دراسات قانونية

الطعن في قرارات رفض و إلغاء مطلب التحفيظ (بحث قانوني)

الطعن في قرارات رفض و إلغاء مطلب التحفيظ

علي الحسني
طالب باحث,ماستر قانون المنازعات العمومية
كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية فاس

يصدر المحافظ على الأملاك العقارية قرارات متعددة بعضها يخضع للطعن المنصوص عليه في الفصل 96 من ظ.ت.ع والفصل 10 من القرار الوزاري المؤرخ في 3 نونبر 1915 المتعلق بتفاصيل تطبيق نظام التحفيظ العقاري، وبعضها غير قابل للطعن نهائيا.
إلا أن التشريع العقاري يتميز بالقصور على مستوى الطعن في قرارات المحافظ بصفة عامة ، إذ كثيرا ما يواجه القضاء إشكالات على هذا المستوى من قبيل إشكالية الطعن ضد قرار رفض مطلب التحفيظ إستنادا إلى أسباب غير تلك المنصوص عليها في الفصل 96 ، حيث أن في هذه الحالة وجد تضارب بخصوص الجهة المختصة للنظر في هذه الطعون هل المحكمة الإبتدائية أم المحكمة الإدارية ؟ إضافة إلى كون المشرع المغربي لم يتحدث بالمرة على الجهة المختصة للنظر في الطعون المرفوعة ضد قرارات إلغاء مطلب التحفيظ ، مما يطرح تساؤل حول مدى إمكانية الطعن في هذه القرارات وخاصة قرار إلغاء المطلب لعدم حضور طالب التحفيظ عملية التحديد؟
كما أن هناك من ينتقد محدودية سلطة القاضي العقاري على مطلب التحفيظ والسلطة التقديرية الواسعة للمحافظ على مطلب التحفيظ.
وللإحاطة بما سبق يمكن تناول هذا المبحث من خلال التطرق للجهة المختصة للنظر في قرارات المحافظ بخصوص رفض وإلغاء مطلب التحفيظ.(المطلب الأول) وبعد ذلك يتم البحث في قيمة الحكم القضائي بالنسبة للمحافظ (المطلب الثاني) .

المطلب الأول: الجهة المختصة للنظر في قرارات المحافظ بإلغاء ورفض مطلب التحفيظ

  موضوع هام للقراءة :  رقم هيئة الابتزاز

يعتبر المحافظ العقاري سلطة إدارية وقراراته تعتبر قرارات إدارية ، وبسبب ذلك تتجاذب قرارات المحافظ حين الطعن فيها عدة جهات إذ أحيانا تكون الجهة القضائية المختصة هي المحاكم الإدارية وقضاء الإلغاء ، فهذه الإزدواجية في الإختصاص القضائي نجدها مكرسة بالملموس على مستوى قرارات المحافظ بخصوص رفض مطالب التحفيظ وإلغاءها ، فأحيانا نجد القضاء العادي هو المختص بشأنها (الفقرة الأولى)، وأحيانا أخرى يعود الإختصاص للقضاء الإداري (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: القضاء العادي

إن مصير مطلب التحفيظ لا يكون دائما القبول بل قد يحدث أن يرفضه المحافظ كليا أو جزئيا ، إما لعدم كفاية الحجج المدلى بها تأييدا للمطلب وإما لعدم صحة الطلب .
إن رفض التحفيظ تبعا لذلك يبقى من إختصاص المحافظ بقوة القانون مع الإحتفاظ بإمكانية الطعن فيه أمام المحكمة الإبتدائية[1] فطالب التحفيظ الذي يرفض أو يلغي طلبه يحق له ممارسة طعنه لدى المحافظ العام في شكل تظلم شريطة عدم سلوك مسطرة الطعن في القرار أمام القضاء الإداري ، كما يجوز له ممارسة طعنه أمام المحكمة الإبتدائية داخل أجل شهر من تبليغه القرار حسب اختياره[2].
فالمحكمة في هذه الحالة تبث في القضية بكيفية إستعجالية ، داخل أجل شهر واحد ابتداء من تاريخ تبليغ قرار الرفض أو الإلغاء وذلك بعريضة دعوى تودع في كتابة الضبط،
وتقوم المحكمة بتبليغ هذه العريضة إلى المحافظ لكي يقوم بإيداع ملف الطلب إليها خلال أجل لا يقل عن خمسة عشر يوما من تاريخ تبليغه العريضة ، حيث يعتبر طرفا في النزاع بالإضافة إلى وظيفته تجاه المستأنف طالب التحفيظ ، فيدلي بمذكرة توضح أسباب قراره المتخذ في التحفيظ ويوجه إلى كتابة الضبط ملف القضية أو الوثائق المبررة لإتخاذ قراره إذا لم تكن هنالك حاجة لإرسال كامل الملف ، وتبلغ هذه المذكرة إلى الطرف المعني بالأمر ليرد عليها ، وعلى المحافظ أن يجيب على القرار الصادر ضد رفضه للتحفيظ وذلك خلال 48 ساعة حين توصله بالملف وإلا تعرض لدعوى الشطط في استعمال السلطة[3].

وهكذا يمكن القول بأنه إذا اتضح للمحافظ أن الحجج والوثائق المدعمة لمطلب التحفيظ غير كافية يعمد إلى إلغاءه ، وبالطبع يتخذ قرارا معللا بذلك ويبلغه للمعني بالأمر، هذا الأخير يحتفظ بحق الطعن طبقا لمقتضيات الفصل 96 من ظهير التحفيظ العقاري[4].
ويعتبر هذا الفصل الأخير إستثناء من اختصاص القضاء الإداري وذلك وفق ما تم إقراره من طرف المجلس الأعلى حيث أقر قاعدة مفادها أن قرارات المحافظ العقاري تقبل الطعن أمام القضاء الإداري باستثناء ما ورد في الفصل 96[5].
نستنتج من هذا القرار ومن الفصل 96 من ظهير التحفيظ العقاري أن الطعن في قرار المحافظ برفض مطلب التحفيظ لعدم صحته أو عدم كفاية الرسوم يكون أمام المحكمة الإبتدائية.
وهذا ما سارت فيه إدارية وجدة حيث ذهبت في أحد أحاكمها الذي تتلخص نازلته في أن المحافظ رفض طلب التحفيظ لعدم كفاية الحجج ، فقام صاحب الطلب بالطعن أمام المحكمة الإدارية رغم عدم اختصاصها ورغم أنها اعتبرت القرار الصادر عن المحافظ بصفته موظفا إداريا طبقا للفصل 3 من القرار الوزاري ل 4 يونيو 1915 قرارا إداريا فإن، المشرع المغربي مراعاة لخصوصيات أعمال المحافظ العقاري التي ترتبط بالملكية العقارية ترك الإختصاص فيها للمحاكم العادية ، كما نص على ذلك صراحة في الفصل 96 من ظ ت ع ، واعتبرت قرارات المحافظ على الأملاك العقارية برفض طلب التحفيظ قرارا إداريا ، وأن خصوصية الملكية العقارية تجعل قرار المحافظ برفض مطلب التحفيظ غير خاضع لرقابة القضاء الإداري ، وتبعا لذلك قضت المحكمة بعدم الإختصاص النوعي[6] كما جاء في حكم إدارية وجدة كذلك “إن الطلب الرامي إلى الطعن في قرار الرفض الصادر عن المحافظ العقاري بشأن طلب التحفيظ لعدم كفاية الرسوم يخرج أمر البت فيه عن نطاق الإختصاص النوعي للمحكمة الإدارية لفائدة المحكمة الابتدائية بصريح الفصل 96 من ظهير 12 غشت 1913[7].

إلا انه بخصوص إلغاء مطلب التحفيظ لعدم إتمام إجراءات التحفيظ نتيجة تهاون طالب التحفيظ ، كعدم حضور عمليات التحديد بشكل مستمر نجد أنه بالرجوع إلى الفصلين 23 و50 من ظ ت ع سكتا عن أي شكل من أشكال الطعون.

وفي هدا الصدد يرى أحد الممارسين وعن حق أن إلغاء مطلب التحفيظ لا يرجع إلى قاعدة عدم صحة الطلب أو عدم كفاية الحجج وإنما يعود أساسا إلى تراخي طالب التحفيظ كعدم حضوره عمليات التحديد أو عدم رغبته في متابعة إجراءات المسطرة، كما يرى أن هذا القرار لا يخضع لأي إلغاء شريطة أن يكون قراراه قد تم احتراما لإجراءات يتطلبها القانون، كما هو الحال بالنسبة للإلغاء طبقا للفصل 50 من ظ.ت.ع، إذ قبل اتخاذ قرار الإلغاء يتعين التأكد من أن طالب التحفيظ تم إنذاره وأنه توصل بالإنذار[8].
وهو ما تم تأكيده أيضا من طرف ممارس آخر حيث اعتبر ان قرار إلغاء مطلب التحفيظ قرار نهائي لا يقبل الطعن حيث توقف الإجراءات وتبلغ نسخ منها إلى صاحبه ويصبح المطلب في حكم العدم[9] ويرجع ذلك إلى كون هذه القرارات تم استثناءها قانونا من إمكانية الطعن فيها أمام المحاكم العادية[10] ولم يدخل الإلغاء لعدم استكمال الإجراءات طبقا للفصل 50 ضمن سببي الرفض الواردين في الفصل 96[11].
لكن في المقابل نجد بعض الفقه[12] من يعتبر أن قرار إلغاء المطلب للتماطل قابل للطعن أمام القضاء العادي طبقا للمادة 96 من ظهير التحفيظ.

الفقرة الثانية: القضاء الإداري

لقد سبقت الإشارة إلى أنه في حالة رفض مطلب التحفيظ من طرف المحافظ إما لعدم كفاية الحجج أو لعدم صحة الطلب ، فإن الفصل 96 واضح في هذا الشأن إذ الإختصاص ينعقد للمحكمة الإبتدائية ، إلا أن الإختلاف حصل بخصوص الإلغاء إذ كما تم توضيح ذلك هناك من يرى بأن قرار إلغاء مطالب التحفيظ لا يقبل الطعن وهناك من يرى بأنها تقبل الطعن استنادا إلى الفصل 96 من ظهير التحفيظ العقاري وبالتالي ينعقد الإختصاص للمحكمة الإبتدائية.
رغم هذا الإختلاف يمكن القول أن اختصاص القضاء العادي بخصوص إلغاء المطلب أو رفضه إختصاص استثنائي مشروط بعدم صحة الطلب أو بعدم كفاية الرسوم، وأنه متى تعلق الأمر بسبب آخر أصبح الإختصاص منعقدا للقضاء الإداري وهذا ما ذهب إليه المجلس الأعلى في أحد قراراته إذ جاء في أحد حيثياته:”… إن اختصاص المحكمة الإبتدائية المنصوص عليه في الفصل 96 من ظ.ت.ع ينحصر في حالتين وهما: حالة ما إذا كان رفض المحافظ مبررا بعدم صحة الطلب أو بعدم كفاية الرسوم ، ولا ينطبق في باقي الأحوال حيث ينبغي فيها الرجوع إلى القاعدة العامة المذكورة في الفصل 353 من قانون المسطرة المدنية وهي اختصاص القضاء الإداري[13].

وجاء كذلك في حكم إدارية وجدة “وحيث أنه بعد تفحص المحكمة لما جاء في الدفع المذكور وتعقيب الطاعن عليه تبين لها أن مقتضيات الفصل 96 من ظهير التحفيظ العقاري تنص صراحة على أنه “…في حالة ما إذا رفض المحافظ تحفيظ العقار أو تسجيل حق عيني أو التشطيب عليه بسبب عدم صحة الطلب أو عدم كفاية الرسوم فإن قراره يكون قابلا للطعن أمام المحكمة الإبتدائية التي تبت فيه مع الحق في الإستئناف ، وحيث أنه في نازلة الحالة فإن قرار المحافظ لا يتعلق بطلب رفض تحفيظ العقار ولا برفض تسجيل حق عيني أو التشطيب عليه وإنما يتعلق بإلغاء مطلب التحفيظ نتيجة لحكم قضائي هو محل نزاع بخصوص مدى اكتسابه لقوة الشيء المقضي به ، فإن القرار المطعون فيه إذن يخرج عن نطاق مقتضيات الفصل 96 من ظهير التحفيظ العقاري ، وان البت في مدى مشروعيته يبقى من اختصاص القضاء الإداري وليس من اختصاص القضاء العادي ، نظرا لتوفره على كل مقومات القرار الإداري[14].
إلا أن المجلس الأعلى لم يبقى وفيا بالقاعدة التي سبق أن أقرها والتي مفادها أن القضاء الإداري هو المختص للنظر في الطعون المرفوعة ضد قرارات المحافظ كقاعدة عامة وأن الإستثناء هو ما ورد في الفصل 96 من ظ ت ع بل تراجع عن هذه القاعدة في أحد قراراته إذ جاء فيه “….إن محكمة الإستئناف تكون قد خرقت مقتضيات الفصل 50 المذكور عندما أيدت الحكم الإبتدائي القاضي برفض الدعوى لعدم إثبات أن الطاعن قام بما يوجبه عليه الفصل 50 قبل أن تطلع على ملف القضية الذي كان يجب أن يحال عليها من طرف المحافظ لتتأكد من تلقاء نفسها أن هذا الأخير قام فعلا بإنذار الطاعن قبل أن يتخذ مقرره المطعون فيه[15].

واستنادا إلى يمكن القول بأن هذا القرار أقر بمبدأ البت في شرعية قرار المحافظ بإلغاء مطلب التحفيظ بسبب عدم اتباع الإجراءات المنصوص عليها في الفصل 50 من طرف القضاء العادي .
انطلاقا مما سبق يمكن القول بأن قضاء الموضوع سواء الإداري أو العادي ومعه قضاء المجلس الأعلى لازال متضاربا حول الجهة المختصة للنظر في الطعون المرفوعة ضد قرارات المحافظ بخصوص رفض مطالب التحفيظ أو إلغاءها لأسباب خارجة عن الفصل 96 من ظ.ت.ع.

المطلب الثاني: قيمة الحكم القضائي بالنسبة للمحافظ.

تختص محكمة التحفيظ العقاري في الدعاوى العقارية التي تصاغ في شكل تعرضات على مطالب التحفيظ ،والتي يكون موضوعها حق الملكية أو الحقوق العينية المرتبطة بها ، فمحكمة التحفيظ تحاول الفصل في التعرضات قبل أن تعيد الملف من جديد إلى المحافظ ، إلا أن قاضي التحفيظ العقاري يقتصر على النظر في التعرضات دون مطلب التحفيظ ،الذي يبقى من إختصاص المحافظ العقاري وحده دون غيره .
وهكذا يمكن القول بأن سلطة القاضي العقاري على مطلب التحفيظ جد محدودة (الفقرة الأولى)، وفي مقابل ذلك نجد المحافظ العقاري يتمتع بسلطة تقديرية واسعة على مطلب التحفيظ (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: محدودية سلطة القاضي العقاري على مطلب التحفيظ

لقد استخلص القضاء من خلال نص الفصل37 من ظ ت ع [16] مبدأ يقضي بأن المحكمة التي يعرض عليها مطلب التحفيظ يمنع عليها النظر في حجج طالب التحفيظ إذ أن المحكمة تحكم إما بصحة التعرض أو عدم صحته.
وبالتالي تكون المحكمة غير مختصة للنظر في أي ادعاء آخر كيفما كان نوعه (باستثناء تطبيق الفصل 48 أي الحكم بغرامات وتعويضات عن كل مطلب أو تعرض تعسفي أو تكديري أو صادر عن سوء نية ، وما درج عليه العمل القضائي من اعتبارها صاحبة الإختصاص المطلق للنظر في النزاعات التي تمس الحقوق العينية المتعلقة بالعقار الذي في طور التحفيظ ، وهما في الواقع اختصاصين تابعين لاختصاصها الأساسي والأصيل وهو النظر في التعرضات ولهما ارتباط وثيق بهذه المسطرة وجود وعدما[17].

إن عدم إمكانية النظر في حقوق أو حجج طالب التحفيظ لا يستند إلى أي أساس منطقي ولا حتى قانوني سليم لأن ذلك يتعارض مع مقتضيات الفصل 48 الذي يمنح المحكمة الذي أحيل عليها طلب التحفيظ صلاحية الحكم بغرامة ضد كل مطلب تحفيظ أو تعرض صادر عن تعسف أو عن سوء نية[18].
فكيف إذن يمكن للمحكمة الحكم بالغرامة تجاه طالب التحفيظ إذا كان يمنع عليها أصلا النظر في مدى صحة مطلب التحفيظ ومصداقيته[19] ، فالمحكمة إذن لا تنظر إلا في مدى صحة أو عدم صحة الحقوق المدعى بها من قبل المتعرض ، ولا تختص بالنظر في حقوق متعرض ضد متعرض ، لأن دعوى التعرض يتحدد موضوعها أمام المحافظ ، أما المحكمة فتبت فقط في حدود ومدى ومحتوى التعرض.
وهو ما قال به المجلس الأعلى في أحد قراراته:”…إن التعرض هو بمثابة دعوى ويحدد موضوعها أمام المحافظ وأنه بالرجوع إلى صك التعرض يتبين أن الطاعن يقصر تعرض على المطالبة بحقوق مشاعة … وفي ذلك رد للدفع عدم الإجابة عنه دون أن يكون في ذلك تجاوز لحدود طلبات الأطراف ، مما تبقى معه الوسيلتان غير مؤسستين والقرار معلل بما يكفي[20] .

كما أن القضاء المغربي حاول تجاوز حرفية النص 37 من خلال عدة قرارات صادرة عن المجلس الأعلى ومحاكم الموضوع اعتبر من خلالها أن القضاة لا يتجاوزون حدود اختصاصاتهم عندما يفحصون حجج طالب التحفيظ قصد تقييم ادعاءات المتعرض، إذ جاء في أحد قرارات محكمة الاستئناف بالجديدة وحيث أنه بخصوص الشق الثاني من الاستئناف الذي طال طالب التحفيظ (…) فإن المستأنف بوصفه متعرضا وإن كان يقع عليه ابتداء إثبات صحة تعرضه بكونه يأخذ مركز المدعي عملا بالفصل 37 من ظ ت ع ، فإنه ليس هناك ما يمنع المحكمة من مناقشة حجج طالب التحفيظ لسلوك الترجيح بين مؤيداتها[21].
وجاء في قرار للمجلس الأعلى كذلك ” … يمكن للمحكمة القيام بفحص الحجج المستدل بها من لدن الأطراف قصد المقارنة بين قوة إثبات كل حجة المستدل بها من لدن الأطراف إذا كان المتعرض قد عزز تعرضه بحجج مقبولة شرعا في إثبات ما يدعيه[22].

إلا أنه كما سبق القول فصلاحية محكمة التحفيظ تقتصر البت في التعرضات وتقرير صحتها عن عدمها ، ولا تمتد إلى التحري عن صحة مطلب التحفيظ لأن ذلك يبقى من اختصاص المحافظ ، وهو ما سار فيه المجلس الأعلى في أحد قراراته منذ زمن بعيد حيث جاء فيه ” …إن قضاة الموضوع كانوا على صواب عندما ما لم يحكموا بصحة مطلب التحفيظ التي لا تدخل في اختصاصاتهم والتي هي من اختصاصات المحافظ تاركين للمحافظ أن ينظر فيما بعد في المطلب ويتخذ في شأنه ما يجب من قبوله جزئيا أو رفضه[23].
فالقضاء لا يملك سلطة إصدار الأوامر للمحافظ أو الإذن بخصوص مطلب التحفيظ وهكذا جاء في قرار الإستئنافية وجدة ” … وحيث يتعين واعتبارا لما ذكر التصريح بتأييد الحكم وإحالة الملف على السيد المحافظ على الأملاك العقارية والرهون بعد انصرام النقض لإتخاذ ما يراه مناسبا …”[24].
وإذا ما قام قاضي التحفيظ العقاري بالنظر في مطلب التحفيظ وقضى برفضه أو إلغاءه فإن ذلك يعتبر تجاوزا لسلطته وهو ما تم تكريسه في احد قرارات المجلس الأعلى إذ جاء فيه:”… لقد تجاوز القضاة لسلطتهم بالبث فيما هو من نظر المحافظ فالقرار الذي قبل النظر في مطلب التحفيظ وقضى برفضه يكون قضاته قد تجاوزو في استعمال سلطتهم ببتهم فيما هو موكول للمحافظ على الأملاك العقارية ، بينما نظرهم مقتصر قانونا في البت في وجود الحق المدعى به من قبل المتعرضين ونوعه ومحتواه ، وخرقوا مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 37 من ظ ت ع وعرضوا قرارهم للنقض[25].
وعلى العكس من ذلك فإن محكمة التحفيظ عندما تقتصر على النظر في وجود الحق المدعى به من قبل المتعرضين دون البت في طلب التحفيظ أو رفضه فإنها لم تتجاوز لسلطتها[26].

الفقرة الثانية: السلطة التقديرية للمحافظ بخصوص رفض وإلغاء المطلب.

في بداية تطبيق ظ ت ع كانت المحكمة تتوفر على سلطة كبيرة في التقرير بشأن مطلب التحفيظ حيث كان بإمكان البت في مدى صحة التعرض وكذا في قبول أو رفض كلي أو جزئي لمطلب التحفيظ ، فكانت بذلك وضعية طالب التحفيظ أكثر حساسية مقارنة مع المتعرض[27].
لكن هذه الصلاحيات التي كانت تتمتع به المحكمة سرعان ما سيتم تقليصها لفائدة المحافظ العقاري بمقتضى التعديل الذي أدخل على ظ ت ع بتاريخ 24 شتنبر 1917 ولاسيما المادة 38 منه ،فأصبح البت في مآل مطلب التحفيظ من اختصاص المحافظ دون سواه ، وبالتالي لم يعد القضاء عندما يحكم بصحة التعرض ، أن يقول في منطوق الحكم بأن المتعرض يعد مالكا للعقار موضوع التعرض ، لأنه أصبح ممنوعا على المحكمة القول بقبول أو عدم قبول مطلب التحفيظ كما أنه لا يحق للمحكمة أيضا إعادة طالب التحفيظ والمتدخلين في المسطرة إلى الوضعية السابقة على تقديم المطلب ، وذلك لعدم وجود نص قانوني يخولها هذه الصلاحية[28].
كما يتوفر المحافظ على سلطة تقديرية عندما يتعلق الأمر بإلغاء مطلب التحفيظ لعدم إتمام إجراءات مسطرة التحفيظ أو عدم كفاية الحجج التي يرتكز عليها مطلب التحفيظ .

ورغم أن هذه السلطة التقديرية غير منصوص عليها صراحة في الفصلين 23 و24 من ظ ت ع العقاري المتعلقين بعدم إتمام إجراءات التحفيظ والفصل 14 من نفس الظهير المتعلق بتقديم المستندات ، إلا أنه عمليا يظهر جليا تكريس هذه السلطة التقديرية التي يتمتع بها القاضي حيث تكاد تكون مطلقة أحيانا[29].
فبخصوص السلطة التقديرية التي يتوفر عليها المحافظ في إطار الفصل 50 من ظ.ت.ع لا يلزم المحافظ العقاري إلا احترام الإجراءات القانونية المنصوص عليها في نفس الفصل ، أي توجيه إنذار إلى المعني بالأمر بواسطة رسالة مضمونة مصحوبة بشهادة التوصل ، وهو إجراء ضروري وجوهري كما تم بيان ذلك من قبل ويترتب على عدم احترامه بطلان قرار الإلغاء كما سبق للمجلس الأعلى أن أكد ذلك[30].
وفيما يتعلق بإلغاء مطلب التحفيظ لعدم كفاية الحجج فيمكن ذلك لأن المحافظ ليس ملزما بإنشاء الرسم العقاري في اسم طالب التحفيظ ولو مع انعدام أي تعرض إذا لاحظ من خلال دراسته وتقصيه لأساس المطلب أن هذا الأساس غير صحيح ، أوأن طالب التحفيظ لم يعزز ادعاءه بالسند المتوفر على جميع الشروط المتطلبة قانونا أو أن تلك المستندات التي تقدم بها طالب التحفيظ غير كافية لتحفيظ العقار في اسمه[31] أو عدم الإدلاء ببعض الشواهد الإدارية الأساسية ، ففي هذه الحالة يمكن للمحافظ أن يتخذ قرارا بالإلغاء عند عدم الإدلاء بها ، أما إذا تعلق الأمر بوثائق أقل أهمية ، فإنه في هذه الحالة تكون مسطرة التحفيظ كافية لتعويض النقص حيث أنه بتمام مسطرة التحفيظ يمكن للمحافظ اتخاذ قرار التحفيظ.

ونؤكد مرة أخرى أن المحافظ العقاري يتوفر على سلطة تقديرية في تعامله مع الأحكام القضائية القاضية بعدم صحة التعرض إذ أنه يمكن له أن يؤسس الرسم العقاري في اسم طالب التحفيظ كما يمكنه في المقابل إلغاء مطلب التحفيظ، وهذا يشكل بطريقة غير مباشرة مسا بحجية الأحكام الصادرة ويفتح المجال لإصدار قرارات من طرف المحافظ قد تتناقض أحيانا مع الأحكام القضائية[32].
إلا أن المحافظ إذا رفض الانصياع لقرار القضاء القاضي بتوفر شروط إنشاء رسم عقاري فإن قراره في هذه الحالة يصبح قرارا إداريا بعد أن تنكر لحكم قضائي نهائي ، ويكون آنذاك قابلا للطعن بالإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة، لأن جهة القضاء العادي التي تبت في التعرضات المقدمة ضد مطالب التحفيظ هي مؤهلة لمراقبة قرار المحافظ الرافض لمطلب التحفيظ الذي قدمت ضده تعرضات حكم بعدم صحتها أولم تقدم ضده أية تعرضات ومع ذلك أمر المحافظ على عدم تحفيظ العقار[33].
كما يرى الأستاذ محمد النجاري[34] كذلك أن امتناع المحافظ عن تنفيذ الأحكام الصادرة في مجال عمله دون عذر مقبول يشكل شطط في استعمال السلطة يجعل القضاء الإداري مختصا بمراقبة مدى شرعية تلك القرارات.

وهو نفس التوجه الذي ذهب فيه الأستاذ أحمد أجعون[35] إذ يرى بأن القرارات التي يتخذها المحافظ العقاري خارج الفصل 96 من ظ.ت.ع والتي خصها المشرع بدعوى موازية[36] تعد قابلة للطعن بسبب الشطط في استعمال السلطة أمام المحكمة الإدارية ومنها الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مجال عمله.

– تعديل الفصل 13 من ظ ت ع وجعل المحافظ العقاري ملزم بمراقبة هوية طالب التحفيظ ومن كونه يتوفر على الصفة المشترطة لتقديم الطلب سواء أمكنه التوقيع أم لا .
– تمكين المحافظ العقاري بالوسائل القانونية الكفيلة بمراقبة صحة بيانات طلب التحفيظ.
– إعادة النظر في الفصل 14 من ظ ت ع بشكل يكون يجعل طالب التحفيظ ملزم بإرفاق طلبه بالمستندات والوثائق التي تؤيد طلبه .
– إلزام المحافظ بالتثبت من صحة الوثائق والمستندات التي أرفقها طالب التحفيظ بمطلبه وتوفير الوسائل القانونية الكفيلة بتحقيق ذلك .
– تخويل القضاء سلطات أوسع للتقرير في مطالب التحفيظ.
– جعل القضاء العادي هو المختص للنظر في الطعون المرفوعة ضد القرارات التي يصدرها المحافظ ، باعتباره الجهاز الساهر على الحفاظ على حق الملكية.

 

(محاماه نت)

إغلاق