دراسات قانونية
المنازعات المثارة بشأن الوثائق المدعمة لمطالب التحفيظ (بحث قانوني)
المنازعات المثارة بشأن الوثائق المدعمة لمطالب التحفيظ.
عبداللطيف الشاوي
حاصل على دبلوم الماستر تخصص قانون المنازعات من كلية الحقوق بمكناس
إطار بمحكمةالإستئناف بمكناس
يقتضي منطق العدل أن لا يعتبر تقديم مطلب التحفيظ دليلا على وجود الحق، وإنما مجرد إشارة تعلن عن بدء إجراءات طويلة قد تسفر على تأسيس رسم عقاري وقد لا يحصل ذلك. وهذا ما أكد عليه المجلس الأعلى ( محكمة النقض حاليا ) في إحدى قراراته[1]، حيث جاء فيه ما يلي ” جميع الحجج المدلى بها… وكذا شهادة من المحافظة العقارية والتي عبارة عن مطلب فقط كلها لا تثبت المدعى فيه… “
وبناءًا على ذلك فمطلب التحفيظ هو مجرد قرينة بسيطة قابلة لإثبات العكس، ولا يمكن أن يعتبر دليلا كافيا على الملك، ويعد التحقق من مستندات مطلب التحفيظ من الاختصاصات الأصلية والحصرية الموكولة للمحافظ العقاري، والمقصود هنا بتحقق المحافظ العقاري من مستندات مطلب التحفيظ التأكد من تدعيم طالب التحفيظ لمطلبه بكافة الرسوم والعقود المؤيدة لحق ملكيته والحقوق العينية الأخرى المترتبة لصالح عقاره[2]، لهذا سنحاول في إطار هذه الدراسة البحث عن النزاعات المثارة بشأن الوثائق المدعمة لمطالب التحفيظ وذلك انطلاقا من التعديل الأخير الذي عرفه ظهير التحفيظ العقاري بمقتضى القانون 07-14، وبالتالي ستكون دراستنا منصبة على تدعيم مطلب التحفيظ بالمستندات في ضوء التضارب الحاصل بين الفصلين 14 و 37 مكرر من قانون 07-14 (الفقرة الأولى) على أن نتطرق في (الفقرة الثانية) لتدعيم مطلب التحفيظ بالمستندات في ضوء الفصل 3 من مدونة الحقوق العينية.
الفقرة الأولى: تدعيم مطلب التحفيظ بالمستندات في ضوء التضارب الحاصل بين الفصلين 14 و37 مكرر من قانون 07-14.
بما أن طلب التحفيظ هو الذي يعطي إشارة البدء لمسطرة طويلة من الإجراءات والتي يكون أساسها بيانات مطلب التحفيظ التي أدلى بها طالب التحفيظ، فإن صدور الرسم العقاري سيبنى حتما من الوثائق والمستندات المدعمة لهذا المطلب.
وهذا ما تم التنصيص عليه في الفصل 14 من ظهير التحفيظ العقاري الذي نسخ وعوض بالقانون 07-14 حيث نص ” بأن على طالب التحفيظ أن يقدم مع مطلبه جميع أصول الرسوم والعقود والوثائق التي من شأنها أن تعرف بحق الملكية وبالحقوق العينية المترتبة على الملك “.
فالظاهر من محتوى الفصل 14 أن على طالب التحفيظ أن يعزز طلبه بجميع الوثائق ومستندات التمليك التي تؤيد طلبه وذلك في حالة وجودها، أما في حالة عدم وجودها أو كانت توجد في حوزة شخص آخر فيكتفي طالب التحفيظ بالإشارة إلى ذلك مع بيان سبب تملكه، وعند الاقتضاء الإشارة إلى الشخص الذي توجد في حوزته الوثائق أو المستندات[3].
لذا وعلى هذا المستوى طرحت مسألة هل يعتبر مطلب التحفيظ دليل على وجود الحق؟ بمعنى آخر هل الوثائق والمستندات المرفقة بمطلب التحفيظ كافية لإثبات مطلية طالب التحفيظ ؟
بداية نسجل النقاش الذي أثاره الفصل 14 من ظهير التحفيظ العقاري، والخاص بإرفاق مطلب التحفيظ بالوثائق والمستندات المبررة لحق الملكية أولا أو لأحد الحقوق العينية حيث إن هذا الفصل رغم التعديل الأخير الذي عرفه بمقتضى قانون 07-14، فإنه لا يحمل في طياته أية صيغة تفيد الإلزام[4] والتي من شأنها أن تلزم طالب التحفيظ بالإدلاء بالوثائق الضرورية والمؤيدة لمطلب التحفيظ، هذا بخلاف بعض الباحثين الذين يرون أن الفصل المذكور في صياغته الجديدة تفيد إلزام طالب التحفيظ بالإدلاء بالحجج الكفيلة بالتعريف بالحقوق العينية المترتبة على العقار في حال وجودها[5]
لكن الإشكال يزداد حدة عندما نرجع إلى فصول ظهير التحفيظ العقاري، خصوصا في الباب الثاني ، المنظمة للتقييدات الواردة على العقارات المحفظة وبالضبط الفصل 72 نجده ينص على صيغة الوجوب ، وبالتالي لا يتم إجراء أي تقييدات إلا بعد الإدلاء بالوثائق المبررة لها ومراقبتها من حيث الشكل والجوهر والكل تحت مسؤولية المحافظ على الملكية العقارية.
إذن ما يمكن استنتاجه من خلال مقارنة الفصل 14 و72 من ظهير التحفيظ العقاري، أن الفصل الأول لا يتضمن أي مقتضى قانوني صريح يمنح للمحافظ صلاحية مراقبة وفحص المستندات والوثائق التي تثبت حق طالب التحفيظ عند تقديم مطلب التحفيظ أمام المحافظة العقارية، بخلاف الفصل 72 الذي ألزم المشرع من خلاله المحافظ العقاري بضرورة مراقبة المستندات والتحقق منها سواء من حيث الشكل أو المضمون كما يقضي بذلك الفصل المذكور.
وبالتالي يمكن أن نطرح التساؤل الذي يعتبر في نفس الوقت عبارة عن قراءة للفصلين المذكورين أعلاه، لماذا المشرع لم يحرص كل الحرص على المرحلة السابقة لتأسيس الرسم العقاري، حيث لم يلزم المشرع المحافظ بإلزامية مراقبة المستندات والوثائق سواء شكلا أو جوهرا، هذا بخلاف المرحلة اللاحقة لتأسيس الرسم العقاري، حيث نجد المشرع العقاري في هذه المرحلة قد ألزم المحافظ في الفصل 72 من ظهير التحفيظ العقاري من إلزامية التحقق من الوثائق والمستندات تحث مسؤوليته.
في هذا الإطار يثار التساؤل كذالك عن ما هو مآل مطلب التحفيظ الذي لا يكون مدعما بالوثائق والمستندات فهل سيكون مصيره الرفض ؟ أم يمكن القول بأن عدم تأييد مطلب التحفيظ بالوثائق والمستندات لا يؤثر على مركز طالب التحفيظ الذي يعتبر في مركز المدعى عليه، وبالتالي لا يقع عليه عبئ الإثبات لأن طلب التحفيظ هو قرينة قانونية على وجود الحق ؟
لقد طرح هذا المشكل منذ دخول ظهير التحفيظ العقاري حيز التطبيق، والقضاء المغربي لم يسجل موقفا صريحا بهذا الخصوص بل اعتبره مسألة جانبية رغم أهميته القصوى[6]، كما أن الفقه اختلف بشأن هذه المسألة، بحيث ذهب جانب منه، إلى أن المحافظ غير ملزم بإجبار طالب التحفيظ بالإدلاء بالمستندات والوثائق والمؤيدات[7]، على أساس أن المحافظ لا يتوفر على الوسائل التشريعية والعملية التي تسمح له بالتأكد من صحة الرسوم المدلى بها تأييدا لمطلب التحفيظ شكلا وجوهرا وكذا من أهمية مطلب التحفيظ كما هو الشأن بالنسبة للتقييد[8]
ويضيف أنصار هذا الاتجاه بأن مطلب التحفيظ لا يعتبر في حد ذاته دليلا على الملكية، وإنما مجرد افتراض لها، وأن المحافظ العقاري لا يعتبر سلطة قضائية وليست له الصفة للحسم في صحة الرسوم والوثائق المدلى بها تأييدا لمطلب التحفيظ[9]
وذهب اتجاه آخر إلى أن المحافظ ملزم بفحص المستندات المؤيدة لطلب التحفيظ، تفاديا لمحاولة السطو والاغتصاب والترامي على ملك الغير، ومن تم فإن مراقبة المستندات الخاصة بمطلب التحفيظ تتم تحت مسؤولية المحافظ، وذلك على غرار مسؤوليته المنصوص عليها في الفصل 72 من ظهير التحفيظ العقاري[10] ومن تم يتعين على طالب التحفيظ بأن يرفق طلبه بجميع رسوم التملك، ومختلف الوثائق التي من شأنها أن تعرف بالحقوق العينية المترتبة عن العقار[11]، ويعد التحقق من مستندات مطلب التحفيظ من الاختصاصات الأصلية الموكولة للمحافظ العقاري، وهو اختصاص يدخل في إطار إجراءات المسطرة الإدارية للتحفيظ، التي يشرف عليها المحافظ سواء انتقلت إلى المسطرة القضائية في حالة قيام النزاع حول التحفيظ أو انتهت إداريا بتأسيس الرسم العقاري[12]
والاجتهاد القضائي المغربي لم يظهر موقفا واضحا بصدد تحقق المحافظ العقاري من مستندات مطلب التحفيظ، إلا بعد انتشار مطالب التحفيظ الكيدية والتعسفية، ومن تم ذهبت محكمة الاستئناف بالرباط في قرارها إلى ضرورة إرفاق مطلب التحفيظ بالمستندات المؤيدة وتمديد رقابة المحافظ لتشمل حتى هذه الوثائق[13]
وفي نفس السياق أصدر المحافظ العام مذكرة موجهة للسادة المحافظين[14]، بحثهم على ضرورة إجراء رقابة دقيقة على كل الوثائق والمستندات تطبيقا لقواعد الرقابة الواردة في قانون التحفيظ العقاري، والتي تحثهم كذالك على أن مقتضيات الفصل 13 من ظهير التحفيظ العقاري وردت بصيغة آمرة تنص على وجود تضمين البيانات الواردة به حين إدراج مطالب التحفيظ، وكذا التذكير بأن الفصل 14 من ظهير التحفيظ العقاري يلزم طالب التحفيظ بإيداع كافة العقود والسندات المتعلقة بالحقوق العينية الواقعة على العقار المطلوب تحفيظه.
وبرجوعنا إلى مقتضيات ظهير التحفيظ العقاري، نجد الفصل 37 مكرر، الذي أضافه المشرع إلى قانون التحفيظ العقاري بموجب قانون 07-14، حيث ينص هذا الفصل على إلزام المحافظ بتعليل قراره وتبليغه لطالب التحفيظ في جميع الحالات التي يرفض فيها التحفيظ[15]
إذن لقد استحدث المشرع هذا الفصل في إطار قانون 07-14 حتى يتم تلافي عدم التجانس الذي كان يطبع مقتضيات الفصل 96 من ظهير التحفيظ العقاري في نسخته القديمة، والذي كان ينص على مسطرة للرفض في شأن طلبات التحفيظ، وكذا التقييد أو التشطيب بالرسوم العقارية على حد سواء.
وبصدور القانون 07-14، أصبح الفصل 96 يقتصر فقط على مسطرة رفض طلبات تقييد الحقوق العينية أو التشطيب عليها بالسجلات العقارية، في حين أخذ الفصل 37 مكرر وضعه الطبيعي ضمن الفصول المنظمة للإجراءات المسطرية الواردة على مطالب التحفيظ[16]
إذن يتضح من خلال محتوى هذا الفصل أن المشرع ألزم المحافظ العقاري بشكلية تعليل قرار رفضه وتبليغه لطالب التحفيظ، حتى يتسنى لهذا الأخير ممارسة حق في الطعن، وذلك أمام المحكمة الابتدائية التي تبت فيه مع الحق في الاستئناف وتكون القرارات الاستئنافية قابلة للطعن بالنقض.
فإذا كان المقصود من الفصل المذكور أعلاه هو رفض التحفيظ بعد أن تكون مسطرة التحفيظ قد قطعت أشواطا معينة، فهذا يعني أن نص الفصل 37 مكرر أعطى للمحافظ العقاري إمكانية ممارسة رقابته على الوثائق المؤيدة، بعد مراحل معينة من مسطرة التحفيظ، مما يفيد في نهاية المطاف أن هناك تناقض بين مقتضيات الفصل 14 من جهة والفصل 37 مكرر من جهة ثانية، وأن هذا الوضع هو ما دفع بالمحافظ العام إلى التدخل وتوجيه تعليماته للمحافظين، على الملكية العقارية كي يمارسوا رقابتهم على الوثائق المؤيدة لمطلب التحفيظ بنفس الطريقة التي تمارس بها هذه الرقابة على الوثائق المؤيدة للتقييدات الواردة على العقارات المحفظة، وهو النهج الذي سار عليه المحافظون على الملكية العقارية منذ مدة[17]
إذن في الأخير، يمكن أن نخلص إلى أن هناك تضارب بين المادتين 14 والمادة 37 مكرر من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بالقانون 07-14، حيث أنه يتضح لنا من خلال محتوى هاذين الفصلين عدم وجود تناغم وتناسق في الصياغة خصوصا من جانب مبدأ الالزام والوجوب بحيث مازال هناك نقاش فقهي حول صياغة الفصل 14 بالرغم من التعديل الأخير، هل هي تفيد الاختيار أم الالزام، أما فيما يخص الفصل 37 المكرر الذي يقابل الفصل 14 من ظهير التحفيظ العقاري فينص على تعليل قرار المحافظ برفض مطلب التحفيظ وبالتالي فالمحافظ هنا ملزم بضرورة التأكد من الوثائق والمستندات المدلى بها تأييدا لمطلب التحفيظ وذلك تحت مسؤوليته، هذا بخلاف الوضع على ما هو عليه في الباب الثاني المتعلق بالتقييدات أنه هناك انسجام وتمازج بين المادتين 72 و96 من ظهير التحفيظ العقاري.
إذن من مقام هذه الدراسة المتواضعة نناشد المشرع إلى إعادة النظر في القريب العاجل في الصياغة المعيبة التي مازالت تلازم الفصل 14 من ظهير التحفيظ العقاري، بالرغم من التعديل الأخير، وبالتالي إعادة صياغته صياغة تنسجم مع الفصل 37 مكرر، وكذا جميع فصول ظهير التحفيظ العقاري.
الفقرة الثانية: تدعيم مطلب التحفيظ بالمستندات في ضوء الفصل 3 من مدونة الحقوق العينية.
إن الحيازة هي السيطرة الفعلية من جانب شخص من الأشخاص على شيء مادي معين مما يجوز التعامل فيه والظهور عليه بمظهر المالك أو صاحب حق عيني آخر[18]، أو بصيغة أخرى وضع اليد على العقار والتصرف فيه وذلك استنادا لأثرها الخارجي الذي لا
يمكن معه تصورها، دون وجود حيازة مادية [19]فعلية من طرف الحائز قائم الذات، وأنها بهذا الاعتبار تصبح وسيلة من وسائل الإثبات تفيد المتمسك بها في إثبات حقه على الشيء الذي يحوزه[20]
وبصدور قانون 08-39 المتعلق بمدونة الحقوق العينية، قد تم القضاء على الازدواجية التي كلن يعرفها النظام العقاري، وذلك من خلال وجود عقارات محفظة وأخرى غير مُحفظة، حيث أن هذه الازدواجية خلفت العديد من الصعوبات سواء في المعاملات المنصبة على العقار والحقوق العقارية أو عند بت القضاء في المنازعات المتعلقة بها، وبالتالي كانت تشكل عاملا يحد من إرادة إدماج العقارات غير المحفظة في مسلسل التنمية والاستثمار، لذلك كان من الضروري وضع تشريع موحد يطبق على الحقوق العينية العقارية، وهذا ما تم تكريسه مع مدونة الحقوق العينية التي أصبحت تطبق على كل العقارات سواء المحفظة أو غير المحفظة.
ومن خلال ما سبق يمكن طرح التساؤل التالي: ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه الحيازة في تأييد مطلب التحفيظ وذلك استنادا إلى الفصل الثالث من م.ح.ع ؟
بداية نسجل أن المشرع قد حدد في إطار الماد المذكورة أعلاه الشروط الضرورية للاعتداد بعقود التفويت الواردة على العقارات غير المحفظة، وبالتالي لا يقتصر طالب التحفيظ على الإدلاء بعقد تفويت ملكية العقار غير المحفظ لفائدته، بل أوجب عليه نفس الفصل أن يدلي كذلك بأصل التملك الذي يستند إليه المفوت، وقد دقق المشرع في طبيعة أصل مدخل المفوت الحائز في أنه يجب أن يكون ناقلا للملكية حتى تقوم الحيازة، ويترتب عليها الأثر المكسب للملكية[21]
نستنتج إذا، أن ادعاء طالب التحفيظ بخصوص حق الملكية على العقار المطلوب تحفيظه قائما أساسا على وثائق رسمية متواترة وذات حجية ومستجمعة لشروط الصحة من ناحيتي الشكل والجوهر.
وقد نصت الفقرة الأولى من المادة 3 من م.ح.ع، على أنه ” يترتب على الحيازة المستوفية للشروط القانونية اكتساب الحائز ملكية العقار غير المحفظ أو أي حق عيني آخر…”
من خلال هذه الفقرة يتبين لنا أنه من أجل اكتساب الحائز لملكية العقار غير المحفظ لا بذ من توفر مجموعة من الشروط القانونية، وهذاما تم تكريسه كذلك من خلال المادة 240 من م.ح.ع التي نصت على تلك الشروط لصحة حيازة الحائز، وانطلاقا من كل هذا فالحائز يعتبر هو المالك الحقيقي حتى ولو استطاع الغير أن يدحض هذه القرنية[22]
طالما استمر في حيازة هذا العقار لمدة معينة من الزمن، وهذه الأخيرة قد تم التنصيص عليها في المادة 250 من م.ح.ع، حيث نصت هذه الأخيرة على أن مدة الحيازة هي عشر سنوات في الحالة التي لا يرتبط فيها الحائز بأية علاقة قرابة مع الخصم، لكن بشرط حضور المحوز عليه وسكوته عن واقعة الحيازة طوال المدة المذكورة، أما إذا تعلق الأمر بالحيازة بين الأقارب الذين ليس بينهم عداوة فمدتها أربعون سنة، وعشر سنوات إذا كانت بينهم عداوة وهذا ما نصت عليه المادة 251 من المدونة المذكورة[23]
وفي قرار جديد صادر عن محكمة النقض[24] اعتبر فيه ” إن الحيازة المستوفية للشروط المقررة فقها من وضع يد، وتوفر قيود أخرى مع اليد من طول مدة ونسبة وتصرف وعدم منازع ونفي علم الشهود بالخروج عن الملك في وثيقة الميت المشهود له تقطع حجة القائم بالملك للمدعى فيه إلا مع عذر ففي نظم التحفة:
والأجنبي إن يحز أصلا بحق / عشر سنين فالتملك استحق
وانقطعت حجة مدعيه / مع الحضور عن خصام فيه
وكذلك في قرار آخر صادر عن المجلس الأعلى[25](سابقا)، اعتبر فيه أن الحيازة قرينة تدل على الملك بقوله ” حيث أن مسألة قرينة الحيازة تدل على المالك لا على أداء الثمن عند التبايع… “، وبذلك تم ادخالها ضمن القرائن الواقعية لإثبات التملك، واعتبرت كما هي لدى عدد من الفقهاء وسيلة من وسائل إثبات الملكية، كما اعتبرت حجة قوية في الدعوى ولو أدلى المدعي تأييدا لدعواه بما يثبت أنه اشترى العقار المطلوب، وقرر بأنه لا ينتزع الملك من يد الحائز بمجرد إدلاء المدعي برسم شرائه غير المبني على ملكية البائع له[26]
إذن يمكن القول أنه في جميع الصور التي يكون فيها الشخص حائزا على العقار حيازة مشروعة، سواء كانت حيازته على وجه الملك، أو على وجه آخر، يحق له أن يتمتع بحماية قانونية لحيازته تحول بينه وبين كل ما يعكرها، وبين من قد يروم الإعتداء عليها، ولهذا وفر المشرع للحيازة حمايتين: حماية مدنية. عن طريق دعاوى الحيازة، وحماية جنائية عن طريق متابعة وعقاب المعتدي على الحيازة ورد تلك الحيازة إلى صاحبها الشرعي[27]
وكذلك لقد نص الفصل 3 منم.ح.ع على أثر الحيازة في الترجيح بين الأدلة، حيث نص المشرع في نفس المادة على قواعد وأسباب الترجيح بين الحجج، حيث يبقى الحائز في مركز متميز أثناء عملية الترجيح.
لقد نص الفصل المذكور على عشر مرجحات، سنقتصر على دراسة بعضها وذلك لتبيان قواعد الترجيح بين الحجج.
1- ذكر سبب الملك مقدم على عدم بيانه.
فالبينة الشاهدة لسبب التملك تقدم على البينة التي لم تبين سبب المُلك، وذلك كما لو قال إن هذه الدار لفلان، هو الذي بناها أو ورثها من أبيه، وقالت بينة المدعي عليه إنها له ولم تزد عن ذلك بحيث لم تذكر سبب تملكه، فإن البينة الأولى تقدم على الثانية، ويعمل بمقتضاها وتلغى الثانية، وقد أكد المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا)[28] على هذه القاعدة بقوله ” المحكة كانت على صواب لما استبعدت رسوم الأشرية بعلة أنها غير مؤسسة على أصل الملك، وبالتالي فإن قرارها جاء على صواب ومرتكز على أساس، وغير خارق لقواعد مسطرة التحفيظ، ويضيف القرار في تعليله أن الأشرية المجردة لا تثبت الملك ولا ينتزع بها من يد الحائز “
2- تقديم بينة الملك على بينة الحوز.
ترجح بينة الملك على بينة الحوز، لأن الملك أخص من الحوز وأقوى منه، فإذا شهدت إحدى البينتين بالملك والأخرى بالحوز قدمت الشاهدة بالملك، ولو كان تاريخ الحوز سابقا لأن الحوز أعم من الملك، والعام لا يعرض الخاص.
3- زيادة العدالة والعبرة ليست بالعدد.
والمقصود بالعدالة الزائدة هي الحجة التي يعرف شهودها بالمروءة والعفة، والتي ترجح على حجة الشهود الذين يكونون على حال حيث لا يعرف خيرهم من شرهم، حتى ولو كثر عددهم[29]أي لا عبرة بزيادة العدد في مقابلة زيادة العدالة.
4- تقديم بينة النقل على بينة الاستصحاب.
الأصل بقاء ما كان حتى يظهر خلافه، فالأصل هو الاستصحاب إلى أن يثبت الناقل، فإذا وقع الاستدلال بحجج متعارضة، وكانت إحدى الحجج تتمسك بالأصل والأخرى تثبت النقل عن ذلك الأصل فترجع الناقلة على الحجة المستصحبة للأصل[30]، فمن مات عن دار وأثبت ولده أنها لم تخرج عن ملك والده إلى أن مات، وأثبتت زوجته أنه أعطاها إياها في صداقها مثلا، قدمت بينتها لأنها ناقلة.
وتأكيدا على هذه القاعدة جاء في قرار المجلس الأعلى (سابقا)[31]” في حالة تقديم حجة مستصحبة ضد حجة ناقلة فمن المقرر فقها عند تعارض الحجتين ترجح الناقلة على المستصحبة “
5- تقديم تعدد الشهادة على شهادة الواحد.
إذا أدلى المدعي بينة مكونة من شاهدين شهدت بأن العقار يعود له في ملكه، وأدلى المدعي عليه بينة مكونة من شاهد واحد شهدت بأن العقار موضوع النزاع يعود له ( أي للمدعى عليه) وخلف هذا الأخير يمينا مع شهادة الواحد أعدل زمانه.
وفي هذا الصدد جاء في قرار المجلس الأعلى[32](محكمة النقض حاليا) ” شهادة الشاهدين تقدم على الشاهد واليمين ففي الزرقاني على الشيخ خليل، ورجح بشاهدين من جانب على شاهد ويمين من جانب آخر ولو كان أعدل أهل زمانه “
نستنتج من خلال كل ما سبق أن الحيازة في القانون أو في الفقه الإسلامي، تعطي الحائز الحق في دفع دعوى خصمه، لأن الحيازة في الواقع تعتبر هي الملكية خاصة بالبوادي.
كل هذا يدفعنا إلى القول كذلك بأن الحائز لحق عيني عقاري يمكنه أن يقدم طلبا لتحفيظ العقار، غير أنه يجب أن يعزز طلبه بالمستندات المؤيدة لحيازته والتي يجب أن يستدل منها على توافر شروط الحيازة المنصوص عليها شرعا وقانونا خاصة المادة 240 من م.ح.ع، وهذا ما من شأنه أن يقف كحجر عثرة أمام المتحايلين على القانون،و أمام أولئك الذين يحاولون الترامي على ملك الغير[33]
عموما يمكن القول ان الحيازة كما نصت عليها المادة 3 من م ح ع تلعب دورا مهما في تدعيم مطلب التحفيظ و ذلك بالنظر إلى الأهمية القصوى التي تحظى بها في وسائل الإثبات حتى أنها تغني عن شهادة العدلين و هذا ما اكده القرار الصادر عن محكمة النقض [34]” …. ان الحيازة القانونية تغني عن إشهاد العدلين بمعاينة الحوز ”.
(محاماه نت)