دراسات قانونية

بحث قانوني حول مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات في التشريع

مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات في التشريع المغربي

خالد بامو :طالب باحث في سلك الماستر المتخصص – القانون والممارسة القضائية- بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية –السويسي- الرباط.

مقدمة:

تعتبر مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات مولودا جديدا أنجبه قانون المسطرة الجنائية الجديد والصادر بتاريخ 03 اكتوبر2002 والداخل حيز التنفيذ بتاريخ 02/10/2003 ،وقد أتى المشرع بهذه المؤسسة لاستكمال بناء دولة الحق والقانون التي من أسسها صيانة كرامة الإنسان بصفة عامة والسجين بصفة خاصة ولتحقيق الغاية من العقوبة التي هي الإدماج والإصلاح عن طريق الرقابة القضائية على تنفيذ العقوبة السالبة للحرية ومحيط قضاء هذه العقوبة الذي هو المؤسسات السجنية وعليه فالهدف من إحداث مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات هو تدعيم ضمانات حقوق الدفاع وصيانة كرامة المعتقل بالإضافة إلى استمرار الحماية القضائية للمحكوم عليه بعد صدور الحكم وهو شيء ايجابي لان صلة القضاء بالمحكوم عليه كانت تنتهي بمجرد صدور الحكم ليصبح تنفيذه بيد جهاز إداري ومن خلال تصفح المقتضيات القانونية المحددة لصلاحيات هذه المؤسسة في إطار قانون المسطرة الجنائية المغربي نجد أن اختصاصات قاضي تطبيق العقوبة تنحصر في حدود مهام إدارية واقتراحيه فقط دون أية اختصاصات قضائية احتراما لمنهج التشريع التدريجي وذلك لضمان فعالية هذه المؤسسة وعدم الوقوع في سلبيات التضخم الإجرائي .
ونظرا لما تكنسيه مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات من أهمية سواء من ترسيخ قواعد العدالة وحماية كرامة المعتقلين ونزلاء المؤسسات السجنية سنحاول معالجة هذا الموضوع من خلال الصلاحيات التي خولها المشرع لهذا المولود الجديد ،وبيان انواع القرارات التي يصدرها وذلك بالاعتماد على التقسيم التالي :

المبحث الأول : تعيين قاضي تطبيق العقوبات واختصاصه
المبحث الثاني : أنواع القرارات التي يصدرها قاضي تطبيق العقوبات وخصائصها

المبحث الأول : تعيين قاضي تطبيق العقوبات وصلاحياته

إن مؤسسة قاضي تطبيق العقوبة في ضوء المسطرة الجنائية الجديدة تعكس الذكاء والحنكة القانونية التي يتمتع بها المشرع المغربي في الاستفادة من القانون المقارن ودلك بأخذه منه الصالح فقط مع إدخال بعض التعديلات المناسبة والملائمة, والتي تتم بالأبعاد الاجتماعية والإصلاحية والحداثة بهدف الحصول إلى المحاكمة العادلة ,مع استحضار كل المبادئ الأساسية الكبرى لحقوق الإنسان في كل باب من أبوابها,فكانت ثمرة تطعمه كل المبادئ السابقة الذكر لقانون المسطرة الجنائية الصادر بتاريخ 10فبراير 1956,فأنجبت مسطرة جنائية جديدة برقم 01-22 مع مولودها المتطور ألا وهي مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات الذي لو يكن معروفا من قبل في المغرب. فكيف يتم تعيين قاضي تطبيق العقوبات بالمغرب؟وما هي مهامه؟

المطلب الأول : تعيين قاضي تطبيق العقوبات بالمغرب

استنادا إلى المادة 596 من ق.م ج. الجديد رقم 01-22 فانه يعين قاضي أو أكثر من قضاة المحكمة الابتدائية للقيام بمهام قاضي تطبيق العقوبات[1],ويعين هؤلاء بقرار لوزير العدل لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد[2].ويعفون من مهامهم بنفس الكيفية .وفي حالة حصول مانع لقاصي تطبيق العقوبات حال دون قيامه بمهامه يعين رئيس المحكمة الابتدائية قاضيا ينوب عنه بضفة مؤقتة,ويمكن أن يعين أكثر من قاضي لتطبيق العقوبات بنفس المحكمة.
يستخلص ادن من خلال المادة أعلاه أن قاضي تطبيق العقوبات هو من ضمن مستجدات ق.م.ج.ج,ودلك أن القوانين المسطرية الجنائية القديمة لم تشر إلى هده الوظيفة البالغة الأهمية ,فالعمل القضائي اظهر بجلاء ضرورة ملحة لإقرار هدا المنصب تحقيقا لمبدأ العدالة ,خصوصا فيما يتعلق بإجراءات تطبيق العقوبات الحبسية وقضايا الاعتقال الاحتياطي والإكراه البدني وطلبات العفو والإفراج المقيد.وفرض هدا الوضع أيضا ما ألت إليه وضعية المؤسسات السجنية وما عرفته من اكتظاظ في حجم طاقتها الايوائية ,وكدا استنادا إلى مبدأ التحكم في السياسة الجنائية للاعتقال,وتحقيق نوع من الضمان لحقوق نزلاء المؤسسات السجنية.ولتحقيق عدالة جنائية سليمة ينبغي أن يتوفر شرط الكفاءة القانونية والعلمية لدى القضاة الممارسين لمنصب قاضي تطبيق العقوبات باعتبار هذا الشرط يؤثر بشكل ايجابي على نوعية العطاء القانوني وكدا نوعية المرد ودية ,هذا إلى جانب ضرورة الأحد بعين الاعتبار الجانب الشخصي والنفسي والرغبة في ممارسة هده المهنة من طرف الشخص المؤهل تعيينه لهدا المنصب.

إن خلق هدا المنصب الجديد لا يعتبر في الأصل مكسبا جديدا فحسب وإنما هو في حقيقة الأمر ضرورة ملحة فرضت نفسها بإلحاح وأصبحت أمرا حتميا تفرضه قواعد العدالة وحماية كرامة المعتقلين ونزلاء المؤسسات السجنية.فإقرار اعتقال شخص ما يعني بالمقابل قيد ومس بحريته الشخصية,لهدا قرر المشرع في عدة فصول أن المس بهاته الحرية بدون سند مشروع جريمة يعاقب عليها تبعا للقانون الجنائي.وعليه فان ضمان وضعية الاعتقال حتى ولو كان مستندا أصلا على سند قانوني صحيح,يجب أن يتم ضمن قواعد مسطرة خاصة يتولى قاضي مختص مراقبة مدى سلامة الإجراءات المتعلقة بها كما هو الحال مثلا بالنسبة للإكراه البدني.فانه بالرغم من اعتباره مخولا له قانونا بتنفيذ العقوبات الحبسية ومن ضمنها بالطبع الإكراه البدني,فانه يتعين عدم مباشرة تنفيذها إلا بعد إطلاع قاضي تطبيق العقوبات عليها والموافقة عليها ومراقبة مدى توفرها على الشروط المتعلقة بها المقررة في الفصل 640 من قانون المسطرة الجنائية [3].

ومسالة تعيين قاضي تطبيق العقوبات بقرار من طرف وزير العدل مفوض أصلا لوزير العدل إلا انه عمليا ,فان رئيس المحكمة الابتدائية هو الذي يحدد استنادا لمباشرته الدائمة ولعلاقته المتواترة مع قضاة هده المحكمة,اختيار قاض أو مجموعة من القضاة,وتبقى الصلاحية لوزير العدل في إقرار احدهم أو بعضهم لتوجيه قرار التعيين لهدا المنصب الجديد.وتعتبر مسطرة تعيين قاضي تطبيق العقوبات من بين الحالات التي تجد تشابها مع بعض الأطر القضائية المختصة ومن ضمنها قاضي التحقيق والقاضي المكلف بالأحداث بالمحاكم الابتدائية ,والمستشار المكلف بالأحداث أمام محكمة الاستئناف .وهدا التشابه ينص على مجموعة من الإجراءات سواء في طريقة التعيين أو في مدته أو في طريقة تجديد التعيين ووضع حد للمهام.وان كان هدا يدل على شيء فإنما يدل على أن منصب قاضي تطبيق العقوبات هو من ضمن المناصب التي يوليها المشرع وكدا وزارة العدل بالنظر إلى المنظومة العامة للجهاز القضائي ككل عناية خاصة وبالغة الأهمية ,استنادا إلى أهمية المهام والاختصاصات الموكولة إليه التي سنتعرض لها في معرض حديثنا عن هده المؤسسة.

المطلب الثاني : الصلاحيات المخولة لقاضي تطبيق العقوبات

ما إن دخلت مقتضيات المواد 596الى 644من ق.م.ج المنظمة لمهام ق.ت.ع.حيز التنفيذ حتى أصبحت محل تساؤلات مثار عدة إشكالات بسبب ما تتسم به النصوص المعالجة للموضوع من اقتضاب وإجمال ,ووجوه تشابه بين صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات وجهات أخرى عهد إليها القانون بمراقبة قانونية الاعتقال والمؤسسات السجنية كالنيابة العامة وقاضي التحقيق, وقاضي الأحداث ورئيس الغرفة الجنحية ,الأمر الذي جعل مهمة قاضي تطبيق العقوبات صعبة وعسيرة في تطبيق النصوص تطبيقا سليما وتحقيق غاية المشرع منها.أمام هدا الوضع كانت الحاجة ماسة إلى من يضيء الطريق أمامه بتوضيح الغامض,وتفسير المبهم وتمييز المتشابه .وهداما سنحاول التطرق إليه بشيء من التوضيح وأملنا أن نصل إلى الهدف المنشود .حيث أجملت ديباجة قانون المسطرة الجنائية مهام قاضي تطبيق العقوبات استنادا إلى المادتين 596 إلى 644 من ق.م.ج. فيما يلي :

1 – زيارة المؤسسات السجنية مرة كل شهر على الأقل
2 – تتبع مدى تطبيق القانون المتعلق بتنظيم المؤسسات السجنية وتسييرها في ما يتعلق بقانونية الاعتقال وحقوق السجناء ومراقبة سلامة إجراءات التأديب الصادر بتاريخ 28 غشت 1999[4] والمرسوم التطبيقي له في 03نونبر [5]2000
3- تتبع وضعية تنفيذ العقوبات المحكوم بها من طرف المحاكم ومسك بطاقات خاصة بالسجناء
4 – الإطلاع على سجلات الاعتقال
5 – تقديم مقترحات حول الإفراج المقيد بشروط والعفو[6]
6 – التأكد من سلامة الإجراءات المتعلقة بالإكراه البدني[7]
ويمكن تفصيل أهم هده الصلاحيات المنوطة لقاضي تطبيق العقوبات من خلال الفقرات التالية

الفقرة الأولى : زيارة المؤسسات السجنية

في ظل قانون المسطرة الجنائة القديم كان ممثل النيابة العامة التي توجد ضمن دائرة اختصاص محكمة المؤسسة السجنية هو الذي يقوم بمهمة زيارة المؤسسات السجنية ومراقبة مدى تطبيق القانون في حق النزلاء أما قانون المسطرة الجنائية الجديد فقد أولى هده المهمة لقاضي تطبيق العقوبات الذي هو قاضي من قضاة الحكم,لدلك فهو مستقل استقلالا تاما عن السلطة التنفيذية بخلاف ممثل النيابة العامة الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالتسلسل الإداري وبوزارة العدل التي هي من السلطة التنفيذية .وبالتالي يمكن لقاضي تطبيق العقوبات زيارة هده المؤسسات مرة واحدة على الأقل كل شهر بإعداده لبرنامج خاص يطلع خلاله على سجلات الاعتقال والمعتقلين وظروفهم ,والاستماع إلى شكاياتهم الشفوية أو المكتوبة[8], وله أن يكرر زياراته للسجن في السهر لأن القانون لا يمنعه من دلك .

الفقرة الثانية : تتبع مدى تطبيق القانون المتعلق بتنظيم المؤسسات السجنية وتسييرها

تعتبر مراقبة الفضاء السجني من أهم الصلاحيات التي يضطلع بها قاضي تطبيق العقوبات في جميع الأنظمة القانونية التي تبنت نظام الإشراف القضائي ,اد على مستوى الفضاء المذكور-الفضاء السجني- يتم تحقيق الوظيفة النفعية للعقوبة في تأهيل المحكوم عليهم وإصلاحهم من خلال مراقبة مدى انضباط المعاملة العقابية لأحكام النظام السجني,وبذلك أصبح دور القضاء لا ينتهي بتقرير العقوبة الملائمة فقط , وإنما يمتد لتتبع وتقييم اثر العقوبة الصادرة في إصلاح المحكوم عليه عن طريق التدخل إن اقتضى الحال في تعديل العقوبة الصادرة,أو حتى استبدالها ,أو وضع حد لها.ومن تم فان امتداد الحماية القضائية للمحكوم عليهم إلى المؤسسات السجنية بإقرار مبدأ الإشراف القضائي على التنفيذ الجنائي إنما يرتبط بتحقيق هدفين :

أولهما :الحرص على ضمان حقوق المحكوم عليهم في مرحلة التنفيذ الجنائي والتي تعتبر بمثابة شروط أساسية للتأهيل الاجتماعي للمحكوم عليهم,وخرقها يؤدي دون شك إلى تعثر عملية الإصلاح ,كما يشكل في الوقت نفسه انتهاكا لحقوق أساسية يضطلع القضاء بحمايتها.
ثانيهما : وهو تحقيق التفريد الحركي للعقوبة عن طريق تفعيل بدائل العقوبة السالبة للحرية,ودلك متى استنفدت هذه الأخيرة وظيفتها الردعية والنفعية عن طريق التدخل في تعديل المقرر القضائي المتضمن للعقوبة ,كإيقاف تنفيذها أو تأجيلها أو تجزئتها أو حتى استبدالها بأحد التدابير المقيدة للحرية كالوضع تحت الاختبار أو تحت المراقبة القضائية أو العمل من اجل المصلحة العامة…

وهذا هو التصور الذي انطلق منه م.م في تحديد الصلاحيات المخولة لقاضي تطبيق العقوبات بخصوص تتبع مدى تطبيق القانون المتعلق بتنظيم المؤسسات السجنية وتسييرها والمعبر عنه في الفقرة السابعة من ديباجة قانون المسطرة الجنائية [9],وتأكيدا لهدا التصور فقد نص المسرع المغربي في الفقرتين الرابعة والخامسة من المادة 596 من ق.م.ج ’’ …..يتتبع مدى تطبيق القانون المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية في شأن قانونية الاعتقال وحقوق السجناء ومراقبة سلامة إجراءات التأديب ….’’.

يتضح من خلال هدا المقتضى القانوني أن نطاق الرقابة المخولة لقاضي تطبيق العقوبات على الفضاء السجني ينص على المسائل التالية :
أ – مراقبة قانونية الاعتقال
ب – مراقبة مدى مراعاة حقوق الإنسان
ج – مراقبة سلامة إجراءات التأديب داخل المؤسسة السجنية

أ – مراقبة قانونية الاعتقال

تعتبر الحريات الشخصية كحرية الاجتماع وحرية الرأي وحرية الصحافة احد الدعائم الأساسية لدولة الحق والقانون,والترجمة الفعلية لمفهوم المواطنة وكل مساس بهده الحريات في غير الحدود التي رسمها القانون يمثل انتهاكا للكرامة الإنسانية .ومن دلك الدستور المغربي الذي نص في فصله العاشر على انه لا يلقى القبض على احد ولا يعتقل ولا يعاقب إلا في الأحوال وحسب الإجراءات المنصوص عليها في القانون
ولقد وضع المشرع عدة ضوابط قانونية لإلقاء القبض على الأشخاص أو اعتقالهم ,كما خول للمعتقل مجموعة من الضمانات الإجرائية والموضوعية .
وتستمد قانونية الاعتقال من مبدأين أساسيين يشكلان احد ثوابت النظام العقابي,وهما :
– أن يتم الاعتقال بناء على سند[10]
– أن يتم الاعتقال بمؤسسة سجنية تابعة لوزارة العدل,باعتبارها المشرف على الجهاز العقابي في الدولة.وهدا ما نصت عليه المادة 608 من ق.م.ج[11]. ولهذا فان صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات في مراقبة قانونية الاعتقال تستهدف التأكد من قانونية تواجد المعتقل بالمؤسسة السجنية ودلك من خلال :
+ تسجيل المعتقل بسجل الاعتقال[12]
+ وجود سند مبرر للاعتقال وفق الشروط المحددة في القانون

ب – مراقبة مدى مراعاة حقوق السجناء

من المبادئ المسلم بها في علم العقاب ,أن العقوبة لا تلقي كلية حقوق المحكوم عليه,وإنما تضع لها حدودا وقيودا[13],ودلك بالقدر الذي يتطابق مع ما ورد في الحكم القضائي ,فمبدأ شرعية العقوبة أو التحديد القانوني للعقوبات والآثار المترتبة عنها,يقتضي أن لا تنصرف العقوبة إلا إلى الحقوق التي نشملها بنص القانون,دون باقي الحقوق الأخرى التي يبقى حق التمتع بها قائما دون قيود إلا ما ارتبط بالقيد العام وهو الحرمان من الحرية .وعليه فمراعاة حقوق السجناء داخل الفضاء السجني يعتبر شرطا جوهريا لنجاح المعاملة العقابية لكونها تعتبر من صميم الحقوق الأساسية للإنسان .وقد تعززت حماية هده الحقوق أكثر مع إحداث المشرع المغربي لمؤسسة قاضي تطبيق العقوبات وجعله مختصا بمراقبة مدى مراعاة الإدارة العقابية لحقوق السجناء, ودلك من خلال زيارته للمؤسسات السجنية والوقوف على ظروف الاعتقال ,ومن تم معاينة ظروف الصحة والنظافة والتهوية والتغذية وظروف العمل العقابي,ومناهج التأهيل التربوي والمهني.هدا بالإضافة إلى الاستماع والإنصات لإفادات السجناء وانجاز تقارير أو محاضر تفتيش توجه إلى وزير العدل[14] الذي ترجع له صلاحيات التدخل لتصحيح الأوضاع.

ج – إجراءات التأديب داخل المؤسسة السجنية

يعتبر الانضباط وسيادة الأمن ضرورة أساسية لتخفيف شروط المعاملة التهذيبية والإصلاحية لهذا كان طبيعيا أن تخول القوانين المنظمة للمؤسسة العقابية صلاحية اعتماد بعض الأساليب التي يكون من شانها تدعيم النظام والهدوء .وفي مقدمة هده الأساليب توقيع الجزاءات التأديبية على المحكوم عليهم الدين يأتون أفعالا تهدد الانضباط المطلوب .ولقد أناط المشرع بمدير المؤسسة السجنية مسؤولية المحا فضة على الأمن والنظام داخل المؤسسة , ودلك بمقتضى المادة 63من ظهير 25 غشت 1999[15] .أما مهمة قاضي تطبيق العقوبات في هدا الصدد فتتحدد في التأكد من مدى مراعاة تطبيق هده المؤسسة للقانون .غير أن فعالية هده الرقابة رهين بحجم الوسائل المقررة قانونا لقاضي تطبيق العقوبات في مراقبة الفضاء ألسجني والمتمثلة في الصلاحيات التالية : [16]

+ زيارة المؤسسة السجنية
+ الإطلاع على سجل التدابير التاذبية
+ الاستماع إلى إفادات السجناء وشكاياتهم
وبالتالي يقوم بحصر الخروقات التي يعاينها بخصوص إجراءات التأديب في تقرير يوجه إلى وزير العدل,ويحيل نسخة منه إلى وكيل الملك,وتبقى الصلاحية لوزير العدل لإحالة التقرير إلى مدير إدارة السجون الذي يملك الصلاحية القانونية لتصحيح ومراجعة الإخلال الملاحظ على مستوى الأحكام القانونية المتعلقة بإجراءات التأديب.وهدا ما نصت عليه المادة 60 من ظهير 23 غشت 1999 .

الفقرة الثالثة :مراقبة سلامة إجراءات الإكراه البدني

من بين المهام الأساسية التي أسندها قانون المسطرة الجنائية الجديد لقاضي تطبيق العقوبات الموافقة المسبقة على تطبيق مسطرة الإكراه البدني قبل الشروع في إجراءاتها ,لأنه في ظل القانون القديم كانت النيابة العامة هي التي تقوم بهده الإجراءات وهدا ما نصت عليه المادة 640 من ق.م.ج.ج.ومن أهم الصلاحيات المنوطة بقاضي تطبيق العقوبات في إطار مراقبة سلامة إجراءات الإكراه البدني وتحديد مدته في حق المدين المتضامن ودلك بمقتضى المادة 644 من ق.م.ج.وما يلاحظ على التعديلات الأخيرة لنظام الإكراه البدني في إطار قانون المسطرة الجنائية دلك الطابع الاستثنائي لمسطرة الإكراه البدني والتي تبرز ملامحه من خلال :[17] .
أ – تقييد مفعول مسطرة الإكراه البدني بالأحكام الباتة الغير قابلة لأي طريق من طرق الطعن عاديا كان أو غير عادي.فقد نصت المادة 598 فق 2 من قانون المسطرة الجنائية على انه ’’ لا يجوز تطبيق الإكراه البدني إلا اذا اكتسب المقرر المذكور قوة الشيء المقضي به’’ وهو ما أكدته أيضا الفقرة الأخيرة من المادة 415 من قانون المسطرة الجنائية.

ب – ربط مسطرة الإكراه البدني بمآل إجراءات التنفيذ على أموال المدين .وهدا ما يستنتج صراحة من خلال اشتراط المشرع في المادة 640 من ق.م.ج ضرورة إدلاء طالب الإكراه بما يثبت عدم إمكانية التنفيذ على أموال المدين تحت طائلة عدم الموافقة على طلب تطبيق الإكراه البدني .
ج – جعل إثبات العسر مانعا من تطبيق الإكراه البدني.نص المادم 635 من ق.م.ج
د – تخويل المدين فرصا اكبر لتفادي الخضوع لمسطرة الإكراه البدني , ودلك من خلال
1 – اشتراط مدة أطول في الاندار الموجه للمدين بالوفاء,بحيث أصبحت أكثر من شهر واحد,بعدما كانت في القانون القديم لا تتجاوز عشرة أيام (المادة 640 من ق.م.ج)
2 – تمتيع المدين بإمكانية إيقاف مفعول الإكراه البدني بالأداء الجزئي للدين ، مع الالتزام بأداء الباقي في تاريخ محدد (المادة645 منق.م.ج)
3 – تأجيل تنفيذ الإكراه البدني في حق المرأة الحامل أو المرضعة,في حدود سنتين من تاريخ الولادة (المادة 637 من ق.م.ج والمادة 77 من مدونة تحصيل الديون العمومية[18] )وهو ما يمثل بعدا إنسانيا مهما في إجراءات التنفيذ.
4 – عدم جواز إكراه المدين من اجل نفس الدين(المادة 647 من ق.م.ج)
5 – التخفيض من مدة الإكراه بحيث أصبحت لا تتجاوز 15 شهرا (المادة 638 من ق.م.ج )في حين كانت في القانون القديم تصل إلى حدود سنتين (المادة 678 من ق.م.ج الملغى )
6 – تخفيض سن الإعفاء من الإكراه البدني إلى 60 سنة بدل 65 في القانون الملغى(المادة 636 من ق.م.ج)ويمكن تحديد مدة الإكراه المعمول بها حاليا ،تطبيقا للمادة 638من ق.م.ج تبعا للجدول الآتي :

مدة الإكراه مبلغ الدين
من 6 أيام إلى 20 يوما أقل من 8000.00 درهم
من شهر إلى شهرين يعادل أو يفوق 8000.00 درهم ويقل عن 20.000.00 درهم
من شهر إلى شهرين يعادل أو يفوق 20.000.00 درهم ويقل عن 50.000.00 درهم
من 3 أشهر إلى 5 أشهر يعادل أو يفوق 50.000.00 ويقل عن 200.000.00 درهم
من 6 أشهر إلى 9 أشهر يعادل أو يفوق 500.000.00 درهم و يقل عن مليون درهم
من 10 أشهر إلى 15 شهرا يعادل أو يفوق مليون درهم
و تبقى صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات في مراقبة سلامة إجراءات الإكراه البدني رهينا بنوعية الوثائق التي تكون منها ملف الإكراه المحال عليه ،لتدقيق النظر حول تحقق شروط إعمال مسطرة الإكراه البدني حسب الوثائق المنصوص عليها في المادة 640 من ق.م.ج .

الفقرة الرابعة : اقتراح العفو و الإفراج المقيد بشروط

إن إسناد صلاحية اقتراح العفو و الإفراج المقيد بشروط لقاضي تطبيق العقوبات يعتبر الأثر الرئيسي و التجسيد الإجرائي لعموم اختصاصه في تتبع مدى تطبيق القانون المتعلق بتنظيم المؤسسة السجنية و تسييرها ،بحيث تمثل زيارة المؤسسات السجنية و الإطلاع على سجلات الاعتقال و ملفات السجناء ، و الاستماع إلى المحكوم عليهم و مسك بطائف خاصة بالسجناء و غيرها من الصلاحيات ،مجرد وسائل الغرض منها هو ضمان حقوق المحكوم عليهم خلال مرحلة التنفيذ الجنائي من جهة ، و من جهة أخرى تقييم مدى تحقق الأثر التهذيبي الإصلاحي للعقوبة من عدمه ،و دلك عبر تتبع سلوك المحكوم عليهم داخل الفضاء السجني ، و من ثم تقدير الحاجة إلى الاستمرار في تنفيذ العقوبة السالبة للحرية أم لا، بحيث ادا تأكد له بأن المدة التي قضاها المحكوم علية في السجن قد استغرقت الوظيفة النفعية للعقوبة و أن بوادر العلاج قد بدت من خلال سلوك المحكوم عليه ، و اقتراح الانتقال بالمحكوم عليه إلى مستوى آخر من المعاملة التهديبة ، تتحدد معالمه هده المرة في الفضاء المفتوح و الانتقال من المستويين المذكورين يتم مسطريا عبر مؤسستين قانونيتين ،هما الإفراج المقيد بشروط و العفو اللذان يتخذان بالإضافة إلى دلك طابع التدبير التشجيعي أو المكافأة التشجيعية للمحكوم عليهم الدين أبانوا عن سلوك قويم داخل المؤسسة السجنية ، و في هدا نصت المادة 33 من مرسوم 3 نونبر 2000 ، على أنه’’ يمكن أن يترتب عن حسن سيرة المعتقلين اقتراحهم لتغيير نظام اعتقالهم أو ترحيلهم أو ترشيحهم للاستفادة من العفو أو الإفراج المقيد بشروط أو لمنحهم رخص الخروج الاستثنائية ’’.

فما هي ادن الضوابط القانونية لاقتراح العفو أو الإفراج المقيد بشروط ؟ و ما هي المسطرة الواجب إتباعها في هدا الصدد؟

الضوابط القانونية لاقتراح العفو أو الإفراج المقيد بشروط :

إن أول ما يمكن ملاحظته بخصوص التنظيم التشريعي لمؤسستي العفو والإفراج المقيد بشروط،هو تعدد الجهات التي أناط بها المشرع مهمة اقتراح تمتيع المحكوم عليهم بمزايا هدين النظامين ،فبلاظافة إلى قاضي تطبيق العقوبات موضوع هده الدراسة ،والدي خول له المشرع هده الصلاحية بمقتضى الفقرة ما قبل الأخيرة من المادة 596 من ق.م.ج[19].هناك جهات أخرى تضطلع بهده الصلاحية .وهكذا فان وزير العدل ومدير إدارة السجون ومدير المؤسسة السجنية يشارك قاضي تطبيق العقوبات إمكانية اقتراح الإفراج المقيد بشروط [20].ولتأكيد هذا الأمر فقد وضع المشرع بعض الضوابط القانونية لممارسة صلاحية الاقتراح المذكور ،والتي يتعين مراعاتها عند المبادرة إلى اقتراح العفو أو الإفراج المقيد بشروط،وتتوزع هده الضوابط القانونية إلى :

ضابط موضوعي يتعلق ببعض المحددات والشروط القانونية التي اقرها المشرع لنظامي العفو والإفراج المقيد بشروط
ضابط مسطري ويهم الإجراءات الواجب إتباعها لتقديم مقترح العفو أو الإفراج المقيد بشروط

أ – المحددات القانونية لاقتراح العفو :

يعتبر العفو عموما وسيلة من وسائل انقضاء العقوبة وينقسم من حيث الجهة المصدرة له وكذا الآثار المترتبة عنه،إلى عفو عام أو شامل ،وعفو خاص.فالعفو الشامل تستقل باتخاذه السلطة التشريعية ،من أجل تعطيل النفاد القانوني لبعض النصوص الزجرية ،بخصوص يعض الجرائم التي ارتكبت في ظروف معينة أو فترة زمنية محددة [21]، وبالتالي وضع حد لسلطة المتابعة والحكم والتنفيذ في الجانب المرتبط بالحق العام، ودون المساس بحقوق الغير(الفصل 59 من ق.ج ،والمادة 596 من ق.م.ج)،اما العفو الخاص فيصدر عن جلالة الملك عملا بمقتضيات الفصل 34 من الدستور الذي ينص على ان ’’ الملك يمارس حق العفو ’’ والفصل 53 من القانون الجنائي الذي ينص على أن ’’ العفو حق من حقوق الملك …. ’’،وأيضا ما جاء في الفصل الأول من ظهير العفو الصادر بتاريخ 06 فبراير 1958 والمعدل بمقتضى ظهير 08 أكتوبر 1977،من أن العفو يرجع النظر فيه إلى الجناب الشريف.وبموجب هدا التعديل اتسع نطاق العفو الخاص إلى إمكانية إصداره سواء قبل تحريك الدعوى العمومية أو خلال ممارستها.وجدير بالدك ران العفو الخاص يصدر استجابة لمبررات متنوعة والتي يمكن إجمالها عموما في ما يلي :

1 – تدارك الأخطاء القضائية،عن طريق إنهاء العقوبة المحكوم بها وتصحيح الوضعية الجنائية للمحكوم عليه .
2 – تشجيع المحكومين عليهم الدين أبانوا عن سلوك حسن خلال مرحلة تنفيذ العقوبة و بالتالي السعي نحو إدماجهم في المحيط الاجتماعي .
3 – التخفيف من صرامة بعض الأحكام القضائية ودلك بردها إلى الحد المعقول الذي يستجيب لدواعي الرحمة بالنسبة لبعض الطوائف من المحكوم عليهم كالأحداث والنساء والشيوخ…،ويكون غالبا في المناسبات الدينية والوطنية في شكل عفو جماعي، لهدا يتعين على قاضي تطبيق العقوبات تتبع سلوك المحكوم عليهم داخل المؤسسة السجنية من خلال الزيارات والإطلاع على ملفات المعتقلين والاستماع إلى شكاياتهم والتثبت من وضعيتهم…،من أجل اقتراح السجناء الدين يمكنهم الاستفادة من العفو الملكي.

ب – المحددات القانونية لاقتراح الإفراج المقيد بشروط :

جاء نظام الإفراج الشرطي نتيجة تطور نظرة الفكر الجنائي لدور العقوبة في التأهيل الاجتماعي،عن طريق إصلاح المحكوم عليه مع الإدارة العقابية التي تسعى إلى خلق روح التعاون والرغبة في الإصلاح لدى المحكوم عليه ،فادا تبت ان العقوبة حققت أغراضها ولم يعد هناك مجالا للاستمرار فيها،وجب تغيير المعاملة التهذيبية للمحكوم عليه بما يتناسب ودرجة استقامته وصلاحه،وهو ما يوفره نظام الإفراج الشرطي أو الإفراج المقيد بشروط الذي عرفه القانون الجنائي المغربي في الفصل 59 [22]،والإفراج الشرطي كما يقول بعض الفقه،هو مرحلة وسط بين السلب الكامل للحرية ،والتمتع الكامل بالحرية ،ويعمل على الحد من خطورة الانتقال المفاجئ والسريع من السجن إلى الإفراج التام والنهائي الذي من شانه أن يؤدي بالمفرج عنه إلى تنكب الطريق والعودة إلى الجريمة [23]،فهو بمثابة مرحلة إعداد للاندماج الصحي والسليم في الحياة الحرة.’’

وبهذا المفهوم فان نظام الإفراج الشرطي يحقق العديد من الأهداف التي يمكن إجمالها في ما يلي :
-فهو وسيلة تهذيبية لمكافأة المحكوم عليهم حسني السلوك والتخفيف من اكتظاظ السجون وهو في النهاية تدبير مستقبلي للتأهيل الاجتماعي وللمعاملة في الوسط الحر.
أما بخصوص المحددات القانونية التي يتعين على قاضي تطبيق العقوبات،التأكد منها قبل تقديم اقتراحه بخصوص الإفراج المقيد بشروط ،فالملاحظ إن المشرع المغربي – وعلى غرار باقي التشريعات –وضع مجموعة من الشروط،والتي يمكن التمييز في إطارها بين شروط أو محددات موضوعية تتعلق بالوضع الجنائي للمحكوم عليه في الجانب المتعلق بالعقوبة الصادرة في حقه وباخل التجربة،المادة 622 من ق.م.ج [24]،ومحددات شخصية ترتبط بسلوك المحكوم عليه داخل المؤسسة العقابية حسب نفس المادة الفقرة الأولى من المادة 33 من مرسوم 3 نونبر 2000 .

المبحث الثاني :أنواع القرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات وخصائصها

يصدر قاضي تطبيق العقوبات عدة أنواع من القرارات تتعلق بالإكراه البدني (المطلب الأول)والتي تتميز عن غيرها من القرارات الاخرى بعدة خصائص (المطلب الثاني)

المطلب الأول : أنواع القرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات

يصدر قاضي تطبيق العقوبات ثلاثة أنواع من القرارات ،قرار بتطبيق الإكراه البدن يفي (فقرة أولى ) وقرار بتطبيق الإكراه البدني مع تحديد المدة في (فقرة ثانية،)وقرار بعدم تطبيق الإكراه البدني في (فقرة ثالثة ).

الفقرة الأولى : القرار بتطبيق الإكراه البدني

يصدر هدا القرار بعد تأكد قاضي تطبيق العقوبات من استيفاء الملف للإحكام الإجرائية والموضوعية للإكراه البدني وانتفاء أي مانع من الموانع المقررة قانونا،فهدا القرار لا يشكل إضافة إجرائية نوعية في مسطرة الإكراه البدني وإنما يقتضي فقط على التصريح بمطابقة الإجراءات المتخذة من قبل طالب الإكراه البدني للمقتضيات المنصوص عليها قانونا.

الفقرة الثانية : القرار بتطبيق الإكراه البدني مع تحديد المدة

يصدر هدا القرار في نطاق المادة 644 من ق.م.ج،التي تنص على انه ’’ يحدد قاضي تطبيق العقوبات مدة الإكراه البدني المتعلقة بالمدين المطلوب تطبيق الإكراه في حقه،في حالة الحكم بتضامن المدينين وتراعى في ذلك حصة المدين المعني بالأمر من الدين’’وتثار بخصوص هذا القرار ثلاث مسائل على جانب كبير من الأهمية :
أ – الضوابط القانونية لتدخل ق.ت .ع ،في تحديد مدة الإكراه البدني ،طبقا لمقتضيات المادة 644 من ق.م.الجنائية .
ب – القانون الذي يتعين الاعتداد به في تحديد مدة الإكراه البدني
ج – إمكانية تقديم طلب مستقل إلى قاضي تطبيق العقوبات بتحديد مدة الإكراه البدني.

الفقرة الثالثة : القرار بعدم تطبيق الإكراه البدني

يصدر هدا القرار في الحالة التي يتأكد فيها قاضي تطبيق العقوبات من وجود مانع من موانع الإكراه البدني، أو تخلف أحد الشروط الشكلية .

المطلب الثاني : خصائص القرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات

جاء قانون المسطرة الجنائية خاليا من أية إشارة في هذا الشأن،غير أن ما ورد في المادة 640 في فقرتها الأخيرة من أن وكيل الملك لا يأمر أعوان القوة العمومية بإلقاء القبض على المدين إلا بعد صدور قرار بالموافقة على ذلك عن قاضي تطبيق العقوبات .لذلك يسعفنا على الأقل في القول بأن ما يصدر عن قاضي تطبيق العقوبات يسمى قرارا وليس حكما.
كما أن الانطلاق من الكيفية المسطرية العملية التي يمارس بها قاضي تطبيق العقوبات اختصاصاته وكذا نموذج القرار الصادر عنه الذي أعدته وزارة العدل في هذا الشأن،يسعف في بيان الخصائص التالية :

الفقرة الاولى: انه قرار يصدر عن جهة قضائية :

لكون ق.ت.ع يعين من بين قضاة المحكمة الابتدائية،م 596 من ق.م.ج[25] ،لذلك فانه يخضع لبعض شكليات وبيانات الأحكام القضائية ، ومن ذلك :
– صدوره باسم جلالة الملك
– يجب أن يكون معللا سواء كان بتطبيق الإكراه البدني أو عدم تطبيقه
– يجب أن يكون موقعا من طرف القاضي والكاتب

الفقرة الثانية: انه قرر يصدر في مسألة عير نزاعية :

وبالتالي فهؤلاء ينشأ ولا يقرر حقا لطرف معين ولا تأثير له على المراكز القانونية لإطراف المقرر القضائي موضوع مسطرة الإكراه البدني ويترتب على ذلك الآثار التالية :
– صدور قرار قاضي تطبيق العقوبات في إطار مسطرة غير تواجهية وفي غيبة الأطراف.
– عدم جواز إدلاء الأطراف بمذكرات أو أوجه دفاع أمام قاضي تطبيق العقوبات ،لأنه يضطلع بوظيفة المراقبة وليس البث في النزاعات، وبالتالي فلا جدوى من طرح المذكرات أمامه،وكذلك لأن المنازعات التي قد تثار أمام ق .ت.ع تعتبر نزاعات سابقة لأوانها ،لكونها إما أن تتعلق بصحة إجراءات الإكراه البدني وأما إن ترتبط بنزاعات عارضة تستلزم تأويلا وهو ما يخرج عن نطاق اختصاص قاضي تطبيق العقوبات .

الفقرة الثالثة:انه قرارا يشكل ركنا أساسيا في تطبيق مسطرة الإكراه البدني :

على الأقل بالنسبة للديون الخاضعة في استخلاصها لقانون المسطرة الجنائية ، وهذا ما يبرز بوضوح من خلال ما نص عليه المشرع في المادة 640 من ق.م.ج على أنه ’’ لا يمكن تطبيق الإكراه البدني في جميع الأحوال ولو نص عليه مقرر قضائي إلا بعد موافقة قاضي تطبيق العقوبات …’’ ،كما نص في الفقرة الأخيرة من المادة نفسها على ’’ إن وكيل الملك يأمر أعوان القوة العمومية بإلقاء القبض على الشخص المطلوب لتطبيق الإكراه البدني في حقه إلا بعد صدور قرار بالموافقة على ذلك عن ق.ت.ع[26] .’’ ويستثنى من هده الموافقة الحالة المنصوص عليها في م 641 من ق.م.ج وذلك عندما يكون المدين المطلوب إكراهه ما يزال معتقلا وأصبح الحكم الصادر في حقه مكتسبا لقوة الشيء المقصي به ’’

خاتمة:

يتضح من المهام التي أوكلها المشرع المغربي لقاضي تطبيق العقوبات في قانون المسطرة الجنائية الجديدة أنها اختصاصات إدارية بحتة تنعدم فيها سلطة القاضي في اتحاد القرار والتدخل لتعديل العقوبة وفي فلسفة تفرديها.وبالتطور الحاصل للمحكوم عليه،وبالتالي فان مهمته تبقى مقيدة ومحصورة بشكل عام في الإشراف على تنفيذ العقوبة والمراقبة والاقتراح.وذلك خلافا لما سارت عليه بعض التشريعات المقارنة ،ومنها التشريع الفرنسي بحيث وضع مقاييس محددة لقاضي تطبيق العقوبات ليتدخل في العقوبة باعتبارها وطبيعتها ومدتها.كما بإمكانه في بعض الحالات إدخال تغيير على المقررات القضائية أو اقتراحه الوضع تحت الحراسة .
وباستقرائنا لبعض قرارات قاضي تطبيق العقوبات في المغرب نجد أن صلاحياته لم تفعل بالشكل المطلوب حيث أنه يكتفي بتطبيق عقوبة الإكراه البدني دون غيرها من العقوبات الأخرى خصوصا على مستوى الفضاء السجني.
وتأسيسا على ذلك فقد بات من الضروري التفكير في خلق مهام جديدة واختصاصات أخرى لقاضي تطبيق العقوبات تنسجم مع مبدأ تفريدها،ولبلوغ هذه الفعالية ينبغي التنصيص في القانون الجنائي على بدائل للعقوبة السالبة للحرية يسهر هذا القاضي على تنفيذها في المجال المفتوح.خصوصا وان المشرع ترك المجال مفتوحا حين أشار في م 596 على انه- قاضي تطبيق العقوبات –بإمكانه ممارسة مهامه حسب هذا القانون وكذا بموجب نصوص أخرى .

 

(محاماه نت)

إغلاق