقلة كل اتحاد عربي إسلامي.
يقول المثل الشائع وهو بعض من القرآن الكريم (1) :”لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم” إن اليد الآثمة اليهودية والغربية ظلت دائما ذاك المعول الذي يهدم ويفتت كل شكل من أشكال التوحد والإتحاد العربي
لأن وحدة المسلمين وتوحدهم يعني خراب لهم ،وبه فقد جندوا جواسيسهم وخبراءهم وعملاءهم من الخونة في أوطاننا ،لضرب كل شكل من أشكال اتحادات الأمة العربية والأدلة كثيرة ومتنوعة من أهمها .
[20]
حل إتحاد مصر وسورية ، واتحاد مصر والعراق وسورية ،وإتحاد الأردن والضفة الغربية الفلسطينية ،و مشروع اتحاد مجلس التعاون العربي ( مصر والأردن والعراق واليمن ) ووهن وتضعضع مجلس التعاون الخليجي القائم حاليا له ، يضاف زعزعة الإتحاد اليمني كذلك حاليا ، كل هذه الفرقة الأخوية جاءت بسبب تدخل المصالح الأجنبية وتربص إسرائيل بالعرب ،وبارتباط بعض الجهات الداخلية أو أنظمة الدول العربية بأنظمة أجنبية مختلفة ومهيمنة في إطار التبعية الاقتصادية.
وهذا ما حصل كذلك مع اتحاد المغرب العربي الذي لحد الآن لم يم يكتب له النجاح. .
الفقرة الرابعة: المركزية في اتخاذ القرار وعدم إشراك الشعوب في المشاريع الاتحادية
لعل من دواعي الفشل هي تلك المركزية المهيمنة في اتخاذ القرارات وعدم إشراك الشعوب في الإدلاء بالرأي والمشاركة في الحياة السياسية، ومن هنا نجد أن معظم المحاولات العربية في تشكيل أي اتحاد قد باءت بالفشل
والسبب يعود إلى العقلية التسلطية والديكتاتورية أحيانا والجامدة والغير منفتحة للحكام،إن غياب الديمقراطيّة وخنق الحرّيات والمضايقات على أحزاب المعارضة بما فيها الدينيّة ، وسيطرة الأحزاب الحاكمة على الحياة السياسيّة وتقزيم دور الجمعيات المدنية وعدم السماح للمواطنين بتكوين جمعيات أخرى مستقلّة سواء كانت خيريّة أو حقوقيّة أو علميّة أو ثقافيّة . يضاف له عدم إشراك المواطن في ووضع البرامج الطموحة والمخطّطات التنمويّة المستقبليّة الواعدة واتخاذ القرارات المصيريّة كل هذا يقبر الاتحاد.
إن مصالح بعض الحكام كانت دائما تطغى على المصلحة العامة لشعوبها ، مما أفرزت نوعا من الاحتقان والمقاومة التي تولدت نتيجة لعدم الاعتراف بقدرة المواطن العربي على العطاء، وصنع القرار،كما أن انعدام الشفافية وغياب فضاءات الحرية والديمقراطية كما أسلفنا،كلها ساهمت في فشل هذه المبادرات .لأن الاستراتيجيات والخطط صارت غير واضحة ،وما يقوم به الساسة لا يريده الرؤساء، وما يريده الرؤساء لا يريده الساسة والشعب مفعول به في كل الأحوال.
[21]
المطلب الثالث : نواقص معاهدة المغرب العربي
مما لاريب فيه أن معاهدة إنشاء اتحاد المغرب العربي قد شابتها مجموعة نواقص لا على المستوى القانوني و الأهداف و على مستوى الهياكل وبهذا فأننا سنحاول ان نفصل في كل هده الأمور في الفقرات التالية .
الفقرة الأولى: على المستوى القانوني
تسمح القراءة المتأنية بتحديد الطبيعة القانونية لاتحاد المغرب العربي (1) ، (هل يتعلق الأمر بمشروع فيدرالي؟ ) لا يظهر بتاتا أن المقاربة التي تم اختيارها مقاربة اندماجية و الحاجز الذي تصطدم به أمام الصلاحيات الدولية للدول الأعضاء يكمن في ضرورة عدم تعارض الإتفاقيات الدولية التي توقعها الدول الأعضاء مع أحكام معاهدة مراكش، من جهة أخرى لا يمكن اعتبار الاتحاد ذو ملامح كنفدرالية، بل قانونيا نجد فيه في نفس الوقت ملامح الاتحاد و المؤتمر، إلا أن الأمر يتعلق بأكثر من تحالف نظرا لكون الاتحاد يتوفر على جهاز تنفيذي و يعمل باسم المجموعة، ثم أن الاتحاد لا يفوض و لا يخول أية صلاحية لأجهزته، إنه لا يشكل مرحلة في إطار صيرورة الإدماج، أو خطوة تقربه من شكل الكونفدرالية .
بل أن تحليلا قانونيا لنص المعاهدة، و للقليل المتوفر من الممارسة يدفع إلى تحديد الاتحاد كمنظمة إقليمية فرعية، و كلمة الاتحاد نفسها تظهر كحل توفيقي بين دعاة الوحدة الشاملة الآنية و دعاة الإطار الوظيفي للتعاون المؤسساتي، هكذا يظهر الاتحاد في قاعدته كبنية و كأن الأمر يتعلق بتجميع لدول مستقلة و ذات سيادة كاملة، هذا الطابع واضح في الاتحاد نظرا لأنه يرتكز على اتفاقية متعادلة الأطراف و مفتوحة في وجه دول عربية و افريقية أخرى .
إن الطبيعة القانونية (2) الغير اللائقة لمعاهدة المغرب العربي هي نتيجة للريبة بين أعضائها و العقدة التي جعلتها تتوخى الحذر في المعاهدة مما حال دون رقيها إلى مستوى مشروع تكاملي إقليمي، و من أهم هذه النواقص القانونية هو نص المعاهدة في مادتها 6 التي تنص على الأخذ بقاعدة الإجماع كشرط لصدور قرارات الاتحاد، هذه القاعدة أصبحت متجاوزة عالميا لصعوبة التطبيق العملي لها ، و بالتالي فإن القاعدة حدت من سلوكات الاتحاد، حتى أن المعاهدة تشترط في رد العدوان الواقع على إحدى دول الاتحاد صدور الإجماع، لدرجة أنه إذا امتنع عضو عن الحضور فعليه تفويض عضو من الجماعة التي ينتمي إليها في المجلس للقيام مقامه في تكريس واضح لقاعدة الإجماع في اتخاد القرارات .
[22]
هذا مع علم دول اتحاد المغرب العربي المسبق بحكم عضويتها في الجامعة العربية أن قاعدة الإجماع عطلت الجامعة و حولتها جسدا بدون روح، ومما زاد المعاهدة نقصا هو اشتراطها في المادة 18 موافقة كافة الأعضاء على أي اقتراح لتعديل أحكام المعاهدة، ولم يؤخذ اقتراح الجزائر استبدال قاعدة الإجماع بمبدأ الأغلبية على محمل الجد حيث ضل هذا الاقتراح حبيس رفوف اللجنة الفنية.
و إجمالا عند القراءة الأولية لنص المعاهدة، نكتشف أن هناك نوعا من الاقتضاب حيث أنها لا تقدم تفصيلات و توضيحات مقنعة حول طبيعة عمل أجهزة الاتحاد و القواعد التي تسير عليها من حيث الاجتماعات الدورية و الاستثنائية، كذلك في ما يخص آليات عمل الاتحاد، و هكذا وبمقارنة بسيطة مع معاهدة روما المؤسسة للجماعة الأوروبية نلاحظ أن هناك اختلافا شاسعا بينهما، فمعاهدة روما تكونت من 248 فصلا مبوبة إلى 16 بابا، و 10 أقسام موزعة على 17 فصلا، مضافا إليها 4 ملاحق و 13 برتوكولا و 9 تصريحات، كل هذا في 334 صفحة شملت كل صغيرة و كبيرة تهم أجهزة الجماعة الأوروبية.
في حين أن معاهدة المغرب تكونت من 19 مادة(1) تم فيها الإعلان عن وضع الأهداف وتصنيف عناصر السياسة المشتركة في الميدان الدولي وميادين الدفاع والاقتصاد والثقافة، كما تم وضع الأجهزة المشتركة المكونة من مجلس الرئاسة ومجلس رؤساء الحكومات ومجلس وزراء الخارجية ولجنة المتابعة واللجان الوزارية المتخصصة، ثم الأجهزة الاتحادية المتفرغة أو شبه المتفرغة، وهي الأمانة العامة ومجلس الشورى والهيئة القضائية، كما تم الحديث المعاهدة عن التضامن ضد العدوان والأمن الداخلي، كما تم الحديث عن عقد اتفاقيات مع أطراف أخرى و يمكن القول أن هذا الاقتضاب في عدد المواد، هو نتيجة لانعدام حسن النية بين الأعضاء، لقد كان مقصودا تجنب الأجهزة المعقدة و تركها مرنة و الاتكال على الممارسة و خاصة إرادة السلطات الحاكمة.
الفقرة الثانية: على مستوى الأهداف
إن الباحث في نص المعاهدة يكتشف أن لغتها و مصطلحاتها يغلب عليها طابع التعميم(2)، و هناك غياب أو قلة الدقة و الضبط في المصطلحات و ليس في المعاهدة أي تخصيص لأجل محدد ووسائل معينة لتحقيق أهداف مسطرة، و مثال على ذلك المادة 2 المتعلقة بالأهداف، اذ تم الاقتصار على التنصيص على تحقيق التقدم و رفاهية مجتمعاتها و الدفاع عن حقوقها…فالمعاهدة عموما لم تتعرض للجوانب التطبيقية في ما يجب لها من مراحل زمنية ووسائل إنجاز تلك الأهداف، لم تضع في حسبانها مرحلة الانتقال و التدرج من الأوضاع القائمة إلى الأوضاع الجديدة المتوخاة من الاتحاد[23]
تميزت معاهدة مراكش بعمومية أهدافها إذ مثلا لم تشر في نصوص موادها الثانية و الثالثة المتعلقة بأهداف الاتحاد إلى وحدة جمركية و اقتصادية إنما اقتصر نص المعاهدة على عبارات عامة حول التعاون الاقتصادي و السياسي المشترك، فالمعاهدة تميزت بالطغيان في السيادة و التواضع في الأهداف كما طغى العامل السياسي على الاقتصادي .
لدرجة أن المعاهدة لم تحدد حتى مفهوم المغرب العربي و لا حدوده الجغرافية، حتى أن صفة العربية لم تعتبر ميزة خاصة أو معيار قبول أو رفض عضوية دول أخرى، فتنص المادة 7 من المعاهدة على أن” الدول الأخرى المنتمية للأمة العربية وإلى المجموعة الإفريقية يمكنها أن تنضم لهذه المعاهدة إذا قبلت الدول الأعضاء” .
الفقرة الثالثة: نواقص على مستوى الهياكل(1)
نلاحظ أن هيكل الاتحاد يضم ثلاث سلطات متميزة .
السلطة تنفيذية يمثلها مجلس الرئاسة ومجالس الرؤساء متعددة الأغراض
و سلطة تشريعية يمثلها مجلس الشورى، هذا الأخير لا يشكل في الحقيقة برلمانا بقدر ما هو هيئة استشارية فقط، و عليه يبقى هذا الجهاز ناقصا و عاجزا عن وضع قوانين و دراستها لما يخدم مصلحة شعوب الاتحاد، و يعاب على هذا المجلس أيضا أن أعضائه ليسوا منتخبين بل يتم تعيينهم من طرف الحكومات.
السلطة القضائية تختص فقط بالنظر في المنازعات الناشئة عن الاتفاقيات المبرمة في إطار المعاهدة المنشئة للاتحاد إذ لا يحق للأفراد التقاضي أمامها، مما يغيب البعد الشعبي للهيئة و يجعلها ناقصة الاختصاص في حماية حقوق الأفراد و الشعوب، و هذا عكس ما نلاحظه مثلا بالنسب لمحكمة العدل الأوروبية التي يحق للأفراد التقاضي أمامها.
الأمانة العامة و هي جهاز يتفرغ لإدارة شؤون الإتحاد اليومية و الإشراف عليها (المادة 17 ….)، و لقد حدث خلاف بين أعضاء الاتحاد حول مقر الأمانة العامة، ولعل السبب في ذلك يعود بالخصوص إلى أزمة الثقة بين الأعضاء و الناتجة عن غياب حسن النية و الخشية من إمكانية تأثير دولة المقر على هذا الجهاز، إن عدم منح الأمانة العامة سلطات حقيقية و استقلالا عن أعضاء الاتحاد في حدود قانونية معينة يفقده الصفة التمثيلية و حرم الاتحاد من شخصية قانونية خاصة به في مواجهة كل الدول الأعضاء و كذلك العالم الخارجي.[24]
و كمثال على ذلك نشير إلى المفوضية الأوروبية التي تقوم بضمان احترام قوانين الجماعة الأوروبية و التخطيط للسياسات العامة للاتحاد الأوروبي، و أيضا طرح المبادرات أمام المجلس الأوروبي و مجلس الوزراء و أيضا تضطلع بتنفيذ مختلف القرارات الصادرة عن مؤسسات الاتحاد وكل هذا يغيب عن الأمانة العامة في اتحاد المغرب العربي.
غياب أجهزة مشتركة ذات سلطة تقريرية مستقلة يمكنها أن تسهر على المصالح الخاصة بالاتحاد في النص الأولي للمعاهدة، يعكس عدم الاستعداد لدى الأعضاء المغاربيين الخمسة للتنازل عن سيادتهم فالمصالح المغاربية تأتي بعد المصالح الوطنية التي يدافع عنها المجلس السياسي و هي الهيئة الوحيدة المؤهلة التي يتخذ من خلالها رؤساء الدول قراراتهم، وهو ما اعتبره بعض المحللين على أنه نقل لظاهرة المنفرد بالسلطة من سياق داخلي إلى سياق دولي ، وقد خلقت هذه القراءة عدة انتقادات اتجاه المنظمة التي اعتبرت كناد منغلق لرؤساء الدول، يجتمع كل سنة ( المادة 5).
كذلك فإن هذه الأجهزة تظل تابعة بالكامل لزعماء الدول الخمس(1)، و لا تتمتع بأي مبادرة من حيث اتخاذ القرارات ولا من حيث التنفيذ، و تعتمد بالكامل على استمرار التفاهم على مستوى الرؤساء لالتزامهم بالتنفيذ، كذلك تفتقر الأجهزة لأي سلطة مستقلة عن الدول الأعضاء فهي لا تتمتع فقط بسلطات فوق الدول بل حتى لا تتمتع بسلطة مستقلة بين الدول، كذلك يفتقر الجهاز لآليات التنفيذ من تم فأن عملية تنفيذ أي مقترحات أو قرارات تبقى رهينة إرادة الدول الأعضاء.
أيضا هناك غياب سلطة عليا تلزم كل الأعضاء على الامتثال لبنود المعاهدة، و في غياب سلطة فوق وطنية فالعلاقة بين هذه الدول الأعضاء تبقى رهينة لإرادات الطبقات الحاكمة، و أيضا في كثير من الأحيان لإرادات خارجية.
1- على مستوى التوصيات:(2)
التوصيات في اتحاد المغرب العربي هي تعبير عن وجهة نظر في مسألة معينة أو نصيحتها بخصوص موضوع معين، دون أن تتضمن هذه الدعوة معنى الإلزام و لا ترتب مسؤولية على دول الاتحاد إنها فقط تتمتع بقيمة أدبية، وترفع هذه التوصيات لمجلس الرئاسة من طرف مجلس الشورى الذي يميز بين هذه التوصيات ما يراها تحقق أهداف و تعزز عمل الاتحاد
[25]
وغالبا ما يتم رفع هذه التوصيات (1) في صورة بيانات سياسية بهدف تنبيه مجلس الرئاسة، و في بعض الأحيان على شكل آراء و بالتالي فهي ذات طابع استشاري محض.
ثم أن الهيئة القضائية التي هي بمثابة المستشار القانوني يلجأ إليها مجلس الرئاسة اختيارا فقط، و ليس من حق الأجهزة الأخرى التي هي أيضا في حاجة إلى توضيحات قانونية استشارية، و بالتالي ترك الاستشارة مقصورة على مجلس الرئاسة، في مقابل ذلك نرى أن المادة 96 من ميثاق الأمم المتحدة نصت على أن يحق لمحكمة العدل الدولية أن تصدر رأيا استشاريا في أية مسألة قد تعرضها عليها الجمعية العامة أو مجلس الأمن أو لسائر فروع الهيئة أو وكالاتها المختصة.
كما أن المعاهدة تميزت بتعقد مسطرة اتخاذ القرار من مجلس الرئاسة، حيث تنص المادة 12 على أن المشاريع المعدة من طرف اللجان الوزارية المتخصصة يجب أن تعرض أولا على مجلس الشورى لإبداء الرأي فيها ثم بعد ذلك تنتظر هذه المشاريع اجتماع مجلس الرئاسة في دورته العادية لإقرارها.
2- على مستوى إصدار القرارات(2)
تنص معاهدة إنشاء المغرب العربي على ضرورة أن تعرض الاتفاقيات على الدول الأعضاء أولا لإقرارها و هذه السلطة هي فقط موكولة لأعلى جهاز وهو مجلس الرئاسة، لأنه صاحب الاختصاص العام، كما أن هذا المجلس هو الذي يحتكر سلطة التصديق على النظام الأساسي لمجلس الشورى المغاربي و التصديق على ميزانية هذا الأخير.
كما أن إصدار القرارات التنفيذية في مجال المنازعات السياسية الدولية هو محظور على الاتحاد فالدول أصرت على الاحتفاظ بسيادتها الكاملة في هذا المجال، وبالتالي فليس للاتحاد المغاربي اختصاص سياسي، يتمتع فيه بإصدار قرارات تنفيذية ملزمة.
وعلى المستوى الداخلي فإنه لا يسمح بتطبيق القرارات الصادرة عن الاتحاد على المستوى الوطني إلا إذا صدرت في شكل تشريعات داخلية، وذلك حرصا من الدول الأعضاء على سيادتها و بالتالي فإن هذا القيد حد من سلطات الاتحاد و أضعف من فعاليته.
[26]
كذلك فإن معاهدة اتحاد المغربي أقرت ضمنا على أن هناك قدرا من السلطات لا يحق للاتحاد التدخل فيه و هو الشأن الداخلي للدول الأعضاء، عكس منظمة الأمم المتحدة و الاتحاد الأوروبي اللذان لهما الاختصاص التدخل في المسائل المتعلقة بانتهاك حقوق الإنسان.
[27]
: الفصل الثاني
مستقبل الاتحاد بعد الربيع المغاربي وآليات تفعيله
المبحث الأول :الاتحاد و الربيع العربي أية آفاق
سنحاول أن نستعرض في هذا المبحث الأحداث التي عرفتها المنطقة المغاربية ( الربيع العربي ) وحصول تغيير جذري في الأنظمة واثر ذالك على مستقبل الاتحاد لنصل بذالك إلى الآليات التي عن طريقها يمكن للاتحاد المغرب العربي ،أن يقوم بالدور الذي أنشئ من اجله ، مع الإشارة إلى بعض المقترحات والحلول التي من شأنها أن تساعد تحقيق الاندماج الاقتصادي والوحدة المغاربية على جميع المستويات و الأصعدة.
المطلب الأول :ماهية الربيع العربي
الغرب هو من أطلق مصطلح الربيع العربي على الأحداث التي جرت في المنطقة العربية بدءَاً بتونس ، حيث كانت صحيفة الاندبندنت البريطانية أول من استخدم هذا المصطلح. وقد يكون لذلك علاقة بثورات الغرب عبر تاريخه التي تعرف هي أيضاً بثورات الربيع الأوروبي. وهنا لا بد من الوقوف على طبيعة وملامح وخصوصيات أحداث الربيع العربي من حيث الأسباب والتباين والتشابه، وذلك بهدف التعرف على طبيعة هذا المفهوم، وتحديد ما إذا كان يندرج بالفعل ضمن نطاق ” الثورات ” أم ينصرف عند تحديده إلى مجرد حركات احتجاجية. فمنذ اندلاع تلك الأحداث احتدم الجدل على الساحة العربية والعالمية حول هذه النقطة ولما يزل.
المفكر والأكاديمي، وزير الثقافة الفلسطيني الأسبق الدكتور إبراهيم أبراش (1) يرى” أن الثورة فعل جماهيري شامل، فحين تتأزم الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتصبح أحوال الناس لا تطاق، وعندما تتباعد الشقة ما بين الحكام والجماهير وتغيب وسائل التعبير السلمي عن المطالب لا تجد الجماهير أمامها إلا التحرك لتغيير الأوضاع تغييراً جذرياً. فبعض الثورات تكون سلمية ولا يراق بها الدم، فتنعت بأسماء دالة على ذلك كالقول بالثورة البرتقالية، وثورات أخرى ارتسمت بالدموية كالثورة الفرنسية، المشهد الذي جرى في مصر وتونس يرقى إلى مستوى العمل الثوري”.
وحسب رأي الباحث في مؤسسة الأهرام المصرية سامح راشد (2) ” فإنه يمكن القول إن الغالب على موجة الاحتجاجات العربية أنها احتجاجات
[28]
ثورية وليست مجرد مطالب جزئية أو انتفاضات مؤقتة. إذ تنطلق تلك المقومات للحالة الثورية على كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، أما في الدول العربية الأخرى فهي اقرب الى حالات احتجاج، كما هي أقرب إلى الحركات المطلبية الجزئية منها إلى الخصائص الثورية الشاملة. إن ذلك التوصيف يتعلق بمشهد متحرك وحيوي، أي يظل مرناً وقابلاً للتعديل بحسب تطور الأحداث والتفاعلات داخل كل حالة، وفقاً للتفاعلات بين دواعي الاحتجاج وطريقة التعامل معها والعوامل الحاكمة لصيرورتها.
ويتساءَل الدكتور أمل حمادة (1) أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة” هل نحن بحاجة لإعادة تعريف الثورة؟، ويجيب: نحن نحتاج لتعريف يرى في الثورة عملية تحول مجتمعي وسياسي واقتصادي، ويرى في نخبتها الجديدة غير المركزية وغير الإيديولوجية وغير المؤسسة فرصاً اكبر في مشاركة الجماهير في اختيار نظامها الجديد. نحتاج لتعريف يرى الظاهرة ثورة وليس اللحظة فقط . ويرفض في الثورة استثنائية قوانينها وإجراءاتها ومؤسساتها، ويؤكد في المقابل مبدأ القانون واحترام حقوق الإنسان لكل المواطنين، دون أن يكون لقناعاتهم السياسية والدينية والاقتصادية تأثير في مواطنتهم”.
ولمزيد من التحديد يقتضي الأمر الغوص في العمق أكثر لتحديد طبيعة أحداث ” الربيع العربي”، وهذا يتطلب التوقف عند الأسباب، وهي متشعبة، بل ومتعددة منها ما هو تقليدي، ومنها ما هو مستجد (2). ولعل في مقدمة هذه الأسباب ما يمكن تسميته بالجمود السياسي حيث تشترك غالبية الدول العربية بالجدب السياسي” وعدم ممارسة الديمقراطية الحقيقية، وأهم معانيها تبادل السلطة والتعددية السياسية. وهذه الحقيقة لا يمكن تغطيتها بالانتخابات الشكلية والحياة النيابية المقيدة، التي يشوب انتخاباتها الشك بنزاهتها ومدى تعبيرها عن نبض الشارع. ثمة قوى سياسية في بعض الدول العربية تحظى بهامش حرية نسبية، ولكن بالمحصلة لا يوجد تداول للسلطة. وأدى ذلك الى فقدان الأمل في أي تحسن أو تغيير في ظل تلك الأنظمة التي كانت مهيمنة في بلدان الربيع العربي.
أما العامل الاقتصادي، فهو أكثر أهمية من سابقه، إن يكن المحرك الأهم لأحداث الربيع العربي. فالدول العربية هي الأعلى على المستوى العالمي بمعدلات البطالة على سبيل المثال، والتي تصل معدلاتها الى نسب مخيفة بواقع (25%) من مجموع القوى العاملة.
كما تعاني الدول العربية في مجملها من ضعف اقتصادي، والنتيجة المترتبة على ذلك، انخفاض مستوى معيشة المواطن وتراجع الخدمات الأساسية التي يتمتع بها.
[29]
وبالتالي زيادة معدلات الفقر والبطالة وتراجع مستوى التعليم. وحسب رأي وزير المالية الأردني الأسبق الدكتور محمد أبو حمور (1) فإن ارتفاع معدلات الفقر والبطالة بين الشباب العربي كانت من الأسباب الرئيسة لحدوث الربيع العربي، يضاف الى ذلك ضعف المساءلة والشفافية واستشراء الفساد وانخفاض التجارة البينية والاستثمارات العربية داخل الوطن العربي وغياب العدالة في توزيع الثروات”.
ومن الظواهر المهمة التي لفتت إليها تحليلات أستاذ الاقتصاد في جامعة كولومبيا الأمريكية الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد (2001) جوزيف ستيجلتز على سبيل المثال، ما أشار إليه من تداعيات سلبية للعولمة على المساواة أو العدالة بين الدول وبداخلها . فقد أشار ستيجلتز(2) إلى أن العولمة المبنية على النموذج الرأسمالي تفرز وتُكرّسْ العديد من الظواهر الاقتصادية التي يصفها بأنها غير مقبولة أخلاقياً وغير مستدامة سياسياً، فيما يشبه النبوءة لقيام الموجة الحالية من الثورات التي كان فقدان شرعية نظمها مرتبطاً في احد أبعاده بالشعور باختطاف الدولة واستخدامها لصالح فئات ومصالح محدودة مع إهمال السواد الأعظم من مواطنيها .
وفي إطار الحديث عن محركات أحداث الربيع العربي لا يمكن إغفال ما يمكن تسميته بالاستقطاب الاجتماعي ببعديه الاقتصادي والثقافي وحتى المذهبي في الواقع العربي الراهن. فقد شهدت الدول العربية أخيراً تكريس الفجوة الاجتماعية بين طبقات المجتمع وشرائحه، سواءٌ الفجوة بمعناها الاقتصادي.
ولا يمكن التغاضي بالطبع عن التحولات الكبرى التي شهدها العالم في ميدان تكنولوجيا الاتصال، وأثرها البالغ في أحداث الربيع العربي ، فقد كانت سهولة الاتصالات سبباً أساسياً في تسهيل اندلاع التحركات الشعبية والاحتجاجات في المنطقة العربية، فالتعرف لحظياً على ما يجري في اصغر قرية في أبعد دولة بالعالم، أو ما يحدث في قرية مجاورة كان كافياً لتأجيج مشاعر الغضب والاحتقان لدى الشعوب العربية أولاً بسبب المقارنة مع دول متحضرة ينعم الإنسان فيها بالكرامة والحرية، وثانياً لأن الإنسان العربي أصبح على علم بما يتعرض له مواطنوه في مكان قريب منه.
[30]
[31]
فقد شهدت السنوات الأخيرة تطوراً مذهلاً في الأدوات الحديثة للتعبير والتواصل والتفاعل مثل المواقع الالكترونية والشبكات الاجتماعية للتواصل ( الفيسبوك والتويتر )، حيث أصبح الفضاء الالكتروني ساحة كاملة للحوار، وفي نفس الوقت أداة للتغيير والاحتجاج، بل وللتنسيق في التحرك وتنظيم الاحتجاجات. وهنا لا يمكن إغفال تأثير التركيبة الجيلية للشعوب العربية، فالشريحة العمرية من (15-40) عاماً أصبحت هي الغالبية العظمى في التركيبة السكانية لمعظم الدول العربية، الأمر الذي جعل الانفجار أكثر سهولة، ثم جعل الحركة والمطالب أسرع. فضلاً عن الفجوة الذهنية بين النخب الحاكمة التي تبدأ أعمارها عادة فوق الخمسين والشعب الذي أصبحت غالبيته من الشباب وتفكيره أكثر انفتاحاً وانطلاقا من قدرة الأنظمة على الاستيعاب والتعامل. ما حدث هو تفاعل اجتمعت فيه الأسباب التقليدية مع المستجدات السريعة المتغيرة فحدث الانفجار بشكل غير متوقع وغير محسوب.
وعودة إلى التساؤل: هل أحداث الربيع العربي ثورات أم احتجاجات مطلبية؟
يمكن القول أن هذه الأحداث تحمل سمات الثورات من جانب كما تحمل في الوقت ذاته عناصر الانتفاضات المطلبية المستمرة. فالثورات وحسب تجارب الماضي البعيد والقريب عادة ما تكون لها قيادات منظمة ذات رؤى وأهداف سياسية وفكرية موحدة أو متقاربة على الأقل، وهذا ما لم تتميز به أحداث الربيع العربي، حيث اكتسبت التحركات زخماً جماهيرياً هائلاً ولكن من دون قيادة موحدة، وهذا بدوره سهّل على القوى السياسية المنظمة في المجتمع مثل الإخوان المسلمين من ركوب الموجة لاحقا .
لكن بالمقابل فإن الظروف الاقتصادية الصعبة واتساع الفجوة بين الحاكم والمحكوم والجمود السياسي، هي عناصر رئيسة محركة للثورات والانتفاضات المطلبية، وهذه الأسباب توفرت الى حدَّ كبير في بلدان الربيع العربي. وقد تضافرت معاً وأدت الى اندلاع أحداث الربيع العربي.
أما عناوين هذه المرحلة فهي المطالبة بالديمقراطية والكرامة، ومعالجة قضايا الفقر والبطالة، وتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص. وفي هذا السياق من الضروري الإشارة إلى حالة الفوضى التي ما تزال تكتنف بعض دول الربيع العربي، وهذا أمر طبيعي في ظل انهيار القبضة البوليسية ، وإتاحة الفرصة لجميع مكونات المجتمعات للتعبير عن ذاتها، وعدم وجود قوى سياسية مجتمعية قادرة على الحسم
[32]
وقد يستمر ذلك إلى فترة من الزمن يصعب تقديرها حتى تتضح الأمور، وتستتب الأوضاع، لكن العودة إلى الوراء في ظل صحوة الشعوب إلى أنظمة الاستبداد والفساد باتت من الماضي .
فبعد أن خضنا في غمار إعطاء تفسير حول ماهية الربيع العربي، فإننا سنحاول بعد ذالك أن نفصل في وضعية اتحاد المغرب العربي ، بعد هذه الثورات التي أسقطت حكام سكنوا في سدة الحكم لعقود ، والذي انطلقت شرارته من تونس(1) ثم ليبيا (2)… احد دول الاتحاد الخمس. لنربط هذه التحولات بل التغيرات الجذرية بمستقبل اتحاد المغرب العربي.
وهذا هو ما سنحاول بطبيعة الحال أن نتكلم عنه جملة وتفصيلا في المطلب الثاني.
[33]
المطلب الثاني:مستقبل الاتحاد بعد الحراك المغاربي (الربيع العربي)
يواجه مستقبل اتحاد المغرب العربي ثلاث سيناريوهات (1)خصوصا بعد التحولات التي عرفتها المنطقة، وبهذا سنحاول أن نفصل في كل سيناريو من جهة لنضع بدالك جميع الاحتمالات التي يمكن أن تقع في الغد القريب أو المستقبل البعيد.
الفقرة الأولى:السيناريو الأول
السيناريو الأول هو سيناريو الجمود، بل ربما المزيد من التجزئة والتفكك وهذا السيناريو مرتبط بدرجة أساسية بتوتر العلاقات المغربية الجزائرية على خلفية مشكلة الصحراء فمن المعلوم أن المغرب تقدم بمقترح منح الحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية وهو ما يعني الاستعداد المبدئي للتنازل عن صلاحيات واسعة لفائدة الصحراويين لإدارة شؤونهم المحلية
وهي صيغة قريبة من مطلب الاستقلال لكنها بعيدة في نفس الوقت عن مطلب الانفصال وستحفظ ماء الوجه للجميع لأن نظام الحكم الذاتي يتجاوز مطلب الإدماج البسيط الذي كان يرمي إليه المغرب كما يتجاوز مطلب الانفصال والاستقلال النهائي الذي تتمسك به جبهة البوليساريو مدعومة بالجزائر
المغرب يسعى من خلال هذا المقترح إلى بسط سيادته المعنوية على الأقاليم الصحراوية مع التنازل عن جزء معتبر من السلطة المركزية، وهو أقصى تنازل يمكن أن يقدمه المغرب بالنظر لارتباط قضية الصحراء بإجماع وطني راسخ بل وارتباطها أيضا بشرعية النظام السياسي المغربي، فالملك هو المسؤول دستوريا عن وحدة البلاد وهو الضامن لدوام الدولة واستمرارها في دائرة حدودها الحقة.
اليوم، تبذل الدبلوماسية المغربية جهود الفرصة الأخيرة لإقرار نظام الحكم الذاتي للصحراويين كحل دائم ونهائي، وفي حال تعثرها فستشهد المنطقة المزيد من الانكشاف أمام استراتيجيات أخرى، إما في اتجاه: – تأبيد الصراع والمزيد من إنهاك الأطراف المتنازعة، أي استمرار وضع لا غالب ولا مغلوب، واستمرار قوى أخرى في كسب المزيد من التنازلات أمام إصرار بعض الأطراف على الزعامة الإقليمية في المنطقة. أو: – التدخل لحسم النزاع لصالح الطرف الذي يقدم أكبر قدر من التنازلات ويتناغم مع المصالح الإستراتيجية للدول الكبرى
[34]
وهنا يمكن أن نفهم حجم الاستنزاف الحاصل في الموارد الطبيعية للمنطقة (النفط الجزائري والثروة السمكية المغربية….) من جراء العديد من الاتفاقيات المجحفة.
الفقرة الثانية:السيناريو الثاني
هو سيناريو التنسيق والاندماج وهو سيناريو مفتوح على أمل بعث الروح في مؤسسات المغرب العربي والبحث عن صيغ جديدة لإحياء مقومات تكتل إقليمي قوي قادر على الاستجابة لتطلعات وآمال شعوب المنطقة.
هناك عدة أسباب تدعو للإسراع من أجل إنجاز هذا التحول.(1)
السبب الأول: هو أن دينامية الربيع العربي أحدثت تحولات عميقة في المنطقة، من أبرزها سقوط نظام معمر القذافي الذي كان من أبرز داعمي أطروحة الانفصال في الجنوب المغربي، وبروز قوى سياسية جديدة مستعدة للتفاعل مع استحقاقات الاندماج المغاربي بنفس إيجابي، بالإضافة إلى التحولات الجارية في تونس والتي أفرزت نخبة سياسية جديدة متحمسة لخيار الاتحاد المغاربي، رغم أن إكراهات المرحلة الانتقالية لازالت تعوق مسيرة التحول السياسي في تونس .
ورغم أن الوضع لم يستقر بشكل نهائي في ليبيا، بينما تبدو الجزائر غير معنية بما يجري حولها من تحولات سياسية، فيما يعيش المغرب تحولات سياسية جزئية وهادئة، لكنها متحمسة لخيار الوحدة المغاربية، أما موريتانيا فلازالت صورة التحول الديمقراطي فيها أكثر ضبابية، لكنها على العموم لم تقف عائقا أمام الاندماج المغاربي .
السبب الثاني: أن التكتلات الكبرى أصبحت من سمات الاندماج في العالم المعاصر الذي تتحكم فيه آليات العولمة وانخراط دول العالم في سياق اقتصادي واحد مما يعني أن التكتل أصبح ضرورة حتمية ومن مستلزمات الانخراط الفعال في النظام الاقتصادي العالمي.
السبب الثالث: أن انخراط دول المغرب العربي في اتفاقيات الشراكة الأورو متوسطية وفي اتفاقيات التبادل الحر مع دول كبرى بشكل منفرد من شأنه أن يزيد في إضعاف اقتصاديات دول المنطقة، وهو ما يفرض عليها التنسيق والاندماج لتحصيل أكبر قدر من المكاسب والنتائج الإيجابية وتعزيز قدرتها التنافسية وموقعها التفاوضي أمام التكتلات الاقتصادية القوية المحيطة بها.
[35]
وهناك أسباب أخرى واقعية تدعو دول المنطقة للتنسيق والاندماج، وبلورة سياسات مشتركة لمواجهة العديد من التحديات المرتبطة بالأمن والهجرة والتصحر وفق رؤية مغاربية تراعي بالدرجة الأولى مصالح شعوب المنطقة.
فإذا أخذنا إشكالية الأمن في المنطقة على سبيل المثال، فلا يمكن أن نراهن على الانطلاق من نظرة قطرية ضيقة تركز على أمن كل قطر مغاربي على حدة في إطار حدوده السياسية الحالية، وبالنظر إلى التزاماته السياسية وارتباطاته الإقليمية فقط، ذلك أن أقطار المغرب تواجهها تحديات أمنية واحدة، ولا يمكن تصور أمن أي قطر مغاربي بمعزل عن أمن الأقطار المغاربية الأخرى .
طبعا هناك مفهوم وطني للأمن يرتبط بواقع التجزئة إلى أقطار عربية مستقلة ذات كيانات متميزة، وما يتعلق بذلك من حدود وارتباطات دولية وسياسية خارجية، لكن واقع التجزئة عليه أن لا يلغي ضرورة التفكير في بلورة رؤية مغاربية موحدة لمفهوم الأمن، لأن من الخطأ الاعتقاد بأنه يمكن لأي دولة في المغرب العربي أن تحقق أمنها بمعزل عن أمن الدول المجاورة.
وهذه النتيجة تشهد بها الأحداث الجارية في المنطقة ومن أبرزها ما يقع في جنوب الساحل والصحراء، ومن أبرز تجلياته ما يقع اليوم في مالي(1). وفي هذا السياق فإن العديد من التقارير المطلعة تشير إلى أن بعض الجماعات المسلحة تنشط بشكل مثير في منطقة الساحل والصحراء مستفيدة من ضعف التنسيق الأمني بين الرباط والجزائر وموريتانيا ودول جنوب الصحراء .
الفقرة الثالثة :السيناريو الثالث
هو سيناريو إنجاز الوحدة المغاربية. طبعا ليس هناك ما يؤشر على قرب إنجاز هذا التوقع في الوقت الراهن، وبالتالي فهو سيناريو بعيد المدى. لكن مشروعية طرحه كسيناريو من بين السيناريوهات المتوقعة نابع من الفرضية التالية.
كلما ارتفعت مؤشرات التقارب بين الأنظمة وشعوب المنطقة، ونجحت محاولات التطور الديمقراطي لتحمل إلى الحكم أنظمة تحظى بالشرعية والديمقراطية، كلما نجحت جهود بناء المغرب العربي الكبير. وفي هذا السياق يمكن القول بأن الإخفاق في بناء المغرب العربي راجع بالدرجة الأولى إلى العامل السياسي وإلى طغيان الحسابات السياسية للأنظمة المفتقرة للشرعية على حساب تطلعات الشعوب وطموحاتها.
[36]
وهنا وجبت الإشارة إلى جمود الوضع في الجزائر من الناحية الديمقراطية وهو ما يزيد في تأزم الوضع في المنطقة، إلا إذا كان الربيع العربي لم يكمل دورته بعد ولم يقل كلمته النهائية في المنطقة..فتلك قصة أخرى .
وفي حوار مع لويس مارتينيز(1)، الباحث بمركز الدراسات و البحوث في باريس و الاختصاصي في الشؤون الجزائرية و الليبية، عندما سئل عن وجهة نظره في المغرب العربي في أفق 2030 قال” إن السيناريو الأكثر تحققا و تفاؤلا لوضعية المغرب العربي سيكون كالأتي: نجاح الانتقال الديمقراطي و الانتخابات ستكون سليمة و قانونية و ذات مصداقية، و السلطة ستصبح شرعية و الاندماج سيعرف تقدما “.
وفي حوار أجراه الرئيس الجديد لتونس الدكتور المنصف المرزوقي(2) بتاريخ 20 يناير 2012، اعتبر أن السنة الحالية ستكون سنة المغرب العربي الكبير وأنه لا مستقبل للمنطقة دون الوحدة، وقال إن من شأن ذلك أن يساهم في حل قضية الصحراء التي اتفق الجميع اليوم على تركها جانبا ورفض أن تكون عقبة أمام الاتحاد. وأضاف أنه دائما كان يقول إن مستقبل تونس ليس في تونس وإنما في الفضاء المغاربي وأعتقد الشيء نفسه لباقي الأقطار، مستقبلنا في هذا الفضاء المغاربي الذي سيكون إن شاء الله الحجرة الأولى للفضاء الاتحاد العربي “اتحاد الشعوب العربية المستقلة” الذي أؤمن به وأحلم به، لكن في هدا الوقت الحاضر وعندنا إمكانية لإحياء هذا المارد المغاربي النائم بسرعة.
و أكد على وجوب تكريس حق التنقل بالهوية دون جواز سفر، وحق الاستقرار في كل بلد مغاربي، وحق العمل وحق الاستثمار، بانتظار أن نبدأ التفكير في السنوات الخمس المقبلة في آليات البرلمان المغاربي بصلاحيات حقيقية.
ويجب أن تكون عندنا رئاسة دورية ومشتركة للفضاء المغاربي طيلة السنوات الخمس فالقضية الأساسية التي كانت تمنع الاتحاد المغاربي، والتي أماتت أو قتلت الاتحاد القديم هي قضية الصحراء والآن بدأت الأفكار عند الأخوة الجزائريين والأخوة المغاربة تتجه نحو ترك الموضوع للأمم المتحدة.
و في إطار المغرب العربي الكبير، يمكن أن نجد هذا الحل، يعني لو بدأت آليات الماكينة الاقتصادية تدور، لو حققنا هذه الحريات الخمس، فستتغير العقليات ورؤية الأمور، وشيئا فشيئا سننضج إلى أن نصل إلى حلول ترضي الطرفين.
[37]
ان النخب الحاكمة في دول المغرب تلعب الدور الأكبر في إعاقة مشروع الوحدة، فهي غير قادرة على حل المشاكل الاقتصادية المختلفة أو وضع حد للخلافات السياسية بل على العكس تعمل على تعميقها وتعزيزها، وهذا ما أدى بالاتحاد إلى الوصول إلى ما وصل إليه من ترهل وعطب وانكسار.
إن اتحاد المغرب العربي في الوقت الحاضر هو عبارة عن جسد بلا روح ويعود ذلك إلى أن حالة التوافق للوصول للأهداف المتوخاة لم تأخذ بالاعتبار، ذلك أن ما حدث أن كل دولة تتشبث وتتمسك بقناعاتها وتوجهاتها وتتقوقع على نفسها، وكل دولة غلب عليها طابع الأنانية ، وبذلك كثرت الشعارات على حساب التوصيات العملية. وهذا جعل دول الاتحاد تتصف بالضعف في مواجهة التحالفات والتكتلات في العالم.
يبقى الأمل في أن تقوم العوامل المشتركة على مواجهة التحديات(1) ، وان تكون الآمال التي عقدت على الاتحاد في محلها بدل خيبة الأمل التي يشعر بها شعوب الاتحاد نتيجة لانعدام التبادل.
إن الدكتاتوريات كانت العقبة لأنها لا تتحد بل تتخاصم، وأوروبا لم تحقق وحدتها إلا بعد انهيار الدكتاتوريات، وقد كان الربيع العربي سببا للإسراع في الإصلاح والانتباه لمطالب الشعب، وكلنا نعلم أن إحياء الاتحاد المغاربي يضيف 2 في المائة من الناتج القومي لكل بلد .
فالعديد من التجارب الاندماجية الوازنة؛ تبرز أن إحداث تنظيمات إقليمية مبنية على أسس ديمقراطية قوية؛ يسهم من جانبه في تطوير وتقوية المسار الديمقراطي لأعضائها. معتبرا أن استمرار الأوضاع راكدة وجامدة على حالها؛ سيكلف شعوب المنطقة هدر مزيد من الفرص والطاقات المتاحة لولوج عالم متحول ومتسارع لا يؤمن إلا بالتكتلات؛ وبخاصة في ظل الحراك المجتمعي الراهن الذي يفرض قرارات حاسمة تؤدي إلى التغيير الذي تطمح إليه الشعوب.
وبعد سقوط نظام القذافي، اكتسبت بعض دول المغرب العربي أهمية كبيرة لدى واشنطن وخاصة من الناحية الاقتصادية، وهو ما يؤكده مؤشران: أولهما، تجدد اهتمام واشنطن بقضية الصحراء، حيث تقدمت بمسودة اقتراح لمجلس الأمن الدولي تهدف إلى توسيع صلاحيات بعثة “المينورسو” لتشمل رقابة أوضاع حقوق الإنسان في الصحراء في يناير الماضي.
[38]
وتشير تحليلات عديدة إلى أن واشنطن تتعامل مع هذه القضية كأداة ضغط على المغرب(1) من أجل تقديم تنازلات اقتصادية لها، وخاصة بعد أن فتحت اقتصادها أمام فرنسا وإسبانيا، ثم منحت مؤخرًا الصين فرصًا استثمارية مهمة. وثانيهما، حرص واشنطن على استمرار المناورات العسكرية المشتركة مع المغرب والتي تحمل اسم “الأسد الإفريقي”، واستمرار التعاون الأمني مع الجزائر في مجال مكافحة الإرهاب، في ظل تفضيلها تعزيز التعاون مع كل دولة مغاربية على حدة، بدلا من العمل من خلال الاتحاد المغاربي، على خلاف الموقف الفرنسي.
وبهدا فان هناك ميزانا يختل لشيء آخر فيه نوع من السياسة و الايدولوجيا(2) والأمور الأخرى ، وأن توسيع صلاحيات المينورسو قد يخلق شيئا خطيرا في المنطقة على مستوى حقوق الإنسان ، وأيضا على مستوى الأمن بالمنطقة لأنه لا يوجد نزاع دولي تم فيه إعطاء صلاحيات للقوات العسكرية بمراقبة حقوق الإنسان في أي منطقة ، ومثل هدا القرار فيه تجاوز ومس كبير بسيادة المملكة المغربية على ترابها ، و المغرب التزم بوقف إطلاق النار بالمنطقة ، في حين أن هذه المبادرة الأمريكية من شأنها أن تهدم الرصيد الحقوقي الطويل في المنطقة، ولا تخدم لا من قريب و لا من بعيد الأجندة الحقوقية بل تمس بشكل مباشر بها .
لكن سرعان ما تراجعت الولايات المتحدة الأمريكية عن قرارها في توسيع صلاحيات المينورسو عن طريق تقديم المسودة لمجلس الأمن ، وهو الأمر الذي استنكرته فرنسا العضو الدائم بمجلس الأمن ، باعتبار المغرب قطع أشواطا نحو تحقيق التنمية و النهضة الاقتصادية و بالخصوص الدستور الجديد الذي أقر بمجموعة من المكتسبات و دسترة مجموعة من الهيئات من بينها المجلس الوطني لحقوق الإنسان الشيء الذي يؤكد رغبة المملكة في ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان و احترام الحريات و ضمان ممارستها بموجب القانون .
لهذا فانه أضحى من اللازم أن يتم حل قضية الصحراء المغربي في إطار مقترح الحكم الذاتي الذي تتمسك به المملكة كما أشرنا لذالك سابقا ، كما أنه على الجارة الجزائر أن تؤيد المقترح المغربي و أن تتخلى عن أنانيتها ، خصوصا و أنها تحتضن الجمهورية الوهمية فوق أراضيها ، و هذا إن دل فإنما يدل على أن الجزائر ليس لها نية في النهوض بالمنطقة من خلال تحقيق الوحدة المغاربية لان قضية الصحراء المغربية ستظل دائما حاجزا ما دامت الجزائر تساند البوليساريو.
[39]
في [40]
المبحث الثاني:آليات تفعيل الاتحاد
لقد أصبح تفعيل الاتحاد المغاربي ضرورة ملحة لمواجهة التكتلات الإقليمية وتحديات العولمة، وعليه فالتكامل المغاربي أصبح ضرورة فرضتها الظروف الدولية، وهذا من أجل رفع الضغوطات التي تواجه كل دولة على حدة من مختلف التنظيمات الدولية، إلا أن هذا التكامل (الأنظمة المغاربية) عرف عدة تراجعات.
فمباشرة بعد استقلال هذه الدول سعت كل دولة إلى بناء الدولة الوطنية، أي بناء مؤسساتها السياسية والإدارية وإرساء قواعدها الاقتصادية، إلا أن الخطاب الرسمي ظل مؤكدا على البناء المغاربي هو مغرب الدول والحكومات، ما أغفلته الدول المغاربية هو الدور الهام للمجتمع المدني في محاولة خلق ثقافة مجتمعية تكون الحلقة المؤسسية للتكامل.
ففي فترة الاستعمار كانت البوادر الأولى لظهور المجتمع المدني في الدول المغاربية، إلا أن هيمنة الدول في الأنظمة المغاربية أدى إلى تقليص دوره في بناء اتحاد المغرب العربي .
وبذالك فإننا سنحاول في هدا المبحث ان نسلط الضوء على آليات تفعيل الاتحاد من خلال التطرق إلى المداخل الأساسية لتفعيل الاتحاد ( المدخل القانوني – السياسي- الاقتصادي ) في مطلب أول والى التطرق للدور الذي يلعبه المجتمع المدني في تفعيل الاتحاد في مطلب ثاني .
المطلب الأول : مداخل تفعيل الاتحاد
المطلب الثاني : دور المجتمع المدني في تفعيل الاتحاد
المطلب الأول: مداخل تفعيل الاتحاد
منذ عشريتين من الزمن خلت حققت بلدان المغرب العربي تطورا ايجابيا ملموسا على درب العمل التكاملي بإعلانها عن إنشاء اتحاد المغرب العربي وفق معاهدة مراكش، غير أن حصيلة هذه السنوات كانت ضعيفة جدا ولم تحقق طموحاته، إذ لا يمكن لأي دارس لهذه التجربة أن ينكر عليها التعثر والجمود. وعلى الرغم من ذلك فمعظم دول الاتحاد لا زالت تحث في كل مناسبة على ضرورة الدفع به قدما لما قد يعود به من فائدة على شعوب المنطقة
ومن خلال الحصيلة السياسية والاقتصادية الهزيلة للاتحاد يتجلى بوضوح المأزق الذي يتخبط فيه، فبعد مرور عشريتين من الزمن على إنشائه لم يتمكن حتى من إرساء أول مرحلة من مراحل التكامل الاقتصادي.
فواقع بهذا الشكل يدفع إلى التأمل والبحث عن السبل والآليات الكفيلة بتفعيله تحقيقا للأهداف والطموحات التي عبرت عنها معاهدة مراكش خاصة وان الظرف الدولي وما يحمله من صعوبات وتحديات يدفع باتجاه التكامل.
وتتمحور آليات التفعيل حول دراسة ثلاثة مداخل رئيسية يتم من خلالها تسليط الضوء على الآليات الواجب إتباعها والتي قد تساعد على تفعيل الاتحاد.
الفقرة الأولى:المدخـل السياســي
مهما كانت درجة التكامل الاقتصادي فهو عملية ذات طابع سياسي حتى وإن كانت معظم النظريات الاقتصادية تتجاهل ذلك، فبدون قرار سياسي من الوحدات السياسية الراغبة في التكامل ونقصد هنا الدول لا يمكن أن تكون هناك عملية تكاملية، وعليه فإن هذه العملية تتأثر بطريقة أو بأخرى بالجانب السياسي سلبا أو إيجابا، ومادام تعثر الاتحاد راجع بالدرجة الأولى إلى عوامل سياسية فإن المدخل السياسي يبقى أهم مدخل لتفعيل الاتحاد إضافة إلى مداخل أخرى، وهذا من خلال النقاط التالية .
أولا – تسوية قضية الصحراء المغربية
بينت التجربة بما لا يدع مجالا للشك أن هذه القضية وقفت حجر عثرة في طريق بناء المغرب العربي، فمنذ 1975 وإلى غاية اليوم لم تتمكن دول المغرب العربي من المضي قدما نحو التكامل بفعل هذه القضية.
[41]
وهكذا يتبين وأنه بدون تسوية عادلة لهذه القضية لا يمكن لدول المغرب العربي أن تصل إلى التكامل المأمول وذلك باعتبارها كانت عاملا لتغذية سياسة المحاور في المنطقة سابقا، والآن عاملا للتوتر الحاصل في العلاقات بين أكبر قوتين رئيسيتين في المنطقة وهما الجزائر والمغرب واللتين لا يمكن تصور قيام مغرب عربي بدونهما، عندما نقول تسوية فنحن لا نقترح صيغة أوحلا معينا مثلما يذهب إليه الكثير من المحللين(1) والذي يدور في مجمله حول مطالبة الجزائر بتقديم تنازلات من جهة وقبول البوليساريو بمقترح الحكم الذاتي الذي اقترحته المملكة المغربية فالمغرب يسعى من خلال هذا المقترح إلى بسط سيادته المعنوية على الأقاليم الصحراوية مع التنازل عن جزء معتبر من السلطة المركزية، وهو أقصى تنازل يمكن أن يقدمه المغرب بالنظر لارتباط قضية الصحراء بإجماع وطني راسخ بل وارتباطها أيضا بشرعية النظام السياسي المغربي، فالملك هو المسؤول دستوريا عن وحدة البلاد وهو الضامن لدوام الدولة واستمرارها في دائرة حدودها.
ثانيا- ضرورة تجاوز الجدل بين الوطني والمغاربي
إن معاهدة مراكش المنشئة لاتحاد المغرب العربي لا تؤسس لاتحاد فيدرالي أو كونفدرالي وإنما مجرد تجمع بين عدد من الدول تجمعها روابط الدين والتاريخ والحضارة لمواجهة الأخطار التي تتهددها داخليا وخارجيا، بمعنى آخر أن المعاهدة لا تنشئ هيئة فوق وطنية تذوب فيـها الكيانات المغاربية، غير أن عدم وجود هيئات من هذا النوع لا يعتبر مبررا لكي تنتهج كل واحدة منها أسلوبا تنافسيا يعيق مسار التكامل أكثر مما يفيده .
إن فكرة الدولة القطرية لم يعد لها ما يبررها ـ على الأقل في المجال الاقتصادي ـ مقارنة بفترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، أين كانت هذه الدول حديثة العهد بالاستقلال وكانت تعيش على حد تعبير المفكر محمد عابد الجابري مراهقتها السياسية، فكان من غير الممكن التوجه لشعوبها ومطالبتها بالاندماج والذوبان في الآخر وبالتالي التضحية بآمالها.
اليوم يبدو وأن ذلك المبرر لم يعد له مكانا، فحتى وإن لم تكن هذه الدول قد حققت آمالها فإن الوضع الدولي يفرض عليها التكتل مع دول أخرى لمواجهة التحديات حتى وإن تطلب منها ذلك تقديم تنازلات خدمة للمصلحة العامة، وبالتالي تجاوز فكرة الوطني والمغاربي، وهذا التجاوز لن يكون إلا بالملائمة بين المشاريع الوطنية والإقليمية (المغاربية)، إحلال الوطني في الإقليمي لتنمية الأرضية لقيام هذا الأخير كإطار أرقى وأشمل واستعانة الجهوي بالوطني لإخراجه من أزماته وتمكينه من تحقيق أهدافه (2) .
إن تحديات العصر ورهانات المستقبل تفرض التخلي عن الحسابات الوطنية الضيقة لصالح رؤية مستقبلية تسعى إلى تحقيق اندماج جهوي يحمي مصالح المجموعة.
[42]
ثالثا -الاستفادة من التوجه الدولي الداعم للاندماج المغاربي
بعد ما كانت القوى العظمى في السابق تعارض فكرة التجمعات الإقليمية، فإن الوضع مع أواخر القرن العشرين لم يعد كذلك، إذ أن هذه الدول وهي تسعى لكسب مناطق اقتصادية جديدة أصبحت تبحث عن أسواق كبيرة لترويج تجارتها، وهذه الأسواق لا تتحقق إلا بتكتل عدد من الدول.
إذا فالفرصة أمام دول المغرب العربي متاحة أكثر من أي وقت مضى، فالاتحاد الأوروبي أعطى لها الفرصة أكثر من مرة خاصة مع مشروع الشراكة الأورو- متوسطية غير أنها لم تكن معه في الموعد إذ أنها فرصة مناسبة لوقوفها وتفاوضها ككتلة واحدة متكاملة، لكن دخولها فرادى سيجعلها تجني على المدى المتوسط والبعيد نتائج هذه الشراكة والتي ركزت على تحرير المبادلات التجارية أكثر من الجوانب الأخرى خاصة الاجتماعية في ظل اقتصاديات غير متكافئة.
. وعليه فبإمكان دول المغرب العربي إذا كانت تسعى لتحقيق تكاملها أن تستفيد من التوجهات الجديدة للأطراف الغربية (الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية) الرامية إلى حث الدول المغاربية على تحقيق تكاملها، وإن كان ذلك ليس خوفا عليها بقدر ما هو تحقيق لمصالحها الخاصة وهذا ما يجعل دول المغرب العربي مدعوة للاستفادة من هذا التوجه أكثر من أي وقت مضى .
في شهر أكتوبر 2006 أصدر صندوق النقد الدولي بيانا يحث فيه دول المغرب العربي على تعزيز علاقاتها الاقتصادية لخفض البطالة وتحسين النمو، مشيرا إلى أن زيادة التعاون الإقليمي وتحرير التجارة من شأنهما أن يتيحا لها الاستفادة إلى أقصى درجة من اندماجها الجاري مع أوروبا وبقية بلدان العالم (1) وقبل ذلك كان المدير العام لهذا الصندوق وعلى هامش زيارته لتونس قد ألح على ضرورة إنجاز خطوات عملية في اتجاه توحيد أسواق دول المغرب العربي مؤكدا أن ذلك يعتبر شرطا حيويا بالنسبة لمستقبل هذه المنطقة وعاملا حاسما لاستقطاب استثمارات خارجية هامة (2)
[43]
الفقرة الثانية:المدخـل القانونــي
ونقصد بذلك إعادة النظر في النصوص القانونية المنشئة للاتحاد وإعطاءها دفعا جديدا يجعلها تتماشى والمستجدات، فالواقع أثبت أن معظم تلك النصوص بدءا بالمعاهدة فالاتفاقيات 37 المبرمة في إطار الاتحاد قد تجاوزها الزمن(1)، وعليه يتطلب الأمر إعادة النظر فيها خاصة المعاهدة وذلك بتلافي النقائص والثغرات، فالواقع بين أن معاهدة مراكش حملت الكثير من العيوب والثغرات عند إبرامها، والإصلاحات والتعديلات القانونية المطلوبة لابد من أن تتمحور حول النقاط التالية
.
أولا التخفيف من مركزية مجلس الرئاسة
مجلس الرئاسة هو أعلى سلطة في الاتحاد وله وحده تعود سلطة اتخاذ القرارات مهما كانت طبيعتها(2)، وأن مجرد توقف اجتماعاته لسبب أو لأخر يرهن كل المشاريع الاتحادية التي أعدتها بقية الأجهزة، وهذا ما حصل بالفعل إذ أنه ومند 1995والكثير من المشاريع تنتظر المصادقة عليها، فكلما بدت مساعي لعقد القمة السابعة المؤجلة منذ عشرية من الزمن إلا وطرحت تلك المشاريع من جديد أمام مجلس وزراء الخارجية لعرضها على مجلس رئاسة الاتحاد .
فمجلس وزراء الخارجية هو الهيئة الوحيدة المخول لها النظر في كل المشاريع التي تعدها بقية الهيئات والأجهزة الاتحادية والفصل فيما إذا كانت قابلة للعرض على مجلس الرئاسة لتتحول إلى اتفاقيات وقرارات أم لا (3) ،بمعنى آخر أنه يقوم بعملية غربلة المشاريع، فالتجربة أثبتت وأن ولا مشروع من المشاريع التي عرضها مجلس وزراء الخارجية على دورات القمة رفضت، وهذا دلالة في حد ذاته على الدور الهام المسند إليه.
ومادام مجلس وزراء الخارجية يتمتع بكل هذه الصلاحيات وتجنبا لتعطل المشاريع الاتحادية فالمطلوب اليوم هو الحد من الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها مجلس رئاسة الاتحاد وتحويل جزء منها إلى بقية الأجهزة التنفيذية والاستشارية والفنية وعلى رأسها مجلس وزراء الخارجية بحيث تكون الصلاحيات المعطاة لهذه المؤسسات تتناسب مع المهام المنوطة بها وبالذات مجلس وزراء الخارجية وكذلك ضرورة إعطاء هذا الأخير الآليات التي تسمح له بتنفيذ قراراته والقدرة على الاجتماع في أي وقت.
[44]
استنادا لكل هذا قامت الأمانة العامة للاتحاد بإعداد وثيقة تتعلق بإعادة النظر في المنظومة الاتحادية عرضتها على لجنة المتابعة التي قامت بدراستها في اجتماعها الملتئم في 17/4/2002، وتمحورت الاقتراحات حول النقاط التالية.
1. بشأن مجلس الرئاسة
جاء في تقرير الأمين العام للاتحاد المقدم في 8 أبريل 2004 أنه من الممارسة العملية ومنذ تأسيس الاتحاد تبين وأن عدم التئام المجلس منذ 1994 تسبب في عدم توفر الفرصة للنظر في مشاريع قرارات واتفاقيات جاهزة فنيا كما لم تتح الفرصة لقادة دول الاتحاد لحضور كل الدورات ولا للوزراء الأولين للاجتماع رغم نص المعاهدة على ذلك، وأمام هذا التعثر رأى مجلس وزراء الخارجية في دورته السابعة عشرة (18/6/1995) ضرورة دعوة الرئيس المباشر للاتحاد آنذاك أي الرئيس الجزائري بالتشاور مع أشقائه أعضاء مجلس الرئاسة في إمكانية دعوة الوزراء الأولين للاجتماع وفقا للمعاهدة.
واستنادا إلى هذه المبررات جاء الاقتراح كما يلي
“يكون لاتحاد المغرب العربي مجلس اتحاد يتألف من رؤساء الدول الأعضاء أو رؤساء الحكومات وهو أعلى جهاز فيه، وتكون الرئاسة لمدة سنة بالتناوب بين الدول”(1) والغرض من هذا الاقتراح هو تجنب عدم التئام المجلس وذلك لوجود البديل وهم رؤساء الحكومات
2. بشأن القرار الاتحادي
للحد من مركزية القرار الاتحادي في العمل الاندماجي قدمت الاقتراحات التالية
أ- ضرورة توسيع صلاحيات مجلس وزراء الخارجية وذلك وفق طريقتين(2)
الطريقة الأولى: وتتضمن إجراءين هما
الإجراء الأول: إصدار مجلس الرئاسة لقرار تعديل المادة السادسة من المعاهدة بحيث تصبح كما يلي: “لمجلس رئاسة الاتحاد سلطة اتخاذ القرار وتصدر قراراته بإجماع أعضاءه، وله أن يفوض بعض صلاحياته لمجلس وزراء الخارجية”
الإجراء الثاني: ويتعلق بتعديل المادة الثامنة كما يلي: “يكون للاتحاد مجلس لوزراء الخارجية يتولى
– تحضير دورات مجلس الرئاسة
– إصدار البيانات السياسية والتشاور بشأن القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك واتخاذ الإجراءات المشتركة بشأنها
[45]
– التوقيع على الاتفاقيات القطاعية غير الإطارية المبرمة في إطار الاتحاد
اعتماد البرامج التنفيذية للاتحاد
– إصدار الأنظمة الداخلية للهيئات الاتحادية واللجان الاستشارية والمكاتب المتخصصة التي تقترحها اللجان الوزارية والمجالس الوزارية القطاعية في نطاق برامج الاتحاد
اتخاذ القرارات المتعلقة بالمسائل المالية لأجهزة الاتحاد بما في ذلك إقرار الميزانيات التقديرية والختامية والنظر في تقارير الرقابة المالية
هذه الطريقة تتطلب حسب الأمين العام للاتحاد مصادقات دستورية وإيداع كل الدول لوثائق المصادقة لدى الأمانة العامة ليبدأ العمل بالتعديل
الطريقة الثانية: تتمثل في إصدار مجلس الرئاسة لقرار يفوض فيه لمجلس وزراء الخارجية بعض صلاحياته ولا يتطلب ذلك إجراءات دستورية .
3. إلغاء مبدأ الإجماع في اتخاذ القرارات
كثيرا ما يعيق مبدأ الإجماع العمل الجماعي، وإن كان البعض يفضل العمل به لأنه يعكس إلى حد ما تمسك الدول بسيادتها، غير أن التشبث به في اتخاذ كافة القرارات دون النظر إلى طبيعتها عادة ما يوصل العمل الجماعي إلى طريق مسدود .
دول المغرب العربي مطالبة الآن بإلغاء هذا المبدأ وإحلال محله مبدأ الأغلبية لإعطاء مسيرة الاتحاد نوعا من الدفع والسرعة اللازمين لمواكبة المتغيرات الدولية والاستفادة من تجربة جامعة الدول العربية التي ساهمت قاعدة الإجماع في فشل تجربتها خلال نصف قرن.
فقد حصل وأن اصطدمت دول اتحاد المغرب العربي بهذا المبدأ، ونذكر هنا طلب مصر الانضمام إلى الاتحاد سنة 1994، فعلى الرغم من كل الاتصالات التي سبقت النظر في الطلب إلا أن اعتراض تونس أدى إلى رفض طلبها، وسبق لمجلس الرئاسة أن تفطن للآثار السلبية لمبدأ الإجماع، ووافق على اعتماد مبدأي الإجماع والأغلبية مستقبلا .
ثانيا . إعطاء الأمانة العامة الصلاحيات الضرورية
لم تكن الأمانة العامة في بدايتها قارة وكانت تتبع البلد الذي يترأس الاتحاد، وبسبب ما نجم عن ذلك من تعـثر فقد عدلت المـادة الحادية عشرة من المعاهدة في الدورة الأولى لمجلس الرئاسة وأصبح لها مقرا دائما بالرباط وأمينا عاما، ونظرا لعدم وضوح صلاحياتها قانونيا فقد تداخلت أعمالها وتضاربت مع أعمال لجنة المتابعة .
تفاديا لذلك يتطلب نقل الأمانة العامة من مجرد جهاز إداري يقوم بأعمال السكرتارية إلى جهاز قوي قادر على بناء نظام جهوي فوق وطني يربط أقطار المغرب العربي بروابط حيوية تفرض على كل منها الالتزام بالقرارات المشتركة من خلال تزويد الأمين العام بالصلاحيات اللازمة لمخاطبة أعضاء الاتحاد الذين لا يلتزمون بالقرارات لتنفيذها، وهو ما يتطلب من الدول المغاربية ضرورة التنازل عن جزء من سيادتها لصالح النظام الإقليمي الذي أقامته في إطار اتحاد المغرب العربي خدمة لمصالحها الإستراتيجية .
وكانت لجنة المتابعة في اجتماعها المنعقد بالرباط يومي17 و18/4/2002 قد استعرضت الورقة التي أعدتها الأمانة العامة من أجل تطوير هياكلها ومن جملة هذه الاقتراحات نذكر(1)
ـ تخويل الأمانة العامة صلاحيات اتخاذ المبادرة باقتراح المشاريع ذات الصلة ببرنامج عمل الاتحاد والتشاور مع الدول الأعضاء والقيام بدراسات أولية بإشراك بيوت الخبرات والكفاءات من الدول الأعضاء عند الاقتضاء قبل عرضها على الجهات الاتحادية
– إعطاء صلاحيات أوسع للأمانة العامة لإبرام اتفاقات وبرامج تعاون مع المنظمات الجهوية المماثلة وذلك بالتشاور والتنسيق مع الدول الأعضاء والاستعانة بخبرات مغاربية بخصوص المفاوضات ذات الطابع الفني وخاصة في الميدان التجاري على أن تتم مواصلة – رفع تقارير دورية عن ذلك لمجلس وزراء الخارجية للعلم والتوجيه
– وضع آلية تنظيم وتوثيق العلاقات بين البعثات الدبلوماسية لدول الاتحاد في دولة المقر والأمانة العامة على النحو المتبع في نظام المندوبيات المقيمة .
وحتى تقوم بعملها كما ينبغي ترى اللجنة أن الأمانة العامة بحاجة إلى هيكلة متطورة وعملية ومتوازنة من حيث الاختصاص يراعى فيها التوزيع العادل للدول الأعضاء كما أنه من الضروري دعمها بخبرات مغاربية متخصصة، وتقترح اللجنة في هذا الشأن أن يتولى الأمين العام للاتحاد بحكم مسايرته للعمل الاتحادي اقتراح مشروع هيكلة للأمانة العامة تراعى فيها حاجيات هذه المرحلة والانعكاسات المالية وتشمل الإدارات التالية
[46]
– ديوان الأمين العام
– إدارة الشؤون السياسية والإعلام
– إدارة الاقتصاد والمالية
– إدارة الأمن الغذائي
– إدارة البنية الأساسية
إدارة الموارد البشرية
إدارةالشؤون المالية والإدارية والقانونية
– إدارة الدراسات والتخطيط
[47]
فيما يتعلق بمنصب الأمين العام فإن مجلس وزراء الخارجية في دورته 19 (16 و17/02/2002) كان قد استعرض مسألة إقرار مبدأ التداول على منصب الأمين العام بين الدول الأعضاء واتفق على رفع هذا الموضوع إلى مجلس الرئاسة حين التئامه، كما استعرض مسألة استحداث منصب أمين عام مساعد بعدد الدول الأعضاء في الاتحاد باستثناء الدولة التي ينتمي إليها الأمين العام المباشر وكلف لجنة المتابعة بإدراج هذا الموضوع ضمن جدول أعمالها المخصصة للنظر في إعادة تنظيم هياكل الأمانة العامة للاتحاد .
تماشيا وهذه المقترحات الرامية إلى إصلاح المنظومة الاتحادية اقترح الأمين العام تعديل المادة الحادية عشرة من المعاهدة لتصبح على النحو التالي: “يكون للاتحاد مفوضية قارة تسمى مفوضية الاتحاد أو لجنة تنفيذية أو أمانة تنفيذية ينشئها مجلس رئاسة الاتحاد أو مجلس الاتحاد ويحدد مقرها ويعين على رأسها مسؤولا ساميا يـدعى الأميـن العـام أو الأميـن التنفيذي أو رئيس المفوضية”(1)
ثالثا . الإجراءات العملية لتنفيذ الاتفاقيات
إن اعتماد مبدأ مصادقة كل الدول الأطراف في الاتحاد على الاتفاقيات المبرمة في إطار الاتحاد حتى تصبح سارية المفعول أعاق تطبيق الكثير من الاتفاقيات، فمنذ 1990 لم تحض إلا خمس اتفاقيات بمصادقة كل الأطراف بينما البقية مازالت تنتظر مصادقة دولة أو دولتين وأحيانا أخرى مصادقة الدول الخمس.
فعلى سبيل المثال نجد أن المغرب لم يصادق على الاتفاقية الخاصة بإنشاء المصرف المغاربي إلا في 25/04/2002 أي بعد 7 سنوات من مصادقة بقية الدول عليها، وهذا بعد إلحاح وتأكيد الهيئات الاتحادية في كل مرة على ضرورة الإسراع بالمصادقة لدخوله سريان المفعول، وعلى هذا فالأفضل حتى لا تتعطل المسيرة التكاملية ينبغي تجاوز العمل بمبدأ الأغلبية أي أن تصبح الاتفاقيات المعتمدة من طرف مجلس الرئاسة سارية المفعول بعد مصادقة ثلثي الأعضاء.
رابعا . ضرورة تحيين وتحديث النصوص القانونية للاتحاد
منذ 1990 اتخذ الاتحاد الكثير من القرارات الاتحادية سواء في شكل اتفاقيات أو تعليمات وجاءت متنوعة وشاملة للكثير من القطاعات (الزراعة، التجارة، البريد والمواصلات، النقل….)، إلا أن الكثير منها لم يدخل حيز التنفيذ بل وأصبح متجاوزا بفعل المستجدات الاقتصادية والسياسية الحاصلة في العالم بفعل العولمة المتسارعة.
[48]
[49]
فضلا عن انضمام بعض بلدان المغرب العربي إلى منظمة التجارة العالمية وما تفرضه من شروط تجارية محددة على أعضائها، وكذلك دخولها في إطار الشراكة الأورو- متوسطية، لذلك أصبح من الضروري على هذه البلدان تحديث وتحيين الاتفاقيات المبرمة في إطار الاتحاد لمواكبة المتغيرات الدولية الحاصلة في أواخر القرن العشرين(1)
وكان مجلس وزراء الخارجية في دورتيه العشرين والسادسة والعشرين دعا اللجان الوزارية المتخصصة لتشخيص الصعوبات التي تحول دون تنفيذ هذه الاتفاقيات وإقرار مبدأ التقييم والتحيين عند الاقتضاء وذلك لملاءمتها مع المعطيات الجديدة المغاربية والدولية وكلف لجنة ذات مهمة محددة من القانونيين والاقتصاديين من الدول الأعضاء لاستعراض مختلف النواحي القانونية والإجرائية لهذه الاتفاقيات ولاسيما ذات البعد الاقتصادي منها والنظر في إمكانية تحيينها على ضوء المستجدات المغاربية والدولية. (2)
ولعل ابرز تحرك في الاتجاه الاقتصادي اتفاق وزراء مالية دول اتحاد المغرب العربي يوم الثلاثاء 16 مارس 2010 في الجزائر على إطلاق أول بنك مغاربي للاستثمار والتجارة الخارجية (3)برأسمال يبلغ 500 مليون دولار أمريكي، ويكون هدفه تحقيق التكامل الاقتصادي المغاربي .
خامسا . إقامة برلمان مغاربي
لاتحاد المغرب العربي مجلس شورى يتكون من 30 عضو عن كل دولة يتم اختيارهم من مجالسها التشريعية وهذا عن طريق الانتخاب، صلاحياته لا تتعدى الاستشارة، وهذا يجعله مجرد هيئة من هيئات الاتحاد لا تلعب دورها مثل البرلمان الأوروبي.
وبالتالي لا تساهم في رسم المسيرة التكاملية، وإذا كان الاتحاد قد جاء تلبية لمطالب وطموحات شعوب المنطقة ـ حسب الخطاب السياسي ـ فإن أحسن طريقة لذلك هو إشراك المواطن المغاربي في صنع هذه المسيرة، ولن يكون ذلك إلا عن طريق انتخاب نواب عنهم يمثلونهم أحسن تمثيل في البرلمان المغاربي وينقلون انشغالاتهم، زيادة على ذلك فإن المجلس في صورته الحالية كثيرا ما يتعرض إلى الشلل بسبب غياب شعبة من الشعب الخمس بسبب انتهاء فترتها النيابية وتأخر دول الاتحاد في تعويضها بشعبة أخرى.
إذا استنادا إلى كل هذا وإلى قرار مجلس الرئاسة في دورته العادية الثالثة بشأن تعزيز مسيرة اتحاد المغرب العربي واعتبارا لتوصيات مجلس الشورى في دورته الملتئمة بطرابلس (1992)، تقدمت الجماهيرية الليبية باقتراحات ترمي إلى تعزيز دور مجلس الشورى المغاربي(9 يونيو1994) وذلك عن طريق.
ـ تعديل المادة الثانية عشرة من المعاهدة بحيث تصبح المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات التي تعقد بين دول الاتحاد أو بينه وبين تنظيمات أخرى من اختصاص مجلس الشورى
ـ تحويل مجلس الشورى من مجلس استشاري إلى برلمان مغاربي له صلاحيات التشريع والمراقبة وأن يتم اختيار أعضائه بالاختيار المباشر على الصعيد المغاربي (1)
سادسا . ضبط كيفية اكتساب العضوية وفقدانها
أشارت معاهدة مراكش إلى أن العضوية في الاتحاد مفتوحة أمام الدول العربية والإفريقية التي ترغب في ذلك(2) ، غير أنها لم تشر إلى الإجراءات اللازم إتباعها باستثناء ضرورة إجماع الأطراف.
الواقع أثبت أن المهمة أعقد من ذلك بكثير، فطلب مصر الالتحاق كعضو مراقب أوقع الاتحاد في مأزق إذ أن المعاهدة لم تشر إلى هذه الصفة، الأمر الذي خلق اختلافا في وجهات النظر مما تطلب اللجوء إلى استشارة قانونية، وهذا ما قامت به الأمانة العامة.
وعن فقدان العضوية فجاءت مغيبة من المعاهدة وهذا خلافا لمعظم المعاهدات المنشئة للاتحادات والتي تحدد الحالات التي يمكن فيها لعضو ما من الأعضاء الانسحاب.
فتفعيل الاتحاد يتطلب كذلك أخذ هذه المسألة بعين الاعتبار حتى لا يتم رهن مستقبل الاتحاد بتجميد عضو من الأعضاء عضويته فيه.
[50]
المطلب الثاني : دور المجتمع المدني في تفعيل الاتحاد
أصبح تفعيل الاتحاد المغاربي ضرورة ملحة لمواجهة التكتلات الإقليمية وتحديات العولمة، وعليه فالتكامل المغاربي أصبح ضرورة فرضتها الظروف الدولية، وهذا من أجل رفع الضغوطات التي تواجه كل دولة على حدة من مختلف التنظيمات الدولية، إلا أن هذا التكامل (الأنظمة المغاربية) عرف عدة تراجعات.
فمباشرة بعد استقلال هذه الدول سعت كل دولة إلى بناء الدولة الوطنية، أي بناء مؤسساتها السياسية والإدارية وإرساء قواعدها الاقتصادية، إلا أن الخطاب الرسمي ظل مؤكدا على البناء المغاربي هو مغرب الدول والحكومات، ما أغفلته الدول المغاربية هو الدور الهام للمجتمع المدني في محاولة خلق ثقافة مجتمعية تكون الحلقة المؤسسية للتكامل.
ويهدا فإننا سنحول أن نفصل في هذا دور المجتمع المدني كآلية في تفعيل العلاقات بين الأقطار المغاربية ، وقبل أن نتطرق لدور المجتمع المدني لأبأس أن نحدد المجتمع المدني في إطار مفهومه العام (الفقرة الأولى ) وتبيان بعض خصائصه (الفقرة الثانية ) لنصل بدالك إلى حديث عن دور هدا الأخير في تفعيل الاتحاد ( الفقرة الثالثة ) .
الفقرة الأولى : مفهوم المجتمع المدني
لقد خضع مفهوم المجتمع المدني لتطورات واعتبارات متعددة، مما جعله مفهوم مطاطي، فمفهومه عرف عدة تحولات عديدة عبر التاريخ، مما يتعذر لأي دارس الوصول إلى تعريف جامع. فمفهومه تاريخيا تبلور تدريجيا عبر مراحل تاريخية مختلفة بدءا من القرن18 في أوربا، وهذا بعد انهيار المجتمع الإقطاعي وظهور المجتمع البورجوازي.
فعبارة المجتمع المدني استعملت في الفكر الغربي للدلالة على المجتمعات التي تجاوزت حالة الطبيعة والتي تأسست على عقد اجتماعي، فالمجتمع المدني ليس علاقات بين قوى اجتماعية أو طبقات اجتماعية فقط، ولكنها علاقات بين أفراد أحرار ومتساوين، ومن ثمة يمكن القول أن المجتمع المدني بمفهومه الحديث مرتبط بواقع التطور السياسي في الغرب.
. لقد تعددت التعاريف المعطاة للمجتمع المدني من بينها
“بأنه أحد أشكال تنظيم المجتمعات بما يحقق التعاون بين الأفراد والجماعات في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بهدف حماية حقوق ومصالح الفئات والتوفيق بينها، بما يضمن أعلى درجة من المساواة فيما بينها”(1)
[51]
فالمجتمع المدني هو شكل من أشكال التنظيمات التي يسعى إلى تحقيق مصالح أعضائه في مختلف المجالات بعيدا عن الدولة، وعليه فالمجتمع المدني يضم جمعيات ومؤسسات متنوعة الاهتمامات مستقلة عن الحكومة وتهتم بالقضايا والمصالح العامة وهي لا تهتم بالربح بل تركز نشاطها واهتمامها في خدمة المجتمع وتحسين أوضاعه والفئات المحتاجة إليه.
المجتمع المدني يتكون من مؤسسات يدخلها الأفراد طواعية لإيمانهم بقدرتها على التغيير في مصالحها وحمايتها .
“فالمجتمع المدني رابطة اختيارية يدخلها الأفراد طواعية لا تقوم عضويتها على الإجبار، إنما ينضم إليها الأفراد بمحض إرادتهم، وإيمانا منهم بأنها قادرة على حماية مصالحهم والتعبير عنها”(1)
يشمل المجتمع المدني العديد من المنظمات والمؤسسات، كالمؤسسات الإنتاجية والدينية والتعليمية والاتحادات المهنية والنقابات العمالية الروابط والنوادي الثقافية، فيمكن القول “أن مؤسسات المجتمع المدني هي مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة”(2)
إن خلال التعاريف السابقة نستخلص أن هناك عناصر ضرورية مكونة للمجتمع المدني وهي
1. الفعل الإرادي الحر: فالمجتمع المدني يتكون بالإرادة الحرة لأفراده، فهو يختلف عن التنظيمات العائلية كالأسرة والعشيرة والقبيلة، ففي التنظيمات العائلية لا يملك الفرد حرية الاختيار فهي تكوينات اجتماعية متوارثة، فالأفراد ينضمون إلى المجتمع المدني طواعية من أجل تحقيق جملة من المصالح
2. المجتمع المدني تنظيم منظم: فالمجتمع المدني يضم مجموعة من التنظيمات وهي الأجزاء المنظمة من المجتمع العامة، وهذا يطرح فكرة الالتزام بقواعد الدستور والقانون، أي أن أي مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني، لابد أن تحكمها جميع الشروط القانونية لتأسيس الجمعيات التي تم الاتفاق عليها.
3. المجتمع المدني أخلاقي وسلوكي، وهنا معناه أن المجتمع المدني قائم على فكرة التسامح، أي أن المجتمع تسوده روح المدنية، ومعناه أن قبول الأفراد والجماعات وجود آخرين يختلفون
[52]
معهم في الرأي والمصلحة، كما نعني اعتراف الجميع بأن ليس هناك أي طرف يمتلك وحده الحقيقة. فالتعدد والاختلاف هو ظاهرة طبيعية، أما اختلاف الآراء والاتجاهات يجب أن تحكمه القواعد القانونية.
فالمجتمع المدني هو عبارة عن تنظيم منظم إرادي يسعى إلى تحقيق مصالح الأفراد المنتمين إليه، ونظرا لتعدده واختلافه فهو يسعى إلى تحقيق مصالح المجتمع ككل. فالمجتمع المدني يلعب دورا محوريا في تنمية الثقافة الديمقراطية المتعلقة بالتسامح والمساواة وخلق قنوات للتعبير عن مصالح ممثليه.
يقوم المجتمع المدني بأدوار عديدة من أبرزها حماية مصالح أعضائها في مواجهة سلطة الدولة، أو التنظيمات والجماعات الأخرى، وتنظيم العلاقة بين الجماعات والفئات المختلفة التي تعبر عنها، أي تعمل كحلقات وصل مؤسسية بين الدولة والمجتمع، وكذلك دورها في تنشئة أعضائها .
الفقرة الثانية : خصائص المجتمع المدني
إن اختلاف فاعلية مؤسسات المجتمع المدني يرجع إلى درجة مؤسساتية وهذا ما حدده صامويل هنتنغتون (1) بدراسة المؤسسات وأبعادها حيث حدد أربعة معايير لقياس مستوى المؤسسية (البناء المؤسسي) ويتحدد ذلك وفقا للمعايير التالية.
1. القدرة على التكييف: يقصد بها قدرة المؤسسة أو تنظيمات المجتمع المدني على التأقلم مع التغييرات البيئية سواء كانت داخلية أو خارجية، فكلما كانت المؤسسة قادرة على التكييف، كانت أكثر فاعلية لأن الجمود يؤدي إلى التضاؤل والاضمحلال، وينتج عن القدرة على التكييف أحداث تغييرات في الأشخاص أو الوظائف ويمكن قياسه باستخدام المؤشرات التالية
-التكييف الزمني: فكلما كان عمر المؤسسة طويلا كانت أقدر على التكييف، والعكس صحيح، فعمرها قصير يدل على أن مقدرة التكييف هي منخفضة. فالمؤسسة أكثر رسوخا في القدم هي أكثر تأثيرا وإيجابية في تعزيز كل من أداء الدولة واستقرارها.
-التكييف الجيلي: يتعلق بالتغييرات في القيادة العليا للمؤسسة، أي هل انتقلت القيادة سلميا من جيل إلى جيل، فالمؤسسة التي يتم فيها الانتقال وفقا لقواعد مقررة وبشكل هادف وسلمي.
2. الاستقلالية: وتستند إلى مدى حرية المؤسسة في العمل وهو يقاس عن طريق هل للمؤسسة ميزانية مستقلة ومتخصصة وواضحة؟ وكذلك إلى أي حد تتمتع المؤسسة بالاستقلال في تجنيد أعضائها؟ أي مدى قدرة المؤسسة في تجنيد أعضائها، ويعد الاستقلال المالي ضرورة لابد منه للاستقلال في القرارات والأهداف
3. التعقيد: بمعنى أن مؤسسات المجتمع المدني تضم العديد من الوحدات وتتعدد مستوياتها و هيئاتها التنظيمية، وكذا مستوياتها الداخلية وعدد انتشارها الجغرافي على أوسع نطاق. فأداء
[53]
المؤسسة لمجموعة من الوظائف يكفل لها الاستقرار.
4. التماسك أو التجانس: ويقصد به عدم وجود صراعات داخل المؤسسة بإمكانها أن تؤثر على نشاطها، بمعنى درجة الرضا والاتفاق بين الأعضاء.
فيقول الطاهر لبيب أن مرحلة الاستعمار تبدو أنها أتاحت لأول مرة في تونس فرصة ظهور مجتمع مدني في مواجهة السلطة، وعلى رغم أنه مستقطب بهدف التحرير الوطني لا يهدف الحرية المدنية، فإنه تشكل لأول مرة كفضاء فكري سياسي متجانس نسبيا في مواجهة السلطة الحاكمة فعلية، والتي يمكن إلا أن يواجها لا باعتبارها دولة وإنما باعتبارها استعمارية”(1).
وهكذا وبما أن بداية المجتمع المدني وعلى حد تعبير الطاهر لبيب أن مرحلة الاستعمار أتاحت ظهور المجتمع المدني خصوصا في تونس ، وكان هدفها آنذاك هو طرد المستعمر من البلاد وتحقيق الاستقلال .فقد يكون أيضا للمجتمع المدني اليوم الدور الأكبر في إحياء وبعث الروح لاتحاد المغرب العربي الذي أصبح جسدا بلا روح في غياب إرادة سياسية و هدا هو ما سنحاول أن نتطرق إليه.
الفقرة الثالثة : دور المجتمع المدني في تفعيل اتحاد المغرب العربي
إن نشأة الدولة الوطنية المغاربية لم يهيئ الجو المناسب لنمو المجتمع المدني، ولا أحد ينكر الدور الفعال الذي بات يضطلع به بمختلف اتجاهاته، وهذا مكسب مهم يجب الحفاظ عليه فتفعيله يكمن في الحفاظ والدفاع عن المصالح العامة، فالمجتمع المدني لا يؤدي وظيفة سياسية فحسب، بل يعد أداة للتنمية ووسيلة للانتماء والولاء للوطن الواحد، فمن مميزات دول المغرب العربي هو تلازم تاريخي بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني، فهو يقف عاجز أمام التوترات السياسية الثنائية المتزامنة ومعيقات الاتحاد.
فالكرة الآن في يد المجتمع المدني فهو المسؤول عن بناء الاتحاد ويكون ذلك عن طريق
ضرورة بناء مغرب الشعوب: لابد من تجاوز المواقف والشعارات المجحفة التي يدفع ثمنها شعوب المنطقة، فالخطاب السياسي المغاربي يؤكد على أن الوحدة المغاربية هي وحدة الشعوب ومطلب جماهيري، لكن في حقيقة الأمر أن هذه الوحدة كانت دائما مطلب دول
[54]
وحكومات، مع العلم أن الشعوب المغاربية لها مجموعة مقومات حضارية وتحس بوحدة المصير، فالاختلافات الاجتماعية الحقيقية في المنطقة لا تتفق والحدود السياسية بين دول .
المغرب “فلا يتحدث السكان القدامى –كبار السن- عن دول مغاربية بل عن مدن وحسب طنجة –وهران…، فالوحدة الثقافية بمعناها الواسع للمنطقة حقيقة اجتماعية تاريخية تعكس تجانس اللغة والدين” (1) . ما نلاحظه أنه هناك قواسم مشتركة بإمكانها أن تكون المصدر الأساسي للوحدة، فلم يحدث أن أقدمت حكومة مغاربية على تنظيم استفتاء شعبي حول موضوع الاتحاد كما هو الحال في أوربا، فالتكامل المغاربي كان بفعل البلدان وليس الشعوب
الإيمان بالحوار وقبول الرأي الآخر فالحوار هو الغائب الأكبر على الساحة المغاربية، وغيابه سبب مهم من الأسباب التي جعلت الاتحاد يتخبط في مشاكل، فلا بد من تفعيل التواصل والحوار بين مختلف الفعاليات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، فتواصل وتفاعل الفاعلين الثقافيين والاجتماعيين والاقتصاديين يتم عن طريق التنسيق والتعاون حول قضايا ومهام وأهداف بناء الوحدة المغاربية وتحقيق تنمية مغاربية، كالدفاع مثلا عن الحريات النقابية والعمل بكل الوسائل المناسبة التي تدعمها وتصونها، ومن ثمة إنماء الوعي النقابي عبر بلورة وحدة المصلحة الطبقة الشغيلة المستفيدة، فإلى غاية 1999 توصلت الأمانة العامة إلى حصر(28 جمعية -41 اتحاد 13 رابطة مهنية 82 منظمة مغاربية غير حكومية )
ففاعلية المجتمع المدني تكمن من خلال تدعيم مؤسسات والقوى الاجتماعية المغاربية، بالتالي تصبح قادرة على تبوء المكان المناسب والتأثير على قرارات القادة الموجهة خصيصا لبناء الوحدة المغاربية، وذلك من خلال تنشيط العمل الجمعوي، وهذا لن يكون إلى بإزالة العوائق الإدارية والقانونية والمالية التي تعترض عمل هذه المؤسسات.
إن المجتمع المدني المغاربي مرتبط مع الدولة فكل نظام سياسي، مجتمع مدني يتماشى معه، لذا لابد أن تتوافر الأطر القانونية والسياسية التي تسمح بتفعيل المجتمع المدني وإعطائه الضمانات اللازمة لنشاطه وحركته، وهذا لن يتأت إلا بالدولة القانونية، هذه الدولة “قائمة على أساس التعدد السياسي وحرية إقامة التنظيمات والمؤسسات السياسية وغير السياسية واحترام مبدأ تداول السلطة والرقابة السياسية، وتوفير بعض الضمانات لاحترام حقوق المواطنين وحرياتهم” (2).
[55]
[56]
خاتمة
بعد أن قطعنا هذه الأشواط من التحليل، نعلم بأننا لم نقل كل شيء، عن هذا الموضوع الكبير المتشعب، أولا لأننا لا نعيد كتابة التاريخ حول القضية، فللتاريخ أهله.
ولكننا حاولنا أن نعطي فكرة للباحث عن هذا الاتحاد الذي ولد ميتا، لأننا لم نعطه حقه في التفكير ولم نوفه ما يسحقه من العناية، لأننا بصراحة كنا أسرى رغباتنا وغرورنا الذي ولده لنا الهوس بالسلطة، فأدرنا ظهورنا لمصالح شعوبنا.
الآن وجب الخروج من دوامة العناد والتعنت والجري خلف الأماني التي قد لا تتحقق، فالحلم مهما كان جيدا فهو سريعا ما يتبدد عند شعاع أول نور للفجر.
قالها أحد التونسيين وكلمته الكبيرة رسمت مسار الثورة في بلاده.قال:” لقد هزمنا من أجل هذه اللحظة”
أي الآن وليس غدا ، يجب أن توضع القاطرة على السكة ،ولنغذ هذه القاطرة بطموحاتنا الكبيرة وعزائمنا ،لأن مجدنا وعظمتنا ونجاحنا وتطورنا في وحدتنا وتماسكنا ،وليكون الكتف جنب الكتف ، ولنسد الفرج ونملأ الفراغات حتى لا نترك الفرصة للمندسين والخائنين والعملاء ليفتتوا من جديد وحدتنا.
ولذا فإنه يمكن القول أنه نتيجة للربيع العربي وللذهنية والمسلكيات التي اتبعها فإن اتحاد المغرب العربي يوجد اليوم على عتبة مرحلة فارقة بين الأوضاع التي كانت سائدة على مدى العشريات الثلاثة المنصرمة والتي لم تكن تلبي توقعات الشعوب المغاربية وبين أنساق جديدة لم تتضح قسمات ملامحها بعد. على أنه بات من المؤكد أنها سوف تتسم بسيطرة القوى الإسلامية على المشهد السياسي المغاربي وباستيقاظ الهويات الفرعية المتمثلة في الأقليات العرقية التي سوف تعمل على لفت الانتباه إلى خصوصياتها وهواجسها المميزة وستسعى أكثر من أي وقت مضى إلى إسهام أكبر في صياغة مستقبل المنطقة .
والراجح أن كل ذلك سوف يؤدي بالقوى السياسية الفاعلة إلى وقفة تأمل واستشراف للمستقبل لا يستبعد أن تفضي بدورها إلى إعادة ترتيب الأولويات على مستوى كل من بلدان المنطقة وإلى تحديد مسار جديد وفق متطلبات الأهداف الجديدة التي سوف يتم تحديدها على ضوء الملابسات التي ستفرزها التحولات الجارية .
وبتعبير آخر فإن التحولات الجديدة التي لحقت وما زالت تلحق بالمنطقة سوف تغير قواعد اللعبة التي كانت سائدة في الفضاء المغاربي وذلك تبعا لتغير الفاعلين السياسيين ونتيجة لطبيعة مرجعياتهم الإيديولوجية ورؤاهم السوسيو ثقافية وأهدافهم الجيو سياسية.
وبهذا يمكن القول أن اتحاد المغرب العربي يمر نتيجة لتداعيات الربيع العربي بمرحلة تفكيك وإعادة بناء سيخرج منها بملامح جديدة ربما يصعب تبين قسماتها بكل وضوح في الوقت الراهن لكنها بالتأكيد ستكون مغايرة للملامح التي كان يتسم بها فيما مضى .
وكلنا أمل أن تكون بداية لبناء مغرب عربي حقيقي توحد فيه العملة، وترفع الحواجز الجمركية… ويصبح بذالك المغرب العربي تكتلا إقليميا يضاهي باقي التكتلات الإقليمية التي توجد بالمنطقة ، وهذا هو ما سيجعلنا نتقدم ببعض المقترحات لعلها قد تسعف المهتمين و المسؤولين في إيجاد صيغة ناجحة لبلورة و تفعيل الاتحاد الذي ظل بين مد جزر ، و ما بين واقع التعثر و جهود التكامل .
المقترحات
و بهذا فانه انطلاقا مما سبق فإننا نضع المقترحات الآتية
– أولا : لتحقيق فعالية اتحاد المغرب العربي ينبغي إعادة النظر في الطبيعة المؤسساتية وإعادة ترتيب الصلاحيات ، والمهام والاختصاصات بالإضافة إلى أن جل هده الأجهزة تحتاج إلى تفعيل ، بمعنى انه لا بد من المواكبة واستقلالية كل جهاز ، لأنه و حسب معاهدة إنشاء الاتحاد فكل القرارات و المشاريع والمخططات تبقى دائما رهينة بموافقة مجلس الرئاسة عليها
و من تم وجب إعادة النظر في هده القضية كما أن معاهدة المغرب العربي غلب عليها طابع الاقتضاب ، الشيء الذي يقتضي ضرورة إعادة صياغة هده المعاهدة بما يضمن توسعها و تطرقها بشكل مفصل للأجهزة وتجاوز بعض النقط السلبية التي اشرنا لها في متن البحث .
– ثانيا : يجب ان يكون للاتحاد دور مستقل كمؤسسة قومية بعيدة كل البعد عن النزاعات التي قد تنشأ أطرافه ، وهده الاستقلالية وان كانت صعبة التحقيق إلا أن توافق الإرادات المغاربية ، من أجل هدف وحدوي قومي مشترك ، و التنازل عن جزء من السيادة الوطنية لصالح هذه المؤسسة القومية أمر قدلا يكون مستحيلا .
– ثالثا : حسم الخلافات البينية ( حالة المغرب و الجزائر ) لأن النزاعات تفضي الى العديد من السلبيات وفي مقدمتها
– فراغ في التنسيق الإداري والاقتصادي و السياسي و الثقافي
– إضعاف المعاملات البينية بين الدول
– رابعا : في ما يتعلق بحسم الخلافات البينية على دول الاتحاد أن يكون لها دور فعال في
التدخل للعمل على حل هذه المشكلات والخلافات عن طريق تحكيم فعال وبالتالي فان الهيئة القضائية المذكورة في المادة الثالثة عشر ” … تختص بالنظر في النزاعات المتعلقة بتفسير وتطبيق المعادة و الاتفاقيات المبرمة في إطار الاتحاد والتي يحيلها إليها مجلس الرئاسة …”
و بهذا فانه يظهر جليا أن من اختصاص الهيئة حل النزاعات الخاصة بتفسير وتطبيق الاتفاقيات ونجد هذه الهيئة يغيب عنها دور حل النزاعات التي تنشأ بين دول الاتحاد والتي قد لا تكون موضوع معاهدة اواتفاقية ، الشيء الذي يقتضي و حسب رأينا أن يتم إنشاء محكمة عدل مغاربية تختص بالنظر في جميع القضايا سواء كانت موضوع اتفاقية أو لا، وحتى في قضايا الأفراد لكي يكون لهدا الجهاز طابع قومي على غرار محكمة العدل الدولية كما وسبق أن اشرنا في متن البحث ، و كدالك قوات ردع مغاربية دائمة للدفاع المشترك .
– خامسا : تطوير التعاون الاقتصادي المشترك و هدا يتطلب ما يلي
1.تعزيز القدرات الاقتصادية المغاربية والتنمية القومية
2. استثمار الأموال المغاربية لمصلحة دول الاتحاد واستثمار الموارد المائية والنفطية … لتحقيق التكامل القومي
3. إيجاد صيغ ثابتة للتعاون الاقتصادي بين دول الاتحاد، وبينها و بين الدول الإفريقية و الدول الأخرى …
4. وضع خطة مندمجة عن طريق الأجهزة المتخصصة في الاتحاد للوصول للحد الأدنى من الاكتفاء الذاتي ( الصناعة – الزراعة …)
– سادسا : يجب أن يتميز القادة في دول الاتحاد بالفكر القومي، على أن ينصب اهتمامهم
الأول على النهوض بالاتحاد في مختلف المجالات ليصبح تكتلا إقليميا له كلمته في شمال إفريقيا..
– سابعا : تكثيف الجهود الفكرية وتشجيع البحث العلمي و الإمكانيات المادية لامتلاك
تكنولوجيا حديثة و متطورة.
– ثامنا : إقامة قيادة عسكرية مشتركة وقوات مغاربية فعالة توضع رهن إشارة الاتحاد للدفاع
عن القضايا المصيرية الداخلية و الخارجية.
– تاسعا : تكثيف وتطوير العمل الإعلامي من أجل تحسين الصورة المغاربية لدى الرأي العام
العالمي وهذا يعد أساسا من مهمات الأمانة العامة للاتحاد
– عاشرا : إنشاء و توطيد روابط مختلفة في دول الاتحاد و الدول العربية و التي تعنى
بشؤونه وتقوم بوصل الفعاليات الفكرية المغاربية و العربية بعضها ببعض و بينها و بين الاتحاد، حتى يكون كذلك على بينة من ما يقع في داخل الاتحاد و في بلدان العالم العربي .
إن تنفيذ هده المقترحات ونحن في القرن الواحد والعشرين وبعد الربيع العربي يحتاج إلى توعية ،مغاربية شعبية عامة والى إدراك قومي مغاربي واسع والى وحدة أو اتحاد مغاربي ،قومي حتى تستطيع مواجهة مجريات العصر وتحديات الآخرين ، و من تم لإزالة الخلافات و المحافظة على السلم والأمن تحت راية مغاربية واحدة ترفرف في سماء اتحاد المغرب العربي ، وما ذالك على الله بعزيز.
والله ولي التوفيق ومولاه.
(محاماه نت)