دراسات قانونية

مشكلات تطبيق المادة 49 من مدونة الأسرة (بحث قانوني)

معيقات تطبيق المادة 49 من مدونة الأسرة

لمياء الراضي

دبلوم الماستر في القانون الخاص تخصص الأسرة و التنمية‎

سنحاول فيما يلي الوقوف على أهم الهفوات التشريعية المتعلقة بالإثبات في (محورأول) على أن نتعرض في (المحور الثاني) لجل المعيقات الواقعية و القضائية التي أفرزها تنزيل مقتضيات المادة 49 من مدونة الأسرة .

المحور الأول : الهفوات المتعلقة بالإثبات

نصت المادة 49 في فقرتها الأخيرة على أنه : ” إذا لم يكن هناك اتفاق فيرجع للقواعد العامة للإثبات ، مع مراعاة عمل كل واحد من الزوجين، وما قدمه من مجهودات، وما تحمله من أعباء لتنمية أموال الأسرة”.
فقد يحدث ألا يتفق الزوجان على إبرام اتفاق مستقل عن عقد الزواج تتحدد بموجبه كيفية تدبير الأموال المشتركة خلال الحياة الزوجية لنجد أنفسنا أمام نزاع تغيب فيه إرادة الطرفين وأمام هذه الوضعية و محاولة من المشرع لإيجاد حل لها ، نجده يخول الزوجين الرجوع إلى القواعد العامة للإثبات ، إلا أن هذا الحل أثار عدة إشكالات عملية .

فبالرجوع إلى مقتضيات المادة 49 نجد أن المشرع أحال على القواعد العامة للإثبات دونما أدنى توضيح للمقصود من قواعد الإثبات .
فهل قصد المشرع الإحالة على القواعد العامة للإثبات المضمنة في إطار قواعد القانون المدني ، أم تلك المنصوص عليها في الفقه المالكي عملا بالإحالة عليه من خلال المادة 400 من مدونة الأسرة ؟.
ذلك أن الإحالة على الفقه المالكي تقتضي بالضرورة اعتماد وسائل الإثبات المضمنة في أحكامه ، و المتمثلة في بالبينة الشرعية و ما توفره من حرية في الإثبات تمكن كل من الطرفين من إثبات ادعائه شرط أن تكون البينة الشرعية مستوفية لشروط صحتها[1] .

و هي وسائل تختلف عن تلك المضمنة في قانون الالتزامات و العقود فالفصل 489 منه مثلا ينص على أنه: ” إذا كان البيع عقارا أو حقوق عينية أو أشياء أخرى مما يمكن رهنه رهنا رسميا وجب أن يجري البيع كتابة في محرر ثابت التاريخ ” حيث لا يجوز إثبات ما تقدم بالبينة الشرعية بل لا بد من دليل كتابي .
الشيء الذي يؤكد أن القواعد العامة للإثبات لا يمكن أبدا أن تساعد على منح المدعي حقا لم يسجل كتابة ، إذا كانت هذه الممتلكات عقارات، سواء كانت هذه العقارات محفظة حيث تمنع قاعدة تطهير الصك العقاري من المساس بملكية الشخص المسجل عليه العقار لأن ما سجل بالصك العقاري لا يمكن الطعن فيه إلا بادعاء الزور أو التدليس ، كما أن ثبوت الزور أو التدليس في هذه الحالة لا يرتب إلا الحق في التعويض دون المساس بملكية العقار[2] ، أو كانت غير محفظة أو حقوقا عقارية أو كل ما يقبل الرهن رسميا، مما لا يمكن إثباته إلا كتابة و ذلك من قبيل كل اتفاق أو التزام تجاوزت قيمته 10000 درهــــــــــــــم[3] . أو بالتسجيل في الشكل المحدد قانونا[4] .

وانطلاقا مما سبق يمكن القول أنه لا يمكن تصور تحقيق ما رامت إليه مقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 49، إلا بإعادة صياغة المادة 49 بحيث يحذف الاحتكام إلى القواعد العامة للإثبات، لتصبح الفقرة الرابعة من المادة 49 على الشكل التالي : ” إذا لم يكن هناك اتفاق تقوم المحكمة بتقسيم الممتلكات المتراكمة أثناء فترة الزوجية مراعية ما بذله كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات لتنمية أموال الأسرة سواء بعمله داخل البيت أو خارجه “[5] .

و هو الاتجاه الذي سارت عليه وزارة العدل في شرحها لمقتضيات المادة 49 عندما جاء في الدليل العملي بأنه: ” في حالة ادعاء أحد الزوجين أنه ساهم في تنمية أموال الآخر المكتسبة خلال فترة الزوجية، فإن له أن يثبت هذه المساهمة بكل وسائل الإثبات “.
دون أن نغفل أن المادة 49 في فقرتها الأخيرة أقرت قاعدة جديدة في الإثبات بشأن الممتلكات الأسرية، فإذا كانت القاعدة في مجال الإثبات أن البينة على المدعي[6] و اليمين على من أنكر فإن المادة 49 تنص على أنه : ” يرجع للقواعد العامة للإثبات مع مراعاة عمل كل من الزوجين و ما قدمه من مجهودات في تنمية أموال الأسرة “.

و هو ما أثار الكثير من النقاش بين الفقه و القضاء حيث فتحت المادة الباب للعديد من التأويلات، لكون القضاء أصبح مدعوا إلى تقييم و تقدير عمل كل واحد من الزوجين من خلال إعمال سلطته التقديرية .
و هكذا فإن عبارة ” يرجع للقواعد العامة في الإثبات ” لا تسعف في إثبات الأموال الأسرية و ذلك لاقترانها بعبارة ” مع مراعاة عمله و ما قدمه… و ما تحمله من أعباء ” الشيء الذي يجعل الإثبات وحده غير كاف لتحصين الادعاء أو نفيه مما يجعل الحجة المعتمدة في مجال الأموال المكتسبة مجرد قرينة قابلة لإثبات العكس.

كما أن المشرع عندما أعطى المدعي إثبات ما يدعيه بكافة وسائل الإثبات وضع شروطا لذلك تتلخص في :
– تحديد طبيعة عمل كل من الزوجين .
– إثبات المجهودات التي قدمها الطرف المدعي لتنمية أموال الأسرة .
إلا أن المشرع لم يحدد طبيعة هذه الأعمال أو المجهودات أو حتى المقصود بتحمل الأعباء فهل يمكن القول أن كل فعل صدر عن أحد الزوجين سلبيا كان أو إيجابيا ماديا أو معنويا و ساهم في تنمية أموال الأسرة يعتبر عملا بمفهوم المادة 49 من المدونة ؟[7].

المحور الثاني :المعيقات الواقعية و القضائية

لا بد من الاعتراف بوجود مجموعة من العوامل التي تحد من إمكانية تطبيق المادة 49 على أرض الواقع ، لعل أهمها تعارض أحكامها مع عادات و أعراف المجتمع المغربي التي تقضي بحسن النية في الزواج .
حيث يجد الزوجان حرجا في إبرام اتفاق يحدد كيفية تدبير أموالهما المشتركة لما قد يعبر عنه من سوء نية و مس بالثقة المفترضة بين الزوجين، و هو ما يدفع الزوجين إلى الإعراض عن إبرام مثل هذا الاتفاق حتى في الحالات التي تتأكد لهما أهميته و مصلحتهما في إبرامه و ذلك لتعارض ذلك مع أعراف المجتمع إذ يبقى العرف أقوى من القانون في هذه الناحية .
كما أن الفهم الخاطئ للمادة 49 أدى إلى بروز مجموعة من النتائج السلبية و منها عزوف الشباب عن الزواج بدعوى عدم الرغبة في اقتسام ممتلكاتهم مع الزوج الآخر دون إدراك منهم لضرورة وجود اتفاق مستقل عن عقد الزواج يخول هذه الإمكانية ، وإلا فإن الأصل يبقى دائما انفصال الذمة المالية للزوجين .
أما في حالة عدم وجود هذا الاتفاق و رغبة أحد الزوجين في الاستفادة من أحكام المادة 49 فلا بد من إثبات المساهمة في تنمية أموال الأسرة وفق ما سبق بسطه دون أن يشمل الادعاء ممتلكات الزوجين قبل إبرام عقد الزواج، وإنما ينحصر في الأموال المكتسبة خلال مدة الزواج ليتم تقدير نصيب المدعي على ضوء ما قام به من أعمال و مجهودات وأعباء ساهمت في تنمية المال ووسعت من استثماره[8] .
هذا وبرجوعنا إلى المادة 49 من مدونة الأسرة فإننا نجدها تنص على إلزام العدلين بإشعار الزوجين بإمكانية إبرام عقد مستقل لتدبير أموالهما المكتسبة خلال فترة الزوجية .
إلا أن الواقع يِكد أن العدلين غالبا ما يستعيضان عن هذا الإجراء و لا يعيرانه أدنى أهمية خاصة مع غياب النص على أي جزاء يطبق في مواجهتهما عند الاستعاضة عن إشعار الزوجين بإمكانية الاتفاق على تدبير الأموال المشتركة وفقا لما تقضي به المادة 49 من مدونة الأسرة لا ضمن مواد المدونة و لا ضمن فصول القانون الجنائي .
الشيء الذي يعتبر عاملا أساسيا في التقليص من حالات الاتفاق على إبرام هاته العقود خاصة مع انتشار الأمية في المجتمع المغربي من جهة و ضعف التوعية بأحكام القانون من جهة ثانية .
و هو ما يدعونا إلى مطالبة المشرع بالتدخل سريعا لإقرار جزاء يطبق في مواجهة العدلين عند إهمالهما إشعار الزوجين بإمكانية إبرام عقد مستقل عن عقد الزواج لتدبير أموالها المشتركة خلال الحياة الزوجية .
و إذا كان مسبق يدخل ضمن زمرة الصعوبات الواقعية التي تحد من فعالية مقتضيات المادة 49 فإن القضاء بدوره كرس لهذه المحدودية ، فالمعلوم أن المحكمة تلقي بعبء الإثبات على الزوجين أثناء نظرها في دعوى تقسيم الممتلكات في حالة غياب اتفاق مكتوب يوضح نصيب كل واحد منهما لكن هذا لا يعني أن تتخذ المحكمة موقفا سلبيا من النزاع بل على القاضي نظرا لما يتمتع به من سلطة تقديرية في توجيه مسطرة التحقيق أن يساعد الطرفين أو يمكنهما من الوسائل اللازمة لتقدير مقابل عملهما و بيان أوجه التقدير رغم ما يكتنفه من صعوبات [9].
وهو ما أوضحه حكم للمحكمة الابتدائية لوجدة جاء في حيثياته أنه :
” و حيث إنه لما كان مدار النزاع في النازلة يتعلق بمدى مساهمة المدعية في تنمية الأموال التي اكتسبها المدعى عليه خلال قيام العلاقة الزوجية و أحقيتها فيها تطبيقا للمادة 49 من مدونة الأسرة , فإنه ثبت للمحكمة من خلال وثائق الملف أن المدعية لم تدل بأية حجة مقبولة قانونا للإثبات في إطار القواعد العامة لإثبات مساهمتها في تنمية الأموال المكتسبة خلال فترة الزواج
و حيث أن المحكمة و في إطار إجراءات تحقيق الدعوى أمرت بإجراء بحث شخصي بين الطرفين تخلف عنه الطرفين رغم تكرار استدعائهما فتعذر عليها بذلك البحث في وقائع الملف و استجلاء ما يمكن أن ينتج أثره في موضوع الدعوى و بالتالي فإن طلبها يبقى غير مبرر” [10].
و هو ما يوضح أن القضاة من خلال هذا الحكم سخروا ما يتمتعون به من سلطة تقديرية في مجال التحقيق للأمر بإجراء بحث شخصي لمحاولة كشف الستار عما ساهمت به الزوجة في تنمية أموال الأسرة حتى مع عدم قدرة الزوجة على إثبات مساهمتها طبقا للقواعد العامة في الإثبات .

إلا أنه و في المقابل نجد جانبا من القضاء يقتصر على الاعتماد على القواعد العامة للإثبات دونما إعمال لسلطتهم التقديرية في مجال التحقيق الشيء الذي يعد عائقا لاستفادة الزوجين من أحكام المادة 49 من مدونة الأسرة .
و ذلك من قبيل الحكم الصادر عن قسم قضاء الأسرة بالمحكمة الابتدائية بالدار البيضاء في الملف عدد 2004/1024 بتاريخ 21/02/2005 بخصوص دعوى التطليق للشقاق و الفصل في الأموال المكتسبة أثناء الزوجية الذي جاء في إحدى حيثياته : ” وحيث أن المدعي قد ادعى حقا فيما اكتسبته زوجته خلال فترة الزواج و لم يدلي بما يثبت مساهمته في تنمية تلك الأموال ، وأن الوثائق المدلى بها من طرفه لا تنهض كحجة في إثبات ما يدعيه و بذلك يبقى طلبه مخالفا القواعد العامة في الإثبات و يبقى غير مبرر ويتعين التصريح برفضه “.

و هو الحكم الذي عبر أستاذنا محمد الكشبور عن عدم تأييده له و اعتبره بمثابة تكريس لما ساد في ردهات المحاكم قبل دخول المدونة حيز التطبيق ، خاصة و أن المشرع من خلال المادة 49 من مدونة الأسرة أعطى دورا إيجابيا للقضاء من خلال تخويله سلطة تقديرية واسعة لتقدير مساهمة الزوجين في تنمية أموال الأسرة فللمحكمة بناءا على سلطتها التقديرية أن تجري تحقيقا عند عدم قدرة المدعي على إثبات ما يدعيه طبقا للقواعد العامة في الإثبات ، و هو الشيء الذي استعاضت عنه المحكمة في الحكم المدرج أعلاه حيث اكتفت بعدم قدرة المدعي على إثبات ادعائه وفقا للقواعد العامة في الإثبات للحكم برفض الطلب دونما إعمال لسلطتها التقديرية في مجال التحقيق إذ كان لها أن تبحث مثلا في كيفية تحول الذمة المالية للزوجين و ذلك بالتأكد من مصادر ثروة الزوجة و إذا ما آلت إليها عن طريق الإرث أو الوصية أو التجارة حتى تستطيع المحكمة بناءا على ما استخلصته تحديد ما ستحكم به لتحكم إما برفض الدعوى أو بتعيين نصيب كل طرف بناءا على قواعد العدل و الإنصاف [11].

 

(محاماه نت)

إغلاق