دراسات قانونية
دعوى المطالبة بواجب الاستغلال (بحث قانوني)
دعوى المطالبة بواجب الاستغلال في القانون المغربي
يعتبر حق الاستغلال من بين الحقوق المتفرعة عن حق الملكية ويعطي للمالك إمكانية الانتفاع بالعقار واخذ ثماره كسكن المنزل أو حرث الارض أو كراء العقار للغير وغيرها من مظاهر الانتفاع بالملكية العقارية كما تنص على ذلك المادتين 14 و 19 من مدونة الحقوق العينية.
وتعتبر دعوى واجب الاستغلال أو المطالبة بواجب الاستغلال من بين الدعاوى التي تروج كثيرا بمحاكم البلاد، وبالرغم من كثرة هذا النوع من الدعاوى وشيوعه فإنها لا تخضع لتقنين خاص وتسري عليها القواعد المسطرية العامة المتعلقة برفع الدعوى.
ورغم أن مدونة الحقوق العينية[1] قد نصت على بعض الدعوى التي يمكن ان يكون موضوعها عقارا كالدعوى الاستحقاقية (المادة 12 و المادة 22) والدعوى المتعلقة بحماية الحيازة (المادة 22) اضافة الى دعوى القسمة (المواد 25، 26 و27)، فإنها اغفلت دعوى المطالبة بواجب الاستغلال، على عكس بعض التشريعات المقارنة التي نظمت هذا النوع من الدعاوى خاصة التشريع المدني الفرنسي الذي اعترف للمالك على الشياع بحقه في مطالبة المالك المستأثر باستغلال العقار المشاع بتعويض عن هذا الاستغلال.
موضوع هام للقراءة : رقم هيئة الابتزاز
وموضوع هذه الدعوى يمكن أن يكون ايضا منقولا تكون ملكيتها مشتركة بين عدة اشخاص مثل السيارات والشاحنات والاصول التجارية بل حتى الرخص الادارية.
ورغم وحدة التسمية المتعلقة بهذه الدعوى وموضوعها الذي يتعلق دائما بالمطالبة بالقيمة المادية عن استغلال المدعى عليه لمنقول أو عقار في ملكية المدعي، فإن الاساس القانوني لهذا الحق الذي تؤطره هذه الدعاوى[2] يبقى مختلف ومتعدد. فقد يكون اساسه واقعة قانونية كوجود عقد الشركة أو حالة الشياع أو فعل مادي مستندا في ذلك على فعل جرمي، غالبا ما يكون جنحة انتزاع حيازة عقار المنصوص عليها بالفصل 570 من القانون الجنائي [3] أو في شبه جرمي طبقا للفصل 78 من قانون الالتزامات والعقود[4].
ونظرا لتعدد مداخل والاساس القانوني للحق الذي تتأسس عليه هذه الدعوى أو بالأصح هذا النوع من الدعاوى فإن تعاطي القضاء المغربي معها يبقى غير موحد ومتضارب ويغلب عليه نوع من الخلط وغياب الدقة وعدم توحيد القواعد المخصصة لكل نوع منها على حدى.
وسنحاول من خلال هذه الدراسة تسليط ولو القليل من الضوء على هذه الدعاوى واثارة بعض الاشكالات القانونية المتعلقة بها رغم يقيننا أن الوقوف على جميع جوانبها وبسط جميع اشكالاتها، وما اكثرها، يتطلب اكثر من مجرد مقال.
سنحاول في البدء التمييز بين مختلف الاسس القانونية التي تنبني عليها هذه الدعاوى في مبحث أول وعلى اساسه سنحاول رصد ومناقشة بعض الاشكالات التي تطرحها، كل ذلك على ضوء احكام وقرارات القضاء الوطني.
الفصل الاول : الاسس القانونية للحق الذي تؤسس عليه دعوى المطالبة بواجب الاستغلال
كما سبق أن اشرنا الى ذلك، فإن الاساس القانوني لدعوى المطالبة بواجب الاستغلال يكون إما واقعة قانونية أو فعل مادي.
المبحث الاول: الوقائع القانونية المؤسسة للحق في المطالبة بواجب الاستغلال.
إن الحق التي تروم دعوى المطالبة بواجب الاستغلال المطالبة به يكون مستمدا غالبا إما من وجود حالة الشياع أو عقد الشركة أو وجود بعد العقود التي لم تجد طريقها الى التنفيذ الصحيح كالبيع أو الكراء وسنعرض لكل حالة على حدى :
وجود حالة الشياع : وجود حالة الشياع واستئثار أحد الشركاء على الشياع باستغلال المال المشاع اضرارا بباقي الشركاء يعتبر الحالة الاكثر شيوعا والاكثر تداولا داخل
محاكم المملكة.
ويقصد بالملكية الشائعة أن يشترك اثنان فأكثر في ملكية مال ما. حيث يملك كل شخص حصة معينة منه، من غير أن يكون ملكه مفرزا عن باقي حصص الاخرين[5]. وقد نظم القانون المغربي حالة الشياع في الفصول من 960 وما يليه من قانون الالتزامات والعقود[6].
وتنشأ حالة الشياع إما بإرادة الانسان سواء بالعقد كحالة بيع شخص جزء من ماله لشخص أخر ويصبح مالكا معه لهذا المال على الشياع او بالإرادة المنفردة عن طريق عقد الهبة، كما تنشأ بقوة القانون أي بإرادة المشرع خاصة في حالة الارث حيث إن المشرع يقضي على أنه بمجرد وفاة الشخص تصبح كافة حقوقه مملوكة على الشياع لورثته كل حسب نصيبه في التركة.
ومن حقوق المالك على الشياع استعمال الشيء المملوك على الشياع كما ينص على ذلك الفصل 962 من قانون الالتزامات والعقود، على أن لا يستعمله استعمالا يتعارض مع مصلحة باقي المالكين أو على وجه يترتب عليه حرمانهم من ان يستعملوه بدورهم وفقا لما تقتضيه حقوقهم، أو اخذ غلته بنسبة نصيبهم طبقا للفصل 964 من نفس القانون.
وبناء على هذين المقتضيين التشريعيين يكتسب الحق في المطالبة بواجب الاستغلال كحق لأحد المالكين على الشياع عندما يستأثر باقي المالكين أو احدهم باستغلال الملك المملوك على الشياع. هذا ما أقره ايضا قضاء محكمة النقض -المجلس الاعلى سابقا- في العديد من قراراته كمثال على ذلك القرار عدد 1334 ملف عدد 5064/07 بتاريخ 15/04/2009 جاء فيه أن “الشريك الذي يستغل الشيء المشاع وحده ملزم بتقديم الحساب لباقي الشركاء عما تصرف فيه واداء الزائد على حصته في غلى المشاع”[7][8].
وفي نفس الاتجاه قضت المحكمة الابتدائية بالفقيه بنصالح في حكمها عدد : 64 /2007 بتاريخ 02/05/ 2007 ، ملف عدد: 87/2005 على أن : ” وحيث أن التابث من خلال وثائق الملف وبخاصة الشهادة من الرسم العقاري رقم 15831/10 أن الملك كوركاش هو ملك مشاع بين الأطراف المتخاصمة وان ما ينوب مكريمي المحجوب بن عباس هو 7/20.
وحيث انه واعتبارا للفصل 962 ق ل ع فان لكل مالك على الشياع أن يستعمل الشيء المشاع بنسبة حصته فيه على شرط لا يستعمله استعمالا يتنافى مع طبيعة أو مع الغرض المعد له وألا يستعمله استعمالا يتعارض مع مصلحة بقية المالكين أو على وجه يترتب عليه حرمانهم من أن يستعملوه بدورهم وفق ما تقتضيه حقوقهم[9]”.
وجود شركة: بخلاف حالة الشياع التي يمكن أن تتم بإرادة الانسان أو بإرادة القانون فإن الشركة تكون دائما بإرادة الانسان المعبر عنه في عقد يكون موضوعه الاشتراك في الرأسمال والربح[10] .
وقد عرف الفصل 982 من قانون الالتزامات والعقود عقد الشركة على أنه :” الشركة عقد بمقتضاه يضع شخصان أو اكثر أموالهم أو عملهم أو هما معا ، لتكون مشتركة بينهم ، بقصد تقسيم الربح الذي قد ينشأ عنها. “
ومن الاثار المترتبة عن هذا العقد، الاستغلال المشترك لرأسمال قصد تحقيق الربح وتقاسمه، كما ينص على ذلك الفصل 1033 من قانون الالتزامات العقود، لكن قد يعمد احد الشركاء الى استغلال الرأسمال المشترك لغرض غير الذي حدد له، ويحرم بذلك الشريك الاخر أو الشركاء الاخرين من تحقيق الربح ومن أداء الشركة للغرض الذي انشئت من اجله.
هذا التصرف المخالف لأهداف الشركة والغرض الذي انشئت من أجله يعرض مرتكبه للمسؤولية العقدية ويعطي الحق لباقي الشركاء في اقامة دعوى من أجل ارجاع الاموال أو المنقولات التي أخدها وكذا الارباح التي حققها وكذلك الحق في التعويض كما ينص على ذلك الفصل 1009 من قانون الالتزامات والعقود[11].
وجود بعض العقود التي لم تجد طريقها الصحيح الى انتاج اثارها القانونية: قد يقوم الاطراف بإجراء اتفاقات تعاقدية مثل عقد البيع أو عقد الكراء، ويتم بناء على هذه العقود تسلم أحد الطرفين عقار أو منقول الطرف الاخر وقد يحدث عائق قانوني أو مادي يحول دون اتمام هذه العقود وانتاجها لجميع اثارها القانونية، بل أكثر من ذلك قد يتم ابطال هذه العقود او التصريح ببطلانها ويتم ارجاع الاطراف الى الحالة التي كانوا عليها قبل العقد وارجاع كل طرف ما أخده من الطرف الاخر.
وفي هذه الحالة قد يكون الطرف الذي حاز عقار أو منقول الطرف الاخر قد استغله لمدة قد تطول أو قد تقصر، ففي هذه الحالة أيضا يكون لهذا الاخير الحق بالمطالبة بتعويض استغلال الطرف الاخر لعقاره طيلة المدة التي سبقت التصريح ببطلان العقد الرابط بينهما.
لقد ناقش الفقه الفرنسي هذه الحالة و اعتبر بعضه، خاصة الفقيه بلانيول، أن من حق مالك العقار الحصول على تعويض عن حرمانه من عقاره عن المدة السابقة للتصريح بالبطلان مؤسسا ذلك على نظرية شبه العقود، معتبرا ذلك دفعا غير مستحق أو اغتناء بدون سبب. فيما ذهب اتجاه أخر ممثل في الفقيه كاربينون الى رفض هذا الحق للبائع مؤسسا رأيه على نظرية قلب العقد أي أنه في حالة بطلان العقد يتم قلبه وارجاع الثمن للمشتري بدون أي حق له في مراجعته وتقويمه ويتم ارجاع العقار للبائع بدون أي حق له في التعويض عن ما استغله المشتري.
وبخصوص القضاء الفرنسي فقد تدبدب بين هذه النظريتين قبل أن يستقر في قرار حديث بتاريخ 12 مارس 2003، الى الاقرار للبائع بالحق في التعويض عن استغلاله لعقاره من قبل المشتري مؤسسا قضائه على اساس المادة 1371 من القانون المدني الفرنسي أي على اساس الاثراء بدون سبب .
المبحث الثاني : الافعال المادية المؤسسة عليها دعوى المطالبة بواجب الاستغلال.
كما سبق و أن أشرنا فإن الاستغلال من الحقوق المرتبطة بحق الملكية، فكل شخص مالك لمال ما سواء كان منقولا أو عقارا له الحق في استغلاله وأخذ ثماره. وكل شخص حرم المالك من حقه هذا معرض لإثارة مسؤوليته وبعطي للمالك الحق في رفع دعوى التعويض عن الحرمان من الاستغلال سواء في اطار دعوى مدنية اصلية او في اطار دعوى مدنية تابعة حسب إن كان الفعل المقترف مجرما من عدمه.
انتزاع حيازة العقار: يعتبر انتزاع حيازة العقار فعلا مجرما طبقا للفصل 570 من القانون الجنائي، ويعرض مقترف هذا الفعل للعقوبات الجنائية المنصوص عليها بذات الفصل.
وهذا الفعل الجرمي يعطي للضحية الذي يكون غالبا المالك للعقار المنتزع حيازته الحق في اقامة دعوى
مدنية تابعة امام القضاء الزجري، أو دعوى اصلية امام القضاء المدني، للمطالبة بالتعويض الذي لحقه والذي يشمل ايضا تعويضا عن حرمانه من استغلال عقاره طلية المدة التي حرم فيها من استغلال عقاره[12].
و في هذا الصدد اذا كان القانون المغربي يجرم فعل انتزاع حيازة العقار فإنه اشترط لتجريم هذا الفعل عناصر تكوينية لا بد من توفرها لاعتباره جنحة تطالها العقوبة القانونية، ومن بين هذه العناصر واهمها أن يتم الانتزاع خلسة أو باستعمال التدليس. وفي هذا الاطار ذهبت الغرفة الجنائية لمحكمة النقض، المجلس الاعلى سابقا، في قرارها عدد 4266 الصادر بتاريخ 14/06/1988 ، ملف عدد 15144/87 الى القول : ” وحيث إن الفصل 570 من مجموعة القانون الجنائي المعاقب بمقتضاه العارض يشترط لتبرير العقاب بجنحة انتزاع لعقار من حيازة الغير أن يكون انتزاع العقار وقع خلسة أو باستعمال التدليس أو بغير ذلك مما يشير اليه الفصل المذكور.
وحيث إن أي من الحكم الابتدائي أو القرار الاستئنافي المؤيد له لم يبرز وجود أحد العناصر المذكورة مما يكون معه القرار المطعون فيه ناقص التعليل وعير مرتكز على اساس صحيح من القانون.”
من هذا المنطلق فإن انعدام العناصر المكونة لجنحة انتزاع العقار من حيازة الغير وإن جعل الفاعل في مأمن من المعاقبة الجنائية فإنه لا يعفيه من تعويض المالك أو الحائز عن حرمانه من استغلال عقاره في اطار المسؤولية التقصيرية طبقا للفصل 78 وما يليه من قانون الالتزامات والعقود[13].
الفصل الثاني : الاشكالات القانونية التي تطرحها دعوى التعويض عن واجب الاستغلال
تطرح دعوى المطالبة بواجب الاستغلال مجموعة من الاشكالات القانونية تتعلق اساسا بالتقادم و و ما إن كانت تستوجب القيام بإجراءات مسبقة ، وسنعرض لكل حالة على حدى.
المبحث الاول : تقادم دعوى المطالبة بواجب الاستغلال
إن تقادم أي دعوى يرتبط ارتباطا وثيقا بالحق الذي تروم المطالبة به، وكما سبق و أن أشرنا الى ذلك في الفصل الاول فإن الحق الذي تؤسس عليه هذه الدعوى يجد سنده القانوني في وقائع يختلف تكييفها القانوني اختلافا بينا.
مبدئيا تقادم دعوى واجب التعويض عن الحرمان من الاستغلال عندما يتعلق الامر بانتزاع حيازة عقار لا يثير اي اشكال لكون يخضع لفصل واحد وهو الفصل 106 من قانون الالتزامات والعقود الذي حدد تقادم دعوى التعويض عن الجنحة أو شبه الجنحة في خمس سنوات من تاريخ العلم بالضرر ومن سببه أو أجل عشرين سنة من تاريخ حدوث الضرر.
تبدأ اشكالات التقادم عندما يتعلق الامر بحرمان المالك من استغلال عقاره, فهذه الحالة قد تكيف كشبه جنحة عندما يتعلق الامر مثلا باحتلال ملك الغير دون أن يستجمع الفعل المرتكب عناصر جنحة انتزاع عقار كما سبق الذكر، وتخضع بالتالي لقواعد المسؤولية التقصيرية بما فيها التقادم الخماسي المحدد بالفصل 106 من قانون الالتزامات والعقود، وقد تقبل التكييف على اساس شبه العقود كالإثراء بلا سبب مما يجعلها خاضعة بالتالي للفصل 387 من قانون الالتزامات والعقود[14]، أي أن المطالبة بالتعويض في هذه الحالة يخضع للتقادم المحدد في 15 سنة. وبالتالي يطرح التساؤل عن الخيط المميز بين الحالة التي يمكن أن يؤسس عليها طلب التعويض عن الحرمان من الاستغلال على اسس قواعد المسؤولية التقصيرية والحالات التي يمكن تأسيسه على اساس نظرية شبه العقود.
من المعلوم أن المسؤولية التقصيرية تبنى على اساس عناصر الخطأ والضرر والعلاقة السببية، وبالتالي فإن حرمان المالك أو الحائز من استغلال ماله سواء كان عقار أو منقولا يقتضي لتأسيسه على هذا الاساس وجود خطأ من المدعى عليه وانعدام عنصر حسن النية لديه. وفي المقابل فإن تأسيس دعوى الحرمان من الاستغلال على اساس نظرية شبه العقود خاصة الاثراء بلا سبب يستوجب انعدام الخطأ من طرف المدعى عليه واستصحابه لعنصر حسن النية الذي لا يكون الاصل المفترض في هذه الحالة بل الذي يحاز بناء على سند قانوني سليم أو كان سليم، كوجود عقد وقع ابطاله او التصريح ببطلانه فيما بعد[15].
وللتمييز بين هاتين الحالتين يمكن اعتماد مثال الاعتداء المادي على ملك الخواص، فاذا كان بدون سلوك مسطرة نزع الملكية والاذن بالحيازة، فإن هذا الفعل يعتبر خطأ و تخضع بالتالي دعوى التعويض بسببه لقواعد المسؤولية التقصيرية وبالتالي للتقادم الخماسي المنصوص عليه بالفصل 106 من قانون الالتزامات والعقود، لكن لنفرض مثلا كون الادارة استصدرت اذنا بالحيازة من قاضي المستعجلات في اطار الفصل 18 من القانون 7/81 المتعلق بنزع الملكية واحتلت هذا العقار على هذا الاساس وتم الطعن بالاستئناف في هذا الامر وتم الغائه فيما بعد فهنا تكون الادارة لم ترتكب أي خطأ وقد حازت العقار بسند قانوني صحيح الغي فيما بعد ومطالبتها بالتعويض عن الحرمان من الاستغلال في هذه الحالة لن يكون إلا في اطار نظرية شبه العقود، خاصة الاثراء بلا سبب، مما يجعل هذه الدعوى خاضعة للتقادم المنصوص عليه بالفصل 387 من قانون الالتزامات والعقود[16].
بهذا الخصوص صادفنا قرار لمحكمة النقض رقم 5167، المؤرخ في 99/11/10، ملف امدني رقم 97/6/1/1744، اشرنا اليه في الهامش رقم 7، ذهبت فيه الى القول بكون التعويض عن الحرمان من الاستغلال لعقار حازه المدعي ملكيته في اطار الشفعة ينطلق من تاريخ ثبوت الغصب الذي هو تاريخ الامتناع من تنفيذ الحكم القاضي بالشفعة.
إن محكمة النقض بنت قرارها على الغصب أي على خطأ المدعى عليه وبالتالي على اساس قواعد المسؤولية التقصيرية، اذا كان هذا القول في شقه هذا صحيحا فإننا نختلف مع محكمة النقض بخصوص المدة الفاصلة بين تاريخ حيازة الحكم القاضي بالشفعة قوة الشيء المقضي به و بين تاريخ امتناع المدعى عليه من تنفيذه، فإذا كانت المطالبة بالتعويض عن الحرمان من الاستغلال عن هذه المدة لا تخضع لقواعد المسؤولية التقصيرية فإنه يمكن تأسيسه على اساس قواعد نظرية شبه العقود بل حتى على حق الملكية في حد ذاته الذي حازه المدعي من تاريخ الحكم له بالشفعة أي أنه منذ تاريخ صيرورة الحكم القاضي له بالشفعة فإنه أصبح مالكا على الشياع للعقار وله حق استغلاله من ذلك التاريخ، بل الأبعد من ذلك, فما دام الشفيع قد حاز حقوق المشفوع منه من تاريخ البيع فله الحق في استغلال نصيبه من العقار المشفوع فيه من هذا التاريخ.
عندما يتعلق الامر بالمطالبة بواجب الاستغلال او الحرمان من الاستغلال التي يرفعها أحد المالكين على الشياع على المالك المستأثر بالمال المشاع ففي هذه الحالة وقع اختلاف بين مواقف مختلف محاكم الموضوع من جهة و محكمة النقض من جهة ثانية ، هذه الأخيرة ذهبت حينا الى اخضاع هذه الدعوى الى التقادم المنصوص عليه بالفصل 375 من قانون الالتزامات والعقود أي أجل خمسة عشر سنة، وحين اخر طبقت عليه التقادم الخماسي المنصوص عليه بالفصل 391 من نفس القانون والمتعلق بتقادم الحقوق الدورية والمعاشات[17].
جدير بالذكر أن الاجتهاد القضائي الفرنسي قد حسم في أمر تقادم دعوى المطالبة بالاستغلال التي يرفعها أحد المالكين على الشياع على المالك المستغل وحدده في التقادم الخماسي مطبقا بذلك المادة 815-10 الفقرة 2 من القانون المدني الفرنسي[18] الذي حدد تقادم دعوى المطالبة بالاستغلال التي يرفعها أحد المالكين على الشياع على المالك المستغل في خمس سنوات.
إن تدبدب قضاء محكمة النقض في قرارتها بهذا الخصوص راجع من جهة إلى عدم وجود نص خاص يحدد التقادم الخاص بهذه الدعوى كما هو الحال في القانون المدني الفرنسي، ومن جهة أخرى الى عدم الحسم بخصوص الطبيعة القانونية للحق المطالب به.
إن ما ذهبت اليه محكمة النقض برفض اعتبار واجب الاستغلال من الحقوق الدورية في نظرنا المتواضع لم يصادف الصواب ما دام أن الاستغلال باعتباره من الحقوق المتفرعة عن حق الملكية هو مستمر في الزمان ما دام المالك حائزا لهذا الحق، وبالتالي فإن الانتفاع به يخضع لنفس الاستمرارية في الزمان مما يجعل استخلاصه يكون بطبيعته ايضا دوريا، فالمالك على الشياع يطالب دائما بالتعويض عن مدة محددة وله كامل الحق في رفع دعوى جديدة للمطالبة بالتعويض عن المدة اللاحقة للدعوى الاولى دون أن تواجه هذه الدعوى بسبقية البت وحجية الامر المقضي به طبقا للفصل 451 و 452 من قانون الالتزامات والعقود .
كما أن حالة الشياع هي شكل من اشكال الشركة ما دام أن المشرع المغربي قد أورد حالة الشياع ضمن القسم السابع المخصص للاشتراك مميزا بين الشركة العقدية وشبه الشركة أو الشياع، وقد حدد الفصل 392 من قانون الالتزامات والعقود تقادم دعوى الشركاء فيما بينهم بسبب الالتزامات الناشئة عن عقد الشركة في خمس سنوات، وان كان هذا النص خاص بالشركة العقدية فإنه يمكن التوسع في تطبيقه ليشمل حتى شبه الشركة وحالة الشياع وفي ذلك عدل وحفظ لحقوق الشياع والمال المشاع في آن واحد.
المبحث الثاني : دعوى المطالبة بواجب الاستغلال هل تستوجب اجراءات سابقة ؟
من خلال استقراء العمل القضائي بخصوص دعوى المطالبة بواجب الاستغلال التي يرفعها احد المالكين على الشياع على المالك المستأثر، وقفنا على تباين العمل القضائي بخصوص الشروط اللازمة توفرها للحكم للمدعي وفق طلبه، فبالإضافة الى ضرورة اثبات المدعي كونه مالك على الشياع للمال المطلوب واجب الاستغلال فيه، واثباته استئثار المدعى عليه باستغلاله، ذهبت بعض المحاكم الى تكليف المدعي بإثبات حرمانه من الاستغلال من طرف المدعى عليه،[19] كما ذهبت محاكم أخرى الى ضرورة اثبات المدعي كونه طالب المالك المستأثر بواجب الاستغلال ورفض هذا الاخير تمكينه منه وذلك بتوجيه انذار له قبل المطالبة القضائية تحت طائلة اعتبار تاريخ المطالبة القضائية تاريخ استحقاق التعويض دون المدة السابقة له[20].
إن هذه التوجهات تثقل كاهل المدعي في الاثبات اكثر مما تستلزمه دعواه، فالمطالبة بحق المدعي في الاستغلال يضمنه له حق الملكية الذي يتوفر عليه، وقد يكون المال المشاع بطبيعته لا يقبل القسمة العينية حتى يكون بإمكان كل شريك استغلال جزء منه كالشقة مثلا مما يجعله بالضرورة مستغلا من طرف مالك واحد الذي يستأثر بالسكن به أو يعمد بكرائه للغير ويستفرد بقبض واجبات الكراء، فلا مجال في مثل هذه الحالة لتكليف المدعي بإثبات حرمانه من الاستغلال .
وفي هذا الاطار ذهبت محكمة النقض الفرنسية الى تفسير المادة 815-9 من القانون المدني الفرنسي التي تنص على أن المالك على الشياع الذي يستأثر باستغلال المال المشاع مدين بتعويض عن الاستغلال لباقي المالكين[21] بالقول أن الاستئثار هو الاستحالة القانونية أو الفعلية للمالكين على الشياع من استغلال المال المشاع[22]. وابتداء من هذه الحالة يكون للمالك الحق في التعويض عن الاستغلال دون أي اجراء أخر.
وبهذا الخصوص نظم القانون المدني الفرنسي في مادته 262-1 حالة الزوجين الذين يملكان مالا مشتركا غالبا ما يكون بيت الزوجية. ففي حالة الطلاق اعطت هذه المادة لأحد الزوجين الحق في مطالبة الزوج الذي يستغل بيت الزوجية بواجب الاستغلال ابتداء من تاريخ تصريح المحكمة بفشل الصلح أو من تاريخ صيرورة الحكم القاضي بالطلاق نهائيا في حالة إذا ما أذنت له المحكمة بالبقاء يبيت الزوجية[23].
إن هذه المادة راعت المنطق السليم للأمور فكيف يمكن لزوجين يباشران اجراءات الطلاق بينهما، وفشلا في الصلح أن يستغلا معا بيت الزوجية؟ وأن يسكنا فيه معا .فالمنطق السليم للأمور يقضي أن احدهما يغادر هذا البيت ليتكبد مصاريف الكراء اضافة الى مصاريف القرض البنكي فيما الاخر يستأثر بهذا المال المشاع في انتظار سلوك مساطر القسمة التي قد تطول لسنين طويلة.
إن هذه القواعد التي أقرها سواء المشرع الفرنسي أو الاجتهاد القضائي الفرنسي لا شيء يمنع القضاء المغربي من الاستئناس بها واعتمادها من أجل وضع قواعد واضحة، موحدة ولا ترهق كاهل الاطراف وتكليفهم يعبئ اثبات مضاعف يرهق كاهلهم ولا ينقاض مهمة القضاء السامية في تحقيق العدالة بفعالية ودون مماطلة.
خاتـــــــمة
إن دعوى الاستغلال باعتبارها من الدعاوى الأكثر تداولا على صعيد محاكم المملكة و بالرغم من الإشكاليات العديدة التي تطرحها فإنها لازالت لا تخضع لتقنين واضح يبين الشروط الشكلية والموضوعية التي يجب احترامها من طرف المتقاضين, ما يجعلها مجالا خصبا للاجتهاد القضائي و الفقهي على حد سواء.
(محاماه نت)