دراسات قانونية

مستجدات القانون 18/12 الخاص بالتعويض عن حوادث الشغل والامراض المهنية (بحث قانوني)

قراءة في بعض مستجدات القانون 18/12 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل والامراض المهنية بقلم ذ امبارك جانوي قاض بالمحكمة الابتدائية بفاس

صدر بالجريدة الرسمية عدد 6328 الصادر بتاريخ 22/01/2015 القانون رقم 18/12 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل والامراض المهنية، ليحل محل ظهير 28/06/1963 الذي تم نسخه بمقتضى المادة 194 من نفس القانون، وقد كان صدور هذا القانون بعد طول انتظار وبعد ان اجمع جميع المختصين والفاعلين في ميدان التعويض عن حوادث الشغل من نقابات عمالية وشركات التامين ومؤسسات عمومية بعدم ملائمة ظهير 28/06/1963 لما عرفته وتعرفه بلادنا من تطورات في شتى المجالات.

وقد جاء هذا القانون ليتمم سلسلة من الاصلاحات التي همت ميدان الحماية الاجتماعية واستقرار علاقة الشغل، والذي بدأ باقرار مدونة الشغل سنة 2005 ثم القانون 34/06 المتعلق بالعمال المنزليين و القانون رقم 14/03 التعويض عن فقدان الشغل.

والاكيد أن القانون رقم 18/12 قد جاء بالعديد من المستجدات ليتمم مجموعة من النواقص التي كانت تعاب على ظهير 28/02/1963 بدءا من صياغته الركيكة مرورا بمخالفة بعض مقتضياته للنظام العام المغربي باقراره التعويض عن الابن الطبيعي والزوجة المفصولة عن الفراش[1]وانتهاءا بهزالة التعويضات المضمنة به.

  موضوع هام للقراءة :  رقم هيئة الابتزاز

وقد حاول القانون الجديد 18/12 الى حد كبير معالجة هذه النواقص فقد تمت اعادة صياغة الظهير باسلوب واضح وصاغية جيدة وتبويب جديد، كما تم تنقيحه من المقتضيات المخالفة للنظام العام وذلك بعدم التنصيص على الابن الطبيعي والابن بالتبني الذين تم تعويضهما بالابن المتكفل به قانونا[2] واقرار الحق في الايراد للزوجة والمطلقة فقط[3]دون الزوجة المفصولة عن الفراش كما تم تنقيح الظهير من مجموعة من المقتضيات التي كانت في ظهير 06/02/1963 والتي لا يتم تفعيلها من قبل المحاكم كقاضي الصلح والبحث اضافة الى المراجعة بالرفع من بعض التعويضات المستحقة سواء للضحية او لذوي حقوقه ومنح حق مراقبة تطبيق الظهير لمفتشي الشغل بدلا من السلطات الادارية[4] وغيرها من المستجدات.

لكن يعاب على القانون 18/12 محافظته على نفس فلسفة ظهير 06/02/1963 سواء فيما يخص مسؤولية المشغل وتغطية مخاطر حوادث الشغل بالتأمين التجاري كآلية اساسية الى جانب صندوق ضمان حوادث الشغل كآلية ثانوية للتغطية حوادث الشغل عند عدم وجود التامين وعسر المشغل[5] وكذلك الاحتفاظ بنفس عناصر وطريقة احتساب التعويضات والايرادات بل وعلى مجمل نسب التعويض اضافة الى عدم تنظيمه للامراض المهنية والاكتفاء بالاحالة الى ظهير 31/05/1943 الذي لم يتم تعديله.

وبما أن هذا القانون حافظ على ثنائيته اذ يعتبر قانون شكلي وقانون موضوعي في نفس الوقت فلذلك سنحاول في هذا المجهود المتواضع الوقوف بالدراسة والتحليل على بعض مستجداته مركزين على مستجدات القانون بخصوص الاجراءات المسطرية في مبحث اول ثم مستجداته بخصوص مبلغ التعويضات وضمانات ادائها في مبحث ثان.

المبحث الاول : المستجدات المسطرية في القانون 18/12.

حافظ المشرع في القانون رقم 12/18 على الثنائية المسطرية في حوادث الشغل حيث ابقى على المسطرة الادارية والمتعلقة بالتصريح بحادثة الشغل التي يجب على المشغل القيام بها للسلطات الادارية المتمثلة في مفتش الشغل داخل اجل محدد في 15 يوما تحت طائلة غرامة مالية[6]، دون ان يكون هذا الاخير ملزما باحالة الملف الى المحكمة الابتدائية كما كان الحال في اطار ظهير 06/02/1963، أي أن الهدف من الاحالة يبقى لاغراض تتبع وضبط احصائيات حوادث الشغل فقط، كما اقر القانون الجديد حق الضحية في اللجوء مباشرة الى المحكمة للمطالبة بالتعويضات المستحقة له وهي المسطرة التي لم يكن منصوصا عليها بظهير 06/02/1963 واقرها العمل القضائي الوطني حماية لحقوق الضحايا[7]، وسنحاول في هذا المبحث الوقوف على اهم المستجدات المسطرة التي جاء بها هذا القانون وذلك في مطلبين اساسين نخصص الاول للصلح بما له من اهمية والمطلب الثاني لباقي المستجدات المسطرية.

المطلب الاول: الصلح باجراء جوهري نص عليه القانون 18/12 .

حاول المشرع من خلال القانون 18/12 تجسيد التوجهات الحديثة للسياسة القضائية ببلادنا وذلك بتفعيل الطرق البديلة لحل النزاعات خاصة التحكيم والصلح لتخفيف الضغط على المحاكم، وبذلك خصص للصلح حيزا مهما متمثلا في الباب الاول من القسم الخامس والمعنون بمسطرة الصلح.

وللاشارة فإن ظهير 06/02/1963 كان بدوره ينص على الصلح بل ميز حتى بين مسطرة الصلح ، وجلسة الصلح وقاضي الصلح ومسطرة الحكم وجلسة الحكم إلا ان الملاحظ أن المحاكم لم تكن تفعل هذه المقتضيات لغموضها من جهة وقلة الموارد البشرية القضائية الكافية من جهة اخرى. كما ان الصلح يكون دائما قضائيا بمصادقة المحكمة عليه بامر بالتصالح يكون نهائيا ولا يقبل اي طعن[8].
والملاحظ أن القانون 18/12 اصبح يميز بين نوعين من الصلح الاول غير قضائي ويتم بين الضحية وشركة التامين والثاني قضائي يتم بين الضحية والمشغل غير المؤمن.

الصلح غير القضائي الذي اقره القانون الجديد اصبح اجراءا شكليا الزاميا يجب على الضحية سلوكه قبل سلوك المساطر القضائية، وقد عرفته المادة 133 من القانون 18/12 بكون اتفاق بين الضحية وشركة التامين من اجل تمكينه من الحصول على التعويضات المستحقة له عن حادثة الشغل التي تعرض لها يحرر في محضر يحدد نموذجه من طرف السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، وقد حدد المشرع نوعية الشكلية المحددة للصلح بكونها شكلية اثبات فقط وليست شكلية انعقاد اذ استهلت الفقرة الاخير من هذه المادة بعبارة ” يتم اثبات الاتفاق المبرم اليه…”.

بخصوص الاجراءات المسطرية للصلح فهي تتم بمبادرة من شركة التامين التي عليها تقديم عروض للضحية بواسطة رسالة مضمونة مع اشعار بالتوصل داخل اجل اقصاه ثلاثين يوما من تاريخ ايداع شهادة الشفاء او الوفاة او التوصل بهما، وعى الضحية الاجابة على العروض داخل اجل ثلاثين يوما من تاريخ توصله بها وفي حالة موافقته عليها وتوقيع الطرفين محضر الصلح يتعين على شركة التامين منح الضحية التعويضات المتفق عليها داخل اجل الثلاثين يوما الموالية لتاريخ توقيع محضر الصلح ، وفي حالة رفض الضحية للعروض يمكنه سلوك المسطرة القضائية[9].

ولضمان تفعيل الصلح وتفادي جعله مسطرة بيروقراطية دون فائدة، فقد حاول مشرع قانون 18/12 احاطته بمجموعة من الضمانات التي تلزم الاطراف على اخذه على محمل الجد وهذا فقد الزم شركة التامين بتقديم عروض للضحية داخل الاجل القانوني تحت طائلة ادائها غرامة مالية بين 20.000،00 درهم و 50.000،00 درهم [10]كما الزم الضحية بضرورة تبرير رفضه المصادقة على العروض المقدمة اليه من طرف شركة التامين عند رفعه الدعوى للمحكمة[11].

كما أن من بين اهم الضمانات التي نص عليها قانون 18/12 التي يروم منها المشرع تشجيع الاطراف على حل النزاعات المتعلقة بالتعويض عن حوادث الشغل هي التي نصت عليها المادة 22 التي تنص على ان الطبيب المعالج يحدد نسبة العجز التي بقيت عالقة بالضحية باتفاق مع الطبيب الخبير المنتدب من طرف شركة التامين وفي حالة عدم اتفاقها على نسبة العجز فيمكن لشركة التامين انتداب خبير يقترحه الطبيب المعالج الذي عليه ايداع تقريره النهائي داخل اجل شهر من تاريخ انتدابه.

إن تحديد نسبة العجز باتفاق بين الطبيب المعالج وخبير شركة التأمين هو اساس اتفاق الاطراف على التصالح إذ انه على اساس نسبة العجز المتوصل اليها تقوم شركة التامين بتقديم عروض للضحية وهو بالتالي ما سيفعل الصلح ويخفف العبئ على المحاكم أو على الاقل هذا ما يرجوه مشرعوا قانون 18/12.

كما اكد القانون الجديد على نهائية الصلح المبرم بين الطرفين وعدم امكانية الطعن فيه إلا اذا تضمن تعويضات تقل عن التعويضات التي يضمنها القانون.

امام بخصوص الصلح القضائي فقد اقرته المادة 140 والتي تنص على انه يكون امام المحكمة الابتدائية المختصة من اجل تمكين الضحية من التعويضات المسحقة له، والملاحظ بخصوص هذه المادة انها احالت على ظهير 28/09/1974 المتعلق بالمسطرة المدنية[12] ويمكن بهذا الخصوص ملاحظة ان الصلح طبقا لمقتضيات فصول المسطرة المدنية خاصة الفصل 277 يتم بناء على امر عندما يتعلق الامر بحادثة شغل ويكون هذا الامر نهائيا ولا يقبل اي طعن.

إلا ان مقتضيات القانون 18/12 اعطت للاطراف امكانية تعديل محضر الصلح مباشرة بينهما داخل اجل شهر من تاريخ توقيعه خاصة اذا شابه أخطاء مادية أو تم خرق قواعد احتساب التعويضات كما تنص على ذلك المادة 152 وبعد انصرام هذا الاجل تبقى امكانية التعديل القضائي متاحة للطرفين داخل اجل 15 سنة من تاريخ توقيع للمحضر كما يمكن الطعن في الامر بالتصالح داخل نفس الاجل ولنفس الاسباب، والاجل الذي حددته 153 هو اجل سقوط لا يقبل الانقطاع او التوقف.

المطلب الثاني: مستجدات قانون 18/12 في المرحلة القضائية للمطالبة بالتعويضات.

يتم اللجوء الى المسطرة القضائية بعد فشل محالة الصلح كما تنص على ذلك المادة 138 بمقال افتتاحي للدعوى يرفق وجوبا بنظير من النمودج الخاص بالتصريح بحوادث الشغل، ونظير من الملف الطبي للضحية ولائحة الاجر السنوي للضحية وباقتراحات العروض التي توصل بها الضحية من طرف شركة التامين مع ضرورة توضيح أسباب رفض العروض.

وقد حافظ القانون 18/12 منح الاختصاص بخصوص النزاعات المتعلقة بحوادث الشغل للمحكمة الابتدائية كما احال على مقتضيات المسطرة في القضايا الاجتماعية كما هي محددة في قانون المسطرة المدنية وما ينجم عنها كاستفادة الضحية من المساعدة القضائية وشمول الاحكام بالنفاذ المعجل وغيرها من المقتضيات.

وكما سبق ان اشرنا فإن الصلح اصبح اجرائيا جوهريا قبل سلوك المسطرة القضائية وهو ما اكدت عليه المادة 138 التي تنص على انه على الضحية ارفاق مقاله بنسخة من العروض التي توصل بها وتوضيحه لاسباب رفضها، إلا أن الاشكال الذي يمكن ان يطرح بهذا الخصوص هو أن اجراءات الصلح تتم بمبادرة من شركة التامين داخل اجل الثلاثين يوما من تاريخ الشفاء أي انه على الضحية انتظار توصله بالعروض قبل سلك المسطرة القضائية فماذا لو أن شركة التامين لم تقدم له العروض لكونها مثلا تنازع في ضمانها للمشغل او متشبة مثلا، عن صواب أو عن خطأ، بسقوط التأمين فهل سيبقى الضحية مشلولا في انتظار عروض قد تأتي و قد لا تأتي؟

لا يمكن التكهن بكفية تعاطي القضاء مع هذه المادة لكن نرى انه حماية لحقوق الضحية فإن بمرور الاجل المحدد لشركة التامين لوضع العروض أي الثلاثين يوما التي تلي تاريخ شفاء الضحية الظاهر يمكن للضحية سلوك مباشرة المسطرة القضائية للمطالبة بالتعويضات المستحقة له واعتبار عدم توصله بالعروض فشلا للصلح خاصة أن هناك مجموعة من محاكم المملكة تعتبر عدم ادلاء شركة التامين لاية عروض للضحية بمثابة فشل للصلح.

ويلاحظ بخصوص المسطرة القضائية أنه تم حذف المقتضيات المتعلقة بالبحث التي كان منصوصا عليها في ظهير 06/02/1963 ولا يمكن إلا ان نثمن ذلك ما دام ان اجراءات البحث لم تكن ذات فائدة كبيرة إلا في حالة جد محدودة[13]وذلك لا يمنع المحكمة من اللجوء اليه كاجراء من اجراءات تحقيق الدعوى نظمته فصول المسطرة المدنية كلما رأت فائدة من ذلك.

كما يلاحظ أيضا أن القانون 18/12 لم يخصص اي تنظيم للخبرة القضائية كما فعل سلفه ظهير 06/02/1963 رغم انه نص عليها في مواد عديدة خاصة تلك المتعلقة بمراجعة الايراد، فهل يمكن ان نفهم أن الخبرة لم يعد منها فائدة بعد أن اصبح تحديد نسبة العجز يتم باتفاق بين طبيب الضحية والطبيب المنتدب من طرف شركة التامين فماذا لو نازع الضحية في تلك النسبة معتبرا اياها مجحفة أو متهما طبيبه بالتواطئ مع الطبيب المنتدب من طرف شركة فهل يمكن للمحكمة أن تأمر بخبرة طبية بناء على مقتضيات المسطرة المدنية ؟ أم ان نسبة العجز المحددة باتفاق بين الطبيب المعالج و الطبيب المنتدب تبقى غير قابلة للطعن ؟ أسئلة يمكن طرحها.

المبحث الثاني : مستجدات القانون 18/12 بخصوص التعويضات المستحقة لضحايا حوادث الشغل والامراض المهنية وضمانات ادائها

رغم ان القانون 18/12 حافظ على نفس فلسفة خلفه ظهير 06/02/1963 بخصوص مواجهة الاخطار المهنية بالاعتماد اساسا على التأمين التجاري واحتياطيا صندوق ضمان حوادث الشغل إلا انه حاول التوسيع من الحماية التي يقرها لتشمل فئات جديدة وكذا الرفع من التعويضات المستحقة للضحايا كما عمل ايضا على اقرار وتقوية ضمانات اداءت التعويضات للضحايا.

المطلب الاول : مستجدات قانون 18/12 بخصوص التعويضات المستحقة لضحايا حوادث الشغل

لقد حاول القانون 18/12 توسيع الحماية التي يقرها لتشمل اضرر عدد من الفئات ويتجلى ذلك في توسيع قاعدة المستفدين من خلال الوقائع المشكلة لحادث شغل حيث إن المادة 3 اعتبرت بمثابة حادثة شغل كل حادثة تقع للاجير اثناء العمل او بمناسبته حتى ولو كان السبب فيها القوة القاهرة، ويلاحظ بهذا الخصوص أن المشرع تبنى الاجتهاد القضائي الوطني بهذا الخصوص الذي سبق له ان اعتبر جميع الحوادث التي يتعرض لها الاجير اثناء العمل او بمناسبته حادثة شغل حتى ولو كان السبب فيها قوة قاهرة او مخاصمة بين الاجراء او حتى سكتة قلبية اثناء العمل[14].

كما يلاحظ بخصوص نفس المادة انها جاءت بمستجد لم يكن منصوصا عليه بالفصل 3 من ظهير 06/02/1963 هو اعتبار كحادثة شغل كل حادثة تسبب للضحية اصابة جسدية أو نفسية وخلفت له عجزا جزئي او كلي، فالمادة اقرت لاول مرة الضرر النفسي كضرر قابل للتعويض شريطة احداثه عجزا جزئي أو كلي للضحية وهو ما يبين أنه يجب ان يكون بدرجة كبيرة حتى يخلف عجزا للضحيةو يمكن ان يعتبر في هذا الاطار السب والشتم الذي يمكن ان يتعرض له الاجير سواء من المشغل او احد تابعيه أو من زبناء المقاولة التي يشتغل بها.

لكن الاقرار بالضرر النفسي وتفعليه يقتضي اخذه بعين الاعتبار وتنظيمه في جدول العجوزات التي تصدر السلطة المكلفة بالشغل والسلطة المكلفة بالصحة[15] وهو ما لم يكن متاحا في جدول العجوزات المعمول به حاليا والصادر 21/05/1943 الذي ينضم اكثر الكسور وبتر الاعضاء وفقدان منفعتها وهو مالا يمكنتصور ان ينتج عن ضرر نفسي.

حاول القانون 18/12 توسيع من الفئات المهنية والمستهدفة من حيث الاشخاص واضاف إلى لائحة الاجراء المحميين بالقانون العمال المنزليون، علما أن ظهير 06/02/1963 كما خص بالحماية العمال المنزليون الذين يكون رب عملهم مسير مقاولة أو الذي يكون عملهم الاساسي سياقة ناقلة فقط[16]، والاطباء المقيمون والداخليون بالمراكز الاستشفائية الجامعية والذين ليست لهم صفة موظف رسمي أي في الفترة التي تسبق ترسيمهم، كما تم التنصيص ايضا لاول مرة على الاحداث الموضوعين بمراكز التهذيب والاصلاح وعمال الصناعة التقليدية.

اما فيما يخص اساس احتساب التعويضات فقد حافظ مشرع قانون 18/12 على نفس القواعد والعناصر الاساسية لاحتساب هذه التعويضات والتي هي اساسا نسبة العجز التي بقيت عالقة بالضحية والاجرة التي يتقاضاها[17]كما حافظ على نفس قواعد تصحيح سواء نسبة العجز أو الاجرة السنوية كما كان معمولا بذلك في اطار ظهير 06/02/1963.

فبخصوص الاجرة السنوية فقد خصص لها القانون 18/12 المواد 105 الى 109 وهي تضم مجل القواعد التي كانت بظهير 06/02/1963 إلا أنه يمكن ملاحظة اختفاء مقابل الفصل 119 الذي كان ينص على أنه في حالة اصابة الضحية بنسبة عجز تقل عن 10 في المائة فإن التعويض المستحق له يقدر على اساس مبلغ لا يمكن ان يقل عن اجرة الساعة الدنيا مضروب في 2400 وهو مقتضى في صالح الضحايا الذين يتقاضون الحد الادنى للاجر او اجرة تقل عنه ويعطيهم رأسمال نوعا ما اعلى من ذلك المحتسب على اساس الحد الادنى للاجر ، ولا يسعنا بالتالي إلا التأسف عن خسارة هذا المقتضى.
لكن في المقابل جاء القانون 18/12 بمقتضى جديد يهدف الى القطع مع الايراد السنوية الهزيلة التي كانت تمنح للضحية خاصة عندما تكون نسبة العجز تفوق 10 في المائة بقليل وتكون الاجرة السنوية للضحيةمتواضعة فغالبا ما يكون الايراد السنوي المستخرج لا يفوق 1.500،00 درهم وعن قسمته الى اربعة اقساط دورية يكون مبلغ القسط لا يجاوز غالبا 500،00 درهم وهو ما يجعل منه فتاتا وصدقة اكثر منه تعويضا وهو ما كان يدفع الضحايا الى مطالبة الاطباء والخبراء بتحديد نسب عجز لهم تقل عن 10 في المائة حتى يتمكنوا من الاستفادة من رأسمال بدلا من ايراد هزيل.

وهذا المقتضى نصت عليه المادة 81 التي جاء فيها انه اذا كان انخفاض القدرة المهنية للمصاب يساوي على اثر حادثة واحدة او عدة حوادث 10 في المائة على الاقل فإن الايراد المستحق للضحية في هذه الحالة لا يمكن ان يقل عن ايراد مقدر على اساس نسبة العجز والاجرة السنوية الدنيا، وهذا المقتضى شبيه الى حد كبير بما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 5 من ظهير 02/10/1984[18] المتعلق بالتعويض عن حوادث السير بخصوص التعويض المستحق للضحية عن العجز الجزئي الدائم، ومضمون هذا المقتضى أنه في جميع الاحوال لا يمكن ان يقيل الايراد المستحق للضحية عن ايراد يحتسب على اساس نشبة العجز التي بقيت عالقة به ومبلغ الاجر الدنيا ولتوضيح هذا المقتضى اكثر يمكن اعطاء المثال التالي فإذا اعتبرنا ضحية حادثة شغل وقعت سنة 01/01/2014 اجرته السنوية محددة في 30.000،00 درهم وخلفت له الحادثة نسبة عجز محددة في 11 في المائة فإن الايراد المستحق له وفق القواعد العادية هو 30.000،00 درهم x 11 / 200 = 1.650،00 درهم لكن تطبيقا لمقتضيات المادة 81 فإن ايراد هذه الضحية يبقى هو 28.005،12 درهم باعتباره الاجرة السنوية الدنيا المعتمدة بتاريخ الحادثة x 11 / 100 = 3.080،56 درهم.

اخيرا يمكن الاشارة الى مبلغ الايرادات المستحق لذوي حقوق ضحية حوادث الشغل[19] التي تمت مراجعة بعض نسبها الى الرفع كما هو الحال بالنسبة لزوج الضحية الذي اصبح يستحق ايرادا سنويا محددا في 50 في المائة بغض النظر عن سنه بتاريخ الحادث، اما بخصوص الفروع فقط تم الرفع من مدة استحقاقهم الايرادات الى سن 21 سنة اذا كانوا يتابعون تكوينا مهنيا بدلا من سن 17 سنة و 26 سنة ان كانوا يتابعون دراستهم بدلا من 21 سنة اللتين كان معمولا بهما بظهير 02/06/1963 وبالنسبة لاصول الضحية فقد اصبح الايراد المستحق لهم 15 في المائة بدلا من 10 على ان لا يتجاوز مجموع الايراد المستحق لهم 30 في المائة.

المطلب الثاني :مستجدات قانون 18/12 بخصوص التعويضات المستحقة لضحايا حوادث الشغل.

هذه الفقرة الاخيرة من هذه المقالة سنخصصها لمستجدات القانون 18/12 بخصوص ضامانات أداء التعويضات المحكوم بها للضحية خاصة الغرامة الاجبارية.

صحيح أن الغرامة الاجبارية سبق وان نظمها ظهير 06/02/1963 كوسيلة لحث شركات التامين والمشغلين على اداء التعويضات المستحقة للضحية، خاصة تلك ذات الطابع المعيشي كالتعويضات اليومية والمصاريف الطبية، على وجه الاستعجال وجعل الاحكام الصادرة بشأنها نهائية لا تقبل الاستئناف وهو نفس الطابع الذي حافظ عليه القانون18/12
.[20]

والمستجد في القانون 18/12 بخصوص الغرامة الاجبارية هو انه ميز بين نوعين من الغرامة الاولى غرامة اجبارية يومية متعلقةباداء التعويضات اليومية وهيالتي نصت عليها المادة 78 وهي محددة في نسبة 3 في المائة من المبالغ الغير المؤداة، أي أن المشرع عمل على الرفع من مبلغها من 1 في المائة من المبالغ الغير مؤادة الى 3 في المائة من تلك المبالغ. وهي مستحقة بعد كل تأخير في اداء التعويضات اليومية داخل اجل الثمانية ايام من تاريخ حلولها أي أن شركة التأمين أو المشغل ملزم باداء التعويضات اليومية للضحية داخل ـأجل 8 ايام من تاريخ حلول اجلها وكل تأخير في أدائها يرتب مباشرة اعمال الغرامة الاجبارية.

اما الغرامة الثانية فهي غرامة اجبارية شهرية وقد نصت عليها المادة 116 من القانون وهي خاصة بعدم اداء مبلغ الايرادات المتصالح بها او المحكوم بها ابتداء من الشهر الموالي لاستحقاقها وقدرها 10 في المائة عن كل شهر تأخير وعلى خلاف الغرامة اليومية فإن استحقاق الغرامة الشهرية لا يتم إلا بعد تحرير محضر امتناع من طرف السلطة القضائية المختصة وهذا مستجد جوهري في الغرامة الاجبارية إذ ا المعمول به في ظل طهير 06/02/1963 أنالغرامة الاجبارية يحكم بها بمجرد تأخير شركة التامين في اداء التعويضات اليومية أو الايرادات المحكوم بها دون حاجة للضحية في اثبات تماطل هذه الاخيرة او امتناعها[21].

نرى هذا التمييز بين الغرامة الاجبارية اليومية والشهرية جدا منطقي ويتسم بنوع من العدل لكون يوفق بين مصالح الضحية في استخلاص تعويضاته في اجل معقول ويضع بين يدية آلية قانونية لمواجهة تماطل شركة التأمين وتقاعسها وفي نفس الوقت حاول معالجة والحد من تعسف بعض الضحايا في استعمال هذه الوسيلة خاصة عندما يكون الضحية قد غير عنوانه واختفى دون ان يكلف نفسه عناء البحث عن استخلاص تعويضاته ثم يظهر بعد سنوات ليطالب بتصفية الغرامة الاجبارية ويستخلص مبالغ تفوق بكثير مبلغ التعويضات المحكوم له بها.

لابد في الاخير من الاشارة الى ان القانون 18/12 قد نص على تعويض أخر شبيه الى حد بعيد بالغرامة الاجبارية وهو فوائد التاخير المستحقة لصندوق ضمان حوادث الشغل في حالة عدم تأسيس الرأسمال الازم لتأسيس الايراد داخل اجل الستين يوما من تاريخ امر بالتصالح أو الحكم القاضي بالايراد ومقدار هذه الفوائد هو 1 في المائة من مبلغ الرأسمال عن كل يوم تأخير عن تأسيس الرأسمال.
رغم أن القانون 18/12 قد حافظ على نفس فلسفة ظهير 06/02/1963 وعلى نفس التعويضات التي كانت مضمنة به فإن لابد من التنويه بايجابياته الكثيرة والتي حاولنا بسط يعضها في هذه المقالة المتواضعة ويبقى املنا في القضاء وجميع المتدخلين من مقاولين واجراء وشركات التأمين وخبراء في تنزيله تنزيلا عادلا تطبيقا للفصل 110 من دستور المملكة وبشكل يحمي الاجراء من الاخطار المهنية ويساهم في استقرار علاقات الشغل.

 

(محاماه نت)

إغلاق