دراسات قانونية
الحوكمة المالية وربط المسؤولية بالمحاسبة (بحث قانوني)
الحكامة المالية وربط المسؤولية بالمحاسبة
مقدمة :
إن مفهوم الحكامة الجيدة المتداول اليوم بدأت معالمه الكبرى في الخمسينات من القرن الماضي، لكن لم يفتح حوله النقاش في بلادنا إلا بصدور دستور 2011. (1)
وقد نص الفصل الأول من الدستور على الحكامة الجيدة و ربط المسؤولية بالمحاسبة كمقومين للنظام الدستوري المغربي إلى جانب الديمقراطية المواطنة والتشاركية، وفصل السلط وتوازنها وتعاونها.
موضوع هام للقراءة : رقم هيئة الابتزاز
وتعتبر الحكامة المالية الجيدة من أقوى المفاهيم التي جاء بها الدستور، ومن الأساليب الحديثة التي تحمي المال العام من النهب والهدر والإختلاس، عبر آليات ومؤسسات عمل الدستورعلى دسترتها، من أجل تحقيق أهدافها ومزاولة رقابتها على العمل العمومي ولا سيما في شقها المرتبط بالتدبير المالي، قوامها الشفافية والجودة، وركيزتها ربط المسؤولية بالمحاسبة.(2)
في ذات السياق، فهي تقوم على مجموعة من التقنيات و الأدوات التدبيرية التي تسعى إلى ترشيد النظام المالي من خلال التركيز على المبادئ والآليات للتقييم تمكن من ربط المسؤولية بالمحاسبة بكل شفافية.
هذه المسؤولية والمحاسبة ينبغي أن تتخلله مجموعة من المحطات الأساسية التي تبدأ بتعيين المسؤول وتحديد المهام الموكولة له بكل وضوح تلائم قدراته، وتتيح له إمكانية إتخاذ القرار بكل رضا دون الخضوع لأي ضغط، وفي نفس الوقت متابعته في حالة وجود هناك تقصير أو إخلال في المهام المنوطة به. (3)
وبما أن الهدف من الحكامة المالية هو التحسين والتدبير وترشيد الأداء المالي، فيجب عليها أن تعمل على محاربة الفساد المتفشي في مختلف الإدارات العمومية، وربط المسؤولية بالمحاسبة وبالضرب بيد من حديد على كل من سولت له نفسه إهدار ونهب المال العام، والقطع مع إقتصاد الريع الذي يؤدي إلى تعطيل وتأخير عجلة التنمية للبلاد.
إن المكلفين بتدبير الشأن العام أصبحوا ملزمين بحسن تدبير المال العام يتناسب مع منطق الشفافية والمساءلة، وإخضاعه للتدقيق والإفتحاص والتقييم، والعمل على تحصينه من النهب والرفع من مردوديته وقدرته الإنتاجية. وبالتالي فالإعتماد على آليات ومبادئ الحكامة المالية سيساهم لا محالة وبشكل فعال في حماية المال العام، الذي وجد من أجل تنفيذ السياسات العمومية التي تخدم المصلحة العامة.
إلى أي حد استطاعت الإصلاحات التي اعتمدها المغرب في تدبير المال العام، أن تستجيب لمبادئ الحكامة المالية وربط المسؤولية بالمحاسبة ؟
وتتفرع عن هذه الاشكالية مجموعة من الأسئلة الفرعية التالية :
ما هي مبادئ الحكامة المالية؟
وما هي المبادئ الدستورية للمالية العامة؟
وأين تتجلى الأجهزة المتدخلة في تفعيل مبدأي الحكامة المالية وربط المسؤولية بالمحاسبة؟ وما هي إكراهاتها؟
للاجابة على الإشكالية والأسئلة الفرعية المطروحة إرتأينا تقسيم الموضوع على الشكل التالي :
المطلب الأول : الإطار القانوني لمبدأي الحكامة المالية وربط المسؤولية بالمحاسبة
الفقرة الأولى : التكريس الدستوري لمبدأي الجكامة المالية و ربط المسؤولية بالمحاسبة
الفقرة الثانية : ربط المسؤولية بالمحاسبة شرط لازم للحكامة المالية
المطلب الثاني : مبادئ الحكامة المالية
الفقرة الأولى : مبدأ الشفافية
الفقرة الثانية : مبدأ المساءلة
المطلب الثالث : الأجهزة المتدخلة في مبدأي الحكامة المالية وربط المسؤولية بالمحاسبة وإكراهاتها
الفقرة الأولى : المجلس الأعلى للحسابات
الفقرة الثانية : المفتشية العامة للمالية
المطلب الرابع : الأجهزة الجديدة المتدخلة في مبدأي الحكامة المالية وربط المسؤولية بالمحاسبة
الفقرة الأولى : الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها
الفقرة الثانية : مجلس المنافسة
المطلب الأول : الإطار القانوني لمبدأي الحكامة المالية و ربط المسؤولية بالمحاسبة
ما من شك في أن تكريس الدستور لمبدأي الحكامة المالية وربط المسؤولية بالمحاسبة هو إعلان عن إنبثاق مفهوم دولة الحق والقانون (4) التي يسمو فيها القانون وتكون فيها السلطات مقيدة بتطبيق القانون في ممارسة سلطاتها، وتكون فيها المساواة أمام القانون، ويتم فيها الفصل بين السلطات. وجاء مبدأي الحكامة المالية وربط المسؤولية بالمحاسبة لمحاربة كل أشكال الفساد وحماية المال العام من الإختلاس والتلاعب ومضي قدما نحو الإصلاح من جهة، ومتابعة المفسدين وعدم إفلاتهم من المحاسبة والعقاب من جهة أخرى، ليستجيبو لتطلعات المواطنين وللمبادئ الدستورية الجديدة التي إعتبرت مبدأي الحكامة المالية و ربط المسؤولية بالمحاسبة قاعدة أساسية ومن الركائز الأساسية، التي تهدف بالأساس إلى تنمية البلاد.
الفقرة الأول : التكريس الدستوري لمبدأي الجكامة المالية و ربط المسؤولية بالمحاسبة
إن ما يميز دستور 2011 هو تكريسه لمجموعة من القيم في تدبير المال العام العمومي والترابي، وقد خصص للحكامة الجيدة بابا كاملا، الباب الثاني عشر. وحدد في الفصل 154 مجموعة من القيم الديمقراطية والمبادئ الأساسية للحكامة المالية في شكل معايير الجودة، الشفافية، المحاسبة والمسؤولية، كما تم إلزام أعوان المرافق العمومية بإحترام القانون.
ولمزيد من الإيضاح فقد أحاط المسؤولية بمجموعة من الضوابط والقواعد، فأعوان المرافق العمومية يمارسون وظائفهم وفق مبادئ إحترام القانون والحياد والشفافية والنزاهة والمصلحة العامة. وبالتالي يشكل الدستور قطيعة مع كل أشكال الفساد التي يتم من خلالها نهب المال العام.
لهذا أصبحت المرافق العمومية حسب الفصل 156 من الدستور ملزمة بتقديم الحساب عن تدبيرها للأموال العمومية، طبقا للقوانين الجاري بها العمل، كما أصبحت تخضع للمراقبة والتقييم.
وعليه فكل شخص يمارس مسؤولية عمومية، منتخبا كان أو معينا، يجب أن يقدم طبقا للكيفيات المحددة في القانون تصريحا كتابيا بالممتلكات والأصول التي في حيازته، بمجرد تسلمه لمهامه وخلال ممارستها وعند إنتهائها. كما أنيط بالمجلس الأعلى للحسابات مهمة مراقبة العملية من أجل محاربة كل أشكال النهب أو التلاعب بالأموال العمومية بصفة عامة، باعتباره أعلى هيئة لمراقبة المالية العامة للدولة، مع تأكيد الفصل 159 أن الهيئات المكلفة بالحكامة الجيدة تكون مستقلة، وتستفيد من دعم أجهزة الدولة، ويمكن للقانون أن يحدث عند الضرورة هيئات أخرى للضبط والحكامة.
ويلاحظ من خلال هذه الفصول أن مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة يشكل معيار من معايير الحكامة المالية، فهما متلازمان ووجهان لعملة واحدة يعملان على صيانة المال العام وخدمة الصالح العام.
كما نجد أن الدستور نص على مجموعة من المبادئ المتعلقة بتدبير المالية العمومية من خلال الفصول 39 و40، 55، 71، 77.
الفصل 39 ينص على مبدأي المساواة والتضامن في تحمل التكاليف العمومية. وجاء الفصل كما يلي :”على الجميع أن يتحمل، كل على قدر استطاعته، التكاليف العمومية التي للقانون وحده إحداثها وتوزيعها”.
في حين نجد الفصل 40 ينص على مبدأي التضامن والتناسب في تحمل التكاليف التنموية للبلاد، ومبدأ شرعية التكاليف العمومية.
و الفصل 55 من الدستور أشار إلى أن المصادقة على المعاهدات الدولية والتجارية التي تترتب عنها تكاليف مالية تلزم الدولة تتم الموافقة عليها بقانون وطبقا للفصلين 39 و 40 من الدستور.
كما أن الفصل 71 من الدستور أكد على أن البرلمان أصبح يختص دستوريا بالتشريع في المجالات:
* النظام الضريبي ووعاء الضرائب ومقدارها وطرق تحصيلها.
* نظام الجمارك
من جهة أخرى، ينص الفصل 77 من دستور 2011 على مايلي : ” يسهر البرلمان والحكومة على الحفاظ على توازن مالية الدولة”، ويؤكد هذا الفصل على مبدأ “التوازن المالي”، الذي ألزم البرلمان والحكومة على حد سواء بالحرص على الحفاظ على توازن مالية الدولة.
الفقرة الثانية : ربط المسؤولية بالمحاسبة شرط لازم للحكامة المالية
لتحقيق الحكامة المالية يجب تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، هذا المبدأ أصبح ضرورة من ضرورات الإصلاح، وبالتالي يجب تحديد المسؤوليات بدقة حتى تتم المحاسبة بموضوعية ونزاهة وشفافية، وطبقا للقانون.
وغياب المحاسبة والمساءلة له بطبيعة الحال تداعيات على مالية الدولة، هذه التداعيات تتجلى بالأساس في الفساد، والإختلاس والسرقة للمال العام، هذا ما جعل المواطن يفقد الثقة في المؤسسات، ومن أجل إسترجاع الثقة وتحقيق التنمية، يجب الإعتماد على الحكامة المالية بالإلتزام بمبادئ الشفافية والمشاركة والفعالية والتعاقد والمساءلة في إطار إحترام القانون، بواسطة إعتماد آليات التخطيط الإستراتيجي والتتبع والتقييم.
والإفلات من العقاب الذي يتيحه غياب المحاسبة، يشجع على التمادي في إستغلال النفوذ، ونهب المال العام وتأخير عجلة التنمية في البلاد.
ودون شك، فإن تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، في الشق المتعلق بالمال العام سيدشن لا محالة لمرحلة جديدة، تجعل المسؤول ، حريصا على أداء مهامه دون التفكير في التطاول على المال العام، الذي يخدم المصلحة العامة للمجتمع، بإسهاماته في المشاريع التنموية للبلاد. (5)
وبالتالي فمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة حان الوقت لتطبيقه، وأي شخص تبث في حقه تقصير أو إخلال في النهوض بمهامه أو قام بإختلاس أموال الدولة يجب محاسبته طبقا للقانون.
وهذا ما أكد عليه جلالة الملك نصره الله في خطابه الذي وجهه إلى الأمة بمناسبة الذكرى ال18 لعيد العرش المجيد : ” وهنا أشدد على ضرورة التطبيق الصارم لمقتضيات الفقرة الثانية، من الفصل الأول من الدستور التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة. لقد حان الوقت للتفعيل الكامل لهذا المبدأ “. ” … كما أؤكد أن الأمر يتعلق بمسؤولية جماعية تهم كل الفاعلين، حكومة وبرلمانا، وأحزابا، وكافة المؤسسات، كل في مجال اختصاصه “.
وكان جلالة الملك واضحا في خطابه عندما أكد على ” أننا لن نقبل بأي تراجع عن المكاسب الديمقراطية. ولن نسمح بأي عرقلة لعمل المؤسسات. فالدستور والقانون واضحان، والإختصاصات لا تحتاج إلى تأويل”.
ومن أجل القيام بالمساءلة والمحاسبة على الوجه المطلوب يجب تبني المفهوم الجديد للسلطة الذي أعلن عنه جلالة الملك محمد السادس نصره الله سنة 1999، الذي قوامه الإلتزام بالقانون والشرعية.
فالمفهوم الجديد للسلطة يقول جلالته : ” يعني المساءلة والمحاسبة ، التي تتم عبر آليات الضبط والمراقبة ، وتطبيق القانون. وبالنسبة للمنتخبين فإن ذلك يتم أيضا ، عن طريق الإنتخاب، وكسب ثقة المواطنين، كما أن مفهومنا للسلطة يقوم على محاربة الفساد بكل أشكاله : في الإنتخابات والإدارة والقضاء، وغيرها. وعدم القيام بالواجب ، هو نوع من أنواع الفساد”.
كما يجب التوفر على موارد بشرية مؤهلة علميا وأخلاقيا ونزيهة وذات إلمام واسع بقضايا الإفتحاص والتدقيق وبكل الجوانب القانونية والإدارية والمهنية والإلتزام بالموضوعية والنزاهة، وعلى مؤسسات رقابية تتمتع بالإستقلال التام والحياد، وتكون متوفرة على الوسائل الكافية للقيام بواجبها على أحسن وجه.
هذا بالإضافة إلى وضع الرجل المناسب في مكان المسؤولية، وذلك بإحترام المعايير الموضوعية التي يحددها القانون، تضمن تكافؤ الفرص وتكون الكفاءة هي وحدها السبيل في تعيين المسؤولين وإسناد المناصب، ويجب ضرب بيد من حديد مسألة المحسوبية والزبونية التي تؤدي إلى تسرب عدد من الفاسدين لمواقع المسؤولية مما يؤدي في أخر المطاف إلى تعطيل وتعثر السير العادي للمرافق العمومية وللتنمية، وإهدار ونهب المال العام. (6)
فنجاح الحكامة المالية يكمن في التقييم، والتحقق، والإفتحاص، وتكريس المساءلة والمحاسبة، والمراقبة التي تعتبر من بين أهم العناصر المكونة للحكامة المالية، فهي الأداة الناجعة لحماية الأموال العمومية والوسيلة الفعالة للتأكد من حسن إستخدامها في الأغراض المخصصة لها، وملاحظ أن تقدم المجتمعات وتطورها رهين بربط المسؤولية بالمحاسبة، يعني أن جميع الدول الديمقراطية التي راكمت تجربة في هذا المجال عرفت تقدما في شتى المجالات.
المطلب الثاني : مبادئ الحكامة المالية
سنتطرق من خلال هذا المطلب للحديث عن مجموعة من المبادئ التي تتوفر عليها الحكامة المالية قصد حماية وترشيد المال العمومي، وتتجلى هذه المبادئ في الشفافية (الفقرة الأولى) والمساءلة (الفقرة الثانية )
الفقرة الأولى : مبدأي الشفافية
فالذي لا شك فيه أن الشفافية تعتبر أحد أهم المبادئ الأساسية للحكامة المالية، وعنصرا من العناصر التي يجب أن يتأسس عليها التدبير الجيد للشأن العام، فهي توفر المعلومة الدقيقة وتفسح المجال أمام الجميع للإطلاع على المعلومات الضرورية، وتتيح للمواطنين التتبع بوضوح طريقة تسيير الشأن العام من قبل المسؤولين.
وعليه، فتكريس قواعد الشفافية في الأداء المالي العمومي وتخليق الحياة العامة في تدبير المالية العامة للدولة يعد شرط أساسي من أجل دمقرطة التدبير المالي ومتابعة المفسدين وعدم إفلاتهم من العقاب.
الفقرة الثانية : مبدأ المساءلة
إن توقيع مبدأ المساءلة على مرتكبي جرائم المال العام يؤدي إلى تكريس إحترام القانون وسيادته وصيانة المال العام.
والقضاء هو الذي يبقى على عاتقه مراقبة وحماية المال العام، من خلال التطبيق الصارم للقانون ، وكل شخص قام بنهب أو إختلاس أو إهدارالمال العام يجب أن ينال عقابه، وذلك من أجل حماية المصلحة العامة للمجتمع.
المطلب الثالث : الأجهزة المتدخلة في مبدأي الحكامة المالية وربط المسؤولية بالمحاسبة وإكراهاتها
تتوفر بلادنا على مجموعة من القوانين لتكريس مبادئ المساءلة والشفافية في إطار حماية المال العام، نذكر على سبيل المثال القانون الإجباري للتصريح بالممتلكات ومدونة المحاكم المالية والقانون الجنائي في شقه المتعلق بزجر الجرائم المالية وإستغلال النفوذ والرشوة، دون إغفال الدور الذي يقوم به كل من المجلس الأعلى للحسابات في الكشف عن الإختلالات (الفقرة الأولى) و المفتشية العامة للمالية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : المجلس الأعلى للحسابات
المجلس الأعلى للحسابات هو الهيأة العليا لمراقبة المالية العامة للمملكة، ونظرا لأهميته فقد ثم الإرتقاء به إلى مؤسسة دستورية مستقلة عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، والدستور هو ضامن إستقلاليته، ومنحه الآليات القانونية لحماية المال العام وضبط آليات التدبير المالي العمومي والمحلي. كما خصص له بابا خاصا به، وهو الباب العاشر، ومنحه إختصاصات جديدة لم تكن متضمنة في ظل دستور 1996.
ينص الفصل 147 من الدستور على أن المجلس الأعلى للحسابات، يمارس مهمة تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الرشيدة والشفافية والمساءلة، بالنسبة للدولة والمالية العمومية.
كما ينص نفس الفصل على أن المجلس الأعلى للحسابات، يتولى ممارسة المراقبة العليا على تنفيذ قوانين المالية. ويتحقق من سلامة العمليات، المتعلقة بمداخيل ومصاريف الأجهزة الخاضعة لمراقبته بمقتضى القانون، ويقيم كيفية تدبيرها لشؤونها، ويتخذ، عند الاقتضاء، عقوبات عن كل إخلال بالقواعد السارية على العمليات المذكورة.
تُناط بالمجلس الأعلى للحسابات مهمة مراقبة وتتبع التصريح بالممتلكات، وتدقيق حسابات الأحزاب السياسية، وفحص النفقات المتعلقة بالعمليات الانتخابية.”
وفي هذا الصدد، يقدم المجلس الأعلى للحسابات مساعدته للبرلمان والحكومة، وللهيئات القضائية في المجالات المتعلقة بمراقبة المالية العامة.
ويرفع تقريرا سنويا لجلالة الملك، ويوجهه أيضا الى كل من رئيس الحكومة ورئيسي مجلس البرلمان، وينشر بالجريدة الرسمية.
وفضلا عن ذلك وفي إطار سياسة اللامركزية واللاتركيز الإداري والجهوية المتقدمة، نص الدستور في الفصل 149 على المجالس الجهوية للحسابات التي تتولى مراقبة حسابات الجهات و الجماعات الترابية وهيئاتها وكيفية قيامها بتدبير شؤونها، من أجل حكامة جيدة للشأن العام المحلي، قوامها تقديم الحساب وتقدير الإدارة الجيدة للنفقات في تحقيق الأهداف التنموية.
من هنا أمكن القول أن المغرب دخل مرحلة تاريخية في إقرار الرقابة القضائية الحقيقية على التدبير المالي العمومي، من خلال ضمان إستقلالية وفعالية وشفافية ومسؤولية المجلس الأعلى للحسابات، وتفعيل وظيفته القضائية، خاصة في الشق المتعلق بالتأديب المالي، والبت في الحسابات.
غير أن هذه الرقابة تواجهها مجموعة من الإكراهات تحول دون قيامها بتفعيل محاسبة دقيقة وفعالة ، و بالتالي تعرقلها عن بلوغ حكامة مالية جيدة في مجال مراقبة المال العام ، ويمكن إجمالها في:
النقص في العنصر البشري
– تدهور شروط التكوين المرتبطة بأطر المجلس قانونيا و إداريا .
هذا ما يجعل المحاسبة والمساءلة في تدبير مالية الدولة غير فعال، وهو ما يستدعي معه الأمر ضرورة إعادة هيكلة هذه المؤسسة و تحديث آلياتها الرقابية.
الفقرة الثانية : المفتشية العامة للمالية
أنشأت المفتشية العامة للمالية في البدايات الأولى للاستقلال بموجب ظهير 1960، فهي جهاز تابع لوزارة الإقتصاد والمالية، تقوم بمراقبة مالية الدولة والجماعات الترابية وفق القوانين والأنظمة المعمول بها، أن مهام المفتشية العامة للمالية واسعة النطاق والاختصاص تشمل الإدارات العمومية والمرافق والمؤسسات والمنشآت العامة والجماعات الترابية وكل هيئة تستفيد من دعم مالي تساهم به الدولة في رأسمالها.
وبالرغم من تمتعها بسلطات واسعة في مجال التفتيش على كل الإدارات والمصالح العمومية، إلا أن واقع الحال يؤكد على أدائها المتواضع وضعف مردوديتها، وذلك راجع إلى سببين رئيسيين هما :
كونها تعاني من خصاص في الموارد البشرية.
عدم إستقلاليتها عن وزير المالية
هذا ما يجعل المهام الرقابية التي تقوم بها المفتشية العامة للمالية تعتريها العديد من المشاكل، و هو ما يفرض ضرورة إعادة هيكلة هذه المؤسسة و إعادة النظر في آلياتها المعتمدة في ممارسة إختصاصها.
ويبقى الخصاص في الموارد البشرية مشكل تعاني منه كل القطاعات، لهذا يجب تدعيم كل القطاع على حدة بموارد بشرية مؤهلة ومتخصصة تتوفر على الدبلومات والشواهد العليا لكي تعطي مردوديتها وتخدم الصالح العام.
المطلب الرابع : الأجهزة الجديدة المتدخلة في مبدأي الحكامة المالية وربط المسؤولية بالمحاسبة
من أهم المستجدات التي جاءت بها الوثيقة الدستورية، إستحداث هيئات جديدة تشكلا جيلا جديدا من أشكال الرقابة، تعمل على تفعيل مبادئ الحكامة المالية، التي تشكل قفزة نوعية في مجال تكريس الديمقراطية، والشفافية، والجودة، وربط المسؤولية بالمحاسبة في المالية العامة، ومدخلا لتخليق الحياة العامة من كل الأساليب والممارسات السلبية، من فساد ورشوة وإختلاس ونهب للمال العام.
ومن بين هذه الهيئات الدستورية نجد الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها ( الفقرة الأولى ) و مجلس المنافسة (الفقرة الثانية).
الفقة الأولى : الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها
انطلاقا من الفصل 167 من الدستور، تتولى هذه الهيئة مهام المبادرة والتنسيق والإشراف وضمان تتبع تنفيذ سياسات محاربة الفساد، وتساهم في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، وثقافة المرفق العام، وقيم المواطنة المسؤولة.
الفقرة الثانية : مجلس المنافسة
حسب الفصل 166 من الدستور يعتبر مجلس المنافسة هيأة مستقلة، وإحدى الوسائل التي تعمل على تخليق الحياة الإقتصادية من كافة الأعمال الضارة بالعملية الاقتصادية، ومكلف في إطار تنظيم منافسة حرة ومشروعة بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، بخاصة من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار.
رغم توفر بلادنا على ترسانة قانونية مهمة وبخاصة مسألة ربط المسؤولية بالمحاسبة، إلا أنه هناك بعض الممارسات التي تحول دون التقدم في تجسيد مفهوم الحكامة المالية، وبالخصوص مسألة الامتيازات الضريبية التي تتمتع بها بعض القطاعات دون أخرى. ويبقى أهم شيء في إنزال مفهوم الحكامة المالية أحسن تنزيل هوالحق في الحصول على المعلومة المالية والمحاسبية.(7)
خاتمة :
ختاما، يمكن القول أن المغرب خطا خطوات هامة تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في ترسيخ دولة المؤسسات في سبيل حماية المال العام الذي بفضله يتم تحقيق التنمية، حين أصدر جلالته تعليماته بإقالة وإعفاء عدد كبير من المسؤولين والوزراء بسبب تقصير في مهامهم، فضلاً عن معاقبة آخرين بعدم شغل أية مناصب مستقبلاً.
كما أن مبدأي الحكامة المالية وربط المسؤولية بالمحاسبة لهما دور كبير في حماية المال العام.
والجدير بالذكر أن هذه الحماية لا تقتصر على هذه الهيئات والمؤسسات فقط، فهي مسؤولية جماعية يجب أن تساهم فيها كافة المتدخلين لأجل تدبير فعال للمال العام، سواء من حيث ترشيده وحسن إستعماله، أو من حيث الحفاظ على التوازنات الإقتصادية الكبرى.
(محاماه نت)