دراسات قانونية

مسؤولية الدولة والجماعات الترابية عن أضرار الفيضانات (بحث قانوني)

مسؤولية الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العامة عن أضرار الفيضانات إعداد الدكتور عبد الكبير الصوصي العلوي أستاذ جامعي، إطار سابق مكلف بمنازعات الدولة.

المناسبة شرط كما يقال، ومناسبة إعداد هذا المقال، هو أن بلدنا المغرب عرف خلال نهاية شهر نونبر الماضي من هذه السنة (2014) فيضانات في العديد من المناطق (جهة سوس ماسة درعة، وجهة كلميم السمارة)، وكانت الخسائر كثيرة وجسيمة سواء من حيث الأرواح أو الممتلكات. وهي الخسائر التي طرحت معها العديد من الأسئلة، التي تمحورت بالأساس حول مدى مسؤولية المرافق العامة المختصة ( الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العامة) عن أضرار تلك الفيضانات، وبالتالي تعويض المتضررين.

وإذا كانت مصالح الدولة قد تدخلت بأمر من جلالة الملك لإنقاذ ما يمكن انقاذه وكذا تقديم المساعدات –بعد الفيضانات-، وهي تقوم بدورها الآن، باعتبارها تتحمل المسؤولية الأخلاقية والسياسية عن ذلك، ومن هذه الزاوية لا نبخس مصالح الدولة دورها هذا بل نثمنه. فإن الذي نحن بصدد مناقشته هو مسؤولية الدولة القانونية، خاصة المدنية في مظهرها التقصيري.

فما هي ياترى الأسس التي يمكن الاعتماد عليها للقول بمسؤولية الدولة وباقي الأشخاص الأخرى (الجماعات الترابية والمؤسسات العامة المختصة) عن أضرار الفيضانات التي شهدتها المناطق المعنية ؟.

  موضوع هام للقراءة :  رقم هيئة الابتزاز

لرصد تلك الأسس نبحث في (الفقرة الأولى) مدى اعتبار الفيضانات التي شهدتها المناطق المعنية قوة قاهرة، على أن نتناول في (الفقرة الثانية) مسؤولية الدولة ومن معها عن عدم التدخل في الوقت المناسب، وفي (الفقرة الثالثة) إقرار القضاء المغربي لمسؤولية الدولة ومن معها عن أضرار الفيضانات.

الفقرة الأولى: مدى اعتبار الفيضانات قوة قاهرة.

باعتماد القياس، نرجع لما هو مقرر في حقل تنفيذ الإلتزامات، حيث نص الفصل 268 من قانون الالتزامات والعقود على أنه:

” لا محل لأي تعويض، إذا أثبت المدين أن عدم الوفاء بالالتزام أو التأخير فيه ناشئ عن سبب لا يمكن أن يعزى إليه، كالقوة القاهرة، أو الحادث الفجائي أو مطل الدائن”.

والقوة القاهرة في مفهوم الفصل 269 من نفس القانون هي:

” كل أمر لا يستطيع الانسان أن يتوقعه، كالظواهر الطبيعية (الفيضانات والجفاف، والعواصف والحرائق والجراد) وغارات العدو وفعل السلطة، ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا.

ولا يعتبر من قبيل القوة القاهرة الأمر الذي كان من الممكن دفعه، ما لم يقم المدين الدليل على أنه بذل كل العناية لذرئه عن نفسه.

وكذلك لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين”.

وهكذا، فمن خلال الفصلين المذكورين يشترط للقول بالقوة القاهرة مايلي:

أن يكون الأمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه؛
أن يكون تنفيذ الالتزام مستحيلا؛
ألا يكون هذا الأمر من الممكن دفعه؛
ألا يكون هناك خطأ سابق للمدين.

وبناء على هذه الشروط، هل الفيضانات التي عرفتها مناطق المغرب تعتبر قوة قاهرة.؟.

الجواب لا

لاتعتبر الفيضانات المذكورة قوة قاهرة وسندنا في هذا الاعتبارات التالية:

أنها كانت متوقعة، حيث كانت هناك نشرة للأحوال الجوية، صادرة عن مديرية الأرصاد الجوية تقول بأن المناطق المتضررة ستشهد هطول أمطار قوية.
أنه كان من الممكن تفادي جسامة الأضرار من قبل السلطات = خاصة في الأرواح البشرية= لو أنها فعلت وسائل الإنذار المبكر وغلق الطرقات، مع إخلاء السكان من أماكن الوديان… وهذه الالتزامات ليست مستحيلة.
أن عدم قيام الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العامة كل فيما يخصه بما هو مذكور في الفرعين المذكورين يجعلهم في حكم المرتكب لخطأ سابق للمدين.

وحيث إن الأرصاد الجوية لها نشرة إنذارية سابقة على وقوع الفيضانات، حددت بموجبها التساقطات المطرية التي يمكن أن تهطل وحجمها على المناطق التي تضررت، وأن الدولة ومن معها لم تتعامل معها بما يجب، قبل وقوع الفيضانات، وبالتبعية اتخاذ ما يمكن اتخاذه قبل وقوع الأضرار، مما لا يجعلها تستفيذ من أحكام القوة القاهرة، وبالتالي تكون الدولة والجماعات الترابية (الجهات والعمالات والجماعات الحضرية والقروية المعنية) وكذا المؤسسات العامة ( المراكز الفلاحية التي تتولى تدبير السدود) كل فيما يخصه مسؤولة من هذه الناحية.
وهذا التوجه هو الذي سار فيه حكم للمحكمة الإدارية بالرباط جاء فيه: [1]

“… وحيث إن السياسة الوقائية يجب أن تشكل أساس تدخل الدولة في مجال إنجاز البنية التحتية والتهيئة القروية الفلاحية المائية ولاسيما بناء سدود أو قنوات كبيرة لصرف المياه ،وذلك بهدف الحماية الدائمة للسكان والمراكز والأنشطة الاقتصادية والفلاحية الموجودة في المناطق المهددة من الفيضانات.

وحيث إن الأمطار الغزيرة والاستثنائية المسببة للفيضان لا تشكل قوة قاهرة وإنما قرينة على ترتب المسؤولية، لكون وقوعها في فصل الشتاء من الأمور المتوقعة وليست قوة قاهرة أو سبباً أجنبياً للإعفاء من المسؤولية، مما يعطي للقوة القاهرة في حقل القانون والقضاء الإداري مفهوما متميزا وخاصا يتلاءم وطبيعة روابط القانون العام تتحمل آثاره الدولة عن القانون المدني الذي يتحمل آثاره الدائن…”.

الفقرة الثانية: حول مسؤولية الدولة ومن معها عن عدم التدخل في الوقت المناسب

بالرجوع إلى بعض الأشرطة التي نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، يلاحظ أن هناك أشخاص بقوا عالقين في الفيضانات، ينتظرون الإنقاذ، وأن منهم من قضى نحبه ومنهم من ظل ينتظر عالقا بجدع شجرة أو على ظهر ناقلته. هنا تتحمل أيضا مرافق الإنقاذ المسؤولية عن التأخر في التدخل لإنقاذ أولائك، ومصالح الإنقاذ وهي الوقاية المدنية مرفق تابع للدولة التي يمثلها رئيس الحكومة أمام القضاء، وبالتالي يمكن رفع دعاوى قضائية من أجل طلب التعويض الذي لحق المتضررين من عدم التدخل أو التدخل البطيء، على اعتبار أن عدم أداء المرفق العام للخدمة أو أدائها بشكل سيء يوجب الحكم بمسؤوليته.

الفقرة الثالثة: إقرار مسؤولية الشخص العام عن أضرار الفيضانات

بغض النظر عن ماهو مشار إليه أعلاه، فإن القضاء المغربي اليوم يعتمد مقاربة واسعة لإقرار مسؤولية الدولة في هذا المجال، منها نظرية المخاطر في الشق المتعلق بالأشياء الخطيرة، والمساواة في تحمل التكاليف العامة في بعض الأحيان والأضرار الاستثنائية، وكذا واجب التضامن والتكافل الاجتماعيين في أضرار الفيضانات.
وفي هذا التوجه صدر حكم للمحكمة الإدارية بالرباط جاء فيه:[2]

” حيث يهدف الطلب إلى الحكم بتحميل الطرف المدعى عليه المسؤولية كاملة عن الأضرار التي لحقت بضيعة المدعين نتيجة التقصير في الحماية ضد مياه الفيضانات و بأدائهم لفائدتهم مبلغ 6.423.000درهم كتعويض عن الخسائر مع النفاذ المعجل ولو في حدود النصف مع الصائر.

حيث دفع المكتب المدعى عليه بانعدام مسؤوليته عن الأضرار غير المتوقعة وفقا لتقرير الخبرة.

وحيث خلص تقرير الخبرة إلى ثبوت تعرض الضيعة لفيضانات غير عادية تسببت في أضرار للأشجار والأغراس “اقتلاع أغراس الحوامض في 42.84 هكتار وأغراس الحوامض في حالة ضعيفة في 24.67 هكتار و إتلاف كلي لزراعة القمح في 9.55 هكتار والأشجار المقلوعة 15000في الهكتار ونقص في الغلة لسنتين بالنسبة للأغراس القديمة المتضررة 30000درهم في الهكتار”مقدرة في 6.423.000.00 درهم لا يمثل دور المكتب الجهوي في التحكم في صبيب وادي سبو أو في مستوى الماء ،حيت تأتي المياه من مناطق أخرى من خارج سهل الغرب،فضلا عن أن البقع الفلاحية المتضررة معرضة دوما لخطر الفياضانات كلما فاض الوادي عن فرشته.

وحيث إن للمحكمة سلطة تقديرية في تقدير أعمال الخبراء وتقييم مستنتجاتهم والأخذ بتعليلات ومشاهدات ومعاينات الخبرة دون نتائجها متى لم تتوافق مع صحيح القانون ،لكون تحديد المسؤولية من مهام القاضي لا الخبير لتعلقها بالقانون.

وحيث إن الثابت قانونا تولي مكتب الاستثمار الفلاحي مهام التجهيز والاستثمار في ميدان الفلاحة(الفصل2 من مرسوم رقم 2.65.190 بتاريخ 6 محرم 1385 (7 مايو 1965)بإحداث مكتب الاستثمار الفلاحي)و يضع تبعا لذلك إحصاء لموارد المياه وينفذ الأشغال التي تساعد على تتميمه (الفصل 3)ويؤهل المكتب في نطاق برامج التدخل المصادق عليه من طرف وزير الفلاحة لاتخاذ جميع التدابير الرامية إلى استخدام موارد المياه وتهيئ الأماكن الطبيعية وتحسين أحوال الإنتاج بمؤسسات الاستغلال (الفصل 4) كما يقوم المكتب بالأشغال المتعلقة بخزن المياه أو جمعها وبصرفها ونقلها من مؤسسات الاستغلال الفلاحي أو إليها(الفصل 5).

وحيث المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي مسؤول بحكم مهامه عن تأمين مرفق تصريف المياه لدرء الخطر عن أراضي المواطنينالفلاحين ومسؤول عما تحدثه من أضرار للغير، وهذه المسؤولية موضوعية مبناها الضرر طبقا لقواعد العدالة والإنصاف والموجبات الإنسانية المبنية على التضامن الوطني الذي تتكفل دول المعمور بموجبه وعلى سبيل الإسعاف والمساعدة وفي حدود الإمكان بصرف تعويضات لكل متضرر كلما وقعت أضرار بيئية خطيرة ، والمغرب بدوره لم يحد عن هذه القاعدة بصرفه مبالغ محددة من الميزانية العامة لفائدة ضحايا الكوارث”صندوق الكوارث” وهو ما يبرر بالقياس وفي إطار المعاملة بالمثل – تعويض المدعي المضرور في هذه النازلة.في نفس الاتجاه يراجع (قرار الغرفة الإدارية بمحكمة النقض عدد 935 بتاريخ 4/12/2005 ملف إداري عدد 461/4/1/2002.

وحيث إنه انطلاقا من المبدأ الدستوري القاضي بلزوم تحمل الدولة والمواطنين بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد”الفصل 40 من الدستور ورعيا لما للمحكمة من سلطة تقديرية في تحديد التعويض استنادا إلى الأضرار المادية اللاحقة بالمدعي وتبعا لتقرير الخبرة وإعمالا لتشطير المسؤولية التي تفرضها قواعد التضامن قررت تحديد التعويض المستحق له في القدر الوارد بمنطوق الحكم.
وحيث إن طلب النفاذ المعجل غير مبرر مما يتعين رفضه.

وحيث إن خاسر الدعوى يتحمل صائرها.

المنطوق

و تطبيقا للفصول40 و110و 117 و 118 من الدستور ، ومقتضيات القانون رقم 90-41 المحدثة بموجبه محاكم إدارية،ومقتضيات قانون المسطرة المدنية،ومقتضيات المرسوم رقم 2.65.190 بتاريخ 6 محرم 1385 (7 مايو 1965)بإحداث مكتب الاستثمار الفلاحي.

لهذه الأسباب

حكمت المحكمة الإدارية علنيا ابتدائيا وحضوريا :

في الشكل :بقبول الطلب
وفي الموضوع : بأداء الدولة –وزارة الفلاحة(المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي للغرب) في شخص ممثلها القانوني لفائدة المدعين تعويضا عن الأضرار المترتبة عن الفياضانات وقدره 1.000.0000.00 درهم هكذا مليون درهم مع الصائر ورفض باقي الطلب”. [3]

خــلاصـة:

من كل ما سبق يمكن القول بأن الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العامة، تبقى مسؤولة عن أضرار الفيضانات التي شهدتها بعض مناطق المغرب، كل فيه يخصه وبحسب مجال تدخله، ومن حق المتضررين من هذه الفيضانات رفع دعاوى قضائية أمام المحاكم الإدارية ( المحكمة الإدارية بأكادير) لطلب التعويض عن الأضرار التي لحقت بهم.
من جهة أخرى من حق تلك المرافق العامة (الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العامة) أن تبرم تصالحا مع المتضررين تمنح بموجبه تعويضات لهم وتوقع معهم اتفاقات صلح يتم تضمينها التزامهم بعدم سلوكهم لأي مساطر قضائية، وذلك حماية للمال العام، وتفادي حصولهم على التعويض مرتين.

 

(محاماه نت)

إغلاق