دراسات قانونية
شروط وإجراءات مسطرة صدور الحكم التحكيمي (بحث قانوني)
مسطرة صدور الحكم التحكيمي شروطها وإجراءاتها ، آجالها وعوارضها
دراسة من إنجاز
خليل مرزوق
أستاذ متخصص في تدريس الثقافة الأمازيغية
باحث في سلك الدكتوراه
في علوم التشريع
مقدمة
موضوع هام للقراءة : رقم هيئة الابتزاز
إن الخصوصيات التي تميز ميدان التجارة والأعمال، والحاجة الملحة للفاعلين في هذا المجال دفعت بمختلف التشريعات إلى البحث وإيجاد مؤسسات قانونية فاعلة في تأطير العلاقات بغية إيجاد حلول سريعة وملاءمة لنزاعات قد تنتج عن الواقع العملي والتطبيقي للعقود بصفة عامة والعقود التجارية بصفة خاصة وقد كان من بين هذه المؤسسات مؤسسة التحكيم كنظام قانوني ليس بحديث تسعى مختلف الدول إلى تدعيم مقتضياته باعتباره إحدى الوسائل الناجحة والبديلة لحل النزاعات بين الأطراف بعيدا عن قضاء الدولة نظرا لما يغتني به نظام التحكيم من ايجابيات على المستوى العملي مقارنة بالقضاء العادي.
وبذلك كان اتفاق التحكيم هو نقطة البداية في التعبير عن الإرادة والنزوح إلى قواعد التحكيم، وكذا المحرك الأساسي الذي يستند إليه.
فمتى نشب النزاع بين أطراف الاتفاق على التحكيم فإن الأمر يتطلب بعد هدا الاتفاق المرور بسلسلة من المراحل والإجراءات المسطرية تبتدئ من حيث المبدأ بطلب فتح الدعوى أمام الهيأة التحكيمية إلى غاية صدور الحكم المنهي للنزاع([1]).
ويقصد بمسطرة التحكيم مجموع الأعمال الإجرائية المتتابعة التي تستهدف الحصول على حكم من هيئة التحكيم في النزاع القائم بين أطراف التحكيم([2])، فمسطرة التحكيم تهدف بالدرجة الأساسية إلى حل النزاع بين الأطراف بسرعة وسرية وثقة كاملة في الحكم والمحكمين، وذلك بسلوك مساطر وإجراءات مبسطة في الغالب، لكن تحترم المبادئ الأساسية للقانون في حماية حقوق الأطراف والنظام العام الداخلي والدولي.
لكن اللجوء إلى الهيئة التحكيمية ليس مكنة للجميع، بل هو مقصور على من توفرت فيه مجموعة من الشروط منها ما هو موضوعي ومنها ما هو شكلي، هده الشروط التي تعتبر لازمة لمباشرة الإجراءات المتطلبة لسير هذه الدعوى أمام الهيئة التحكيمية، وتجدر الإشارة إلى أن لهده المسطرة نطاقها الخاص وآجال تتقيد بها يحددها الأطراف أو القانون، وعلى اعتبارها أي مسطرة التحكيم طريقة قضائية (قضاء خاصا) لحل النزاعات، فقد تعترضها مجموعة من العوارض تؤثر في سيرها وتقدمها نحو إصدار الحكم الفاصل في الموضوع، في حالة لم تنتهي قبل إصدار الحكم المطلوب أو بإصداره
انطلاقا مما سبق فان الحديث عن مسطرة إصدار الحكم التحكيمي والإحاطة بمختلف الإشكالات التي تتخلل مراحلها يقتضي منا بالضرورة اعتماد منهج مقارن و كدا استحضار القانون 08.05 الذي يعتبر الشريعة الخاصة للتحكيم في رحاب القانون المغربي، ما سيساعد على العمل بنوع من التحليل لآراء فقهية لها أهميتها على مستوى الموضوع إلى جانب استقراء النصوص المنضمة للتحكيم المحصورة في نطاق القانون المشار إليه أعلاه.كل دلك بغية الإجابة عن سؤال مدى نجاح المشرع المغربي في حدود القانون 08.05 في توفير اطار قضائي خاص للمحتكمين يتسم بالضمانات المتطلبة لحماية حقوقهم من جهة، و تمكينهم من الاستفادة من مميزات نضام التحكيم بصفة عامة و ضمانها في نطاق مسطرة إصدار الحكم التحكيمي من جهة أخرى.
هذا الإشكال الذي ارتأينا الإجابة عنه بنوع من التفصيل على ضوء التصميم التالي:
المبحث الأول: شروط تحريك مسطرة التحكيم و نطاقها
إن اعتبار التحكيم كطريقة لفض النزاعات، ذا طبيعة قضائية ينقل الحقوق إيجابا أو سلبا يفضي بالضرورة إلى استلزام الشروط العامة الواجب توفرها في الأشخاص الذين يقومون بالتصرفات القانونية الناقلة للحقوق، الدعوى التحكيمية، إذ لابد لصحة الإجراءات و “التقاضي” أمام الهيئة التحكيمية أن تتوفر في المحكمين شروط الأهلية والصفة والمصلحة حتى تقبل دعواهم، ثم يتبعون إجراءات وشروط شكلية حتى تقوم دعواهم صحيحة.
المطلب الأول: شروط تحريك مسطرة التحكيم
يمكن عند الحديث عن هده الشروط حصرها في كل من الشروط الموضوعية التي استلزمها المشرع في جميع من يبادر من أشخاص إلى فتح دعوى ترمي إلى المطالبة أو الدفاع عن حق, بالإضافة إلى شروط أخرى شكلية تطلب توافرها في الشكل الذي يطالب في نطاقه المدعي بهذا الحق في الخصومة
الفقرة الأولى: الشروط الموضوعية
ينص الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية على أنه لا يصح التقاضي إلا لمن له الصفة والأهلية والمصلحة لإثبات حقوقه.
أولا: الأهلية
ينص الفصل 308 من ق.م.م على أنه “يجوز لجميع الأشخاص من ذوي الأهلية الكاملة سواء كانوا طبيعيين أو معنويين أن يبرموا اتفاق التحكيم في الحقوق التي يملكون حرية التصرف فيها…” وانطلاقا من هذا الفصل وعلى اعتبار الدعوى التحكيمية جزءا مهما من عملية التحكيم إذ يتوقف عليها أمر حسم النزاع من جهة، ومن جهة أخرى أن الحكم الصادر في نهايتها ينقل الحقوق إيجابا أو سلبا فإنه لابد من توفر الأهلية في الشخص الذي يرغب في سلوك مسطرة الدعوى التحكيمية. فالأهلية هنا أهلية التصرف في الحقوق موضوع النزاع، وتتوفر لكل شخص بلغ سن الثامنة عشر(18) من عمره دون أن يعتريه جنون أو سفه.
ولذلك فالتحكيم الذي يقدم من القاصر بدون موافقة نائبه الشرعي يكون باطلا بحكم القانون، وحتى الولي أو الوصي أو المقدم فلابد لهم من إذن القاضي([3]). فإذا أبرم التحكيم لصالح قاصر وتم الدخول في إجراءات الدعوى التحكيمية فبلغ هذا الشخص سن الرشد فإنه يواصل الدعوى باعتباره صاحب الحق الأصيل.
أما فيما يخص أهلية الأشخاص المعنوية فإنه ينبغي التمييز بين أشخاص القانون العام وأشخاص القانون الخاص، فالأشخاص المعنوية العامة منها من يحق له إقامة الدعوى التحكيمية دون شرط أو قيد في حين يستوجب القانون مراقبة قبلية أو بعدية لبعض الأشخاص المعنوية العامة وذلك تبعا لسلطة الوصاية. في حين أن الأشخاص المعنوية الخاصة يحق لها دائما اللجوء إلى سلوك مسطرة التحكيم متى توفرت لها الشخصية المعنوية المتطلبة قانونا (الفصل 311 ق.م.م).
ثانيا: الصفة
يشترط الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية توفر الصفة للشخص الذي يلتجأ إلى القضاء، وعلى اعتبار التحكيم ذو طبيعة قضائية فإنه يستلزم هو الآخر شرط الصفة لقبول اللجوء إليه.
ويعرف بعض الفقه([4]) الصفة بكونها الولاية في مباشرة الدعوى وإجراءات الخصومة، هذا الشرط يستمده الشخص من كونه صاحب الحق أو نائبه القانوني، وفي الدعوى التحكيمية يسهل التحقق من الصفة، بحيث يسبقها عقد أو اتفاق تحكيم تتحدد فيه الأطراف، في حين يجب التثبت والتأكد من صفة الأطراف إذا كانوا غير الذين أبرموا اتفاق التحكيم، كالوكيل بوكالة خاصة، أو الورثة أو الخلف.
ششش
فهيئة التحكيم تتحقق أولا من ثبوت صفة الادعاء قبل البدء في الإجراءات تفاديا لسلوك مسطرة باطلة من الأساس، وللمدعى عليه أن يدفع بانعدام الصفة في الادعاء في حالة تعدد المدعين وتنازعهم الصفة بينهم، ويجب على الهيئة في هذه الحالة وقف الإجراءات وإحالة المدعي على القضاء الذي يبث في ثبوت الصفة لمن له الحق فيها، ثم بعد ذلك تسلك مسطرة التحكيم.
وفي حالة لجوء الشخص المعنوي إلى مسطرة التحكيم، فإن ممثله القانوني ملزم بالإدلاء فيما يفيد أو يثبت صفة تمثيله لهذا الشخص المعنوي، كما هو الشأن بالنسبة للشركات وأشخاص القانون العام، والجمعيات والتعاونيات.
ثالثا: المصلحة
بالرجوع إلى القاعدة التي تقول بأنه “لا دعوى حيث لا مصلحة” فهي، إذن شرط وجود بالنسبة للدعوى التحكيمية.
فاللجوء إلى مسطرة التحكيم رهين بوجود مصلحة للمدعي تضررت، والغاية هي جبر الضرر واستيفاء حقوقه. فمتى لم تضرر له مصلحة انتفى المبرر أو الدافع لفتح الدعوى التحكيمية، ويشترط في المصلحة المراد حمايتها أن تكون مشروعة ومبنية على حق يطالب به المدعي ويتعلق بموضوع النزاع التحكيمي الذي تم تحديد موضوعه في اتفاق التحكيم، فهي إذن مصلحة مقيدة أو محصورة في إطار اتفاق التحكيم.
الفقرة الثانية: الشروط الشكلية
تبتدئ إجراءات الدعوى التحكيمية بإعلان أحد الطرفين عن رغبته في سلوك مسطرة التحكيم، وذلك بتقديم مذكرة فتح الدعوى التحكيمية إلى هيئة التحكيم والمدعى عليه، كما قد يسبق هذه الجلسة طلب عقد جلسة أولية تضم أطراف النزاع والمحكمين الهدف منها هو الاتفاق على بعض الإجراءات والمساطر والآجال التي سيتم تطبيقها على النزاع.
أولا: مذكرة الدعوى التحكيمية
انطلاقا من الفصل 14-327 ق.م.م، فإن المدعي هو الذي يتقدم بمذكرة فتح الدعوى التحكيمية، في حين أعطى المشرع الفرنسي إمكانية طلب التحكيم من الخصمين معا (المادة 1445 مرافعات فرنسي) ويرى بعض الفقه([5]) أنه من الأفضل كبداية للتعاون بين الطرفين على إنجاح التحكيم أن يتم تقديم مذكرة الدعوى التحكيمية من الطرفين معا، مع تضمينها كل البيانات الضرورية وتوقيعها، أو توقيع ممثليهما وتوجه إلى المحكم أو هيئة التحكيم أو مركز التحكيم حسب الأحوال.
ولقد استلزم المشرع في الفصل 14-327 من ق.م.م أن تكون مذكرة الدعوى التحكيمية كتابية، وأن تتضمن مجموعة من البيانات المتعلقة بالمدعي والمدعى عليه وموضوع النزاع إذ نص على أنه: “يجب على المدعي أن يرسل خلال الموعد المتفق عليه بين الطرفين أو الذي تعينه هيئة التحكيم، للمدعى عليه وإلى كل واحد من المحكمين، مذكرة مكتوبة بدعواه تشتمل على اسمه وعنوانه واسم المدعى عليه وعنوانه وشرح لوقائع الدعوى وتحديد المسائل موضوع النزاع، وأي أمر آخر يوجب اتفاق الطرفين ذكره في هذه المذكرة. ويرفقها بكل الوثائق وأدلة الإثبات التي يريد استعمالها…”.
فالواضح من هذا النص أن المشرع استلزم في مذكرة الدعوى التحكيمية أن تكون واضحة على كل الأصعدة، ففي الشكل استلزم الكتابة وتحديد أطراف النزاع بأسمائهم وعناوينهم رفعا لكل لبس، وفي الموضوع توخى المشرع الدقة في تحديد موضوع النزاع والطلبات وكذلك وسائل الإثبات من وثائق وأدلة. وفي ذلك فائدة كبيرة على الدعوى التحكيمية برمتها على عدة مستويات، فمن حيث الاختصاص، يسهل الأمر على المحكم أو الهيئة في استيضاح مدى اختصاصهم من عدمه عن طريق إعمال قاعدة الاختصاص بالاختصاص.
في حين يفيد تاريخ تقديم مذكرة الدعوى في معرفة آجالها بدقة سواء كان اتفاقيا أو قانونيا، ومن جانب آخر فإن المذكرة الكتابية تعرف المدعى عليه بموضوع الدعوى وطلبات المدعي مما يسهل عليه أمر إعداد دفاعه وإتاحة الفرصة له لجمع الأدلة والإثباتات من جانبه.
وجدير بالذكر أن المشرع ألزم المدعي بإرسال مذكرة الدعوى إلى المدعى عليه أو المدعى عليهم إذا تعددوا، وإلى كل محكم من المحكمين داخل الأجل المتفق عليه بين الطرفين أو الذي تحدده الهيئة التحكيمية أو مركز (مؤسسة) التحكيم إذا كان هذا الأخير مؤسساتيا، وقد وضع المشرع جزاء لعدم تقديم المدعي لمذكرة الدعوى يتجلى في إصدار أمر بإنهاء إجراءات التحكيم ما لم يتفق الأطراف على خلافه، ومن جهة ثانية أتاح المشرع للمدعي فرصة تفادي هذا الإنهاء بتقديمه مبررات وأعذار مقبولة عن تأخيره، بشرط أن تقبلها الهيئة التحكيمية، فهذا الجزاء تبعا لذلك لا يتعلق بالنظام العام، لأنه مرتبط بعدم وجود شرط الاتفاق على خلافه من طرف الأطراف([6]) أو بشرط عدم وجود العذر.
ونشير إلى أنه إذا تم الاتفاق على التحكيم في إطار مؤسسة، فإن هذه الأخيرة غالبا ما تعد مطبوعا على شكل استمارة يتضمن البيانات اللازمة لفتح الدعوى التحكيمية ثم بعد ذلك يوجه الاستدعاء إلى المدعى عليه أو المدعى عليهم إيذانا ببدء الدعوى التحكيمية.
ثانيا: فتح الدعوى ما بين القواعد العامة لقانون.م.م و الأحكام الخاصة لنظام التحكيم
نظم المشرع المغربي مسطرة فتح الدعوى أمام المحاكم في الفصلين 31 و 32 من قانون.م.م. فحسب الفصل 31 من ق.م.م: “ترفع الدعوى إلى المحكمة الابتدائية بمقال مكتوب موقع عليه من طرف المدعي أو وكيله، أو بتصريح يدلي به المدعي شخصيا ويحرر به أحد أعوان كتابة الضبط المحلفين محضرا يوقع من طرف المدعي أو يشار في المحضر إلى أنه لا يمكن له التوقيع”.
وبالرجوع إلى منطوق الفصل 10-327 من القانون 05-08 نجده ينص على أنه: “تضبط الهيئة التحكيمية إجراءات مسطرة التحكيم التي تراها مناسبة مع مراعاة أحكام هذا القانون دون أن تكون ملزمة بتطبيق القواعد المتبعة لدى المحاكم ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك في اتفاق التحكيم”.
فانطلاقا من هذا الفصل يمكن الاتفاق على خلاف هذه المسطرة واللجوء بذلك إلى القانون الإجرائي العام للمسطرة، وبذلك يفسح المجال لتطبيق مقتضيات الفصل 31 أعلاه، فيقوم المدعي في الدعوى التحكيمية بتقديم المقال مكتوبا إلى الهيئة التحكيمية أو أن يدلي أمامها بتصريح شفوي يضمنه في محضر ويوقع عليه المدعي، ونود أن تساءل هنا هل يمكن أن يقدم تصريحا شفويا، وذلك لعدة اعتبارات أولها أن المشرع أوجب الكتابة في مذكرة الدعوى التحكيمية بنص خاص هو الفصل 14-327 ضمن الفصل العام الذي هو الفصل 31 ق.م.م. أما الاعتبار الثاني فهو أن المشرع أشار إلى أعوان كتابة الضبط بصفة المحلفين (فإن لذلك اعتبارا منطقيا يتجلى في الحجية التي يعطيها للمحضر الذي يحررونه باعتباره ورقة رسمية) في حين أن المحكين ليسوا محلفين (وليسوا موظفين رسميين توكل لهم مهمة تحرير الأوراق الرسمية).
وحتى يكون للمقال الافتتاحي للدعوى التحكيمية نفس القوة الإجرائية التي للدعوى العادية، فإن المشرع المغربي في الفصل 32 ق.م.م استوجب أن يتضمن الأسماء العائلية والشخصية وصفة أو مهنة وموطن أو محل إقامة المدعي والمدعى عليه وكذا عند الاقتضاء أسماء وصفة وموطن وكيل المدعي وإذا كان الأطراف شركة وجب أن يتضمن المقال اسمها ونوعها ومركزها، ويجب أن يبين بإيجاز في هذا المقال موضوع الدعوى والوقائع والوسائل المثارة وترفق بالطلب المستندات التي ينوي المدعي استعمالها عند الاقتضاء مقابل وصل.
وإذا تعدد المدعى عليهم وجب على المدعي أن يرفق المقال بعدد كاف من النسخ لعددهم.
كما تجدر الإشارة إلى أنه يجب في هذه الحالة أن يقدم المدعي عددا كافيا من نسخ المقال والمستندات بعدد المحكمين حتى يتسنى لهم جميعا الاطلاع على ملف النزاع ودراسته لإبداء ملاحظاتهم بشأنه.
المطلب الثاني:نطاق مسطرة التحكيم
بمجرد أن تتحرك الدعوى التحكيمية يتبين من هو المدعي الذي يقدم الطلبات ومن هو المدعى عليه الذي يقدم دفوعا، غير أن الخصومة تشهد استثناءات سواء من حيث الأشخاص و سواء من حيث نطاق موضوعها.
الفقرة الأولى: نطاق مسطرة التحكيم من حيث الأشخاص
تنشأ الدعوى من حيث الأشخاص بين أطراف العقد (المدعي والمدعى عليه). لأنهما المعنيان بها وتخصهما. وهما من اتفقا على إعمال مسطرتها، إلا أنه قد يظهر أطراف آخرون في الدعوى سواء بإدخالهم أو بتدخلهم.
أولا:طرفا الدعوى التحكيمية
طرفا الدعوى التحكيمية هما كما اشرنا المدعى والمدعى عليه، ويكونان مقيدين باتفاق تحكيم وعليه فهو ملزم لهما.
ولا يحق لشخص من الغير رفع الدعوى حتى ولو كان هذا الغير شريكا لأحد الأطراف لأنه يعتبر أجنبيا على العقد.
و يمكن أن ترفع الدعوى بعدة مدعين ضد مدعى عليه واحد، كما يمكن أن يكون مدعى يرفع دعوى ضد مدعى عليهم متعددين. ولا ينصرف أثر التحكيم إلا بالنسبة لمن أبرم اتفاق تحكيم ولا يكون ملزما للأغيار حتى لو تعلق الأمر بحق يدعونه لأنفسهم أو يمس بمصالحهم ولا يكون لحكم التحكيم أثر بالنسبة لهم حيث لا يسعهم في هذه الحالة إلا الذهاب للقضاء من أجل اقتضاء حقوقهم ومصالحهم. وإذا وجهت دعوى لهذا الأجنبي على العقد فله أن يدفع بعدم نفاذ عقد التحكيم في مواجهته، وإذا صدر حكم في حقه لا يكون حجة عليه([7]).
فمثلا في حالة الاتفاق على التحكيم مع أحد الشركاء على المال المشاع ممن لا يملك الأغلبية اللازمة لا لزام بقية الشركاء باتفاقه، ففي هذه الحالة لا يملك أي من طرفي اتفاق التحكيم توجيه طلب التحكيم إلى الشريك الذي لم يكن أحد أطراف عقد التحكيم. هذا اتجاه ذهب إليه بعض الفقه، غير أن هناك فقه خالف ذلك.
حيث قال أنه في حالة تعدد الشركاء على المال المشاع لا يمكن أن يبرم اتفاق التحكيم على بعض الشركاء فقط بل يجب أن يتفق جميع الشركاء فيها. فإذ رفع أحد الشركاء الدعوى التحكيمية فإنه يجب أن يدخل جميع الشركاء. فإذا لم يدخلهم جميعا كلفت الهيئة بأن يدخل الباقين في ميعاد تحدده، فإذا لم يفعل فإن الهيئة تقضي بعدم قبول الدعوى([8]).
ثانيا:تدخل الغير في الدعوى التحكيمية
1-التدخل في الخصومة
لا يمكن إدخال الغير إلا إذا كان يمتد إليهم أثر اتفاق التحكيم وعبر عن إرادته في الانضمام بشرط أن يقبل الأطراف ويضمنوا ذلك بنص في اتفاق التحكيم وقد يقبلوه حتى بعد بدئ الخصومة لكن هنا يجب موافقة الهيئة التحكيمية لأنه ليس طرفا في العقد ([9]).
إلا أنه قد يرتب ذلك بعض السلبيات كأن تطول مدة النزاع وبالتالي الهيئة التحكيمية لا تبث في الوقت المحدد.
وفي حالة اعتراض الأطراف يجب عليهم تضمين ذلك صراحة إذ أن سكوتهم يعتبر بمثابة موافقة على الانضمام.
2-التدخل الانضمامي
التدخل الانضمامي يكون لشخص المتدخل الذي لا يطالب بحق أو مركز قانوني وإنما إرادته في التدخل هو تأييد أحد الأطراف سواء كان المدعي أو المدعى عليه ولا يوجد مانع من تدخل الغير من أجل التأييد دون التوقف على موافقة الخصوم، والشرط الموجود في هذه الحالة هو وجود مصلحة للمتدخل من تدخله والمثال على ذلك كأن يتدخل الدائن منهما إلى مدينه في خصومة التحكيم المرفوعة ضده باعتبار ما قد يترتب على الحكم عليه من أثر على الضمان العام للدائنين الذي يكون له حق عليه([10]).
الفقرة الثانية: نطاق مسطرة التحكيم من حيث الموضوع
يهدف المشرع إلى تحقيق العدالة والإنصاف من أجل منح الإفراد عدة حقوق وامتيازات.لذلك فأن للأطراف في الدعوى التحكيمية إقرار هذا الحق في اتفاق التحكيم من أجل الدفاع على حقوقهم بواسطة الدعوى إذ بمقتضاه يطلبون من الهيئة التحكيمية التدخل. ويتم ذلك عادة بواسطة الطلبات. كما يمكن للطرف المدعى عليه أن يقدم دفوعا.
أولا: الطلبات
يتقدم المدعي أمام الهيئة التحكيمية كما سبقت الإشارة إليه تعبيرا منه عن رغبته في الدفاع عن حقه بطلباته أمامها سواء كانت طلبات أصلية أو إضافية أو مقابلة.
1-الطلبات الأصلية
الطلب الأصلي هو الذي تفتح به الدعوى التي يرفعها المدعى على المدعي عليه إلى الهيئة التحكيمية، ويجب أن تكون هذه الطلبات موضوعية تتعلق بتقرير الحق لصاحب الطلب أو ألزام الخصم به أو تقييده([11]).
وقد سبق ذكر أن إجراءات التحكيم تبدأ من اليوم الذي يتسلم فيه المدعى عليه طلب التحكيم من المدعي ما لم يتفقا على موعد آخر وهو ما جاء في الفصل 14-327 من قانون 05-08. يضمن الطلب تحديد النزاع المطلوب في التحكيم كما يتضمن بيانات لطلبات المدعي سواء فيما يتعلق بالمحل أو السبب وعلة ذلك عدم مفاجأة المدعى عليه بطلبات جديدة تقدم بعد أن يكون قد استعد للدفاع في نطاق الطلب الأصلي وحده ويمكن للطرفين الاتفاق على خلاف ذلك([12]).
2-الطلبات الإضافية أو العارضة
جاء في المادة 14-327 من قانون 05-08 “يمكن لكل من طرفي التحكيم تعديل طلباته” وعلى هذا فإنه يجوز لكل من المدعي والمدعى عليه تعديل طلباته أو أوجه دفاعه أو استكمالها وهو ما يسمى بالطلبات الإضافية أو العارضة إذ يمكن أن تقدم بعد تحريك الدعوى بل وحتى أثناء سيرها.
غير أن الطلبات الإضافية قد لا تكون مقبولة أمام المحكمين إذ يمكن أن تكون هذه الطلبات غير داخلة في إطار المنازعات التي اتفق على التحكيم بشأنها. لكن متى كان الطلب الأصلي مقبول فإن الطلبات التابعة لها تكون حتى هي مقبولة([13]). وتبقى سلطة هيئة التحكيم في تقدير القبول أو الرفض لهده الطلبات من خلال اتفاق التحكيم.
3-الطلبات المقابلة أو المضاد أو الجوابية
الطلب المقابل أو المضاد أو الجوابي هو الذي يقدمه المدعى عليه دفعا لمزاعم المدعي وردا عليها وعلى ادعاءاته، تمكينا لحقه في الدفاع، وسميت بذلك لأنها تقابل ادعاءات المدعي بالرد عليها([14]).
وقد ورد في المادة 14-327 من قانون 05-08 أنه يجب على المدعى تقديم رده خلال الموعد المتفق عليه أو الموعد الدي تحدده الهيئة التحكيمية. ويجب أن تكون الطلبات المقابلة مرتبطة بالدعوى الأصلية فإذا كان الطلب المقابل خارج عن الطلب الأصلي فإنه يكون غير مقبول لأنه يكون غير داخل في اتفاق التحكيم أما إذا كان الطلب المقابل موجود في اتفاق التحكيم ولم يكن مرتبطا بالطلب الأصلي فإن الطلب يكون مقبولا.
يمكن أن يتضمن الطلب العارض طلب التعويض عما لحق المدعى عليه من ضرر في الدعوى الأصلية إذا نص على ذلك في اتفاق التحكيم.
ثانيا: الدفوع
الدفوع هي ثلاثة أنواع فهي إما دفوع شكلية أو دفوع موضوعية أو دفع بعدم القبول ولكل دفع نظامه الإجرائي الخاص ومضمون يتعلق به.
ويقصد به تمسك الخصم بوجه من أوجه الدفاع من شأنه أن يؤدي إلى تفادي الحكم عليه بطلبات خصمه كلها أو بعضها بصفة نهائية أو مؤقتة([15]).
يمكن للمدعى عليه أن يثير دفوعا تتعلق بمسطرة الدعوى وإجراءاتها وهي التي تعرف بالدفوع الشكلية، كما يسوغ أن يتمسك بدفوع تتصل بموضوع وجوهر النزاع و هي التي تسمى بالدفوع الموضوعية أو أن يثير دفوعا لا تمت لا للمسطرة ولا للموضوع بأية صلة لكن يتمسك فيها بعدم قبول الدعوى من أساسها وهو الدفع بعدم القبول.
1-الدفوع الشكلية
الدفوع الشكلية هي دفوع لا تتعلق بموضوع النزاع و إنما بالإجراءات فهي تهدف إلى إثبات عيب فيها مما يؤدي إلى ضرورة إنهائها حتى لا يصدر حكم مبني على إجراءات غير صحيحة كالدفع ببطلان الاستدعاء أو بعدم الاختصاص. والدفوع الشكلية تخضع لقواعد خاصة بها ومن هذه الخصوصيات وجوب رفعها قبل الدفع في الموضوع ، وإلا سقط الحق فيها، كما أنه يجب إبداء جميع الدفوع الشكلية معا وإلا سقط الحق فيها كما أنه يجب تقديم هذه الدفوع في الميعاد المتفق عليه بين الطرفين أو الذي تعينه هيئة التحكيم للمدعى عليه وهو ما جاء في الفقرة الثانية من الفصل 14-327 من قانون 05-08.و من الأمثلة على الدفوع الشكلية نجد في المقدمة الدفع بعدم الاختصاص فانطلاقا من نص الفصل 9-327 نجده يلزم “الهيئة التحكيمية، قبل النظر في الموضوع أن تبث إما تلقائيا أو بطلب من أحد الأطراف، في صحة أو حدود اختصاصاتها أو في صحة اتفاق التحكيم وذلك بأمر غير قابل للطعن إلا وفق نفس شروط النظر في الموضوع وفي نفس الوقت…”.
من هذا الفصل يتضح أن المشرع حدد الأسباب التي يمكن اعتمادها للدفع بعدم اختصاص الهيئة التحكيمية. وعليها إثارة هذا الدفع تلقائيا حتى ولو لم يثره أو يتمسك به الخصوم فإذا كانت غير متخصصة فإنها تصدر أمرا بعدم اختصاصها وتضع بذلك حدا للدعوى التحكيمية و سلطة نظر الهيأة التحكيمية في اختصاصها هو ما يعبر عليه بعبارة الاختصاص بالاختصاص([16]) .كما نجد إلى جانب الدفع بعدم الاختصاص الدفع للارتباط و كدا الدفع ببطلان الاستدعاء.
2-الدفوع الموضوعية
الدفوع الموضوعية هي تلك التي توجه إلى ذات الحق المدعى به و يستهدف مثيرها إنكار وجوده أو يزعم سقوطه أو انقضاؤه([17]). بمعنى أنها توجه إلى الحق موضوع الدعوى وتستهدف الحكم برفض الدعوى إما كليا أو جزئيا. وقد نص عليها المشرع المغربي في الفصل 14-327 من قانون 05-08 “… وله أن يضمن هذه المذكرة طلبات عارضة متصلة بموضوع النزاع أو أن يتمسك بحق…”.
والدفوع الموضوعية كثيرة والأمثلة عليها متنوعة ومتعددة فهي إما أن تكون سلبية تقتصر على مجرد إنكار الوقائع المدعاة أو إما إنكار الأثر القانوني أو إيجابية تجاوز الإنكار إلى تأكيد واقعة معينة([18]).
وتتميز الدفوع الموضوعية بعدة قواعد أهمها إمكانية التمسك بها في جميع مراحل الدعوى.
ثالثا: الدفع بعدم قبول الدعوى التحكيمية
هو الدفع الذي لا ينصب على موضوع الدعوى ولا ينصب على إجراءات الدعوى ولإثارة الدفع بعدم القبول يجب التمسك بعدم توفر شرط من شروط الدعوى انتفاء المصلحة أو تقادم الحق موضوع الدعوى أو انقضاء الميعاد الحتمي لرفع الدعوى ([19]). وإذا كانت الهيئة مختصة بنظر النزاع ورأت أن الدفع بعدم القبول لانتفاء صفة المدعى عليه قائم على أساس، فإنها إذا طلب المدعى تأجيل الدعوى لإدخال ذي الصفة في الدعوى، لا تحكم بعدم قبول الدعوى ولكنها تؤجل الدعوى ليقوم المدعي بإعلان ذي الصفة، بشرط أن يكون هذا المعلن عنه طرفا في اتفاق التحكيم([20]).
المبحث الثاني:إجراءات مسطرة التحكيم امام الهيئة التحكيمية آجالها و عوارضها
عند الحديث عن مسطرة التحكيم أمام الهيأة التحكيمية تثار نقاط مهمة تأطر لهده المسطرة و تنقسم بتدقيق إلى كل من الإجراءات المتبعة أمام الهيئة التحكيمية ثم آجالها و عوارضها هدين المحورين اللذين سنتناولهما عبر محورين كالآتي
المطلب الأول:إجراءات مسطرة التحكيم أمام الهيئة التحكيمية
للفصل في الدعوى لابد للقيام بعدة إجراءات. فقد ورد في الفقرة الأولى من الفصل 10-327 من قانون رقم 05-08 على أنه “تضبط الهيئة التحكيمية إجراءات مسطرة التحكيم التي تراها مناسبة مع مراعاة أحكام هذا القانون دون أن تكون ملزمة بتطبيق القواعد لدى المحاكم ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك في اتفاق التحكيم”.
الفقرة الأولى:سلطات الهيئة التحكيمية في نطلق مسطرة التحكيم
انطلاقا من هذا الفصل فإن الهيئة التحكيمية لها كامل الصلاحيات في إجراءات مسطرة التحكيم ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك، ابتداء من مسطرة التبليغ والاستدعاء (أولا) وصولا إلى المناقشة والمداولة (ثانيا) على أن تراعى أحام القانون 05-08.
أولا: الاستدعاء والتبليغ
يعرف التبليغ على أنه إيصال أمر أو واقعة ثابتة إلى علم شخص معين على يد الأشخاص المحددين قانونا([21]).
وجاء في الفصل 14-327، أن الهيئة التحكيمية يجب أن تخطر طرفي التحكيم بمواعيد الجلسات والاجتماعات التي تقرر هيئة التحكيم عقدها قبل التاريخ الذي تعنيه لذلك بوقت كاف لا يقل عن 5 أيام.
لكن المشرع المغربي لم يحدد في قانون 05-08 كوقت تبليغ الأطراف. وكما بينا في حالة إذا لم يتفق الأطراف في اتفاق التحكيم على مسطرة التبليغ فإن الهيئة لها الحرية في اختيار طريقة للتبليغ وذلك إما بما جاء في الفصل 37 من قانون المسطرة المدنية و إما بواسطة أعوان كتابة الضبط أو عن طريق البريد المضمون مع الإشعار بالتوصل أو بالطريقة الإدارية.
غير أنه يعاب على هذه المساطر بأنها: لا تخلو من المشاكل فالاستدعاء بواسطة أعوان كتابة الضبط يتعلق بسلوك مسطرة قضائية والبريد المضمون مع الإشعار بالتوصل يمكن أن تكون وسيلة مناسبة لإجراءات التحكيم لكن قد يتم إرجاع الظرف لعدم التوصل بالعنوان أو بملاحظة غير مطلوب أو بالرفض كما يمكن الاحتجاج من أجل التملص من آثار الدعوى أنه قد تم التوصل به فارغا.
و قد تم إحداث جهاز جديد هو المفوضين القضائيين وهو جهاز مستقل عن القضاء وأهم مهامه هو التبليغ.
وللهيئة التحكيمية اللجوء إلى وسائل أخرى للتبليغ تكون أكثر سرعة وأكثر أمان وأكثر تناسب مع طبيعة التحكيم. شريطة أن يكون التبليغ صحيحا.
ثانيا: المناقشة والمداولة
1-المناقشة
أ-مكان التحكيم
إذا لم يتفق الأطراف على تحديد مقر التحكيم يمكن للهيئة التحكيمية أن تحدده مع مراعاة مكان إقامة الأطراف وظروف الدعوى ، كما يمكن لهم أن يحددوا مكان لكل مرحلة من مراحل التحكيم أو عدة أماكن([22]).
ب-لغة التحكيم
جاء المشرع المغربي في الفصل 13-327 من قانون 05-08 بأن التحكيم يجري باللغة العربية ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك وقد يتفقان على عدة لغات أخرى يجري بها التحكيم كما يجوز لهيئة التحكيم في حالة سكوت الأطراف تحديد لغة التحكيم شريطة مراعاة لغة العقد وظروف النازلة واللغة المحددة تسري على كل الأوراق والإجراءات الشفوية والكتابية وعلى كل قرار تتخذه الهيئة أو حكم تصدره كما يجوز للمحكمين تحديد لغة أخرى بالنسبة لإجراء معين وإذا كانت اللغة الأصلية للمستندات تختلف عن لغة التحكيم وجب ترجمتها إلى اللغة المستخدمة في التحكيم وإذا تعددت اللغات يجوز قصر الترجمة على بعضها فقط حسب ما يراه المحكم مناسبا.
وتجدر الإشارة إلى أنه رغم تحديد لغة التحكيم في اتفاق التحكيم فإن يجوز للمحكمين الاستماع للأطراف أو لشهود يجهلون لغة التحكيم مع الاستعانة بمترجم قد يأتي به الأطراف أو تعينه الهيئة التحكيمية وإذا كان التحكيم مؤسساتيا فان المؤسسة التحكيمية تعين أحدا من المترجمين الذين يشتغلون لديها([23]).
ج-حضور الأطراف
في حالة تخلف احد طرفي الدعوى فإن المحكم أو الهيئة التحكيمية تستمر وتصدر حكما انطلاقا من الأدلة المتوفرة لديها كالمذكرات والمستندات التي كانت قد قدمت لها وهو ما نص عليه الفصل 14-327 في فقرته الأخيرة لكن يجب أن نميز بين المدعى والمدعى عليه.
بالنسبة للمدعى: جاء في الفقرة التاسعة من نفس الفصل أنه إذا لم يقدم المدعى مذكرة فتح الدعوى داخل الأجل المحدد من غير عذر مقبول فإن الهيئة التحكيمية تصدر قرارها بإنهاء إجراءات التحكيم ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك.
أما بالنسبة للمدعى عليه: فقد نصت الفقرة 10 من نفس الفصل أنه إذا لم يقدم المدعى عليه مذكرة جوابية داخل الموعد المتفق عليه فإن هيئة التحكيم تستمر في إجراءاتها دون أن يعتبر ذلك بمثابة إقرار من المدعى عليه بدعوى المدعي.
وتماشيا مع رغبة الأطراف في المحافظة على سرية الدعوى وعلى سمعة الأطراف فإن جلسة التحكيم تكون غير علنية.
2-المداولة أو التأمل
بعد الانتهاء من إجراءات التحقيق والمناقشة تحجز القضية للمداولة ويقصد بها: الفترة الزمنية المعينة التي تمنحها الهيئة الحاكمة لنفسها للتشاور والتفكير في الحكم الدي تنوي إصداره([24]).
ينص الفصل 327-22 من القانون 08.05 على أنه “يصدر الحكم التحكيمي بأغلبية الأصوات بعد مداولة الهيئة التحكيمية” فالمداولة هي أن يتبادل المحكمون الرأي فيها بينهم بالنسبة لتطبيق القانون على تلك الوقائع والنتيجة التي يصلون إليها حسما للنزاع. وتتم المداولة عادة في الفترة التي يتم فيها حجز القضية للحكم كما يمكن أن تجري في الجلسة بين المحكمين همسا قبل إصدار الحكم.
كما يتفق المحكمون على أي مكان من أجل الاجتماع فيه وعلى الساعة في النهار أو الليل حتى انه يمكنهم الاتفاق في يوم العطلة الرسمية على الاجتماع و المداولة.
ويجب أن تتم المداولة بين جميع المحكمين، وفي حالة ما إذا كان بين رئيس الهيئة التحكيمية وبين محكم أو كل محكم منفصل على الآخر فإن الحكم يكون باطل.
ولا يشترك في المداولة أشخاص غير المحكمين أو من ينوب عنهم إذ أن هذه المداولات تكون منوطة بالهيئة التحكيمية المكلفة كما تكون سرية وهذا ما جاء في الفصل 22-327 من القانون 05-08 وتصل إلى الكاتب الذي كان مكلفا بكتابة محاضر الجلسات أو الخبير، وإذا أفشى سر المداولة أحد المحكمين، فإن الحكم يكون باطل ويسأل المحكم مساءلة مدنية.
ويحتفظ المحكم بهذه الصفة حتى صدور الحكم والتوقيع عليه، ويؤدي إلى زوال صفته بالوفاة، التنحي، العزل، فقد الأهلية.
لم ينص قانون 05-08 على شكل معين لكيفية إجراءات المداولة وترك ذلك لاتفاق الأطراف والهيئة التحكيمية إذ يمكنهم التداول عبر الرسائل، عن طريق الاتصال بالوسائل الحديثة أو كتابتا أو شفويا. وتكون صحيحة متى تمت بأية طريقة ما دام أن القانون لم يقيد ذلك.
ولا يجوز للأطراف الاتفاق على إصدار الحكم بدون مداولة لأن الحكم هذا يكون باطلا([25]).
إذا تعدد المحكمون فإنه يجب عليهم التوقيع على حكم التحكيم وإذا رفضت الأقلية التوقيع يشار إلى ذلك في حكم التحكيم كما يشار إلى أسباب رفض التوقيع حسب ما جاء في الفصل 25-327 ويكون للحكم نفس الأثر كما لو كان موقعا من كل محكم من المحكمين.
الفقرة الثانية:حقوق الأطراف في نطاق مسطرة التحكيم
يمكننا الحديث في نطاق هده النقطة بنوع من التفصيل على إحدى أهم المسائل التي استلزم المشرع المغربي على الهيئة التحكيمية ضمان توفرها للأطراف المدعية و هي كل من إعمال مبدأ المساواة و المؤازرة ثم حقوق أخرى ثانوية بالنظر إلى هدين الحقين الأساسيين.
-إعمال مبدأ المساواة
جاء في الفصل 10-327 من قانون 05-08 انه “يعامل جميع أطراف التحكيم على قدم المساواة…” انطلاقا من هذا الفصل يحق للمدعى والمدعى عليه مناقشة سندات ومطالب خصمه بحضورهم جميعا وإبداء حججهم شفويا أو كتابيا لأنهما متساويان في ذلك. وعلى المحكمين سماع جميع الأطراف إعمالا به.
-أحكام القانون الواجب التطبيق
الأصل أن يكون ذلك خاضعا لإرادة الأطراف وفي حالة عدم اختيار قانون واجب التطبيق فإن الهيئة التحكيمية تختاره إذا وافق الأطراف بصفة صريحة هنا. وإذا لم توجد إرادة وهي إرادة لتعيين القانون الواجب التطبيق فإنه يؤخذ ذلك بإرادة ضمنية. وهي إرادة حقيقية لكنها غير معلنة، يستخلصها المحكم من ظروف الحال وله السلطة التقديرية فيه مع ضرورة استحضار المؤشرات الموضوعية و المعقولة لتلك الإرادة([26]).
-المؤازة واحترام حقوق الدفاع
لم يلزم المشرع الأطراف الاستعانة بمحام من أجل مؤازرتهم وهو ما جاء في الفصل 12-327: “يجوز للأطراف أن يعينوا أي شخص من اختيارهم يمثلهم ويؤازرهم” حتى ولو كان أميا المهم أن يكون أهلا لذلك([27]).
واحترام حقوق الدفاع يقصد به أنه لا يمكن لهيئة التحكيم أن تصدر حكما في حق أو ضد طرف من أطراف اتفاق التحكيم إلا إذا أتيحت له الفرصة في الدفاع عنه وعن حقوقه بكل حرية أو بصفة معقولة ، فهي قاعدة دستورية مبنية على مقومات أساسية ثابتة تهدف إلى احترام حقوق الفرد([28]).
لم يكتف المشرع بإعمال مبدأ احترام حقوق الدفاع والمواجهة بين الأطراف وتقديم المذكرات من طرف المدعى والمدعى عليه بل اشترط تدوين الوقائع والجلسات بغية تسليم هذه النسخ إلى الأطراف وقد نص عليه الفصل 14-327 في فقرته الثامنة.
ولم يشترط المشرع في قانون 05-08 وجود الكاتب بل يمكن للهيئة أو الأطراف تعيين كاتب من أجل ذلك وإذا كان التحكيم مؤسساتيا فان مؤسسة التحكيم بأنها تعين كاتبا وفقا لنظامها الداخلي.
و تجدر الإشارة إلى أن حقوق الدفاع تنقسم إلى حقوق أساسية تتمثل في كل من حق الدفع و حق الإثبات و حق المرافعة و هي التي تطرقنا لها سابقا,ثم حقوق ثانوية آو مساعدة و المتمثلة في كل من:
v حق الخصم في العلم بإجراءات المسطرة.
v الحق في أجل الاستعداد لتقديم أوجه الدفاع و عدم مفاجأته بطلب تقديم دفاعه دون إعطائه فرصة إعداده.
v حق حضور جميع مراحل القضية.
v الحق في الاستعانة بمحام أو أي شخص له إمكانية تمثيله.
-وسائل الإثبات المخولة للإطراف في الدعوى أمام الهيئة التحكيمية
· شهادة الشهود: يستمع المحكمون إلى شهادة الشهود في الأحوال التي يجيز فيها القانون ذلك، فله أن يطلبهم إذا كانوا سيساعدون في إجراءات التحقيق أو بناء على طلب أحد الأطراف.. كما يمكن للمحكم الاستماع إلى أي شخص ترى فائدة من الاستماع إليه. بشرط أداء اليمين حسب الفاصل 12-327 “يكون الاستماع بأداء اليمين القانونية…” والمحكم لا يجبر على الحضور أو على أداء اليمين كما لا يحق له الاستماع إلى الأشخاص الذين ليست لهم أهلية أداء اليمين. وتكتسي الشهادة دورا مهما لأنها قد تبين الحقيقة وتعزز أو تفيد ادعاءات الأطراف.
· الخبرة: إذا تطلب إجراءات التحقيق ذلك يمكن اللجوء إليها بإجراء المعاينة أو بتقديم استشارة فنية أو إزالة غموض لدى الهيئة والطلب يكون مقيد وفق إرادة الأطراف إذ يمكن لهم في اتفاق التحكيم أو أثناء المحاكمة تقييد طلب خبرة. وقد نظم المشرع المغربي الخبرة في الفصل من 59 إلى 66 من قانون المسطرة المدنية، ابتداء من إجراءات تعيين الخبير إلى تقديم الخبرة([29]).
ويجوز طلب خبرة من أحد الخصوم، وإضافة إلى ما سبق الإشارة إليه يلتزم بإرسال صور من هذه التقارير إلى الأطراف وهو ما نص عليه اتفاق التحكيم.
وتختار الهيئة التحكيمية خبيرا من بين الخبراء المقبولين لدى المحكمة المختصة في النظر في النزاع في الحالة التي لم يتفق الأطراف على تعين خبير بعينه([30]). ويعين خبير مقيد في جدول الخبراء في مراكز التحكيم.
والأكثر من ذلك للأطراف الحق اللجوء إلى قاضي الأمور المستعجلة من أجل تعيين خبير من أجل حماية حقوق أو أموال أو لاتخاذ إجراء وقتي أو تحفظي انسجاما مع منطوق الفصل 1-327.
· المعاينة: للمحكمين أن يقوموا بإجراء معاينة لأشياء سواء كانت موضوعا للنزاع أو متعلقة به من تلقاء نفسهم أو بناء على طلب من أحد الخصوم.
· تحقيق الخطوط أمام هيئة التحكيم والادعاء بالتزوير:
إذا أنكر أحد الطرفين الخط أو التوقيع الصادرين عن الطرف الآخر في الدعوى فإن على المحكم تحقيق صحة الخط، فله مطابقة الأوراق بواسطة خبير الخطوط وتعتبر هذه مسألة أولية يتعين على المحكم الفصل فيها قبل متابعة النظر في القضية.
وبالنسبة للتزوير يتم الادعاء به ضد سند مقدم إلى المحكم بشكل عارض وقد يتم هذا الادعاء بصورة أصلية أمام القضاء الجنائي وفي الحالتين يفرض على المحكم التوقف عن النظر في النزاع إلى حين التأكد من صحة الادعاء([31]).
المطلب الثاني:آجال مسطرة التحكيم أمام الهيئة التحكيمية و عوارضها
الحديث عن آجال المسطرة المتبعة أمام الهيئة التحكيمية يقتضي منا بالضرورة طرح سؤال مهم و هو حدود هدا الأجل و إمكانية تمديده فضلا عن الجزاء المترتب عن تجاوزه دون إغفال الإشارة إلى أهم عوارض هده المسطرة و التي تحول دون صدور المبتغى منها و هو حصول أطراف النزاع على حكم تحكيمي.
الفقرة الأولى:آجال مسطرة التحكيم أمام الهيأة التحكيمية
على الرغم من كون الأطراف يتمتعون بحق تحديد آجال و ميعاد التحكيم.إلا أن انتهاء هذا الأجل المحدد لا يمنعهم حسب القانون 08.05 من طلب تمديده.
أولا: تحديد ميعاد و أجل المسطرة أمام الهيئة التحكيمية.
يعتمد التحكيم كطريقة خاصة لحل النزاعات على مبدأ أساسي، هو اتفاق الأطراف عليه مسبقا، ثم على القواعد والإجراءات التي تنظمه من حيث المبدأ. وفي هذا الإطار فإن الميعاد أو الأجل الذي ينبغي أن تمارس خلاله الدعوى التحكيمية، ويصدر فيه القرار المنهي للنزاع يرجع تحديده بالأساس إلى الأطراف. فهم أصحاب القرار والأدرى بالأجل المناسب والمعقول الذي يرتضونه لحل النزاع. لكن قد يقع تماطل في التسريع بإجراءات التحكيم لوصول الغاية منها و هو حسم النزاع في أسرع وقت ممكن,لذلك تدخل المشرع وحدد أجلا قانونيا لا يمكن للهيئة التحكيمية تجاوزه إلا في حالات استثنائية وخاصة.
فالأصل أن يتفق الأطراف على ميعاد التحكيم، إذ هم الأقدر على معرفة ظروف وملابسات النزاع والوقت اللازم للفصل فيه([32]) .
وفي هذه الحالة يكون على المحكم أو الهيئة التحكيمية أن تصدر قرارها في الوقت المتفق عليه و إذا لم يحدد اتفاق التحكيم للهيئة التحكيمية أجلا لإصدار الحكم التحكيمي فان مهمة المحكمين تنتهي بعد مضي ستة أشهر على اليوم الذي قبل فيه آخر محكم مهمته و دلك انسجاما مع منطوق الفصل 327-20 من القانون 08.05. وإذا كان التحكيم مؤسساتيا فإن أجل التحكيم هو ذلك الذي تحدده لوائح هذه المؤسسة أو المركز، إذ الأصل أن الأطراف لما اختاروا التحكيم المؤسساتي بإرادتهم، فإنهم أرادوا أن تطبق عليه القواعد المتبعة فيه. وجدير بالذكر أن المشرع المغربي في الفصل 20-327 من القانون 08.05 لم يعط الحق للهيئة التحكيمية لتحديد أجل التحكيم، فالمحكمون ملزمون في حالة عدم وجود اجل اتفاقي أن يبثوا داخل أجل 6 أشهر من يوم قبول آخر محكم مهمته كأقصى مدة قانونية يمكن أن تستغرقها الدعوى التحكيمية.
ولقد حدد المشرع المغربي بدقة تاريخ بدء اجل التحكيم في اليوم الذي يرد فيه القبول النهائي لآخر محكم لمهمته، وغالبا ما يكون ذلك بعد الجلسة الأولى، التي يتم فيها اتفاق الأطراف والهيئة التحكيمية على إجراءات الدعوى وطريقة البحث والتحقيق والقواعد المطبقة على النزاع.
وتحديد ميعاد التحكيم يمكن أن يرد في اتفاق التحكيم ذاته أو في اتفاق لاحق بشكل صريح أو ضمني، ولو كان ذلك في تاريخ لاحق لتاريخ اتفاق التحكيم عن طريق الرسائل أو تبادل الملاحظات، ويملك الأطراف تحديد مدة اقصر أو أطول من المدة القانونية، ذلك أن القيد الوحيد هو أن تكون المدة محدودة([33]).
ثانيا-تمديد أجل الدعوى التحكيمية
ينص الفصل 20-327 من القانون 05-08 على إمكانية تمديد أجل الدعوى التحكيمية، إما باتفاق الأطراف أو عن طريق القضاء. وذلك بناءا على طلب أحد الأطراف أو الهيئة التحكيمية.
فالأصل في تمديد أجل التحكيم هو اتفاق الأطراف على ذلك مرة واحدة، ويرى بعض الفقه([34]). أن ليس هناك حد أقصى للميعاد الذي يتفق الأطراف على التمديد إليه. ويمكن أن يتكرر الاتفاق على المد أكثر من مرة، إلا أن المشرع المغربي كان واضحا في هذه المسألة، إذ أوجب أن يكون المد لنفس مدة الاتفاق الأصلية أو للمدة القانونية للتحكيم المحددة في 6 أشهر تبعا لما نصت عليه الفقرة الثانية من الفصل 20- 327 من القانون 05-08.
والتمديد إذا كان قضائيا فهو صحيح بأمر من رئيس المحكمة، أما إذا كان اتفاقيا فقد يكون صحيحا وذلك بتحرير محضر من طرف الهيئة التحكيمية باتفاق الأطراف أو التنصيص عليه في مذكراتهم بشكل واضح لا لبس فيه و هو في كلتا الحالتين تمديد صريح، وقد يكون ضمنيا يستدل عليه من إعلان ضمني عن الرغبة في التحديد والاستمرار في الإجراءات المتعلقة بالدعوى كالحضور والترافع أمام الهيئة من الطرفين معا مع علمهما بانقضاء الأجل الأصلي، ولإثبات ذلك وجب على الهيئة أن تضمن ذلك في محاضر الجلسات حتى يكون حجة على الطرفين، وفي حالة التمديد الضمني هذه فالمدة التي يمدد إليها الأجل هي نفس مدة الأجل الأصلي.
أما فيما يخص وقت تقرير التمديد فإنه يجب أن يكون التمديد حسب بعض الفقه قبل انتهاء الميعاد الأصلي([35])، أو على الأقل أن يقدم طلب به قبل انتهاء الميعاد الأصلي حسب البعض الآخر([36]). ونرى أنه ما دام التحكيم في مجمل مراحله يحتكم أساس لإدارة الأطراف فإنه في هذه الحالة متى اتجهت إرادة الأطراف للتمديد سواء قبل انتهاء المدة الأصلية أو بعدها فإن التمديد يقع صحيحا.
ومهما يكن الأمر فإن التمديد يمكن أن يكون بطلب من الوكيل بناء على وكالة خاصة، في حين أنه لا يمكن للهيئة التحكيمية أن تقرره تلقائيا دون اتفاق الأطراف أو بأمر من القضاء بناء على طلبها.
الفقرة الثانية:عوارض مسطرة التحكيم أمام الهيأة التحكيمية
الدعوى التحكيمية كالدعوى القضائية قد تعترضها مجموعة من العوارض، تؤثر في سيرها العادي، فمتى قام سبب الانقطاع أو الوقف فإن الدعوى تتأثر بها إلى حد إنهائها ولو قبل صدور الحكم البات في أصل النزاع.
أولا- وقف مسطرة التحكيم وانقطاعها
يعتبر اتفاق الأطراف تلك القاعدة التي يتأسس عليها التحكيم بينهم مند البداية إلى حين صدور الحكم الفاصل في النزاع، وتبعا لذلك فإنه يجوز لهم ( الأطراف) الاتفاق على وقف إجراءات الدعوى التحكيمية لمدة معينة، وفي هذه الحالة فإن الهيئة تلتزم بتنفيذ إرادة الأطراف فتوقف الدعوى، ليتم استئنافها بعد مضي مدة التوقيف، فالأطراف هم من يقدر ويقرر متى يوقفون الدعوى ومتى يرفعون هذا الوقف لأسباب يرونها وجيهة ومراعية لمصالحهم الخاصة.
كما يمكن أن يكون وقف إجراءات الدعوى بقرار من الهيئة التحكيمية كما نص على ذلك الفصل 17-327 من القانون 05.08 في الحالات الآتية:
ü وجود مسألة تخرج عن نطاق اختصاص هيئة التحكيم.
ü الطعن بالزور في ورقة أو سند قدم للهيئة التحكيمية.
ü اتخاذ أي إجراءات جنائية بشأن أي واقعة تخضع للتحكيم في ذات النزاع. وذلك إعمالا لقاعدة “الجنائي يعقل المدني”.
ويتوقف إعمال الوقف في الحالات السابقة حسب الفصل أعلاه على أن يكون الفصل في النزاع ممكنا دون أن يتم عرقلته أو توقفه.
كما أن الفصل 8-327 في فقرته الأولى ينص على توقف الدعوى في حالة ما إذا قدم طلب تجريح أو عزل أحد المحكمين، إلى أن يتم البت في هذا الطلب في حالة لم يتنح أو لم يستغني المحكم المعني بأمر التجريح أو العزل عن مهمته.
إلى جانب عارض التوقف فإن الدعوى التحكيمية قد يعترضها الانقطاع فيؤثر على سيرها العادي، وأسباب انقطاع الدعوى عموما جاءت بنصوص عامة في قانون المسطرة المدنية (الفصول 114 إلى 118). إذ نستشف من أحكامها أنه ما لم يتم قفل باب المناقشة والمرافعة، وإذا لم تصبح الدعوى جاهزة، فإنه إذا توفي أحد الأطراف أو فقد أهليته أو زالت عنه صفة الادعاء، فإن إجراءات الدعوى تنقطع إلى حين إشعار من لهم الصفة والأهلية في مواصلة الدعوى. في هذه الحالة تتوقف جميع الآجال والمواعيد الجاري بها العمل بشأن مسطرة الدعوى التحكيمية، سواء كانت اتفاقية أو قانونية. دون إغفال أن جميع الإجراءات التي تتخذها الهيئة التحكيمية خلال مدة الانقطاع تكون باطلة.
ويتم استئناف الدعوى ابتداء من آخر إجراء صحيح قبل انقطاعها، وتبقى الإجراءات السابقة عن الانقطاع صحيحة مرتبة لآثارها.
ثانيا-انتهاء مسطرة التحكيم
الأصل أن تنتهي خصومة التحكيم بصدور الحكم المنهي للنزاع، لكنها قد تنتهي قبل صدور هذا الحكم، فهناك حالات عدة يمكن فيها لهيئة التحكيم إصدار قرار بإنهاء الإجراءات دون الفصل في النزاع ويمكن إجمالها كما يلي:
– الحالة التي لا يلتزم فيها المدعي دون عذر مقبول بتقديم مذكرة الدعوى داخل الأجل المتفق عليه، ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك (الفصل 14-327 ).
– الحالة التي يتفق فيها الأطراف على حل النزاع وديا، حيث يقدمون طلبا بذلك إلى الهيئة التحكيمية التي تقضي بإنهاء المسطرة بواسطة حكم تحكيمي له نفس الأثر المترتب عن الحكم الصادر في الجوهر (الفصل 19-327). وهذا تفسير منطقي لارتكاز التحكيم على اتفاق الأطراف، لأن الهدف حل النزاع بسرعة وبدون تعقيدات لما فيه مصلحة الأطراف.
يرى بعض الفقه ([37]) أنه في حالة تعدد أطراف الدعوى، واستهداف الاتفاق على إنهاء الإجراءات التسوية بين اثنين منهم دون الباقي، ففي هذه الحالة تنتهي الإجراءات بالنسبة للطلبات المقدمة من كل منهما ضد الآخر، مع بقائها قائمة بالنسبة للطلبات المقدمة من أي منهما اتجاه الأطراف الأخرى خارج الاتفاق أو المقدمة من هذه الأطراف ضد أي منها.
– ولقد نص الفصل 19-327 في فقرته الثانية على إمكانية إصدار الهيئة التحكيمية أمرا بإنهاء المسطرة عندما يتبين لها أن متابعة مسطرة التحكيم أصبحت غير مجدية أو غير ممكنة لأي سبب من الأسباب، كما لو تراخى الأطراف في الاستجابة لطلبات الهيئة أو يهملونها بدون مبرر مقبول، كتعذر التوصل بالمستندات الكافية لاستبيان حقيقة النزاع أو بعدم تعاونهم مع الخبراء الذين تنتدبهم الهيئة أو عدم حضورهم إلى الجلسات بعد استدعائهم بصورة صحيحة هم أو ممثلوهم، أو بسبب إتيانهم أي فعل يبين عدم جديتهم في مواصلة الدعوى.
خاتمة
انطلاقا من محاولتنا السالفة للتطرق إلى معظم الإشكالات المتعلقة بموضوع مسطرة إصدار الحكم التحكيمي.لابد أن نقرر ملاحظة هامة و المتمثلة في الرغبة الملحة للمشرع في تأطير علاقات المتقاضين بهده في إطار نظام التحكيم وفق مقتضيات و أن منح من خلالها الأطراف حرية الاتفاق على الإجراءات الكفيلة ببلوغهم الهدف من هدا النوع الخاص من القضاء و ارتكازه في منحه لهده الحرية على أن العقد شريعة المتعاقدين.فانه حصر هده الحرية في نطاق الإجراءات الشكلية وأخرى موضوعية جاء تثبيتها في نطاق القواعد العامة للقانون الإجرائي بين دفتي قانون المسطرة المدنية.
فلجوء الإطراف إلى عقد أو شرط بمقتضاه يحيلان نزاعا على هيئة تحكيمية ليس من قبيل التصرفات العرضية التي لها علاقة بالعقد الأصلي و إنما هو إحدى التصرفات التي تأتي في مقدمة الضوابط المعقلنة للعقد قانونا دلك أنها تنزع الاختصاص عن قضاء الدولة لتركزه في نطاق اختصاص هيئة تحكيمية يكون للأطراف أيضا الحرية في اختيارا تبعا لحريتهم في تحديد باقي إجراءات المسطرة المتبعة أمامها بعد وقوع النزاع.
غير أن التساؤل المطروح بصدد نجاعة الإجراءات المتبعة أمام هده الهيئة في نطاق المسطرة يجد إجابته بنوع من الإيجاب خصوصا عندما نفهم المبتغى من ضمان حقوق الدفاع و المساواة بين الأطراف إلى جانب إعطاء الهيئة إمكانيات توضيحية لمنحى المنازعة عمليا و فنبا من خلال إقرار الحق في إعمال الخبرة و اللجوء إلى المعاينة لاستيضاح صحة ادعاءات الأطراف من طلبات و دفوع.
و لا يمنع دلك بطبيعة الحال من القول بأن الاعتراف للتحكيم بخصوصيته الايجابية في حل مجموعة من النزاعات بسرعة و ضمان لحقوق الاطراف ليس قولا مقبولا على اطلاقه ما دام ان المشرع المغلربي لازال يلجأ بصدد تنفيد الحكم الصادر عن الهيئة التحكيمية الى حمل الطرف صاحب الحق في هدا التنفيد الى المطالبة باستصدار صيغة تنفيدية من قضاء الدولة و هو اجراء ان دل على شيئ فانما يدل عاى ان مؤسسة التحكيم دات باب مفتوح على باحة مؤسسة قضاء الدولة الدي يمكنه اعمال الرقابة على اجراءات التحكيم من البداية إلى حين استصدار الحكم التحكيمي . فهو من ناحية ذو ميزة ايجابية كون هده الرقابة تحث المحكم على العمل وفقا لما لا يخالف النظام العام إلا انهها تقتطع من خصوصية التحكيم الذي لابد و أن ينعم بنوع من الاستقلال في بعض جوانبه و التي منها إمكانية النظر في بعض النزاعات الفرعية المتعلقة بالنزاع الأصلي إذا لم تكن ذات طابع جنائي بطبيعة الحال.
إلا أن المستقرئ لفحوى و مرامي جميع إجراءات المسطرة أمام الهيئة التحكيمية و المنصوص عليها في نطاق القانون 80.05المتعلق بالتحكيم و الوساطة الاتفاقية لا بد و أن يستشف الرغبة الملحة للمشرع في ضمان حقوق المتفاضين عبر نضام التحكيم .غير أن هذا الضمان رهين أولا بحسن مباشرة الأطراف لهده الإجراءات و متوقف ثانيا على ضرورة سهر الهيئة التحكيمية على تطبيقها سواء كانت ذات طابع اتفاقي أو كانت مستمدة بنوع من التراتبية من القانون 08.05 المتعلق بالتحكيم و الوساطة الاتفاقية.
(محاماه نت)